منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير ايه ال عمران 31==35 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير ايه ال عمران 31==35 الشيخ سيد قطب Empty تفسير ايه ال عمران 31==35 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  منازل الشهداء الأربعاء مارس 14, 2012 7:40 pm

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)

ويختم الدرس بكلمة حاسمة قاطعة:إن الإسلام هو طاعة الله والرسول . وإن الطريق إلى الله هو طريق الأتباع للرسول . وليس مجرد الاعتقاد بالقلب , ولا الشهادة باللسان: (قل:إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله . . .)(قل:أطيعوا الله والرسول . فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين). . فإما طاعة واتباع يحبه الله , وإما كفر يكرهه الله . . وهذا هو مفرق الطريق الواضح المبين . .

فلنأخذ في التفصيل بعد هذا الإجمال . .

الدرس الرابع:18 - 22 التوحيد والإسلام وكفر من اتبع غيره

(شهد الله أنه لا إله إلا هو - والملائكة وأولوا العلم - قائما بالقسط . لا إله إلا هو العزيز الحكيم). .

هذه هي الحقيقة الأولى التي يقوم عليها التصور الاعتقادي في الإسلام . حقيقة التوحيد:توحيد الألوهية , وتوحيد القوامة . . القوامة بالقسط . . وهي الحقيقة التي بدأت بها السورة: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم). . وهي تستهدف إقرار حقيقة العقيدة الإسلامية من جهة , وجلاء الشبهات التي يلقيها أهل الكتاب من جهة . جلاءها عن أهل الكتاب أنفسهم , وجلاءها عن المسلمين الذين قد تؤثر هذه الشبهات في عقيدتهم .

وشهادة الله - سبحانه - أنه لا إله إلا هو . . هي حسب كل من يؤمن بالله . . وقد يقال:إنه لا يكتفي بشهادة الله إلا من يؤمن بالله . وأن من يؤمن بالله ليس في حاجة إلى هذه الشهادة . . ولكن واقع الأمر أن أهل الكتاب كانوا يؤمنون بالله ولكنهم في نفس الوقت يجعلون له ابنا وشريكا . بل إن المشركين أنفسهم كانوا يؤمنون بالله , ولكن الضلال كان يجيئهم من ناحية الشركاء والأنداد والأبناء والبنات ! فإذا قرر لهؤلاء وهؤلاء أن الله - سبحانه - شهد أنه لا إله إلا هو , فهذا مؤثر قوي في تصحيح تصوراتهم .

على أن الأمر - كما يبدو من متابعة السياق كما تابعناه فيما تقدم - أعمق من هذا وأدق . فإن شهادة الله - سبحانه - بأنه لا إله إلا هو , مسوقة هنا ليساق بعدها ما هو من مستلزماتها ; وهو أنه لا يقبل إذن من العباد إلا العبودية الخالصة له , الممثلة في الإسلام بمعنى الاستسلام - لا اعتقادا وشعورا فحسب - ولكن كذلك عملا وطاعة واتباعا للمنهج العملي الواقعي المتمثل في أحكام الكتاب . . ومن هذه الناحية نجد كثيرين في كل زمان يقولون:إنهم يؤمنون بالله , ولكنهم يشركون معه غيره في الألوهية , حين يتحاكمون إلى شريعة من صنع غيره , وحين يطيعون من لا يتبع رسوله وكتابه ; وحين يتلقون التصورات والقيم والموازين والأخلاق والآداب من غيره . . فهذه كلها تناقض القول بأنهم يؤمنون بالله . ولا تستقيم مع شهادة الله - سبحانه - بأنه لا إله إلا هو .

وأما شهادة الملائكة وشهادة أولي العلم , فهي متمثلة في طاعتهم لأوامر الله وحدها , والتلقي عن الله وحده , والتسليم بكل ما يجيئهم من عنده بدون تشكك ولا جدال , متى ثبت لهم أنها من عنده . وقد سبق في السورة بيان حال أولي العلم هؤلاء في قوله: (والراسخون في العلم يقولون:آمنا به , كل من عند ربنا). . فهذه شهادة أولي العلم وشهادة الملائكة:تصديق . وطاعة . واتباع . واستسلام .

وشهادة الله سبحانه وشهادة الملائكة وأولي العلم بوحدانية الله يصاحبها شهادتهم بأنه - تعالى - قائم بالقسط . بوصفها حالة ملازمة للألوهية .

(شهد الله أنه لا إله إلا هو - والملائكة وأولوا العلم - قائما بالقسط). .

فهي حالة ملازمة للألوهية كما تفيد صياغة العبارة . وهذا إيضاح للقوامة التي وردت في مطلع السورة:

(الله لا إله إلا هو الحي القيوم). . فهي قوامة بالقسط .

وتدبير الله لهذا الكون ولحياة الناس متلبس دائما بالقسط - وهو العدل - فلا يتحقق العدل المطلق في حياة الناس , ولا تستقيم أمورهم استقامة أمور الكون , التي يؤدي كل كائن معها دوره في تناسق مطلق مع دور كل كائن آخر . . لا يتحقق هذا إلا بتحكيم منهج الله الذي اختاره لحياة الناس , وبينه في كتابه . وإلا فلا قسط ولا عدل , ولا استقامة ولا تناسق , ولا تلاؤم بين دورة الكون ودورة الإنسان . وهو الظلم إذن والتصادم والتشتت والضياع !

وها نحن أولاء نرى على مدار التاريخ أن الفترات التي حكم فيها كتاب الله وحدها هي التي ذاق فيها الناس طعم القسط , واستقامت حياتهم استقامة دورة الفلك - بقدر ما تطيق طبيعة البشر المتميزة بالجنوح إلى الطاعة والجنوح إلى المعصية , والتأرجح بين هذا وذاك ; والقرب من الطاعة كلما قام منهج الله , وحكم في حياة الناس كتاب الله . وأنه حيثما حكم في حياة الناس منهج آخر من صنع البشر , لازمه جهل البشر وقصور البشر . كما لازمه الظلم والتناقض في صورة من الصور . ظلم الفرد للجماعة . أو ظلم الجماعة للفرد . أو ظلم طبقة لطبقة . أو ظلم أمة لأمة . أو ظلم جيل لجيل . . وعدل الله وحده هو المبرأ من الميل لأي من هؤلاء . وهو إله جميع العباد . وهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .

(لا إله إلا هو العزيز الحكيم). .

يؤكد حقيقة وحدة الألوهية مرة أخرى في الآية الواحدة , مصحوبة بصفة العزة وصفة الحكمة . والقدرة والحكمة لازمتان كلتاهما للقوامة بالقسط . فالقسط يقوم على وضع الأمور في مواضعها مع القدرة على إنفاذها . وصفات الله سبحانه تصور وتوحي بالفاعلية الإيجابية . فلا سلبية في التصور الإسلامي لله . وهو أكمل تصور وأصدقه لأنه وصف الله لنفسه سبحانه . وقيمة هذه الفاعلية الإيجابية أنها تعلق القلب بالله وإرادته وفعله , فتصبح العقيدة مؤثرا حيا دافعا لا مجرد تصور فكري بارد !

ويرتب على هذه الحقيقة التي عاد لتوكيدها مرتين في الآية الواحدة , نتيجتها الطبيعية . . الوهية واحدة . فلا عبودية إلا لهذه الألوهية الواحدة:

(إن الدين عند الله الإسلام . وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم . بغيا بينهم . ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب . فإن حاجوك فقل:أسلمت وجهي لله ومن اتبعن . وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين:أأسلمتم ? فإن أسلموا فقد اهتدوا . وإن تولوا فإنما عليك البلاغ , والله بصير بالعباد). .

ألوهية واحدة . . وإذن فدينونة واحدة . . واستسلام لهذه الألوهية لا يبقى معه شيء في نفوس العباد ولا في حياتهم خارجا عن سلطان الله .

ألوهية واحدة . . وإذن فجهة واحدة هي صاحبة الحق في تعبيد الناس لها ; وفي تطويعهم لأمرها ; وفي إنفاذ شريعتها فيهم وحكمها ; وفي وضع القيم والموازين لهم وأمرهم باتباعها ; وفي إقامة حياتهم كلها وفق التعليمات التي ترضاها . .

ألوهية واحدة . . وإذن فعقيدة واحدة هي التي يرضاها الله من عباده . عقيدة التوحيد الخالص الناصع . . ومقتضيات التوحيد هذه التي أسلفنا:

(إن الدين عند الله الإسلام). .

الإسلام الذي هو ليس مجرد دعوى , وليس مجرد راية , وليس مجرد كلمة تقال باللسان ; ولا حتى تصورا يشتمل عليه القلب في سكون ; ولا شعائر فردية يؤديها الأفراد في الصلاة والحج والصيام . . لا . فهذا ليس بالإسلام الذي لا يرضى الله من الناس دينا سواه . إنما الإسلام الاستسلام . الإسلام الطاعة والاتباع . الإسلام تحكيم كتاب الله في أمور العباد . . كما سيجيء في السياق القرآني ذاته بعد قليل .

والإسلام توحيد الألوهية والقوامة . . بينما كان أهل الكتاب يخلطون بين ذات الله - سبحانه - وذات المسيح - عليه السلام - كما يخلطون بين إرادة الله وإرادة المسيح أيضا . . ويختلفون فيما بينهم على هذه التصورات اختلافا عنيفا يصل في أحيان كثيرة إلى حد القتل والقتال . . هنا يبين الله لأهل الكتاب وللجماعة المسلمة علة هذا الاختلاف:

(وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم . بغيا بينهم).

إنه ليس اختلافا عن جهل بحقيقة الأمر . فقد جاءهم العلم القاطع بوحدانية الله , وتفرد الألوهية . وبطبيعة البشرية , وحقيقة العبودية . . ولكنهم إنما اختلفوا (بغيا بينهم)واعتداء وظلما ; حينما تخلوا عن قسط الله وعدله الذي تتضمنه عقيدته وشريعته وكتبه .

وقد رأينا فيما نقلناه عن المؤلف المسيحي الحديث كيف كانت التيارات السياسية تخلق هذه الاختلافات المذهبية . وليس هذا إلا نموذجا مما تكرر وقوعه في حياة اليهودية والمسيحية . وقد رأينا كيف كانت كراهية مصر والشام وما اليهما للحكم الروماني سببا في رفض المذهب الروماني الرسمي والتمذهب بمذهب آخر ! كما كان حرص بعض القياصرة على التوفيق بين أجزاء مملكته سببا في ابتداع مذهب وسط , يظن أنه يوفق بين الأغراض جميعا !! كأنما العقيدة لعبة تستخدم في المناورات السياسية والوطنية ! وهذا هو البغي أشنع البغي . عن قصد وعن علم !

ومن ثم يجيء التهديد القاصم في موضعه المناسب:

(ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب). .

وقد عد الاختلاف على حقيقة التوحيد كفرا ; وهدد الكافرين بسرعة الحساب ; كي لا يكون الإمهال - إلى أجل - مدعاة للجاجة في الكفر والإنكار والاختلاف . .

ثم لقن نبيه [ ص ] فصل الخطاب في موقفه من أهل الكتاب والمشركين جميعا . ليحسم الأمر معهم عن بينة , ويدع أمرهم بعد ذلك لله , ويمضي في طريقه الواضح متميزا متفردا:

(فإن حاجوك فقل:أسلمت وجهي لله ومن اتبعن . وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ? فإن أسلموا فقد اهتدوا . وإن تولوا فإنما عليك البلاغ . والله بصير بالعباد). .

إنه لا سبيل إلى مزيد من الإيضاح بعد ما تقدم . فإما اعتراف بوحدة الألوهية والقوامة , وإذن فلا بد من الإسلام والاتباع . وإما مماحكة ومداورة . وإذن فلا توحيد ولا إسلام .

ومن ثم يلقن الله - تعالى - رسوله [ ص ] كلمة واحدة تبين عقيدته كما تبين منهج حياته:

(فإن حاجوك)- أي في التوحيد وفي الدين - (فقل:أسلمت وجهي لله)أنا(ومن اتبعن). . والتعبير بالاتباع ذو مغزى هنا . فليس هو مجرد التصديق . إنما هو الأتباع . كما أن التعبير بالإسلام الوجه ذو مغزىكذلك . فليس هو مجرد النطق باللسان أو الاعتقاد بالجنان . إنما هو كذلك الاستسلام . استسلام الطاعة والاتباع . . وإسلام الوجه كناية عن هذا الاستسلام . والوجه أعلى وأكرم ما في الإنسان . فهي صورة الانقياد الطائع الخاضع المتبع المستجيب .

هذا اعتقاد محمد [ ص ] ومنهج حياته . والمسلمون متبعوه ومقلدوه في اعتقاده ومنهج حياته . . فليسأل إذن أهل الكتاب والأميين سؤال التبين والتمييز ووضع الشارة المميزة للمعسكرين على وضوح لا اختلاط فيه ولا اشتباه:

(وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين:أأسلمتم ?). .

فهم سواء . هؤلاء وهؤلاء . المشركون وأهل الكتاب هم مدعوون إلى الإسلام بمعناه الذي شرحناه . مدعوون للإقرار بتوحيد ذات الله , ووحدة الألوهية ووحدة القوامة . مدعوون بعد هذا الإقرار إلى الخضوع لمقتضاه . وهو تحكيم كتاب الله ونهجه في الحياة .

(فإن أسلموا فقد اهتدوا). .

فالهدى يتمثل في صورة واحدة . هي صورة الإسلام . بحقيقته تلك وطبيعته . وليس هنالك صورة أخرى , ولا تصور آخر , ولا وضع آخر , ولا منهج آخر يتمثل فيه الاهتداء . . إنما هو الضلال والجاهلية والحيرة والزيغ والالتواء . .

(وإن تولوا فإنما عليك البلاغ). .

فعند البلاغ تنتهي تبعة الرسول وينتهي عمله . وكان هذا قبل أن يأمره الله بقتال من لا يقبلون الإسلام حتى ينتهوا:إما إلى اعتناق الدين والخضوع للنظام الذي يتمثل فيه . وإما إلى التعهد فقط بالطاعة للنظام في صورة أداء الجزية . . حيث لا إكراه على الاعتقاد . .

(والله بصير بالعباد). .

يتصرف في أمرهم وفق بصره وعلمه . وأمرهم إليه على كل حال .

ولكنه لا يدعهم حتى يبين لهم مصيرهم الذي ينتظرهم وينتظر أمثالهم وفق سنة الله الماضية أبدا في المكذبين والبغاة:

(إن الذين يكفرون بآيات الله , ويقتلون النبيين بغير حق , ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس , فبشرهم بعذاب أليم . أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة . وما لهم من ناصرين). .

فهذا هو المصير المحتوم:عذاب اليم . لا يحدده بالدنيا أو بالآخرة . فهو متوقع هنا وهناك . وبطلان لأعمالهم في الدنيا والآخرة في تعبير مصور . فالحبوط هو انتفاخ الدابة التي ترعى نبتا مسموما , توطئة لهلاكها . . وهكذا أعمال هؤلاء قد تنتفخ وتتضخم في الأعين . ولكنه الانتفاخ المؤدي إلى البطلان والهلاك ! حيث لا ينصرهم ناصر ولا يدفع عنهم حام !

وذكر الكفر بآيات الله مصحوبا بقتل النبيين بغير حق - وما يمكن أن يقتل نبي ثم يكون هناك حق - وقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس - أي الذين يأمرون باتباع منهج الله القائم بالقسط المحقق وحده للقسط . . ذكر هذه الصفات يوحي بأن التهديد كان موجها لليهود , فهذه سمتهم في تاريخهم يعرفون بها متى ذكرت ! ولكن هذا لا يمنع أن يكون الكلام موجها للنصارى كذلك . فقد كانوا حتى ذلك التاريخ قتلوا الألوف منأصحاب المذاهب المخالفة لمذهب الدولة الرومانية المسيحية - بما فيهم من جاهروا بتوحيد الله تعالى وبشرية المسيح عليه السلام - وهؤلاء ممن يأمرون بالقسط . . كما أنه تهديد دائم لكل من يقع منه مثل هذا الصنيع البشع . . وكثير ما هم في كل زمان . .

ويحسن أن نتذكر دائما ماذا يعني القرآن بوصف (الذين يكفرون بآيات الله). . فليس المقصود فقط من يعلن كلمة الكفر . إنما يدخل في مدلول هذا الوصف من لا يقر بوحدة الألوهية , وقصر العبودية عليها . وهذا يتضمن بصراحة وحدة الجهة التي تصرف حياة العباد بالتشريع والتوجيه والقيم والموازين . . فمن جعل لغير الله شيئا من هذا ابتداء فهو مشرك به أو كافر بألوهيته . ولو قالها ألف مرة باللسان ! وسنرى في الآيات التالية في السياق مصداق هذا الكلام . .

الدرس الخامس:23 - 25 كفر أهل الكتاب وبعض مزاعمهم

(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم , ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ? ذلك بأنهم قالوا:لن تمسنا النار إلا أياما معدودات , وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون . فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه , ووفيت كل نفس ما كسبت ? وهم لا يظلمون). .

إنه سؤال التعجيب والتشهير من هذا الموقف المتناقض الغريب . موقف الذين أوتوا نصيبا من الكتاب . وهو التوراة لليهود ومعها الإنجيل للنصارى . وكل منهما(نصيب)من الكتاب باعتبار أن كتاب الله هو كل ما أنزل على رسله , وقرر فيه وحدة ألوهيته ووحدة قوامته . فهو كتاب واحد في حقيقته , أوتي اليهود نصيبا منه , وأوتي النصارى نصيبا منه , وأوتي المسلمون الكتاب كله باعتبار القرآن جامعا لأصول الدين كله , ومصدقا لما بين يديه من الكتاب . . سؤال التعجيب من هؤلاء (الذين أوتوا نصيبا من الكتاب). . ثم هم يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم في خلافاتهم , وليحكم بينهم في شؤون حياتهم ومعاشهم , فلا يستجيبون جميعا لهذه الدعوة , إنما يتخلف فريق منهم ويعرض عن تحكيم كتاب الله وشريعته . الأمر الذي يتناقض مع الإيمان بأي نصيب من كتاب الله ; والذي لا يستقيم مع دعوى أنهم أهل كتاب:

(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم , ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ?). .

هكذا يعجب الله من أهل الكتاب حين يعرض بعضهم - لا كلهم - عن الاحتكام إلى كتاب الله في أمور الاعتقاد وأمور الحياة . فكيف بمن يقولون:إنهم مسلمون , ثم يخرجون شريعة الله من حياتهم كلها . ثم يظلون يزعمون أنهم مسلمون ! إنه مثل يضربه الله للمسلمين أيضا كي يعلموا حقيقة الدين وطبيعة الإسلام ; ويحذروا أن يكونوا موضعا لتعجيب الله وتشهيره بهم . فإذا كان هذا هو استنكار موقف أهل الكتاب الذين لم يدعوا الإسلام , حين يعرض فريق منهم عن التحاكم إلى كتاب الله , فكيف يكون الاستنكار إذا كان "المسلمون" هم الذين يعرضون هذا الاعراض . . إنه العجب الذي لا ينقضي , والبلاء الذي لا يقدر , والغضب الذي ينتهي إلى الشقوة والطرد من رحمة الله ! والعياذ بالله !

ثم يكشف عن علة هذا الموقف المستنكر المتناقض:

(ذلك بأنهم قالوا:لن تمسنا النار إلا أياما معدودات , وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون). .

هذا هو السبب في الاعراض عن الاحتكام إلى كتاب الله ; والتناقض مع دعوى الإيمان ودعوى أنهم أهل كتاب . . إنه عدم الاعتقاد بجدية الحساب يوم القيامة , وجدية القسط الإلهي الذي لا يحابي ولا يميل . يتجلىهذا في قولهم:

(لن تمسنا النار إلا أياما معدودات). .

وإلا فلماذا لا تمسهم النار إلا أياما معدودات ? لماذا وهم ينحرفون أصلا عن حقيقة الدين وهي الاحتكام في كل شيء إلى كتاب الله ? لماذا إذا كانوا يعتقدون حقا بعدل الله ? بل إذا كانوا يحسون أصلا بجدية لقاء الله ? إنهم لا يقولون إلا افتراء , ثم يغرهم هذا الافتراء:

(وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون). .

وحقا إنه لا يجتمع في قلب واحد جدية الاعتقاد بلقاء الله , والشعور بحقيقة هذا اللقاء , مع هذا التميع في تصور جزائه وعدله . .

وحقا إنه لا يجتمع في قلب واحد الخوف من الآخرة والحياء من الله , مع الاعراض عن الاحتكام إلى كتاب الله , وتحكيمه في كل شأن من شؤون الحياة . .

ومثل أهل الكتاب هؤلاء مثل من يزعمون اليوم أنهم مسلمون . ثم يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم فيتولون ويعرضون . وفيهم من يتبجحون ويتوقحون , ويزعمون أن حياة الناس دنيا لا دين ! وأن لا ضرورة لإقحام الدين في حياة الناس العملية وارتباطاتهم الاقتصادية والاجتماعية , بل العائلية , ثم يظلون بعد ذلك يزعمون أنهم مسلمون ! ثم يعتقد بعضهم في غرارة بلهاء أن الله لن يعذبهم إلا تطهيرا من المعاصي , ثم يساقون إلى الجنة ! أليسوا مسلمين ? إنه نفس الظن الذي كان يظنه أهل الكتاب هؤلاء , ونفس الغرور بما افتروه ولا أصل له في الدين . . وهؤلاء وأولئك سواء في تنصلهم من أصل الدين , وتملصهم من حقيقته التي يرضاها الله:الإسلام . . الاستسلام والطاعة والاتباع . والتلقي من الله وحده في كل شأن من شؤون الحياة:

(فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه , ووفيت كل نفس ما كسبت , وهم لا يظلمون)?

كيف ? إنه التهديد الرعيب الذي يشفق القلب المؤمن أن يتعرض له وهو يستشعر جدية هذا اليوم وجدية لقاء الله , وجدية عدل الله ; ولا يتميع تصوره وشعوره مع الأماني الباطلة والمفتريات الخادعة . . وهو بعد تهديد قائم للجميع . . مشركين وملحدين , وأهل كتاب ومدعي إسلام , فهم سواء في أنهم لا يحققون في حياتهم الإسلام !

(فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه). . وجرى العدل الإلهي مجراه ? (ووفيت كل نفس ما كسبت). . بلا ظلم ولا محاباة ? (وهم لا يظلمون). . كما أنهم لا يحابون في حساب الله ?

سؤال يلقى ويترك بلا جواب . . وقد اهتز القلب وارتجف وهو يستحضر الجواب !

الدرس السادس:26 - 27 حقيقة الألوهية في الكون والإنسان

بعدئذ يلقن رسول الله [ ص ] وكل مؤمن , أن يتجه إلى الله , مقررا حقيقة الألوهية الواحدة , وحقيقة القوامة الواحدة , في حياة البشر , وفي تدبير الكون . فهذه وتلك كلتاهما مظهر للألوهية وللحاكمية التي لا شريك لله فيها ولا شبيه:

(قل:اللهم مالك الملك:تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء . وتعز من تشاء وتذل من تشاء . بيدك الخير . إنك على كل شيء قدير . تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل . وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي . وترزق من تشاء بغير حساب). .

نداء خاشع . . في تركيبه اللفظي إيقاع الدعاء . وفي ظلاله المعنوية روح الابتهال . وفي التفاتاته إلى كتاب الكون المفتوح استجاشة للمشاعر في رفق وإيناس . وفي جمعه بين تدبير الله وتصريفه لأمور الناس ولأمور الكون إشارة إلى الحقيقة الكبيرة:حقيقة الألوهية الواحدة القوامة على الكون والناس ; وحقيقة أن شأن الإنسان ليس إلا طرفا من شأن الكون الكبير الذي يصرفه الله ; وأن الدينونة لله وحده هي شأن الكون كله كما هي شأن الناس ; وأن الانحراف عن هذه القاعدة شذوذ وسفه وانحراف !

(قل:اللهم مالك الملك . تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء . وتعز من تشاء وتذل من تشاء). .

إنها الحقيقة الناشئة من حقيقة الألوهية الواحدة . . إله واحد فهو المالك الواحد . . هو (مالك الملك)بلا شريك . . ثم هو من جانبه يملك من يشاء ما يشاء من ملكه . يملكه إياه تمليك العارية يستردها صاحبها ممن يشاء عندما يشاء . فليس لأحد ملكية أصيلة يتصرف فيها على هواه . إنما هي ملكية معارة له خاضعة لشروط المملك الأصلي وتعليماته ; فإذا تصرف المستعير فيها تصرفا مخالفا لشرط المالك وقع هذا التصرف باطلا . وتحتم على المؤمنين رده في الدنيا . أما في الآخرة فهو محاسب على باطله ومخالفته لشرط المملك صاحب الملك الأصيل . .

وكذلك هو يعز من يشاء ويذل من يشاء بلا معقب على حكمه , وبلا مجير عليه , وبلا راد لقضائه , فهو صاحب الأمر كله بما أنه - سبحانه - هو الله . . وما يجوز أن يتولى هذا الاختصاص أحد من دون الله .

وفي قوامة الله هذه الخير كل الخير . فهو يتولاها سبحانه بالقسط والعدل . يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء بالقسط والعدل . ويعز من يشاء ويذل من يشاء بالقسط والعدل . فهو الخير الحقيقي في جميع الحالات ; وهي المشيئة المطلقة والقدرة المطلقة على تحقيق هذا الخير في كل حال: (بيدك الخير). . (إنك على كل شيء قدير). .

وهذه القوامة على شؤون البشر , وهذا التدبير لأمرهم بالخير , ليس إلا طرفا من القوامة الكبرى على شؤون الكون والحياة على الإطلاق:

(تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ; وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ; وترزق من تشاء بغير حساب). .

والتعبير التصويري لهذه الحقيقة الكبيرة , يملأ بها القلب والمشاعر والبصر والحواس:هذه الحركة الخفية المتداخلة . حركة إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل ; وإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي . . الحركة التي تدل على يد الله بلا شبهة ولا جدال , متى القى القلب إليها انتباهه , واستمع فيها إلى صوت الفطرة الصادق العميق .

وسواء كان معنى إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل هو أخذ هذا من ذاك وأخذ ذاك من هذا عند دورة الفصول . . أو كان هو دخول هذا في هذا عند دبيب الظلمة ودبيب الضياء في الأمساء والأصباح . . سواء كان هذا أو ذاك فإن القلب يكاد يبصر يد الله وهي تحرك الأفلاك , وتلف هذه الكرة المعتمة أمام تلك الكرة المضيئة , وتقلب مواضع الظلمة ومواضع الضياء . . شيئا فشيئا يتسرب غبش الليل إلى وضاءة النهار . وشيئا فشيئا يتنفس الصبح في غيابة الظلام . . شيئا فشيئا يطول الليل وهو يأكل من النهار في مقدم الشتاء . وشيئا فشيئا يطول النهار وهو يسحب من الليل في مقدم الصيف . . وهذه أو تلك حركة لا يدعي الإنسان أنه هو الذي يمسك بخيوطها الخفية الدقيقة ; ولا يدعي كذلك عاقل أنها تمضي هكذا مصادفة بلا تدبير !

كذلك الحياة والموت , يدب أحدهما في الآخر في بطء وتدرج . كل لحظة تمر على الحي يدب فيه الموت إلى جانب الحياة , ويأكل منه الموت وتبنى فيه الحياة ! خلايا حية منه تموت وتذهب , وخلايا جديدة فيه تنشأ وتعمل . وما ذهب منه ميتا يعود في دورة أخرى إلى الحياة . وما نشأ فيه حيا يعود في دورة أخرى إلى الموت . . هذا في كيان الحي الواحد . . ثم تتسع الدائرة فيموت الحي كله , ولكن خلاياه تتحول إلى ذرات تدخل في تركيب آخر ثم تدخل في جسم حي فتدب فيها الحياة . . وهكذا دورة دائبة في كل لحظة من لحظات الليل والنهار . . ولا يدعي الإنسان أنه هو الذي يصنع من هذا كله شيئا . ولا يزعم عاقل كذلك أنها تتم هكذا مصادفة بلا تدبير !

حركة في كيان الكون كله وفي كيان كل حي كذلك . حركة خفية عميقة لطيفة هائلة . تبرزها هذه الإشارة القرآنية القصيرة للقلب البشري والعقل البشري ; وهي تشي بيد القادر المبدع اللطيف المدبر . . فأنى يحاول البشر أن ينعزلوا بتدبير شأنهم عن اللطيف المدبر ? وأنى يختارون لأنفسهم أنظمة من صنع أهوائهم وهم قطاع من هذا الكون الذي ينظمه الحكيم الخبير

ثم أنى يتخذ بعضهم بعضا عبيدا , ويتخذ بعضهم بعضا أربابا , ورزق الجميع بيد الله وكلهم عليه عيال:

(وترزق من تشاء بغير حساب). .

إنها اللمسة التي ترد القلب البشري إلى الحقيقة الكبرى . حقيقة الألوهية الواحدة . حقيقة القوامة الواحدة . وحقيقة الفاعلية الواحدة وحقيقة التدبير الواحد . وحقيقة المالكية الواحدة وحقيقة العطاء الواحد . ثم حقيقة أن الدينونة لا تكون إلا لله القيوم , مالك الملك , المعز المذل , المحيي المميت , المانح المانع , المدبر لأمر الكون والناس بالقسط والخير على كل حال .

الدرس السابع:28 - 30 حرمة موالاة الكفار

هذه اللمسة تؤكد الاستنكار الذي سبق في الفقرة الماضية لموقف الذين أوتوا نصيبا من الكتاب , ثم هم يتولون ويعرضون عن التحاكم إلى كتاب الله , المتضمن لمنهج الله للبشر , بينما منهج الله يدبر أمر الكون كله وأمر البشر . . وفي الوقت ذاته تمهد للتحذير الوارد في الفقرة التالية من تولي المؤمنين الكافرين من دون المؤمنين . ما دام أن لا حول للكافرين في هذا الكون ولا طول . والأمر كله بيد الله . وهو ولي المؤمنين دون سواه:

لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين . ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء - إلا أن تتقوا منهم تقاة - ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير . قل:إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله , ويعلم ما في السماوات وما في الأرض , والله على كل شيء قدير . يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا , وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا . ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد . .

لقد استجاش السياق القرآني في الفقرة الماضية الشعور بأن الأمر كله لله , والقوة كلها لله , والتدبير كله لله , والرزق كله بيد الله . . فما ولاء المؤمن إذن لأعداء الله ? إنه لا يجتمع في قلب واحد حقيقة الإيمان بالله وموالاة أعدائه الذين يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم فيتولون ويعرضون . . ومن ثم جاء هذا التحذير الشديد , وهذا التقرير الحاسم بخروج المسلم من إسلامه إذا هو وإلى من لا يرتضي أن يحكم كتاب الله في الحياة , سواء كانت الموالاة بمودة القلب , أو بنصره , أو باستنصاره سواء:

(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين . ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء). .

هكذا . . ليس من الله في شيء . لا في صلة ولا نسبة , ولا دين ولا عقيدة , ولا رابطة ولا ولاية . . فهو بعيد عن الله , منقطع الصلة تماما في كل شيء تكون فيه الصلات .

ويرخص فقط بالتقية لمن خاف في بعض البلدان والأوقات . . ولكنها تقية اللسان لا ولاء القلب ولا ولاء العمل . قال ابن عباس - رضي الله عنهما - " ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان " . . فليس من التقية المرخص فيها أن تقوم المودة بين المؤمن وبين الكافر - والكافر هو الذي لا يرضى بتحكيم كتاب الله في الحياة على الإطلاق , كما يدل السياق هنا ضمنا وفي موضع آخر من السورة تصريحا - كما أنه ليس من التقية المرخص بها أن يعاون المؤمن الكافر بالعمل في صورة من الصور باسم التقية . فما يجوز هذا الخداع على الله !

ولما كان الأمر في هذه الحالة متروكا للضمائر ولتقوى القلوب وخشيتها من علام الغيوب , فقد تضمن التهديد تحذير المؤمنين من نقمة الله وغضبه في صورة عجيبة من التعبير حقا:

(ويحذركم الله نفسه . وإلى الله المصير). .

ثم يتابع السياق التحذير ولمس القلوب , وإشعارها أن عين الله عليها , وأن علم الله يتابعها:

(قل:إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله , ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير). .

وهو إمعان في التحذير والتهديد , واستجاشة الخشية واتقاء التعرض للنقمة التي يساندها العلم والقدرة , فلا ملجأ منها ولا نصرة !

ثم يتابع السياق التحذير ولمس القلوب خطوة أخرى كذلك باستحضار اليوم المرهوب ; الذي لا يند فيه عمل ولا نية ; والذي تواجه فيه كل نفس برصيدها كله:

(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا , وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا). .

وهي مواجهة تأخذ المسالك على القلب البشري , وتحاصره برصيده من الخير والسوء . وتصور له نفسه وهو يواجه هذا الرصيد , ويود - ولكن لات حين مودة ! - لو أن بينه وبين السوء الذي عمله أمدا بعيدا . أو أن بينه وبين هذا اليوم كله أمدا بعيدا . بينما هو في مواجهته , آخذ بخناقه , ولات حين خلاص , ولات حين فرار !

ثم يتابع السياق الحملة على القلب البشري , فيكرر تحذير الله للناس من نفسه - سبحانه -:

(ويحذركم الله نفسه). .

ويذكرهم رحمته في هذا التحذير والفرصة متاحة قبل فوات الأوان:

(والله رؤوف بالعباد). .

ومن رأفته هذا التحذير وهذا التذكير . وهو دليل على إرادته الخير والرحمة بالعباد . .

وتشي هذه الحملة الضخمة المنوعة الإيماءات والإيحاءات والأساليب والإشارات , بما كان واقعا في حياة الجماعة المسلمة من خطورة تميع العلاقات بين أفراد من المعسكر المسلم وأقربائهم وأصدقائهم وعملائهم في مكة مع المشركين وفي المدينة مع اليهود . تحت دوافع القرابة أو التجارة . . على حين يريد الإسلام أن يقيم أساس المجتمع المسلم الجديد على قاعدة العقيدة وحدها , وعلى قاعدة المنهج المنبثق من هذه العقيدة . . الأمر الذي لا يسمح الإسلام فيه بالتميع والأرجحة إطلاقا . .

كذلك يشي بحاجة القلب البشري في كل حين إلى الجهد الناصب للتخلص من هذه الأوهاق , والتحرر من تلك القيود , والفرار إلى الله والارتباط بمنهجه دون سواه .

والإسلام لا يمنع أن يعامل المسلم بالحسنى من لا يحاربه في دينه , ولو كان على غير دينه . . ولكن الولاء شيء آخر غير المعاملة بالحسنى . الولاء ارتباط وتناصر وتواد . وهذا لا يكون - في قلب يؤمن بالله حقا - إلا للمؤمنين الذين يرتبطون معه في الله ; ويخضعون معه لمنهجه في الحياة ; ويتحاكمون إلى كتابه في طاعة واتباع واستسلام .

الدرس الثامن:31 - 32 الفرق بين الإيمان والكفر حب الله وطاعة الرسول

وأخيرا يجيء ختام هذا الدرس قويا حازما , حاسما في القضية التي يعالجها , والتي تمثل أكبر الخطوط العريضة الأساسية في السورة . يجيء ليقرر في كلمات قصيرة حقيقة الإيمان , وحقيقة الدين . ويفرق تفريق حاسما بين الإيمان والكفر في جلاء لا يحتمل الشبهات:

(قل:إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم . قل:أطيعوا الله والرسول:فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين). .

إن حب الله ليس دعوى باللسان , ولا هياما بالوجدان , إلا أن يصاحبه الأتباع لرسول الله , والسير على هداه , وتحقيق منهجه في الحياة . . وإن الإيمان ليس كلمات تقال , ولا مشاعر تجيش , ولا شعائر تقام . ولكنه طاعة لله والرسول , وعمل بمنهج الله الذي يحمله الرسول . .

يقول الإمام ابن كثير في التفسير عن الآية الأولى:" هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية . فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأعماله , كما ثبت في الصحيح عن رسول الله [ ص ] أنه قال:" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " . .

ويقول عن الآية الثانية: (قل أطيعوا الله والرسول . فإن تولوا). . أي تخالفوا عن أمره - (فإن الله لا يحب الكافرين). . فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر , والله لا يحب من اتصف بذلك , وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب لله . .

ويقول الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قيم الجوزية في كتابه:"زاد المعاد في هدى خير العباد":

"ومن تأمل في السير والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له [ ص ] بالرسالة وأنه صادق , فلم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام . . علم أن الإسلام أمر وراء ذلك , وأنه ليس مجرد المعرفة فقط . ولا المعرفة والإقرار فقط . بل المعرفة والإقرار والانقياد والتزام طاعته ودينه ظاهرا وباطنا . . "

إن هذا الدين له حقيقة مميزة لا يوجد إلا بوجودها . . حقيقة الطاعة لشريعة الله , والاتباع لرسول الله , والتحاكم إلى كتاب الله . . وهي الحقيقة المنبثقة من عقيدة التوحيد كما جاء بها الإسلام . توحيد الألوهية التي لها وحدها الحق في أن تعبد الناس لها , وتطوعهم لأمرها , وتنفذ فيهم شرعها , وتضع لهم القيم والموازين التي يتحاكمون إليها ويرتضون حكمها . ومن ثم توحيد القوامة التي تجعل الحاكمية لله وحده في حياة البشر وارتباطاتها جميعا , كما أن الحاكمية لله وحده في تدبير أمر الكون كله . وما الإنسان إلا قطاع من هذا الكون الكبير .

وهذا الدرس الأول من السورة يقرر هذه الحقيقة - كما رأينا - في صورة ناصعة كاملة شاملة , لا مهرب من مواجهتها والتسليم بها لمن شاء أن يكون مسلما . إن الدين عند الله الإسلام . . وهذا - وحده - هو الإسلام

نَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)

كما شرعه الله , لا كما تصوره المفتريات والأوهام . .

الوحدة الثانية:الآيات:33 - 64 الصفحات:388 - 407 الموضوع:حقيقة قصة مريم وعيسى عليه السلام مقدمة الوحدة - ورود القصص في القرآن الكريم

تقول الروايات التي تصف المناظرة بين النبي [ ص ] ووفد نجران اليمن:إن هذا القصص الذي ورد في هذه السورة عن مولد عيسى عليه السلام , ومولد أمه مريم , ومولد يحيى , وبقية القصص جاء ردا على ما أراد الوفد إطلاقه من الشبهات ; وهو يستند إلى ما جاء في القرآن عن عيسى عليه السلام بأنه كلمة الله إلى مريم وروح منه ; وأنهم كذلك سألوا عن أمور لم ترد في سورة مريم وطلبوا الجواب عنها . .

وقد يكون هذا صحيحا . . ولكن ورود هذا القصص في هذه السورة على هذا النحو يمضي مع طريقة القرآن العامة في إيراد القصص لتقرير حقائق معينة يريد إيضاحها . وغالبا ما تكون هذه الحقائق هي موضوع السورة التي يرد فيها القصص ; فيساق القصص بالقدر وبالأسلوب الذي يركز هذه الحقائق ويبرزها ويحييها . . فما منشك أن للقصص طريقته الخاصة في عرض الحقائق , وإدخالها إلى القلوب , في صورة حية , عميقة الإيقاع , بتمثيل هذه الحقائق في صورتها الواقعية وهي تجري في الحياة البشرية . وهذا أوقع في النفس من مجرد عرض الحقائق عرضا تجريديا .

وهنا نجد هذا القصص يتناول ذات الحقائق التي يركز عليها سياق السورة , وتظهر فيها ذات الخطوط العريضة فيها . ومن ثم يتجرد هذا القصص من الملابسة الواقعة المحدودة التي ورد فيها ; ويبقى عنصرا أصيلا مستقلا ; يتضمن الحقائق الأصيلة الباقية في التصور الاعتقادي الإسلامي .

إن القضية الأصيلة التي يركز عليها سياق السورة كما قدمنا هي:قضية التوحيد . توحيد الألوهية وتوحيد القوامة . . وقصة عيسى - وما جاء من القصص مكملا لها في هذا الدرس - تؤكد هذه الحقيقة , وتنفي فكرة الولد والشريك , وتستبعدهما استبعادا كاملا ; وتظهر زيف هذه الشبهة وسخف تصورها ; وتبسط مولد مريم وتاريخها , ومولد عيسى وتاريخ بعثته وأحداثها , بطريقة لا تدع مجالا لإثارة أية شبهة في بشريته الكاملة , وأنه واحد من سلالة الرسل , شأنه شأنهم , وطبيعته طبيعتهم , وتفسر الخوارق التي صاحبت مولده وسيرته تفسيرا لا تعقيد فيه ولا غموض , من شأنه أن يريح القلب والعقل , ويدع الأمر فيهما طبيعيا عاديا لا غرابة فيه . . حتى إذا عقب على القصة بقولهSadإن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له:كن . فيكون). . وجد القلب برد اليقين والراحة ; وعجب كيف ثارت تلك الشبهات حول هذه الحقيقة البسيطة ?

والقضية الثانية التي تنشأ من القضية الأولى في سياق السورة كله هي قضية حقيقة الدين وأنه الإسلام . ومعنى الإسلام وأنه الاتباع والاستسلام . . وهذه ترد كذلك في ثنايا القصص واضحة . . ترد في قول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل: (ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم). . وفي هذا القول تقرير لطبيعة الرسالة , وأنها تأتي لإقرار منهج , وتنفيذ نظام , وبيان الحلال والحرام , ليتبعه المؤمنون بهذه الرسالة ويسلموا به . . ثم يرد معنى الاستسلام والاتباع على لسان الحواريينSadفلما أحس عيسى منهم الكفر قال:من أنصاري إلى الله ? قال الحواريون:نحن أنصار الله , آمنا بالله , واشهد بأنا مسلمون . ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين). .

ومن الموضوعات التي يركز عليها سياق السورة تصوير حال المؤمنين مع ربهم . . وهذا القصص يعرض جملة صالحة من هذه الحال في سير هذه النخبة المختارة من البشر , التي اصطفاها وجعلها ذرية بعضها من بعض . وتتمثل هذه الصور الوضيئة في حديث امرأة عمران مع ربها ومناجاته في شأن وليدتها . . وفي حديث مريم مع زكريا . وفي دعاء زكريا ونجائه لربه . وفي رد الحواريين على نبيهم , ودعائهم لربهم . . وهكذا . .

حتى إذا انتهى القصص جاء التعقيب متضمنا وملخصا هذه الحقائق , معتمدا على وقائع القصص في تقرير الحقائق التي يقررها . . فيتناول حقيقة عيسى - عليه السلام - وطبيعة الخلق والإرادة الإلهية . والوحدانية الخالصة . ودعوة أهل الكتاب إليها . ودعوتهم إلى المباهلة عليها . . وينتهي الدرس ببيان جامع شامل لأصل هذه الحقيقة ليتوجه به النبي [ ص ] إلى أهل الكتاب عامة . . من حضر منهم المناظرة ومن لم يحضر , ومن كان من ذلك الجيل ومن يجيء بعده إلى آخر الزمان (قل: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم:ألا نعبد إلا الله , ولا نشرك به شيئا , ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله . فإن تولوا فقولوا:اشهدوا بأنا مسلمون). .

بهذا ينتهي الجدل ; ويتبين ماذا يريد الإسلام من الناس , وماذا يضع لحياتهم من أساس . ويحدد معنى الدين ومعنى الإسلام ; وتنتفي كل صورة مشوهة أو مدخولة يدعي لها أصحابها أنها دين . أو أنها إسلام . . وهذا هو الهدف النهائي للدرس الماضي , وللسورة كلها كذلك , تولاها القصص بالبيان والإيضاح في الصورة القصصية الجميلة الجذابة العميقة الإيحاء . . وهذه وظيفة القصص القرآني وطبيعته التي تحكم أسلوبه وطريقة عرضه في شتى السور على نهج خاص .

وقد عرضت قصة عيسى في سورة مريم , وعرضت هنا . وبمراجعة النصوص هنا وهناك تبدو زيادة بعض الحلقات هنا , مع اختصار في بعض الحلقات . . فقد كان هناك تفصيل مطول في سورة مريم لحلقة مولد عيسى . ولم تكن هناك حلقة مولد مريم . وهنا تفصيل في رسالة عيسى والحواريين واختصار في قصة مولده كما أن التعقيب هنا أطول لأنه جاء بصدد مناظرات حول قضية أشمل , وهي قضية التوحيد والدين والوحي والرسالة , مما لم يكن موجودا في سورة مريم . . مما يكشف عن طبيعة الأسلوب القرآني في عرض القصص , مساوقا لجو السورة التي يعرض فيها , ولمناسبته فيها .

والأن نأخذ في استعراض النصوص تفصيلا .

الدرس الأول:33 - 37 قصة ولادة مريم وطفولتها

يبدأ هذا القصص ببيان من اصطفاهم الله من عباده واختارهم لحمل الرسالة الواحدة بالدين الواحد منذ بدء الخليقة , ليكونوا طلائع الموكب الإيماني في شتى مراحله المتصلة على مدار الأجيال والقرون . فيقرر أنهم ذرية بعضها من بعض . وليس من الضروري أن تكون ذرية النسب - وإن كان نسب الجميع يلتقي في آدم ونوح - فهي أولا رابطة الاصطفاء والاختيار الإلهي ; ونسب هذه العقيدة الموصول في ذلك الموكب الإيماني الكريم:

(إن الله اصطفى آدم ونوحا , وآل إبراهيم وآل عمران , على العالمين . ذرية بعضها من بعض , والله سميع عليم). .

ولقد ذكر السياق آدم ونوحا فردين ; وذكر آل إبراهيم وآل عمران أسرتين . إشارة إلى أن آدم بشخصه ونوحا بشخصه هما اللذان وقع عليهما الاصطفاء . فأما إبراهيم وعمران فقد كان الاصطفاء لهما ولذريتهما كذلك - على القاعدة التي تقررت في سورة البقرة عن آل إبراهيم:قاعدة أن وراثة النبوة والبركة في بيته ليست وراثة الدم , إنما هي وراثة العقيدةSadوإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال:إني جاعلك للناس إماما . قال:ومن ذريتي ? قال:لا ينال عهدي الظالمين) . .

وبعض الروايات تذكر أن عمران من آل إبراهيم . فذكر آل عمران إذن تخصيص لهذا الفرع لمناسبة خاصة , هي عرض قصة مريم وقصة عيسى عليه السلام . . كذلك نلاحظ أن السياق لم يذكر من آل إبراهيم لا موسى ولا يعقوب [ وهو إسرائيل ] كما ذكر آل عمران . . ذلك أن السياق هنا يستطرد إلى الجدل حول عيسى بن مريم وحول إبراهيم - كما سيأتي في الدرس التالي - فلم تكن هناك مناسبة لذكر موسى في هذا المقام أو ذكر يعقوب . .

ذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)

ومن هذا الإعلان التمهيدي ينتقل السياق مباشرة إلى آل عمران ومولد مريم:

(إذ قالت امرأة عمران:رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم . فلما وضعتها قالت:رب:إني وضعتها أنثى - والله أعلم بما وضعت - وليس الذكر كالأنثى , وإني سميتها مريم ; وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم . فتقبلها ربها بقبول حسن , وأنبتها نباتا حسنا , وكفلها زكريا . كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا . قال:يا مريم أنى لك هذا ? قالت:هو من عند الله , إن الله يرزق من يشاء بغير حساب). .

وقصة النذر تكشف لنا عن قلب "امرأة عمران" - أم مريم - وما يعمره من إيمان , ومن توجه إلى ربها بأعز ما تملك . وهو الجنين الذي تحمله في بطنها . خالصا لربها , محررا من كل قيد ومن كل شرك ومن كل حق لأحد غير الله سبحانه . والتعبير عن الخلوص المطلق بأنه تحرر تعبير موح . فما يتحرر حقا إلا من يخلص لله كله , ويفر إلى الله بجملته وينجو من العبودية لكل أحد ولك شيء ولكل قيمة , فلا تكون عبوديته إلا لله وحده . . فهذا هو التحرر إذن . . وما عداه عبودية وإن تراءت في صورة الحرية !

ومن هنا يبدو التوحيد هو الصورة المثلى للتحرر . فما يتحرر إنسان وهو يدين لأحد غير الله بشيء ما في ذات نفسه , أو في مجريات حياته , أو في الأوضاع والقيم والقوانين والشرائع التي تصرف هذه الحياة . . لا تحرر وفي قلب الإنسان تعلق أو تطلع أو عبودية لغير الله . وفي حياته شريعة أو قيم أو موازين مستمدة من غير الله . وحين جاء الإسلام بالتوحيد جاء بالصورة الوحيدة للتحرر في عالم الإنسان . .

وهذا الدعاء الخاشع من امرأة عمران , بأن يتقبل ربها منها نذرها - وهو فلذة كبدها - ينم عن ذلك الإسلام الخالص لله , والتوجه إليه كلية , والتحرر من كل قيد , والتجرد إلا من ابتغاء قبوله ورضاه:

(رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني . إنك أنت السميع العليم). .

ولكنها وضعتها أنثى ; ولم تضعها ذكرا !

(فلما وضعتها قالت:رب إني وضعتها أنثى - والله أعلم بما وضعت - وليس الذكر كالأنثى . وإني سميتها مريم . وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم). .

لقد كانت تنتظر ولدا ذكرا ; فالنذر للمعابد لم يكن معروفا إلا للصبيان , ليخدموا الهيكل , وينقطعوا للعبادة والتبتل . ولكن ها هي ذي تجدها أنثى . فتتوجه إلى ربها في نغمة أسيفة:

(رب . إني وضعتها أنثى). .

(والله أعلم بما وضعت). .

ولكنها هي تتجه إلى ربها بما وجدت , وكأنها تعتذر إن لم يكن لها ولد ذكر ينهض بالمهمة .

(وليس الذكر كالأنثى). .

ولا تنهض الأنثى بما ينهض به الذكر في هذا المجال: (وإني سميتها مريم). .

وهذا الحديث على هذا النحو فيه شكل المناجاة القريبة . مناجاة من يشعر أنه منفرد بربه . يحدثه بما في نفسه , وبما بين يديه , ويقدم له ما يملك تقديما مباشرا لطيفا . وهي الحال التي يكون فيها هؤلاء العباد المختارون مع ربهم . حال الود والقرب والمباشرة , والمناجاة البسيطة العبارة , التي لا تكلف فيها ولا تعقيد . مناجاة من

منازل الشهداء
منازل الشهداء

عدد المساهمات : 362
تاريخ التسجيل : 24/07/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى