تفسير سورة المعارج ايه40==الى ايه11 من سورة نوح
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة المعارج ايه40==الى ايه11 من سورة نوح
فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)
ثم قال: ( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ) أي: الذي خلق السماوات والأرض، وجعل مشرقا ومغربا، وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها. وتقدير الكلام: ليس الأمر كما يزعمون أن لا معاد ولا حساب، ولا بعث ولا نشور، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة. ولهذا أتى ب "لا" في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي، وهو مضمون الكلام، وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة، وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة، وهو خلق السماوات والأرض، وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات، وسائر صنوف الموجودات؛ ولهذا قال تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر: 57] وقال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأحقاف: 33] . وقال تعالى في الآية الأخرى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 81، 82]. وقال هاهنا: ( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ ) أي: يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه، فإن قدرته صالحة لذلك، ( وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) أي: بعاجزين. كما قال تعالى: أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة: 3، 4]. وقال تعالى: نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ [الواقعة: 60، 61].
واختار ابن جرير ( عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ ) أي: أمة تطيعنا ولا تعصينا وجعلها، كقوله: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد: 38]. والمعنى الأول أظهر لدلالة " < 8-230 > " الآيات الأخر عليه، والله أعلم.
ثم قال تعالى: ( فَذَرْهُمْ ) أي: يا محمد ( يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا ) أي: دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم، ( حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) أي: فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله ( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) أي: يقومون من القبور إذا دعاهم الرب، تبارك وتعالى، لموقف الحساب، ينهضون سراعًا كأنهم إلى نصب يوفضون.
قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك: إلى عَلَم يسعون. وقال أبو العالية، ويحيى بن أبي كثير: إلى غاية يسعون إليها.
وقد قرأ الجمهور: "نَصْب" بفتح النون وإسكان الصاد، وهو مصدر بمعنى المنصوب. وقرأ الحسن البصري: ( نُصُبٍ ) بضم النون والصاد، وهو الصنم، أي: كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه يوفضون، يبتدرون، أيهم يستلمه أول. وهذا مروي عن مجاهد، ويحيى بن أبي كثير، ومسلم البَطين وقتادة، والضحاك، والربيع بن أنس، وأبي صالح، وعاصم بن بَهْدَلة، وابن زيد، وغيرهم.
وقوله: ( خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ ) أي: خاضعة ( تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ) أي: في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة، ( ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ )
آخر تفسير سورة "سأل سائل" ولله الحمد والمنة.
" < 8-231 > "
تفسير سورة نوح
وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
يقول تعالى مخبرا عن نوح، عليه السلام، أنه أرسله إلى قومه آمرا له أن ينذرهم بأس الله قبل حلوله بهم، فإن تابوا وأنابوا رفع عنهم؛ ولهذا قال: ( أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) أي: بين النذارة، ظاهر الأمر واضحه.
( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ) أي: اتركوا محارمه واجتنبوا مآثمه ( وَأَطِيعُونِ ) فيما آمركم به وأنهاكم عنه.
( يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) أي: إذا فعلتم ما آمرتكم به وصدقتم ما أرسلت به إليكم، غفر الله لكم ذنوبكم.
و " من " هاهنا قيل: إنها زائدة. ولكن القول بزيادتها في الإثبات قليل. ومنه قول بعض العرب: "قد كان من مطر". وقيل: إنها بمعنى "عن" تقديره: يصفح لكم عن ذنوبكم واختاره ابن جرير وقيل: إنها للتبعيض، أي يغفر لكم الذنوب العظام التي وعدكم على ارتكابكم إياها الانتقام.
( وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) أي: يمد في أعماركم ويدرأ عنكم العذاب الذي إن لم تنـزجروا عما نهاكم عنه، أوقعه بكم.
وقد يستدل بهذه الآية من يقول: إن الطاعة والبر وصلة الرحم، يزاد بها في العمر حقيقة؛ كما ورد به الحديث: "صلة الرحم تزيد في العمر".
وقوله: ( إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أي: بادروا بالطاعة قبل حلول النقمة، فإنه إذا أمر [الله] تعالى بكون ذلك لا يرد ولا يمانع، فإنه العظيم الذي قهر كل شيء، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات.
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ( ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح، عليه السلام، أنه اشتكى إلى ربه، عز وجل، ما لقي من قومه، وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عاما، وما بين لقومه ووضح لهم ودعاهم إلى الرشد والسبيل الأقوم، فقال: ( رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا ) أي: لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار، امتثالا لأمرك وابتغاء لطاعتك، ( فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا ) أي: كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فَروا منه وحَادُوا عنه،. ( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ ) أي: سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه. كما أخبر تعالى عن كفار قريش: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26].
( وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ ) قال ابن جريج، عن ابن عباس: تنكروا له لئلا يعرفهم. وقال سعيد بن جبير، والسدي: غطوا رءوسهم لئلا يسمعوا ما يقول.
( وَأَصَرُّوا ) أي: استمروا على ما هم فيه من الشرك والكفر العظيم الفظيع، ( وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) أي: واستنكفوا عن اتباع الحق والانقياد له.
( ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ) أي: جهرة بين الناس.
( ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ ) أي: كلاما ظاهرا بصوت عال، ( وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ) أي: فيما بيني وبينهم، عليهم الدعوة لتكون أنجع فيهم.
( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ) أي: ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب، فإنه من تاب إليه تاب عليه، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك.
ثم قال: ( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ) أي: الذي خلق السماوات والأرض، وجعل مشرقا ومغربا، وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها. وتقدير الكلام: ليس الأمر كما يزعمون أن لا معاد ولا حساب، ولا بعث ولا نشور، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة. ولهذا أتى ب "لا" في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي، وهو مضمون الكلام، وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة، وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة، وهو خلق السماوات والأرض، وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات، وسائر صنوف الموجودات؛ ولهذا قال تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر: 57] وقال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأحقاف: 33] . وقال تعالى في الآية الأخرى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 81، 82]. وقال هاهنا: ( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ ) أي: يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه، فإن قدرته صالحة لذلك، ( وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) أي: بعاجزين. كما قال تعالى: أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة: 3، 4]. وقال تعالى: نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ [الواقعة: 60، 61].
واختار ابن جرير ( عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ ) أي: أمة تطيعنا ولا تعصينا وجعلها، كقوله: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد: 38]. والمعنى الأول أظهر لدلالة " < 8-230 > " الآيات الأخر عليه، والله أعلم.
ثم قال تعالى: ( فَذَرْهُمْ ) أي: يا محمد ( يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا ) أي: دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم، ( حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) أي: فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله ( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) أي: يقومون من القبور إذا دعاهم الرب، تبارك وتعالى، لموقف الحساب، ينهضون سراعًا كأنهم إلى نصب يوفضون.
قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك: إلى عَلَم يسعون. وقال أبو العالية، ويحيى بن أبي كثير: إلى غاية يسعون إليها.
وقد قرأ الجمهور: "نَصْب" بفتح النون وإسكان الصاد، وهو مصدر بمعنى المنصوب. وقرأ الحسن البصري: ( نُصُبٍ ) بضم النون والصاد، وهو الصنم، أي: كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه يوفضون، يبتدرون، أيهم يستلمه أول. وهذا مروي عن مجاهد، ويحيى بن أبي كثير، ومسلم البَطين وقتادة، والضحاك، والربيع بن أنس، وأبي صالح، وعاصم بن بَهْدَلة، وابن زيد، وغيرهم.
وقوله: ( خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ ) أي: خاضعة ( تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ) أي: في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة، ( ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ )
آخر تفسير سورة "سأل سائل" ولله الحمد والمنة.
" < 8-231 > "
تفسير سورة نوح
وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
يقول تعالى مخبرا عن نوح، عليه السلام، أنه أرسله إلى قومه آمرا له أن ينذرهم بأس الله قبل حلوله بهم، فإن تابوا وأنابوا رفع عنهم؛ ولهذا قال: ( أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) أي: بين النذارة، ظاهر الأمر واضحه.
( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ) أي: اتركوا محارمه واجتنبوا مآثمه ( وَأَطِيعُونِ ) فيما آمركم به وأنهاكم عنه.
( يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) أي: إذا فعلتم ما آمرتكم به وصدقتم ما أرسلت به إليكم، غفر الله لكم ذنوبكم.
و " من " هاهنا قيل: إنها زائدة. ولكن القول بزيادتها في الإثبات قليل. ومنه قول بعض العرب: "قد كان من مطر". وقيل: إنها بمعنى "عن" تقديره: يصفح لكم عن ذنوبكم واختاره ابن جرير وقيل: إنها للتبعيض، أي يغفر لكم الذنوب العظام التي وعدكم على ارتكابكم إياها الانتقام.
( وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) أي: يمد في أعماركم ويدرأ عنكم العذاب الذي إن لم تنـزجروا عما نهاكم عنه، أوقعه بكم.
وقد يستدل بهذه الآية من يقول: إن الطاعة والبر وصلة الرحم، يزاد بها في العمر حقيقة؛ كما ورد به الحديث: "صلة الرحم تزيد في العمر".
وقوله: ( إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أي: بادروا بالطاعة قبل حلول النقمة، فإنه إذا أمر [الله] تعالى بكون ذلك لا يرد ولا يمانع، فإنه العظيم الذي قهر كل شيء، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات.
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ( ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح، عليه السلام، أنه اشتكى إلى ربه، عز وجل، ما لقي من قومه، وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عاما، وما بين لقومه ووضح لهم ودعاهم إلى الرشد والسبيل الأقوم، فقال: ( رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا ) أي: لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار، امتثالا لأمرك وابتغاء لطاعتك، ( فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا ) أي: كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فَروا منه وحَادُوا عنه،. ( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ ) أي: سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه. كما أخبر تعالى عن كفار قريش: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26].
( وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ ) قال ابن جريج، عن ابن عباس: تنكروا له لئلا يعرفهم. وقال سعيد بن جبير، والسدي: غطوا رءوسهم لئلا يسمعوا ما يقول.
( وَأَصَرُّوا ) أي: استمروا على ما هم فيه من الشرك والكفر العظيم الفظيع، ( وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) أي: واستنكفوا عن اتباع الحق والانقياد له.
( ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ) أي: جهرة بين الناس.
( ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ ) أي: كلاما ظاهرا بصوت عال، ( وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ) أي: فيما بيني وبينهم، عليهم الدعوة لتكون أنجع فيهم.
( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ) أي: ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب، فإنه من تاب إليه تاب عليه، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك.
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة المعارج ايه11==40
» تفسير سورة الحاقه ايه 35 ==الى ايه11 من سورة المعارج
» تفسير سورة سبا ايه40\\\49
» تفسير سورة الشعراء ايه40\\\\61
» تفسير سورة النور ايه11\\\21
» تفسير سورة الحاقه ايه 35 ==الى ايه11 من سورة المعارج
» تفسير سورة سبا ايه40\\\49
» تفسير سورة الشعراء ايه40\\\\61
» تفسير سورة النور ايه11\\\21
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى