منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة النور ايه11\\\21

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة النور ايه11\\\21 Empty تفسير سورة النور ايه11\21

مُساهمة  كمال العطار الأحد يناير 15, 2012 11:51 pm

إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)

هذه العشر الآيات كلها نـزلت في شأن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار الله تعالى لها ولنبيه، صلوات الله وسلامه عليه، فأنـزل [الله عز وجل] براءتها صيانة لعرض الرسول، عليه أفضل الصلاة والسلام فقال: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ ) أي: جماعة منكم، يعني: ما هو واحد ولا اثنان بل جماعة، فكان المقدَّم في هذه اللعنة عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، فإنه كان يجمعه ويستوشيه، حتى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين، فتكلموا به، وَجوّزه آخرون منهم، وبقي الأمر كذلك قريبًا من شهر، حتى نـزل القرآن، وسياق ذلك في الأحاديث الصحيحة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر،عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسَيَّب، وعُرْوَة بن الزبير، وعلقمة بن وقاص، وعُبَيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله، وكلّهم قد حدثني بطائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصًا، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني، وبعض حديثهم يصدق بعضًا: ذكروا أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سَفَرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، وخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعدما أنـزل الحجابُ، فأنا أحْمَل في هَودَجي وأنـزل فيه مسيرنا، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غَزْوه وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري، فإذا عقْد من جَزْع ظَفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحَبَسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب -وهم يحسبون أني فيه -قالت: وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يُهَلَبْهُنَّ ولم يغشهن اللحمُ، إنما يأكلن العُلقْة من الطعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منـزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منـزلي، غلبتني عيني فنمت -وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذّكْوَانَي قد عَرَس من وراء الجيش -فادّلج فأصبح عند منـزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يُضْرَب عليّ الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخَمَّرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غيرَ استرجاعه، حتى أناخ راحلته، فَوْطئ على يَدها فركبتُها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نـزلوا مُوغرين في نحر الظهيرة. فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كِبْره عبد الله بن أبي بن سلول. فَقَدمتُ المدينة فاشتكيت حين قدمنا شهرا، والناس يُفيضُون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يَريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللُّطْف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول: " كيف تِيكُم؟" فذلك يَرِيبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نَقِهْت وخَرَجَت معي أم مِسطْح قبل المناصع -وهو مُتَبَرَّزُنا -ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نَتَّخذَ الكُنُف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنـزه، وكنا نتأذى بالكُنُف أن نتخذها في بيوتنا. فانطلقت أنا وأم مسْطَح -وهي ابنة أبي رُهْم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسْطَح بن أثاثة بن عَبَّاد بن المطلب -فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قِبَلَ بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسْطح في مِرْطها فقالت: "تَعس مسْطح". فقلت لها: بئسما قلت، تسبين رجلا [قد ] شهد بدرا؟ قالت: أي هَنْتاه، ألم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددتُ مرضًا إلى مرضي. فلما رجعتُ إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم، ثم قال: "كيف تِيكُم؟" قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ -قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبَلهما -فأذنَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمَّتاه، ما يتحدث الناس؟ فقالت: أيْ بُنَية هَوِّني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قَطّ وضيئة، عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. قالت: فقلتُ: سبحان الله أوقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلِيّا وأسامة بن زيد حين استلبث الوحيُ، يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه له من الود، فقال: يا رسول الله، هم أهلك، ولا نعلم إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يُضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدُقك الخبر. قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بَريرة، فقال: "أيْ بَرِيرة، هل رأيت من شيء يَريبك من عائشة؟" فقالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إنْ رأيت عليها أمرا قَطّ أغمصُه عليها، أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سَلُول. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: "يا معشر المسلمين مَنْ يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي" . فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج، أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية -فقال لسعد بن معاذ: لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أُسَيد بن حُضير _ وهو ابن عم سعد بن معاذ -فقال لسعد بن عبادة: كذبت! لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هَمّوا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم [قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم] يُخَفّضهم حتى سكتوا وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وبكيت يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي. قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذَنَت عليَّ امرأة من الأنصار، فأذنتُ لها، فجلست تبكي معي، فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس -قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل [لي] ما قيل، وقد لبث شهرًا لا يُوحَى إليه في شأني شيء -قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألْمَمْت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه. قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قَلَص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: والله ما أدري ما أقول للرسول. فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله.فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله. قالت: فقلت -وأنا جارية حديثة السن، لا أحفظ كثيرا من القرآن -: [إني] والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا، حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، ولَئَن قلت لكم إني بريئة -والله يعلم أني بريئة -لا تصدقوني [بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر والله عز وجل يعلم أني بريئة تصدقوني] ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف : 18]. قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مُبَرِّئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينـزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقرَ في نفسي من أن يتكلم الله فِيَّ بأمر يُتلى. ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤْيا يبرّئني الله بها. قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتى أنـزل الله على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى إنه لينحدر منه مثل الجُمَان من العرق في اليوم الشاتي، من ثِقَل القول الذي أنـزل عليه . قالت : فلما سُرّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، كان أول كلمة تكلم بها أن قال: "أبشري يا عائشة، أما الله فقد بَرّأك . فقالت لي أمي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل، هو الذي أنـزل براءتي وأنـزل الله عز وجل: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) عشر آيات. فأنـزل الله هذه الآيات في براءتي قالت: فقال أبو بكر، رضي الله عنه -وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره -: والله لا أنفق عليه شيئًا أبدا بعد الذي قال لعائشة. فأنـزل الله عز وجل: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ إلى قوله أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور : 22] فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فَرجّع إلى مِسْطَح النفقة التي كان ينفق عليه. وقال: لا أنـزعها منه أبدًا.

قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينبَ بنت جحش -زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم -، عن أمري: يا زينب، ما علمت، أوما رأيت [أوما بلغك] ؟ فقالت يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمتُ إلا خيرًا. قالت عائشة: وهي التي كانت تُسَاميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله تعالى بالورع .وطَفِقَت أختها حَمنة بنت جحش تحارب لها، فهلكت فيمن هلك.

قال ابن شهاب: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط.

أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، من حديث الزهري . وهكذا رواه ابن إسحاق، عن الزهري كذلك، قال: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة. وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة بنحو ما تقدم، والله أعلم اضغط هنا .

ثم قال البخاري: وقال أبو أسامة، عن هشام بن عُرْوة قال: أخبَرَني أبي، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما ذُكرَ من شأني الذي ذُكر وما عَلمتُ به، قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيَّ خطيبا، فتشهد فَحَمِدَ الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، أشيروا عَلَيّ في أناس أبَنُوا أهلي، وَايمُ الله ما علمت على أهلي من سوء ، وأبَنُوهم بمَن والله ما علمتُ عليه من سوء قطّ، ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي". فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: ائذن يا رسول الله أن نضرب أعناقهم، فقام رجل من الخزرج -وكانت أمّ حسان [بن ثابت] من رهط ذلك الرجل -فقال: كذبت، أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببتَ أن تُضرب أعناقهم. حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شَرٌّ في المسجد، وما عَلمتُ. فلما كان مساء ذلك اليوم، خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح، فعَثَرتْ فقالت: تَعس مسطح، فقلت: أيْ أمّ، أتسبين ابنك؟ وسكتت، ثم عَثَرت الثانية فقالت: تَعس مسطح. فقلت لها: أيْ أمّ، تسبين ابنك؟ ثم عَثَرت الثالثة فقالت: تَعس مسْطح. فانتهرتها فقالت: والله ما أسبه إلا فيك، فقلت: في أيّ شأني؟ قالت: فَبَقَرت لي الحديث. فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله. فرجعتُ إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلا ولا كثيرًا، ووُعكت، وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني إلى بيت أبي. فأرسل معي الغلام، فدخلتُ الدار، فوجدت أم رومان في السّفل، وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت [لي] أمي: ما جاء بك يا بنية؟ فأخبرتها، وذكرتُ لها الحديث، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني، [فقالت: يا بنية، خَفِّضي عليك الشأن؛ فإنه -والله -لَقَلَّما كانت امرأة حسناء، عند رجل يحبها، لها ضرائر إلا حَسَدنها، وقيل فيها وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ مني، فقلت: وقد عَلِم به أبي؟ قالت: نعم. قلت: ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم] .فاستَعْبَرْتُ وبكيت، فسمعَ أبو بكر صوتي، وهو فوق البيت يقرأ، فنـزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذُكر من شأنها. ففاضت عيناه وقال : أقسمت عليك -أيْ بُنَيّة -إلا رجعت إلى بيتك فَرَجعتُ، ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي، فسأل عني خادمي فقالت:لا والله ما علمت عليها عيبا، إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خَميرها -أو: عجينها -وانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدُقي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان الله. والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبْر الذهب الأحمر. وبلغ الأمر ذلك الرجلَ الذي قيل له، فقال: سبحان الله. والله ما كَشَفت كَنَف أنثى قط -قالت عائشة: فقتل شهيدا في سبيل الله -قالت: وأصبح أبواي عندي، فلم يزالا حتى دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صَلّى العصر، ثم دخل وقد اكتنفَني أبواي، عن يميني وعن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد يا عائشة، إن كنت قارفت سُوءًا أو ظَلَمت فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده". قالت: وقد جاءت امرأة من الأنصار، فهي جالسة بالباب، فقلت: ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئًا؟ فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفت إلى أبي، فقلت له: أجبْه. قال: فماذا أقول؟ فالتفتُ إلى أمي فقلت: أجيبيه. قالت: أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه، تَشَّهدتُ فحمدتُ الله وأثنيت عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد، فَوَالله لَئن قلت لكم إني لم أفعل -والله عز وجل يشهد إني لصادقة -ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلمتم به، وأشْربته قلوبكم، وإن قلت: إني قد فعلت -والله يعلم أني لم أفعل -لتقولُنَ: قد باءت به على نفسها، وإني -والله -ما أجد لي ولكم مثلا -والتمستُ اسم يعقوب فلم أقدر عليه -إلا أبا يوسف حين قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف : 18]، وأنـزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من ساعته، فسكتنا، فَرُفع عنه وإني لأتبين السرور في وجهه، وهو يمسح جبينه ويقول: "أبشري يا عائشة، فقد أنـزل الله براءتك" قالت: وكنت أشد ما كنتُ غضبًا، فقال لي أبواي: قومي [إليه] فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنـزل براءتي، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غَيَّرتموه، وكانت عائشة تقول: أما زينب بنت جحش فقد عصمها الله بدينها، فلم تقل إلا خيرًا. وأما أختها حَمنة بنت جحش، فهلكت فيمن هلك. وكان الذي يتكلم به مسطح وحسان بن ثابت. وأما المنافق عبد الله بن أبي بن سلول فهو الذي [كان] يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كِبْرَه منهم هو وحمنة. قالت: وحلف أبو بكر ألا ينفع مسطحًا بنافعة أبدًا، فأنـزل الله: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ إلى آخر الآية، يعني: أبا بكر، وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ يعني: مسطحا، إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور : 22]. فقال أبو بكر: بلى والله يا رَبّنا، إنا لنُحِبّ أن تغفر لنا وعاد له بما كان يصنع.

هكذا رواه البخاري من هذا الوجه مُعَلَّقا بصيغة الجزم عن أبي أسامة حماد بن أسامة [أحد الأئمة الثقات. وقد رواه ابن جرير في تفسيره، عن سفيان بن وَكيع، عن أبي أسامة] به مطولا مثله أو نحوه. اضغط هنا ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج، عن أبي أسامة، ببعضه.

وقال الإمام أحمد: حَدَثنا هُشَيْم، أخبرنا عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: لما نـزل عُذْري من السماء، جاءني النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني بذلك، فقلت: نَحمدُ الله لا نَحمدك .

وقال الإمام أحمد: حدثني ابن أبي عَدِيّ، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عَمْرَةَ، عن عائشة قالت: لما نـزل عُذْري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلما نـزل أَمَر برجلين وامرأة فَضُربوا حدهم اضغط هنا .

وأخرجه أهل السنن الأربعة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. ووقع عند أبي داود تسميتهم: حسان بن ثابت، ومِسْطح بن أثاثة، وحَمْنة بنت جحش.

فهذه طرق متعددة، عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، في المسانيد والصحاح والسنن وغيرها .

وقد رُوي من حديث أمها أمّ رومان، رضي الله عنها، فقال الإمام أحمد:

حدثنا علي بن عاصم، أخبرنا حُصَين، عن أبي وائل، عن مسروق، عن أم رومان قالت: بينا أنا عند عائشة، إذ دخلت عليها امرأة من الأنصار فقالت: فعل الله -بابنها -وفعل. فقالت عائشة: ولم؟ قالت: إنه كان فيمن حَدَّث الحديث. قالت عائشة: وأي حديث؟ قالت: كذا وكذا. قالت: وقد بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، وبلغ أبا بكر؟ قالت: نعم، فخرت عائشة، رضي الله عنها، مغشيا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض. قالت: فقمت فدثرتها، قالت: وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما شأن هذه؟" قلت: يا رسول الله، أخذتها حمى بنافض. قال: فلعله في حديث تُحُدِّث به". قالت: فاستوت له عائشة قاعدة فقالت: والله لئن حلفت لكم لا تصدقوني، ولئن اعتذرت إليكم لا تُعذرُوني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف : 18] قالت: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنـزل الله عذرها، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أبو بكر، [فدخل فقال: "يا عائشة، إن الله تعالى قد أنـزل عذرك". فقالت: بحمد الله لا بحمدك. فقال لها أبو بكر: تقولين هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم. قالت: فكان فيمن حدث هذا الحديث رجل كان يعوله أبو بكر] فحلف أبو بكر ألا يصله، فأنـزل الله: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ إلى آخر الآية[النور : 22]، قال أبو بكر: بلى، فوصله.

تفرد به البخاري دون مسلم، من طريق حُصَين وقد رواه البخاري، عن موسى بن إسماعيل، عن أبي عَوَانة -وعن محمد بن سلام -، عن محمد بن فضيل، كلاهما عن حصين، به وفي لفظ أبي عوانة: حدثتني أم رومان. وهذا صريح في سماع مسروق منها، وقد أنكر ذلك جماعة من الحفاظ، منهم الخطيب البغدادي، وذلك لما ذكره أهل التاريخ أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الخطيب: وقد كان مسروق يرسله فيقول: "سئلت أم رومان"، ويسوقه، فلعل بعضهم كتب "سُئلت" بألف، فاعتقد الراوي أنها "سَألت"، فظنه متصلا. قال الخطيب: "وقد رواه البخاري كذلك، ولم تظهر له علته". كذا قال، والله أعلم.

فقوله: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ ) أي: بالكذب والبهت والافتراء، ( عُصْبَةٌ ) أي: جماعة منكم، ( لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ) أي: يا آل أبي بكر ( بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) أي: في الدنيا والآخرة، لسان صدق في الدنيا ورفعة منازل في الآخرة، وإظهار شرف لهم باعتناء الله بعائشة أم المؤمنين، حيث أنـزل الله تعالى براءتها في القرآن العظيم الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت : 42] ولهذا لما دخل عليها ابن عباس، رضي الله عنه وهي في سياق الموت، قال لها: أبشري فإنك زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحبك، ولم يتزوج بكرًا غيرك، وأنـزل براءتك من السماء .

وقال ابن جرير في تفسيره: حدثني محمد بن عثمان الواسطي، حدثنا جعفر بن عون، عن المعلى بن عرفان، عن محمد بن عبد الله بن جَحْش قال: تفاخَرَت عائشةُ وزينبُ، رضي الله عنهما، فقالت زينب: أنا التي نـزل تزوُّجي [من السماء] قال: وقالت عائشة: أنا التي نـزل عُذري في كتابه، حين حملني ابن المعطل على الراحلة. فقالت لها زينب: يا عائشة، ما قلت حين ركبتيها؟ قالت:قلت : حسبي الله ونعم الوكيل. قالت: قلت كلمة المؤمنين .

وقوله: ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ ) أي: لكل من تكلم في هذه القضية ورَمَى أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، بشيء من الفاحشة، نصيب عظيم من العذاب.

( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ ) قيل: ابتدأ به. وقيل: الذي كان يجمعه ويستوشيه ويذيعه ويشيعه، ( لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) أي: على ذلك.

ثم الأكثرون على أن المراد بذلك إنما هو عبد الله بن أبي بن سَلُول -قبحه الله ولعنه -وهو الذي تقدم النص عليه في الحديث، وقال ذلك مجاهد وغير واحد.

وقيل: بل المراد به حسان بن ثابت، وهو قول غريب، ولولا أنه وقع في صحيح البخاري ما قد يدل على ذلك لما كان لإيراده كبير فائدة، فإنه من الصحابة الذين كان لهم فضائل ومناقب ومآثر، وأحسن محاسنه أنه كان يَذُب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [بشعره] ، وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هاجهم وجبريل معك"

وقال الأعمش، عن أبي الضُّحَى، عن مسروق قال: كنتُ عندَ عائشة، رضي الله عنها، فدخل حسان بن ثابت، فأمرت فألقي له وسادة، فلما خرج قلت لعائشة: ما تصنعين بهذا؟ يعني: يدخل عليك -وفي رواية قيل لها: أتأذنين لهذا يدخل عليك، وقد قال الله: ( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ؟ قالت: وأيُّ عذاب أشدّ من العمى -وكان قد ذهب بصره -لعل الله أن يجعل ذلك هو العذاب العظيم. ثم قالت: إنه كان يُنافحُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية أنه أنشدها عندما دخل عليها [شعرا] يمتدحها به، فقال:

حَصَـــان رَزَانٌ مـــا تُـــزَنّ بريبة




وتُصْبـح غَـرْثَى مـن لُحـوم الغَوَافل

فقالت: أما أنت فلست كذلك. وفي رواية: لكنك لست كذلك .

وقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن قَزْعَة، حدثنا سلمة بن علقمة، حدثنا داود، عن عامر، عن عائشة أنها قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان، ولا تمثلت به إلا رجوت له الجنة، قوله لأبي سفيان -يعني ابن [الحارث] بن عبد المطلب -:

هَجَـوتَ مُحَـمَّدا فَـــأجبتُ عنـه




وَعنــدَ اللـه فــي ذاك الجــزاءُ

فَـإنَ أبـي وَوَالـــده وعِـرْضــي




لعــرْضِ مُحَــمَّد منـكـم وقــاءُ

أَتَشْــتُـمُه, ولـسـتَ لَـه بكُـفءٍ?




فَشَــرُّكُمَا لخَيْركُــمَــا الفـــدَاءُ

لِـسَــانِي صَــارمٌ لا عَيْـبَ فِيـه




وَبَـحْـــرِي لا تُـكَــدِّرُه الــدِّلاءُ

فقيل: يا أم المؤمنين، أليس هذا لغوا؟ قالت: لا إنما اللغو ما قيل عند النساء. قيل: أليس الله يقول ( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ، قالت: أليس قد أصابه [عذاب] عظيم؟ [أليس] قد ذهب بصره وكُنِّع بالسيف؟ تعني: الضربة التي ضربه إياها صفوان بن المعطل [السلمي] ، حين بلغه عنه أنه يتكلم في ذلك، فعلاه بالسيف، وكاد أن يقتله .

لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)

هذا تأديب من الله للمؤمنين في قضية عائشة، رضي الله عنها، حين أفاض بعضهم في ذلك الكلام السيئ، وما ذكر من شأن الإفك، فقال: ( لَوْلا ) بمعنى: هلا ( إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ) أي: ذلك الكلام، أي: الذي رميت به أم المؤمنين ( ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ) أي: قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم، فإن كان لا يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأولى والأحرى.

وقد قيل: إنها نـزلت في أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري وامرأته، رضي الله عنهما، كما قال الإمام محمد بن إسحاق بن يَسَار، عن أبيه، عن بعض رجال بني النجار؛ أن أبا أيوب خالدَ بن زيد قالت له امرأته أم أيوب: يا أبا أيوب، أما تسمع ما يقول الناس في عائشة، رضي الله عنها؟ قال: نعم، وذلك الكذب. أكنتِ فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله ما كنتُ لأفعله. قال: فعائشة والله خير منك. قال: فلما نـزل القرآن ذكر الله، عز وجل، مَنْ قال في الفاحشة ما قال من أهل الإفك: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور : 11] وذلك حسان وأصحابه، الذين قالوا ما قالوا، ثم قال: ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ ) الآية، أي: كما قال أبو أيوب وصاحبته .

وقال محمد بن عمر الواقدي: حدثني ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان، عن أفلح مولى أبي أيوب، أن أم أيوب قالت لأبي أيوب: ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: بلى، وذلك الكذب، أفكنت يا أم أيوب [فاعلة ذلك] ؟ قالت: لا والله. قال: فعائشة والله خير منك. فلما نـزل القرآن، وذكر أهل الإفك، قال الله عز وجل: ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ) يعني: أبا أيوب حين قال لأم أيوب ما قال.

ويقال: إنما قالها أبي بن كعب.

وقوله: ( ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ) أي: هَلا ظنوا الخير، فإن أم المؤمنين أهله وأولى به، هذا ما يتعلق بالباطن، ( وَقَالُوا ) أي: بألسنتهم ( هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ) أي: كذب ظاهر على أم المؤمنين، فإن الذي وقع لم يكن ريبة، وذلك أن مجيء أم المؤمنين راكبة جَهْرَة على راحلة صفوان بن المعطل في وقت الظهيرة، والجيش بكماله يشاهدون ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، لو كان هذا الأمر فيه ريبة لم يكن هكذا جَهْرَة، ولا كانا يُقدمان على مثل ذلك على رؤوس الأشهاد، بل كان يكون هذا -لو قُدر -خفية مستورا، فتعيَّن أن ما جاء به أهل الإفك مما رَمَوا به أم المؤمنين هو الكذب البحت، والقول الزور، والرّعُونة الفاحشة [الفاجرة] والصفقة الخاسرة.

قال الله تعالى: ( لَوْلا ) أي: هلا ( جَاءُوا عَلَيْهِ ) أي: على ما قالوه ( بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ) يشهدون على صحة ما جاءوا به ( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) أي: في حكم الله كَذَبَةٌ فاجرون .

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)

يقول [الله] : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) أيها الخائضون في شأن عائشة، بأن قبل توبتكم وإنابتكم إليه في الدنيا، وعفا عنكم لإيمانكم بالنسبة إلى الدار الآخرة، ( لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ ) ، من قضية الإفك، ( عَذَابٌ عَظِيمٌ ) . وهذا فيمن عنده إيمان رزقه الله بسببه التوبة إليه، كمِسْطَح، وحسان، وحَمْنةَ بنت جحش، أخت زينبَ بنت جحش. فأما من خاض فيه من المنافقين كعبد الله بن أبي بن سلول وأضرابه، فليس أولئك مرادين في هذه الآية؛ لأنه ليس عندهم من الإيمان والعمل الصالح ما يعادل هذا ولا ما يعارضه. وهكذا شأن ما يرد من الوعيد على فعل معين، يكون مطلقًا مشروطا بعدم التوبة، أو ما يقابله من عَمَل صالح يوازنُه أو يَرجح عليه .

ثم قال تعالى: ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ) قال مجاهد، وسعيد بن جبير: أي: يرويه بعضكم عن بعض، يقول هذا: سمعته من فلان، وقال فلان كذا، وذكر بعضهم كذا.

وقرأ آخرون " إِذْ تَلقُونَه بِأَلْسِنَتِكُمْ " . وفي صحيح البخاري عن عائشة: أنها كانت تقرؤها كذلك وتقول: هو مِنْ وَلَق القول. يعني: الكذب الذي يستمر صاحبه عليه ، تقول العرب: وَلَق فلان في السير: إذا استمر فيه ، والقراءة الأولى أشهر، وعليها الجمهور، ولكن الثانية مَرْويَّة عن أم المؤمنين عائشة.

قال ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبو سعيد الأشَجّ، حدثنا أبو أسامة، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة، [عن عائشة أنها كانت تقرأ: " إِذْ تَلقُونَه " وتقول: إنما هو وَلَق القول -والوَلَق: الكذب. قال ابن أبي مليكة ]: هي أعلم به من غيرها.

وقوله: ( وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ) أي: تقولون ما لا تعلمون.

ثم قال تعالى: ( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) أي: تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين، وتحسبون ذلك يسيرا [سهلا] ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هَيِّنا، فكيف وهي زوجة النبي الأمي، خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، فعظيم عند الله أن يقال في زوجة رسوله ما قيل! الله يغار لهذا، وهو سبحانه وتعالى، لا يُقَدِّر على زوجة نبي من أنبيائه ذلك، حاشا وكَلا ولما [لم يكن ذلك] فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء، وزوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة؟! ولهذا قال تعالى ( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) ، وفي الصحيحين: إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله، لا يدري ما تَبْلُغ، يهوي بها في النار أبْعَد ما بين السماء والأرض" وفي رواية: "لا يلقي لها بالا" .

وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)

هذا تأديب آخر بعد الأول: الآمر بالظن خيرا أي: إذا ذكر ما لا يليق من القول في شأن الخيرة فأولى ينبغي الظن بهم خيرا، وألا يشعر نفسه سوى ذلك، ثم إن عَلِق بنفسه شيء من ذلك -وسوسةً أو خيالا -فلا ينبغي أن يتكلم به، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدَّثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل" أخرجاه في الصحيحين .

وقال الله تعالى: ( وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا ) أي: ما ينبغي لنا أن نتفوه بهذا الكلام ولا نذكره لأحد ( سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) أي: سبحان الله أن يقال هذا الكلام على زوجة [نبيه و] رسوله وحليلة خليله.

ثم قال تعالى: ( يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا ) أي: ينهاكم الله متوعِّدًا أن يقع منكم ما يشبه هذا أبدًا، أي: فيما يستقبل. فلهذا قال: ( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) أي: إن كنتم تؤمنون بالله وشرعه، وتعظمون رسوله صلى الله عليه وسلم، فأما من كان متصفا بالكفر فذاك له حكم آخر.

ثم قال: ( وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ ) أي: يوضح لكم الأحكام الشرعية والحِكَمَ القَدَريّة، ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) أي: عليم بما يصلح عباده، حكيم في شَرْعه وقَدَره.

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19)

وهذا تأديب ثالث لمن سمع شيئا من الكلام السيئ، فقام بذهنه منه شيء،وتكلم به، فلا يكثر منه ويشيعه ويذيعه، فقد قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ) أي: يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح، ( لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا ) أي: بالحد، وفي الآخرة بالعذاب ، ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) أي: فردوا الأمور إليه تَرْشُدُوا.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بكر، حدثنا ميمون بن أبي محمد المَرَئيّ، حدثنا محمد بن عَبّاد المخزومي، عن ثَوْبَان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُؤذوا عِبادَ الله ولا تُعيِّروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم، طلب الله عورته، حتى يفضحه في بيته" .

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)

يقول تعالى: ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) أي: لولا هذا لكان أمر آخر، ولكنه تعالى رؤوف بعباده، رحيم بهم. فتاب على من تاب إليه من هذه [القضية] وطَهَّر من طَهَّر منهم بالحد الذي أقيم عليه.
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى