تفسير سورة المعارج ايه11==40
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة المعارج ايه11==40
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)
قال العوفي عن ابن عباس: يعرف بعضهم بعضا، ويتعارفون بينهم، ثم يفر بعضهم من بعض " < 8-225 > " بعد ذلك، يقول: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ
وهذه الآية الكريمة كقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [لقمان: 33]. وكقوله: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [فاطر: 18]. وكقوله: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون: 101]. وكقوله: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: 34 -37].
وقوله: ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلا ) أي: لا يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الأرض، وبأعز ما يجده من المال، ولو بملء الأرض ذهبًا، أو من ولده الذي كان في الدنيا حُشَاشة كبده، يود يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به، ولا يقبل منه. قال مجاهد والسدي: ( فَصِيلَتِهِ ) قبيلته وعشيرته. وقال عكرمة: فَخذه الذي هو منهم. وقال أشهب، عن مالك: ( فَصِيلَتِهِ ) أمه.
وقوله: ( إِنَّهَا لَظَى ) يصف النار وشدة حرها ( نـزاعَةً لِلشَّوَى ) قال ابن عباس، ومجاهد: جلدة الرأس. وقال العوفي، عن ابن عباس: ( نـزاعَةً لِلشَّوَى ) الجلود والهام. وقال مجاهد: ما دون العظم من اللحم. وقال سعيد بن جبير: العصب. والعقب. وقال أبو صالح: ( نـزاعَةً لِلشَّوَى ) يعني: أطراف اليدين والرجلين. وقال أيضا: نـزاعة لحم الساقين. وقال الحسن البصري، وثابت البناني: ( نـزاعَةً لِلشَّوَى ) أي: مكارم وجهه. وقال الحسن أيضا: تحرق كل شيء فيه، ويبقى فؤاده يصيح. وقال قتادة: ( نـزاعَةً لِلشَّوَى ) أي: نـزاعة لهامته ومكارم وَجهه وخَلْقَه وأطرافه. وقال الضحاك: تبري اللحم والجلد عن العظم، حتى لا تترك منه شيئًا. وقال ابن زيد: الشوى: الآراب العظام. فقوله: نـزاعة، قال: تقطع عظامهم، ثم يُجَدد خلقهم وتبدل جلودهم.
وقوله: ( تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى ) أي: تدعو النار إليها أبناءها الذين خلقهم الله لها، وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها، فتدعوهم يوم القيامة بلسان طَلق ذَلِق، ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب. وذلك أنهم -كما قال الله، عز وجل-كانوا ممن ( أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ) أي: كذب بقلبه، وترك العمل بجوارحه ( وَجَمَعَ فَأَوْعَى ) أي: جمع المال بعضه على بعض فأوعاه، أي: أوكاه ومنع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات ومن إخراج الزكاة. وقد ورد في الحديث: "ولا تُوعي فَيُوعي الله عليك" اضغط هنا وكان عبد الله بن عُكيم لا يربط له كيسا ويقول: سمعت الله يقول: ( وَجَمَعَ فَأَوْعَى )
وقال الحسن البصري: يا ابن آدم، سمعتَ وعيدَ الله ثم أوعيتَ الدنيا.
وقال قتادة في قوله: ( وَجَمَعَ فَأَوْعَى ) قال: كان جَمُوعًا قمُومًا للخَبيث.
" < 8-226 > "
إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)
يقول تعالى مخبرًا عن الإنسان وما هو مجبول عليه من الأخلاق الدنيئة: ( إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ) ثم فسره بقوله: ( إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ) أي: إذا أصابه الضر فزع وجزع وانخلع قلبه من شدة الرعب، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير.
( وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ) أي: إذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره، ومنع حق الله فيها.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا موسى بن عُلَيّ بنُ رَباح: سمعت أبي يحدث عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم قال: سمعت أبا هُرَيرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شر ما في رجل شُحٌ هالع، وجبن خالع".
ورواه أبو داود عن عبد الله بن الجراح، عن أبي عبد الرحمن المقري، به وليس لعبد العزيز عنده سواه.
ثم قال: ( إِلا الْمُصَلِّينَ ) أي: الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم إلا من عصمه الله ووفقه، وهداه إلى الخير ويسر له أسبابه، وهم المصلون ( الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ) قيل: معناه يحافظون على أوقاتهم وواجباتهم. قاله ابن مسعود، ومسروق، وإبراهيم النخعي.
وقيل: المراد بالدوام هاهنا السكون والخشوع، كقوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1، 2]. قاله عتبة بن عامر. ومنه الماء الدائم، أي: الساكن الراكد.
وقيل: المراد بذلك الذين إذا عملوا عملا داوموا عليه وأثبتوه، كما جاء في الصحيح عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلّ" . وفي لفظ: "ما داوم عليه صاحبه"، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا داوم عليه. وفي لفظ: أثبته .
" < 8-227 > "
وقال قتادة في قوله: ( الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ) ذُكر لنا أن دانيال، عليه السلام، نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال: يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا، أو قوم عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة. فعليكم بالصلاة فإنها خُلُق للمؤمنين حسن.
وقوله: ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) أي: في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات. وقد تقدم الكلام على ذلك في "سورة الذاريات".
وقوله: ( وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ) أي: يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء، فهم يعملون عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب؛ ولهذا قال: ( وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ) أي: خائفون وجلون، ( إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ) أي: لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان من الله تبارك وتعالى.
وقوله: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) أي: يكفونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله [فيه] ولهذا قال: ( إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) أي: من الإماء، ( فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) وقد تقدم تفسير ذلك في أول سورة ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) بما أغنى عنى إعادته هاهنا.
وقوله: ( وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا. وهذه صفات المؤمنين، وضدها صفات المنافقين، كما ورد في الحديث الصحيح: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". وفي رواية: "إذا حَدَّث كذب، وإذا عاهد غَدَر، وإذا خاصم فجر" .
وقوله: ( وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ) أي: محافظون عليها لا يزيدون فيها، ولا ينقصون منها، ولا يكتمونها، وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة: 283].
ثم قال: ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) أي: على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها، فافتتح الكلام بذكر الصلاة واختتمه بذكرها، فدل على الاعتناء بها والتنويه بشرفها، كما تقدم في أول سورة: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) ؛ سواء لهذا قال هناك: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 10، 11] وقال هاهنا: ( أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ) أي: مكرمون بأنواع الملاذ والمسار.
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)
"< 8-228 >"
يقول تعالى منكرًا على الكفار الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهم مشاهدون له، ولما أرسله الله به من الهدى وما أيده الله به من المعجزات الباهرات، ثم هم مع هذا كله فارون منه، متفرقون عنه، شاردون يمينًا وشمالا فِرَقًا فِرَقًا، وشِيعًا شِيعًا، كما قال تعالى: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر: 49، 51] الآية وهذه مثلها؛ فإنه قال تعالى: ( فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ) أي: فما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد ( مُهْطِعِينَ ) أي مسرعين نافرين منك، كما قال الحسن البصري: ( مُهْطِعِينَ ) أي: منطلقين، ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ) واحدها عزَةٌ، أي: متفرقين. وهو حال من مهطعين، أي: في حال تفرقهم واختلافهم، كما قال الإمام أحمد في أهل الأهواء: فهم مخالفون للكتاب، مختلفون في الكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب.
وقال العوفي، عن ابن عباس: ( فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ) قال: قبلك ينظرون، ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ) قال: العزين: العُصَب من الناس، عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار. حدثنا أبو عامر، حدثنا قرة، عن الحسن في قوله: ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ) متفرقين، يأخذون يمينًا وشمالا يقولون: ما قال هذا الرجل؟
وقال قتادة: ( مُهْطِعِينَ ) عامدين، ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ) أي: فِرَقًا حول النبي صلى الله عليه وسلم لا يرغبون في كتاب الله، ولا في نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقال الثوري، وشعبة، وعيسى بن يونس وعَبْثَر بن القاسم ومحمد بن فضيل، ووَكِيع، ويحيى القطان، وأبو معاوية، كلهم عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم حلق، فقال: "ما لي أراكم عزين؟"
رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، من حديث الأعمش، به
" < 8-229 > "
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا مُؤَمَّل، حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حِلَق حِلق، فقال: "ما لي أراكم عزين؟" .
وهذا إسناد جيد، ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه.
وقوله: ( أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ) أي: أيطمع هؤلاء -والحالة هذه-من فرارهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ونفارهم عن الحق -أن يدخلوا جنات النعيم؟ كلا بل مأواهم الجحيم.
ثم قال تعالى مقررًا لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا كونه واستبعدوا وجوده، مستدلا عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها وهم معترفون بها، فقال ( إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) أي: من المني الضعيف، كما قال: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [المرسلات: 20]. وقال: فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ [الطارق: 5 -10].
قال العوفي عن ابن عباس: يعرف بعضهم بعضا، ويتعارفون بينهم، ثم يفر بعضهم من بعض " < 8-225 > " بعد ذلك، يقول: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ
وهذه الآية الكريمة كقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [لقمان: 33]. وكقوله: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [فاطر: 18]. وكقوله: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون: 101]. وكقوله: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: 34 -37].
وقوله: ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلا ) أي: لا يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الأرض، وبأعز ما يجده من المال، ولو بملء الأرض ذهبًا، أو من ولده الذي كان في الدنيا حُشَاشة كبده، يود يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به، ولا يقبل منه. قال مجاهد والسدي: ( فَصِيلَتِهِ ) قبيلته وعشيرته. وقال عكرمة: فَخذه الذي هو منهم. وقال أشهب، عن مالك: ( فَصِيلَتِهِ ) أمه.
وقوله: ( إِنَّهَا لَظَى ) يصف النار وشدة حرها ( نـزاعَةً لِلشَّوَى ) قال ابن عباس، ومجاهد: جلدة الرأس. وقال العوفي، عن ابن عباس: ( نـزاعَةً لِلشَّوَى ) الجلود والهام. وقال مجاهد: ما دون العظم من اللحم. وقال سعيد بن جبير: العصب. والعقب. وقال أبو صالح: ( نـزاعَةً لِلشَّوَى ) يعني: أطراف اليدين والرجلين. وقال أيضا: نـزاعة لحم الساقين. وقال الحسن البصري، وثابت البناني: ( نـزاعَةً لِلشَّوَى ) أي: مكارم وجهه. وقال الحسن أيضا: تحرق كل شيء فيه، ويبقى فؤاده يصيح. وقال قتادة: ( نـزاعَةً لِلشَّوَى ) أي: نـزاعة لهامته ومكارم وَجهه وخَلْقَه وأطرافه. وقال الضحاك: تبري اللحم والجلد عن العظم، حتى لا تترك منه شيئًا. وقال ابن زيد: الشوى: الآراب العظام. فقوله: نـزاعة، قال: تقطع عظامهم، ثم يُجَدد خلقهم وتبدل جلودهم.
وقوله: ( تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى ) أي: تدعو النار إليها أبناءها الذين خلقهم الله لها، وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها، فتدعوهم يوم القيامة بلسان طَلق ذَلِق، ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب. وذلك أنهم -كما قال الله، عز وجل-كانوا ممن ( أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ) أي: كذب بقلبه، وترك العمل بجوارحه ( وَجَمَعَ فَأَوْعَى ) أي: جمع المال بعضه على بعض فأوعاه، أي: أوكاه ومنع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات ومن إخراج الزكاة. وقد ورد في الحديث: "ولا تُوعي فَيُوعي الله عليك" اضغط هنا وكان عبد الله بن عُكيم لا يربط له كيسا ويقول: سمعت الله يقول: ( وَجَمَعَ فَأَوْعَى )
وقال الحسن البصري: يا ابن آدم، سمعتَ وعيدَ الله ثم أوعيتَ الدنيا.
وقال قتادة في قوله: ( وَجَمَعَ فَأَوْعَى ) قال: كان جَمُوعًا قمُومًا للخَبيث.
" < 8-226 > "
إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)
يقول تعالى مخبرًا عن الإنسان وما هو مجبول عليه من الأخلاق الدنيئة: ( إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ) ثم فسره بقوله: ( إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ) أي: إذا أصابه الضر فزع وجزع وانخلع قلبه من شدة الرعب، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير.
( وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ) أي: إذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره، ومنع حق الله فيها.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا موسى بن عُلَيّ بنُ رَباح: سمعت أبي يحدث عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم قال: سمعت أبا هُرَيرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شر ما في رجل شُحٌ هالع، وجبن خالع".
ورواه أبو داود عن عبد الله بن الجراح، عن أبي عبد الرحمن المقري، به وليس لعبد العزيز عنده سواه.
ثم قال: ( إِلا الْمُصَلِّينَ ) أي: الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم إلا من عصمه الله ووفقه، وهداه إلى الخير ويسر له أسبابه، وهم المصلون ( الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ) قيل: معناه يحافظون على أوقاتهم وواجباتهم. قاله ابن مسعود، ومسروق، وإبراهيم النخعي.
وقيل: المراد بالدوام هاهنا السكون والخشوع، كقوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1، 2]. قاله عتبة بن عامر. ومنه الماء الدائم، أي: الساكن الراكد.
وقيل: المراد بذلك الذين إذا عملوا عملا داوموا عليه وأثبتوه، كما جاء في الصحيح عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلّ" . وفي لفظ: "ما داوم عليه صاحبه"، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا داوم عليه. وفي لفظ: أثبته .
" < 8-227 > "
وقال قتادة في قوله: ( الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ) ذُكر لنا أن دانيال، عليه السلام، نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال: يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا، أو قوم عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة. فعليكم بالصلاة فإنها خُلُق للمؤمنين حسن.
وقوله: ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) أي: في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات. وقد تقدم الكلام على ذلك في "سورة الذاريات".
وقوله: ( وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ) أي: يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء، فهم يعملون عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب؛ ولهذا قال: ( وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ) أي: خائفون وجلون، ( إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ) أي: لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان من الله تبارك وتعالى.
وقوله: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) أي: يكفونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله [فيه] ولهذا قال: ( إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) أي: من الإماء، ( فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) وقد تقدم تفسير ذلك في أول سورة ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) بما أغنى عنى إعادته هاهنا.
وقوله: ( وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا. وهذه صفات المؤمنين، وضدها صفات المنافقين، كما ورد في الحديث الصحيح: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". وفي رواية: "إذا حَدَّث كذب، وإذا عاهد غَدَر، وإذا خاصم فجر" .
وقوله: ( وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ) أي: محافظون عليها لا يزيدون فيها، ولا ينقصون منها، ولا يكتمونها، وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة: 283].
ثم قال: ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) أي: على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها، فافتتح الكلام بذكر الصلاة واختتمه بذكرها، فدل على الاعتناء بها والتنويه بشرفها، كما تقدم في أول سورة: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) ؛ سواء لهذا قال هناك: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 10، 11] وقال هاهنا: ( أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ) أي: مكرمون بأنواع الملاذ والمسار.
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)
"< 8-228 >"
يقول تعالى منكرًا على الكفار الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهم مشاهدون له، ولما أرسله الله به من الهدى وما أيده الله به من المعجزات الباهرات، ثم هم مع هذا كله فارون منه، متفرقون عنه، شاردون يمينًا وشمالا فِرَقًا فِرَقًا، وشِيعًا شِيعًا، كما قال تعالى: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر: 49، 51] الآية وهذه مثلها؛ فإنه قال تعالى: ( فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ) أي: فما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد ( مُهْطِعِينَ ) أي مسرعين نافرين منك، كما قال الحسن البصري: ( مُهْطِعِينَ ) أي: منطلقين، ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ) واحدها عزَةٌ، أي: متفرقين. وهو حال من مهطعين، أي: في حال تفرقهم واختلافهم، كما قال الإمام أحمد في أهل الأهواء: فهم مخالفون للكتاب، مختلفون في الكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب.
وقال العوفي، عن ابن عباس: ( فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ) قال: قبلك ينظرون، ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ) قال: العزين: العُصَب من الناس، عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار. حدثنا أبو عامر، حدثنا قرة، عن الحسن في قوله: ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ) متفرقين، يأخذون يمينًا وشمالا يقولون: ما قال هذا الرجل؟
وقال قتادة: ( مُهْطِعِينَ ) عامدين، ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ) أي: فِرَقًا حول النبي صلى الله عليه وسلم لا يرغبون في كتاب الله، ولا في نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقال الثوري، وشعبة، وعيسى بن يونس وعَبْثَر بن القاسم ومحمد بن فضيل، ووَكِيع، ويحيى القطان، وأبو معاوية، كلهم عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم حلق، فقال: "ما لي أراكم عزين؟"
رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، من حديث الأعمش، به
" < 8-229 > "
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا مُؤَمَّل، حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حِلَق حِلق، فقال: "ما لي أراكم عزين؟" .
وهذا إسناد جيد، ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه.
وقوله: ( أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ) أي: أيطمع هؤلاء -والحالة هذه-من فرارهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ونفارهم عن الحق -أن يدخلوا جنات النعيم؟ كلا بل مأواهم الجحيم.
ثم قال تعالى مقررًا لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا كونه واستبعدوا وجوده، مستدلا عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها وهم معترفون بها، فقال ( إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) أي: من المني الضعيف، كما قال: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [المرسلات: 20]. وقال: فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ [الطارق: 5 -10].
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة الحاقه ايه 35 ==الى ايه11 من سورة المعارج
» تفسير سورة المعارج ايه40==الى ايه11 من سورة نوح
» تفسير سورة النور ايه11\\\21
» تفسير سورة المعارج ايه رقم 1 الى 18 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة المعارج ايه 19 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة المعارج ايه40==الى ايه11 من سورة نوح
» تفسير سورة النور ايه11\\\21
» تفسير سورة المعارج ايه رقم 1 الى 18 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة المعارج ايه 19 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى