منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة المائده ايه 97==107 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة المائده ايه 97==107 الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة المائده ايه 97==107 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار السبت أبريل 07, 2012 4:48 pm

من الاية 97 الى الاية 100

جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (98) مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)

إنها منطقة الأمان يقيمها الله للبشر في زحمة الصراع . . إنها الكعبة الحرام , والأشهر الحرام , تقدم في وسط المعركة المستعرة بين المتخاصمين والمتحاربين والمتصارعين والمتزاحمين على الحياة بين الأحياء من جميع الأنواع والأجناس . . بين الرغائب والمطامع والشهوات والضرورات . . فتحل الطمأنينة محل الخوف , ويحل السلام محل الخصام , وترف أجنحة من الحب والإخاء والأمن والسلام . وتدرب النفس البشرية في واقعها العملي - لا في عالم المثل والنظريات - على هذه المشاعر وهذه المعاني ; فلا تبقى مجرد كلمات مجنحة ورؤى حالمة , تعز على التحقيق في واقع الحياة:

جعل الله الكعبة البيت الحرام , قياما للناس , والشهر الحرام , والهدي والقلائد . ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم . اعلموا أن الله شديد العقاب , وأن الله غفور رحيم , ما على الرسول إلا البلاغ ; والله يعلم ما تبدون وما تكتمون . .

لقد جعل الله هذه الحرمات تشمل الإنسان والطير والحيوان والحشرات بالأمن في البيت الحرام , وفي فترة الإحرام بالنسبة للمحرم حتى وهو لم يبلغ الحرم . كما جعل الأشهر الحرم الأربعة التي لا يجوز فيها القتل ولا القتال وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثم رجب . . ولقد ألقى الله في قلوب العرب - حتى في جاهليتهم - حرمة هذه الأشهر . فكانوا لا يروعون فيها نفسا , ولا يطلبون فيها دما , ولا يتوقعون فيها ثأرا , حتى كان الرجل يلقى قاتل أبيه وابنه وأخيه فلا يؤذيه , فكانت مجالا آمنا للسياحة والضرب في الأرض وابتغاء الرزق . . جعلها الله كذلك لأنه أراد للكعبة - بيت الله الحرام - أن تكون مثابة أمن وسلام . تقيم الناس وتقيهم الخوف والفزع . كذلك جعل الأشهر الحرم لتكون منظقة أمن في الزمان كالكعبة منطقة أمن في المكان . ثم مد رواق الأمن خارج منطقة الزمان والمكان , فجعله حقا للهدي - وهو النعم - الذي يطلق ليبلغ الكعبة في الحج والعمرة ; فلا يمسه أحد في الطريق بسوء . كما جعله لمن يتقلد من شجر الحرم , معلنا احتماءه بالبيت العتيق .

لقد جعل الله هذه الحرمات منذ بناء هذا البيت على أيدي إبراهيم وإسماعيل ; وجعله مثابة للناس وأمنا , حتى لقد امتن الله به على المشركين أنفسهم ; إذ كان بيت الله بينهم مثابة لهم وأمنا , والناس من حولهم يتخطفون , وهم فيه وبه آمنون , ثم هم - بعد ذلك - لا يشكرون الله ; ولا يفردونه بالعبادة في بيت التوحيد ; ويقولون للرسول [ ص ] إذ يدعوهم إلى التوحيد:إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا . فحكى الله قولهم هذا وجبههم بحقيقة الأمن والمخافةSadوقالوا:إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا . أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ? ولكن أكثرهم لا يعلمون).

وفي الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:قال رسول الله [ ص ] يوم فتح مكة:" إن هذا البلد حرام , لا يعضد شجرة , ولا يختلى خلاه , ولا ينفر صيده , ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف " .

ولم يستثن من الأحياء مما يجوز قتله في الحرم وللمحرم إلا الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور لحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين:" أمر رسول الله [ ص ] بقتل خمس فواسق في الحل والحرم:الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " . .

"وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - زيادة الحية . "

كذلك حرمت المدينة لحديث علي - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله [ ص ] " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور " . . وفي الصحيحين من حديث عباد بن تميم أن رسول الله [ ص ] قال:

إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها , وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة .

وبعد , فإنها ليست منطقة الأمان في الزمان والمكان وحدهما . وليس رواق الأمن الذي يشمل الحيوان والإنسان وحدهما . . إنما هي كذلك منطقة الأمان في الضمير البشري . . ذلك المصطرع المترامي الأطراف في أغوار النفس البشرية . . هذا المصطرع الذي يثور ويفور فيطغى بشواظه وبدخانه على المكان والزمان , وعلى الإنسان والحيوان ! . . إنها منطقة السلام والسماحة في ذلك المصطرع , حتى ليتحرج المحرم أن يمد يده إلى الطير والحيوان . وهما - في غير هذه المنطقة - حل للإنسان . ولكنهما هنا في المثابة الآمنة . في الفترة الآمنة . في النفس الآمنة . . إنها منطقة المرانة والتدريب للنفس البشرية لتصفو وترق وترف فتتصل بالملأ الأعلى ; وتتهيأ للتعامل مع الملأ الأعلى . .

ألا ما أحوج البشرية المفزعة الوجلة , المتطاحنة المتصارعة . . إلى منطقة الأمان , التي جعلها الله للناس في هذا الدين , وبينها للناس في هذا القرآن ! (ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض , وأن الله بكل شيء عليم). .

تعقيب عجيب في هذا الموضع ; ولكنه مفهوم ! إن الله يشرع هذه الشريعة , ويقيم هذه المثابة , ليعلم الناس أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم . . ليعلموا أنه يعلم طبائع البشر وحاجاتهم ومكنونات نفوسهم وهتاف أرواحهم . وأنه يقرر شرائعه لتلبية الطبائع والحاجات , والاستجابة للأشواق والمكنونات . . فإذا أحست قلوب الناس رحمة الله في شريعته ; وتذوقت جمال هذا التطابق بينها وبين فطرتهم العميقة علموا أن الله يعلم ما في السماوات والأرض وأن الله بكل شيء عليم .

إن هذا الدين عجيب في توافيه الكامل مع ضرورات الفطرة البشرية وأشواقها جميعا ; وفي تلبيته لحاجات الحياة البشرية جميعا . . إن تصميمه يطابق تصميمها ; وتكوينه يطابق تكوينها . وحين ينشرح صدر لهذا الدين فإنه يجد فيه من الجمال والتجاوب والأنس والراحة ما لا يعرفه إلا من ذاق !

وينتهي الحديث عن الحلال والحرام في الحل والإحرام بالتحذير صراحة من العقاب مع الإطماع في المغفرة والرحمة:

(اعلموا أن الله شديد العقاب , وأن الله غفور رحيم). .

ومع التحذير إيحاء وإلقاء للتبعة على المخالف الذي لا يثوبSadما على الرسول إلا البلاغ , والله يعلم ما تبدون وما تكتمون). .

ثم تختم الفقرة بميزان يقيمه الله للقيم , ليزن به المسلم ويحكم . ميزان يرجح فيه الطيب ويشيل الخبيث . كي لا يخدع الخبيث المسلم بكثرته في أي وقت وفي أي حال ! (قل:لا يستوي الخبيث والطيب ; ولو أعجبك كثرة الخبيث , فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون). .

إن المناسبة الحاضرة لذكر الخبيث والطيب في هذا السياق , هي مناسبة تفصيل الحرام والحلال في الصيد والطعام . والحرام خبيث , والحلال طيب . . ولا يستوي الخبيث والطيب ولو كانت كثرة الخبيث تغر وتعجب . ففي الطيب متاع بلا معقبات من ندم أو تلف , وبلا عقابيل من ألم أو مرض . . وما في الخبيث من لذة إلا وفي الطيب مثلها على اعتدال وأمن من العاقبة في الدنيا والآخرة . . والعقل حين يتخلص من الهوى بمخالطة التقوى له ورقابة القلب له , يختار الطيب على الخبيث ; فينتهي الأمر إلى الفلاح في الدنيا والآخرة:
من الاية 101 الى الاية 102

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ (102)

(فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون). .

هذه هي المناسبة الحاضرة . . ولكن النص - بعد ذلك - أفسح مدى وأبعد أفقا . وهو يشمل الحياة جمعيا , ويصدق في مواضع شتى:

لقد كان الله الذي أخرج هذه الأمة , وجعلها خير أمة أخرجت للناس , يعدها لأمر عظيم هائل . . كان يعدها لحمل أمانة منهجه في الأرض , لتستقيم عليه كما لم تستقم أمة قط , ولتقيمه في حياة الناس كما لم يقم كذلك قط . ولم يكن بد أن تراض هذه الأمة رياضة طويلة . رياضة تخلعها أولا من جاهليتها ; وترفعها من سفح الجاهلية الهابطة وتمضي بها صعدا في المرتقى الصاعد إلى قمة الإسلام الشامخة ثم تعكف بعد ذلك على تنقية تصوراتها وعاداتها ومشاعرها من رواسب الجاهلية ; وتربية إرادتها على حمل الحق وتبعاته . ثم تنتهي بها إلى تقييم الحياة جملة وتفصيلا وفق قيم الإسلام في ميزان الله . . حتى تكون ربانية حقا . . وحتى ترتفع بشريتها إلى أحسن تقويم . . وعندئذ لا يستوي في ميزانها الخبيث والطيب ; ولو أعجبها كثرة الخبيث ! والكثرة تأخذ العين وتهول الحس . ولكن تمييز الخبيث من الطيب , وارتفاع النفس حتى تزنه بميزان الله , يجعل كفة الخبيث تشيل مع كثرته , وكفة الطيب ترجح على قلته . . وعندئذ تصبح هذه الأمة أمينة ومؤتمنة على القوامة . . القوامة على البشرية . . تزن لها بميزان الله ; وتقدر لها بقدر الله ; وتختار لها الطيب , ولا تأخذ عينها ولا نفسها كثرة الخبيث !

وموقف آخر ينفع فيه هذا الميزان . . ذلك حين ينتفش الباطل ; فتراه النفوس رابيا ; وتؤخذ الأعين بمظهره وكثرته وقوته . . ثم ينظر المؤمن الذي يزن بميزان الله إلى هذا الباطل المنتفش , فلا تضطرب يده , ولا يزوغ بصره , ولا يختل ميزانه ; ويختار عليه الحق الذي لا رغوة له ولا زبد ; ولا عدة حوله ولا عدد . . إنما هو الحق . . الحق المجرد إلا من صفته وذاته ; وإلا من ثقله في ميزان الله وثباته ; وإلا من جماله الذاتي وسلطانه !

لقد ربى الله هذه الأمة بمنهج القرآن , وقوامة رسول الله [ ص ] حتى علم - سبحانه - أنها وصلت إلى المستوى الذي تؤتمن فيه على دين الله . . لا في نفوسها وضمائرها فحسب , ولكن في حياتها ومعاشها في هذه الأرض , بكل ما يضطرب في الحياة من رغبات ومطامع , وإهواء ومشارب , وتصادم بين المصالح , وغلاب بين الأفراد والجماعات . ثم بعد ذلك في قوامتها على البشرية بكل ما لها من تبعات جسام في خضم الحياة العام .

لقد رباها بشتى التوجيهات , وشتى المؤثرات , وشتى الابتلاءات , وشتى التشريعات ; وجعلها كلها حزمة واحدة تؤدي دورا في النهاية واحدا , هو إعداد هذه الأمة بعقيدتها وتصوراتها , وبمشاعرها واستجاباتها , وبسلوكها وأخلاقها , وبشريعتها ونظامها , لأن تقوم على دين الله في الأرض , ولأن تتولى القوامة على البشر . . وحقق الله ما يريده بهذه الأمة . . والله غالب على أمره . . وقامت في واقع الحياة الأرضية تلك الصورة الوضيئة من دين الله . . حلما يتمثل في واقع . . وتملك البشرية أن تترسمه في كل وقت حين تجاهد لبلوغه فيعينها الله . .

الدرس الرابع:101 - 102 النهي عن السؤال عما لا فائدة منه

بعد ذلك يتجه السياق إلى شيء من تربية الجماعة المسلمة وتوجيهها إلى الأدب الواجب مع رسول الله [ ص ] وعدم سؤاله عما لم يخبرها به ; مما لو ظهر لساء السائل وأحرجه أو ترتب عليه تكاليف لا يطيقها , أو ضيق عليه في أشياء وسع الله فيها , أو تركها بلا تحديد رحمة بعباده .

(يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم .عفا الله عنها والله غفور حليم . لقد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين). .

كان بعضهم يكثر على رسول الله [ ص ] من السؤال عن أشياء لم يتنزل فيها أمر أو نهي . أو يلحف في طلب تفصيل أمور أجملها القرآن , وجعل الله في إجمالها سعة للناس . أو في الاستفسار عن أمور لا ضرورة لكشفها فإن كشفها قد يؤذي السائل عنها أو يؤذي غيره من المسلمين .

وروي أنه لما نزلت آية الحج سأل سائل:أفي كل عام ? فكره رسول الله [ ص ] هذا السؤال لأن النص على الحج جاء مجملا: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا)والحج مرة يجزي . فأما السؤال عنه أفي كل عام فهو تفسير له بالصعب الذي لم يفرضه الله .

وفي حديث مرسل رواه الترمذي والدارقطني عن علي رضي الله عنه قال:لما نزلت هذه الآية: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا)قالوا:يا رسول الله أفي كل عام ? فسكت . فقالوا:أفي كل عام ? قال:" لا . ولو قلت نعم لوجبت " فأنزل الله:

(يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم). . الخ الآية .

وأخرجه الدارقطني أيضا عن أبي عياض عن أبي هريرة قال:قال رسول الله [ ص ]: يا أيها الناس كتب عليكم الحج . فقام رجل فقال:أفي كل عام يا رسول الله ? فأعرض عنه , ثم عاد فقال:أفي كل عام يا رسول الله ? فقال:" ومن القائل ? " قالوا:فلان . قال:" والذي نفسي بيده لو قلت:نعم . لوجبت . ولو وجبت ما أطقتموها . ولو لم تطيقوها لكفرتم " . فأنزل الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم). .

وفي حديث أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه , عن النبي [ ص ]:" . . . فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا " فقام إليه رجل فقال:أين مدخلي يا رسول الله ? قال:" النار " فقام عبدالله بن حذافة فقال:" من أبي يا رسول الله ? " فقال:" أبوك حذافة " . . قال ابن عبد البر:عبدالله بن حذافة أسلم قديما , وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية , وشهد بدرا , وكانت فيه دعابة ! وكان رسول الله [ ص ] أرسله إلى كسرى بكتاب رسول الله [ ص ] ولما قال:من أبي يا رسول الله ? قال:" أبوك حذافة " قالت أمه:ما سمعت بابن أعق منك . أأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس ?! فقال:والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به . .

وفي رواية لابن جرير - بسنده - عن أبي هريرة قال:خرج رسول الله [ ص ] وهو غضبان محمار وجهه حتى جلس على المنبر . فقام إليه رجل فقال:أين أنا ? قال:" في النار " فقام آخر فقال:من ابي ? فقال:" أبوك حذافة " فقام عمر بن الخطاب , فقال:رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد [ ص ] نبيا وبالقرآن إماما . إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك , والله أعلم من آباؤنا . قال:فسكن غضبه , ونزلت هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم). . الآية .

وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله [ ص ] عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . وهو قول سعيد بن جبير . وقال:ألا ترى أن بعده: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام)?

ومجموعة هذه الروايات وغيرها تعطي صورة عن نوع هذه الأسئلة التي نهى الله الذين آمنوا أن يسألوها . .

لقد جاء هذا القرآن لا ليقرر عقيدة فحسب , ولا ليشرع شريعة فحسب . ولكن كذلك ليربي أمة , وينشى ء مجتمعا , وليكون الأفراد وينشئهم على منهج عقلي وخلقي من صنعه . . وهو هنا يعلمهم أدب السؤال , وحدود البحث , ومنهج المعرفة . . وما دام الله - سبحانه - هو الذي ينزل هذه الشريعة , ويخبر بالغيب , فمن الأدب أن يترك العبيد لحكمته تفصيل تلك الشريعة أو إجمالها ; وأن يتركوا له كذلك كشف هذا الغيب أو ستره . وأن يقفوا هم في هذه الأمور عند الحدود التي أرادها العليم الخبير . لا ليشددوا على أنفسهم بتنصيص النصوص , والجري وراء الاحتمالات والفروض . كذلك لا يجرون وراء الغيب يحاولون الكشف عما لم يكشف الله منه وما هم ببالغيه . والله أعلم بطاقة البشر واحتمالهم , فهو يشرع لهم في حدود طاقتهم , ويكشف لهم من الغيب ما تدركه طبيعتهم . وهناك أمور تركها الله مجملة أو مجهلة ; ولا ضير على الناس في تركها هكذا كما أرادها الله . ولكن السؤال - في عهد النبوة وفترة تنزل القرآن - قد يجعل الإجابة عنها متعينة فتسوء بعضهم , وتشق عليهم كلهم وعلى من يجيء بعدهم .

لذلك نهى الله الذين آمنوا أن يسألوا عن أشياء يسوؤهم الكشف عنها ; وأنذرهم بأنهم سيجابون عنها إذا سألوا في فترة الوحي في حياة رسول الله [ ص ] وستترتب عليهم تكاليف عفا الله عنها فتركها ولم يفرضها:

(يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم . . عفا الله عنها . .).

أي لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها وترك فرضها أو تفصيلها ليكون في الإجمال سعة . . كأمره بالحج مثلا . . أو تركه ذكرها أصلا . .

ثم ضرب لهم المثل بمن كانوا قبلهم - من أهل الكتاب - ممن كانوا يشددون على أنفسهم بالسؤال عن التكاليف والأحكام . فلما كتبها الله عليهم كفروا بها ولم يؤدوها . ولو سكتوا وأخذوا الأمور باليسر الذي شاءه الله لعبادة ما شدد عليهم , وما احتملوا تبعة التقصير والكفران .

ولقد رأينا في سورة البقرة كيف أن بني إسرائيل حينما أمرهم الله أن يذبحوا بقرة , بلا شروط ولا قيود , كانت تجزيهم فيها بقرة أية بقرة . . أخذوا يسألون عن أوصافها ويدققون في تفصيلات هذه الأوصاف . وفي كل مرة كان يشدد عليهم . ولو تركوا السؤال ليسروا على أنفسهم .

وكذلك كان شأنهم في السبت الذي طلبوه ثم لم يطيقوه ! . .

ولقد كان هذا شأنهم دائما حتى حرم الله عليهم أشياء كثيرة تربية لهم وعقوبة !

وفي الصحيح عن رسول الله [ ص ] أنه قال:" ذروني ما تركتكم . فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم , واختلافهم على أنبيائهم " .

وفي الصحيح أيضا:" إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها , وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها . وسكت عن أشياء رحمة بكم - غير نسيان - فلا تسألوا عنها " . .

وفي صحيح مسلم عن عامر بن سعد عن أبيه قال:قال رسول الله [ ص ] " إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما , من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته " . .

ولعل مجموعة هذه الأحاديث - إلى جانب النصوص القرآنية - ترسم منهج الإسلام في المعرفة . .

إن المعرفة في الإسلام إنما تطلب لمواجهة حاجة واقعة وفي حدود هذه الحاجة الواقعة . . فالغيب وماوراءه تصان الطاقة البشرية أن تنفق في استجلائه واستكناهه , لأن معرفته لا تواجه حاجة واقعية في حياة البشرية . وحسب القلب البشري أن يؤمن بهذا الغيب كما وصفه العليم به . فأما حين يتجاوز الإيمان به إلى البحث عن كنهه ; فإنه لا يصل إلى شيء أبدا , لأنه ليس مزودا بالمقدرة على استكناهه إلا في الحدود التي كشف الله عنها . فهو جهد ضائع . فوق أنه ضرب في التيه بلا دليل , يؤدي إلى الضلال البعيد .

وأما الأحكام الشرعية فتطلب ويسأل عنها عند وقوع الأقضية التي تتطلب هذه الأحكام . . وهذا هو منهج الإسلام . .

ففي طوال العهد المكي لم يتنزل حكم شرعي تنفيذي - وإن تنزلت الأوامر والنواهي عن أشياء وأعمال - ولكن الأحكام التنفيذية كالحدود والتعازير الكفارات لم تتنزل إلا بعد قيام الدولة المسلمة التي تتولى تنفيذ هذه الأحكام .

ووعى الصدر الأول هذا المنهج واتجاهه ; فلم يكونوا يفتون في مسألة إلا إذا كانت قد وقعت بالفعل ; وفي حدود القضية المعروضه دون تفصيص للنصوص , ليكون للسؤال والفتوى جديتهما وتمشيهما كذلك مع ذلك المنهج التربوي الرباني:

كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يلعن من سأل عما لم يكن . . ذكره الدارمي في مسنده . . وذكر عن الزهري قال:بلغنا أن زيد بن ثابت الأنصاري كان يقول إذا سئل عن الأمر:أكان هذا ? فإن قالوا:نعم قد كان , حدث فيه بالذي يعلم . وإن قالوا:لم يكن , قال:فذروه حتى يكون . وأسند عن عمار بن ياسر - وقد سئل عن مسألة - فقال:هل كان هذا بعد ? قالوا:لا . قال دعونا حتى يكون , فإذا كان تجشمناها لكم .

وقال الدرامي:حدثنا عبدالله بن محمد بن أبي شيبة , قال:حدثنا ابن فضيل , عن عطاء , عن ابن عباس , قال:ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله [ ص ] ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض , كلهن في القرآن , منهن: (يسألونك عن الشهر الحرام). . (ويسألونك عن المحيض). . وشبهه . . ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم .

وقال مالك:أدركت هذا البلد [ يعني المدينة ] وما عندهم علم غير الكتاب والسنة . فإذا نزلت نازلة , جمع الأمير لها من حضر من العلماء , فما اتفقوا عليه أنفذه . وأنتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول الله [ ص ] !

وقال القرطبي في سياق تفسيره للآية:روى مسلم عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله [ ص ] قال:" إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات , ووأد البنات , ومنعا وهات . وكره لكم ثلاثا:قيل وقال ; وكثرة السؤال , وإضاعة المال " . . قال كثير من العلماء:المراد بقوله:"وكثرة السؤال":التكثير من السؤال في المسائل الفقهية تنطعا , وتكلفا فيما لم ينزل , والأغلوطات , وتشقيق المولدات . وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف . ويقولون:إذا نزلت النازلة وفق المسؤول لها . .

إنه منهج واقعي جاد . يواجه وقائع الحياة بالأحكام , المشتقة لها من أصول شريعة الله , مواجهة عملية واقعية . . مواجهة تقدر المشكلة بحجمها وشكلها وظروفها كاملة وملابساتها , ثم تقضي فيها بالحكم الذييقابلها ويغطيها ويشملها وينطبق عليها انطباقا كاملا دقيقا . .

فأما الاستفتاء عن مسائل لم تقع , فهو استفتاء عن فرض غير محدد . وما دام غير واقع فإن تحديده غير مستطاع . والفتوى عليه حينئذ لا تطابقه لأنه فرض غيرمحدد . والسؤال والجواب عندئذ يحملان معنى الاستهتار بجدية الشريعة ; كما يحملان مخالفة للمنهج الإسلامي القويم .

ومثله الاستفتاء عن أحكام شريعة الله في أرض لا تقام فيها شريعة الله , والفتوى على هذا الأساس ! . . إن شريعة الله لا تستفتى إلا ليطبق حكمها وينفذ . . فإذا كان المستفتي والمفتي كلاهما يعلمان أنهما في أرض لا تقيم شريعة الله ; ولا تعترف بسلطان الله في الأرض وفي نظام المجتمع وفي حياة الناس . . أي لا تعترف بألوهية الله في هذه الأرض ولا تخضع لحكمه ولا تدين لسلطانه . . فما استفتاء المستفتي ? وما فتوى المفتي ? إنهما - كليهما - يرخصان شريعة الله , ويستهتران بها شاعرين أو غير شاعرين سواء !

ومثله تلك الدراسات النظرية المجردة لفقه الفروع وأحكامه في الجوانب غير المطبقة . . إنها دراسة للتلهية ! لمجرد الإيهام بأن لهذا الفقه مكانا في هذه الأرض التي تدرسه في معاهدها ولا تطبقه في محاكمها ! وهو إيهام يبوء بالإثم من يشارك فيه , ليخدر مشاعر الناس بهذا الإيهام !

إن هذا الدين جد . وقد جاء ليحكم الحياة . جاء ليعبد الناس لله وحده , وينتزع من المغتصبين لسلطان الله هذا السلطان , فيرد الأمر كله إلى شريعة الله , لا إلى شرع أحد سواه . . وجاءت هذه الشريعة لتحكم الحياة كلها ; ولتواجه بأحكام الله حاجات الحياة الواقعية وقضاياها , ولتدلي بحكم الله في الواقعة حين تقع بقدر حجمها وشكلها وملابساتها .

ولم يجيء هذا الدين ليكون مجرد شارة أو شعار . ولا لتكون شريعته موضوع دراسة نظرية لا علاقة لها بواقع الحياة . ولا لتعيش مع الفروض التي لم تقع , وتضع لهذه الفروض الطائرة أحكاما فقهية في الهواء !

هذا هو جد الإسلام . وهذا هو منهج الإسلام . فمن شاء من "علماء" هذا الدين أن يتبع منهجه بهذا الجد فليطلب تحكيم شريعة الله في واقع الحياة . أو على الأقل فليسكت عن الفتوى والقذف بالأحكام في الهواء !

الدرس الخامس:103 - 104 نماذج من محرمات الجاهلية الباطلة

ويبدو - بالاستناد إلى رواية مجاهد عن ابن عباس - رضي الله عنه - ومن قول سعيد بن جبير كذلك في أسباب نزول الآية: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . . .)أن من بين ما كانوا يسألون عنه أشياء كانت في الجاهلية . ولم نقف على معين للسؤال ماذا كان . ولكن مجيء الحديث في السياق عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي بعد آية النهي عن السؤال يوحي بأن هناك اتصالا ما . . فنكتفي بهذا لنواجه النص القرآني عن هذه العادات الجاهلية:

(ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام . ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب , وأكثرهم لا يعقلون . وإذا قيل لهم:تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول , قالوا:حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا . أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ?). .

إن القلب البشري إما أن يستقيم على فطرته التي فطره الله عليها ; فيعرف إلهه الواحد , ويتخذه ربا , ويعترف له وحده بالعبودية ويستسلم لشرعه وحده ; ويرفض ربوبية من عداه فيرفض إذن أن يتلقى شريعة من سواه . . إما أن يستقيم القلب البشري على فطرته هذه فيجد اليسر في الاتصال بربه , ويجد البساطة في عبادته , ويجد الوضوح في علاقاته به . . وإما أن يتيه في دروب الجاهلية والوثنية ومنعرجاتها , تتلقاه في كل درب
من الاية 103 الى الاية 103

مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (103)

ظلمة , ويصادفه في كل ثنية وهم . تطلب إليه طواغيت الجاهلية والوثنية شتى الطقوس لعبادتها , وشتى التضحيات لإرضائها ; ثم تتعدد الطقوس في العبادات والتضحيات , حتى ينسى الوثني أصولها , ويؤديها وهو لا يعرف حكمتها , ويعاني من العبودية لشتى الأرباب ما يقضي على كرامة الإنسان التي منحها الله للإنسان .

ولقد جاء الإسلام بالتوحيد ليوحد السلطة التي تدين العباد ; ثم ليحرر الناس بذلك من العبودية بعضهم لبعض ; ومن عبوديتهم لشتى الآلهة والأرباب . . وجاء ليحرر الضمير البشري من أوهام الوثنية وأوهاقها ; وليرد إلى العقل البشري كرامته ويطلقه من ربقة الآلهة وطقوسها . ومن ثم حارب الوثنية في كل صورها وأشكالها ; وتتبعها في دروبها ومنحنياتها . سواء في أعماق الضمير , أم في شعائر العبادة , أم في أوضاع الحياة وشرائع الحكم والنظام .

وهذا منعرج من منعرجات الوثنية في الجاهلية العربية , يعالجه ليقومه ويسلط عليه النور ليبطل ما حوله من أساطير . ويقرر أصول التفكير والنظر ; وأصول الشرع والنظام في آن:

(ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام . ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب , وأكثرهم لا يعقلون). .

هذه الصنوف من الأنعام التي كانوا يطلقونها لآلهتهم بشروط خاصة , منتزعة من الأوهام المتراكمة في ظلمات العقل والضمير . البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي !!!

هذه الصنوف من الأنعام ما هي ? ومن الذي شرع لهم هذه الأحكام فيها ?

لقد تشعبت الروايات في تعريفها , فنعرض نحن طرفا من هذه التعريفات:

"روى الزهري عن سعيد بن المسيب قال:البحيرة من الإبل يمنع درها للطواغيب [ أي يحجز لبنها ويخصص للآلهة فلا يطعمها الناس وكهنة الآلهة هم الذين يأخذونه طبعًا ! ] والسائبة من الإبل كانوا يسيبونها لطواغيتهم . والوصيلة كانت الناقة تبكر بالأنثى , ثم تثني بالأنثى فيسمونها الوصيلة , يقولون:وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر , فكانوا يذبحونها لطواغيتهم . والحامي الفحل من الإبل كان يضرب الضراب المعدود [ أي يقوم بتلقيح عدد من النوق ] فإذا بلغ ذلك يقال:حمى ظهره , فيترك , فيسمونه الحامي .

"وقال أهل اللغة:البحيرة الناقة التي تشق أذنها , يقال:بحرت أذن الناقة أبحرها بحرا , والناقة مبحورة وبحيرة , إذا شققتها واسعا . ومنه البحر لسعته . وكان أهل الجاهلية يحرمون البحيرة , وهي أن تنتج خمسة أبطن يكون آخرها ذكرا , بحروا أذنها وحرموها وامتنعوا من ركوبها ونحرها , ولم تطرد عن ماء , ولم تمنع عن مرعى , وإذا لقيها المعيي لم يركبها . قالوا:والسائبة المخلاة وهي المسيبة , وكانوا في الجاهلية إذا نذر الرجل لقدوم من سفر , أو برء من مرض , أو ما أشبه ذلك , قال:ناقتي سائبة , فكانت كالبحيرة في التحريم والتخلية . . فأما الوصيلة فإن بعض أهل اللغة ذكر أنها الأنثى من الغنم إذا ولدت مع ذكر , قالوا:وصلت أخاها فلم يذبحوها:وقال بعضهم:كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم , وإذا ولدت ذكرا ذبحوه لآلهتهم في زعمهم . وإذا ولدت ذكرا وأنثى قالوا:وصلت أخاها فلم يذبحوه لآلهتهم . وقالوا:الحامي الفحل من الإبل إذا نتجت من صلبه عشرة أبطن , قالوا:حمى ظهره فلا يحمل عليه , ولا يمنع من ماء ولا مرعى "

وهناك روايات أخرى عن تعريف هذه الأنواع من الطقوس لا ترتفع على هذا المستوى من التصور ,ولا تزيد الأسباب فيها معقولية على هذه الأسباب . . وهي كما ترى أوهام من ظلام الوثنية المخيم . وحين تكون الأوهام والأهواء هي الحكم , لا يكون هناك حد ولا فاصل , ولا ميزان ولا منطق . وسرعان ما تتفرع الطقوس ويضاف إليها وينقص منها بلا ضابط . وهذا هو الذي كان في جاهلية العرب , والذي يمكن أن يحدث في كل مكان وفي كل زمان , حين ينحرف الضمير البشري عن التوحيد المطلق , الذي لا منعرجات فيه ولا ظلام . وقد تتغير الأشكال الخارجية ولكن لباب الجاهلية يبقى , وهو التلقي من غير الله في أي شأن من شؤون الحياة !

إن الجاهلية ليست فترة من الزمان ; ولكنها حالة ووضع يتكرر - في ِأشكال شتى - على مدار الزمان . فإما ألوهية واحدة تقابلها عبودية شاملة ; وتتجمع فيها كل ألوان السلطة , وتتجه إليها المشاعر والأفكار , والنوايا والأعمال , والتنظيمات والأوضاع , وتتلقى منها القيم والموازين , والشرائع والقوانين , والتصورات والتوجيهات . . وإما جاهلية - في صورة من الصور - تتمثل فيها عبودية البشر للبشرأو لغيرهم من خلق الله . . لا ضابط لها ولا حدود . لأن العقل البشري لا يصلح وحده أن يكون ضابطا موزونا ما لم ينضبط هو على ميزان العقيدة الصحيحة . فالعقل يتأثر بالهوى كما نشهد في كل حين ; ويفقد قدرته على المقاومة في وجه الضغوط المختلفة ما لم يقم إلى جانبة ذلك الضابط الموزون .

وإننا لنشهد اليوم - بعد أربعة عشر قرنا من نزول هذا القرآن بهذا البيان - أنه حيثما انفك رباط القلب البشري بالإله الواحد , تاه في منحنيات ودروب لا عداد لها , وخضع لربوبيات شتى , وفقد حريته وكرامته ومقاومته . . ولقد شهدت في هذا الجانب الخرافي وحده في صعيد مصر وريفها عشرات من الأوهام تطلق لها بعض صنوف الحيوان , للأولياء والقديسين , في ذات الصورة التي كانت تطلق بها للآلهة في الزمان القديم !

على أن المسألة في تلك الطقوس الجاهلية - وفي كل جاهلية - هي القاعدة الكلية . هي نقطة الانطلاق في طريق الإسلام أو في طريق الجاهلية . هي . . لمن الحكم في حياة الناس . . لله وحده كما قرر في شريعته ? أم لغير الله فيما يقرره البشر لأنفسهم من أحكام وأوضاع وشرائع وطقوس وقيم وموازين ? أو بتعبير آخر:لمن الألوهية على الناس ? لله ? أم لخلق من خلقة ? أيا كان هذا الخلق الذي يزاول حقوق الألوهية على الناس !

ومن ثم يبدأ النص القرآني بتقرير أن الله لم يشرع هذه الطقوس . لم يشرع البحيرة ولا السائبة ولا الوصيلة ولا الحامي . . فمن ذا الذي شرعها إذن لهؤلاء الكفار ?!

(ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام). .

والذين يتبعون ما شرعه غير الله هم كفار . كفار يفترون على الله الكذب . مرة يشرعون من عند أنفسهم ثم يقولون:شريعة الله . . ومرة يقولون:إننا نشرع لأنفسنا ولا ندخل شريعة الله في أوضاعنا . . ونحن مع هذا لا نعصي الله . وكله كذب على الله:

(ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون). .

ومشركو العرب كانوا يعتقدون أنهم على دين إبراهيم الذي جاء به من عند الله . فهم لم يكونوا يجحدون الله البتة . بل كانوا يعترفون بوجوده وبقدرته وبتصريفه للكون كله . ولكنهم مع ذلك كانوا يشرعون لأنفسهم من عند أنفسهم ثم يزعمون أن هذا شرع الله ! وهم بهذا كانوا كفارا . ومثلهم كل أهل جاهلية في أي زمان وفي أي مكان يشرعون لأنفسهم من عند الله أنفسهم ثم يزعمون - أو لا يزعمون - أن هذا شرع الله !

إن شرع الله هو الذي قرره في كتابه , وهو الذي بينه رسوله [ ص ] وهو ليس مبهما
من الاية 104 الى الاية 104

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (104)

ولا غامضا ولا قابلا لأن يفتري عليه أحد من عنده ما يفتري , ويزعم أنه منه , كما يتصور أهل الجاهلية في أي زمان وفي أي مكان !

ولذلك يصم الله الذين ادعوا هذا الادعاء بالكفر . ثم يصمهم كذلك بأنهم لا يعقلون ! ولو كانوا يعقلون ما افتروا على الله . ولو كانوا يعقلون ما حسبوا أن يمر هذا الافتراء !

ثم يزيد هذه المفارقة في قولهم وفعلهم إيضاحا:

(وإذا قيل لهم:تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول , قالوا:حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا . أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ? . .

إن ما شرعه الله بين . وهو محدد فيما أنزل الله ومبين بما سنه رسوله . . وهذا هو المحك . وهذه هي النقطة التي يفترق فيها طريق الجاهلية وطريق الإسلام . طريق الكفر وطريق الإيمان . . فإما أن يدعى الناس إلى ما أنزل الله بنصه وإلى الرسول ببيانه فيلبوا . . فهم إذن مسلمون . وإما أن يدعوا إلى الله والرسول فيأبوا . . فهم إذن كفار . . ولا خيار . .

وهؤلاء كانوا إذا قيل لهم:تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول , قالوا:حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ! فاتبعوا ما شرعه العبيد , وتركوا ما شرعه رب العبيد . ورفضوا نداء التحرر من عبودية العباد للعباد , واختاروا عبودية العقل والضمير , للآباء والأجداد .

ثم يعقب السياق القرآني على موقفهم ذاك تعقيب التعجيب والتأنيب:

(أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ?). .

وليس معنى هذا الاستنكار لاتباعهم لآبائهم ولو كانوا لا يعلمون شيئا ولا يهتدون , أن لو كان يعلمون شيئا لجاز لهم اتباعهم وترك ما أنزل الله وترك بيان الرسول ! إنما هذا تقرير لواقعهم وواقع آبائهم من قبلهم . فآباؤهم كذلك كانوا يتبعون ما شرعه لهم آباؤهم أو ما شرعوه هم لأنفسهم . ولا يركن أحد إلى شرع نفسه أو شرع أبيه , وبين يديه شرع الله وسنه رسوله , إلا وهو لا يعلم شيئا ولا يهتدي ! وليقل عن نفسه أو ليقل عنه غيره ما يشاء:إنه يعلم وإنه يهتدي . فالله - سبحانه - أصدق وواقع الأمر يشهد . . وما يعدل عن شرع الله إلى شرع الناس إلا ضال جهول ! فوق أنه مفتر كفور !

الدرس السادس:105 التميز والمفاصلة

فإذا انتهى من تقرير حال الذين كفروا وقولهم التفت إلى "الذين آمنوًا يقرر لهم انفصالهم وتميزهم ; ويبين لهم تكاليفهم وواجبهم ; ويحدد لهم موقفهم ممن سواهم ; ويكلهم إلى حساب الله وجزائه لا إلى أي مغنم في هذه الأرض أو مأرب .

(يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم , لا يضركم من ضل إذا اهتديتم , إلى الله مرجعكم جميعا , فينبئكم بما كنتم تعملون). .

إنه التميز والمفاصلة بينهم وبين من عداهم . ثم إنه التضامن والتواصي فيما بينهم بوصفهم أمة واحدة . (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم). .

أنتم وحدة منفصلون عمن سواكم , متضامنون متكافلون فيما بينكم . فعليكم أنفسكم . . عليكم أنفسكم فزكوها وطهروها ; وعليكم جماعتكم فالتزموها وراعوها ; ولا عليكم أن يضل غيركم إذا أنتم اهتديتم . فأنتم وحدة منفصلة
من الاية 105 الى الاية 107

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (107)

عمن عداكم ; وأنتم أمة متضامنة فيما بينها بعضكم أولياء بعض , ولا ولاء لكم ولا ارتباط بسواكم .

إن هذه الآية الواحدة تقرر مبادى ء أساسية في طبيعة الأمة المسلمة , وفي طبيعة علاقاتها بالأمم الأخرى .

إن الأمة المسلمة هي حزب الله . ومن عداها من الأمم فهم حزب الشيطان . ومن ثم لا يقوم بينها وبين الأمم الأخرى ولاء ولا تضامن , لأنه لا اشتراك في عقيدة ; ومن ثم لا اشتراك في هدف أو وسيلة ; ولا اشتراك في تبعة أو جزاء .

وعلى الأمة المسلمة أن تتضامن فيما بينها ; وأن تتناصح وتتواصى , وأن تهتدي بهدي الله الذي جعل منها أمة مستقلة منفصلة عن الأمم غيرها . . ثم لا يضيرها بعد ذلك شيئا أن يضل الناس حولها ما دامت هي قائمة على الهدى .

ولكن ليس معنى هذا أن تتخلى الأمة المسلمة عن تكاليفها في دعوة الناس كلهم إلى الهدى . والهدى هو دينها هي وشريعتها ونظامها . فإذا هي أقامت نظامها في الأرض بقي عليها أن تدعو الناس كافة , وأن تحاول هدايتهم , وبقي عليها أن تباشر القوامة على الناس كافة لتقيم العدل بينهم ; ولتحول بينهم وبين الضلال والجاهلية التي منها أخرجتهم . .

إن كون الأمة المسلمة مسؤولة عن نفسها أمام الله لا يضيرها من ضل إذا اهتدت , لا يعني أنها غير محاسبة على التقصير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بينها أولا , ثم في الأرض جميعا . وأول المعروف الإسلام لله وتحكيم شريعته ; وأول المنكر الجاهلية والاعتداء على سلطان الله وشريعته . وحكم الجاهلية هو حكم الطاغوت , والطاغوت هو كل سلطان غير سلطان الله وحكمه . . والأمة المسلمة قوامة على نفسها أولا ; وعلى البشرية كلها أخيرا .

وليس الغرض من بيان حدود التبعة في الآية كما فهم بعضهم قديما - وكما يمكن أن يفهم بعضهم حديثا - أن المؤمن الفرد غير مكلف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - إذا اهتدى هو بذاته - ولا أن الأمة المسلمة غير مكلفة إقامة شريعة الله في الأرض - إذا هي اهتدت بذاتها - وضل الناس من حولها .

إن هذه الآية لا تسقط عن الفرد ولا عن الأمة التبعة في كفاح الشر , ومقاومة الضلال ومحاربة الطغيان - وأطغى الطغيان الاعتداء على ألوهية الله واغتصاب سلطانه وتعبيد الناس لشريعة غير شريعته , وهو المنكر الذي لا ينفع الفرد ولا ينفع الأمة أن تهتدي وهذا المنكر قائم .

ولقد روى أصحاب السنن أن أبا بكر - رضي الله عنه - قام فحمد الله وأثنى عليه , ثم قال:أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم . . وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله [ ص ] يقول:" إن الناس إذا رأوا المنكر , ولا يغيرونه , يوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه " .

وهكذا صحح الخليفة الأول - رضوان الله عليه - ما ترامى إلى وهم بعض الناس في زمانه من هذه الآية الكريمة . ونحن اليوم أحوج إلى هذا التصحيح , لأن القيام بتكاليف التغيير للمنكر قد صارت أشق . فما أيسر ما يلجأ الضعاف إلى تأويل هذه الآية على النحو الذي يعفيهم من تعب الجهاد ومشاقه , ويريحهم من عنت الجهاد وبلائه !

وكلا والله ! إن هذا الدين لا يقوم إلا بجهد وجهاد . ولا يصلح إلا بعمل وكفاح . ولا بد لهذا الدين من أهل يبذلون جهدهم لرد الناس إليه , ولإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده , ولتقرير ألوهيةالله في الأرض , ولرد المغتصبين لسلطان الله عما اغتصبوه من هذا السلطان , ولإقامة شريعة الله في حياة الناس , وإقامة الناس عليها . . لا بد من جهد . بالحسنى حين يكون الضالون أفرادا ضالين , يحتاجون إلى الإرشاد والإنارة . وبالقوة حين تكون القوة الباغية في طريق الناس هي التي تصدهم عن الهدى ; وتعطل دين الله أن يوجد , وتعوق شريعة الله أن تقوم .

وبعد ذلك - لا قبله - تسقط التبعة عن الذين آمنوا , وينال الضالون جزاءهم من الله حين يرجع هؤلاء وهؤلاء إليه:

(إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون).

الدرس السابع:106 أحكام خاصة بالوصية والشهادة

والآن يجيء الحكم الأخير من الأحكام الشرعية التي تتضمنها السورة , في بيان بعض أحكام المعاملات في المجتمع المسلم , وهو الخاص بتشريع الإشهاد على الوصية في حالة الضرب في الأرض , والبعد عن المجتمع والضمانات التي تقيمها الشريعة ليصل الحق إلى أهله .

يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت - حين الوصية - اثنان ذوا عدل منكم , أو آخران من غيركم , إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت , تحبسونهما من بعد الصلاة , فيقسمان بالله - إن ارتبتم - لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى , ولا نكتم شهادة الله , إنا إذا لمن الآثمين . فإن عثر على أنهما استحقا إثما فالآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم . . الأوليان . . فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما , وما اعتدينا , إنا إذن لمن الظالمين . ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها , أو يخافوا أن ترد إيمان بعد أيمانهم ; واتقوا الله واسمعوا , والله لا يهدي القوم الفاسقين . .

وبيان هذا الحكم الذي تضمنته الآيات الثلاث:أن على من يحس بدنو أجله , ويريد أن يوصي لأهله بما يحضره من المال , أن يستحضر شاهدين عدلين من المسلمين إن كان في الحضر , ويسلمهما ما يريد أن يسلمه لأهله غير الحاضرين . فأما إذا كان ضاربا في الأرض , ولم يجد مسلمين يشهدهما ويسلمهما ما معه , فيجوز أن يكون الشاهدان من غير المسلمين .

فإن ارتاب المسلمون - أو ارتاب أهل الميت - في صدق ما يبلغه الشاهدان وفي أمانتهما في أداء ما استحفظا عليه , فإنهم يوقفونهما بعد أدائهما للصلاة - حسب عقيدتهما - ليحلفا بالله , أنهما لا يتوخيان بالحلف مصلحة لهما ولا لأحد آخر , ولو كان ذا قربى , ولا يكتمان شيئا مما استحفظا عليه . . وإلا كانا من الآثمين . . وبذلك تنفذ شهادتهما .

فإذا ظهر بعد ذلك أنهما ارتكبا إثم الشهادة الكاذبة واليمين الكاذبة والخيانة للأمانة . قام أولى اثنين من أهل الميت بوراثته , من الذين وقع عليهم هذا الإثم , بالحلف بالله أن شهادتهما أحق من شهادة الشاهدين الأولين . وأنهما لم يعتديا بتقريرهما هذه الحقيقة . وبذلك تبطل شهادة الأولين , وتنفذ الشهادة الثانية .

ثم يقول النص:إن هذه الإجراءات أضمن في أداء الشهادة بالحق ; أو الخوف من رد أيمان الشاهدين الأولين , مما يحملهما على تحري الحق .

(ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها , أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم).

وينتهي إلى دعوة الجميع إلى تقوى الله , ومراقبته وخشيته , والطاعة لأوامره , لأن الله لا يهدي من يفسقون عن طريقه , إلى خير ولا إلى هدى:
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى