تفسير سورة الانعام ايه78==91 الشيخ سيدقطب
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة الانعام ايه78==91 الشيخ سيدقطب
من الاية 78 الى الاية 79
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)
هنا يقع التماس , وتنطلق الشرارة , ويتم الاتصال بين الفطرة الصادقة والله الحق , ويغمر النور القلب ويفيض على الكون الظاهر وعلى العقل والوعي . . هنا يجد إبراهيم إلهه . . يجده في وعيه وإدراكه كما هو في فطرته وضميره . . هنا يقع التطابق بين الإحساس الفطري المكنون والتصور العقلي الواضح . .
وهنا يجد إبراهيم إلهه . ولكنه لا يجده في كوكب يلمع , ولا في قمر يطلع , ولا في شمس تسطع . . ولا يجده فيما تبصر العين , ولا فيما يحسه الحس . . إنه يجده في قلبه وفطرته , وفي عقله ووعيه , وفي الوجود كله من حوله . . إنه يجده خالقا لكل ما تراه العين , ويحسه الحس , وتدركه العقول .
وعندئذ يجد في نفسه المفاصلة الكاملة بينه وبين قومه في كل ما يعبدون من آلهة زائفة ; ويبرأ في حسم لا مواربة فيه من وجهتهم ومنهجهم وما هم عليه من الشرك - وهم لم يكونوا يجحدون الله البتة , ولكنهم كانوا يشركون هذه الأرباب الزائفة - وإبراهيم يتجه إلى الله وحده بلا شريك:
(قال:يا قوم إني بريء مما تشركون . إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين). .
فهو الاتجاه إلى فاطر السماوات والأرض . الاتجاه الحنيف الذي لا ينحرف إلى الشرك . وهي الكلمة الفاصلة , واليقين الجازم , والاتجاه الأخير . . فلا تردد بعد ذلك ولا حيرة فيما تجلى للعقل من تصور مطابق للحقيقة التي في الضمير . .
الدرس الثاني:80 - 83 ثبات إبراهيم على الحق وأمنه وثناء الله عليه
ومرة أخرى نشهد ذلك المشهد الرائع الباهر . . مشهد العقيدة وقد استعلنت في النفس , واستولت على القلب , بعدما وضحت وضوحها الكامل وانجلى عنها الغبش . . نشهدها وقد ملأت الكيان الإنساني , فلم يعد وراءها شيء . وقد سكبت فيه الطمأنينة الواثقة بربه الذي وجده في قلبه وعقله وفي الوجود من حوله . . وهو مشهد يتجلى بكل روعته وبهائه في الفقرة التالية في السياق .
لقد انتهى إبراهيم إلى رؤية الله - سبحانه - في ضميره وعقله وفي الوجود من حوله . وقد اطمأن قلبه واستراح باله . وقد احس بيد الله تأخذ بيده وتقود خطاه في الطريق . . والآن يجيء قومه ليجادلوه فيما انتهى إليه من يقين ; وفيما انشرح له صدره من توحيد ; وليخوفوه آلهتهم التي تنكر لها أن تنزل به سوءا . . وهو يواجههم في يقينه الجازم ; وفي إيمانه الراسخ ; وفي رؤيته الباطنة والظاهرة لربه الحق الذي هداه:
(وحاجه قومه , قال:أتحاجوني في الله وقد هدان ? ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا , وسع ربي كل شيء علما . أفلا تتذكرون ? وكيف أخاف ما أشركتم , ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ? فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ?). .
إن الفطرة حين تنحرف تضل ; ثم تتمادى في ضلالها , وتتسع الزاوية ويبعد الخط عن نقطة الابتداء , حتى ليصعب عليها أن تثوب . . وهؤلاء قوم إبراهيم - عليه السلام - يعبدون أصناما وكواكب ونجوما . فلا يتفكرون ولا يتدبرون هذه الرحلة الهائلة التي تمت في نفس إبراهيم . ولم يكن هذا داعيا لهم لمجرد التفكر والتدبر .
بل جاءوا يجادلونه ويحاجونه . وهم على هذا الوهن الظاهر في تصوراتهم وفي ضلال مبين .
ولكن إبراهيم المؤمن الذي وجد الله في قلبه وعقله وفي الوجود كله من حوله , يواجههم مستنكرا في طمأنينة ويقين:
من الاية 80 الى الاية 81
وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
(قال:أتحاجوني في الله وقد هدان ?). .
أتجادلونني في الله وقد وجدته يأخذ بيدي , ويفتح بصيرتي , ويهديني إليه , ويعرفني به . . لقد أخذ بيدي وقادني فهو موجود - وهذا هو في نفسي دليل الوجود - لقد رأيته في ضميري وفي وعيي , كما رأيته في الكون من حولي . فما جدالكم في أمر أنا أجده في نفسي ولا أطلب عليه الدليل . فهدايته لي إليه هي الدليل ?!
(ولا أخاف ما تشركون به). .
وكيف يخاف من وجد الله ? وماذا يخاف ومن ذا يخاف ? وكل قوة - غير قوة الله - هزيلة وكل سلطان - غير سلطان الله - لا يخاف ?!
ولكن إبراهيم في عمق إيمانه , واستسلام وجدانه , لا يريد أن يجزم بشيء إلا مرتكنا إلى مشيئة الله الطليقة , وإلى علم الله الشامل:
(إلا أن يشاء ربي شيئا . وسع ربي كل شيء علمًا).
فهو يكل إلى مشيئة الله حمايته ورعايته ; ويعلن أنه لا يخاف من آلهتهم شيئا , لأنه يركن إلى حماية الله ورعايته . ويعلم أنه لا يصيبه إلا ما شاءه الله , ووسعه علمه الذي يسع كل شيء . .
(وكيف أخاف ما أشركتم , ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ? فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ?).
إنه منطق المؤمن الواثق المدرك لحقائق هذا الوجود . إنه إن كان أحد قمينا بالخوف فليس هو إبراهيم - وليس هو المؤمن الذي يضع يده في يد الله ويمضي في الطريق - وكيف يخاف آلهة عاجزة - كائنة ما كانت هذه الآلهة , والتي تتبدى أحيانا في صورة جبارين في الأرض بطاشين ; وهم أمام قدرة الله مهزولون مضعوفون ! - كيف يخاف إبراهيم هذه الآلهة الزائفة العاجزة , ولا يخافون هم أنهم أشركوا بالله ما لم يجعل له سلطانا ولا قوة من الأشياء والأحياء ? وأي الفريقين أحق بالأمن ? الذي يؤمن به ويكفر بالشركاء ? أم الذي يشرك بالله ما لا سلطان له ولا قوة ? أي الفريقين أحق بالأمن , لو كان لهم شيء من العلم والفهم ?!
هنا يتنزل الجواب من الملأ الأعلى ; ويقضي الله بحكمه في هذه القضية:
(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم , أولئك لهم الأمن وهم مهتدون). .
الذين آمنوا وأخلصوا أنفسهم لله , لا يخلطون بهذا الإيمان شركا في عبادة ولا طاعة ولا اتجاه . هؤلاء لهم الأمن , وهؤلاء هم المهتدون(وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء). .
ولقد كانت هذه هي الحجة التي ألهمها الله إبراهيم ليدحض بها حجتهم التي جاءوا بها يجادلونه . ولقد كشف لهم عن وهن ما هم عليه من تصورهم أن هذه الآلهة تملك أن تسيء إليه . . وواضح أنهم ما كانوا يجحدون وجود الله ; ولا أنه هو صاحب القوة والسلطان في الكون , ولكنهم كانوا يشركون به هذه الآلهة . فلما واجههم إبراهيم , بأن من كان يخلص نفسه لله لا يخاف من دونه , فأما من يشرك بالله فهو أحق بالمخافة . . لما واجههم بهذه الحجة التي آتاها الله له وألهمه إياها , سقطت حجتهم , وعلت حجته , وارتفع إبراهيم على قومه عقيدة وحجة ومنزلة . . وهكذا يرفع الله من يشاء درجات . متصرفا في هذا بحكمته وعلمه:
(إن ربك حكيم عليم). .
وقبل أن نغادر هذه الفقرة نحب أن نستمتع بنفحة من نفحات الحياة في عصر صحابة رسول الله [ ص ]
من الاية 82 الى الاية 86
الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)
- وهذا القرآن يتنزل عليهم غضا ; وتشربه نفوسهم ; وتعيش به وله ; وتتعامل به وتتعايش بمدلولاته وإيحاءاته ومقتضياته , في جد وفي وعي وفي التزام عجيب , تأخذنا روعته وتبهرنا جديته ; وندرك منه كيف كان هذا الرهط الفريد من الناس , وكيف صنع الله بهذا الرهط ما صنع من
من الاية 87 الى الاية 89
وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ (89)
وفي الآيات ذكر لسبعة عشر نبيا رسولا - غير نوح وإبراهيم - وإشارة إلى آخرين (من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم). . والتعقيبات على هذا الموكب: (وكذلك نجزي المحسنين). . (وكلا فضلنا على العالمين). . (واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم). . وكلها تعقيبات تقرر إحسان هذا الرهط الكريم واصطفاءه من الله , وهدايته إلى الطريق المستقيم .
وذكر هذا الرهط على هذا النحو , واستعراض هذا الموكب في هذه الصورة , كله تمهيد للتقريرات التي تليه:
(ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده , ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون). .
وهذا تقرير لينابيع الهدى في هذه الأرض . فهدى الله للبشر يتمثل فيما جاءت به الرسل . وينحصر المستيقن منه , والذي يجب اتباعه , في هذا المصدر الواحد , الذي يقرر الله - سبحانه - أنه هو هدى الله ; وأنه هو الذي يهدي إليه من يختار من عباده . . ولو أن هؤلاء العباد المهديين حادوا عن توحيد الله , وتوحيد المصدر الذي يستمدون منه هداه , وأشركوا بالله في الاعتقاد أو العبادة أو التلقي , فإن مصيرهم أن يحبط عنهم عملهم:أي ان يذهب ضياعا , ويهلك كما تهلك الدابة التي ترعى نبتا مسموما فتنتفخ ثم تموت . . وهذا هو الأصل اللغوي للحبوط !
(أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة . فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين). .
وهذا هو التقرير الثاني . . فقرر في الأول مصدر الهدى , وقصره على هدى الله الذي جاءت به الرسل . وقرر في الثاني أن الرسل الذين ذكرهم والذين أشار إليهم , هم الذين آتاهم الله الكتاب والحكمة والسلطان والنبوة -(والحكم)يجيء بمعنى الحكمة كما يجيء بمعنى السلطان كذلك - وكلا المعنيين محتمل في الآية . فهؤلاء الرسل أنزل الله على بعضهم الكتاب كالتوراة مع موسى , والزبور مع داود , والإنجيل مع عيسى . وبعضهم آتاه الله الحكم كداود وسليمان - وكلهم أوتي السلطان على معنى أن ما معه من الدين هو حكم الله , وأن الدين الذي جاءوا به يحمل سلطان الله على النفوس وعلى الأمور . فما أرسل الله الرسل إلا ليطاعوا , وما أنزل الكتاب إلا ليحكم بين الناس بالقسط , كما جاء في الآيات الأخرى . وكلهم أوتي الحكمة وأوتي النبوة . . وأولئك هم الذين وكلهم الله بدينه , يحملونه إلى الناس , ويقومون عليه , ويؤمنون به ويحفظونه . . فإذا كفر بالكتاب والحكم والنبوة مشركو العربهؤلاء)فإن دين الله غني عنهم ; وهؤلاء الرهط الكرام والمؤمنون بهم هم حسب هذا الدين ! . . إنها حقيقة قديمة امتدت شجرتها , وموكب موصول تماسكت حلقاته ; ودعوة واحدة حملها رسول بعد رسول ; وآمن بها ويؤمن من يقسم الله له الهداية ; بما يعلمه من استحقاقه للهداية ! . . وهو تقرير يسكب الطمأنينة في قلب المؤمن , وفي قلوب العصبة المسلمة - أيا كان عددها - إن هذه العصبة ليست وحدها . ليست مقطوعة من شجرة ! إنها فرع منبثق من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء , وحلقة في موكب جليل موصول , موصولة أسبابه بالله وهداه . . إن المؤمن الفرد , في أي أرض وفي أي جيل , قوي قوي , وكبير كبير , إنه من تلك الشجرة المتينة السامقة الضاربة الجذور في أعماق الفطرة البشرية وفي أعماق التاريخ الأنساني , وعضو من ذلك الموكب الكريم الموصول بالله وهداه منذ أقدم العصور .
(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده . قل:لا أسألكم عليه أجرا . إن هو إلا ذكرى للعالمين). .
وهو التقرير الثالث . . فهؤلاء الرهط الكرام الذين يقودون موكب الإيمان , هم الذين هداهم الله . وهداهم الذي جاءهم من الله فيه القدوة لرسول الله [ ص ] ومن آمن به . فهذا الهدى وحده هو الذي
الأنعام
من الاية 90 الى الاية 90
أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)
يسير عليه . وهذا الهدى وحده هو الذي يحتكم إليه , وهذا الهدى وحده هو الذي يدعو إليه ويبشر به . . قائلا لمن يدعوهم:
(لا أسألكم عليه أجرًا). . (إن هو إلا ذكرى للعالمين). . للعالمين . . لا يختص به قوم ولا جنس ولا قريب ولا بعيد . . إنه هدى الله لتذكير البشر كافة . ومن ثم فلا أجر عليه يتقاضاه . وإنما أجره على الله !
الدرس الرابع:91 - 92 الرد على منكري النبوات وإثبات الرسالة الإسلامية
ثم يمضي السياق يندد بمنكري النبوات والرسالات , ويصمهم بأنهم لا يقدرون الله قدره , ولا يعرفون حكمة الله ورحمته وعدله . ويقرر أن الرسالة الأخيرة إنما تجري على سنة الرسالات قبلها ; وأن الكتاب الأخير مصدق لما بين يديه من الكتب . . مما يتفق مع ظل الموكب الذي سبق عرضه ويتناسق:
(وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا:ما أنزل الله على بشر من شيء . قل:من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس - تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا - وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ? قل:الله . ثم ذرهم في خوضهم يلعبون . وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه , ولتنذر أم القرى ومن حولها , والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به , وهم على صلاتهم يحافظون). .
لقد كان المشركون في معرض العناد واللجاج يقولون:إن الله لم يرسل رسولا من البشر ; ولم ينزل كتابا يوحي به إلى بشر . بينما كان إلى جوارهم في الجزيرة أهل الكتاب من اليهود ; ولم يكونوا ينكرون عليهم أنهم أهل كتاب , ولا أن الله أنزل التوارة على موسى - عليه السلام - إنما هم كانوا يقولون ذلك القول في زحمة العناد واللجاج , ليكذبوا برسالة محمد [ ص ] لذلك يواجههم القرآن الكريم بالتنديد بقولتهم:ما أنزل الله على بشر من شيء ; كما يواجههم بالكتاب الذي جاء به موسى من قبل:
(وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا:ما أنزل الله على بشر من شيء). .
وهذا القول الذي كان يقوله مشركو مكة في جاهليتهم , يقوله أمثالهم في كل زمان ; ومنهم الذين يقولونه الآن ; ممن يزعمون أن الأديان من صنع البشر ; وأنها تطورت وترقت بتطور البشر وترقيهم . لا يفرقون في هذا بين ديانات هي من تصورات البشر أنفسهم , كالوثنيات كلها قديما وحديثا , ترتقي وتنحط بارتقاء أصحابها وانحطاطهم , ولكنها تظل خارج دين الله كله . وبين ديانات جاء بها الرسل من عند الله , وهي ثابتة على أصولها الأولى ; جاء بها كل رسول ; فتقبلتها فئة وعتت عنها فئة ; ثم وقع الانحراف عنها والتحريف فيها , فعاد الناس إلى جاهليتهم في انتظار رسول جديد , بذات الدين الواحد الموصول .
وهذا القول يقوله - قديما أو حديثا - من لا يقدر الله حق قدره ; ومن لا يعرف كرم الله وفضله , ورحمته وعدله . . إنهم يقولون:إن الله لا يرسل من البشر رسولا ولو شاء لأنزل ملائكة ! كما كان العرب يقولون . أو يقولون:إن خالق هذا الكون الهائل لا يمكن أن يعني بالإنسان "الضئيل" في هذه الذرة الفلكية التي اسمها الأرض ! بحيث يرسل له الرسل ; وينزل على الرسل الكتب لهداية هذا المخلوق الصغير في هذا الكوكب الصغير ! وذلك كما يقول بعض الفلاسفة في القديم والحديث ! أو يقولون:إنه ليس هناك من إله ولا من وحي ولا من رسل . . إنما هي أوهام الناس أو خداع بعضهم لبعض باسم الدين ! كما يقول الماديون الملحدون !
وكله جهل بقدر الله - سبحانه - فالله الكريم العظيم العادل الرحيم , العليم الحكيم . . . لا يدع هذا الكائن الإنساني وحده , وهو خلقه , وهو يعلم سره وجهره , وطاقاته وقواه , ونقصه وضعفه , وحاجته إلى الموازين القسط التي يرجع إليها بتصوراته وأفكاره , وأقواله وأعماله , وأوضاعه ونظامه , ليرى إن كانت صوابا وصلاحا , أو كانت خطأ وفسادا . . ويعلم - سبحانه - أن العقل الذي أعطاه له , يتعرض لضغوط كثيرة
من الاية 91 الى الاية 91
وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
من شهواته ونزواته ومطامعه ورغباته , فضلا على أنه موكل بطاقات الأرض التي له عليها سلطان بسبب تسخيرها له من الله , وليس موكلا بتصور الوجود تصورا مطلقا , ولا بصياغة الأسس الثابتة للحياة . فهذا مجال العقيدة التي تأتي له من الله ; فتنشىء له تصورا سليما للوجود والحياة . . ومن ثم لا يكله الله إلى هذا العقل وحده , ولا يكله كذلك إلى ما أودع فطرته من معرفة لدنية بربها الحق , وشوق إليه , وليأذ به في الشدائد . . فهذه الفطرة قد تفسد كذلك بسبب ما يقع عليها من ضغوط داخلية وخارجية , وبسبب الإغواء والاستهواء الذي يقوم به شياطين الجن والإنس , بكل ما يملكون من أجهزة التوجيه والتأثير . . إنما يكل الله الناس إلى وحيه ورسله وهداه وكتبه , ليرد فطرتهم إلى استقامتها وصفائها , وليرد عقولهم إلى صحتها وسلامتها , وليجلو عنهم غاشية التضليل من داخل أنفسهم ومن خارجها . . وهذا هو الذي يليق بكرم الله وفضله , ورحمته وعدله , وحكمته وعلمه . . فما كان ليخلق البشر , ثم يتركهم سدى . . ثم يحاسبهم يوم القيامة ولم يبعث فيهم رسولا: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا) . . فتقدير الله حق قدره يقتضي الاعتقاد بأنه أرسل إلى عباده رسلا يستنقذون فطرتهم من الركام , ويساعدون عقولهم على الخلاص من الضغوط , والانطلاق للنظر الخالص والتدبر العميق . وأنه أوحى إلى هؤلاء الرسل منهج الدعوة إلى الله , وأنزل على بعضهم كتبا تبقى بعدهم في قومهم إلى حين - ككتب موسى وداود وعيسى - أو تبقي إلى آخر الزمان كهذا القرآن .
ولما كانت رسالة موسى معروفة بين العرب في الجزيرة , وكان أهل الكتاب معروفين هناك , فقد أمر الله رسوله أن يواجه المشركين المنكرين لأصل الرسالة والوحي ; بتلك الحقيقة:
(قل:من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس - تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا - وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم). .
وقد عرضنا في تقديم السورة للقول بأن هذه الآية مدنية , وأن المخاطبين بها هم اليهود . ثم ذكرنا هناك ما اختاره ابن جرير الطبري من القراءة الأخرى (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا). . وأن المخاطبين بها هم المشركون , وهذا خبر عن اليهود بما كان واقعا منهم من جعل التوراة في صحائف يتلاعبون بها ,
فيبدون منها للناس ما يتفق مع خطتهم في التضليل والخداع , والتلاعب بالاحكام والفرائض ; ويخفون ما لا يتفق مع هذه الخطة من صحائف التوراة ! مما كان العرب يعلمون بعضه وما أخبرهم الله به في هذا القرآن من فعل اليهود . . فهذا خبر عن اليهود معترض في سياق الآية لا خطابا لهم . . والآية على هذا مكية لا مدنية . . ونحن نختار ما اختاره ابن جرير .
فقل لهم يا محمد:من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس , مما يجعله اليهود صحائف يخفون بعضها ويظهرون بعضها قضاء للباناتهم من وراء هذا التلاعب الكرية ! كذلك واجههم بأن الله علمهم بما يقص عليهم من الحقائق والأخبار ما لم يكونوا يعملون ; فكان حقا عليهم أن يشكروا فضل الله ; ولا ينكروا أصله بإنكار أن الله نزل هذا العلم على رسوله وأوحى به إليه .
ولم يترك لهم أن يجيبوا على ذلك السؤال . إنما أمر رسول الله [ ص ] أن يحسم القول معهم في هذا الشأن ; وألا يجعله مجالا لجدل لا يثيره إلا اللجاج
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)
هنا يقع التماس , وتنطلق الشرارة , ويتم الاتصال بين الفطرة الصادقة والله الحق , ويغمر النور القلب ويفيض على الكون الظاهر وعلى العقل والوعي . . هنا يجد إبراهيم إلهه . . يجده في وعيه وإدراكه كما هو في فطرته وضميره . . هنا يقع التطابق بين الإحساس الفطري المكنون والتصور العقلي الواضح . .
وهنا يجد إبراهيم إلهه . ولكنه لا يجده في كوكب يلمع , ولا في قمر يطلع , ولا في شمس تسطع . . ولا يجده فيما تبصر العين , ولا فيما يحسه الحس . . إنه يجده في قلبه وفطرته , وفي عقله ووعيه , وفي الوجود كله من حوله . . إنه يجده خالقا لكل ما تراه العين , ويحسه الحس , وتدركه العقول .
وعندئذ يجد في نفسه المفاصلة الكاملة بينه وبين قومه في كل ما يعبدون من آلهة زائفة ; ويبرأ في حسم لا مواربة فيه من وجهتهم ومنهجهم وما هم عليه من الشرك - وهم لم يكونوا يجحدون الله البتة , ولكنهم كانوا يشركون هذه الأرباب الزائفة - وإبراهيم يتجه إلى الله وحده بلا شريك:
(قال:يا قوم إني بريء مما تشركون . إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين). .
فهو الاتجاه إلى فاطر السماوات والأرض . الاتجاه الحنيف الذي لا ينحرف إلى الشرك . وهي الكلمة الفاصلة , واليقين الجازم , والاتجاه الأخير . . فلا تردد بعد ذلك ولا حيرة فيما تجلى للعقل من تصور مطابق للحقيقة التي في الضمير . .
الدرس الثاني:80 - 83 ثبات إبراهيم على الحق وأمنه وثناء الله عليه
ومرة أخرى نشهد ذلك المشهد الرائع الباهر . . مشهد العقيدة وقد استعلنت في النفس , واستولت على القلب , بعدما وضحت وضوحها الكامل وانجلى عنها الغبش . . نشهدها وقد ملأت الكيان الإنساني , فلم يعد وراءها شيء . وقد سكبت فيه الطمأنينة الواثقة بربه الذي وجده في قلبه وعقله وفي الوجود من حوله . . وهو مشهد يتجلى بكل روعته وبهائه في الفقرة التالية في السياق .
لقد انتهى إبراهيم إلى رؤية الله - سبحانه - في ضميره وعقله وفي الوجود من حوله . وقد اطمأن قلبه واستراح باله . وقد احس بيد الله تأخذ بيده وتقود خطاه في الطريق . . والآن يجيء قومه ليجادلوه فيما انتهى إليه من يقين ; وفيما انشرح له صدره من توحيد ; وليخوفوه آلهتهم التي تنكر لها أن تنزل به سوءا . . وهو يواجههم في يقينه الجازم ; وفي إيمانه الراسخ ; وفي رؤيته الباطنة والظاهرة لربه الحق الذي هداه:
(وحاجه قومه , قال:أتحاجوني في الله وقد هدان ? ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا , وسع ربي كل شيء علما . أفلا تتذكرون ? وكيف أخاف ما أشركتم , ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ? فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ?). .
إن الفطرة حين تنحرف تضل ; ثم تتمادى في ضلالها , وتتسع الزاوية ويبعد الخط عن نقطة الابتداء , حتى ليصعب عليها أن تثوب . . وهؤلاء قوم إبراهيم - عليه السلام - يعبدون أصناما وكواكب ونجوما . فلا يتفكرون ولا يتدبرون هذه الرحلة الهائلة التي تمت في نفس إبراهيم . ولم يكن هذا داعيا لهم لمجرد التفكر والتدبر .
بل جاءوا يجادلونه ويحاجونه . وهم على هذا الوهن الظاهر في تصوراتهم وفي ضلال مبين .
ولكن إبراهيم المؤمن الذي وجد الله في قلبه وعقله وفي الوجود كله من حوله , يواجههم مستنكرا في طمأنينة ويقين:
من الاية 80 الى الاية 81
وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
(قال:أتحاجوني في الله وقد هدان ?). .
أتجادلونني في الله وقد وجدته يأخذ بيدي , ويفتح بصيرتي , ويهديني إليه , ويعرفني به . . لقد أخذ بيدي وقادني فهو موجود - وهذا هو في نفسي دليل الوجود - لقد رأيته في ضميري وفي وعيي , كما رأيته في الكون من حولي . فما جدالكم في أمر أنا أجده في نفسي ولا أطلب عليه الدليل . فهدايته لي إليه هي الدليل ?!
(ولا أخاف ما تشركون به). .
وكيف يخاف من وجد الله ? وماذا يخاف ومن ذا يخاف ? وكل قوة - غير قوة الله - هزيلة وكل سلطان - غير سلطان الله - لا يخاف ?!
ولكن إبراهيم في عمق إيمانه , واستسلام وجدانه , لا يريد أن يجزم بشيء إلا مرتكنا إلى مشيئة الله الطليقة , وإلى علم الله الشامل:
(إلا أن يشاء ربي شيئا . وسع ربي كل شيء علمًا).
فهو يكل إلى مشيئة الله حمايته ورعايته ; ويعلن أنه لا يخاف من آلهتهم شيئا , لأنه يركن إلى حماية الله ورعايته . ويعلم أنه لا يصيبه إلا ما شاءه الله , ووسعه علمه الذي يسع كل شيء . .
(وكيف أخاف ما أشركتم , ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ? فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ?).
إنه منطق المؤمن الواثق المدرك لحقائق هذا الوجود . إنه إن كان أحد قمينا بالخوف فليس هو إبراهيم - وليس هو المؤمن الذي يضع يده في يد الله ويمضي في الطريق - وكيف يخاف آلهة عاجزة - كائنة ما كانت هذه الآلهة , والتي تتبدى أحيانا في صورة جبارين في الأرض بطاشين ; وهم أمام قدرة الله مهزولون مضعوفون ! - كيف يخاف إبراهيم هذه الآلهة الزائفة العاجزة , ولا يخافون هم أنهم أشركوا بالله ما لم يجعل له سلطانا ولا قوة من الأشياء والأحياء ? وأي الفريقين أحق بالأمن ? الذي يؤمن به ويكفر بالشركاء ? أم الذي يشرك بالله ما لا سلطان له ولا قوة ? أي الفريقين أحق بالأمن , لو كان لهم شيء من العلم والفهم ?!
هنا يتنزل الجواب من الملأ الأعلى ; ويقضي الله بحكمه في هذه القضية:
(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم , أولئك لهم الأمن وهم مهتدون). .
الذين آمنوا وأخلصوا أنفسهم لله , لا يخلطون بهذا الإيمان شركا في عبادة ولا طاعة ولا اتجاه . هؤلاء لهم الأمن , وهؤلاء هم المهتدون(وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء). .
ولقد كانت هذه هي الحجة التي ألهمها الله إبراهيم ليدحض بها حجتهم التي جاءوا بها يجادلونه . ولقد كشف لهم عن وهن ما هم عليه من تصورهم أن هذه الآلهة تملك أن تسيء إليه . . وواضح أنهم ما كانوا يجحدون وجود الله ; ولا أنه هو صاحب القوة والسلطان في الكون , ولكنهم كانوا يشركون به هذه الآلهة . فلما واجههم إبراهيم , بأن من كان يخلص نفسه لله لا يخاف من دونه , فأما من يشرك بالله فهو أحق بالمخافة . . لما واجههم بهذه الحجة التي آتاها الله له وألهمه إياها , سقطت حجتهم , وعلت حجته , وارتفع إبراهيم على قومه عقيدة وحجة ومنزلة . . وهكذا يرفع الله من يشاء درجات . متصرفا في هذا بحكمته وعلمه:
(إن ربك حكيم عليم). .
وقبل أن نغادر هذه الفقرة نحب أن نستمتع بنفحة من نفحات الحياة في عصر صحابة رسول الله [ ص ]
من الاية 82 الى الاية 86
الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)
- وهذا القرآن يتنزل عليهم غضا ; وتشربه نفوسهم ; وتعيش به وله ; وتتعامل به وتتعايش بمدلولاته وإيحاءاته ومقتضياته , في جد وفي وعي وفي التزام عجيب , تأخذنا روعته وتبهرنا جديته ; وندرك منه كيف كان هذا الرهط الفريد من الناس , وكيف صنع الله بهذا الرهط ما صنع من
من الاية 87 الى الاية 89
وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ (89)
وفي الآيات ذكر لسبعة عشر نبيا رسولا - غير نوح وإبراهيم - وإشارة إلى آخرين (من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم). . والتعقيبات على هذا الموكب: (وكذلك نجزي المحسنين). . (وكلا فضلنا على العالمين). . (واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم). . وكلها تعقيبات تقرر إحسان هذا الرهط الكريم واصطفاءه من الله , وهدايته إلى الطريق المستقيم .
وذكر هذا الرهط على هذا النحو , واستعراض هذا الموكب في هذه الصورة , كله تمهيد للتقريرات التي تليه:
(ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده , ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون). .
وهذا تقرير لينابيع الهدى في هذه الأرض . فهدى الله للبشر يتمثل فيما جاءت به الرسل . وينحصر المستيقن منه , والذي يجب اتباعه , في هذا المصدر الواحد , الذي يقرر الله - سبحانه - أنه هو هدى الله ; وأنه هو الذي يهدي إليه من يختار من عباده . . ولو أن هؤلاء العباد المهديين حادوا عن توحيد الله , وتوحيد المصدر الذي يستمدون منه هداه , وأشركوا بالله في الاعتقاد أو العبادة أو التلقي , فإن مصيرهم أن يحبط عنهم عملهم:أي ان يذهب ضياعا , ويهلك كما تهلك الدابة التي ترعى نبتا مسموما فتنتفخ ثم تموت . . وهذا هو الأصل اللغوي للحبوط !
(أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة . فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين). .
وهذا هو التقرير الثاني . . فقرر في الأول مصدر الهدى , وقصره على هدى الله الذي جاءت به الرسل . وقرر في الثاني أن الرسل الذين ذكرهم والذين أشار إليهم , هم الذين آتاهم الله الكتاب والحكمة والسلطان والنبوة -(والحكم)يجيء بمعنى الحكمة كما يجيء بمعنى السلطان كذلك - وكلا المعنيين محتمل في الآية . فهؤلاء الرسل أنزل الله على بعضهم الكتاب كالتوراة مع موسى , والزبور مع داود , والإنجيل مع عيسى . وبعضهم آتاه الله الحكم كداود وسليمان - وكلهم أوتي السلطان على معنى أن ما معه من الدين هو حكم الله , وأن الدين الذي جاءوا به يحمل سلطان الله على النفوس وعلى الأمور . فما أرسل الله الرسل إلا ليطاعوا , وما أنزل الكتاب إلا ليحكم بين الناس بالقسط , كما جاء في الآيات الأخرى . وكلهم أوتي الحكمة وأوتي النبوة . . وأولئك هم الذين وكلهم الله بدينه , يحملونه إلى الناس , ويقومون عليه , ويؤمنون به ويحفظونه . . فإذا كفر بالكتاب والحكم والنبوة مشركو العربهؤلاء)فإن دين الله غني عنهم ; وهؤلاء الرهط الكرام والمؤمنون بهم هم حسب هذا الدين ! . . إنها حقيقة قديمة امتدت شجرتها , وموكب موصول تماسكت حلقاته ; ودعوة واحدة حملها رسول بعد رسول ; وآمن بها ويؤمن من يقسم الله له الهداية ; بما يعلمه من استحقاقه للهداية ! . . وهو تقرير يسكب الطمأنينة في قلب المؤمن , وفي قلوب العصبة المسلمة - أيا كان عددها - إن هذه العصبة ليست وحدها . ليست مقطوعة من شجرة ! إنها فرع منبثق من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء , وحلقة في موكب جليل موصول , موصولة أسبابه بالله وهداه . . إن المؤمن الفرد , في أي أرض وفي أي جيل , قوي قوي , وكبير كبير , إنه من تلك الشجرة المتينة السامقة الضاربة الجذور في أعماق الفطرة البشرية وفي أعماق التاريخ الأنساني , وعضو من ذلك الموكب الكريم الموصول بالله وهداه منذ أقدم العصور .
(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده . قل:لا أسألكم عليه أجرا . إن هو إلا ذكرى للعالمين). .
وهو التقرير الثالث . . فهؤلاء الرهط الكرام الذين يقودون موكب الإيمان , هم الذين هداهم الله . وهداهم الذي جاءهم من الله فيه القدوة لرسول الله [ ص ] ومن آمن به . فهذا الهدى وحده هو الذي
الأنعام
من الاية 90 الى الاية 90
أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)
يسير عليه . وهذا الهدى وحده هو الذي يحتكم إليه , وهذا الهدى وحده هو الذي يدعو إليه ويبشر به . . قائلا لمن يدعوهم:
(لا أسألكم عليه أجرًا). . (إن هو إلا ذكرى للعالمين). . للعالمين . . لا يختص به قوم ولا جنس ولا قريب ولا بعيد . . إنه هدى الله لتذكير البشر كافة . ومن ثم فلا أجر عليه يتقاضاه . وإنما أجره على الله !
الدرس الرابع:91 - 92 الرد على منكري النبوات وإثبات الرسالة الإسلامية
ثم يمضي السياق يندد بمنكري النبوات والرسالات , ويصمهم بأنهم لا يقدرون الله قدره , ولا يعرفون حكمة الله ورحمته وعدله . ويقرر أن الرسالة الأخيرة إنما تجري على سنة الرسالات قبلها ; وأن الكتاب الأخير مصدق لما بين يديه من الكتب . . مما يتفق مع ظل الموكب الذي سبق عرضه ويتناسق:
(وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا:ما أنزل الله على بشر من شيء . قل:من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس - تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا - وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ? قل:الله . ثم ذرهم في خوضهم يلعبون . وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه , ولتنذر أم القرى ومن حولها , والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به , وهم على صلاتهم يحافظون). .
لقد كان المشركون في معرض العناد واللجاج يقولون:إن الله لم يرسل رسولا من البشر ; ولم ينزل كتابا يوحي به إلى بشر . بينما كان إلى جوارهم في الجزيرة أهل الكتاب من اليهود ; ولم يكونوا ينكرون عليهم أنهم أهل كتاب , ولا أن الله أنزل التوارة على موسى - عليه السلام - إنما هم كانوا يقولون ذلك القول في زحمة العناد واللجاج , ليكذبوا برسالة محمد [ ص ] لذلك يواجههم القرآن الكريم بالتنديد بقولتهم:ما أنزل الله على بشر من شيء ; كما يواجههم بالكتاب الذي جاء به موسى من قبل:
(وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا:ما أنزل الله على بشر من شيء). .
وهذا القول الذي كان يقوله مشركو مكة في جاهليتهم , يقوله أمثالهم في كل زمان ; ومنهم الذين يقولونه الآن ; ممن يزعمون أن الأديان من صنع البشر ; وأنها تطورت وترقت بتطور البشر وترقيهم . لا يفرقون في هذا بين ديانات هي من تصورات البشر أنفسهم , كالوثنيات كلها قديما وحديثا , ترتقي وتنحط بارتقاء أصحابها وانحطاطهم , ولكنها تظل خارج دين الله كله . وبين ديانات جاء بها الرسل من عند الله , وهي ثابتة على أصولها الأولى ; جاء بها كل رسول ; فتقبلتها فئة وعتت عنها فئة ; ثم وقع الانحراف عنها والتحريف فيها , فعاد الناس إلى جاهليتهم في انتظار رسول جديد , بذات الدين الواحد الموصول .
وهذا القول يقوله - قديما أو حديثا - من لا يقدر الله حق قدره ; ومن لا يعرف كرم الله وفضله , ورحمته وعدله . . إنهم يقولون:إن الله لا يرسل من البشر رسولا ولو شاء لأنزل ملائكة ! كما كان العرب يقولون . أو يقولون:إن خالق هذا الكون الهائل لا يمكن أن يعني بالإنسان "الضئيل" في هذه الذرة الفلكية التي اسمها الأرض ! بحيث يرسل له الرسل ; وينزل على الرسل الكتب لهداية هذا المخلوق الصغير في هذا الكوكب الصغير ! وذلك كما يقول بعض الفلاسفة في القديم والحديث ! أو يقولون:إنه ليس هناك من إله ولا من وحي ولا من رسل . . إنما هي أوهام الناس أو خداع بعضهم لبعض باسم الدين ! كما يقول الماديون الملحدون !
وكله جهل بقدر الله - سبحانه - فالله الكريم العظيم العادل الرحيم , العليم الحكيم . . . لا يدع هذا الكائن الإنساني وحده , وهو خلقه , وهو يعلم سره وجهره , وطاقاته وقواه , ونقصه وضعفه , وحاجته إلى الموازين القسط التي يرجع إليها بتصوراته وأفكاره , وأقواله وأعماله , وأوضاعه ونظامه , ليرى إن كانت صوابا وصلاحا , أو كانت خطأ وفسادا . . ويعلم - سبحانه - أن العقل الذي أعطاه له , يتعرض لضغوط كثيرة
من الاية 91 الى الاية 91
وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
من شهواته ونزواته ومطامعه ورغباته , فضلا على أنه موكل بطاقات الأرض التي له عليها سلطان بسبب تسخيرها له من الله , وليس موكلا بتصور الوجود تصورا مطلقا , ولا بصياغة الأسس الثابتة للحياة . فهذا مجال العقيدة التي تأتي له من الله ; فتنشىء له تصورا سليما للوجود والحياة . . ومن ثم لا يكله الله إلى هذا العقل وحده , ولا يكله كذلك إلى ما أودع فطرته من معرفة لدنية بربها الحق , وشوق إليه , وليأذ به في الشدائد . . فهذه الفطرة قد تفسد كذلك بسبب ما يقع عليها من ضغوط داخلية وخارجية , وبسبب الإغواء والاستهواء الذي يقوم به شياطين الجن والإنس , بكل ما يملكون من أجهزة التوجيه والتأثير . . إنما يكل الله الناس إلى وحيه ورسله وهداه وكتبه , ليرد فطرتهم إلى استقامتها وصفائها , وليرد عقولهم إلى صحتها وسلامتها , وليجلو عنهم غاشية التضليل من داخل أنفسهم ومن خارجها . . وهذا هو الذي يليق بكرم الله وفضله , ورحمته وعدله , وحكمته وعلمه . . فما كان ليخلق البشر , ثم يتركهم سدى . . ثم يحاسبهم يوم القيامة ولم يبعث فيهم رسولا: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا) . . فتقدير الله حق قدره يقتضي الاعتقاد بأنه أرسل إلى عباده رسلا يستنقذون فطرتهم من الركام , ويساعدون عقولهم على الخلاص من الضغوط , والانطلاق للنظر الخالص والتدبر العميق . وأنه أوحى إلى هؤلاء الرسل منهج الدعوة إلى الله , وأنزل على بعضهم كتبا تبقى بعدهم في قومهم إلى حين - ككتب موسى وداود وعيسى - أو تبقي إلى آخر الزمان كهذا القرآن .
ولما كانت رسالة موسى معروفة بين العرب في الجزيرة , وكان أهل الكتاب معروفين هناك , فقد أمر الله رسوله أن يواجه المشركين المنكرين لأصل الرسالة والوحي ; بتلك الحقيقة:
(قل:من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس - تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا - وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم). .
وقد عرضنا في تقديم السورة للقول بأن هذه الآية مدنية , وأن المخاطبين بها هم اليهود . ثم ذكرنا هناك ما اختاره ابن جرير الطبري من القراءة الأخرى (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا). . وأن المخاطبين بها هم المشركون , وهذا خبر عن اليهود بما كان واقعا منهم من جعل التوراة في صحائف يتلاعبون بها ,
فيبدون منها للناس ما يتفق مع خطتهم في التضليل والخداع , والتلاعب بالاحكام والفرائض ; ويخفون ما لا يتفق مع هذه الخطة من صحائف التوراة ! مما كان العرب يعلمون بعضه وما أخبرهم الله به في هذا القرآن من فعل اليهود . . فهذا خبر عن اليهود معترض في سياق الآية لا خطابا لهم . . والآية على هذا مكية لا مدنية . . ونحن نختار ما اختاره ابن جرير .
فقل لهم يا محمد:من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس , مما يجعله اليهود صحائف يخفون بعضها ويظهرون بعضها قضاء للباناتهم من وراء هذا التلاعب الكرية ! كذلك واجههم بأن الله علمهم بما يقص عليهم من الحقائق والأخبار ما لم يكونوا يعملون ; فكان حقا عليهم أن يشكروا فضل الله ; ولا ينكروا أصله بإنكار أن الله نزل هذا العلم على رسوله وأوحى به إليه .
ولم يترك لهم أن يجيبوا على ذلك السؤال . إنما أمر رسول الله [ ص ] أن يحسم القول معهم في هذا الشأن ; وألا يجعله مجالا لجدل لا يثيره إلا اللجاج
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة الانعام ايه 43==51 الشيخ سيدقطب
» تفسير سورة الحجر ايه78 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة يوسف ايه 1 الى ايه3 الشيخ سيدقطب
» تفسير سورة الانعام ايه 11==21 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الانعام ايه 92==108 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الحجر ايه78 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة يوسف ايه 1 الى ايه3 الشيخ سيدقطب
» تفسير سورة الانعام ايه 11==21 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الانعام ايه 92==108 الشيخ سيد قطب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى