تفسير سورة فصلت ايه 16 الى ايه 46 الشيخ سيد قطب
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة فصلت ايه 16 الى ايه 46 الشيخ سيد قطب
من الاية 16 الى الاية 20
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20)
(فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات . لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا). .
إنها العاصفة الهوجاء المجتاحة الباردة في أيام نحس عليهم . وإنه الخزي في الحياة الدنيا . الخزي اللائق بالمستكبرين المتباهين المختالين على العباد . .
ذلك في الدنيا . . وليسوا بمتروكين في الآخرة:
(ولعذاب الآخرة أخزى . وهم لا ينصرون). .
(وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى). .
ويظهر أن هذه إشارة إلى اهتدائهم بعد آية الناقة , ثم ردتهم وكفرهم بعد ذلك . وإيثارهم العمى على الهدى . والضلال بعد الهدى عمى أشد العمى !
(فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون). .
والهوان أنسب عاقبة . فليس هو العذاب فحسب , وليس هو الهلاك فحسب . ولكنه كذلك الهوان جزاء على العمى بعد الإيمان .
ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون . .
وتنتهي الجولة على مصرع عاد وثمود . والإنذار بهذا المصرع المخيف المرهوب . ويتكشف لهم سلطان الله الذي لا ترده قوة ولا يعصم منه حصن , ولا يبقي على مستكبر مريد .
الدرس الرابع:20 - 24 مشهد لخزي وعذاب الكفار في الآخرة
والآن وقد كشف لهم عن سلطان الله في فطرة الكون ; وسلطان الله في تاريخ البشر , يطلعهم على سلطان الله في ذوات أنفسهم , التي لا يملكون منها شيئاً , ولا يعصمون منها شيئاً من سلطان الله . حتى سمعهم وأبصارهم وجلودهم تطيع الله وتعصيهم في الموقف المشهود , وتكون عليهم بعض الشهود:
ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون . حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون . وقالوا لجلودهم:لم شهدتم علينا ? قالوا:أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة , وإليه ترجعون . وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم , ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون . وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم , فأصبحتم من الخاسرين . فإن يصبروا فالنار مثوى لهم . وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين . .
إنها المفاجأة الهائلة في الموقف العصيب . وسلطان الله الذي تطيعه جوارحهم وتستجيب . وهم يوصمون بأنهم أعداء الله . فما مصير أعداء الله ? إنهم يحشرون ويجمع أولهم على آخرهم وآخرهم على أولهم كالقطيع ! إلى أين ? إلى النار ! حتى إذا كانوا حيالها وقام الحساب , إذا شهود عليهم لم يكونوا لهم في حساب . إن ألسنتهم معقودة لا تنطق , وقد كانت تكذب وتفتري وتستهزىء . وإن أسماعهم وأبصارهم وجلودهم تخرج عليهم , لتستجيب لربها طائعة مستسلمة , تروي عنهم ما حسبوه سراً . فقد يستترون من الله . ويظنون أنه لا يراهم وهم يتخفون بنواياهم , ويتخفون بجرائمهم . ولم يكونوا ليستخفوا من أبصارهم وأسماعهم وجلودهم . وكيف وهي معهم ? بل كيف وهي أبعاضهم ?! وها هي ذي تفضح ما حسبوه مستوراً عن الخلق أجمعين . وعن الله رب العالمين !
يا للمفاجأة بسلطان الله الخفي , يغلبهم على أبعاضهم فتلبي وتستجيب !
من الاية 21 الى الاية 24
وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
(وقالوا لجلودهم:لم شهدتم علينا ?). .
فإذا هي تجبههم بالحقيقة التي خفيت عليهم في غير مواربة ولا مجاملة:
(قالوا:أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء)?
أليس هو الذي جعل الألسنة هي الناطقة ? وإنه لقادر على أن يجعل سواها . وقد أنطق كل شيء فهو اليوم يتحدث وينطق ويبين .
(وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون). .
فإليه المنشأ وإليه المصير , ولا مفر من قبضته في الأول وفي الأخير .
وهذا ما أنكروه بالعقول . وهذا ما تقرره لهم الجلود !
وقد تكون بقية التعليق من حكاية أقوال أبعاضهم لهم . وقد تكون تعقيباً على الموقف العجيب:
(وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم). .
فما كان يخطر ببالكم أنها ستخرج عليكم , وما كنتم بمستطيعين أن تستتروا منها لو أردتم !
(ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون). .
وخدعكم هذا الظن الجاهل الأثيم وقادكم إلى الجحيم:
(وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين). .
ثم يجيء التعقيب الأخير:
(فإن يصبروا فالنار مثوى لهم). .
يا للسخرية ! فالصبر الآن صبر على النار ; وليس الصبر الذي يعقبه الفرج وحسن الجزاء . إنه الصبر الذي جزاؤه النار قراراً ومثوى يسوء فيه الثواء !
(وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين). .
فما عاد هناك عتاب , وما عاد هناك متاب . وقد جرت العادة أن الذي يطلب العتاب يطلب من ورائه الصفح والرضى بعد إزالة أسباب الجفاء . فاليوم يغلق الباب في وجه العتاب . لا الصفح والرضى الذي يعقب العتاب !
الدرس الخامس:25 - 29 قرناء السوء وحربهم للقرآن وعذابهم يوم القيامة
ثم يكشف لهم كذلك عن سلطان الله في قلوبهم , وهم بعد في الأرض , يستكبرون عن الإيمان بالله . فالله قد قيض لهم - بما اطلع على فساد قلوبهم - قرناء سوء من الجن ومن الأنس , يزينون لهم السوء , وينتهون بهم إلى مواكب الذين كتب عليهم الخسران , وحقت عليهم كلمة العذاب:
(وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم , وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس , إنهم كانوا خاسرين). .
فلينظروا كيف هم في قبضة الله الذي يستكبرون عن عبادته . وكيف أن قلوبهم التي بين جنوبهم تقودهم إلى العذاب والخسارة وقد قيض الله وأحضر قرناء يوسوسون لهم , ويزينون لهم كل ما حولهم من السوء , ويحسنون لهم أعمالهم فلا يشعرون بما فيها من قبح . وأشد ما يصيب الإنسان أن يفقد إحساسه بقبح فعله وانحرافه , وأن يرى كل شيء من شخصه حسنا ومن فعله ! فهذه هي المهلكة وهذا هو المنحدر الذي ينتهي دائماً بالبوار .
من الاية 25 الى الاية 32
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32)
وإذا هم في قطيع السوء . في الأمم التي حق عليها وعد الله من قبلهم من الجن والإنس . قطيع الخاسرين (إنهم كانوا خاسرين).
وكان من تزيين القرناء لهم دفعهم إلى محاربة هذا القرآن , حين أحسوا بما فيه من سلطان:
(وقال الذين كفروا:لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون). .
كلمة كان يوصي بها الكبراء من قريش أنفسهم ويغرون بها الجماهير ; وقد عجزوا عن مغالبة أثر القرآن في أنفسهم وفي نفوس الجماهير .
(لا تسمعوا لهذا القرآن). فهو كما كانوا يدعون يسحرهم , ويغلب عقولهم , ويفسد حياتهم . ويفرق بين الوالد وولده , والزوج وزوجه . ولقد كان القرآن يفرق نعم ولكن بفرقان الله بين الإيمان والكفر , والهدى والضلال . كان يستخلص القلوب له , فلا تحفل بوشيجة غير وشيجته . فكان هو الفرقان .
(والغوا فيه لعلكم تغلبون).
وهي مهاترة لا تليق . ولكنه العجز عن المواجهة بالحجة والمقارعة بالبرهان , ينتهي إلى المهاترة , عند من يستكبر على الإيمان .
ولقد كانوا يلغون بقصص اسفنديار ورستم كما فعل مالك بن النضر ليصرف الناس عن القرآن . ويلغون بالصياح والهرج . ويلغون بالسجع والرجز . ولكن هذا كله ذهب أدراج الرياح وغلب القرآن , لأنه يحمل سر الغلب , إنه الحق . والحق غالب مهما جهد المبطلون !
ورداً على قولتهم المنكرة يجيء التهديد المناسب:
(فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً , ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون . ذلك جزاء أعداء الله النار , لهم فيها دار الخلد , جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون).
وسرعان ما نجدهم في النار . وسرعان ما نشهد حنق المخدوعين , الذين زين لهم قرناؤهم ما بين أيديهم وما خلفهم , وأغروهم بهذه المهلكة التي انتهى إليها مطافهم:
وقال الذين كفروا:ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس , نجعلهما تحت أقدامنا , ليكونا من الأسفلين .
إنه الحنق العنيف , والتحرق على الانتقام: (نجعلهما تحت أقدامنا). (ليكونا من الأسفلين). وذلك بعد الموادة والمخادنة والوسوسة والتزيين !
الدرس السادس:30 - 32 تبشير المستقيمين على الهدى وثوابهم في الجنة
هذه صلة . صلة الوسوسة والإغراء . وهناك صلة . صلة النصح والولاء . إنهم المؤمنون . الذين قالوا:ربنا الله , ثم استقاموا على الطريق إليه بالإيمان والعمل الصالح . إن الله لا يقيض لهؤلاء قرناء سوء من الجن والإنس ; إنما يكلف بهم ملائكة يفيضون على قلوبهم الأمن والطمأنينة , ويبشرونهم بالجنة , ويتولونهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة:
(إن الذين قالوا:ربنا الله . ثم استقاموا . تتنزل عليهم الملائكة:ألا تخافوا ولا تحزنوا , وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة . ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون . نزلا من غفور رحيم).
من الاية 33 الى الاية 34
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
والاستقامة على قولة: (ربنا الله). الاستقامة عليها بحقها وحقيقتها . الاستقامة عليها شعوراً في الضمير , وسلوكاً في الحياة . الاستقامة عليها والصبر على تكاليفها . أمر ولا شك كبير . وعسير . ومن ثم يستحق عند الله هذا الإنعام الكبير . صحبة الملائكة , وولاءهم , ومودتهم . هذه التي تبدو فيما حكاه الله عنهم . وهم يقولون لأوليائهم المؤمنين:لا تخافوا . لا تحزنوا . أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة . ثم يصورون لهم الجنة التي يوعدون تصوير الصديق لصديقه ما يعلم أنه يسره علمه ورؤيته من حظه المرتقبلكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون). ويزيدونها لهم جمالاً وكرامةنزلاً من غفور رحيم). فهي من عند الله أنزلكم إياها بمغفرته ورحمته . فأي نعيم بعد هذا النعيم ?
الدرس السابع:33 - 36 من صفات الدعاة الناجحين
ويختم هذا الشوط برسم صورة الداعية إلى الله , ووصف روحه ولفظه , وحديثه وأدبه . ويوجه إليها رسوله [ ص ] وكل داعية من أمته . وكان قد بدأ السورة بوصف جفوة المدعوين وسوء أدبهم , وتبجحهم النكير . ليقول للداعية:هذا هو منهجك مهما كانت الأمور:
(ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال:إنني من المسلمين ! ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن , فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا , وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم . وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله , إنه هو السميع العليم).
إن النهوض بواجب الدعوة إلى الله , في مواجهة التواءات النفس البشرية , وجهلها , واعتزازها بما ألفت , واستكبارها أن يقال:إنها كانت على ضلالة , وحرصها على شهواتها وعلى مصالحها , وعلى مركزها الذي قد تهدده الدعوة إلى إله واحد , كل البشر أمامه سواء .
إن النهوض بواجب الدعوة في مواجهة هذه الظروف أمر شاق . ولكنه شأن عظيم:
(ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله , وعمل صالحاً , وقال:إنني من المسلمين).
إن كلمة الدعوة حينئذ هي أحسن كلمة تقال في الأرض , وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء . ولكن مع العمل الصالح الذي يصدق الكلمة ; ومع الاستسلام لله الذي تتوارى معه الذات . فتصبح الدعوة خالصة لله ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ .
ولا على الداعية بعد ذلك أن تتلقى كلمته بالإعراض , أو بسوء الأدب , أو بالتبجح في الإنكار . فهو إنما يتقدم بالحسنة . فهو في المقام الرفيع ; وغيره يتقدم بالسيئة . فهو في المكان الدون:
(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة).
وليس له أن يرد بالسيئة , فإن الحسنة لا يستوي أثرها - كما لا تستوي قيمتها - مع السيئة والصبر والتسامح , والاستعلاء على رغبة النفس في مقابلة الشر بالشر , يرد النفوس الجامحة إلى الهدوء والثقة , فتنقلب من الخصومة إلى الولاء , ومن الجماح إلى اللين:
(ادفع بالتي هي أحسن , فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
وتصدق هذه القاعدة في الغالبية الغالبة من الحالات . وينقلب الهياج إلى وداعة . والغضب إلى سكينة . والتبجح إلى حياء ; على كلمة طيبة , ونبرة هادئة , وبسمة حانية في وجه هائج غاضب متبجح مفلوت الزمام !
من الاية 35 الى الاية 36
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
ولو قوبل بمثل فعله ازداد هياجاً وغضباً وتبجحاً ومروداً . وخلع حياءه نهائياً , وأفلت زمامه , وأخذته العزة بالإثم .
غير أن تلك السماحة تحتاج إلى قلب كبير يعطف ويسمح وهو قادر على الإساءة والرد . وهذه القدرة ضرورية لتؤتي السماحة أثرها . حتى لا يصور الإحسان في نفس المسيء ضعفاً . ولئن أحس أنه ضعف لم يحترمه , ولم يكن للحسنة أثرها إطلاقاً .
وهذه السماحة كذلك قاصرة على حالات الإساءة الشخصية . لا العدوان على العقيدة وفتنة المؤمنين عنها . فأما في هذا فهو الدفع والمقاومة بكل صورة من صورها . أو الصبر حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .
وهذه الدرجة , درجة دفع السيئة بالحسنة , والسماحة التي تستعلي على دفعات الغيظ والغضب , والتوازن الذي يعرف متى تكون السماحة ومتى يكون الدفع بالحسنى . . درجة عظيمة لا يلقاها كل إنسان . فهي في حاجة إلى الصبر . وهي كذلك حظ موهوب يتفضل به الله على عباده الذين يحاولون فيستحقون:
(وما يلقاها إلا الذين صبروا , وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم). .
إنها درجة عالية إلى حد أن رسول الله [ ص ] وهو الذي لم يغضب لنفسه قط ; وإذا غضب لله لم يقم لغضبه أحد . قيل له - وقيل لكل داعية في شخصه -:
(وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله , إنه هو السميع العليم). .
فالغضب قد ينزغ . وقد يلقي في الروع قلة الصبر على الإساءة . أو ضيق الصدر عن السماحة . فالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم حينئذ وقاية , تدفع محاولاته , لاستغلال الغضب , والنفاذ من ثغرته .
إن خالق هذا القلب البشري , الذي يعرف مداخله ومساربه , ويعرف طاقته واستعداده , ويعرف من أين يدخل الشيطان إليه , يحوط قلب الداعية إلى الله من نزغات الغضب . أو نزغات الشيطان . مما يلقاه في طريقه مما يثير غضب الحليم .
إنه طريق شاق . طريق السير في مسارب النفس ودروبها وأشواكها وشعابها , حتى يبلغ الداعية منها موضع التوجيه ; ونقطة القياد !!!
الوحدة الثانية:37 - 54 الموضوع:آيات وأدلة على الوحدانية من الكون والآفاق وطبيعة الإنسان
من الاية 37 الى الاية 37
وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
هذا شوط جديد مع القلب البشري في مجال الدعوة . يبدأ بجولة مع آيات الله الكونية:الليل والنهار والشمس والقمر , وفي المشركين من كان يسجد للشمس وللقمر مع الله . وهما من خلق الله . ويعقب على عرض هذه الآيات بأنهم إن استكبروا عن عبادة الله فهناك من هم أقرب منهم إلى الله يعبدونه . ثم هناك الأرض كلها في مقام العبادة وهي تتلقى من ربها الحياة , كما تلقوها فلم يتحركوا بها إلى الله . إنما هم يلحدون في آيات الله الكونية , ويجادلون في آياته القرآنية ; وهو قرآن عربي غير مشوب بأعجمية . وينتقل بهم إلى مشهد من مشاهد القيامة . ثم يعرض عليهم أنفسهم عارية بكل ما فيها من ضعف وتقلب ونسيان , وبكل ما فيها من حرص على الخير وجزع من الضر . ثم هم لا يقون أنفسهم من شر ما يصيبها عند الله . وتنتهي السورة بوعد الله سبحانه أن يكشف للناس عن آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق , ويذهب ما في قلوبهم من ريب وشك . .
الدرس الأول:37 - 39 خضوع المخلوقات لله ودعوة إلى عبادته وعدم الشرك به
(ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر . لا تسجدوا للشمس ولا للقمر . واسجدوا لله الذي خلقهن . إن كنتم إياه تعبدون). .
وهذه الآيات معروضة للأنظار , يراها العالم والجاهل . ولها في القلب البشري روعة مباشرة . ولو لم يعلم الإنسان شيئاً عن حقيقتها العلمية . فبينها وبين الكائن البشري صلة أعمق من المعرفة العلمية . بينها وبينه هذا الاتصال في النشأة , وفي الفطرة , وفي التكوين . فهو منها وهي منه . تكوينه تكوينها , ومادته مادتها , وفطرته فطرتها , وناموسه ناموسها , وإلهه إلهها . . فهو من ثم يستقبلها بحسه العميق في هزة وإدراك مباشر لمنطقها العريق !
لهذا يكتفي القرآن غالبا بتوجيه القلب إليها , وإيقاظه من غفلته عنها , هذه الغفلة التي ترد عليه من طول الألفة تارة , ومن تراكم الحواجز والموانع عليه تارة . فيجلوها القرآن عنه , لينتفض جديداً حياً يقظاً يعاطف هذا الكون الصديق , ويتجاوب معه بالمعرفة القديمة العميقة الجذور .
وصورة من صور الإنحراف تلك التي تشير إليها الآية هنا . فقد كان قوم يبالغون في الشعور بالشمس والقمر شعوراً منحرفاً ضالاً فيعبدونهما باسم التقرب إلى الله بعبادة أبهى خلائقه ! فجاء القرآن ليردهم عن هذا الإنحراف ; ويزيل الغبش عن عقيدتهم المدخولة . ويقول لهم:إن كنتم تعبدون الله حقاً فلا تسجدوا للشمس والقمر . . (واسجدوا لله الذي خلقهن)فالخالق هو وحده الذي يتوجه إليه المخلوقون أجمعين . والشمس والقمر مثلكم يتوجهون إلى خالقهما فتوجهوا معهم إلى الخالق الواحد الذي يستحق أن تعبدوه . ويعيد الضمير عليهما مؤنثاً مجموعاًخلقهن)باعتبار جنسهما وأخواتهما من الكواكب والنجوم ; ويتحدث عنهن بضمير المؤنث العاقل ليخلع عليهن الحياة والعقل , ويصورهن شخوصاً ذات أعيان !
فإن استكبروا بعد عرض هذه الآيات , وبعد هذا البيان , فلن يقدم هذا أو يؤخر ; ولن يزيد هذا أو ينقص . فغيرهم يعبد غير مستكبر:
(فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار , وهم لا يسأمون). .
وأقرب ما يرد على القلب عند ذكر (الذين عند ربك)الملائكة . ولكن قد يكون هنالك غير الملائكة من عباد الله المقربين ; وهل نعلم نحن شيئاً إلا اليسير الضئيل ?!
هؤلاء . الذين عند ربك . وهم أرفع وأعلى . وهم أكرم وأمثل . لا يستكبرون كما يستكبر أولئك المنحرفون
من الاية 38 الى الاية 38
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)
الضالون في الأرض . ولا يغترون بقرب مكانهم من الله . ولا يفترون عن تسبيحه ليلاً ونهاراً (وهم لا يسأمون). . فماذا يساوي أن يتخلف من أهل الأرض من يتخلف في حقيقة العبودية لله من الجميع ?
وهنالك الأرض - أمهم التي تقوتهم - الأرض التي منها خرجوا وإليها يعودون . الأرض التي هم على سطحها نمال تدب ولا طعام لها ولا شراب إلا ما تستمده منها . . هذه الأرض تقف خاشعة لله , وهي تتلقى من يديه الحياة:
ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة , فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت . إن الذي أحياها لمحيي الموتي , إنه على كل شيء قدير . .
ونقف لحظة أمام دقة التعبير القرآني في كل موضع . فخشوع الأرض هنا هو سكونها قبل نزول الماء عليها . فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت . وكأنما هي حركة شكر وصلاة على أسباب الحياة . ذلك أن السياق الذي وردت فيه هذه الآية سياق خشوع وعبادة وتسبيح , فجيء بالأرض في هذا المشهد , شخصاً من شخوص المشهد , تشارك فيه بالشعور المناسب وبالحركة المناسبة . .
ونستعير هنا صفحة من كتاب "التصوير الفني في القرآن" عن التناسق الفني في مثل هذا التعبير :
"عبر القرآن عن الأرض قبل نزول المطر . وقبل تفتحها بالنبات , مرة بأنها(هامدة), ومرة بأنها(خاشعة). وقد يفهم البعض أن هذا مجرد تنويع في التعبير . فلننظر كيف وردت هاتان الصورتان:
"لقد وردتا في سياقين مختلفين على هذا النحو:
" وردت(هامدة)في هذا السياق: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث , فإنا خلقناكم من تراب , ثم من نطفة , ثم من علقة , ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة . لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ; ثم نخرجكم طفلاً , ثم لتبلغوا أشدكم ; ومنكم من يتوفى , ومنكم من يرد إلى أرذل العمر , لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً . وترى الأرض هامدة , فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت , وأنبتت من كل زوج بهيج) . .
ووردت(خاشعة)في هذا السياق: (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر . لا تسجدوا للشمس ولا للقمر , واسجدوا لله الذي خلقهن , إن كنتم إياه تعبدون . فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار , وهم لا يسأمون . ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة , فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت).
" وعند التأمل السريع في هذين السياقين , يتبين وجه التناسق في(هامدة)و(خاشعة). إن الجو في السياق الأول جو بعث وإحياء وإخراج ; فمما يتسق معه تصوير الأرض(هامدة)ثم تهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج . وإن الجو في السياق الثاني هو جو عبادة وخشوع وسجود , يتسق معه تصوير الأرض(خاشعة)فإذا نزل عليها الماء اهتزت وربت .
; ثم لا يزيد على الاهتزاز والإرباء هنا , الإنبات والإخراج , كما زاد هناك , لأنه لا محل لها في جو العبادة والسجود . ولم تجىء (اهتزت وربت)هنا للغرض الذي جاءتا من أجله هناك . إنهما تخيلان حركة للأرض بعد خشوعها . وهذه الحركة هي المقصودة هنا , لأن كل ما في المشهد يتحرك حركة العبادة , فلم يكن من
من الاية 39 الى الاية 41
. وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)
المناسب أن تبقى الأرض وحدها خاشعة ساكنة , فاهتزت لتشارك العابدين المتحركين في المشهد حركتهم , ولكي لا يبقى جزء من أجزاء المشهد ساكناً , وكل الأجزاء تتحرك من حوله . وهذا لون من الدقة في تناسق الحركة المتخيلة يسمو على كل تقدير ; الخ . الخ .
ونعود إلى النص القرآني فنجد أن التعقيب في نهاية الآية يشير إلى إحياء الموتى , ويتخذ من إحياء الأرض نموذجاً ودليلاً:
(إن الذي أحياها لمحيي الموتى , إنه على كل شيء قدير). .
ويتكرر في القرآن عرض مثل هذا المشهد واتخاذه نموذجاً للإحياء في الآخرة , ودليلاً كذلك على القدرة . ومشهد الحياة في الأرض قريب من كل قلب , لأنه يلمس القلوب قبل أن يلمس العقول , والحياة حين تنبض من بين الموات , توحي بالقدرة المنشئة إيحاء خفياً ينبض في أعماق الشعور . والقرآن يخاطب الفطرة بلغتها من أقرب طريق .
الدرس الثاني:40 تهديد الملحدين بالعذاب
وأمام مشهد هذه الآيات الكونية ذات الأثر الشعوري العميق يجيء التنديد والتهديد لمن يلحدون في هذه الآيات الظاهرة الباهرة ; فيكفرون بها , أو يغالطون فيها:
(إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا . أفمن يلقى في النار خير ? أم من يأتي آمناً يوم القيامة . اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير).
ويبدأ التهديد ملفوفاً ولكنه مخيف: (لا يخفون علينا). . فهم مكشوفون لعلم الله . وهم مأخوذون بما يلحدون , مهما غالطوا والتووا , وحسبوا أنهم مفلتون من يد الله كما قد يفلتون بالمغالطة من حساب الناس .
ثم يصرح بالتهديد: أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة ? . . وهو تعريض بهم , وربما ينتظرهم من الإلقاء في النار والخوف والفزغ , بالمقابلة إلى مجيء المؤمنين آمنين .
وتنتهي الآية بتهديد آخر ملفوف: (اعملوا ما شئتم . إنه بما تعملون بصير). . ويا خوف من يترك ليعمل فيلحد في آيات الله . والله بما يعمل بصير .
الدرس الثالث:41 كلام عن القرآن وتنزيله ونقض شبهات الكفار ضده
ويستطرد إلى الذين يكفرون بآيات الله القرآنية , والقرآن كتاب عزيز قوي منيع الجانب , لا يدخل عليه الباطل من قريب ولا من بعيد:
إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم , وإنه لكتاب عزيز , لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . تنزيل من حكيم حميد . ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك , إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم . ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا:لولا فصلت آياته ! أأعجمي وعربي ? قل:وهو للذين آمنوا هدى وشفاء . والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر , وهو عليهم عمى ً , أولئك ينادون من مكان بعيد .
والنص يتحدث عن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ; ولا يذكر ماذا هم ولا ماذا سيقع لهم . فلا يذكر الخبر: (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم . . .)كأنما ليقال:إن فعلتم لا يوجد وصف ينطبق عليها ويكافئها لشدة بشاعتها !
لذلك يترك النص خبر(إن)لا يأتي به ويمضي في وصف الذكر الذي كفروا به لتفظيع الفعلة وتبشيعها:
من الاية 42 الى الاية 43
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)
(وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . تنزيل من حكيم حميد). .
وأنى للباطل أن يدخل على هذا الكتاب . وهو صادر من الله الحق . يصدع بالحق . ويتصل بالحق الذي تقوم عليه السماوات والأرض ?
وأنى يأتيه الباطل وهو عزيز . محفوظ بأمر الله الذي تكفل بحفظه فقالإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
والمتدبر لهذا القرآن يجد فيه ذلك الحق الذي نزل به , والذي نزل ليقره . يجده في روحه ويجده في نصه . يجده في بساطة ويسر . حقاً مطمئناً فطرياً , يخاطب أعماق الفطرة , ويطبعها ويؤثر فيها التأثير العجيب .
وهو (تنزيل من حكيم حميد). . والحكمة ظاهرة في بنائه , وفي توجيهه , وفي طريقة نزوله , وفي علاجه للقلب البشري من أقصر طريق . والله الذي نزله خليق بالحمد . وفي القرآن ما يستجيش القلب لحمده الكثير .
ثم يربط السياق بين القرآن وسائر الوحي قبله ; وبين رسول الله [ ص ] وسائر الرسل قبله . ويجمع اسرة النبوة كلها في ندوة واحدة تتلقى من ربها حديثاً واحداً , ترتبط به أرواحها وقلوبها , وتتصل به طريقها ودعوتها ; ويحس المسلم الأخير أنه فرع من شجرة وارفة عميقة الجذور , وعضو من أسرة عريقة قديمة التاريخ:
(ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك . إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم). .
إنه وحي واحد , ورسالة واحدة , وعقيدة واحدة . وإنه كذلك استقبال واحد من البشرية , وتكذيب واحد , واعتراضات واحدة . . ثم هي بعد ذلك وشيجة واحدة , وشجرة واحدة , وأسرة واحدة , وآلام واحدة , وتجارب واحدة , وهدف في نهاية الأمر واحد , وطريق واصل ممدود .
أي شعور بالأنس , والقوة , والصبر , والتصميم . توحيه هذه الحقيقة لأصحاب الدعوة , السالكين في طريق سار فيها من قبل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وإخوانهم جميعاً - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ?
وأي شعور بالكرامة والاعتزاز والاستعلاء على مصاعب الطريق وعثرتها وأشواكها وعقباتها , وصاحب الدعوة يمضي وهو يشعر أن اسلافه في هذا الطريق هم تلك العصبة المختارة من بني البشر أجمعين ?
إنها حقيقة: (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك). . ولكن أي آثار هائلة عميقة ينشئها استقرار هذه الحقيقة في نفوس المؤمنين ?
وهذا ما يصنعه هذا القرآن , وهو يقرر مثل هذه الحقيقة الضخمة ويزرعها في القلوب .
ومما قيل للرسل وقيل لمحمد [ ص ] خاتم الرسل:
(إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم). .
ذلك كي تستقيم نفس المؤمن وتتوازن . فيطمع في رحمة الله ومغفرته فلا ييأس منها أبداً . ويحذر عقاب الله ويخشاه فلا يغفل عنه أبداً .
إنه التوازن طابع الإسلام الأصيل .
ثم يذكرهم بنعمة الله عليهم أن جعل هذا القرآن عربياً بلسانهم ; كما يشير إلى طريقتهم في العنت والإلحاد والجدل والتحريف:
من الاية 44 الى الاية 46
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (46)
(ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا:لولا فصلت آياته ! أأعجمي وعربي ?). .
فهم لا يصغون إليه عربياً , وهم يخافون منه لأنه عربي يخاطب فطرة العرب بلسانهم . فيقولون:لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون . ولو جعله الله قرآنا أعجمياً لاعترضوا عليه أيضاً , وقالوا لولا جاء عربياً فصيحاً مفصلاً دقيقاً ! ولو جعل بعضه أعجمياً وبعضه عربياً لاعترضوا كذلك وقالوا أأعجمي وعربي ?! فهو المراء والجدل والإلحاد .
والحقيقة التي تخلص من وراء هذا الجدل حول الشكل , هي أن هذا الكتاب هدى للمؤمنين وشفاء , فقلوب المؤمنين هي التي تدرك طبيعته وحقيقته , فتهتدي به وتشتفي . فأما الذين لا يؤمنون فقلوبهم مطموسة لا تخالطها بشاشة هذا الكتاب , فهو وقر في آذانهم , وعمى ً في قلوبهم . وهم لا يتبينون شيئاً . لأنهم بعيدون جداً عن طبيعة هذا الكتاب وهواتفه:
(قل:هو للذين آمنوا هدى وشفاء , والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر , وهو عليهم عمى ً , أولئك ينادون من مكان بعيد). .
ويجد الإنسان مصداق هذا القول في كل زمان وفي كل بيئة . فناس يفعل هذا القرآن في نفوسهم فينشئها إنشاء , ويحييها إحياء ; ويصنع بها ومنها العظائم في ذاتها وفيما حولها . وناس يثقل هذا القرآن على آذانهم وعلى قلوبهم , ولا يزيدهم إلا صمماً وعمى . وما تغير القرآن . ولكن تغيرت القلوب . وصدق الله العظيم .
الدرس الرابع:45 - 46 رسالة موسى وأساس الثواب والعقاب
ويشير إلى موسى وكتابه واختلاف قومه في هذا الكتاب . يشير إليه نموذجاً للرسل الذين ورد ذكرهم من قبل إجمالاً . وقد أجل الله حكمه في اختلافهم , وسبقت كلمته أن يكون الفصل في هذا كله في يوم الفصل العظيم:
(ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه , ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم , وإنهم لفي شك منه مريب). .
وكذلك سبقت كلمة ربك أن يدع الفصل في قضية الرسالة الأخيرة إلى ذلك اليوم الموعود . وأن يدع الناس يعملون , ثم يجازون على ما يعملون:
من عمل صالحاً فلنفسه ومن اساء فعليها , وما ربك بظلام للعبيد . .
لقد جاءت هذه الرسالة تعلن رشد البشرية وتضع على كاهلها عبء الإختيار ; وتعلن مبدأ التبعة الفردية . ولمن شاء أن يختار (وما ربك بظلام للعبيد) . .
الدرس الخامس:47 - 48 مما اختص الله به وشمول علمه وخزي الكفار في الآخرة
وبمناسبة الإشارة إلى الأجل المسمى , وتقرير عدل الله فيه , يقرر أن أمر الساعة وعلمها إلى الله وحده , ويصور علم الله في بعض مجالاته صورة موحية تمس أعماق القلوب . وذلك في الطريق إلى عرض مشهد من مشاهد القيامة يسأل فيه المشركون ويجيبون:
(إليه يرد علم الساعة , وما تخرج من ثمرات من أكمامها , وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه . ويوم
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20)
(فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات . لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا). .
إنها العاصفة الهوجاء المجتاحة الباردة في أيام نحس عليهم . وإنه الخزي في الحياة الدنيا . الخزي اللائق بالمستكبرين المتباهين المختالين على العباد . .
ذلك في الدنيا . . وليسوا بمتروكين في الآخرة:
(ولعذاب الآخرة أخزى . وهم لا ينصرون). .
(وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى). .
ويظهر أن هذه إشارة إلى اهتدائهم بعد آية الناقة , ثم ردتهم وكفرهم بعد ذلك . وإيثارهم العمى على الهدى . والضلال بعد الهدى عمى أشد العمى !
(فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون). .
والهوان أنسب عاقبة . فليس هو العذاب فحسب , وليس هو الهلاك فحسب . ولكنه كذلك الهوان جزاء على العمى بعد الإيمان .
ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون . .
وتنتهي الجولة على مصرع عاد وثمود . والإنذار بهذا المصرع المخيف المرهوب . ويتكشف لهم سلطان الله الذي لا ترده قوة ولا يعصم منه حصن , ولا يبقي على مستكبر مريد .
الدرس الرابع:20 - 24 مشهد لخزي وعذاب الكفار في الآخرة
والآن وقد كشف لهم عن سلطان الله في فطرة الكون ; وسلطان الله في تاريخ البشر , يطلعهم على سلطان الله في ذوات أنفسهم , التي لا يملكون منها شيئاً , ولا يعصمون منها شيئاً من سلطان الله . حتى سمعهم وأبصارهم وجلودهم تطيع الله وتعصيهم في الموقف المشهود , وتكون عليهم بعض الشهود:
ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون . حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون . وقالوا لجلودهم:لم شهدتم علينا ? قالوا:أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة , وإليه ترجعون . وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم , ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون . وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم , فأصبحتم من الخاسرين . فإن يصبروا فالنار مثوى لهم . وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين . .
إنها المفاجأة الهائلة في الموقف العصيب . وسلطان الله الذي تطيعه جوارحهم وتستجيب . وهم يوصمون بأنهم أعداء الله . فما مصير أعداء الله ? إنهم يحشرون ويجمع أولهم على آخرهم وآخرهم على أولهم كالقطيع ! إلى أين ? إلى النار ! حتى إذا كانوا حيالها وقام الحساب , إذا شهود عليهم لم يكونوا لهم في حساب . إن ألسنتهم معقودة لا تنطق , وقد كانت تكذب وتفتري وتستهزىء . وإن أسماعهم وأبصارهم وجلودهم تخرج عليهم , لتستجيب لربها طائعة مستسلمة , تروي عنهم ما حسبوه سراً . فقد يستترون من الله . ويظنون أنه لا يراهم وهم يتخفون بنواياهم , ويتخفون بجرائمهم . ولم يكونوا ليستخفوا من أبصارهم وأسماعهم وجلودهم . وكيف وهي معهم ? بل كيف وهي أبعاضهم ?! وها هي ذي تفضح ما حسبوه مستوراً عن الخلق أجمعين . وعن الله رب العالمين !
يا للمفاجأة بسلطان الله الخفي , يغلبهم على أبعاضهم فتلبي وتستجيب !
من الاية 21 الى الاية 24
وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
(وقالوا لجلودهم:لم شهدتم علينا ?). .
فإذا هي تجبههم بالحقيقة التي خفيت عليهم في غير مواربة ولا مجاملة:
(قالوا:أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء)?
أليس هو الذي جعل الألسنة هي الناطقة ? وإنه لقادر على أن يجعل سواها . وقد أنطق كل شيء فهو اليوم يتحدث وينطق ويبين .
(وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون). .
فإليه المنشأ وإليه المصير , ولا مفر من قبضته في الأول وفي الأخير .
وهذا ما أنكروه بالعقول . وهذا ما تقرره لهم الجلود !
وقد تكون بقية التعليق من حكاية أقوال أبعاضهم لهم . وقد تكون تعقيباً على الموقف العجيب:
(وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم). .
فما كان يخطر ببالكم أنها ستخرج عليكم , وما كنتم بمستطيعين أن تستتروا منها لو أردتم !
(ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون). .
وخدعكم هذا الظن الجاهل الأثيم وقادكم إلى الجحيم:
(وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين). .
ثم يجيء التعقيب الأخير:
(فإن يصبروا فالنار مثوى لهم). .
يا للسخرية ! فالصبر الآن صبر على النار ; وليس الصبر الذي يعقبه الفرج وحسن الجزاء . إنه الصبر الذي جزاؤه النار قراراً ومثوى يسوء فيه الثواء !
(وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين). .
فما عاد هناك عتاب , وما عاد هناك متاب . وقد جرت العادة أن الذي يطلب العتاب يطلب من ورائه الصفح والرضى بعد إزالة أسباب الجفاء . فاليوم يغلق الباب في وجه العتاب . لا الصفح والرضى الذي يعقب العتاب !
الدرس الخامس:25 - 29 قرناء السوء وحربهم للقرآن وعذابهم يوم القيامة
ثم يكشف لهم كذلك عن سلطان الله في قلوبهم , وهم بعد في الأرض , يستكبرون عن الإيمان بالله . فالله قد قيض لهم - بما اطلع على فساد قلوبهم - قرناء سوء من الجن ومن الأنس , يزينون لهم السوء , وينتهون بهم إلى مواكب الذين كتب عليهم الخسران , وحقت عليهم كلمة العذاب:
(وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم , وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس , إنهم كانوا خاسرين). .
فلينظروا كيف هم في قبضة الله الذي يستكبرون عن عبادته . وكيف أن قلوبهم التي بين جنوبهم تقودهم إلى العذاب والخسارة وقد قيض الله وأحضر قرناء يوسوسون لهم , ويزينون لهم كل ما حولهم من السوء , ويحسنون لهم أعمالهم فلا يشعرون بما فيها من قبح . وأشد ما يصيب الإنسان أن يفقد إحساسه بقبح فعله وانحرافه , وأن يرى كل شيء من شخصه حسنا ومن فعله ! فهذه هي المهلكة وهذا هو المنحدر الذي ينتهي دائماً بالبوار .
من الاية 25 الى الاية 32
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32)
وإذا هم في قطيع السوء . في الأمم التي حق عليها وعد الله من قبلهم من الجن والإنس . قطيع الخاسرين (إنهم كانوا خاسرين).
وكان من تزيين القرناء لهم دفعهم إلى محاربة هذا القرآن , حين أحسوا بما فيه من سلطان:
(وقال الذين كفروا:لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون). .
كلمة كان يوصي بها الكبراء من قريش أنفسهم ويغرون بها الجماهير ; وقد عجزوا عن مغالبة أثر القرآن في أنفسهم وفي نفوس الجماهير .
(لا تسمعوا لهذا القرآن). فهو كما كانوا يدعون يسحرهم , ويغلب عقولهم , ويفسد حياتهم . ويفرق بين الوالد وولده , والزوج وزوجه . ولقد كان القرآن يفرق نعم ولكن بفرقان الله بين الإيمان والكفر , والهدى والضلال . كان يستخلص القلوب له , فلا تحفل بوشيجة غير وشيجته . فكان هو الفرقان .
(والغوا فيه لعلكم تغلبون).
وهي مهاترة لا تليق . ولكنه العجز عن المواجهة بالحجة والمقارعة بالبرهان , ينتهي إلى المهاترة , عند من يستكبر على الإيمان .
ولقد كانوا يلغون بقصص اسفنديار ورستم كما فعل مالك بن النضر ليصرف الناس عن القرآن . ويلغون بالصياح والهرج . ويلغون بالسجع والرجز . ولكن هذا كله ذهب أدراج الرياح وغلب القرآن , لأنه يحمل سر الغلب , إنه الحق . والحق غالب مهما جهد المبطلون !
ورداً على قولتهم المنكرة يجيء التهديد المناسب:
(فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً , ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون . ذلك جزاء أعداء الله النار , لهم فيها دار الخلد , جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون).
وسرعان ما نجدهم في النار . وسرعان ما نشهد حنق المخدوعين , الذين زين لهم قرناؤهم ما بين أيديهم وما خلفهم , وأغروهم بهذه المهلكة التي انتهى إليها مطافهم:
وقال الذين كفروا:ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس , نجعلهما تحت أقدامنا , ليكونا من الأسفلين .
إنه الحنق العنيف , والتحرق على الانتقام: (نجعلهما تحت أقدامنا). (ليكونا من الأسفلين). وذلك بعد الموادة والمخادنة والوسوسة والتزيين !
الدرس السادس:30 - 32 تبشير المستقيمين على الهدى وثوابهم في الجنة
هذه صلة . صلة الوسوسة والإغراء . وهناك صلة . صلة النصح والولاء . إنهم المؤمنون . الذين قالوا:ربنا الله , ثم استقاموا على الطريق إليه بالإيمان والعمل الصالح . إن الله لا يقيض لهؤلاء قرناء سوء من الجن والإنس ; إنما يكلف بهم ملائكة يفيضون على قلوبهم الأمن والطمأنينة , ويبشرونهم بالجنة , ويتولونهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة:
(إن الذين قالوا:ربنا الله . ثم استقاموا . تتنزل عليهم الملائكة:ألا تخافوا ولا تحزنوا , وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة . ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون . نزلا من غفور رحيم).
من الاية 33 الى الاية 34
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
والاستقامة على قولة: (ربنا الله). الاستقامة عليها بحقها وحقيقتها . الاستقامة عليها شعوراً في الضمير , وسلوكاً في الحياة . الاستقامة عليها والصبر على تكاليفها . أمر ولا شك كبير . وعسير . ومن ثم يستحق عند الله هذا الإنعام الكبير . صحبة الملائكة , وولاءهم , ومودتهم . هذه التي تبدو فيما حكاه الله عنهم . وهم يقولون لأوليائهم المؤمنين:لا تخافوا . لا تحزنوا . أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة . ثم يصورون لهم الجنة التي يوعدون تصوير الصديق لصديقه ما يعلم أنه يسره علمه ورؤيته من حظه المرتقبلكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون). ويزيدونها لهم جمالاً وكرامةنزلاً من غفور رحيم). فهي من عند الله أنزلكم إياها بمغفرته ورحمته . فأي نعيم بعد هذا النعيم ?
الدرس السابع:33 - 36 من صفات الدعاة الناجحين
ويختم هذا الشوط برسم صورة الداعية إلى الله , ووصف روحه ولفظه , وحديثه وأدبه . ويوجه إليها رسوله [ ص ] وكل داعية من أمته . وكان قد بدأ السورة بوصف جفوة المدعوين وسوء أدبهم , وتبجحهم النكير . ليقول للداعية:هذا هو منهجك مهما كانت الأمور:
(ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال:إنني من المسلمين ! ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن , فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا , وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم . وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله , إنه هو السميع العليم).
إن النهوض بواجب الدعوة إلى الله , في مواجهة التواءات النفس البشرية , وجهلها , واعتزازها بما ألفت , واستكبارها أن يقال:إنها كانت على ضلالة , وحرصها على شهواتها وعلى مصالحها , وعلى مركزها الذي قد تهدده الدعوة إلى إله واحد , كل البشر أمامه سواء .
إن النهوض بواجب الدعوة في مواجهة هذه الظروف أمر شاق . ولكنه شأن عظيم:
(ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله , وعمل صالحاً , وقال:إنني من المسلمين).
إن كلمة الدعوة حينئذ هي أحسن كلمة تقال في الأرض , وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء . ولكن مع العمل الصالح الذي يصدق الكلمة ; ومع الاستسلام لله الذي تتوارى معه الذات . فتصبح الدعوة خالصة لله ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ .
ولا على الداعية بعد ذلك أن تتلقى كلمته بالإعراض , أو بسوء الأدب , أو بالتبجح في الإنكار . فهو إنما يتقدم بالحسنة . فهو في المقام الرفيع ; وغيره يتقدم بالسيئة . فهو في المكان الدون:
(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة).
وليس له أن يرد بالسيئة , فإن الحسنة لا يستوي أثرها - كما لا تستوي قيمتها - مع السيئة والصبر والتسامح , والاستعلاء على رغبة النفس في مقابلة الشر بالشر , يرد النفوس الجامحة إلى الهدوء والثقة , فتنقلب من الخصومة إلى الولاء , ومن الجماح إلى اللين:
(ادفع بالتي هي أحسن , فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
وتصدق هذه القاعدة في الغالبية الغالبة من الحالات . وينقلب الهياج إلى وداعة . والغضب إلى سكينة . والتبجح إلى حياء ; على كلمة طيبة , ونبرة هادئة , وبسمة حانية في وجه هائج غاضب متبجح مفلوت الزمام !
من الاية 35 الى الاية 36
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
ولو قوبل بمثل فعله ازداد هياجاً وغضباً وتبجحاً ومروداً . وخلع حياءه نهائياً , وأفلت زمامه , وأخذته العزة بالإثم .
غير أن تلك السماحة تحتاج إلى قلب كبير يعطف ويسمح وهو قادر على الإساءة والرد . وهذه القدرة ضرورية لتؤتي السماحة أثرها . حتى لا يصور الإحسان في نفس المسيء ضعفاً . ولئن أحس أنه ضعف لم يحترمه , ولم يكن للحسنة أثرها إطلاقاً .
وهذه السماحة كذلك قاصرة على حالات الإساءة الشخصية . لا العدوان على العقيدة وفتنة المؤمنين عنها . فأما في هذا فهو الدفع والمقاومة بكل صورة من صورها . أو الصبر حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .
وهذه الدرجة , درجة دفع السيئة بالحسنة , والسماحة التي تستعلي على دفعات الغيظ والغضب , والتوازن الذي يعرف متى تكون السماحة ومتى يكون الدفع بالحسنى . . درجة عظيمة لا يلقاها كل إنسان . فهي في حاجة إلى الصبر . وهي كذلك حظ موهوب يتفضل به الله على عباده الذين يحاولون فيستحقون:
(وما يلقاها إلا الذين صبروا , وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم). .
إنها درجة عالية إلى حد أن رسول الله [ ص ] وهو الذي لم يغضب لنفسه قط ; وإذا غضب لله لم يقم لغضبه أحد . قيل له - وقيل لكل داعية في شخصه -:
(وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله , إنه هو السميع العليم). .
فالغضب قد ينزغ . وقد يلقي في الروع قلة الصبر على الإساءة . أو ضيق الصدر عن السماحة . فالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم حينئذ وقاية , تدفع محاولاته , لاستغلال الغضب , والنفاذ من ثغرته .
إن خالق هذا القلب البشري , الذي يعرف مداخله ومساربه , ويعرف طاقته واستعداده , ويعرف من أين يدخل الشيطان إليه , يحوط قلب الداعية إلى الله من نزغات الغضب . أو نزغات الشيطان . مما يلقاه في طريقه مما يثير غضب الحليم .
إنه طريق شاق . طريق السير في مسارب النفس ودروبها وأشواكها وشعابها , حتى يبلغ الداعية منها موضع التوجيه ; ونقطة القياد !!!
الوحدة الثانية:37 - 54 الموضوع:آيات وأدلة على الوحدانية من الكون والآفاق وطبيعة الإنسان
من الاية 37 الى الاية 37
وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
هذا شوط جديد مع القلب البشري في مجال الدعوة . يبدأ بجولة مع آيات الله الكونية:الليل والنهار والشمس والقمر , وفي المشركين من كان يسجد للشمس وللقمر مع الله . وهما من خلق الله . ويعقب على عرض هذه الآيات بأنهم إن استكبروا عن عبادة الله فهناك من هم أقرب منهم إلى الله يعبدونه . ثم هناك الأرض كلها في مقام العبادة وهي تتلقى من ربها الحياة , كما تلقوها فلم يتحركوا بها إلى الله . إنما هم يلحدون في آيات الله الكونية , ويجادلون في آياته القرآنية ; وهو قرآن عربي غير مشوب بأعجمية . وينتقل بهم إلى مشهد من مشاهد القيامة . ثم يعرض عليهم أنفسهم عارية بكل ما فيها من ضعف وتقلب ونسيان , وبكل ما فيها من حرص على الخير وجزع من الضر . ثم هم لا يقون أنفسهم من شر ما يصيبها عند الله . وتنتهي السورة بوعد الله سبحانه أن يكشف للناس عن آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق , ويذهب ما في قلوبهم من ريب وشك . .
الدرس الأول:37 - 39 خضوع المخلوقات لله ودعوة إلى عبادته وعدم الشرك به
(ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر . لا تسجدوا للشمس ولا للقمر . واسجدوا لله الذي خلقهن . إن كنتم إياه تعبدون). .
وهذه الآيات معروضة للأنظار , يراها العالم والجاهل . ولها في القلب البشري روعة مباشرة . ولو لم يعلم الإنسان شيئاً عن حقيقتها العلمية . فبينها وبين الكائن البشري صلة أعمق من المعرفة العلمية . بينها وبينه هذا الاتصال في النشأة , وفي الفطرة , وفي التكوين . فهو منها وهي منه . تكوينه تكوينها , ومادته مادتها , وفطرته فطرتها , وناموسه ناموسها , وإلهه إلهها . . فهو من ثم يستقبلها بحسه العميق في هزة وإدراك مباشر لمنطقها العريق !
لهذا يكتفي القرآن غالبا بتوجيه القلب إليها , وإيقاظه من غفلته عنها , هذه الغفلة التي ترد عليه من طول الألفة تارة , ومن تراكم الحواجز والموانع عليه تارة . فيجلوها القرآن عنه , لينتفض جديداً حياً يقظاً يعاطف هذا الكون الصديق , ويتجاوب معه بالمعرفة القديمة العميقة الجذور .
وصورة من صور الإنحراف تلك التي تشير إليها الآية هنا . فقد كان قوم يبالغون في الشعور بالشمس والقمر شعوراً منحرفاً ضالاً فيعبدونهما باسم التقرب إلى الله بعبادة أبهى خلائقه ! فجاء القرآن ليردهم عن هذا الإنحراف ; ويزيل الغبش عن عقيدتهم المدخولة . ويقول لهم:إن كنتم تعبدون الله حقاً فلا تسجدوا للشمس والقمر . . (واسجدوا لله الذي خلقهن)فالخالق هو وحده الذي يتوجه إليه المخلوقون أجمعين . والشمس والقمر مثلكم يتوجهون إلى خالقهما فتوجهوا معهم إلى الخالق الواحد الذي يستحق أن تعبدوه . ويعيد الضمير عليهما مؤنثاً مجموعاًخلقهن)باعتبار جنسهما وأخواتهما من الكواكب والنجوم ; ويتحدث عنهن بضمير المؤنث العاقل ليخلع عليهن الحياة والعقل , ويصورهن شخوصاً ذات أعيان !
فإن استكبروا بعد عرض هذه الآيات , وبعد هذا البيان , فلن يقدم هذا أو يؤخر ; ولن يزيد هذا أو ينقص . فغيرهم يعبد غير مستكبر:
(فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار , وهم لا يسأمون). .
وأقرب ما يرد على القلب عند ذكر (الذين عند ربك)الملائكة . ولكن قد يكون هنالك غير الملائكة من عباد الله المقربين ; وهل نعلم نحن شيئاً إلا اليسير الضئيل ?!
هؤلاء . الذين عند ربك . وهم أرفع وأعلى . وهم أكرم وأمثل . لا يستكبرون كما يستكبر أولئك المنحرفون
من الاية 38 الى الاية 38
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)
الضالون في الأرض . ولا يغترون بقرب مكانهم من الله . ولا يفترون عن تسبيحه ليلاً ونهاراً (وهم لا يسأمون). . فماذا يساوي أن يتخلف من أهل الأرض من يتخلف في حقيقة العبودية لله من الجميع ?
وهنالك الأرض - أمهم التي تقوتهم - الأرض التي منها خرجوا وإليها يعودون . الأرض التي هم على سطحها نمال تدب ولا طعام لها ولا شراب إلا ما تستمده منها . . هذه الأرض تقف خاشعة لله , وهي تتلقى من يديه الحياة:
ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة , فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت . إن الذي أحياها لمحيي الموتي , إنه على كل شيء قدير . .
ونقف لحظة أمام دقة التعبير القرآني في كل موضع . فخشوع الأرض هنا هو سكونها قبل نزول الماء عليها . فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت . وكأنما هي حركة شكر وصلاة على أسباب الحياة . ذلك أن السياق الذي وردت فيه هذه الآية سياق خشوع وعبادة وتسبيح , فجيء بالأرض في هذا المشهد , شخصاً من شخوص المشهد , تشارك فيه بالشعور المناسب وبالحركة المناسبة . .
ونستعير هنا صفحة من كتاب "التصوير الفني في القرآن" عن التناسق الفني في مثل هذا التعبير :
"عبر القرآن عن الأرض قبل نزول المطر . وقبل تفتحها بالنبات , مرة بأنها(هامدة), ومرة بأنها(خاشعة). وقد يفهم البعض أن هذا مجرد تنويع في التعبير . فلننظر كيف وردت هاتان الصورتان:
"لقد وردتا في سياقين مختلفين على هذا النحو:
" وردت(هامدة)في هذا السياق: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث , فإنا خلقناكم من تراب , ثم من نطفة , ثم من علقة , ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة . لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ; ثم نخرجكم طفلاً , ثم لتبلغوا أشدكم ; ومنكم من يتوفى , ومنكم من يرد إلى أرذل العمر , لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً . وترى الأرض هامدة , فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت , وأنبتت من كل زوج بهيج) . .
ووردت(خاشعة)في هذا السياق: (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر . لا تسجدوا للشمس ولا للقمر , واسجدوا لله الذي خلقهن , إن كنتم إياه تعبدون . فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار , وهم لا يسأمون . ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة , فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت).
" وعند التأمل السريع في هذين السياقين , يتبين وجه التناسق في(هامدة)و(خاشعة). إن الجو في السياق الأول جو بعث وإحياء وإخراج ; فمما يتسق معه تصوير الأرض(هامدة)ثم تهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج . وإن الجو في السياق الثاني هو جو عبادة وخشوع وسجود , يتسق معه تصوير الأرض(خاشعة)فإذا نزل عليها الماء اهتزت وربت .
; ثم لا يزيد على الاهتزاز والإرباء هنا , الإنبات والإخراج , كما زاد هناك , لأنه لا محل لها في جو العبادة والسجود . ولم تجىء (اهتزت وربت)هنا للغرض الذي جاءتا من أجله هناك . إنهما تخيلان حركة للأرض بعد خشوعها . وهذه الحركة هي المقصودة هنا , لأن كل ما في المشهد يتحرك حركة العبادة , فلم يكن من
من الاية 39 الى الاية 41
. وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)
المناسب أن تبقى الأرض وحدها خاشعة ساكنة , فاهتزت لتشارك العابدين المتحركين في المشهد حركتهم , ولكي لا يبقى جزء من أجزاء المشهد ساكناً , وكل الأجزاء تتحرك من حوله . وهذا لون من الدقة في تناسق الحركة المتخيلة يسمو على كل تقدير ; الخ . الخ .
ونعود إلى النص القرآني فنجد أن التعقيب في نهاية الآية يشير إلى إحياء الموتى , ويتخذ من إحياء الأرض نموذجاً ودليلاً:
(إن الذي أحياها لمحيي الموتى , إنه على كل شيء قدير). .
ويتكرر في القرآن عرض مثل هذا المشهد واتخاذه نموذجاً للإحياء في الآخرة , ودليلاً كذلك على القدرة . ومشهد الحياة في الأرض قريب من كل قلب , لأنه يلمس القلوب قبل أن يلمس العقول , والحياة حين تنبض من بين الموات , توحي بالقدرة المنشئة إيحاء خفياً ينبض في أعماق الشعور . والقرآن يخاطب الفطرة بلغتها من أقرب طريق .
الدرس الثاني:40 تهديد الملحدين بالعذاب
وأمام مشهد هذه الآيات الكونية ذات الأثر الشعوري العميق يجيء التنديد والتهديد لمن يلحدون في هذه الآيات الظاهرة الباهرة ; فيكفرون بها , أو يغالطون فيها:
(إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا . أفمن يلقى في النار خير ? أم من يأتي آمناً يوم القيامة . اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير).
ويبدأ التهديد ملفوفاً ولكنه مخيف: (لا يخفون علينا). . فهم مكشوفون لعلم الله . وهم مأخوذون بما يلحدون , مهما غالطوا والتووا , وحسبوا أنهم مفلتون من يد الله كما قد يفلتون بالمغالطة من حساب الناس .
ثم يصرح بالتهديد: أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة ? . . وهو تعريض بهم , وربما ينتظرهم من الإلقاء في النار والخوف والفزغ , بالمقابلة إلى مجيء المؤمنين آمنين .
وتنتهي الآية بتهديد آخر ملفوف: (اعملوا ما شئتم . إنه بما تعملون بصير). . ويا خوف من يترك ليعمل فيلحد في آيات الله . والله بما يعمل بصير .
الدرس الثالث:41 كلام عن القرآن وتنزيله ونقض شبهات الكفار ضده
ويستطرد إلى الذين يكفرون بآيات الله القرآنية , والقرآن كتاب عزيز قوي منيع الجانب , لا يدخل عليه الباطل من قريب ولا من بعيد:
إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم , وإنه لكتاب عزيز , لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . تنزيل من حكيم حميد . ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك , إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم . ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا:لولا فصلت آياته ! أأعجمي وعربي ? قل:وهو للذين آمنوا هدى وشفاء . والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر , وهو عليهم عمى ً , أولئك ينادون من مكان بعيد .
والنص يتحدث عن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ; ولا يذكر ماذا هم ولا ماذا سيقع لهم . فلا يذكر الخبر: (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم . . .)كأنما ليقال:إن فعلتم لا يوجد وصف ينطبق عليها ويكافئها لشدة بشاعتها !
لذلك يترك النص خبر(إن)لا يأتي به ويمضي في وصف الذكر الذي كفروا به لتفظيع الفعلة وتبشيعها:
من الاية 42 الى الاية 43
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)
(وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . تنزيل من حكيم حميد). .
وأنى للباطل أن يدخل على هذا الكتاب . وهو صادر من الله الحق . يصدع بالحق . ويتصل بالحق الذي تقوم عليه السماوات والأرض ?
وأنى يأتيه الباطل وهو عزيز . محفوظ بأمر الله الذي تكفل بحفظه فقالإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
والمتدبر لهذا القرآن يجد فيه ذلك الحق الذي نزل به , والذي نزل ليقره . يجده في روحه ويجده في نصه . يجده في بساطة ويسر . حقاً مطمئناً فطرياً , يخاطب أعماق الفطرة , ويطبعها ويؤثر فيها التأثير العجيب .
وهو (تنزيل من حكيم حميد). . والحكمة ظاهرة في بنائه , وفي توجيهه , وفي طريقة نزوله , وفي علاجه للقلب البشري من أقصر طريق . والله الذي نزله خليق بالحمد . وفي القرآن ما يستجيش القلب لحمده الكثير .
ثم يربط السياق بين القرآن وسائر الوحي قبله ; وبين رسول الله [ ص ] وسائر الرسل قبله . ويجمع اسرة النبوة كلها في ندوة واحدة تتلقى من ربها حديثاً واحداً , ترتبط به أرواحها وقلوبها , وتتصل به طريقها ودعوتها ; ويحس المسلم الأخير أنه فرع من شجرة وارفة عميقة الجذور , وعضو من أسرة عريقة قديمة التاريخ:
(ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك . إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم). .
إنه وحي واحد , ورسالة واحدة , وعقيدة واحدة . وإنه كذلك استقبال واحد من البشرية , وتكذيب واحد , واعتراضات واحدة . . ثم هي بعد ذلك وشيجة واحدة , وشجرة واحدة , وأسرة واحدة , وآلام واحدة , وتجارب واحدة , وهدف في نهاية الأمر واحد , وطريق واصل ممدود .
أي شعور بالأنس , والقوة , والصبر , والتصميم . توحيه هذه الحقيقة لأصحاب الدعوة , السالكين في طريق سار فيها من قبل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وإخوانهم جميعاً - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ?
وأي شعور بالكرامة والاعتزاز والاستعلاء على مصاعب الطريق وعثرتها وأشواكها وعقباتها , وصاحب الدعوة يمضي وهو يشعر أن اسلافه في هذا الطريق هم تلك العصبة المختارة من بني البشر أجمعين ?
إنها حقيقة: (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك). . ولكن أي آثار هائلة عميقة ينشئها استقرار هذه الحقيقة في نفوس المؤمنين ?
وهذا ما يصنعه هذا القرآن , وهو يقرر مثل هذه الحقيقة الضخمة ويزرعها في القلوب .
ومما قيل للرسل وقيل لمحمد [ ص ] خاتم الرسل:
(إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم). .
ذلك كي تستقيم نفس المؤمن وتتوازن . فيطمع في رحمة الله ومغفرته فلا ييأس منها أبداً . ويحذر عقاب الله ويخشاه فلا يغفل عنه أبداً .
إنه التوازن طابع الإسلام الأصيل .
ثم يذكرهم بنعمة الله عليهم أن جعل هذا القرآن عربياً بلسانهم ; كما يشير إلى طريقتهم في العنت والإلحاد والجدل والتحريف:
من الاية 44 الى الاية 46
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (46)
(ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا:لولا فصلت آياته ! أأعجمي وعربي ?). .
فهم لا يصغون إليه عربياً , وهم يخافون منه لأنه عربي يخاطب فطرة العرب بلسانهم . فيقولون:لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون . ولو جعله الله قرآنا أعجمياً لاعترضوا عليه أيضاً , وقالوا لولا جاء عربياً فصيحاً مفصلاً دقيقاً ! ولو جعل بعضه أعجمياً وبعضه عربياً لاعترضوا كذلك وقالوا أأعجمي وعربي ?! فهو المراء والجدل والإلحاد .
والحقيقة التي تخلص من وراء هذا الجدل حول الشكل , هي أن هذا الكتاب هدى للمؤمنين وشفاء , فقلوب المؤمنين هي التي تدرك طبيعته وحقيقته , فتهتدي به وتشتفي . فأما الذين لا يؤمنون فقلوبهم مطموسة لا تخالطها بشاشة هذا الكتاب , فهو وقر في آذانهم , وعمى ً في قلوبهم . وهم لا يتبينون شيئاً . لأنهم بعيدون جداً عن طبيعة هذا الكتاب وهواتفه:
(قل:هو للذين آمنوا هدى وشفاء , والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر , وهو عليهم عمى ً , أولئك ينادون من مكان بعيد). .
ويجد الإنسان مصداق هذا القول في كل زمان وفي كل بيئة . فناس يفعل هذا القرآن في نفوسهم فينشئها إنشاء , ويحييها إحياء ; ويصنع بها ومنها العظائم في ذاتها وفيما حولها . وناس يثقل هذا القرآن على آذانهم وعلى قلوبهم , ولا يزيدهم إلا صمماً وعمى . وما تغير القرآن . ولكن تغيرت القلوب . وصدق الله العظيم .
الدرس الرابع:45 - 46 رسالة موسى وأساس الثواب والعقاب
ويشير إلى موسى وكتابه واختلاف قومه في هذا الكتاب . يشير إليه نموذجاً للرسل الذين ورد ذكرهم من قبل إجمالاً . وقد أجل الله حكمه في اختلافهم , وسبقت كلمته أن يكون الفصل في هذا كله في يوم الفصل العظيم:
(ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه , ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم , وإنهم لفي شك منه مريب). .
وكذلك سبقت كلمة ربك أن يدع الفصل في قضية الرسالة الأخيرة إلى ذلك اليوم الموعود . وأن يدع الناس يعملون , ثم يجازون على ما يعملون:
من عمل صالحاً فلنفسه ومن اساء فعليها , وما ربك بظلام للعبيد . .
لقد جاءت هذه الرسالة تعلن رشد البشرية وتضع على كاهلها عبء الإختيار ; وتعلن مبدأ التبعة الفردية . ولمن شاء أن يختار (وما ربك بظلام للعبيد) . .
الدرس الخامس:47 - 48 مما اختص الله به وشمول علمه وخزي الكفار في الآخرة
وبمناسبة الإشارة إلى الأجل المسمى , وتقرير عدل الله فيه , يقرر أن أمر الساعة وعلمها إلى الله وحده , ويصور علم الله في بعض مجالاته صورة موحية تمس أعماق القلوب . وذلك في الطريق إلى عرض مشهد من مشاهد القيامة يسأل فيه المشركون ويجيبون:
(إليه يرد علم الساعة , وما تخرج من ثمرات من أكمامها , وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه . ويوم
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة فصلت ايه رقم 1 الى ايه 15 الشيخ سيد قطب
» تفسير فصلت ايه 47 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة فصلت ايه 12----21
» تفسير سورة فصلت ايه 21---30
» تفسير سورة فصلت ايه 30-----39
» تفسير فصلت ايه 47 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة فصلت ايه 12----21
» تفسير سورة فصلت ايه 21---30
» تفسير سورة فصلت ايه 30-----39
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى