منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سوره الشعراء من الاية 14 الى 54 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سوره الشعراء من الاية 14 الى  54 الشيخ سيد قطب Empty تفسير سوره الشعراء من الاية 14 الى 54 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الثلاثاء مايو 29, 2012 5:26 am

من الاية 14 الى الاية 15

وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ (15)

وكذلك الشأن في قولهSadولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون). . فإن ذكره هنا ليس للخوف من المواجهة , والتخلي عن التكليف . ولكن له علاقة بالإرسال إلى هارون . حتى إذا قتلوه قام هارون من بعده قام هارون من بعده بالرسالة , وأتم الواجب كما أمره ربه دون تعويق .

فهو الاحتياط للدعوة لا للداعية . الاحتياط من أن يحتبس لسانه في الأولى وهو في موقف المنافحة عن رسالة ربه وبيانها , فتبدوا الدعوة ضعيفة قاصرة . والاحتياط من أن يقتلوه في الثانية فتتوقف دعوة ربه التي كلف أداءها وهو على إبلاغها واطرادها حريص . وهذا هو الذي يليق بموسى - عليه السلام - الذي صنعه الله على عينه , واصطنعه لنفسه .

ولما علمه ربه من حرصه هذا وإشفاقه واحتياطه أجابه إلى ما سأل , وطمأنه مما يخاف . والتعبير هنا يختصر مرحلة الاستجابة , ومرحلة الإرسال إلى هارون , ومرحلة وصول موسى إلى مصر ولقائه لهارون ; ويبرز مشهد موسى وهارون مجتمعين يتلقيان أمر ربهما الكريم , في نفس اللحظة التي يطمئن الله فيها موسى , وينفي مخاوفه نفيا شديدا , في لفظه تستخدم أصلا للردع وهي كلمة(كلا)!

(قال:كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون . فأتيا فرعون فقولا:إنا رسول رب العالمين . أن أرسل معنا بني إسرائيل).

كلا . لن يضيق صدرك ويحتبس لسانك . وكلا لن يقتلوك . فأبعد هذا كله عن بالك بشدة . واذهب أنت وأخوك . (فاذهبا بآياتنا)وقد شهد موسى منها العصا واليد البيضاء - والسياق يختصرهما هنا لأن التركيز في هذه السورة موجه إلى موقف المواجهة وموقف السحرة وموقف الغرق والنجاة . اذهبا (إنا معكم مستمعون)فأية قوة ? وأي سلطان ? وأي حماية ورعاية وأمان ? والله معهما ومع كل إنسان في كل لحظة وفي كل مكان . ولكن الصحبة المقصودة هنا هي صحبة النصر والتأييد . فهو يرسمها في صورة الاستماع , الذي هو أشد درجات الحضور والانتباه . وهذا كناية عن دقة الرعاية وحضور المعونة . وذلك على طريقة القرآن في التعبير بالتصوير .

اذهبا (فأتيا فرعون)فأخبراه بمهمتكما في غير حذر ولا تلجلج: (فقولا:إنا رسول رب العالمين)وهما اثنان ولكنهما يذهبان في مهمة واحدة برسالة واحدة . فهما رسول . رسول رب العالمين . في وجه فرعون الذي يدعي الألوهية , ويقول لقومه: (ما علمت لكم من إله غيري)فهي المواجهة القوية الصريحة بحقيقة التوحيد منذ اللحظة الأولى , بلا تدرج فيها ولا حذر . فهي حقيقة واحدة لا تحتمل التدرج والمداراة .

(إنا رسول رب العالمين . أن أرسل معنا بني إسرائيل). . وواضح من هذا ومن أمثاله في قصة موسى - عليه السلام - في القرآن , أنه لم يكن رسولا إلى فرعون وقومه ليدعوهم إلى دينه ويأخذهم بمنهج رسالته . إنما كان رسولا إليهم ليطلب إطلاق بني إسرائيل ليعبدوا ربهم كما يريدون . وقد كانوا أهل دين منذ أبيهم إسرائيل - وهو يعقوب أبو يوسف عليهما السلام - فبهت هذا الدين في نفوسهم , وفسدت عقائدهم فأرسل الله إليهم موسى لينقذهم من ظلم فرعون ويعيد تربيتهم على دين التوحيد .

الدرس الثاني:18 - 37 المواجهة بين موسى وفرعون

وإلى هنا نحن أمام مشهد البعثة والوحي والتكليف . ولكن الستار يسدل . لنجدنا أمام مشهد المواجهة . وقد اختصر ما هو مفهوم بين المشهدين على طريقة العرض القرآنية الفنية:

(قال ألم نربك فينا وليدا , ولبثت فينا من عمرك سنين ? وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ?
من الاية 16 الى الاية 22

فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)

قال:فعلتها إذن وأنا من الضالين . ففررت منكم لما خفتكم , فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين . وتلك نعمه تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل).

ويعجب فرعون وهو يرى موسى يواجهه بهذه الدعوى الضخمة: (إنا رسول رب العالمين). ويطلب إليه ذلك الطلب الضخم !(أن أرسل معنا بني إسرائيل). فإن آخر عهده بموسى أنه كان ربيبا في قصره منذ أن التقطوا تابوته . وأنه هرب بعد قتله للقبطي الذي وجده يتعارك مع الإسرائيلي . وقيل:إن هذا القبطي كان من حاشية فرعون . فما أبعد المسافة بين آخر عهد فرعون بموسى إذن وهذه الدعوى الضخمة التي يواجهه بها بعد عشر سنين ! ومن ثم بدأ فرعون متهكما مستهزئا مستعجبا:

(قال:ألم نربك فينا وليدا , ولبثت فينا من عمرك سنين ? وفعلت فعلتك التي فعلت , وأنت من الكافرين). . فهل هذا جزاء التربية والكرامة التي لقيتها عندنا وأنت وليد ? أن تأتي اليوم لتخالف ما نحن عليه من ديانة ? ولتخرج على الملك الذي نشأت في بيته , وتدعو إلى إله غيره ?!

وما بالك - وقد لبثت فينا من عمرك سنين - لم تتحدث بشيء عن هذه الدعوى التي تدعيها اليوم ; ولم تخطرنا بمقدمات هذا الأمر العظيم ?!

ويذكره بحادث مقتل القبطي في تهويل وتجسيم: (وفعلت فعلتك التي فعلت). . فعلتك البشعة الشنيعة التي لا يليق الحديث عنها بالألفاظ المفتوحة ! فعلتها (وأنت من الكافرين)برب العالمين الذي تقول به اليوم , فإنك لم تكن وقتها تتحدث عن رب العالمين !

وهكذا جمع فرعون كل ما حسبه ردا قاتلا لا يملك موسى - عليه السلام - معه جوابا , ولا يستطيع مقاومة . وبخاصة حكاية القتل , وما يمكن أن يعقبها من قصاص , يتهدده به من وراء الكلمات !

ولكن موسى وقد استجاب الله دعاءه فأزال حبسة لسانه - انطلق - يجيب:

قال:فعلتها إذن وأنا من الضالين . ففررت منكم لما خفتكم , فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين . وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ! . .

فعلت تلك الفعلة وأنا بعد جاهل , أندفع اندفاع العصبية لقومي , لا اندفاع العقيدة التي عرفتها اليوم بما أعطاني ربي من الحكمة . (ففررت منكم لما خفتكم)على نفسي . فقسم الله لي الخير:ووهب لي الحكمة (وجعلني من المرسلين)فلست بدعا من الأمر , إنما أنا واحد من الرعيل (من المرسلين) .

ثم يجيبه تهكما بتهكم . ولكن بالحق .(وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل). . فما كانت تربيتي في بيتك وليدا إلا من جراء استعبادك لبني إسرائيل , وقتلك أبناءهم , مما اضطر أمي أن تلقيني في التابوت , فتقذف بالتابوت في الماء , فتلتقطونني , فأربى في بيتك , لا في بيت أبوي . فهل هذا هو ما تمنه علي , وهل هذا هو فضلك العظيم ?!

من الاية 23 الى الاية 28

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28)

عندئذ عدل فرعون عن هذه المسألة , وراح يسأله عن صميم دعواه . ولكن في تجاهل وهزء وسوء أدب في حق الله الكريم:

(قال فرعون:وما رب العالمين ?). .

إنه - قبحه الله - يسأل:أي شيء يكون رب العالمين الذي تقول:إنك من عنده رسول ? وهو سؤال المتنكر للقول من أساسه , المتهكم على القول والقائل , المستغرب للمسألة كلها حتى ليراها غير ممكنة التصور , غير قابلة لأن تكون موضوع حديث !

فيجيبه موسى - عليه السلام - بالصفة المشتملة على ربوبيته - تعالى - للكون المنظور كله وما فيه:

(قال:رب السماوات والأرض وما بينهما . إن كنتم موقنين). .

وهو جواب يكافئ ذلك التجاهل ويغطيه . . إنه رب هذا الكون الهائل الذي لا يبلغ إليه سلطانك - يا فرعون - ولا علمك . وقصارى ما ادعاه فرعون أنه إله هذا الشعب وهذا الجزء من وادي النيل . وهو ملك صغير ضئيل , كالذرة أو الهباءة في ملكوت السماوات والأرض وما بينهما . وكذلك كان جواب موسى - عليه السلام - يحمل استصغار ما يدعيه فرعون مع بطلانه , وتوجيه نظره إلى هذا الكون الهائل , والتفكير فيمن يكون ربه . . فهو رب العالمين ! . . ثم عقب على هذا التوجيه بما حكايته : (إن كنتم موقنين)فهذا وحده هو الذي يحسن اليقين به والتصديق .

والتفت فرعون إلى من حوله , يعجبهم من هذا القول , أو لعله يصرفهم عن التأثر به , على طريقة الجبارين الذين يخشون تسرب كلمات الحق البسيطة الصريحة إلى القلوب:

(قال لمن حوله:ألا تستمعون ?). .

ألا تستمعون إلى هذا القول العجيب الغريب , الذي لا عهد لنا به , ولا قاله أحد نعرفه !

ولم يلبث موسى أن هجم عليه وعليهم بصفة أخرى من صفات رب العالمين .

(قال:ربكم ورب آبائكم الأولين). .

وهذه أشد مساسا بفرعون ودعواه وأوضاعه , فهو يجبهه بأن رب العالمين هو ربه , فما هو إلا واحد من عبيده . لا إله كما يدعي بين قومه ! وهو رب قومه , فليس فرعون ربهم كما يزعم عليهم ! وهو رب آبائهم الأولين . فالوراثة التي تقوم عليها ألوهية فرعون دعوى باطلة . فما كان من قبل إلا الله ربا للعالمين !

وإنها للقاصمة لفرعون . فما يطيق عليها سكوتا والملأ حوله يستمعون . ومن ثم يرمي قائلها في تهكم بالجنون:

(قال:إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون). .

إن رسولكم الذي أرسل إليكم . . يريد أن يتهكم على مسألة الرسالة في ذاتها , فيبعد القلوب عن تصديقها بهذا التهكم , لا أنه يريد الإقرار بها والاعتراف بإمكانها . ويتهم موسى - عليه السلام - بالجنون , ليذهب أثر مقالته التي تطعن وضع فرعون السياسي والديني في الصميم . وترد الناس إلى الله ربهم ورب آبائهم الأولين .

ولكن هذا التهكم وهذا القذف لا يفت في عضد موسى , فيمضي في طريقه يصدع بكلمة الحق التي تزلزل الطغاة والمتجبرين:

من الاية 29 الى الاية 33

قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ (33)

(قال:رب المشرق والمغرب وما بينهما . إن كنتم تعقلون). .

والمشرق والمغرب مشهدان معروضان للأنظار كل يوم ; ولكن القلوب لا تنتبه إليهما لكثرة تكرارهما , وشدة ألفتهما . واللفظ يدل على الشروق والغروب . كما يدل على مكاني الشروق والغروب . وهذان الحدثان العظيمان لا يجرؤ فرعون ولا غيره من المتجبرين أن يدعي تصريفهما . فمن يصرفهما إذن ومن ينشئهما بهذا الإطراد الذي لا يتخلف مرة ولا يبطى ء عن أجله المرسوم ? إن هذا التوجيه يهز القلوب البليدة هزا , ويوقظ العقول الغافية إيقاظا . وموسى - عليه السلام - يثير مشاعرهم , ويدعوهم إلى التدبر والتفكير: (إن كنتم تعقلون). .

والطغيان لا يخشى شيئا كما يخشى يقظة الشعوب , وصحوة القلوب ; ولا يكره أحدا كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة ; ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية . ومن ثم ترى فرعون يهيج على موسى ويثور , عندما يمس بقوله هذا أوتار القلوب . فينهي الحوار معه بالتهديد الغليظ بالبطش الصريح , الذي يعتمد عليه الطغاة عندما يسقط في أيديهم وتخذلهم البراهين:

قال:لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين . .

هذه هي الحجة وهذا هو الدليل:التهديد بأن يسلكه في عداد المسجونين . فليس السجن عليه ببعيد . وما هو بالإجراء الجديد ! وهذا هو دليل العجز , وعلامة الشعور بضعف الباطل أمام الحق الدافع . وتلك سمة الطغاة وطريقهم في القديم والجديد !

غير أن التهديد لم يفقد موسى رباطة جأشه . . وكيف وهو رسول الله ? والله معه ومع أخيه ? فإذا هو يفتح الصفحة التي أراد فرعون أن يغلقها ويستريح . يفتحها بقول جديد , وبرهان جديد:

(قال:أولو جئتك بشيء مبين ?). .

وحتى لو جئتك ببرهان واضح على صدق رسالتي فإنك تجعلني من المسجونين ? وفي هذا إحراج لفرعون أمام الملأ الذين استمعوا لما سبق من قول موسى ; ولو رفض الإصغاء إلى برهانه المبين لدل على خوفه من حجته , وهو يدعي أنه مجنون . ومن ثم وجد نفسه مضطرا أن يطلب منه الدليل:

(قال:فأت به إن كنت من الصادقين). .

إن كنت من الصادقين في دعواك ; أو إن كنت من الصادقين في أن لديك شيئا مبينا . فهو ما يزال يشكك في موسى , خيفة أن تترك حجته في نفوس القوم شيئا .

هنا كشف موسى عن معجزتيه الماديتين ; وقد أخرهما حتى بلغ التحدي من فرعون أقصاه:

(فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين . ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين). .

والتعبير يدل على أن العصا تحولت فعلا إلى ثعبان تدب فيه الحياة , وأن يده حين نزعها كانت بيضاء فعلا يدل على هذا بقوله: (فإذا هي)فلم يكن الأمرتخييلا , كما هو الحال في السحر الذي لا يغير طبائع الأشياء , إنما يخيل للحواس بغير الحقيقة .

ومعجزة الحياة التي تدب من حيث لا يعلم البشر , معجزة تقع في كل لحظة , ولكن الناس لا يلقون لها
من الاية 34 الى الاية 42

قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)

بالا , لطول الألفه والتكرار , أو لأنهم لا يشهدون التحول على سبيل التحدي فأما في مثل هذا المشهد . وموسى - عليه السلام - يلقي في وجه فرعون بهاتين الخارقتين فالأمر يزلزل ويرهب .

وقد أحس فرعون بضخامة المعجزة وقوتها ; فأسرع يقاومها ويدفعها ; وهو يحس ضعف موقفه , ويكاد يتملق القوم من حوله ; ويهيج مخاوفهم من موسى وقومه , ليغطي على وقع المعجزة المزلزلة:

قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم , يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره , فماذا تأمرون ? . .

وفي قولة فرعون هذه يبدو إقراره بعظمة المعجزة وإن كان يسميها سحرا ; فهو يصف صاحبها بأنه ساحر(عليم). ويبدو ذعره من تأثر القوم بها فهو يغريهم به: (يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره). ويبدو تضعضعه وتهاويه وتواضعه للقوم الذين يجعل نفسه لهم إلها , فيطلب أمرهم ومشورتهم: (فماذا تأمرون ?)ومتى كان فرعون يطلب أمر أتباعه وهم له يسجدون !

وتلك شنشنة الطغاة حينما يحسون أن الأرض تتزلزل تحت أقدامهم . عندئذ يلينون في القول بعد التجبر . ويلجأون إلى الشعوب وقد كانوا يدوسونها بالأقدام , ويتظاهرون بالشورى في الأمر وهم كانوا يستبدون بالهوى . ذلك إلى أن يتجاوزوا منطقة الخطر , ثم إذا هم هم جبابرة مستبدون ظالمون !

وأشار عليه الملأ ; وقد خدعتهم مكيدته , وهم شركاء فرعون في باطله , وأصحاب المصلحة في بقاء الأوضاع التي تجعلهم حاشية مقربة ذات نفوذ وسلطان ; وقد خافوا أن يغلبهم موسى وبنو إسرائيل على أرضهم لو اتبعتهم الجماهير , حين ترى معجزتي موسى وتسمع إلى ما يقول . . أشاروا عليه أن يلقى سحره بسحر مثله , بعد التهيئة والاستعداد:

(قالوا:أرجه وأخاه . وابعث في المدائن حاشرين , يأتوك بكل سحار عليم). .

أي أمهله وأخاه إلى أجل ; وابعث رسلك إلى مدائن مصر الكبرى , يجمعون السحرة المهرة , لإقامة مباراة للسحر بينهم وبينه .

الدرس الثالث:38 - 40 قدوم السحرة لتحدي موسى

وهنا يسدل الستار على هذا المشهد ليرفع على مشهد السحرة يحشدون , والناس يجمعون للمباراة , وتبث فيهم الحماسة للسحرة ومن خلفهم من أصحاب السلطان ; وتهيأ أرض المباراة بين الحق والباطل , أو بين الإيمان والطغيان .

(فجمع السحرة لميقات يوم معلوم . وقيل للناس:هل أنتم مجتمعون , لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ?). . وتظهر من التعبير حركة الإهاجه والتحميس للجماهير: (هل أنتم مجتمعون , لعلنا نتبع السحرة)هل لكم في التجمع وعدم التخلف عن الموعد , ليترقب فوز السحرة وغلبتهم على موسى الإسرائيلي ! والجماهير دائما تتجمع لمثل هذه الأمور , دون أن تفطن إلى أن حكامها الطغاة يلهون بها ويعبثون , ويشغلونها بهذه المباريات والاحتفالات والتجمعات , ليلهوها عما تعاني من ظلم وكبت وبؤس . وهكذا تجمع المصريون ليشهدوا المباراة بين السحرة وموسى عليه السلام !

الدرس الرابع:41 - 42 اتفاق فرعون مع السحرة

ثم يجيء مشهد السحرة بحضرة فرعون قبل المباراة ; يطمئنون على الأجر والمكافأة إن كانوا هم الغالبين ;

من الاية 43 الى الاية 53

قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53)

ويتلقون من فرعون الوعد بالأجر الجزيل والقربى من عرشه الكريم !

فلما جاء السحرة قالوا لفرعون:أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين ? قال:نعم , وإنكم لمن المقربين . .

وهكذا ينكشف الموقف عن جماعة مأجورة يستعين بها فرغون الطاغية ; تبذل مهارتها في مقابل الأجر الذي تنتظره ; ولا علاقة لها بعقيدة ولا صلة لها بقضية , ولا شيء سوى الأجر والمصلحة . وهؤلاء هم الذين يستخدمهم الطغاة دائما في كل مكان وفي كل زمان .

وها هم أولاء يستوثقون من الجزاء على تعبهم ولعبهم وبراعتهم في الخداع . وها هو ذا فرعون يعدهم بما هو أكثر من الأجر . يعدهم أن يكونوا من المقربين إليه . وهو بزعمه الملك والإله !

الدرس الخامس:43 - 56 المباراة وإيمان السحرة والإضطهاد والخروج

ثم إذا مشهد المباراة الكبرى وأحداثه الجسام:

(قال لهم موسى:ألقوا ما أنتم ملقون . فألقوا حبالهم وعصيهم , وقالوا:بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون:فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون , فألقي السحرة ساجدين . قالوا:آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون . قال:آمنتم له قبل أن آذن لكم ! إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون . لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف , ولأصلبنكم أجمعين . قالوا:لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون . إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين). .

ويبدأ المشهد هادئا عاديا . إلا أنه يشي منذ البدء باطمئنان موسى إلى الحق الذي معه ; وقلة اكتراثه لجموع السحرة المحشودين من المدائن , المستعدين لعرض أقصى ما يملكون من براعة , ووراءهم فرعون وملؤه , وحولهم تلك الجماهير المضللة المخدوعة . . يتجلى هذا الاطمئنان في تركه إياهم يبدأون:

(قال لهم موسى:ألقوا ما أنتم ملقون). .

وفي التعبير ذاته ما يشي بالاستهانة: (ألقوا ما أنتم ملقون). . بلا مبالاة ولا تحديد ولا اهتمام .

وحشد السحرة أقصى مهارتم وأعظم كيدهم وبدأوا الجولة باسم فرعون وعزته:

(فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا:بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون). .

ولا يفصل السياق هنا ما كان من أمر حبالهم وعصيهم , كما فصله في سورة الأعراف وطه , ليبقى ظل الطمأنينة والثبات للحق , وينتهي مسارعا إلى عاقبة المباراة بين الحق والباطل ; لأن هذا هو هدف السورة الأصيل .

(فألقى موسى عصاه , فإذا هي تلقف ما يأفكون). .

ووقعت المفاجأة المذهلة التي لم يكن يتوقعها كبار السحرة ; فلقد بذلوا غاية الجهد في فنهم الذي عاشوا به وأتقنوه ; وجاءوا بأقصى ما يملك السحرة أن يصنعوه . وهم جمع كثير . محشود من كل مكان . وموسى وحده وليس معه إلا عصاه . ثم إذا هي تلقف ما يأفكون ; واللقف أسرع حركة للأكل . وعهدهم بالسحر أن يكون تخييلا , ولكن هذه العصا تلقف حبالهم وعصيهم حقا . فلا تبقي لها أثرا . ولو كان ما جاء به موسي سحرا , لبقيت حبالهم وعصيهم بعد أن خيل لهم وللناس أن حية موسى ابتلعتها . ولكنهم ينظرون فلا يجدونها فعلا !

عندئذ لا يملكون أنفسهم من الإذعان للحق الواضح الذي لا يقبل جدلا . وهم أعرف الناس بأنه الحق:

(فألقي السحرة ساجدين . قالوا:آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون). .

وهم قد كانوا منذ لحظة مأجورين ينتظرون الجزاء من فرعون على مهارتهم , ولم يكونوا أصحاب عقيدةولا قضية . ولكن الحق الذي مس قلوبهم قد حولهم تحويلا . لقد كانت هزة رجتهم رجا , وخضتهم خضا ; ووصلت إلى أعماق نفوسهم وقرارة قلوبهم , فأزالت عنها ركام الضلال , وجعلتها صافية حيه خاشعة للحق , عامرة بالإيمان , في لحظات قصار . فإذا هم يجدون أنفسهم ملقين سجدا , بغير إرادة منهم , تتحرك ألسنتهم , فتنطلق بكلمة الإيمان , في نصاعة وبيان: (آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون).

وإن القلب البشري لعجيب غاية العجب , فإن لمسة واحدة تصادف مكانها لتبدله تبديلا . وصدق رسول الله [ ص ]:" ما من قلب إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن . إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه " . وهكذا انقلب السحرة المأجورون , مؤمنين من خيار المؤمنين . على مرأى ومسمع من الجماهير الحاشدة ومن فرعون وملئه . لا يفكرون فيما يعقب جهرهم بالإيمان في وجه الطاغية من عواقب ونتائج , ولايعنيهم ماذا يفعل أو ماذا يقول .

ولا بد أن كان لهذا الانقلاب المفاجىء وقع الصاعقة على فرعون وملئه . فالجماهير حاشدة . وقد عبأهم عملاء فرعون وهم يحشدونهم لشهود المباراة . عبأوهم بأكذوبة أن موسى الإسرائيلي , ساحر يريد أن يخرجهم من أرضهم بسحره , ويريد أن يجعل الحكم لقومه ; وأن السحرة سيغلبونه ويفحمونه . . ثم ها هم أولاء يرون السحرة يلقون ما يلقون باسم فرعون وعزته . ثم يغلبون حتى ليقرون بالغلب ; ويعترفون بصدق موسى في رسالته من عند الله , ويؤمنون برب العالمين الذي أرسله , ويخلعون عنهم عبادة فرعون , وهم كانوا منذ لحظة جنوده الذين جاءوا لخدمته , وانتظروا أجره , واستفتحوا بعزته !

وإنه لانقلاب يتهدد عرش فرعون , إذ يتهدد الأسطورة الدينية التي يقوم عليها هذا العرش . أسطورة الألوهية , أو بنوته للآلهة - كما كان شائعا في بعض العصور - وهؤلاء هم السحرة . والسحر كان حرفة مقدسة لا يزاولها إلا كهنة المعابد في طول البلاد وعرضها . ها هم أولاء يؤمنون برب العالمين , رب موسى وهارون , والجماهير تسير وراء الكهنة في معتقداتهم التي يلهونهم بها . فماذا يبقى لعرش فرعون من سند إلا القوة ? والقوة وحدها بدون عقيدة لا تقيم عرشا ولا تحمي حكما .

إن لنا أن نقدر ذعر فرعون لهذه المفاجأة , وذعر الملأ من حوله , إذا نحن تصورنا هذه الحقيقة ; وهي إيمان السحرة الكهنة هذا الإيمان الصريح الواضح القاهر الذي لا يملكون معه إلا أن يلقوا سجدا معترفين منيبين .

عندئذ جن جنون فرعون , فلجأ إلى التهديد البغيض بالعذاب والنكال . بعد أن حاول أن يتهم السحرة بالتآمر عليه وعلى الشعب مع موسى !

قال:آمنتم له قبل أن آذن لكم ! إنه لكبيركم الذى علمكم السحر . فلسوف تعلمون . لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف , ولأصلبنكم أجمعين . .

(آمنتم له قبل أن آذن لكم). . لم يقل آمنتم به . إنما عده استسلاما له قبل إذنه . على طريقة المناورات التي يدبرها صاحبها وهو مالك لإرادته , عارف بهدفه , مقدر لعاقبته . ولم يشعر قلبه بتلك اللمسة التي مست قلوبهم . ومتى كان للطغاة قلوب تشعر بمثل هذه اللماسات الوضيئة ? ثم سارع في اتهامهم لتبرير ذلك الانقلاب الخطير: (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر)وهي تهمة عجيبة لا تفسير لها إلا أن بعض هؤلاء السحرة - وهم من الكهنة - كانوا يتولون تربية موسى في قصر فرعون أيام أن تبناه , أو كان يختلف إليهم في المعابد . فارتكن فرعون إلىهذه الصلة البعيدة , وقلب الأمر فبدلا من أن يقول:إنه لتلميذكم قال:إنه لكبيركم . ليزيد الأمر ضخامة وتهويلا في أعين الجماهير !

ثم جعل يهدد بالعذاب الغليظ بعد التهويل فيما ينتظر المؤمنين:

(فلسوف تعلمون . لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين). .

إنها الحماقة التي يرتكبها كل طاغية , حينما يحس بالخطر على عرشه أو شخصه , يرتكبها في عنف وغلظة وبشاعة , بلا تحرج من قلب أو ضمير . . وإنها لكلمة فرعون الطاغية المتجبر الذي يملك تنفيذ ما يقول . . فما تكون كلمة الفئة المؤمنة التي رأت النور !

إنها كلمة القلب الذي وجد الله فلم يعد يحفل ما يفقد بعد هذا الوجدان . القلب الذي اتصل بالله فذاق طعم العزة فلم يعد يحفل الطغيان . القلب الذي يرجو الآخرة فلا يهمه من أمر هذه الدنيا قليل ولا كثير:

(قالوا:لا ضير . إنا إلى ربنا منقلبون . إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين). .

لا ضير . لا ضير في تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف . لا ضير في التصليب والعذاب . لا ضير في الموت والاستشهاد . . لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون . . وليكن في هذه الأرض ما يكون:فالمطمع الذي نتعلق به ونرجوه (أن يغفر لنا ربنا خطايانا)جزاء (أن كنا أول المؤمنين). . وأن كنا نحن السابقين . .

يا لله ! يا لروعة الإيمان إذ يشرق في الضمائر . وإذ يفيض على الأرواح . وإذ يسكب الطمأنينة في النفوس . وإذ يرتفع بسلالة الطين إلى أعلى عليين . وإذ يملأ القلوب بالغنى والذخر والوفر , فإذا كل ما في الأرض تافه حقير زهيد .

هنا يسدل السياق الستار على هذه الروعة الغامرة . لا يزيد شيئا . ليبقى للمشهد جلاله الباهر وإيقاعه العميق . وهو يربي به النفوس في مكة وهي تواجه الأذى والكرب والضيق ويربي به كل صاحب عقيدة يواجه بها الطغيان والعسف والتعذيب .

فأما بعد ذلك فالله يتولى عباده المؤمنين . وفرعون يتآمر ويجمع جنوده أجمعين:

(وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون . . فأرسل فرعون في المدائن حاشرين . إن هؤلاء لشرذمة قليلون . وإنهم لنا لغائظون . وإنا لجميع حاذرون). .

وهنا فجوة في الوقائع والزمن لا تذكر في هذا الموضع . فقد عاش موسى وبنو إسرائيل فترة بعد المباراة , وقعت فيها الآيات الأخرى المذكورة في سورة الأعراف قبل أن يوحي الله لموسى بالرحيل بقومه . ولكن السياق هنا يطويها ليصل إلى النهاية المناسبة لموضوع السورة واتجاهها الأصيل .

لقد أوحى الله إلى موسى إذن أن يسري بعباده . وأن يرحل بهم ليلا , بعد تدبير وتنظيم . ونبأه أن فرعون سيتبعهم بجنده ; وأمره أن يقود قومه إلى ساحل البحر [ وهو في الغالب عند التقاء خليج السويس بمنطقة البحيرات ]

وعلم فرعون بخروج بني إسرائيل خلسة , فأمر بما يسمى "التعبئة العامة " وأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له الجنود , ليدرك موسى وقومه ; ويفسد عليهم تدبيرهم ; وهو لا يعلم أنه تدبير صاحب التدبير !

وانطلق عملاء فرعون يجمعون الجند . . ولكن هذا الجمع قد يشي بانزعاج فرعون , وبقوة موسى ومن معه

من الاية 54 الى الاية 61

إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)

وعظم خطرهم , حتى ليحتاج الملك الإله - بزعمه ! - إلى التعبئة العامة . ولا بد إذن من التهوين من شأن المؤمنين:

(إن هؤلاء لشرذمة قليلون)!

ففيم إذن ذلك الاهتمام بأمرهم , والاحتشاد لهم وهم شرذمة قليلون !

(وإنهم لنا لغائظون). .

فهم يأتون من الأفعال والأقوال ما يغيظ ويغضب ويثير !

وإذن فلهم شأن وخطر على كل حال ! فليقل العملاء:إن هذا لا يهم فنحن لهم بالمرصاد:

(وإنا لجميع حاذرون). .

مستيقظون لمكائدهم , محتاطون لأمرهم , ممسكون بزمام الأمور !

إنها حيرة الباطل المتجبر دائما في مواجهة أصحاب العقيدة المؤمنين !

الدرس السادس:57 - 59 إخراج آل فرعون لإهلاكهم

وقبل أن يعرض المشهد الأخير , يعجل السياق بالعاقبة الأخيرة من إخراج فرعون وملئه مما كانوا فيه من متاع . ووراثة بني إسرائيل المستضعفين:

(فأخرجناهم من جنات وعيون . وكنوز ومقام كريم . كذلك , وأورثناها بني إسرائيل). .

لقد خرجوا يتبعون خطا موسى وقومه ويقفون أثرهم . فكانت خرجتهم هذه هي الأخيرة . وكانت إخراجا لهم من كل ما هم فيه من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم ; فلم يعودوا بعدها لهذا النعيم ! لذلك يذكر هذا المصير الأخير عقب خروجهم يقفون أثر المؤمنين . تعجيلا بالجزاء على الظلم والبطر والبغي الوخيم .

(وأورثناها بني إسرائيل). .

ولا يعرف أن بني إسرائيل عادوا إلى مصر بعد خروجهم إلى الأرض المقدسة ; وورثوا ملك مصر وكنوز فرعون ومقامه . لذلك يقول المفسرون:إنهم ورثوا مثل ما كان لفرعون وملئه . فهي وراثة لنوع ما كانوا فيه من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم .

الدرس السابع:60 - 68 هلاك فرعون ونجاة المؤمنين

وبعد هذا الاعتراض يجيء المشهد الحاسم الأخير:

فأتبعوهم مشرقين . فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى:إنا لمدركون . قال:كلا إن معي ربي سيهدين . فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق . فكان كل فرق كالطود العظيم . وأزلفنا ثم الآخرين . وأنجينا موسى ومن معه أجمعين . ثم أغرقنا الأخرين . .

لقد أسرى موسى بعباد الله , بوحي من الله وتدبير . فأتبعهم جنود فرعون في الصباح بمكر من فرعون وبطر . ثم ها هو ذا المشهد يقترب من نهايته . والمعركة تصل إلى ذروتها . . إن موسى وقومه أمام البحر ليس معهم سفين ولا هم يملكون خوضه وما هم بمسلحين . وقد قاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم ولا يرحمون !

وقالت دلائل الحال كلها:أن لا مفر والبحر أمامهم والعدو خلفهم:

(قال أصحاب موسى:إنا لمدركون). .

وبلغ الكرب مداه , وإن هي إلا دقائق تمر ثم يهجم الموت ولا مناص ولا معين !


كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى