تفسير سورة النساء ايه 110==122 الشيخ سيد قطب
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة النساء ايه 110==122 الشيخ سيد قطب
من الاية 110 الى الاية 112
وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً (110) وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111) وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (112)
(ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا . فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ? أم من يكون عليهم وكيلا ?). .
واللهم لا مجادل عنهم يوم القيامة ولا وكيل . فما جدوى الجدال عنهم في الدنيا وهي لا تدفع عنهم ذلك اليوم الثقيل ?
الدرس الثاني:110 - 112 قواعد في الإدانة والتوبة
وبعد هذه الحملة الغاضبة على الخونة الأثمة , والعتاب الشديد للمنافحين عنهم والمجادلين . يجيء تقرير القواعد العامة لهذه الفعلة وآثارها . وللحساب عليها والجزاء . ولقاعدة الجزاء عامة . القاعدة العادلة التي يعامل بها الله العباد . ويطلب إليهم أن يحاولوا محاكاتها في تعاملهم فيما بينهم , وأن يتخلقوا بخلق الله - خلق العدل - فيها:
(ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه , ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما . ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه . وكان الله عليما حكيما). . ومن يكسب خطيئة أو إثما , ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينًا . .
إنها آيات ثلاث تقرر المبادىء الكلية التي يعامل بها الله عباده ; والتي يملك العباد أن يعاملوا بعضهم بعضا بها , ويعاملوا الله على أساسها فلا يصيبهم السوء .
الآية الأولى تفتح باب التوبة على مصراعيه , وباب المغفرة على سعته ; وتطمع كل مذنب تائب في العفو والقبول:
ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه , ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيمًا . . إنه - سبحانه - موجود للمغفرة والرحمة حيثما قصده مستغفر منيب . . والذي يعمل السوء يظلم غيره . ويظلم نفسه . وقد يظلم نفسه وحدها إذا عمل السيئة التي لا تتعدى شخصه . . وعلى أية حال فالغفور الرحيم يستقبل المستغفرين في كل حين ; ويغفر لهم ويرحمهم متى جاءوه تائبين . هكذا بلا قيد ولا شرط ولا حجاب ولا بواب ! حيثما جاءوا تائبين مستغفرين وجدوا الله غفورا رحيما. .
والآية الثانية تقرر فردية التبعة . وهي القاعدة التي يقوم عليها التصور الإسلامي في الجزاء , والتي تثير في كل قلب شعور الخوف وشعور الطمأنينة . الخوف من عمله وكسبه . والطمأنينة من أن لا يحمل تبعة غيره .
ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه . وكان الله عليما حكيمًا . .
ليست هناك خطيئة موروثة في الإسلام , كالتي تتحدث عنها تصورات الكنيسة . كما أنه ليست هناك كفارة غير الكفارة التي تؤديها النفس عن نفسها . . وعندئذ تنطلق كل نفس حذرة مما تكسب . مطمئنة إلى أنها لا تحاسب إلا على ما تكسب . . توازن عجيب , في هذا التصور الفريد . هو إحدى خصائص التصور الإسلامي وأحد مقوماته , التي تطمئن الفطرة , وتحقق العدل الإلهي المطلق ; المطلوب أن يحاكيه بنو الإنسان .
والآية الثالثة تقرر تبعة من يكسب الخطيئة ثم يرمي بها البرى ء . . وهي الحالة المنطبقة على حالة العصابة التي يدور عليها الكلام:
ومن يكسب خطيئة أو إثما , ثم يرم به بريئا , فقد احتمل بهتانا وإثما مبينًا . .
البهتان في رميه البرى ء . والإثم في ارتكابه الذنب الذي رمى به البرى ء . . وقد احتملهما معه . وكأنما
من الاية 113 الى الاية 113
وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)
هما حمل يحمل . على طريقة التجسيم التي تبرز المعنى وتؤكده في التعبير القرآني المصور .
وبهذة القواعد الثلاث يرسم القرآن ميزان العدالة الذي يحاسب كل فرد على ما اجترح . ولا يدع المجرم يمضي ناجيا إذا ألقى جرمه على سواه . . وفي الوقت ذاته يفتح باب التوبة والمغفرة على مصراعيه ; ويضرب موعدا مع الله - سبحانه - في كل لحظة للتائبين المستغفرين , الذين يطرقون الأبواب في كل حين . بل يلجونها بلا استئذان فيجدون الرحمة والغفران !
الدرس الثالث:113 فضل الله في إنجاء الرسول من الدفاع عن الآثمين
وأخيرا يمن الله على رسوله [ ص ] أن عصمه من الانسياق وراء المتأمرين المبيتين ; فأطلعه على مؤامراتهم التي يستخفون بها من الناس ولا يستخفون بها من الله - وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول - ثم يمتن عليه المنة الكبرى في إنزال الكتاب والحكمة وتعليمه ما لم يكن يعلم . . وهي المنة على البشرية كلها , ممثلة ابتداء في شخص أكرمها على الله وأقربها لله:
ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك . وما يضلون إلا أنفسهم . وما يضرونك من شيء . وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة . وعلمك ما لم تكن تعلم . وكان فضل الله عليك عظيمًا .
إن هذه المحاولة ليست إلا واحدة من محاولات كثيرة , شتى الألوان والأنواع ; مما بذله أعداء هذا الرسول الكريم ليضلوه عن الحق والعدل والصواب . ولكن الله - سبحانه - كان يتولاه بفضله ورحمته في كل مرة . وكان الكائدون المتأمرون هم الذين يضلون ويقعون في الضلالة . . وسيرة رسول الله [ ص ] حافلة بتلك المحاولات ; ونجاته وهدايته ; وضلال المتأمرين وخيبتهم .
والله - سبحانه - يمتن عليه بفضله ورحمته هذه ; ويطمئنه في الوقت ذاته أنهم لا يضرونه شيئا . بفضل من الله ورحمة .
وبمناسبة المنة في حفظه من هذه المؤامرة الأخيرة ; وصيانة أحكامه من أن تتعرض لظلم برى ء وتبرئة جارم , وكشف الحقيقة له وتعريفه بالمؤامرة . . تجى ء المنة الكبرى . . منة الرسالة:
وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم . وكان فضل الله عليك عظيمًا .
وهي منة الله على "الإنسان" في هذه الأرض . المنة التي ولد الإنسان معها ميلادا جديدا . ونشأ بها "الإنسان" كما نشأ أول مرة بنفخة الروح الأولى . .
المنة التي التقطت البشرية من سفح الجاهلية , لترقى بها في الطريق الصاعد , إلى القمة السامقة . عن طريق المنهج الرباني الفريد العجيب . .
المنة التي لا يعرف قدرها إلا الذي عرف الإسلام وعرف الجاهلية - جاهلية الغابر والحاضر - وذاق الإسلام وذاق الجاهلية . .
وإذا كانت منة يذكر الله بها رسوله [ ص ] فلأنه هو أول من عرفها وذاقها . وأكبر من عرفها وذاقها . وأعرف من عرفها وذاقها . .
وعلمك ما لم تكن تعلم . وكان فضل الله عليك عظيمًا .
من الاية 114 الى الاية 114
لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114)
الوحدة الحادية عشرة:114 - 126 أساطير الجاهلية العربية وتصوراتها مقدمة الوحدة - ربط الوحدة بما قبلها يتصل هذا الدرس بالدرس السابق , بأكثر من صلة . فهو أولا نزلت بعض آياته تعليقا وتعقيبا على الأحداث التي تلت حادث اليهودي . من ارتداد "بشير
ثم هو حلقة من حلقات المنهج التربوي الحكيم , في إعداد هذه الجماعة لتكون الأمة التي تقود البشرية ; بتفوقها التربوي والتنظيمي ; وليعالج فيها مواضع الضعف البشري ورواسب المجتمع الجاهلي ; وليخوض بها المعركة في ميادينها كلها . . وهو الهدف الذي تتوخاه السورة بشتى موضوعاتها , ويتولاه المنهج القرآني كله . .
الدرس الأول:114 النجوى الفاضلة النافعة
لا خير في كثير من نجواهم . إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس . ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله , فسوف نؤتيه أجرا عظيمًا . .
لقد تكرر في القرآن النهي عن النجوى ; وهي أن تجتمع طائفة بعيدا عن الجماعة المسلمة وعن القيادة المسلمة , لتبيت أمرا . . وكان اتجاه التربية الإسلامية واتجاه التنظيم الإسلامي كذلك أن يأتي كل إنسان بمشكلته أو بموضوعه , فيعرضه على النبى [ ص ] مسارة إن كان أمرا شخصيا لا يريد أن يشيع عنه شيء في الناس . أو مساءلة علنية إن كان من الموضوعات ذات الصبغة العامة , التي ليست من خصوصيات هذا الشخص .
والحكمة في هذه الخطة , هو ألا تتكون "جيوب" في الجماعة المسلمة ; وألا تنعزل مجموعات منها بتصوراتها ومشكلاتها , أو بأفكارها واتجاهاتها . وألا تبيت مجموعة من الجماعة المسلمة أمرا بليل , وتواجه به الجماعة أمرا مقررا من قبل ; أو تخفيه عن الجماعة وتستخفي به عن أعينها - وإن كانت لا تختفي به عن الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول .
وهذا الموضع أحد المواضع التي ورد فيها هذا النهي عن التناجي والتبييت بمعزل عن الجماعة المسلمة وقيادتها . .
ولقد كان المسجد هو ندوة الجماعة المسلمة , تتلاقى فيه وتتجمع للصلاة ولشؤون الحياة . وكان المجتمع المسلم كله مجتمعا مفتوحا ; تعرض مشكلاته - التي ليست بأسرار للقيادة في المعارك وغيره ; والتي ليست بمسائل شخصية بحتة لا يحب أصحابها أن تلوكها الألسن - عرضا عاما . وكان هذا المجتمع المفتوح من ثم مجتمعا نظيفا طلق الهواء . لا يتجنبه ليبيت من وراء ظهره , إلا الذين يتأمرون عليه ! أو على مبدأ من مبادئه - من المنافقين غالبا - وكذلك اقترنت النجوى بالمنافقين في معظم المواضع .
وهذه حقيقة تنفعنا . فالمجتمع المسلم يجب أن يكون بريئا من هذه الظاهرة , وأن يرجع أفراده إليه وإلى قيادتهم العامة بما يخطر لهم من الخواطر , أو بما يعرض لهم من خطط واتجاهات أو مشكلات !
والنص القرآني هنا يستثني نوعا من النجوى . . هو في الحقيقة ليس منها , وإن كان له شكلها:
(إلا من أمر بصدقة أو معروف , أو إصلاح بين الناس). .
وذلك أن يجتمع الرجل الخير بالرجل الخير , فيقول له:هلم نتصدق على فلان فقد علمت حاجته في خفية عن الأعين . أو هلم إلى معروف معين نفعله أو نحض عليه . أو هلم نصلح بين فلان وفلان فقد علمت أن بينهما نزاعا . . وقد تتكون العصبة من الخيرين لأداء أمر من هذه الأمور , وتتفق فيما بينها سرا على النهوض بهذا الأمر . فهذا ليس نجوى ولا تآمرا . ومن ثم سماه "أمرًا" وإن كان له شكل النجوى , في مسارة الرجل الخير للخيرين أمثاله بأمر في معروف يعلمه أو خطر له . .
على شرط أن يكون الباعث هو ابتغاء مرضاة الله:
من الاية 115 الى الاية 115
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً (115)
(ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما). .
فلا يكون لهوى في الصدقة على فلان , أو الإصلاح بين فلان وعلان . ولا يكون ليشتهر الرجل بأنه - والله رجل طيب - ! يحض على الصدقة والمعروف , ويسعى في الإصلاح بين الناس ! ولا تكون هناك شائبة تعكر صفاء الاتجاه إلى الله , بهذا الخير . فهذا هو مفرق الطريق بين العمل يعمله المرء فيرضى الله عنه ويثيبه به . والعمل نفسه يعمله المرء فيغضب الله عليه , ويكتبه له في سجل السيئات !
الدرس الثاني:115 - 116 كفر المرتد وعدم المغفرة له
ومن يشاقق الرسول - من بعد ما تبين له الهدى - ويتبع غير سبيل المؤمنين , نوله ما تولى , ونصله جهنم وساءت مصيرا . إن الله لا يغفر أن يشرك به , ويغفر ما دون ذلك - لمن يشاء - ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدًا .
وقد ذكر في سبب نزول هذه المجموعة من الآيات . أن بشير بن أبيرق قد ارتد والتحق بالمشركين . . (من بعد ما تبين له الهدى). . فقد كان في صفوف المسلمين , ثم اتبع غير سبيل المؤمنين . . ولكن النص عام , ينطبق على كل حالة , ويواجه كل حالة من مشاقة الرسول [ ص ] ومشاقته كفر وشرك وردة , ينطبق عليه ما ينطبق على ذلك الحادث القديم .
والمشاقة - لغة - أن يأخذ المرء شقا مقابلا للشق الذي يأخذه الآخر . والذي يشاق الرسول [ ص ] هو الذي يأخذ له شقا وجانبا وصفا غير الصف والجانب والشق الذي يأخذه النبى [ ص ] ومعنى هذا أن يتخذ له منهجا للحياة كلها غير منهجه , وأن يختار له طريقا غير طريقه . فالرسول [ ص ] جاء يحمل من عند الله منهجا كاملا للحياة يشتمل على العقيدة والشعائر التعبدية , كما يشتمل على الشريعة والنظام الواقعي لجوانب الحياة البشرية كلها . . وهذه وتلك كلتاهما جسم هذا المنهج , بحيث تزهق روح هذا المنهج إذا شطر جسمه فأخذ منه شق وطرح شق ! والذي يشاق الرسول [ ص ] هو كل من ينكر منهجه جملة , أو يؤمن ببعض ويكفر ببعض , فيأخذ بشق منه ويطرح شقا !
وقد اقتضيت رحمة الله بالناس , ألا يحق عليهم القول , ولا يصلوا جهنم وساءت مصيرا , إلا بعد أن يرسل إليهم رسولا . وبعد أن يبين لهم . وبعد أن يتبينوا الهدى . ثم يختاروا الضلالة . وهي رحمة الله الواسعة الحانية على هذا المخلوق الضعيف . فإذا تبين له الهدى . أي إذا علم أن هذا المنهج من عند الله . ثم شاق الرسول [ ص ] فيه , ولم يتبعه ويطعه , ولم يرض بمنهج الله الذي تبين له , فعندئذ يكتب الله عليه الضلال , ويوليه الوجهة التي تولاها , ويلحقه بالكفار والمشركين الذين توجه إليهم . ويحق عليه العذاب المذكور في الآية بنصه:
(ومن يشاقق الرسول - من بعد ما تبين له الهدى - ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى , ونصله جهنم . وساءت مصيرا !). .
ويعلل النص هذا المصير البائس السيء , بأن مغفرة الله - سبحانه - تتناول كل شيء . . إلا أن يشرك به . . فهذه لا مغفرة لمن مات عليها:
(إن الله لا يغفر أن يشرك به . ويغفر ما دون ذلك - لمن يشاء - ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا . .
والشرك بالله - كما أسلفنا في هذا الجزء عند تفسير مثل هذه الآية من قبل - يتحقق باتخاذ آلهة مع الله اتخاذا صريحا على طريقه الجاهلية العربية وغيرها من الجاهليات القديمة - كما يتحقق بعدم إفراد الله بخصائص
من الاية 116 الى الاية 118
إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً (116) إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً (117) لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً (118)
الألوهية ; والاعتراف لبعض البشر بهذه الخصائص . كإشراك اليهود والنصارى الذي حكاه القرآن من أنهم (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله)ولم يكونوا عبدوهم مع الله . ولكن كانوا فقط اعترفوا لهم بحق التشريع لهم من دون الله . فحرموا عليهم وأحلوا لهم . فاتبعوهم في هذا . ومنحوهم خاصية من خصائص الألوهية ! فحق عليهم وصف الشرك . وقيل عنهم إنهم خالفوا ما أمروا به من التوحيد (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدًا). فيقيموا له وحده الشعائر , ويتلقوا منه وحده الشرائع والأوامر .
ولا غفران لذنب الشرك - متى مات صاحبه عليه - بينما باب المغفرة مفتوح لكل ذنب سواه . . عندما يشاء الله . . والسبب في تعظيم جريمة الشرك , وخروجها من دائرة المغفرة , أن من يشرك بالله يخرج عن حدود الخير والصلاح تماما ; وتفسد كل فطرته بحيث لا تصلح أبدا:
ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدًا . .
ولو بقي خيط واحد صالح من خيوط الفطرة لشده إلى الشعور بوحدانية ربه ; ولو قبل الموت بساعة . . فأما وقد غرغر - وهو على الشرك - فقد انتهى أمره وحق عليه القول:
(ونصله جهنم . وساءت مصيرا !).
الدرس الثالث:117 - 122 أوهام الجاهلية العربية في شركها
ثم يصف بعض أوهام الجاهلية العربية في شركها . وأساطيرها حول اتخاذ الله بنات - هن الملائكة - وحول عبادتهم للشيطان - وقد عبدوه كما عبدوا الملائكة وتماثيلها الأصنام - كما يصف بعض شعائرهم في تقطيع أو تشقيق آذان الأنعام المنذورة للآلهة ! وفي تغييرهم خلق الله . والشرك بالله . وهو مخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها:
إن يدعون من دونه إلا إناثا , وإن يدعون إلا شيطانا مريدا , لعنه الله وقال:لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا , ولأضلنهم , ولأمنينهم , ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ; ولآمرنهم فليغيرن خلق الله . . ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا . يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا .
لقد كان العرب - في جاهليتهم - يزعمون أن الملائكة بنات الله . ثم يتخذون لهذه الملائكة تماثيل يسمونها أسماء الإناث:"اللات . والعزى . ومناة " وأمثالها ثم يعبدون هذه الأصنام - بوصفها تماثيل لبنات الله - يتقربون بها إلى الله زلفى . . كان هذا على الأقل في مبدأ الأمر . . ثم ينسون أصل الأسطورة , ويعبدون الأصنام ذاتها , بل يعبدون جنس الحجر , كما بينا ذلك في الجزء الرابع .
كذلك كان بعضهم يعبد الشيطان نصا . . قال الكلبي:كانت بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن . .
على أن النص هنا أوسع مدلولا , فهم في شركهم كله إنما يدعون الشيطان , ويستمدون منه:هذا الشيطان صاحب القصة مع أبيهم آدم ; الذي لعنه الله , بسبب معصيته وعدائه للبشر . والذي بلغ من حقده بعد طرده ولعنته , أن يأخذ من الله - سبحانه - إذنا بأن يغوي من البشر كل من لا يلجأ إلى حمى الله:
(إن يدعون من دونه إلا إناثا . وإن يدعون إلا شيطانا مريدا . لعنه الله . وقال:لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا . ولأضلنهم , ولأمنينهم , ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام , ولآمرنهم فليغيرن خلق الله).
إنهم يدعون الشيطان - عدوهم القديم - ويستوحونه ويستمدون منه هذا الظلال . ذلك الشيطان الذي لعنه الله . والذي صرح بنيته في إضلال فريق من أبناء آدم , وتمنيتهم بالأمنيات الكاذبة في طريق الغواية , من لذة كاذبة , وسعادة موهومة , ونجاة من الجزاء في نهاية المطاف ! كما صرح بنيته في أن يدفع بهم إلى أفعال قبيحة ,
من الاية 119 الى الاية 122
وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (120) أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً (121) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً (122)
وشعائر سخيفة , من نسج الأساطير . كتمزيق آذان بعض الأنعام , ليصبح ركوبها بعد ذلك حراما , أو أكلها حراما - دون أن يحرمها الله - ومن تغيير خلق الله وفطرته بقطع بعض أجزاء الجسد أو تغيير شكلها في الحيوان أو الإنسان , كخصاء الرقيق , ووشم الجلود . . وما إليها من التغيير والتشويه الذي حرمه الإسلام .
وشعور الإنسان بأن الشيطان - عدوه القديم - هو الذي يأمر بهذا الشرك وتوابعه من الشعائر الوثنية , يثير في نفسه - على الأقل - الحذر من الفخ الذي نصبه العدو . وقد جعل الإسلام المعركة الرئيسية بين الإنسان والشيطان . ووجه قوى المؤمن كلها لكفاح الشيطان والشر الذي ينشئه في الأرض ; والوقوف تحت راية الله وحزبه , في مواجهة الشيطان وحزبه:وهي معركة دائمة لا تضع أوزارها . لأن الشيطان لا يمل هذه الحرب التي أعلنها منذ لعنه وطرده . والمؤمن لا يغفل عنها , ولا ينسحب منها . وهو يعلم أنه إما أن يكون وليا لله , وإما أن يكون وليا للشيطان ; وليس هنالك وسط . . والشيطان يتمثل في نفسه وما يبثه في النفس من شهوات ونزوات ; ويتمثل في أتباعه من المشركين وأهل الشر عامة . والمسلم يكافحه في ذات نفسه , كما يكافحه في أتباعه . . معركة واحدة متصلة طوال الحياة .
ومن يجعل الله مولاه فهو ناج غانم . ومن يجعل الشيطان مولاه فهو خاسر هالك:
ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينًا . .
ويصور السياق القرآني فعل الشيطان مع أوليائه , في مثل حالة الاستهواء .
يعدهم ويمنيهم , وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا .
إنها حالة استهواء معينة هي التي تنحرف بالفطرة البشرية عن الإيمان والتوحيد , إلى الكفر والشرك . ولولا هذا الاستهواء لمضت الفطرة في طريقها , ولكان الإيمان هو هادي الفطرة وحاديها .
وإنها حالة استهواء معينة هي التي يزين فيها الشيطان للإنسان سوء عمله , فيراه حسنا ! ويعده الكسب والسعادة في طريق المعصية , فيعدو معه في الطريق ! ويمنيه النجاة من عاقبة ما يعمل فيطمئن ويمضي في طريقه إلى المهلكة !
وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا . .
وحين يرتسم المشهد على هذا النحو , والعدو القديم يفتل الحبال , ويضع الفخ , ويستدرج الفريسة , لا تبقى إلا الجبلات الموكوسة المطموسة هي التي تظل سادرة لا تستيقظ , ولا تتلفت ولا تحاول أن تعرف إلى أي طريق تساق , وإلى أية هوة تستهوى !
وبينما هذه اللمسة الموقظة تفعل فعلها في النفوس , وتصور حقيقة المعركة , وحقيقة الموقف , يجيء التعقيب ببيان العاقبة في نهاية المطاف:عاقبة من يستهويهم الشيطان , ويصدق عليهم ظنه , وينفذ فيهم ما صرح به من نيته الشريرة . . وعاقبة من يفتلون من حبالته , لأنهم آمنوا بالله حقا . والمؤمنون بالله حقا في نجوة من هذا الشيطان لأنه - لعنة الله عليه - وهو يستأذن في إغواء الضالين , لم يؤذن له في المساس بعباد الله المخلصين . فهو إزاءهم ضعيف ضعيف ; كلما اشتدت قبضتهم على حبل الله المتين:
(ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا . يعدهم ويمنيهم , وما يعدهم الشيطان إلا غرورا . أولئك مأواهم جهنم , ولا يجدون عنها محيصا . والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار , خالدين فيها أبدا , وعد الله حقا , ومن أصدق من الله قيلا ?). .
فهي جهنم ولا محيص عنها لأولياء الشيطان . . وهي جنات الخلد لا خروج منها لأولياء الله . . وعد الله:
وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً (110) وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111) وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (112)
(ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا . فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ? أم من يكون عليهم وكيلا ?). .
واللهم لا مجادل عنهم يوم القيامة ولا وكيل . فما جدوى الجدال عنهم في الدنيا وهي لا تدفع عنهم ذلك اليوم الثقيل ?
الدرس الثاني:110 - 112 قواعد في الإدانة والتوبة
وبعد هذه الحملة الغاضبة على الخونة الأثمة , والعتاب الشديد للمنافحين عنهم والمجادلين . يجيء تقرير القواعد العامة لهذه الفعلة وآثارها . وللحساب عليها والجزاء . ولقاعدة الجزاء عامة . القاعدة العادلة التي يعامل بها الله العباد . ويطلب إليهم أن يحاولوا محاكاتها في تعاملهم فيما بينهم , وأن يتخلقوا بخلق الله - خلق العدل - فيها:
(ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه , ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما . ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه . وكان الله عليما حكيما). . ومن يكسب خطيئة أو إثما , ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينًا . .
إنها آيات ثلاث تقرر المبادىء الكلية التي يعامل بها الله عباده ; والتي يملك العباد أن يعاملوا بعضهم بعضا بها , ويعاملوا الله على أساسها فلا يصيبهم السوء .
الآية الأولى تفتح باب التوبة على مصراعيه , وباب المغفرة على سعته ; وتطمع كل مذنب تائب في العفو والقبول:
ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه , ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيمًا . . إنه - سبحانه - موجود للمغفرة والرحمة حيثما قصده مستغفر منيب . . والذي يعمل السوء يظلم غيره . ويظلم نفسه . وقد يظلم نفسه وحدها إذا عمل السيئة التي لا تتعدى شخصه . . وعلى أية حال فالغفور الرحيم يستقبل المستغفرين في كل حين ; ويغفر لهم ويرحمهم متى جاءوه تائبين . هكذا بلا قيد ولا شرط ولا حجاب ولا بواب ! حيثما جاءوا تائبين مستغفرين وجدوا الله غفورا رحيما. .
والآية الثانية تقرر فردية التبعة . وهي القاعدة التي يقوم عليها التصور الإسلامي في الجزاء , والتي تثير في كل قلب شعور الخوف وشعور الطمأنينة . الخوف من عمله وكسبه . والطمأنينة من أن لا يحمل تبعة غيره .
ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه . وكان الله عليما حكيمًا . .
ليست هناك خطيئة موروثة في الإسلام , كالتي تتحدث عنها تصورات الكنيسة . كما أنه ليست هناك كفارة غير الكفارة التي تؤديها النفس عن نفسها . . وعندئذ تنطلق كل نفس حذرة مما تكسب . مطمئنة إلى أنها لا تحاسب إلا على ما تكسب . . توازن عجيب , في هذا التصور الفريد . هو إحدى خصائص التصور الإسلامي وأحد مقوماته , التي تطمئن الفطرة , وتحقق العدل الإلهي المطلق ; المطلوب أن يحاكيه بنو الإنسان .
والآية الثالثة تقرر تبعة من يكسب الخطيئة ثم يرمي بها البرى ء . . وهي الحالة المنطبقة على حالة العصابة التي يدور عليها الكلام:
ومن يكسب خطيئة أو إثما , ثم يرم به بريئا , فقد احتمل بهتانا وإثما مبينًا . .
البهتان في رميه البرى ء . والإثم في ارتكابه الذنب الذي رمى به البرى ء . . وقد احتملهما معه . وكأنما
من الاية 113 الى الاية 113
وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)
هما حمل يحمل . على طريقة التجسيم التي تبرز المعنى وتؤكده في التعبير القرآني المصور .
وبهذة القواعد الثلاث يرسم القرآن ميزان العدالة الذي يحاسب كل فرد على ما اجترح . ولا يدع المجرم يمضي ناجيا إذا ألقى جرمه على سواه . . وفي الوقت ذاته يفتح باب التوبة والمغفرة على مصراعيه ; ويضرب موعدا مع الله - سبحانه - في كل لحظة للتائبين المستغفرين , الذين يطرقون الأبواب في كل حين . بل يلجونها بلا استئذان فيجدون الرحمة والغفران !
الدرس الثالث:113 فضل الله في إنجاء الرسول من الدفاع عن الآثمين
وأخيرا يمن الله على رسوله [ ص ] أن عصمه من الانسياق وراء المتأمرين المبيتين ; فأطلعه على مؤامراتهم التي يستخفون بها من الناس ولا يستخفون بها من الله - وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول - ثم يمتن عليه المنة الكبرى في إنزال الكتاب والحكمة وتعليمه ما لم يكن يعلم . . وهي المنة على البشرية كلها , ممثلة ابتداء في شخص أكرمها على الله وأقربها لله:
ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك . وما يضلون إلا أنفسهم . وما يضرونك من شيء . وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة . وعلمك ما لم تكن تعلم . وكان فضل الله عليك عظيمًا .
إن هذه المحاولة ليست إلا واحدة من محاولات كثيرة , شتى الألوان والأنواع ; مما بذله أعداء هذا الرسول الكريم ليضلوه عن الحق والعدل والصواب . ولكن الله - سبحانه - كان يتولاه بفضله ورحمته في كل مرة . وكان الكائدون المتأمرون هم الذين يضلون ويقعون في الضلالة . . وسيرة رسول الله [ ص ] حافلة بتلك المحاولات ; ونجاته وهدايته ; وضلال المتأمرين وخيبتهم .
والله - سبحانه - يمتن عليه بفضله ورحمته هذه ; ويطمئنه في الوقت ذاته أنهم لا يضرونه شيئا . بفضل من الله ورحمة .
وبمناسبة المنة في حفظه من هذه المؤامرة الأخيرة ; وصيانة أحكامه من أن تتعرض لظلم برى ء وتبرئة جارم , وكشف الحقيقة له وتعريفه بالمؤامرة . . تجى ء المنة الكبرى . . منة الرسالة:
وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم . وكان فضل الله عليك عظيمًا .
وهي منة الله على "الإنسان" في هذه الأرض . المنة التي ولد الإنسان معها ميلادا جديدا . ونشأ بها "الإنسان" كما نشأ أول مرة بنفخة الروح الأولى . .
المنة التي التقطت البشرية من سفح الجاهلية , لترقى بها في الطريق الصاعد , إلى القمة السامقة . عن طريق المنهج الرباني الفريد العجيب . .
المنة التي لا يعرف قدرها إلا الذي عرف الإسلام وعرف الجاهلية - جاهلية الغابر والحاضر - وذاق الإسلام وذاق الجاهلية . .
وإذا كانت منة يذكر الله بها رسوله [ ص ] فلأنه هو أول من عرفها وذاقها . وأكبر من عرفها وذاقها . وأعرف من عرفها وذاقها . .
وعلمك ما لم تكن تعلم . وكان فضل الله عليك عظيمًا .
من الاية 114 الى الاية 114
لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114)
الوحدة الحادية عشرة:114 - 126 أساطير الجاهلية العربية وتصوراتها مقدمة الوحدة - ربط الوحدة بما قبلها يتصل هذا الدرس بالدرس السابق , بأكثر من صلة . فهو أولا نزلت بعض آياته تعليقا وتعقيبا على الأحداث التي تلت حادث اليهودي . من ارتداد "بشير
ثم هو حلقة من حلقات المنهج التربوي الحكيم , في إعداد هذه الجماعة لتكون الأمة التي تقود البشرية ; بتفوقها التربوي والتنظيمي ; وليعالج فيها مواضع الضعف البشري ورواسب المجتمع الجاهلي ; وليخوض بها المعركة في ميادينها كلها . . وهو الهدف الذي تتوخاه السورة بشتى موضوعاتها , ويتولاه المنهج القرآني كله . .
الدرس الأول:114 النجوى الفاضلة النافعة
لا خير في كثير من نجواهم . إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس . ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله , فسوف نؤتيه أجرا عظيمًا . .
لقد تكرر في القرآن النهي عن النجوى ; وهي أن تجتمع طائفة بعيدا عن الجماعة المسلمة وعن القيادة المسلمة , لتبيت أمرا . . وكان اتجاه التربية الإسلامية واتجاه التنظيم الإسلامي كذلك أن يأتي كل إنسان بمشكلته أو بموضوعه , فيعرضه على النبى [ ص ] مسارة إن كان أمرا شخصيا لا يريد أن يشيع عنه شيء في الناس . أو مساءلة علنية إن كان من الموضوعات ذات الصبغة العامة , التي ليست من خصوصيات هذا الشخص .
والحكمة في هذه الخطة , هو ألا تتكون "جيوب" في الجماعة المسلمة ; وألا تنعزل مجموعات منها بتصوراتها ومشكلاتها , أو بأفكارها واتجاهاتها . وألا تبيت مجموعة من الجماعة المسلمة أمرا بليل , وتواجه به الجماعة أمرا مقررا من قبل ; أو تخفيه عن الجماعة وتستخفي به عن أعينها - وإن كانت لا تختفي به عن الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول .
وهذا الموضع أحد المواضع التي ورد فيها هذا النهي عن التناجي والتبييت بمعزل عن الجماعة المسلمة وقيادتها . .
ولقد كان المسجد هو ندوة الجماعة المسلمة , تتلاقى فيه وتتجمع للصلاة ولشؤون الحياة . وكان المجتمع المسلم كله مجتمعا مفتوحا ; تعرض مشكلاته - التي ليست بأسرار للقيادة في المعارك وغيره ; والتي ليست بمسائل شخصية بحتة لا يحب أصحابها أن تلوكها الألسن - عرضا عاما . وكان هذا المجتمع المفتوح من ثم مجتمعا نظيفا طلق الهواء . لا يتجنبه ليبيت من وراء ظهره , إلا الذين يتأمرون عليه ! أو على مبدأ من مبادئه - من المنافقين غالبا - وكذلك اقترنت النجوى بالمنافقين في معظم المواضع .
وهذه حقيقة تنفعنا . فالمجتمع المسلم يجب أن يكون بريئا من هذه الظاهرة , وأن يرجع أفراده إليه وإلى قيادتهم العامة بما يخطر لهم من الخواطر , أو بما يعرض لهم من خطط واتجاهات أو مشكلات !
والنص القرآني هنا يستثني نوعا من النجوى . . هو في الحقيقة ليس منها , وإن كان له شكلها:
(إلا من أمر بصدقة أو معروف , أو إصلاح بين الناس). .
وذلك أن يجتمع الرجل الخير بالرجل الخير , فيقول له:هلم نتصدق على فلان فقد علمت حاجته في خفية عن الأعين . أو هلم إلى معروف معين نفعله أو نحض عليه . أو هلم نصلح بين فلان وفلان فقد علمت أن بينهما نزاعا . . وقد تتكون العصبة من الخيرين لأداء أمر من هذه الأمور , وتتفق فيما بينها سرا على النهوض بهذا الأمر . فهذا ليس نجوى ولا تآمرا . ومن ثم سماه "أمرًا" وإن كان له شكل النجوى , في مسارة الرجل الخير للخيرين أمثاله بأمر في معروف يعلمه أو خطر له . .
على شرط أن يكون الباعث هو ابتغاء مرضاة الله:
من الاية 115 الى الاية 115
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً (115)
(ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما). .
فلا يكون لهوى في الصدقة على فلان , أو الإصلاح بين فلان وعلان . ولا يكون ليشتهر الرجل بأنه - والله رجل طيب - ! يحض على الصدقة والمعروف , ويسعى في الإصلاح بين الناس ! ولا تكون هناك شائبة تعكر صفاء الاتجاه إلى الله , بهذا الخير . فهذا هو مفرق الطريق بين العمل يعمله المرء فيرضى الله عنه ويثيبه به . والعمل نفسه يعمله المرء فيغضب الله عليه , ويكتبه له في سجل السيئات !
الدرس الثاني:115 - 116 كفر المرتد وعدم المغفرة له
ومن يشاقق الرسول - من بعد ما تبين له الهدى - ويتبع غير سبيل المؤمنين , نوله ما تولى , ونصله جهنم وساءت مصيرا . إن الله لا يغفر أن يشرك به , ويغفر ما دون ذلك - لمن يشاء - ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدًا .
وقد ذكر في سبب نزول هذه المجموعة من الآيات . أن بشير بن أبيرق قد ارتد والتحق بالمشركين . . (من بعد ما تبين له الهدى). . فقد كان في صفوف المسلمين , ثم اتبع غير سبيل المؤمنين . . ولكن النص عام , ينطبق على كل حالة , ويواجه كل حالة من مشاقة الرسول [ ص ] ومشاقته كفر وشرك وردة , ينطبق عليه ما ينطبق على ذلك الحادث القديم .
والمشاقة - لغة - أن يأخذ المرء شقا مقابلا للشق الذي يأخذه الآخر . والذي يشاق الرسول [ ص ] هو الذي يأخذ له شقا وجانبا وصفا غير الصف والجانب والشق الذي يأخذه النبى [ ص ] ومعنى هذا أن يتخذ له منهجا للحياة كلها غير منهجه , وأن يختار له طريقا غير طريقه . فالرسول [ ص ] جاء يحمل من عند الله منهجا كاملا للحياة يشتمل على العقيدة والشعائر التعبدية , كما يشتمل على الشريعة والنظام الواقعي لجوانب الحياة البشرية كلها . . وهذه وتلك كلتاهما جسم هذا المنهج , بحيث تزهق روح هذا المنهج إذا شطر جسمه فأخذ منه شق وطرح شق ! والذي يشاق الرسول [ ص ] هو كل من ينكر منهجه جملة , أو يؤمن ببعض ويكفر ببعض , فيأخذ بشق منه ويطرح شقا !
وقد اقتضيت رحمة الله بالناس , ألا يحق عليهم القول , ولا يصلوا جهنم وساءت مصيرا , إلا بعد أن يرسل إليهم رسولا . وبعد أن يبين لهم . وبعد أن يتبينوا الهدى . ثم يختاروا الضلالة . وهي رحمة الله الواسعة الحانية على هذا المخلوق الضعيف . فإذا تبين له الهدى . أي إذا علم أن هذا المنهج من عند الله . ثم شاق الرسول [ ص ] فيه , ولم يتبعه ويطعه , ولم يرض بمنهج الله الذي تبين له , فعندئذ يكتب الله عليه الضلال , ويوليه الوجهة التي تولاها , ويلحقه بالكفار والمشركين الذين توجه إليهم . ويحق عليه العذاب المذكور في الآية بنصه:
(ومن يشاقق الرسول - من بعد ما تبين له الهدى - ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى , ونصله جهنم . وساءت مصيرا !). .
ويعلل النص هذا المصير البائس السيء , بأن مغفرة الله - سبحانه - تتناول كل شيء . . إلا أن يشرك به . . فهذه لا مغفرة لمن مات عليها:
(إن الله لا يغفر أن يشرك به . ويغفر ما دون ذلك - لمن يشاء - ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا . .
والشرك بالله - كما أسلفنا في هذا الجزء عند تفسير مثل هذه الآية من قبل - يتحقق باتخاذ آلهة مع الله اتخاذا صريحا على طريقه الجاهلية العربية وغيرها من الجاهليات القديمة - كما يتحقق بعدم إفراد الله بخصائص
من الاية 116 الى الاية 118
إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً (116) إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً (117) لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً (118)
الألوهية ; والاعتراف لبعض البشر بهذه الخصائص . كإشراك اليهود والنصارى الذي حكاه القرآن من أنهم (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله)ولم يكونوا عبدوهم مع الله . ولكن كانوا فقط اعترفوا لهم بحق التشريع لهم من دون الله . فحرموا عليهم وأحلوا لهم . فاتبعوهم في هذا . ومنحوهم خاصية من خصائص الألوهية ! فحق عليهم وصف الشرك . وقيل عنهم إنهم خالفوا ما أمروا به من التوحيد (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدًا). فيقيموا له وحده الشعائر , ويتلقوا منه وحده الشرائع والأوامر .
ولا غفران لذنب الشرك - متى مات صاحبه عليه - بينما باب المغفرة مفتوح لكل ذنب سواه . . عندما يشاء الله . . والسبب في تعظيم جريمة الشرك , وخروجها من دائرة المغفرة , أن من يشرك بالله يخرج عن حدود الخير والصلاح تماما ; وتفسد كل فطرته بحيث لا تصلح أبدا:
ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدًا . .
ولو بقي خيط واحد صالح من خيوط الفطرة لشده إلى الشعور بوحدانية ربه ; ولو قبل الموت بساعة . . فأما وقد غرغر - وهو على الشرك - فقد انتهى أمره وحق عليه القول:
(ونصله جهنم . وساءت مصيرا !).
الدرس الثالث:117 - 122 أوهام الجاهلية العربية في شركها
ثم يصف بعض أوهام الجاهلية العربية في شركها . وأساطيرها حول اتخاذ الله بنات - هن الملائكة - وحول عبادتهم للشيطان - وقد عبدوه كما عبدوا الملائكة وتماثيلها الأصنام - كما يصف بعض شعائرهم في تقطيع أو تشقيق آذان الأنعام المنذورة للآلهة ! وفي تغييرهم خلق الله . والشرك بالله . وهو مخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها:
إن يدعون من دونه إلا إناثا , وإن يدعون إلا شيطانا مريدا , لعنه الله وقال:لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا , ولأضلنهم , ولأمنينهم , ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ; ولآمرنهم فليغيرن خلق الله . . ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا . يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا .
لقد كان العرب - في جاهليتهم - يزعمون أن الملائكة بنات الله . ثم يتخذون لهذه الملائكة تماثيل يسمونها أسماء الإناث:"اللات . والعزى . ومناة " وأمثالها ثم يعبدون هذه الأصنام - بوصفها تماثيل لبنات الله - يتقربون بها إلى الله زلفى . . كان هذا على الأقل في مبدأ الأمر . . ثم ينسون أصل الأسطورة , ويعبدون الأصنام ذاتها , بل يعبدون جنس الحجر , كما بينا ذلك في الجزء الرابع .
كذلك كان بعضهم يعبد الشيطان نصا . . قال الكلبي:كانت بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن . .
على أن النص هنا أوسع مدلولا , فهم في شركهم كله إنما يدعون الشيطان , ويستمدون منه:هذا الشيطان صاحب القصة مع أبيهم آدم ; الذي لعنه الله , بسبب معصيته وعدائه للبشر . والذي بلغ من حقده بعد طرده ولعنته , أن يأخذ من الله - سبحانه - إذنا بأن يغوي من البشر كل من لا يلجأ إلى حمى الله:
(إن يدعون من دونه إلا إناثا . وإن يدعون إلا شيطانا مريدا . لعنه الله . وقال:لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا . ولأضلنهم , ولأمنينهم , ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام , ولآمرنهم فليغيرن خلق الله).
إنهم يدعون الشيطان - عدوهم القديم - ويستوحونه ويستمدون منه هذا الظلال . ذلك الشيطان الذي لعنه الله . والذي صرح بنيته في إضلال فريق من أبناء آدم , وتمنيتهم بالأمنيات الكاذبة في طريق الغواية , من لذة كاذبة , وسعادة موهومة , ونجاة من الجزاء في نهاية المطاف ! كما صرح بنيته في أن يدفع بهم إلى أفعال قبيحة ,
من الاية 119 الى الاية 122
وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (120) أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً (121) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً (122)
وشعائر سخيفة , من نسج الأساطير . كتمزيق آذان بعض الأنعام , ليصبح ركوبها بعد ذلك حراما , أو أكلها حراما - دون أن يحرمها الله - ومن تغيير خلق الله وفطرته بقطع بعض أجزاء الجسد أو تغيير شكلها في الحيوان أو الإنسان , كخصاء الرقيق , ووشم الجلود . . وما إليها من التغيير والتشويه الذي حرمه الإسلام .
وشعور الإنسان بأن الشيطان - عدوه القديم - هو الذي يأمر بهذا الشرك وتوابعه من الشعائر الوثنية , يثير في نفسه - على الأقل - الحذر من الفخ الذي نصبه العدو . وقد جعل الإسلام المعركة الرئيسية بين الإنسان والشيطان . ووجه قوى المؤمن كلها لكفاح الشيطان والشر الذي ينشئه في الأرض ; والوقوف تحت راية الله وحزبه , في مواجهة الشيطان وحزبه:وهي معركة دائمة لا تضع أوزارها . لأن الشيطان لا يمل هذه الحرب التي أعلنها منذ لعنه وطرده . والمؤمن لا يغفل عنها , ولا ينسحب منها . وهو يعلم أنه إما أن يكون وليا لله , وإما أن يكون وليا للشيطان ; وليس هنالك وسط . . والشيطان يتمثل في نفسه وما يبثه في النفس من شهوات ونزوات ; ويتمثل في أتباعه من المشركين وأهل الشر عامة . والمسلم يكافحه في ذات نفسه , كما يكافحه في أتباعه . . معركة واحدة متصلة طوال الحياة .
ومن يجعل الله مولاه فهو ناج غانم . ومن يجعل الشيطان مولاه فهو خاسر هالك:
ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينًا . .
ويصور السياق القرآني فعل الشيطان مع أوليائه , في مثل حالة الاستهواء .
يعدهم ويمنيهم , وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا .
إنها حالة استهواء معينة هي التي تنحرف بالفطرة البشرية عن الإيمان والتوحيد , إلى الكفر والشرك . ولولا هذا الاستهواء لمضت الفطرة في طريقها , ولكان الإيمان هو هادي الفطرة وحاديها .
وإنها حالة استهواء معينة هي التي يزين فيها الشيطان للإنسان سوء عمله , فيراه حسنا ! ويعده الكسب والسعادة في طريق المعصية , فيعدو معه في الطريق ! ويمنيه النجاة من عاقبة ما يعمل فيطمئن ويمضي في طريقه إلى المهلكة !
وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا . .
وحين يرتسم المشهد على هذا النحو , والعدو القديم يفتل الحبال , ويضع الفخ , ويستدرج الفريسة , لا تبقى إلا الجبلات الموكوسة المطموسة هي التي تظل سادرة لا تستيقظ , ولا تتلفت ولا تحاول أن تعرف إلى أي طريق تساق , وإلى أية هوة تستهوى !
وبينما هذه اللمسة الموقظة تفعل فعلها في النفوس , وتصور حقيقة المعركة , وحقيقة الموقف , يجيء التعقيب ببيان العاقبة في نهاية المطاف:عاقبة من يستهويهم الشيطان , ويصدق عليهم ظنه , وينفذ فيهم ما صرح به من نيته الشريرة . . وعاقبة من يفتلون من حبالته , لأنهم آمنوا بالله حقا . والمؤمنون بالله حقا في نجوة من هذا الشيطان لأنه - لعنة الله عليه - وهو يستأذن في إغواء الضالين , لم يؤذن له في المساس بعباد الله المخلصين . فهو إزاءهم ضعيف ضعيف ; كلما اشتدت قبضتهم على حبل الله المتين:
(ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا . يعدهم ويمنيهم , وما يعدهم الشيطان إلا غرورا . أولئك مأواهم جهنم , ولا يجدون عنها محيصا . والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار , خالدين فيها أبدا , وعد الله حقا , ومن أصدق من الله قيلا ?). .
فهي جهنم ولا محيص عنها لأولياء الشيطان . . وهي جنات الخلد لا خروج منها لأولياء الله . . وعد الله:
منازل الشهداء- عدد المساهمات : 362
تاريخ التسجيل : 24/07/2011
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة النساء ايه 24==28 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة النساء ايه 162==169 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة النساء ايه 35==43 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة النساء ابه 56--68 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة النساء ايه 69==82 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة النساء ايه 162==169 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة النساء ايه 35==43 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة النساء ابه 56--68 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة النساء ايه 69==82 الشيخ سيد قطب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى