العروة بن الزبير
صفحة 1 من اصل 1
العروة بن الزبير
اختلف المؤرخون في تاريخ ولادته، فقيل إنه ولد في خلافة عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ورجح ابن كثير في كتابه البداية والنهاية أنه ولد عام 23هـ.
أبوه الزبير بن العوام حواري رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها.
كان من فقهاء المدينة السبعة أو العشرة الذين اتخذهم عمر بن عبد العزيز مستشاريه فيما يعرض له من أمور وكان لا يصدر إلا عن رأيهم، كان فقيها عالما حافظا ثابتا الحجة، عالما بالسير، ثقة، كثير الحديث مأمونا وهو أول من ألف في السير والمغازي، وكان من أروى الناس للشعر، أخذ عن عدد من الصحابة وسواهم، ونظرا لصلته الخاصة بأم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ) فقد أخذ عنها كل علمها، وكانت من أعلم الصحابة حتى روى أنه قيل: لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج أو خمس حجج، وأنا أقول: لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته، ولأجل هذه الصلة الوثيقة بعائشة واستفادته منها قال قبيصة بين ذؤيب أحد فقهاء المدينة: كان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة، وكانت عائشة أعلم الناس.
كان علم عروة الزاخر قد لفت انتباه كل من خالطه، والتقى به، وبخاصة من أبناء الأمويين والمروانيين، فقد روي عنه عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما أعلم من عروة، وما أعلمه يعلم شيئا أجهله، وهذا عبد الملك بن مروان، وقد كان يجمعه هو عروة الجد في طلب العلم بالمدينة لما كان شابا، فما آلت إليه الخلافة، قصده الناس من هنا ومن هناك.
كان عروة حريصا على بث العلم ونشره حتى إذا كان يستحث غيره على سؤاله والاستزادة من المعرفة مما عنده فقد روي أنه كان يتألف الناس على حديثه، وكان يستحث أولاده على سؤاله، فيقول: يا بني، سلوني، فلقد تركت حتى كدت أن أنسى، وإني لأسال عن الحديث فيفتح حديث يومي، وكان يقول لأولاده: إنا كنا أصاغر قوم، ثم نحن اليوم كبار، وإنكم اليوم أصاغر، وستكونون كبارا، فتعلموا العلم تسودوا به، ويحتاج إليكم، فوالله ما سألني الناس حتى نسيت.
كان عروة حسن الهيئة، أنيق المظهر، وسيم الطلعة، وكانت هذه سمة العلية من أبناء قريش، ومن مظهر هذه الوسامة أنه كان لا يحف شاربه، وإنما يأخذ منه مأخذا حسنا.
كان عروة واسع المعرفة، محيطا بالسير والمغازى،حتى إنه أول من ألف في هذا الفن.
وكان دائم التلاوة لكتاب الله تعالى والعكوف عليه، فكان يقرأ ربع القرآن كل يوم نظرا في المصحف، فإذا جاء الليل، قام الليل ثانيا للقرآن وقد حدثوا أنه لم يخلف هذه العادة مطلقا إلا ليلة قطعت رجله، ثم استأنف التلاوة في اليوم التالي كعادته التي جرى عليها طوال حياته.
كان عروة رجلا يحب معالي الأمور، ويأخذ نفسه بها، ويربي عليها أبناءه.
وكان يقول: ( إني لأعشق الشرف كما أعشق الجمال ) وكان يقول لأولاده: ( يا بني لا يهدين أحدكم إلي ربه عز وجل ما يستحي أن يهديه إلي كريمه، فإن الله عز وجل أكرم الكرماء، وأحق من اختير إليه ) ويقول لهم: (يا بني تعلموا، فإنكم إن تكونوا صغراء قوم عسى أن تكونوا كبراءهم، واسوأتاه، ماذا أقبح من شيخ جاهل).
وكان عروة رجلا شديد الحياء، يخشى أن يحرج أصدقاءه، وأقاربه؛ حتى ولو أدى ذلك إلي تنازله عن حقوق خاصة به.
كان عروة رجلا سخيا، يرى أن الله قد أفاء عليه العلم والشرف والجاه والمال، فكان يحب أن يشركه الناس فيما أفاء الله عليه، وقد رأينا رغبته في نشر العلم، أما سخاؤه بالمال فكان يحب أن يجعله للعامة من الناس وكان له حائط (حديقة) بها نخل، فإذا حان وقت جناها، وجاء ميعاد الرطب تلم فيها جدارها ثلما؛ ليعبر الناس منه فيأخذوا ما يشتهون من رطبها، يأكلون ويحملون، وكان ينزل حوله ناس من البدو يدخلون فيأكلون ويحملون أيضا، ويظل الجدار مثلوما كذلك طيلة مدة الرطب، فإذا مضى أوانه أصلح الجدار ورممه، وكان كلما دخل حديقته تلك ردد قوله تعالى: ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ).
لولا أن كتب التاريخ والأخبار أجمعت على ما روى عن صبر عروة وتحمله لما وقعت الأكلة ( مرض خبيث) في رجله واحتيج إلي قطعها لما استطاع المرء أن يصدق ما روى، ولقد كانت قصة عجبا حقا تقول: إن عروة في إحدى سفراته إلي دمشق، بعد أن دان الأمر لبني أمية، وزال ملك أخيه عبد الملك بمكة، أصابت الأكلة رجله في الطريق .
وأخذت الإصابة تزداد يوما بعد يوم حتى وصل إلي دمشق، وعرف بالأمر الوليد بن عبد الملك، فاستدعى له الأطباء، فأجمع رأيهم على قطعها خوفا من سريان الداء في الساق كلها، ثم الجسد بأكمله، وأخذ الوليد يقنعه بقطعها حماية لبقية جسمه من التلف، فلما استجاب لرأي الأطباء، وأخذوا يعدون العدة لنشرها، عرضوا عليه أن يسقوه مخدرا لئلا يحس بألم القطع فرفض ذلك قائلا: ما ظننت أن أحدا يؤمن بالله يشرب شيئا يغيب عقله.
حتى لا يعرف ربه عز وجل، ولكن إذا كنتم ولابد فاعلين، فافعلوا ذلك، وأنا في الصلاة، فإني لا أحس بذلك ولا أشعر به، فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحي احتياطا أنه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلي وكان صائما، فما تضرر ولا اختلج.
وتوفى عروة رحمه الله تعالى في أرضه (العقيق ) عام 94 هـ على الصحيح ودفن بها، وهي السنة التي يقال لها سنة الفقهاء لكثرة من توفى منهم فيها، فرحمه الله تعالى ورضى عنه.
اقرأ ايضاً
أبوه الزبير بن العوام حواري رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها.
كان من فقهاء المدينة السبعة أو العشرة الذين اتخذهم عمر بن عبد العزيز مستشاريه فيما يعرض له من أمور وكان لا يصدر إلا عن رأيهم، كان فقيها عالما حافظا ثابتا الحجة، عالما بالسير، ثقة، كثير الحديث مأمونا وهو أول من ألف في السير والمغازي، وكان من أروى الناس للشعر، أخذ عن عدد من الصحابة وسواهم، ونظرا لصلته الخاصة بأم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ) فقد أخذ عنها كل علمها، وكانت من أعلم الصحابة حتى روى أنه قيل: لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج أو خمس حجج، وأنا أقول: لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته، ولأجل هذه الصلة الوثيقة بعائشة واستفادته منها قال قبيصة بين ذؤيب أحد فقهاء المدينة: كان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة، وكانت عائشة أعلم الناس.
كان علم عروة الزاخر قد لفت انتباه كل من خالطه، والتقى به، وبخاصة من أبناء الأمويين والمروانيين، فقد روي عنه عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما أعلم من عروة، وما أعلمه يعلم شيئا أجهله، وهذا عبد الملك بن مروان، وقد كان يجمعه هو عروة الجد في طلب العلم بالمدينة لما كان شابا، فما آلت إليه الخلافة، قصده الناس من هنا ومن هناك.
كان عروة حريصا على بث العلم ونشره حتى إذا كان يستحث غيره على سؤاله والاستزادة من المعرفة مما عنده فقد روي أنه كان يتألف الناس على حديثه، وكان يستحث أولاده على سؤاله، فيقول: يا بني، سلوني، فلقد تركت حتى كدت أن أنسى، وإني لأسال عن الحديث فيفتح حديث يومي، وكان يقول لأولاده: إنا كنا أصاغر قوم، ثم نحن اليوم كبار، وإنكم اليوم أصاغر، وستكونون كبارا، فتعلموا العلم تسودوا به، ويحتاج إليكم، فوالله ما سألني الناس حتى نسيت.
كان عروة حسن الهيئة، أنيق المظهر، وسيم الطلعة، وكانت هذه سمة العلية من أبناء قريش، ومن مظهر هذه الوسامة أنه كان لا يحف شاربه، وإنما يأخذ منه مأخذا حسنا.
كان عروة واسع المعرفة، محيطا بالسير والمغازى،حتى إنه أول من ألف في هذا الفن.
وكان دائم التلاوة لكتاب الله تعالى والعكوف عليه، فكان يقرأ ربع القرآن كل يوم نظرا في المصحف، فإذا جاء الليل، قام الليل ثانيا للقرآن وقد حدثوا أنه لم يخلف هذه العادة مطلقا إلا ليلة قطعت رجله، ثم استأنف التلاوة في اليوم التالي كعادته التي جرى عليها طوال حياته.
كان عروة رجلا يحب معالي الأمور، ويأخذ نفسه بها، ويربي عليها أبناءه.
وكان يقول: ( إني لأعشق الشرف كما أعشق الجمال ) وكان يقول لأولاده: ( يا بني لا يهدين أحدكم إلي ربه عز وجل ما يستحي أن يهديه إلي كريمه، فإن الله عز وجل أكرم الكرماء، وأحق من اختير إليه ) ويقول لهم: (يا بني تعلموا، فإنكم إن تكونوا صغراء قوم عسى أن تكونوا كبراءهم، واسوأتاه، ماذا أقبح من شيخ جاهل).
وكان عروة رجلا شديد الحياء، يخشى أن يحرج أصدقاءه، وأقاربه؛ حتى ولو أدى ذلك إلي تنازله عن حقوق خاصة به.
كان عروة رجلا سخيا، يرى أن الله قد أفاء عليه العلم والشرف والجاه والمال، فكان يحب أن يشركه الناس فيما أفاء الله عليه، وقد رأينا رغبته في نشر العلم، أما سخاؤه بالمال فكان يحب أن يجعله للعامة من الناس وكان له حائط (حديقة) بها نخل، فإذا حان وقت جناها، وجاء ميعاد الرطب تلم فيها جدارها ثلما؛ ليعبر الناس منه فيأخذوا ما يشتهون من رطبها، يأكلون ويحملون، وكان ينزل حوله ناس من البدو يدخلون فيأكلون ويحملون أيضا، ويظل الجدار مثلوما كذلك طيلة مدة الرطب، فإذا مضى أوانه أصلح الجدار ورممه، وكان كلما دخل حديقته تلك ردد قوله تعالى: ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ).
لولا أن كتب التاريخ والأخبار أجمعت على ما روى عن صبر عروة وتحمله لما وقعت الأكلة ( مرض خبيث) في رجله واحتيج إلي قطعها لما استطاع المرء أن يصدق ما روى، ولقد كانت قصة عجبا حقا تقول: إن عروة في إحدى سفراته إلي دمشق، بعد أن دان الأمر لبني أمية، وزال ملك أخيه عبد الملك بمكة، أصابت الأكلة رجله في الطريق .
وأخذت الإصابة تزداد يوما بعد يوم حتى وصل إلي دمشق، وعرف بالأمر الوليد بن عبد الملك، فاستدعى له الأطباء، فأجمع رأيهم على قطعها خوفا من سريان الداء في الساق كلها، ثم الجسد بأكمله، وأخذ الوليد يقنعه بقطعها حماية لبقية جسمه من التلف، فلما استجاب لرأي الأطباء، وأخذوا يعدون العدة لنشرها، عرضوا عليه أن يسقوه مخدرا لئلا يحس بألم القطع فرفض ذلك قائلا: ما ظننت أن أحدا يؤمن بالله يشرب شيئا يغيب عقله.
حتى لا يعرف ربه عز وجل، ولكن إذا كنتم ولابد فاعلين، فافعلوا ذلك، وأنا في الصلاة، فإني لا أحس بذلك ولا أشعر به، فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحي احتياطا أنه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلي وكان صائما، فما تضرر ولا اختلج.
وتوفى عروة رحمه الله تعالى في أرضه (العقيق ) عام 94 هـ على الصحيح ودفن بها، وهي السنة التي يقال لها سنة الفقهاء لكثرة من توفى منهم فيها، فرحمه الله تعالى ورضى عنه.
اقرأ ايضاً
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى