الجانب الثاني من الزينة المحذورة أمام الرجال الأجانب
صفحة 1 من اصل 1
الجانب الثاني من الزينة المحذورة أمام الرجال الأجانب
الجانب الثاني من الزينة المحذورة أمام الرجال الأجانب : الزينة الخفية .
قال الله تعالى : " ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن " (النور31) .
كانت المرأة في الجاهلية تلبس الخلخال ، وفوقه ثوب طويل ، فإذا مرت بالرجال ضربت برجلها الأرض أثناء مشيها . حتى يخرج صوت الخلخال ، فيسمعه الرجال ، فيعلموا أنها متزينة بلبسه . فكشف الله تعالى خبايا نفسها ، ونهاها عن ذلك .
فأيهما أعظم زينة أيها الأخوات هذه التي ضربت برجلها ، أم تلك المرأة التي أظهرت البنطال من أسفل العباءة .
و أيهما أعظم زينة هذه التي ضربت برجلها ، أم تلك التي تفتح العباءة أثناء نزولها من السيارة ، أو صعودِها إليها ، أو دخولها المحل ، أو خروجها منه .
و أيهما أعظم زينةً أيضاً هذه التي ضربت برجلها ، أم تلك التي وضعت حقيبتها على كتفها في الأسواق . أو التي لبست حذاءً ذا كعب عالي وصوت مسموع .
ولاشك بأن هذه الصور أعظم زينة ، فهي أولى بالمنع والتحريم .
الخاتمةٌ وهي تحمل جملة من الرسائل تُكْمِلُ الموضوع وتُسْهِم في علاجه : أولاً : عنِ جَرِيرٍ بن عبدالله رضي الله عنه قَالَ : " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ . فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ ( النمار أزر من صوف مخططة ) مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ـ إلى أن قال ـ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ ، مِنْ دِرْهَمِهِ ، مِنْ ثَوْبِهِ ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ ، حَتَّى قَالَ : وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ . قَالَ : فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجَزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ، قَالَ : ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ . وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " أخرجه مسلم .
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى صاحب الصرة ، وأن الناس اقتدوا به ، بين فضل عمله ، وأن كل الذين اقتدوا به فتصدقوا هو في ميزان حسناته من غير أن ينقص من أجورهم شيء . " مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ " .
وفي الحديث أيضاً أن القدوة العملية ربما تكون أقوى في التأثير من القول ، فالنبي صلى الله عليه وسلم وعظ الناس وحثهم على الصدقة ، لكنهم لم يتتابعوا على الصدقة إلا بعد ما تقدمهم صاحب الصُرَّة .
فنحن بأمس الحاجة إلى المرأة القوية ؛ القويةُ في إيمانها ، والقويةُ في شخصيتها ، لتكون قدوة للأخريات ، فالناس فيهم خير كثير لكنهم بحاجة إلى القدوة . كما تأثر الصحابة بذلك القدوة صاحبِ الصرة . فالمرأة التي تركت اللبس المحرم ، ولبست عباءة الرأس الساترة ، ولبست القفاز والشراب ، فاقتدى بها أحد من النساء ، من جيرانها ، و أقاربها ، ومن حولها ، و من لاتعرفها ممن رأينها في الطريق أو المسجد أو الكلية ، وكل من اقتدى بأولئك النساء اللواتي تأثرن بها ، كل ذلك في ميزان حسانتها ، وربما يموت الانسان والأجر يأتيه بعد موته بسبب تلك القدوة الحسنة . فهنيئاً لك هذا الأجر العظيم أيتها المؤمنة الصالحة . فهذه رسالة أبعثها إلى المعلمة مع طالباتها في جميع المراحل الدراسية ، فإن باب الدعوة إلى الله بالقدوة واسع جداً ، وقد درست المئات بل الآلاف من الطالبات ، فتكون قدوة حسنة في كلامها وهيئتها أمامهم ، وقدوة حسنة في حجابها أثناء دخولها وخروجها من المدرسة ، وما المانع أيضاً أن يكون لها كلمةٌ قصيرة توجيهية وتربوية في بعض الحصص الدراسية ، أو حصص الانتظار .
وبالمقابل ففي الحديث وعيد عظيم ، في قوله صلى الله عليه وسلم : " وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " وهذه رسالة إلى كل بائع لألبسة النساء والعباءات ، فكل من باع عباءة متبرجة على امرأة فهو في ميزان سيئاته كلما لبستها ، فانظر إلى من باع الآلافَ منها كم يتحمل من أوزار الناس ، إن المؤمن لايطيق أن يتحمل أوزاره ، فكيف بمن يتحمل أوزار الناس . ثم إن المال الذي تَطْعَمه ، وتُطْعِمه أولادك سحت وحرام . وهذا كاف في اتخاذ القرار بترك هذا العمل .
أخي البائعُ الكريم ، هذه نصيحة مشفق صادق ، فتب إلى الله توبةً نصوح ، وتذكر قوله تعالى : " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ".
ومن الوعيد في هذا الحديث رسالة أخرى إلى رب المنزل ، إلى الأب والزوج ، فإن كل مجلة ، أوشريط ، أو جهاز أدخلته بيتك ، ويعرض فيه الحرام ؛ كصور النساء ، أو يسمع فيه الحرام ؛ كالغناء ، فإنه في ميزان سيئاتك كلما نظر أو استمع إلى ذلك المحرم أحد من أهل البيت أو الضيوف ، وربما يموت صاحب المنزل ، ولا يزال يتحمل أوزارهم وهو في قبره ما داموا يشاهدون ، ويستمعون فيها إلى المحرم .
وكذا الحال لمن يأمر أهله بكشف الوجه ، وخلع القفاز ، ولبس العباءة المتبرجة . فأثر ذلك كله في ميزان سيئاته .
ثانياً : من أهم أسباب السلامة من الخلل في شأن اللباس والحجاب : التربية الإسلامية على الحياء و الألبسة الساترة منذ الطفولة ، وأن تربى على العزة في ذلك ؛ فإن الطفل ينشأ بإذن الله على ما ربي عليه .
أما واقع الناس فإنهم على خلاف ذلك وهم لايشعرون . وأضرب لذلك مثالاً : انظر إلى ألبسة الأطفال الذكور في سن الخامسة والسادسة وأكثر ، فمن يلبس منهم الثياب ، تجد الثوب عليه واسعاً وطويلاً إلى ما دون الكعبين . وإذا قيل لوالدته إرفعوا ثوبه إلى ما فوق الكبين حتى يتربى على السنة.
كان الجواب منها ، إن المنظر غير مناسب ، ثم إنه سيطول بعد شهرين أو ثلاثة ، وتجد قوة وإصراراً من الأبوين على ذلك .
وبالمقابل انظر إلى أخت هذا الطفل التي في سنه أو تكبره بسنة أو سنتين تجد ثوبها بدون أكمام ، وطوله على أحسن الأحوال إلى نصف الساق ، وربما إلى الركبة أو أعلى من ذلك .
فما سر هذه المفارقة العجيبة .
إن أكثر الأمهات يجدن تمرداً من بناتهن في سن المراهقة في اللباس والحجاب ، وأهم أسباب هذا التمرد والعصيان هو تربية الأبوين .
لقد كان مضرب المثل في الحياء عند العرب ( حياء البكر في خدرها ) وهذا أمر فطرها الله عليه ، إلا أنه بالتربية يمكن أن يمسخ هذا الحياء أو يقلل ، فإذا ربيت الفتاة على الدخول على الرجال ، ولبس البنطال ، والقصير نشأت عليه ، ولم تقبل غيره .
بل إن بعض الفتيات تستحي من تغطية الوجه ، ولبس العبائة الساترة ، والألبسة المحتشمة ، فانظر كيف انقلب الحياء على الفتاة بسبب التربية .
ثالثاً : هذه رسالة أخص بها التاجر المسلم : إن كثيراً من الآباء والأمهات يعيشون أزمة في ألبسة البنات ، فإذا بحثون في الأسواق لم يجدوا إلا القصير ، وما فيه تصاوير ، وغير المناسب . فإذا وجد التاجر المسلم الذي يعالج هذه المشكلة بالتصاميم المناسبة ، والجودة العالية ، كانت له تجارة ودعوة إلى الخير ، ونفعاً للمسلمين ، وقدوة حسنة يؤجر عليها . وهذا باب مغفل من التجار الأخيار .
رابعاً : إنني ألحظ بعض النساء ، إذا سألت في باب الطهارة ، أو الصلاة ، أو الصيام ، أو الحج : تكون على أتم الاستعداد لقبول الحق وتطبيقه ، بل ربما تتشدد مع الشيخ وتراجعه في السؤال . وإذا كان الأمر متعلقاً بالحجاب واللباس والخلوة مع السائق كان لها حال آخر ، بحثت في ذلك عن أوسع الناس في الفتوى ، وتشبثت به وإن كان مخالفاً للدليل . إنه داعي الهوى ، والنفس الأمارة بالسوء .
فهذه الرسالة الأخيرة إلى من لبست العباءة المتبرجة ، والألبسة المحرمة ، إلى من خلعت حجابها عند سفرها إلى الخارج وليس الحديث عن السفر ، إلى الطبيبة والممرضة التي تسامحت و تساهلت في حجابها في المستشفيات . فإني أناشدها أن تتقي الله جل وعلا ، وأن تبادر إلى التوبة إلى الله من هذه الألبسة أو ترك الحجاب الشرعي ، فإن التوبة عبادة عظيمة يحبها الله . " ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً " . " وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون " . " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ".
إن من سنن الله الربانية التي لاتتبدل ، ولاتتحول ما جاء في قوله تعالى : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " . فقد يصاب الإنسان بالمرض ، أو الهم ، أو عدم النجاح والتوفيق بسبب المعصية .
وقد قسم العلماء السيئة إلى قسمين : سيئة العمل ، وسيئة الجزاء ، فسيئة العمل هي التي يفعلها في المرة الأولى ، وسيئة الجزاء هي التي يفعلها مرة ثانية ، وثالثة ، ورابعة ، وربما ارتكب معاص أخرى عقوبةً من الله لأنه لم يتب من المعصية . وقد ألف ابن القيم رحمه الله كتاباً في شؤم المعصية أنصح الجميع بقراءته أسماه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) وقد نقل فيه عن السلف أنه يجد أثر المعصية في خلق دابته ، و خلق زوجته . وذكر أحوالاً كثيرةً و مؤثرة عن سوء الخاتمة بسبب الذنوب . نسأل الله حسن الخاتمة .
فالمشاكل التي تحصل في البيوت و بين الزوجين ، لايلزم أن يكون تفسيرها مادياً ، بل ربما كانت بسبب المعصية ، وقد تجد المرأة من زوجها نفرة أو عدم ارتياح ، ويكون السبب في ذلك هو المعصية.
وتذكري أيها الأخت الفاضلة سرعة استجابة الصاحبيات لدعوة الحجاب فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَتْ : " لَمَّا نَزَلَتْ ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ) خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الْأَكْسِيَةِ " أخرجه أبوداود بسند حسن .
وتذكري أيضاً ما كان يذكر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، ويأمر بالإكثار منه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " أكثروا من ذكر هادم اللذات ". حديث صحيح . ولاحظوا قوله عليه الصلاة والسلام ( أكثروا ) فنحن مأمورون ليس بذكر الموت فحسب ، بل بالإكثار من ذكره ، حتى تتعض القلوب و تصحوَ من غفلتها ، فهل يسرك أن تموتي وأنت متبرجة ، أو خالعة للحجاب ، أو متساهلة فيه ؟. إن أردت الجنة فبادري بالتوبة إلى الله .
وأخيراً فهذه المحاضرة دعوة للتصحيح والمراجعة في لباس المرأة ، فأسأل الله الكريم أن يصلح أحوال نساء المؤمنين ، اللهم ارزقهن الستر و العفاف والحياء و الحشمة ، اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا . اللهم قنا عذاب القبر وعذاب النار ، وأدخلنا جنة الفردوس الأعلى بلا حساب ولا عقاب . والحمد لله وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال الله تعالى : " ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن " (النور31) .
كانت المرأة في الجاهلية تلبس الخلخال ، وفوقه ثوب طويل ، فإذا مرت بالرجال ضربت برجلها الأرض أثناء مشيها . حتى يخرج صوت الخلخال ، فيسمعه الرجال ، فيعلموا أنها متزينة بلبسه . فكشف الله تعالى خبايا نفسها ، ونهاها عن ذلك .
فأيهما أعظم زينة أيها الأخوات هذه التي ضربت برجلها ، أم تلك المرأة التي أظهرت البنطال من أسفل العباءة .
و أيهما أعظم زينة هذه التي ضربت برجلها ، أم تلك التي تفتح العباءة أثناء نزولها من السيارة ، أو صعودِها إليها ، أو دخولها المحل ، أو خروجها منه .
و أيهما أعظم زينةً أيضاً هذه التي ضربت برجلها ، أم تلك التي وضعت حقيبتها على كتفها في الأسواق . أو التي لبست حذاءً ذا كعب عالي وصوت مسموع .
ولاشك بأن هذه الصور أعظم زينة ، فهي أولى بالمنع والتحريم .
الخاتمةٌ وهي تحمل جملة من الرسائل تُكْمِلُ الموضوع وتُسْهِم في علاجه : أولاً : عنِ جَرِيرٍ بن عبدالله رضي الله عنه قَالَ : " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ . فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ ( النمار أزر من صوف مخططة ) مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ـ إلى أن قال ـ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ ، مِنْ دِرْهَمِهِ ، مِنْ ثَوْبِهِ ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ ، حَتَّى قَالَ : وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ . قَالَ : فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجَزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ، قَالَ : ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ . وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " أخرجه مسلم .
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى صاحب الصرة ، وأن الناس اقتدوا به ، بين فضل عمله ، وأن كل الذين اقتدوا به فتصدقوا هو في ميزان حسناته من غير أن ينقص من أجورهم شيء . " مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ " .
وفي الحديث أيضاً أن القدوة العملية ربما تكون أقوى في التأثير من القول ، فالنبي صلى الله عليه وسلم وعظ الناس وحثهم على الصدقة ، لكنهم لم يتتابعوا على الصدقة إلا بعد ما تقدمهم صاحب الصُرَّة .
فنحن بأمس الحاجة إلى المرأة القوية ؛ القويةُ في إيمانها ، والقويةُ في شخصيتها ، لتكون قدوة للأخريات ، فالناس فيهم خير كثير لكنهم بحاجة إلى القدوة . كما تأثر الصحابة بذلك القدوة صاحبِ الصرة . فالمرأة التي تركت اللبس المحرم ، ولبست عباءة الرأس الساترة ، ولبست القفاز والشراب ، فاقتدى بها أحد من النساء ، من جيرانها ، و أقاربها ، ومن حولها ، و من لاتعرفها ممن رأينها في الطريق أو المسجد أو الكلية ، وكل من اقتدى بأولئك النساء اللواتي تأثرن بها ، كل ذلك في ميزان حسانتها ، وربما يموت الانسان والأجر يأتيه بعد موته بسبب تلك القدوة الحسنة . فهنيئاً لك هذا الأجر العظيم أيتها المؤمنة الصالحة . فهذه رسالة أبعثها إلى المعلمة مع طالباتها في جميع المراحل الدراسية ، فإن باب الدعوة إلى الله بالقدوة واسع جداً ، وقد درست المئات بل الآلاف من الطالبات ، فتكون قدوة حسنة في كلامها وهيئتها أمامهم ، وقدوة حسنة في حجابها أثناء دخولها وخروجها من المدرسة ، وما المانع أيضاً أن يكون لها كلمةٌ قصيرة توجيهية وتربوية في بعض الحصص الدراسية ، أو حصص الانتظار .
وبالمقابل ففي الحديث وعيد عظيم ، في قوله صلى الله عليه وسلم : " وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " وهذه رسالة إلى كل بائع لألبسة النساء والعباءات ، فكل من باع عباءة متبرجة على امرأة فهو في ميزان سيئاته كلما لبستها ، فانظر إلى من باع الآلافَ منها كم يتحمل من أوزار الناس ، إن المؤمن لايطيق أن يتحمل أوزاره ، فكيف بمن يتحمل أوزار الناس . ثم إن المال الذي تَطْعَمه ، وتُطْعِمه أولادك سحت وحرام . وهذا كاف في اتخاذ القرار بترك هذا العمل .
أخي البائعُ الكريم ، هذه نصيحة مشفق صادق ، فتب إلى الله توبةً نصوح ، وتذكر قوله تعالى : " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ".
ومن الوعيد في هذا الحديث رسالة أخرى إلى رب المنزل ، إلى الأب والزوج ، فإن كل مجلة ، أوشريط ، أو جهاز أدخلته بيتك ، ويعرض فيه الحرام ؛ كصور النساء ، أو يسمع فيه الحرام ؛ كالغناء ، فإنه في ميزان سيئاتك كلما نظر أو استمع إلى ذلك المحرم أحد من أهل البيت أو الضيوف ، وربما يموت صاحب المنزل ، ولا يزال يتحمل أوزارهم وهو في قبره ما داموا يشاهدون ، ويستمعون فيها إلى المحرم .
وكذا الحال لمن يأمر أهله بكشف الوجه ، وخلع القفاز ، ولبس العباءة المتبرجة . فأثر ذلك كله في ميزان سيئاته .
ثانياً : من أهم أسباب السلامة من الخلل في شأن اللباس والحجاب : التربية الإسلامية على الحياء و الألبسة الساترة منذ الطفولة ، وأن تربى على العزة في ذلك ؛ فإن الطفل ينشأ بإذن الله على ما ربي عليه .
أما واقع الناس فإنهم على خلاف ذلك وهم لايشعرون . وأضرب لذلك مثالاً : انظر إلى ألبسة الأطفال الذكور في سن الخامسة والسادسة وأكثر ، فمن يلبس منهم الثياب ، تجد الثوب عليه واسعاً وطويلاً إلى ما دون الكعبين . وإذا قيل لوالدته إرفعوا ثوبه إلى ما فوق الكبين حتى يتربى على السنة.
كان الجواب منها ، إن المنظر غير مناسب ، ثم إنه سيطول بعد شهرين أو ثلاثة ، وتجد قوة وإصراراً من الأبوين على ذلك .
وبالمقابل انظر إلى أخت هذا الطفل التي في سنه أو تكبره بسنة أو سنتين تجد ثوبها بدون أكمام ، وطوله على أحسن الأحوال إلى نصف الساق ، وربما إلى الركبة أو أعلى من ذلك .
فما سر هذه المفارقة العجيبة .
إن أكثر الأمهات يجدن تمرداً من بناتهن في سن المراهقة في اللباس والحجاب ، وأهم أسباب هذا التمرد والعصيان هو تربية الأبوين .
لقد كان مضرب المثل في الحياء عند العرب ( حياء البكر في خدرها ) وهذا أمر فطرها الله عليه ، إلا أنه بالتربية يمكن أن يمسخ هذا الحياء أو يقلل ، فإذا ربيت الفتاة على الدخول على الرجال ، ولبس البنطال ، والقصير نشأت عليه ، ولم تقبل غيره .
بل إن بعض الفتيات تستحي من تغطية الوجه ، ولبس العبائة الساترة ، والألبسة المحتشمة ، فانظر كيف انقلب الحياء على الفتاة بسبب التربية .
ثالثاً : هذه رسالة أخص بها التاجر المسلم : إن كثيراً من الآباء والأمهات يعيشون أزمة في ألبسة البنات ، فإذا بحثون في الأسواق لم يجدوا إلا القصير ، وما فيه تصاوير ، وغير المناسب . فإذا وجد التاجر المسلم الذي يعالج هذه المشكلة بالتصاميم المناسبة ، والجودة العالية ، كانت له تجارة ودعوة إلى الخير ، ونفعاً للمسلمين ، وقدوة حسنة يؤجر عليها . وهذا باب مغفل من التجار الأخيار .
رابعاً : إنني ألحظ بعض النساء ، إذا سألت في باب الطهارة ، أو الصلاة ، أو الصيام ، أو الحج : تكون على أتم الاستعداد لقبول الحق وتطبيقه ، بل ربما تتشدد مع الشيخ وتراجعه في السؤال . وإذا كان الأمر متعلقاً بالحجاب واللباس والخلوة مع السائق كان لها حال آخر ، بحثت في ذلك عن أوسع الناس في الفتوى ، وتشبثت به وإن كان مخالفاً للدليل . إنه داعي الهوى ، والنفس الأمارة بالسوء .
فهذه الرسالة الأخيرة إلى من لبست العباءة المتبرجة ، والألبسة المحرمة ، إلى من خلعت حجابها عند سفرها إلى الخارج وليس الحديث عن السفر ، إلى الطبيبة والممرضة التي تسامحت و تساهلت في حجابها في المستشفيات . فإني أناشدها أن تتقي الله جل وعلا ، وأن تبادر إلى التوبة إلى الله من هذه الألبسة أو ترك الحجاب الشرعي ، فإن التوبة عبادة عظيمة يحبها الله . " ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً " . " وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون " . " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ".
إن من سنن الله الربانية التي لاتتبدل ، ولاتتحول ما جاء في قوله تعالى : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " . فقد يصاب الإنسان بالمرض ، أو الهم ، أو عدم النجاح والتوفيق بسبب المعصية .
وقد قسم العلماء السيئة إلى قسمين : سيئة العمل ، وسيئة الجزاء ، فسيئة العمل هي التي يفعلها في المرة الأولى ، وسيئة الجزاء هي التي يفعلها مرة ثانية ، وثالثة ، ورابعة ، وربما ارتكب معاص أخرى عقوبةً من الله لأنه لم يتب من المعصية . وقد ألف ابن القيم رحمه الله كتاباً في شؤم المعصية أنصح الجميع بقراءته أسماه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) وقد نقل فيه عن السلف أنه يجد أثر المعصية في خلق دابته ، و خلق زوجته . وذكر أحوالاً كثيرةً و مؤثرة عن سوء الخاتمة بسبب الذنوب . نسأل الله حسن الخاتمة .
فالمشاكل التي تحصل في البيوت و بين الزوجين ، لايلزم أن يكون تفسيرها مادياً ، بل ربما كانت بسبب المعصية ، وقد تجد المرأة من زوجها نفرة أو عدم ارتياح ، ويكون السبب في ذلك هو المعصية.
وتذكري أيها الأخت الفاضلة سرعة استجابة الصاحبيات لدعوة الحجاب فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَتْ : " لَمَّا نَزَلَتْ ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ) خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الْأَكْسِيَةِ " أخرجه أبوداود بسند حسن .
وتذكري أيضاً ما كان يذكر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، ويأمر بالإكثار منه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " أكثروا من ذكر هادم اللذات ". حديث صحيح . ولاحظوا قوله عليه الصلاة والسلام ( أكثروا ) فنحن مأمورون ليس بذكر الموت فحسب ، بل بالإكثار من ذكره ، حتى تتعض القلوب و تصحوَ من غفلتها ، فهل يسرك أن تموتي وأنت متبرجة ، أو خالعة للحجاب ، أو متساهلة فيه ؟. إن أردت الجنة فبادري بالتوبة إلى الله .
وأخيراً فهذه المحاضرة دعوة للتصحيح والمراجعة في لباس المرأة ، فأسأل الله الكريم أن يصلح أحوال نساء المؤمنين ، اللهم ارزقهن الستر و العفاف والحياء و الحشمة ، اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا . اللهم قنا عذاب القبر وعذاب النار ، وأدخلنا جنة الفردوس الأعلى بلا حساب ولا عقاب . والحمد لله وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
مواضيع مماثلة
» أقوال بعض العلماء في وجوب تغطية المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب
» التساهل في كشف العورة أما الرجال الأجانب
» النوع الثاني من الزينة البينة المحرمة : لبس عباءة الكتف
» الدلالة المحكمة لآية الزينة على وجوب تغطية الوجه
» افُرَاتٌ : طريفة بين الرجال والنساء
» التساهل في كشف العورة أما الرجال الأجانب
» النوع الثاني من الزينة البينة المحرمة : لبس عباءة الكتف
» الدلالة المحكمة لآية الزينة على وجوب تغطية الوجه
» افُرَاتٌ : طريفة بين الرجال والنساء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى