تفسير سورة الحجرات ايه رقم واحد الى اخر السورة سيد قطب
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة الحجرات ايه رقم واحد الى اخر السورة سيد قطب
الحجرات
من الاية 1 الى الاية 28
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
وله نظمه التي تكفل صيانته . وهي شرائع ونظم تقوم على ذلك الأدب , وتنبثق منه , وتتسق معه ; فيتوافى باطن هذا العالم وظاهره , وتتلاقى شرائعه ومشاعره , وتتوازن دوافعه وزواجره ; وتتناسق أحاسيسه وخطاه , وهو يتجه ويتحرك إلى الله . . ومن ثم لا يوكل قيام هذا العالم الرفيع الكريم النظيف السليم وصيانته , لمجرد أدب الضمير ونظافة الشعور ; ولا يوكل كذلك لمجرد التشريع والتنظيم . بل يلتقي هذا بذلك في انسجام وتناسق . كذلك لا يوكل لشعور الفرد وجهده , كما لا يترك لنظم الدولة وإجراءاتها . بل يلتقي فيه الأفراد بالدولة , والدولة بالأفراد ; وتتلاقى واجباتهما ونشاطهما في تعاون واتساق .
هو عالم له أدب مع الله , ومع رسول الله . يتمثل هذا الأدب في إدراك حدود العبد أمام الرب , والرسول الذي يبلغ عن الربيا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله , واتقوا الله , إن الله سميع عليم). . فلا يسبق العبد المؤمن إلهه في أمر أو نهي , ولا يقترح عليه في قضاء أو حكم ; ولا يتجاوز ما يأمر به وما ينهى عنه ; ولا يجعل لنفسه إرادة أو رأيا مع خالقه . . تقوى منه وخشية , وحياء منه وأدبا . . وله أدب خاص فيه خطاب رسول الله [ ص ] وتوقيرهيا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي . ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض , أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون . إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى , لهم مغفرة وأجر عظيم . إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون , ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم , والله غفور رحيم). .
وهو عالم له منهجه في التثبت من الأقوال والأفعال , والاستيثاق من مصدرها , قبل الحكم عليها . يستند هذا المنهج إلى تقوى الله , وإلى الرجوع بالأمر إلى رسول الله , في غير ما تقدم بين يديه , ولا اقتراح لم يطلبه ولم يأمر به: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة , فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ; واعلموا أن فيكم رسول الله , لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم . ولكن الله حبب إليكم الإيمان , وزينه في قلوبكم , وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان , أولئك هم الراشدون , فضلا من الله ونعمة , والله عليم حكيم). .
وهو عالم له نظمه وإجراءاته العملية في مواجهة ما يقع فيه من خلاف وفتن وقلاقل واندفاعات , تخلخل كيانه لو تركت بغير علاج . وهو يواجهها بإجراءات عملية منبثقة من قاعدة الأخوة بين المؤمنين , ومن حقيقة العدل والإصلاح , ومن تقوى الله والرجاء في رحمته ورضاه: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ; فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ; فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا , إن الله يحب المقسطين . إنما المؤمنون إخوة , فأصلحوا بين أخويكم , واتقوا الله لعلكم ترحمون). .
وهو عالم له آدابه النفسية في مشاعره تجاه بعضه البعض ; وله آدابه السلوكية في معاملاته بعضه مع بعض: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ; ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ; ولا تلمزوا أنفسكم , ولا تنابزوا بالألقاب . بئس الاسم:الفسوق بعد الإيمان . ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون). .
وهو عالم نظيف المشاعر , مكفول الحرمات , مصون الغيبة والحضرة , لا يؤخذ فيه أحد بظنة , ولا تتبع فيه العورات , ولا يتعرض أمن الناس وكرامتهم وحريتهم فيه لأدنى مساس: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم , ولا تجسسوا , ولا يغتب بعضكم بعضا . أيحب أحدكم أن يأكل لحم
من الاية 29 الى آخر السورة
تقديم لسورة الحجرات
هذه السورة التي لا تتجاوز ثماني عشرة آية , سورة جليلة ضخمة , تتضمن حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة , ومن حقائق الوجود والإنسانية . حقائق تفتح للقلب وللعقل آفاقا عالية وآمادا بعيدة ; وتثير في النفس والذهن خواطر عميقة ومعاني كبيرة ; وتشمل من مناهج التكوين والتنظيم , وقواعد التربية والتهذيب , ومبادى ء التشريع والتوجيه , ما يتجاوز حجمها وعدد آياتها مئات المرات !
وهي تبرز أمام النظر أمرين عظيمين للتدبر والتفكير .
وأول ما يبرز للنظر عند مطالعة السورة , هو أنها تكاد تستقل بوضع معالم كاملة , لعالم رفيع كريم نظيف سليم ; متضمنة القواعد والأصول والمبادئ والمناهج التي يقوم عليها هذا العالم ; والتي تكفل قيامه أولا , وصيانته أخيرا . . عالم يصدر عن الله , ويتجه إلى الله , ويليق أن ينتسب إلى الله . . عالم نقي القلب , نظيف المشاعر , عف اللسان , وقبل ذلك عف السريرة . . عالم له أدب مع الله , وأدب مع رسوله , وأدب مع نفسه , وأدب مع غيره . أدب في هواجس ضميره , وفي حركات جوارحه . وفي الوقت ذاته له شرائعه المنظمة لأوضاعه ,
من الاية 1 الى الاية 28
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
وله نظمه التي تكفل صيانته . وهي شرائع ونظم تقوم على ذلك الأدب , وتنبثق منه , وتتسق معه ; فيتوافى باطن هذا العالم وظاهره , وتتلاقى شرائعه ومشاعره , وتتوازن دوافعه وزواجره ; وتتناسق أحاسيسه وخطاه , وهو يتجه ويتحرك إلى الله . . ومن ثم لا يوكل قيام هذا العالم الرفيع الكريم النظيف السليم وصيانته , لمجرد أدب الضمير ونظافة الشعور ; ولا يوكل كذلك لمجرد التشريع والتنظيم . بل يلتقي هذا بذلك في انسجام وتناسق . كذلك لا يوكل لشعور الفرد وجهده , كما لا يترك لنظم الدولة وإجراءاتها . بل يلتقي فيه الأفراد بالدولة , والدولة بالأفراد ; وتتلاقى واجباتهما ونشاطهما في تعاون واتساق .
هو عالم له أدب مع الله , ومع رسول الله . يتمثل هذا الأدب في إدراك حدود العبد أمام الرب , والرسول الذي يبلغ عن الربيا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله , واتقوا الله , إن الله سميع عليم). . فلا يسبق العبد المؤمن إلهه في أمر أو نهي , ولا يقترح عليه في قضاء أو حكم ; ولا يتجاوز ما يأمر به وما ينهى عنه ; ولا يجعل لنفسه إرادة أو رأيا مع خالقه . . تقوى منه وخشية , وحياء منه وأدبا . . وله أدب خاص فيه خطاب رسول الله [ ص ] وتوقيرهيا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي . ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض , أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون . إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى , لهم مغفرة وأجر عظيم . إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون , ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم , والله غفور رحيم). .
وهو عالم له منهجه في التثبت من الأقوال والأفعال , والاستيثاق من مصدرها , قبل الحكم عليها . يستند هذا المنهج إلى تقوى الله , وإلى الرجوع بالأمر إلى رسول الله , في غير ما تقدم بين يديه , ولا اقتراح لم يطلبه ولم يأمر به: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة , فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ; واعلموا أن فيكم رسول الله , لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم . ولكن الله حبب إليكم الإيمان , وزينه في قلوبكم , وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان , أولئك هم الراشدون , فضلا من الله ونعمة , والله عليم حكيم). .
وهو عالم له نظمه وإجراءاته العملية في مواجهة ما يقع فيه من خلاف وفتن وقلاقل واندفاعات , تخلخل كيانه لو تركت بغير علاج . وهو يواجهها بإجراءات عملية منبثقة من قاعدة الأخوة بين المؤمنين , ومن حقيقة العدل والإصلاح , ومن تقوى الله والرجاء في رحمته ورضاه: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ; فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ; فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا , إن الله يحب المقسطين . إنما المؤمنون إخوة , فأصلحوا بين أخويكم , واتقوا الله لعلكم ترحمون). .
وهو عالم له آدابه النفسية في مشاعره تجاه بعضه البعض ; وله آدابه السلوكية في معاملاته بعضه مع بعض: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ; ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ; ولا تلمزوا أنفسكم , ولا تنابزوا بالألقاب . بئس الاسم:الفسوق بعد الإيمان . ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون). .
وهو عالم نظيف المشاعر , مكفول الحرمات , مصون الغيبة والحضرة , لا يؤخذ فيه أحد بظنة , ولا تتبع فيه العورات , ولا يتعرض أمن الناس وكرامتهم وحريتهم فيه لأدنى مساس: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم , ولا تجسسوا , ولا يغتب بعضكم بعضا . أيحب أحدكم أن يأكل لحم
من الاية 29 الى آخر السورة
تقديم لسورة الحجرات
هذه السورة التي لا تتجاوز ثماني عشرة آية , سورة جليلة ضخمة , تتضمن حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة , ومن حقائق الوجود والإنسانية . حقائق تفتح للقلب وللعقل آفاقا عالية وآمادا بعيدة ; وتثير في النفس والذهن خواطر عميقة ومعاني كبيرة ; وتشمل من مناهج التكوين والتنظيم , وقواعد التربية والتهذيب , ومبادى ء التشريع والتوجيه , ما يتجاوز حجمها وعدد آياتها مئات المرات !
وهي تبرز أمام النظر أمرين عظيمين للتدبر والتفكير .
وأول ما يبرز للنظر عند مطالعة السورة , هو أنها تكاد تستقل بوضع معالم كاملة , لعالم رفيع كريم نظيف سليم ; متضمنة القواعد والأصول والمبادئ والمناهج التي يقوم عليها هذا العالم ; والتي تكفل قيامه أولا , وصيانته أخيرا . . عالم يصدر عن الله , ويتجه إلى الله , ويليق أن ينتسب إلى الله . . عالم نقي القلب , نظيف المشاعر , عف اللسان , وقبل ذلك عف السريرة . . عالم له أدب مع الله , وأدب مع رسوله , وأدب مع نفسه , وأدب مع غيره . أدب في هواجس ضميره , وفي حركات جوارحه . وفي الوقت ذاته له شرائعه المنظمة لأوضاعه ,
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة الحجرات ايه 12 الى اخر السورة
» تفسير سورة عبس ايه رقم واحد الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة النازعات ايه رقم واحد الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الفتح ايه29---حتى ايه 5 من سورة الحجرات
» تفسير سورة الحجرات ايه 5---12
» تفسير سورة عبس ايه رقم واحد الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة النازعات ايه رقم واحد الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الفتح ايه29---حتى ايه 5 من سورة الحجرات
» تفسير سورة الحجرات ايه 5---12
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى