تفسير سورة يس ايه 47 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة يس ايه 47 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
من الاية 47 الى الاية 51
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51)
وهو رازق الجميع . وكل ما في الأرض من أرزاق ينالها العباد هي من خلقه , فلم يخلقوا هم لأنفسهم منها شيئاً , وما هم بقادرين على خلق شيء أصلاً . ولكن مشيئة الله في عمارة هذه الأرض اقتضت أن تكون للناس حاجات لا ينالونها إلا بالعمل والكد ; وفلاحة هذه الأرض ; وصناعة خاماتها ; ونقل خيراتها من مكان إلى مكان , وتداول هذه الخيرات وما يقابلها من سلعة أو نقد أو قيم تختلف باختلاف الزمان والمكان . كما اقتضت أن يتفاوت الناس في المواهب والاستعدادات وفق حاجات الخلافة الكاملة في هذه الأرض . وهذه الخلافة لا تحتاج إلى المواهب والاستعدادات المتعلقة بجمع المال والأرزاق وحدها , إنما تحتاج إلى مواهب واستعدادات أخرى قد تحقق ضرورات أساسية لخلافة الجنس الإنساني في الأرض , بينما يفوتها جمع المال والأرزاق ويعوزها !
وفي خلال هذا الخضم الواسع لحاجات الخلافة ومطالبها , والمواهب والاستعدادات اللازمة لها , وما يترتب على هذه وتلك من تداول للمنافع والأرزاق , وتصارع وتضارب في الأنصبة والحظوظ . . في خلال هذا الخضم الواسع المترابط الحلقات لا في جيل واحد , بل في أجيال متعددة قريبة وبعيدة , ماضية وحاضرة ومستقبلة . . في خلال هذا الخضم تتفاوت الأرزاق في أيدي العباد . . ولكي لا ينتهي هذا التفاوت إلى إفساد الحياة والمجتمع , بينما هو ناشىء أصلاً من حركة الحياة لتحقيق خلافة الإنسان في الأرض , يعالج الإسلام الحالات الفردية الضرورية بخروج أصحاب الثراء عن قدر من مالهم يعود على الفقراء ويكفل طعامهم وضرورياتهم . وبهذا القدر تصلح نفوس كثيرة من الفقراء والأغنياء سواء . فقد جعله الإسلام زكاة . وجعل في الزكاة معنى الطهارة . وجعلها كذلك عبادة . وألف بها بين الفقراء والأغنياء في مجتمعه الفاضل الذي ينشئه على غير مثال .
فقولة أولئك المحجوبين عن إدراك حكمة الله في الحياة: (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ?). . وتطاولهم على الداعين إلى الإنفاق بقولهم: (إن أنتم إلا في ضلال مبين). . إن هو إلا الضلال المبين الحقيقي عن إدراك طبيعة سنن الله , وإدراك حركة الحياة , وضخامة هذه الحركة , وعظمة الغاية التي تتنوع من أجلها المواهب والاستعدادات , وتتوزع بسببها الأموال والأرزاق .
والإسلام يضع النظام الذي يضمن الفرص العادلة لكل فرد , ثم يدع النشاط الإنساني المتنوع اللازم للخلافة في الأرض يجري مجراه النظيف . ثم يعالج الآثار السيئة بوسائله الواقية .
وأخيراً يجيء شكهم في الوعد , واستهزاؤهم بالوعيد:
(ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ?). .
ووعد الله لا يستقدم لاستعجال البشر ; ولا يستأخر لرجائهم في تأخيره . فكل شيء عند الله بمقدار . وكل أمر مرهون بوقته المرسوم . إنما تقع الأمور في مواعيدها وفق حكمة الله الأزلية التي تضع كل شيء في مكانه , وكل حادث في إبانه , وتمضي في تصريف هذا الكون وما فيه ومن فيه وفق النظام المقدر المرسوم في إمام مبين .
أما الرد على هذا السؤال المنكر فيجيء في مشهد من مشاهد القيامة يرون فيه كيف يكون , لا متى يكون . .
الدرس السادس:49 65 مشهدان سريعان للصعق والبعث والنعيم والعذاب
(ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون . فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون . ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون . قالوا:يا ويلنا ! من بعثنا من مرقدنا ? هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون . إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون). .
يسأل المكذبون: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين). . فيكون الجواب مشهداً خاطفاً سريعاً . . صيحة تصعق كل حي , وتنتهي بها الحياة والأحياء:
من الاية 52 الى الاية 64
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
(ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون . فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون). .
فهي تأخذهم بغتة وهم في جدالهم وخصامهم في معترك الحياة , لا يتوقعونها ولا يحسبون لها حساباً . فإذا هم منتهون . كل على حاله التي هو عليها . لا يملك أن يوصي بمن بعده . ولا يملك أن يرجع إلى أهله فيقول لهم كلمة . . وأين هم ? إنهم مثله في أماكنهم منتهون !
ثم ينفخ في الصور فإذا هم ينتفضون من القبور . ويمضون سراعاً , وهم في دهش وذعر يتساءلون: (من بعثنا من مرقدنا ?). ثم تزول عنهم الدهشة قليلاً , فيدركون ويعرفون: (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون)!
ثم إذا الصيحة الأخيرة . صيحة واحدة . فإذا هذا الشتيت الحائر المذهول المسارع في خطاه المدهوش . يثوب: (فإذا هم جميع لدينا محضرون). . وتنتظم الصفوف , ويتهيأ الاستعراض في مثل لمح البصر ورجع الصدى . وإذا القرار العلوي في طبيعة الموقف , وطبيعة الحساب والجزاء يعلن على الجميع:
(فاليوم لا تظلم نفس شيئاً ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون). .
وفي هذه السرعة الخاطفة التي تتم بها تلك المشاهد الثلاثة تناسق في الرد على أولئك الشاكين المرتابين في يوم الوعد المبين !
ثم يطوي السياق موقف الحساب مع المؤمنين , ويعجل بعرض ما صاروا إليه من نعيم:
إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون . هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون . لهم فيها فاكهة ولهم فيها ما يدعون . سلام قولاً من رب رحيم . .
إنهم مشغولون بما هم فيه من النعيم , ملتذون متفكهون . وإنهم لفي ظلال مستطابة يستروحون نسيمها . . وعلى أرائك متكئين في راحة ونعيم هم وأزواجهم . لهم فيها فاكهة ولهم كل ما يشاءون ; وهم ملاك محقق لهم فيها كل ما يدعون . ولهم فوق اللذائذ التأهيل والتكريمسلام). . يتلقونه من ربهم الكريم: (قولاً من رب رحيم). .
فأما الآخرون فلا يطوي السياق موقف حسابهم , بل يعرضه ويبرز فيه التبكيت والتنكيل:
وامتازوا اليوم أيها المجرمون . ألم أعهد إليكم - يا بني آ دم - ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين . وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم . ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً . أفلم تكونوا تعقلون ? هذه جهنم التي كنتم توعدون . اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون . .
إنهم يتلقون التحقير والترذيلوامتازوا اليوم أيها المجرمون). . انعزلوا هكذا بعيداً عن المؤمنين !
ألم أعهد إليكم - يا بني آدم - ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ? . .
ونداؤهم هنا (يا بني آدم). . فيه من التبكيت ما فيه . وقد أخرج الشيطان أباهم من الجنة ثم هم يعبدونه , وهو لهم عدو مبين .
(وأن اعبدوني). . (هذا صراط مستقيم). .
واصل إليّ مؤد إلى رضاي .
فلم تحذروا عدوكم الذي أضل منكم أجيالاً كثيرة . . (أفلم تكونوا تعقلون ?).
وفي نهاية هذا الموقف العصيب المهين يعلن الجزاء الأليم , في تهكم وتأنيب:
(هذه جهنم التي كنتم توعدون . اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون)!
من الاية 65 الى الاية 68
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
ولا يقف المشهد عند هذا الموقف المؤذي ويطويه . بل يستطرد العرض فإذا مشهد جديد عجيب:
(اليوم نختم على أفواههم , وتكلمنا أيديهم , وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون). .
وهكذا يخذل بعضهم بعضاً , وتشهد عليهم جوارحهم , وتتفكك شخصيتهم مزقاً وآحاداً يكذب بعضها بعضاً . وتعود كل جارحة إلى ربها مفردة , ويثوب كل عضو إلى بارئه مستسلماً .
إنه مشهد عجيب رهيب تذهل من تصوره القلوب !
الدرس السابع 66 - 67 مشاهد ساخرة للكفار يوم القيامة
كذلك انتهى المشهد وألسنتهم معقودة وأيديهم تتكلم , وأرجلهم تشهد , على غير ما كانوا يعهدون من أمرهم وعلى غير ما كانوا ينتظرون . ولو شاء الله لفعل بهم غير ذلك , ولأجرى عليهم من البلاء ما يريد . . ويعرض هنا نوعين من هذا البلاء لو شاء الله لأخذ بهما من يشاء:
(ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط , فأنى يبصرون ; ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضياً ولا يرجعون). .
وهما مشهدان فيهما من البلاء قدر ما فيهما من السخرية والاستهزاء . السخرية بالمكذبين والاستهزاء بالمستهزئين , الذين كانوا يقولون: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ?). .
فهم في المشهد الأول عميان مطموسون . ثم هم مع هذا العمى يستبقون الصراط ويتزاحمون على العبور , ويتخبطون تخبط العميان حين يتسابقون ! ويتساقطون تساقط العميان حين يسارعون متنافسين ! (فأنى يبصرون)
وهم في المشهد الثاني قد جمدوا فجأة في مكانهم , واستحالوا تماثيل لا تمضي ولا تعود ; بعد أن كانوا منذ لحظة عمياناً يستبقون ويضطربون !
وإنهم ليبدون في المشهدين كالدمى واللعب , في حال تثير السخرية والهزء . وقد كانوا من قبل يستخفون بالوعيد ويستهزئون !
الدرس الثامن:68 شيخوخة منكسة للكفار
ذلك كله حين يحين الموعد الذي يستعجلون . . فأما لو تركوا في الأرض , وعمروا طويلاً وأمهلهم الوعد المرسوم بعض حين ; فإنهم صائرون إلى شر يحمدون معه التعجيل . . إنهم صائرون إلى شيخوخة وهرم , ثم إلى خرف ونكسة في الشعور والتفكير:
(ومن نعمره ننكسه في الخلق . أفلا يعقلون). .
والشيخوخة نكسة إلى الطفولة . بغير ملاحة الطفولة وبراءتها المحبوبة ! وما يزال الشيخ يتراجع , وينسى ما علم , وتضعف أعصابه , ويضعف فكره , ويضعف احتماله , حتى يرتد طفلاً . ولكن الطفل محبوب اللثغة , تبسم له القلوب والوجوه عند كل حماقة . والشيخ مجتوى لا تقال له عثرة إلا من عطف ورحمة , وهو مثار السخرية كلما بدت عليه مخايل الطفولة وهو عجوز . وكلما استحمق وقد قوست ظهره السنون !
فهذه العاقبة كتلك تنتظر المكذبين , الذين لا يكرمهم الله بالإيمان الراشد الكريم . .
من الاية 69 الى الاية 76
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ (75) فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)
الوحدة الثالثة:69 - 83 الموضوع:مظاهر قدرة الله في خلق المخلوقات وتدبير أمورها الدرس الأول:69 - 70 نفي الشعر عن القرآن وإثبات الوحي
في هذا القطاع الأخير من السورة تستعرض كل القضايا التي تعالجها السورة . . قضية الوحي وطبيعته وقضية الألوهية والوحدانية . وقضية البعث والنشور . . تستعرض في مقاطع مفصلة . مصحوبة بمؤثرات قوية في إيقاعات عميقة . كلها تتجه إلى إبراز يد القدرة وهي تعمل كل شيء في هذا الكون وتمسك بمقاليد الأمور كلها . ويتمثل هذا المعنى مركزاً في النهاية في الآية التي تختم السورةفسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون). . فهذه اليد القوية المبتدعة خلقت الأنعام للبشر وذللتها لهم . وهي خلقت الإنسان من نطفة . وهي تحيي رميم العظام كما أنشأتها أول مرة . وهي جعلت من الشجر الأخضر ناراً . وهي أبدعت السماوات والأرض . وفي النهاية هي مالكة كل شيء في هذا الوجود . . وذلك قوام هذا المقطع الأخير . .
(وما علمناه الشعر - وما ينبغي له - إن هو إلا ذكر وقرآن مبين . لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين). .
وردت قضية الوحي في أول السورةيس والقرآن الحكيم . إنك لمن المرسلين . على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم . لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون . . .). . والآن تجيء في صورتها هذه للرد على ما كان يدعيه بعضهم من وصف النبي [ ص ] بأنه شاعر ; ووصف القرآن الذي جاء به بأنه شعر .وما كان يخفى على كبراء قريش أن الأمر ليس كذلك . وأن ما جاءهم به محمد [ ص ] قول غير معهود في لغتهم . وما كانوا من الغفلة بحيث لا يفرقون بين القرآن والشعر . إنما كان هذا طرفاً من حرب الدعاية التي شنوها على الدين الجديد وصاحبه [ ص ] في أوساط الجماهير . معتمدين فيها على جمال النسق القرآني المؤثر , الذي قد يجعل الجماهير تخلط بينه وبين الشعر إذا وجهت هذا التوجيه .
وهنا ينفي الله - سبحانه - أنه علم الرسول الشعر . وإذا كان الله لم يعلمه فلن يعلم . فما يعلم أحد شيئاً إلا ما يعلمه الله . .
ثم ينفي لياقة الشعر بالرسول [ ص ]: وما ينبغي له فللشعر منهج غير منهج النبوة . الشعر انفعال . وتعبير عن هذا الانفعال . والانفعال يتقلب من حال إلى حال . والنبوة وحي . على منهج ثابت . على صراط مستقيم . يتبع ناموس الله الثابت الذي يحكم الوجود كله . ولا يتبدل ولا يتقلب مع الأهواء الطارئة , تقلب الشعر مع الانفعالات المتجددة التي لا تثبت على حال .
والنبوة اتصال دائم بالله , وتلق مباشر عن وحي الله , ومحاولة دائمة لرد الحياة إلى الله . بينما الشعر - في أعلى صوره - أشواق إنسانية إلى الجمال والكمال مشوبة بقصور الإنسان وتصوراته المحدودة بحدود مداركه واستعداداته . فأما حين يهبط عن صوره العالية فهو انفعالات ونزوات قد تهبط حتى تكون صراخ جسد , وفورة لحم ودم ! فطبيعة النبوة وطبيعة الشعر مختلفتان من الأساس . هذه - في أعلى صورها - أشواق تصعد من الأرض . وتلك في صميمها هداية تتنزل من السماء . .
(إن هو إلا ذكر وقرآن مبين). .
ذكر وقرآن . . وهما صفتان لشيء واحد . ذكر بحسب وظيفته . وقرآن بحسب تلاوته . فهو ذكر لله يشتغل به القلب , وهو قرآن يتلى ويشتغل به اللسان . وهو منزل ليؤدي وظيفة محددة:
(لينذر من كان حياً , ويحق القول على الكافرين). .
ويضع التعبير القرآني الكفر في مقابل الحياة . فيجعل الكفر موتاً , ويجعل استعداد القلب للإيمان حياة . ويبين وظيفة هذا القرآن بأنه نزل على الرسول [ ص ] لينذر من به حياة . فيجدي فيهم الإنذار , فأما الكافرون فهم موتى لا يسمعون النذير ; وظيفة القرآن بالقياس إليهم هي تسجيل الاستحقاق للعذاب , فإن الله لا يعذب أحداً حتى تبلغه الرسالة ثم يكفر عن بينة ويهلك بلا حجة ولا معذرة !
وهكذا يعلم الناس أنهم إزاء هذا القرآن فريقان:فريق يستجيب فهو حي . وفريق لا يستجيب فهو ميت ويعلم هذا الفريق أن قد حق عليه القول , وحق عليه العذاب !
الدرس الثاني:71 - 76 مظاهر القدرة الربانية في الأنعام ودلالتها على الوحدانية
والمقطع الثاني في هذا القطاع يعرض قضية الألوهية والوحدانية , في إطار من مشاهدات القوم , ومن نعم البارىء عليهم , وهم لا يشكرون:
(أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون ? وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون . ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون ? واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون . لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون . فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون). .
أو لم يروا ? فآية الله هنا مشهودة منظورة بين أيديهم , ليست غائبة ولا بعيدة , ولا غامضة تحتاج إلى تدبرأو تفكير . . إنها هذه الأنعام التي خلقها الله لهم وملكهم إياها . وذللها لهم يركبونها ويأكلون منها ويشربون ألبانها , وينتفعون بها منافع شتى . . وكل ذلك من قدرة الله وتدبيره ; ومن إيداعه ما أودع من الخصائص في الناس وفي الأنعام , فجعلهم قادرين على تذليلها واستخدامها والانتفاع بها . وجعلها مذللة نافعة ملبية لشتى حاجات الإنسان . وما يملك الناس أن يصنعوا من ذلك كله شيئاً . وما يملكون أن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له . وما يملكون أن يذللوا ذبابة لم يركب الله في خصائصها أن تكون ذلولاً لهم ! . . (أفلا يشكرون ?). .
وحين ينظر الإنسان إلى الأمر بهذه العين وفي هذا الضوء الذي يشيعه القرآن الكريم . فإنه يحس لتوه أنه مغمور بفيض من نعم الله . فيض يتمثل في كل شيء حوله . وتصبح كل مرة يركب فيها دابة , أو يأكل قطعة من لحم , أو يشرب جرعة من لبن , أو يتناول قطعة من سمن أو جبن . أو يلبس ثوباً من شعر أو صوف أو وبر . . . إلى آخره إلى آخره . . لمسة وجدانية تشعر قلبه بوجود الخالق ورحمته ونعمته . ويطرد هذا في كل ما تمس يده من أشياء حوله , وكل ما يستخدمه من حي أو جامد في هذا الكون الكبير . وتعود حياته كلها تسبيحاً لله وحمداً وعبادة آناء الليل وأطراف النهار . .
ولكن الناس لا يشكرون . وفيهم من اتخذ مع هذا كله آلهة من دون اللهواتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون . لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون):وفي الماضي كانت الآلهة أصناماً وأوثاناً , أو شجراً أو نجوماً , أو ملائكة أو جناً . . والوثنية ما تزال حتى اليوم في بعض بقاع الأرض . ولكن الذين لا يعبدون هذه الآلهة لم يخلصوا للتوحيد . وقد يتمثل شركهم اليوم في الإيمان بقوى زائفة غير قوة الله ; وفي اعتمادهم على أسناد أخرى غير الله . والشرك ألوان , تختلف باختلاف الزمان والمكان .
ولقد كانوا يتخذون تلك الآلهة يبتغون أن ينالوا بها النصر . بينما كانوا هم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة أن يعتدي عليها معتد أو يصيبها بسوء , فكانوا هم جنودها وحماتها المعدين لنصرتها: (وهم لهم جند محضرون). . وكان هذا غاية في سخف التصور والتفكير . غير أن غالبية الناس اليوم لم ترتق عن هذا السخف إلا من حيث الشكل . فالذين يؤلهون الطغاة والجبارين اليوم , لا يبعدون كثيراً عن عباد تلك الأصنام والأوثان . فهم جند محضرون للطغاة . وهم الذين يدفعون عنهم ويحمون طغيانهم . ثم هم في الوقت ذاته يخرون للطغيان راكعين !
إن الوثنية هي الوثنية في شتى صورها . وحيثما اضطربت عقيدة التوحيد الخالص أي اضطراب جاءت الوثنية , وكان الشرك , وكانت الجاهلية ! ولا عصمة للبشرية إلا بالتوحيد الخالص الذي يفرد الله وحده بالألوهية . ويفرده وحده بالعبادة . ويفرده وحده بالتوجه والاعتماد . ويفرده وحده بالطاعة والتعظيم .
(فلا يحزنك قولهم . إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون).
الخطاب للرسول [ ص ] وهو يواجه أولئك الذين اتخذوا من دون الله آلهة . والذين لا يشكرون ولا يذكرون . ليطمئن بالاً من ناحيتهم . فهم مكشوفون لعلم الله . وكل ما يدبرونه وما يملكونه تحت عينه . فلا على الرسول منهم . وأمرهم مكشوف للقدرة القادرة . والله من ورائهم محيط . .
ولقد هان أمرهم بهذا . وما عاد لهم من خطر يحسه مؤمن يعتمد على الله . وهو يعلم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون . وأنهم في قبضته وتحت عينه وهم لا يشعرون !
الدرس الثالث:77 - 82 أدلة على البعث من حياة الإنسان والنبات
والمقطع الثالث في هذا القطاع الأخير يتناول قضية البعث والنشور:
(أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين . وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه . قال:من يحيي
من الاية 77 الى الاية 80
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80)
العظام وهي رميم ? قل:يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم . الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون . أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ? بلى وهو الخلاق العليم . إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له:كن . فيكون). .
ويبدأ هذا المقطع بمواجهة الإنسان بواقعه هو ذاته في خاصة نفسه . وهذا الواقع يصور نشأته وصيرورته مما يراه واقعا في حياته , ويشهده بعينه وحسه مكرراً معاداً . ثم لا ينتبه إلى دلالته , ولا يتخذ منه مصداقاً لوعد الله ببعثه ونشوره بعد موته ودثوره . .
(أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين). .
فما النطفة التي لا يشك الإنسان في أنها أصله القريب ? إنها نقطة من ماء مهين , لا قوام ولا قيمة ! نقطة من ماء تحوي ألوف الخلايا . . خلية واحدة من هذه الألوف هي التي تصير جنينا . ثم تصير هذا الإنسان الذي يجادل ربه ويخاصمه ويطلب منه البرهان والدليل !
والقدرة الخالقة هي التي تجعل من هذه النطفة ذلك الخصيم المبين . وما أبعد النقلة بين المنشأ والمصير ! أفهذه القدرة يستعظم الإنسان عليها أن تعيده وتنشره بعد البلى والدثور ?
(وضرب لنا مثلاً - ونسي خلقه - قال:من يحيي العظام وهي رميم . قل:يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم). .
يا للبساطة ! ويا لمنطق الفطرة ! ومنطق الواقع القريب المنظور !
وهل تزيد النطفة حيوية أو قدرة أو قيمة على العظم الرميم المفتوت ? أو ليس من تلك النطفة كان الإنسان ? أو ليست هذه هي النشأة الأولى ? أو ليس الذي حول تلك النطفة إنساناً , وجعله خصيماً مبيناً بقادر على أن يحول العظم الرميم مخلوقاً حياً جديداً ?
إن الأمر أيسر وأظهر من أن يدور حوله سؤال . فما بال الجدل الطويل ?!
(قل:يحييها الذي أنشأها أول مرة . وهو بكل خلق عليم). .
ثم يزيدهم إيضاحاً لطبيعة القدرة الخالقة , وصنعها فيما بين أيديهم وتحت أعينهم مما يملكون:
(الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون). .
والمشاهدة الأولية الساذجة تقنع بصدق هذه العجيبة ! العجيبة التي يمرون عليها غافلين . عجيبة أن هذا الشجر الأخضر الريان بالماء , يحتك بعضه ببعض فيولد ناراً ; ثم يصير هو وقود النار . بعد اللدونة والاخضرار . . والمعرفة العلمية العميقة لطبيعة الحرارة التي يختزنها الشجر الأخضر من الطاقة الشمسية التي يمتصها , ويحتفظ بها وهو ريان بالماء ناضر بالخضرة ; والتي تولد النار عند الاحتكاك , كما تولد النار عند الاحتراق . . هذه المعرفة العلمية تزيد العجيبة بروزاً في الحس ووضوحاً . والخالق هو الذي أودع الشجر خصائصه هذه . والذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى . غير أننا لا نرى الأشياء بهذه العين المفتوحة ولا نتدبرها بذلك الحس الواعي .
فلا تكشف لنا عن أسرارها المعجبة . ولا تدلنا على مبدع الوجود . ولو فتحنا لها قلوبنا لباحت لنا بأسرارها , ولعشنا معها في عبادة دائمة وتسبيح !
ثم يستطرد في عرض دلائل القدرة وتبسيط قضية الخلق والإعادة للبشر أجمعين:
(أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ? بلى وهو الخلاق العليم). .
من الاية 81 الى آخر السورة
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
والسماوات والأرض خلق عجيب هائل دقيق . . هذه الأرض التي نعيش عليها ويشاركنا ملايين الأجناس والأنواع , ثم لا نبلغ نحن شيئاً من حجمها , ولا شيئاً من حقيقتها , ولا نعلم عنها حتى اليوم إلا القليل . . هذه الأرض كلها تابع صغير من توابع الشمس التي تعيش أرضنا الصغيرة على ضوئها وحرارتها . . وهذه الشمس واحدة من مائة مليون في المجرة الواحدة التي تتبعها شمسنا , والتي تؤلف دنيانا القريبة ! وفي الكون مجرات أخرى كثيرة . أو دنييات كدنيانا القريبة . عد الفلكيون حتى اليوم منها مائة مليون مجرة بمناظيرهم المحدودة . وهم في انتظار المزيد كلما أمكن تكبير المناظير والمراصد . وبين مجرتنا أو دنيانا والمجرة التالية لها نحو خمسين وسبع مائة ألف سنة ضوئية [ السنة الضوئية تقدر بستة وعشرين مليون مليون من الأميال ! ] . . وهناك كتل ضخمة من السدم التي يظن أنه من نثارها كانت تلك الشموس . وهذا هو الجزء الذي يدخل في دائرة معارفنا الصغيرة المحدودة !
تلك الشموس التي لا يحصيها العد . لكل منها فلك تجري فيه . ولمعظمها توابع ذات مدارات حولها كمدار الأرض حول الشمس . . وكلها تجري وتدور في دقة وفي دأب . لا تتوقف لحظة ولا تضطرب . وإلا تحطم الكون المنظور واصطدمت هذه الكتل الهائلة السابحة في الفضاء الوسيع . .
هذا الفضاء الذي تسبح فيه تلك الملايين التي لا يحصيها العد , كأنها ذرات صغيرة . لا نحاول تصويره ولا تصوره . . فذلك شيء يدير الرؤوس !
(أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ?). .
وأين الناس من ذلك الخلق الهائل العجيب ?
(بلى ! وهو الخلاق العليم). .
ولكن الله - سبحانه - يخلق هذا وذلك ويخلق غيرهما بلا كلفة ولا جهد . ولا يختلف بالقياس إليه خلق الكبير وخلق الصغير:
(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له:كن . فيكون). .
يكون هذا الشيء سماء أو أرضا . ويكون بعوضة أو نملة . هذا وذلك سواء أمام الكلمة . . كن . . فيكون !
ليس هناك صعب ولا سهل . وليس هنالك قريب ولا بعيد . . فتوجه الإرادة لخلق الشيء كاف وحده لوجوده كائنا ما يكون . إنما يقرب الله للبشر الأمور ليدركوها بمقياسهم البشري المحدود .
الدرس الرابع:83 تسبيح الله المالك للملك
وعند هذا المقطع يجيء الإيقاع الأخير في السورة . الإيقاع المصور لحقيقة العلاقة بين الوجود وخالق الوجود:
(فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء . وإليه ترجعون). .
ولفظة ملكوت بصياغتها هذه تضخم وتعظم حقيقة هذه العلاقة . علاقة الملكية المطلقة لكل شيء في الوجود . والسيطرة القابضة على كل شيء من هذا المملوك .
ثم إن إليه وحده المرجع والمصير . .
إنه الإيقاع الختامي المناسب لهذه الجولة الهائلة , وللسورة كلها , ولموضوعاتها المتعلقة بهذه الحقيقة الكبيرة , التي يندرج فيها كل تفصيل . .
سورة الصافات
الوحدة الأولى:1 - 68 الموضوع إثبات الوحدانية ومشاهد من البعث
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51)
وهو رازق الجميع . وكل ما في الأرض من أرزاق ينالها العباد هي من خلقه , فلم يخلقوا هم لأنفسهم منها شيئاً , وما هم بقادرين على خلق شيء أصلاً . ولكن مشيئة الله في عمارة هذه الأرض اقتضت أن تكون للناس حاجات لا ينالونها إلا بالعمل والكد ; وفلاحة هذه الأرض ; وصناعة خاماتها ; ونقل خيراتها من مكان إلى مكان , وتداول هذه الخيرات وما يقابلها من سلعة أو نقد أو قيم تختلف باختلاف الزمان والمكان . كما اقتضت أن يتفاوت الناس في المواهب والاستعدادات وفق حاجات الخلافة الكاملة في هذه الأرض . وهذه الخلافة لا تحتاج إلى المواهب والاستعدادات المتعلقة بجمع المال والأرزاق وحدها , إنما تحتاج إلى مواهب واستعدادات أخرى قد تحقق ضرورات أساسية لخلافة الجنس الإنساني في الأرض , بينما يفوتها جمع المال والأرزاق ويعوزها !
وفي خلال هذا الخضم الواسع لحاجات الخلافة ومطالبها , والمواهب والاستعدادات اللازمة لها , وما يترتب على هذه وتلك من تداول للمنافع والأرزاق , وتصارع وتضارب في الأنصبة والحظوظ . . في خلال هذا الخضم الواسع المترابط الحلقات لا في جيل واحد , بل في أجيال متعددة قريبة وبعيدة , ماضية وحاضرة ومستقبلة . . في خلال هذا الخضم تتفاوت الأرزاق في أيدي العباد . . ولكي لا ينتهي هذا التفاوت إلى إفساد الحياة والمجتمع , بينما هو ناشىء أصلاً من حركة الحياة لتحقيق خلافة الإنسان في الأرض , يعالج الإسلام الحالات الفردية الضرورية بخروج أصحاب الثراء عن قدر من مالهم يعود على الفقراء ويكفل طعامهم وضرورياتهم . وبهذا القدر تصلح نفوس كثيرة من الفقراء والأغنياء سواء . فقد جعله الإسلام زكاة . وجعل في الزكاة معنى الطهارة . وجعلها كذلك عبادة . وألف بها بين الفقراء والأغنياء في مجتمعه الفاضل الذي ينشئه على غير مثال .
فقولة أولئك المحجوبين عن إدراك حكمة الله في الحياة: (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ?). . وتطاولهم على الداعين إلى الإنفاق بقولهم: (إن أنتم إلا في ضلال مبين). . إن هو إلا الضلال المبين الحقيقي عن إدراك طبيعة سنن الله , وإدراك حركة الحياة , وضخامة هذه الحركة , وعظمة الغاية التي تتنوع من أجلها المواهب والاستعدادات , وتتوزع بسببها الأموال والأرزاق .
والإسلام يضع النظام الذي يضمن الفرص العادلة لكل فرد , ثم يدع النشاط الإنساني المتنوع اللازم للخلافة في الأرض يجري مجراه النظيف . ثم يعالج الآثار السيئة بوسائله الواقية .
وأخيراً يجيء شكهم في الوعد , واستهزاؤهم بالوعيد:
(ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ?). .
ووعد الله لا يستقدم لاستعجال البشر ; ولا يستأخر لرجائهم في تأخيره . فكل شيء عند الله بمقدار . وكل أمر مرهون بوقته المرسوم . إنما تقع الأمور في مواعيدها وفق حكمة الله الأزلية التي تضع كل شيء في مكانه , وكل حادث في إبانه , وتمضي في تصريف هذا الكون وما فيه ومن فيه وفق النظام المقدر المرسوم في إمام مبين .
أما الرد على هذا السؤال المنكر فيجيء في مشهد من مشاهد القيامة يرون فيه كيف يكون , لا متى يكون . .
الدرس السادس:49 65 مشهدان سريعان للصعق والبعث والنعيم والعذاب
(ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون . فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون . ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون . قالوا:يا ويلنا ! من بعثنا من مرقدنا ? هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون . إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون). .
يسأل المكذبون: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين). . فيكون الجواب مشهداً خاطفاً سريعاً . . صيحة تصعق كل حي , وتنتهي بها الحياة والأحياء:
من الاية 52 الى الاية 64
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
(ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون . فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون). .
فهي تأخذهم بغتة وهم في جدالهم وخصامهم في معترك الحياة , لا يتوقعونها ولا يحسبون لها حساباً . فإذا هم منتهون . كل على حاله التي هو عليها . لا يملك أن يوصي بمن بعده . ولا يملك أن يرجع إلى أهله فيقول لهم كلمة . . وأين هم ? إنهم مثله في أماكنهم منتهون !
ثم ينفخ في الصور فإذا هم ينتفضون من القبور . ويمضون سراعاً , وهم في دهش وذعر يتساءلون: (من بعثنا من مرقدنا ?). ثم تزول عنهم الدهشة قليلاً , فيدركون ويعرفون: (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون)!
ثم إذا الصيحة الأخيرة . صيحة واحدة . فإذا هذا الشتيت الحائر المذهول المسارع في خطاه المدهوش . يثوب: (فإذا هم جميع لدينا محضرون). . وتنتظم الصفوف , ويتهيأ الاستعراض في مثل لمح البصر ورجع الصدى . وإذا القرار العلوي في طبيعة الموقف , وطبيعة الحساب والجزاء يعلن على الجميع:
(فاليوم لا تظلم نفس شيئاً ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون). .
وفي هذه السرعة الخاطفة التي تتم بها تلك المشاهد الثلاثة تناسق في الرد على أولئك الشاكين المرتابين في يوم الوعد المبين !
ثم يطوي السياق موقف الحساب مع المؤمنين , ويعجل بعرض ما صاروا إليه من نعيم:
إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون . هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون . لهم فيها فاكهة ولهم فيها ما يدعون . سلام قولاً من رب رحيم . .
إنهم مشغولون بما هم فيه من النعيم , ملتذون متفكهون . وإنهم لفي ظلال مستطابة يستروحون نسيمها . . وعلى أرائك متكئين في راحة ونعيم هم وأزواجهم . لهم فيها فاكهة ولهم كل ما يشاءون ; وهم ملاك محقق لهم فيها كل ما يدعون . ولهم فوق اللذائذ التأهيل والتكريمسلام). . يتلقونه من ربهم الكريم: (قولاً من رب رحيم). .
فأما الآخرون فلا يطوي السياق موقف حسابهم , بل يعرضه ويبرز فيه التبكيت والتنكيل:
وامتازوا اليوم أيها المجرمون . ألم أعهد إليكم - يا بني آ دم - ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين . وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم . ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً . أفلم تكونوا تعقلون ? هذه جهنم التي كنتم توعدون . اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون . .
إنهم يتلقون التحقير والترذيلوامتازوا اليوم أيها المجرمون). . انعزلوا هكذا بعيداً عن المؤمنين !
ألم أعهد إليكم - يا بني آدم - ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ? . .
ونداؤهم هنا (يا بني آدم). . فيه من التبكيت ما فيه . وقد أخرج الشيطان أباهم من الجنة ثم هم يعبدونه , وهو لهم عدو مبين .
(وأن اعبدوني). . (هذا صراط مستقيم). .
واصل إليّ مؤد إلى رضاي .
فلم تحذروا عدوكم الذي أضل منكم أجيالاً كثيرة . . (أفلم تكونوا تعقلون ?).
وفي نهاية هذا الموقف العصيب المهين يعلن الجزاء الأليم , في تهكم وتأنيب:
(هذه جهنم التي كنتم توعدون . اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون)!
من الاية 65 الى الاية 68
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
ولا يقف المشهد عند هذا الموقف المؤذي ويطويه . بل يستطرد العرض فإذا مشهد جديد عجيب:
(اليوم نختم على أفواههم , وتكلمنا أيديهم , وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون). .
وهكذا يخذل بعضهم بعضاً , وتشهد عليهم جوارحهم , وتتفكك شخصيتهم مزقاً وآحاداً يكذب بعضها بعضاً . وتعود كل جارحة إلى ربها مفردة , ويثوب كل عضو إلى بارئه مستسلماً .
إنه مشهد عجيب رهيب تذهل من تصوره القلوب !
الدرس السابع 66 - 67 مشاهد ساخرة للكفار يوم القيامة
كذلك انتهى المشهد وألسنتهم معقودة وأيديهم تتكلم , وأرجلهم تشهد , على غير ما كانوا يعهدون من أمرهم وعلى غير ما كانوا ينتظرون . ولو شاء الله لفعل بهم غير ذلك , ولأجرى عليهم من البلاء ما يريد . . ويعرض هنا نوعين من هذا البلاء لو شاء الله لأخذ بهما من يشاء:
(ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط , فأنى يبصرون ; ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضياً ولا يرجعون). .
وهما مشهدان فيهما من البلاء قدر ما فيهما من السخرية والاستهزاء . السخرية بالمكذبين والاستهزاء بالمستهزئين , الذين كانوا يقولون: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ?). .
فهم في المشهد الأول عميان مطموسون . ثم هم مع هذا العمى يستبقون الصراط ويتزاحمون على العبور , ويتخبطون تخبط العميان حين يتسابقون ! ويتساقطون تساقط العميان حين يسارعون متنافسين ! (فأنى يبصرون)
وهم في المشهد الثاني قد جمدوا فجأة في مكانهم , واستحالوا تماثيل لا تمضي ولا تعود ; بعد أن كانوا منذ لحظة عمياناً يستبقون ويضطربون !
وإنهم ليبدون في المشهدين كالدمى واللعب , في حال تثير السخرية والهزء . وقد كانوا من قبل يستخفون بالوعيد ويستهزئون !
الدرس الثامن:68 شيخوخة منكسة للكفار
ذلك كله حين يحين الموعد الذي يستعجلون . . فأما لو تركوا في الأرض , وعمروا طويلاً وأمهلهم الوعد المرسوم بعض حين ; فإنهم صائرون إلى شر يحمدون معه التعجيل . . إنهم صائرون إلى شيخوخة وهرم , ثم إلى خرف ونكسة في الشعور والتفكير:
(ومن نعمره ننكسه في الخلق . أفلا يعقلون). .
والشيخوخة نكسة إلى الطفولة . بغير ملاحة الطفولة وبراءتها المحبوبة ! وما يزال الشيخ يتراجع , وينسى ما علم , وتضعف أعصابه , ويضعف فكره , ويضعف احتماله , حتى يرتد طفلاً . ولكن الطفل محبوب اللثغة , تبسم له القلوب والوجوه عند كل حماقة . والشيخ مجتوى لا تقال له عثرة إلا من عطف ورحمة , وهو مثار السخرية كلما بدت عليه مخايل الطفولة وهو عجوز . وكلما استحمق وقد قوست ظهره السنون !
فهذه العاقبة كتلك تنتظر المكذبين , الذين لا يكرمهم الله بالإيمان الراشد الكريم . .
من الاية 69 الى الاية 76
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ (75) فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)
الوحدة الثالثة:69 - 83 الموضوع:مظاهر قدرة الله في خلق المخلوقات وتدبير أمورها الدرس الأول:69 - 70 نفي الشعر عن القرآن وإثبات الوحي
في هذا القطاع الأخير من السورة تستعرض كل القضايا التي تعالجها السورة . . قضية الوحي وطبيعته وقضية الألوهية والوحدانية . وقضية البعث والنشور . . تستعرض في مقاطع مفصلة . مصحوبة بمؤثرات قوية في إيقاعات عميقة . كلها تتجه إلى إبراز يد القدرة وهي تعمل كل شيء في هذا الكون وتمسك بمقاليد الأمور كلها . ويتمثل هذا المعنى مركزاً في النهاية في الآية التي تختم السورةفسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون). . فهذه اليد القوية المبتدعة خلقت الأنعام للبشر وذللتها لهم . وهي خلقت الإنسان من نطفة . وهي تحيي رميم العظام كما أنشأتها أول مرة . وهي جعلت من الشجر الأخضر ناراً . وهي أبدعت السماوات والأرض . وفي النهاية هي مالكة كل شيء في هذا الوجود . . وذلك قوام هذا المقطع الأخير . .
(وما علمناه الشعر - وما ينبغي له - إن هو إلا ذكر وقرآن مبين . لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين). .
وردت قضية الوحي في أول السورةيس والقرآن الحكيم . إنك لمن المرسلين . على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم . لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون . . .). . والآن تجيء في صورتها هذه للرد على ما كان يدعيه بعضهم من وصف النبي [ ص ] بأنه شاعر ; ووصف القرآن الذي جاء به بأنه شعر .وما كان يخفى على كبراء قريش أن الأمر ليس كذلك . وأن ما جاءهم به محمد [ ص ] قول غير معهود في لغتهم . وما كانوا من الغفلة بحيث لا يفرقون بين القرآن والشعر . إنما كان هذا طرفاً من حرب الدعاية التي شنوها على الدين الجديد وصاحبه [ ص ] في أوساط الجماهير . معتمدين فيها على جمال النسق القرآني المؤثر , الذي قد يجعل الجماهير تخلط بينه وبين الشعر إذا وجهت هذا التوجيه .
وهنا ينفي الله - سبحانه - أنه علم الرسول الشعر . وإذا كان الله لم يعلمه فلن يعلم . فما يعلم أحد شيئاً إلا ما يعلمه الله . .
ثم ينفي لياقة الشعر بالرسول [ ص ]: وما ينبغي له فللشعر منهج غير منهج النبوة . الشعر انفعال . وتعبير عن هذا الانفعال . والانفعال يتقلب من حال إلى حال . والنبوة وحي . على منهج ثابت . على صراط مستقيم . يتبع ناموس الله الثابت الذي يحكم الوجود كله . ولا يتبدل ولا يتقلب مع الأهواء الطارئة , تقلب الشعر مع الانفعالات المتجددة التي لا تثبت على حال .
والنبوة اتصال دائم بالله , وتلق مباشر عن وحي الله , ومحاولة دائمة لرد الحياة إلى الله . بينما الشعر - في أعلى صوره - أشواق إنسانية إلى الجمال والكمال مشوبة بقصور الإنسان وتصوراته المحدودة بحدود مداركه واستعداداته . فأما حين يهبط عن صوره العالية فهو انفعالات ونزوات قد تهبط حتى تكون صراخ جسد , وفورة لحم ودم ! فطبيعة النبوة وطبيعة الشعر مختلفتان من الأساس . هذه - في أعلى صورها - أشواق تصعد من الأرض . وتلك في صميمها هداية تتنزل من السماء . .
(إن هو إلا ذكر وقرآن مبين). .
ذكر وقرآن . . وهما صفتان لشيء واحد . ذكر بحسب وظيفته . وقرآن بحسب تلاوته . فهو ذكر لله يشتغل به القلب , وهو قرآن يتلى ويشتغل به اللسان . وهو منزل ليؤدي وظيفة محددة:
(لينذر من كان حياً , ويحق القول على الكافرين). .
ويضع التعبير القرآني الكفر في مقابل الحياة . فيجعل الكفر موتاً , ويجعل استعداد القلب للإيمان حياة . ويبين وظيفة هذا القرآن بأنه نزل على الرسول [ ص ] لينذر من به حياة . فيجدي فيهم الإنذار , فأما الكافرون فهم موتى لا يسمعون النذير ; وظيفة القرآن بالقياس إليهم هي تسجيل الاستحقاق للعذاب , فإن الله لا يعذب أحداً حتى تبلغه الرسالة ثم يكفر عن بينة ويهلك بلا حجة ولا معذرة !
وهكذا يعلم الناس أنهم إزاء هذا القرآن فريقان:فريق يستجيب فهو حي . وفريق لا يستجيب فهو ميت ويعلم هذا الفريق أن قد حق عليه القول , وحق عليه العذاب !
الدرس الثاني:71 - 76 مظاهر القدرة الربانية في الأنعام ودلالتها على الوحدانية
والمقطع الثاني في هذا القطاع يعرض قضية الألوهية والوحدانية , في إطار من مشاهدات القوم , ومن نعم البارىء عليهم , وهم لا يشكرون:
(أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون ? وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون . ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون ? واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون . لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون . فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون). .
أو لم يروا ? فآية الله هنا مشهودة منظورة بين أيديهم , ليست غائبة ولا بعيدة , ولا غامضة تحتاج إلى تدبرأو تفكير . . إنها هذه الأنعام التي خلقها الله لهم وملكهم إياها . وذللها لهم يركبونها ويأكلون منها ويشربون ألبانها , وينتفعون بها منافع شتى . . وكل ذلك من قدرة الله وتدبيره ; ومن إيداعه ما أودع من الخصائص في الناس وفي الأنعام , فجعلهم قادرين على تذليلها واستخدامها والانتفاع بها . وجعلها مذللة نافعة ملبية لشتى حاجات الإنسان . وما يملك الناس أن يصنعوا من ذلك كله شيئاً . وما يملكون أن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له . وما يملكون أن يذللوا ذبابة لم يركب الله في خصائصها أن تكون ذلولاً لهم ! . . (أفلا يشكرون ?). .
وحين ينظر الإنسان إلى الأمر بهذه العين وفي هذا الضوء الذي يشيعه القرآن الكريم . فإنه يحس لتوه أنه مغمور بفيض من نعم الله . فيض يتمثل في كل شيء حوله . وتصبح كل مرة يركب فيها دابة , أو يأكل قطعة من لحم , أو يشرب جرعة من لبن , أو يتناول قطعة من سمن أو جبن . أو يلبس ثوباً من شعر أو صوف أو وبر . . . إلى آخره إلى آخره . . لمسة وجدانية تشعر قلبه بوجود الخالق ورحمته ونعمته . ويطرد هذا في كل ما تمس يده من أشياء حوله , وكل ما يستخدمه من حي أو جامد في هذا الكون الكبير . وتعود حياته كلها تسبيحاً لله وحمداً وعبادة آناء الليل وأطراف النهار . .
ولكن الناس لا يشكرون . وفيهم من اتخذ مع هذا كله آلهة من دون اللهواتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون . لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون):وفي الماضي كانت الآلهة أصناماً وأوثاناً , أو شجراً أو نجوماً , أو ملائكة أو جناً . . والوثنية ما تزال حتى اليوم في بعض بقاع الأرض . ولكن الذين لا يعبدون هذه الآلهة لم يخلصوا للتوحيد . وقد يتمثل شركهم اليوم في الإيمان بقوى زائفة غير قوة الله ; وفي اعتمادهم على أسناد أخرى غير الله . والشرك ألوان , تختلف باختلاف الزمان والمكان .
ولقد كانوا يتخذون تلك الآلهة يبتغون أن ينالوا بها النصر . بينما كانوا هم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة أن يعتدي عليها معتد أو يصيبها بسوء , فكانوا هم جنودها وحماتها المعدين لنصرتها: (وهم لهم جند محضرون). . وكان هذا غاية في سخف التصور والتفكير . غير أن غالبية الناس اليوم لم ترتق عن هذا السخف إلا من حيث الشكل . فالذين يؤلهون الطغاة والجبارين اليوم , لا يبعدون كثيراً عن عباد تلك الأصنام والأوثان . فهم جند محضرون للطغاة . وهم الذين يدفعون عنهم ويحمون طغيانهم . ثم هم في الوقت ذاته يخرون للطغيان راكعين !
إن الوثنية هي الوثنية في شتى صورها . وحيثما اضطربت عقيدة التوحيد الخالص أي اضطراب جاءت الوثنية , وكان الشرك , وكانت الجاهلية ! ولا عصمة للبشرية إلا بالتوحيد الخالص الذي يفرد الله وحده بالألوهية . ويفرده وحده بالعبادة . ويفرده وحده بالتوجه والاعتماد . ويفرده وحده بالطاعة والتعظيم .
(فلا يحزنك قولهم . إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون).
الخطاب للرسول [ ص ] وهو يواجه أولئك الذين اتخذوا من دون الله آلهة . والذين لا يشكرون ولا يذكرون . ليطمئن بالاً من ناحيتهم . فهم مكشوفون لعلم الله . وكل ما يدبرونه وما يملكونه تحت عينه . فلا على الرسول منهم . وأمرهم مكشوف للقدرة القادرة . والله من ورائهم محيط . .
ولقد هان أمرهم بهذا . وما عاد لهم من خطر يحسه مؤمن يعتمد على الله . وهو يعلم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون . وأنهم في قبضته وتحت عينه وهم لا يشعرون !
الدرس الثالث:77 - 82 أدلة على البعث من حياة الإنسان والنبات
والمقطع الثالث في هذا القطاع الأخير يتناول قضية البعث والنشور:
(أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين . وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه . قال:من يحيي
من الاية 77 الى الاية 80
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80)
العظام وهي رميم ? قل:يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم . الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون . أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ? بلى وهو الخلاق العليم . إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له:كن . فيكون). .
ويبدأ هذا المقطع بمواجهة الإنسان بواقعه هو ذاته في خاصة نفسه . وهذا الواقع يصور نشأته وصيرورته مما يراه واقعا في حياته , ويشهده بعينه وحسه مكرراً معاداً . ثم لا ينتبه إلى دلالته , ولا يتخذ منه مصداقاً لوعد الله ببعثه ونشوره بعد موته ودثوره . .
(أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين). .
فما النطفة التي لا يشك الإنسان في أنها أصله القريب ? إنها نقطة من ماء مهين , لا قوام ولا قيمة ! نقطة من ماء تحوي ألوف الخلايا . . خلية واحدة من هذه الألوف هي التي تصير جنينا . ثم تصير هذا الإنسان الذي يجادل ربه ويخاصمه ويطلب منه البرهان والدليل !
والقدرة الخالقة هي التي تجعل من هذه النطفة ذلك الخصيم المبين . وما أبعد النقلة بين المنشأ والمصير ! أفهذه القدرة يستعظم الإنسان عليها أن تعيده وتنشره بعد البلى والدثور ?
(وضرب لنا مثلاً - ونسي خلقه - قال:من يحيي العظام وهي رميم . قل:يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم). .
يا للبساطة ! ويا لمنطق الفطرة ! ومنطق الواقع القريب المنظور !
وهل تزيد النطفة حيوية أو قدرة أو قيمة على العظم الرميم المفتوت ? أو ليس من تلك النطفة كان الإنسان ? أو ليست هذه هي النشأة الأولى ? أو ليس الذي حول تلك النطفة إنساناً , وجعله خصيماً مبيناً بقادر على أن يحول العظم الرميم مخلوقاً حياً جديداً ?
إن الأمر أيسر وأظهر من أن يدور حوله سؤال . فما بال الجدل الطويل ?!
(قل:يحييها الذي أنشأها أول مرة . وهو بكل خلق عليم). .
ثم يزيدهم إيضاحاً لطبيعة القدرة الخالقة , وصنعها فيما بين أيديهم وتحت أعينهم مما يملكون:
(الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون). .
والمشاهدة الأولية الساذجة تقنع بصدق هذه العجيبة ! العجيبة التي يمرون عليها غافلين . عجيبة أن هذا الشجر الأخضر الريان بالماء , يحتك بعضه ببعض فيولد ناراً ; ثم يصير هو وقود النار . بعد اللدونة والاخضرار . . والمعرفة العلمية العميقة لطبيعة الحرارة التي يختزنها الشجر الأخضر من الطاقة الشمسية التي يمتصها , ويحتفظ بها وهو ريان بالماء ناضر بالخضرة ; والتي تولد النار عند الاحتكاك , كما تولد النار عند الاحتراق . . هذه المعرفة العلمية تزيد العجيبة بروزاً في الحس ووضوحاً . والخالق هو الذي أودع الشجر خصائصه هذه . والذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى . غير أننا لا نرى الأشياء بهذه العين المفتوحة ولا نتدبرها بذلك الحس الواعي .
فلا تكشف لنا عن أسرارها المعجبة . ولا تدلنا على مبدع الوجود . ولو فتحنا لها قلوبنا لباحت لنا بأسرارها , ولعشنا معها في عبادة دائمة وتسبيح !
ثم يستطرد في عرض دلائل القدرة وتبسيط قضية الخلق والإعادة للبشر أجمعين:
(أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ? بلى وهو الخلاق العليم). .
من الاية 81 الى آخر السورة
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
والسماوات والأرض خلق عجيب هائل دقيق . . هذه الأرض التي نعيش عليها ويشاركنا ملايين الأجناس والأنواع , ثم لا نبلغ نحن شيئاً من حجمها , ولا شيئاً من حقيقتها , ولا نعلم عنها حتى اليوم إلا القليل . . هذه الأرض كلها تابع صغير من توابع الشمس التي تعيش أرضنا الصغيرة على ضوئها وحرارتها . . وهذه الشمس واحدة من مائة مليون في المجرة الواحدة التي تتبعها شمسنا , والتي تؤلف دنيانا القريبة ! وفي الكون مجرات أخرى كثيرة . أو دنييات كدنيانا القريبة . عد الفلكيون حتى اليوم منها مائة مليون مجرة بمناظيرهم المحدودة . وهم في انتظار المزيد كلما أمكن تكبير المناظير والمراصد . وبين مجرتنا أو دنيانا والمجرة التالية لها نحو خمسين وسبع مائة ألف سنة ضوئية [ السنة الضوئية تقدر بستة وعشرين مليون مليون من الأميال ! ] . . وهناك كتل ضخمة من السدم التي يظن أنه من نثارها كانت تلك الشموس . وهذا هو الجزء الذي يدخل في دائرة معارفنا الصغيرة المحدودة !
تلك الشموس التي لا يحصيها العد . لكل منها فلك تجري فيه . ولمعظمها توابع ذات مدارات حولها كمدار الأرض حول الشمس . . وكلها تجري وتدور في دقة وفي دأب . لا تتوقف لحظة ولا تضطرب . وإلا تحطم الكون المنظور واصطدمت هذه الكتل الهائلة السابحة في الفضاء الوسيع . .
هذا الفضاء الذي تسبح فيه تلك الملايين التي لا يحصيها العد , كأنها ذرات صغيرة . لا نحاول تصويره ولا تصوره . . فذلك شيء يدير الرؤوس !
(أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ?). .
وأين الناس من ذلك الخلق الهائل العجيب ?
(بلى ! وهو الخلاق العليم). .
ولكن الله - سبحانه - يخلق هذا وذلك ويخلق غيرهما بلا كلفة ولا جهد . ولا يختلف بالقياس إليه خلق الكبير وخلق الصغير:
(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له:كن . فيكون). .
يكون هذا الشيء سماء أو أرضا . ويكون بعوضة أو نملة . هذا وذلك سواء أمام الكلمة . . كن . . فيكون !
ليس هناك صعب ولا سهل . وليس هنالك قريب ولا بعيد . . فتوجه الإرادة لخلق الشيء كاف وحده لوجوده كائنا ما يكون . إنما يقرب الله للبشر الأمور ليدركوها بمقياسهم البشري المحدود .
الدرس الرابع:83 تسبيح الله المالك للملك
وعند هذا المقطع يجيء الإيقاع الأخير في السورة . الإيقاع المصور لحقيقة العلاقة بين الوجود وخالق الوجود:
(فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء . وإليه ترجعون). .
ولفظة ملكوت بصياغتها هذه تضخم وتعظم حقيقة هذه العلاقة . علاقة الملكية المطلقة لكل شيء في الوجود . والسيطرة القابضة على كل شيء من هذا المملوك .
ثم إن إليه وحده المرجع والمصير . .
إنه الإيقاع الختامي المناسب لهذه الجولة الهائلة , وللسورة كلها , ولموضوعاتها المتعلقة بهذه الحقيقة الكبيرة , التي يندرج فيها كل تفصيل . .
سورة الصافات
الوحدة الأولى:1 - 68 الموضوع إثبات الوحدانية ومشاهد من البعث
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة هود ايه 116 الى ايه اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة نوح ايه 26 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة ص ايه 39 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الحشر ايه 11 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الجاثيه ايه 22 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة نوح ايه 26 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة ص ايه 39 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الحشر ايه 11 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الجاثيه ايه 22 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى