تفسير سورة النور من الاية 60 الى آخر السورة الشيخ سيد قطب
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة النور من الاية 60 الى آخر السورة الشيخ سيد قطب
من الاية 61 الى الاية 61
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون (61)
أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا)فقد كان من عادات بعضهم في الجاهلية ألا يأكل طعاما على انفراد . فإن لم يجد من يؤاكله عاف الطعام ! فرفع الله هذا الحرج المتكلف , ورد الأمر إلى بساطته بلا تعقيد , وأباح أن يأكلوا أفرادا أو جماعات .
فإذا انتهى من بيان الحالة التي يكون عليها الأكل ذكر آداب دخول البيوت التي يؤكل فيها: (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة). . وهو تعبير لطيف عن قوة الرابطة بين المذكورين في الآية . فالذي يسلم منهم على قريبه أو صديقه يسلم على نفسه . والتحية التي يلقيها عليه هي تحية من عند الله . تحمل ذلك الروح , وتفوح بذلك العطر . وتربط بينهم بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها . .
وهكذا ترتبط قلوب المؤمنين بربهم في الصغيرة والكبيرة:
(كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون). . وتدركون ما في المنهج الإلهي من حكمة ومن تقدير . .
الدرس الرابع:62 - 64 تنظيم العلاقات بين المسلمين والآداب في مجلس الرسول
وينتقل من تنظيم العلاقات بين الأقارب والأصدقاء , إلى تنظيمها بين الأسرة الكبيرة . . أسرة المسلمين . . ورئيسها وقائدها محمد رسول الله [ ص ] وإلى آداب المسلمين في مجلس الرسول:
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله . وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ; إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله . فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم , واستغفر لهم الله . إن الله غفور رحيم . لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا . قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا . فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم . ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ; ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا , والله بكل شيء عليم . .
روى ابن اسحاق في سبب نزول هذه الآيات أنه لما كان تجمع قريش والأحزاب في غزوة الخندق . فلما سمع بهم رسول الله [ ص ] وما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة . فعمل فيه رسول الله [ ص ] ترغيبا للمسلمين في الأجر , وعمل معه المسلمون فيه , فدأب ودأبوا , وأبطأ عن رسول الله [ ص ] وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين , وجعلوا يورون بالضعيف من العمل , ويتسللون إلى أهليهم بغير علم رسول الله [ ص ] ولا إذنه ; وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله [ ص ] ويستأذنه في اللحوق بحاجته , فيأذن له . فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله , رغبة في الخير واحتسابا له . فأنزل الله تعالى في أولئك المؤمنين: إنما المؤمنون . . . الآية ثم قال تعالى:يعني المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل , ويذهبون بغير إذن من النبي [ ص ]: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم . . . الآية . .
وأيا ما كان سبب نزول هذه الآيات فهي تتضمن الآداب النفسية التنظيمية بين الجماعة وقائدها . هذه الآداب التي لا يستقيم أمر الجماعة إلا حين تنبع من مشاعرها وعواطفها وأعماق ضميرها . ثم تستقر في حياتها فتصبح تقليدا متبعا وقانونا نافذا . وإلا فهي الفوضى التي لا حدود لها:
(إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله). . لا الذين يقولون بأفواههم ثم لا يحققون مدلول قولهم ; ولا يطيعون الله ورسوله .
الى الاية 60
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)
اللواتي فرغت نفوسهن من الرغبة في معاشرة الرجال ; وفرغت أجسامهن من الفتنة المثيرة للشهوات:
(والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا ; فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن - غير متبرجات بزينة - وأن يستعففن خير لهن ; والله سميع عليم). .
فهؤلاء القواعد لا حرج عليهن أن يخلعن ثيابهن الخارجية , على ألا تنكشف عوراتهن ولا يكشفن عن زينة . وخير لهن أن يبقين كاسيات بثيابهن الخارجية الفضفاضة . وسمي هذا استعفافا . أي طلبا للعفة وإيثارا لها , لما بين التبرج والفتنة من صلة ; وبين التحجب والعفة من صلة . . وذلك حسب نظرية الإسلام في أن خير سبل العفة تقليل فرص الغواية , والحيلولة بين المثيرات وبين النفوس .
(والله سميع عليم). . يسمع ويعلم , ويطلع على ما يقوله اللسان , وما يوسوس في الجنان . والأمر هنا أمر نية وحساسية في الضمير .
الدرس الثالث:61 تنظيم العلاقات بين الأقارب والأصدقاء
ثم يمضي في تنظيم العلاقات والارتباطات بين الأقارب والأصدقاء:
ليس على الأعمى حرج , ولا على الأعرج حرج , ولا على المريض حرج , ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم , أو بيوت آبائكم , أو بيوت أمهاتكم , أو بيوت أخوانكم , أو بيوت أخواتكم , أو بيوت أعمامكم , أو بيوت عماتكم , أو بيوت أخوالكم , أو بيوت خالاتكم ; أو ما ملكتم مفاتحه , أو صديقكم . ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا . فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم , تحية من عند الله مباركة طيبة . كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون . .
روى أنهم كانوا يأكلون من هذه البيوت المذكورة - دون استئذان - ويستصحبون معهم العمي والعرج والمرضى ليطعموهم . . الفقراء منهم . . فتحرجوا أن يطعموا وتحرج هؤلاء أن يصحبوهم دون دعوة من أصحاب البيوت أو إذن . ذلك حين نزلت: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)فقد كانت حساسيتهم مرهفة . فكانوا يحذرون دائما أن يقعوا فيما نهى الله عنه , ويتحرجون أن يلموا بالمحظور ولو من بعيد . فأنزل الله هذه الآية , ترفع الحرج عن الأعمى والمريض والأعرج , وعن القريب أن يأكل من بيت قريبه . وأن يصحب معه أمثال هؤلاء المحاويج . وذلك محمول على أن صاحب البيت لا يكره هذا ولا يتضرر به . استنادا إلى القواعد العامة في أنه " لا ضرر ولا ضرار " وإلى أنه " لا يحل مال امرى ء مسلم إلا بطيب نفس " .
ولآن الآية آية تشريع , فإننا نلحظ فيها دقة الأداء اللفظي والترتيب الموضوعي , والصياغة التي لا تدع مجالا للشك والغموض . كما نلمح فيها ترتيب القرابات . فهي تبدأ ببيوت الأبناء والأزواج ولا تذكرهم . بل تقول (من بيوتكم)فيدخل فيها بيت الابن وبيت الزوج , فبيت الابن بيت لأبيه , وبيت الزوج بيت لزوجته , وتليها بيوت الآباء , فبيوت الأمهات . فبيوت الإخوة , فبيوت الأخوات . فبيوت الأعمام , فبيوت العمات , فبيوت الأخوال , فبيوت الخالات . . ويضاف إلى هذه القرابات الخازن على مال الرجل فله أن يأكل مما يملك مفاتحه بالمعروف ولا يزيد على حاجة طعامه . ويلحق بها بيوت الأصدقاء . ليلحق صلتهم بصلة القرابة . عند عدم التأذي والضرر . فقد يسر الأصدقاء أن يأكل أصدقاؤهم من طعامهم بدون استئذان .
فإذا انتهى من بيان البيوت التي يجوز الأكل منها , بين الحالة التي يجوز عليها الأكل: (ليس عليكم جناح
من الاية 62 الى الاية 63
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
(وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه). . والأمر الجامع الأمر الهام الذي يقتضي اشتراك الجماعة فيه , لرأى أو حرب أو عمل من الأعمال العامة . فلا يذهب المؤمنون حتى يستأذنوا إمامهم . كي لا يصبح الأمر فوضى بلا وقار ولا نظام .
وهؤلاء الذين يؤمنون هذا الإيمان , ويلتزمون هذا الأدب , لا يستأذنون إلا وهم مضطرون ; فلهم من إيمانهم ومن أدبهم عاصم ألا يتخلوا عن الأمر الجامع الذي يشغل بال الجماعة , ويستدعي تجمعها له . . ومع هذا فالقرآن يدع الرأي في الإذن أو عدمه للرسول [ ص ] رئيس الجماعة . بعد أن يبيح له حرية الإذن: (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم). . [ وكان قد عاتبه على الإذن للمنافقين من قبل فقالعفا الله عنك ! لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين)] . . يدع له الرأى فإن شاء أذن , وإن شاء لم يأذن , فيرفع الحرج عن عدم الإذن , وقد تكون هناك ضرورة ملحة . ويستبقي حرية التقدير لقائد الجماعة ليوازن بين المصلحة في البقاء والمصلحة في الانصراف . ويترك له الكلمة الأخيرة في هذه المسألة التنظيمية يدبرها بما يراه .
ومع هذا يشير إلى أن مغالبة الضرورة , وعدم الانصراف هو الأولى ; وأن الاستئذان والذهاب فيهما تقصير أو قصور يقتضي استغفار النبي [ ص ] للمعتذرين: (واستغفر لهم الله . إن الله غفور رحيم). . وبذلك يقيد ضمير المؤمن . فلا يستأذن وله مندوحة لقهر العذر الذي يدفع به إلى الاستئذان .
ويلتفت إلى ضرورة توقير الرسول [ ص ] عند الاستئذان , وفي كل الأحوال . فلا يدعى باسمه:يا محمد . أو كنيته:يا أبا القاسم . كما يدعو المسلمون بعضهم بعضا . إنما يدعى بتشريف الله له وتكريمه:يا نبي الله . يا رسول الله:
(لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا). .
فلا بد من امتلاء القلوب بالتوقير لرسول الله [ ص ] حتى تستشعر توقير كل كلمة منه وكل توجيه . وهي لفتة ضرورية . فلا بد للمربي من وقار , ولا بد للقائد من هيبة . وفرق بين أن يكون هو متواضعا هينا لينا ; وأن ينسوا هم أنه مربيهم فيدعوه دعاء بعضهم لبعض . . يجب أن تبقى للمربي منزلة في نفوس من يربيهم يرتفع بها عليهم في قرارة شعورهم , ويستحيون هم أن يتجاوزوا معها حدود التبجيل والتوقير .
ثم يحذر المنافقين الذين يتسللون ويذهبون بدون إذن , يلوذ بعضهم ببعض , ويتدارى بعضهم ببعض . . فعين الله عليهم , وإن كانت عين الرسول لا تراهم: (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا). . وهو تعبير يصور حركة التخلي والتسلل بحذر من المجلس ; ويتمثل فيها الجبن عن المواجهة , وحقارة الحركة والشعور المصاحب لها في النفوس .
(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم). .
وإنه لتحذير مرهوب , وتهديد رعيب . . فليحذر الذين يخالفون عن أمره , ويتبعون نهجا غير نهجه , ويتسللون من الصف ابتغاء منفعة أو اتقاء مضرة . ليحذروا أن تصيبهم فتنة تضطرب فيها المقاييس , وتختل فيها الموازين , وينتكث فيها النظام , فيختلط الحق بالباطل , والطيب بالخبيث , وتفسد أمور الجماعة وحياتها ; فلا يأمن على نفسه أحد , ولا يقف عند حده أحد , ولا يتميز فيها خير من شر . . وهي فترة شقاء للجميع:
من الاية 64 الى آخر السورة
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)
(أو يصيبهم عذاب أليم)في الدنيا أو في الآخرة . جزاء المخالفة عن أمر الله , ونهجه الذي ارتضاه للحياة . ويختم هذا التحذير , ويختم معه السورة كلها بإشعار القلوب المؤمنة والمنحرفة بأن الله مطلع عليها , رقيب على عملها , عالم بما تنطوي عليه وتخفيه .
(ألا إن لله ما في السماوات والأرض . قد يعلم ما أنتم عليه ; ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا . والله بكل شيء عليم). .
وهكذا تختم السورة بتعليق القلوب والأبصار بالله ; وتذكيرها بخشيته وتقواه . فهذا هو الضمان الأخير . وهذا هو الحارس لتلك الأوامر والنواهي , وهذه الأخلاق والآداب , التي فرضها الله في هذه السورة وجعلها كلها سواء . .
أنتهى الجزء الثامن عشر ويليه الجزء التاسع عشر مبدوءا بسورة الفرقان
بسم الله الرحمن الرحيم
سورتا الفرقان و الشعراء وقسم من سورة النمل
الجزء التاسع عشر
الفرقان
الوحدة الأولى:1 - 20 الموضوع إثبات النبوة والرسالة والرد على شبهات الكفار ضد الرسول
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون (61)
أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا)فقد كان من عادات بعضهم في الجاهلية ألا يأكل طعاما على انفراد . فإن لم يجد من يؤاكله عاف الطعام ! فرفع الله هذا الحرج المتكلف , ورد الأمر إلى بساطته بلا تعقيد , وأباح أن يأكلوا أفرادا أو جماعات .
فإذا انتهى من بيان الحالة التي يكون عليها الأكل ذكر آداب دخول البيوت التي يؤكل فيها: (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة). . وهو تعبير لطيف عن قوة الرابطة بين المذكورين في الآية . فالذي يسلم منهم على قريبه أو صديقه يسلم على نفسه . والتحية التي يلقيها عليه هي تحية من عند الله . تحمل ذلك الروح , وتفوح بذلك العطر . وتربط بينهم بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها . .
وهكذا ترتبط قلوب المؤمنين بربهم في الصغيرة والكبيرة:
(كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون). . وتدركون ما في المنهج الإلهي من حكمة ومن تقدير . .
الدرس الرابع:62 - 64 تنظيم العلاقات بين المسلمين والآداب في مجلس الرسول
وينتقل من تنظيم العلاقات بين الأقارب والأصدقاء , إلى تنظيمها بين الأسرة الكبيرة . . أسرة المسلمين . . ورئيسها وقائدها محمد رسول الله [ ص ] وإلى آداب المسلمين في مجلس الرسول:
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله . وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ; إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله . فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم , واستغفر لهم الله . إن الله غفور رحيم . لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا . قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا . فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم . ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ; ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا , والله بكل شيء عليم . .
روى ابن اسحاق في سبب نزول هذه الآيات أنه لما كان تجمع قريش والأحزاب في غزوة الخندق . فلما سمع بهم رسول الله [ ص ] وما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة . فعمل فيه رسول الله [ ص ] ترغيبا للمسلمين في الأجر , وعمل معه المسلمون فيه , فدأب ودأبوا , وأبطأ عن رسول الله [ ص ] وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين , وجعلوا يورون بالضعيف من العمل , ويتسللون إلى أهليهم بغير علم رسول الله [ ص ] ولا إذنه ; وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله [ ص ] ويستأذنه في اللحوق بحاجته , فيأذن له . فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله , رغبة في الخير واحتسابا له . فأنزل الله تعالى في أولئك المؤمنين: إنما المؤمنون . . . الآية ثم قال تعالى:يعني المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل , ويذهبون بغير إذن من النبي [ ص ]: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم . . . الآية . .
وأيا ما كان سبب نزول هذه الآيات فهي تتضمن الآداب النفسية التنظيمية بين الجماعة وقائدها . هذه الآداب التي لا يستقيم أمر الجماعة إلا حين تنبع من مشاعرها وعواطفها وأعماق ضميرها . ثم تستقر في حياتها فتصبح تقليدا متبعا وقانونا نافذا . وإلا فهي الفوضى التي لا حدود لها:
(إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله). . لا الذين يقولون بأفواههم ثم لا يحققون مدلول قولهم ; ولا يطيعون الله ورسوله .
الى الاية 60
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)
اللواتي فرغت نفوسهن من الرغبة في معاشرة الرجال ; وفرغت أجسامهن من الفتنة المثيرة للشهوات:
(والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا ; فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن - غير متبرجات بزينة - وأن يستعففن خير لهن ; والله سميع عليم). .
فهؤلاء القواعد لا حرج عليهن أن يخلعن ثيابهن الخارجية , على ألا تنكشف عوراتهن ولا يكشفن عن زينة . وخير لهن أن يبقين كاسيات بثيابهن الخارجية الفضفاضة . وسمي هذا استعفافا . أي طلبا للعفة وإيثارا لها , لما بين التبرج والفتنة من صلة ; وبين التحجب والعفة من صلة . . وذلك حسب نظرية الإسلام في أن خير سبل العفة تقليل فرص الغواية , والحيلولة بين المثيرات وبين النفوس .
(والله سميع عليم). . يسمع ويعلم , ويطلع على ما يقوله اللسان , وما يوسوس في الجنان . والأمر هنا أمر نية وحساسية في الضمير .
الدرس الثالث:61 تنظيم العلاقات بين الأقارب والأصدقاء
ثم يمضي في تنظيم العلاقات والارتباطات بين الأقارب والأصدقاء:
ليس على الأعمى حرج , ولا على الأعرج حرج , ولا على المريض حرج , ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم , أو بيوت آبائكم , أو بيوت أمهاتكم , أو بيوت أخوانكم , أو بيوت أخواتكم , أو بيوت أعمامكم , أو بيوت عماتكم , أو بيوت أخوالكم , أو بيوت خالاتكم ; أو ما ملكتم مفاتحه , أو صديقكم . ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا . فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم , تحية من عند الله مباركة طيبة . كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون . .
روى أنهم كانوا يأكلون من هذه البيوت المذكورة - دون استئذان - ويستصحبون معهم العمي والعرج والمرضى ليطعموهم . . الفقراء منهم . . فتحرجوا أن يطعموا وتحرج هؤلاء أن يصحبوهم دون دعوة من أصحاب البيوت أو إذن . ذلك حين نزلت: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)فقد كانت حساسيتهم مرهفة . فكانوا يحذرون دائما أن يقعوا فيما نهى الله عنه , ويتحرجون أن يلموا بالمحظور ولو من بعيد . فأنزل الله هذه الآية , ترفع الحرج عن الأعمى والمريض والأعرج , وعن القريب أن يأكل من بيت قريبه . وأن يصحب معه أمثال هؤلاء المحاويج . وذلك محمول على أن صاحب البيت لا يكره هذا ولا يتضرر به . استنادا إلى القواعد العامة في أنه " لا ضرر ولا ضرار " وإلى أنه " لا يحل مال امرى ء مسلم إلا بطيب نفس " .
ولآن الآية آية تشريع , فإننا نلحظ فيها دقة الأداء اللفظي والترتيب الموضوعي , والصياغة التي لا تدع مجالا للشك والغموض . كما نلمح فيها ترتيب القرابات . فهي تبدأ ببيوت الأبناء والأزواج ولا تذكرهم . بل تقول (من بيوتكم)فيدخل فيها بيت الابن وبيت الزوج , فبيت الابن بيت لأبيه , وبيت الزوج بيت لزوجته , وتليها بيوت الآباء , فبيوت الأمهات . فبيوت الإخوة , فبيوت الأخوات . فبيوت الأعمام , فبيوت العمات , فبيوت الأخوال , فبيوت الخالات . . ويضاف إلى هذه القرابات الخازن على مال الرجل فله أن يأكل مما يملك مفاتحه بالمعروف ولا يزيد على حاجة طعامه . ويلحق بها بيوت الأصدقاء . ليلحق صلتهم بصلة القرابة . عند عدم التأذي والضرر . فقد يسر الأصدقاء أن يأكل أصدقاؤهم من طعامهم بدون استئذان .
فإذا انتهى من بيان البيوت التي يجوز الأكل منها , بين الحالة التي يجوز عليها الأكل: (ليس عليكم جناح
من الاية 62 الى الاية 63
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
(وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه). . والأمر الجامع الأمر الهام الذي يقتضي اشتراك الجماعة فيه , لرأى أو حرب أو عمل من الأعمال العامة . فلا يذهب المؤمنون حتى يستأذنوا إمامهم . كي لا يصبح الأمر فوضى بلا وقار ولا نظام .
وهؤلاء الذين يؤمنون هذا الإيمان , ويلتزمون هذا الأدب , لا يستأذنون إلا وهم مضطرون ; فلهم من إيمانهم ومن أدبهم عاصم ألا يتخلوا عن الأمر الجامع الذي يشغل بال الجماعة , ويستدعي تجمعها له . . ومع هذا فالقرآن يدع الرأي في الإذن أو عدمه للرسول [ ص ] رئيس الجماعة . بعد أن يبيح له حرية الإذن: (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم). . [ وكان قد عاتبه على الإذن للمنافقين من قبل فقالعفا الله عنك ! لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين)] . . يدع له الرأى فإن شاء أذن , وإن شاء لم يأذن , فيرفع الحرج عن عدم الإذن , وقد تكون هناك ضرورة ملحة . ويستبقي حرية التقدير لقائد الجماعة ليوازن بين المصلحة في البقاء والمصلحة في الانصراف . ويترك له الكلمة الأخيرة في هذه المسألة التنظيمية يدبرها بما يراه .
ومع هذا يشير إلى أن مغالبة الضرورة , وعدم الانصراف هو الأولى ; وأن الاستئذان والذهاب فيهما تقصير أو قصور يقتضي استغفار النبي [ ص ] للمعتذرين: (واستغفر لهم الله . إن الله غفور رحيم). . وبذلك يقيد ضمير المؤمن . فلا يستأذن وله مندوحة لقهر العذر الذي يدفع به إلى الاستئذان .
ويلتفت إلى ضرورة توقير الرسول [ ص ] عند الاستئذان , وفي كل الأحوال . فلا يدعى باسمه:يا محمد . أو كنيته:يا أبا القاسم . كما يدعو المسلمون بعضهم بعضا . إنما يدعى بتشريف الله له وتكريمه:يا نبي الله . يا رسول الله:
(لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا). .
فلا بد من امتلاء القلوب بالتوقير لرسول الله [ ص ] حتى تستشعر توقير كل كلمة منه وكل توجيه . وهي لفتة ضرورية . فلا بد للمربي من وقار , ولا بد للقائد من هيبة . وفرق بين أن يكون هو متواضعا هينا لينا ; وأن ينسوا هم أنه مربيهم فيدعوه دعاء بعضهم لبعض . . يجب أن تبقى للمربي منزلة في نفوس من يربيهم يرتفع بها عليهم في قرارة شعورهم , ويستحيون هم أن يتجاوزوا معها حدود التبجيل والتوقير .
ثم يحذر المنافقين الذين يتسللون ويذهبون بدون إذن , يلوذ بعضهم ببعض , ويتدارى بعضهم ببعض . . فعين الله عليهم , وإن كانت عين الرسول لا تراهم: (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا). . وهو تعبير يصور حركة التخلي والتسلل بحذر من المجلس ; ويتمثل فيها الجبن عن المواجهة , وحقارة الحركة والشعور المصاحب لها في النفوس .
(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم). .
وإنه لتحذير مرهوب , وتهديد رعيب . . فليحذر الذين يخالفون عن أمره , ويتبعون نهجا غير نهجه , ويتسللون من الصف ابتغاء منفعة أو اتقاء مضرة . ليحذروا أن تصيبهم فتنة تضطرب فيها المقاييس , وتختل فيها الموازين , وينتكث فيها النظام , فيختلط الحق بالباطل , والطيب بالخبيث , وتفسد أمور الجماعة وحياتها ; فلا يأمن على نفسه أحد , ولا يقف عند حده أحد , ولا يتميز فيها خير من شر . . وهي فترة شقاء للجميع:
من الاية 64 الى آخر السورة
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)
(أو يصيبهم عذاب أليم)في الدنيا أو في الآخرة . جزاء المخالفة عن أمر الله , ونهجه الذي ارتضاه للحياة . ويختم هذا التحذير , ويختم معه السورة كلها بإشعار القلوب المؤمنة والمنحرفة بأن الله مطلع عليها , رقيب على عملها , عالم بما تنطوي عليه وتخفيه .
(ألا إن لله ما في السماوات والأرض . قد يعلم ما أنتم عليه ; ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا . والله بكل شيء عليم). .
وهكذا تختم السورة بتعليق القلوب والأبصار بالله ; وتذكيرها بخشيته وتقواه . فهذا هو الضمان الأخير . وهذا هو الحارس لتلك الأوامر والنواهي , وهذه الأخلاق والآداب , التي فرضها الله في هذه السورة وجعلها كلها سواء . .
أنتهى الجزء الثامن عشر ويليه الجزء التاسع عشر مبدوءا بسورة الفرقان
بسم الله الرحمن الرحيم
سورتا الفرقان و الشعراء وقسم من سورة النمل
الجزء التاسع عشر
الفرقان
الوحدة الأولى:1 - 20 الموضوع إثبات النبوة والرسالة والرد على شبهات الكفار ضد الرسول
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة النور ايه رقم 1 الى ايه لى الاية 12 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة النور من الاية 13 الى ايه 31 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة طه من الاية 88 الى آخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الماعون من الاية 1 الى آخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة المؤمنون من الاية 79 الى آخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة النور من الاية 13 الى ايه 31 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة طه من الاية 88 الى آخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الماعون من الاية 1 الى آخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة المؤمنون من الاية 79 الى آخر السورة الشيخ سيد قطب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى