منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة ابراهيم ايه رقم 1 الى ايه 12 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

 تفسير سورة ابراهيم ايه رقم 1 الى ايه 12 الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة ابراهيم ايه رقم 1 الى ايه 12 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الإثنين مايو 14, 2012 11:41 pm

إبراهيم

من الاية 1 الى الاية 3

الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ (3)

ابراهيم

التعريف بالسورة إبراهيم

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه السورة - سورة إبراهيم - مكية , موضوعها الأساسي هو موضوع السور المكية الغالب:العقيدة في أصولها الكبيرة:الوحي والرسالة والتوحيد والبعث والحساب والجزاء .

ولكن السياق في السورة يسلك نهجا خاصا بها في عرض هذا الموضوع وحقائقه الأصيلة . نهجا مفردا يميزها - كالشأن في كل سورة قرآنية - عن السور غيرها . يميزها بجوها وطريقة أدائها , والأضواء والظلال الخاصة التي تعرض فيها حقائقها الكبرى . ولون هذه الحقائق التي قد لا تفترق موضوعيا عن مثيلاتها في السور الأخرى ; ولكنها تعرض من زاوية خاصة , في أضواء خاصة فتوحي إيحاءات خاصة . كما تختلف مساحتها في رقعة السورة وجوها , فتزيد أطرافا وتنقص أطرافا , فيحسها القارئ جديدة بما وقع فيها من تجديد في "اللقطات الفنية " . ونحن نستعمل هذا التعبير "اللقطات الفنية " لأنه يلاحظ في صورته المعجزة في طريقة الأداء القرآنية !

ويبدو أنه كان لجو السورة من اسمها نصيب . . إبراهيم . . أبو الأنبياء . . المبارك , الشاكر الأواه المنيب . وكل الظلال التي تخلعها هذه الصفات ملحوظة في جو السورة , وفي الحقائق التي تبرزها , وفي طريقة الأداء , وفي التعبير والإيقاع .

ولقد تضمنت السورة عدة حقائق رئيسية في العقيدة . ولكن حقيقتين كبيرتين تظللان جو السورة كلها . وهما الحقيقتان المتناسقتان مع ظل إبراهيم في جو السورة:حقيقة وحدة الرسالة والرسل , ووحدة دعوتهم , ووقفتهم أمة واحدة في مواجهة الجاهلية المكذبة بدين الله على اختلاف الأمكنة والأزمان . وحقيقة نعمة الله على البشر وزيادتها بالشكر ; ومقابلة أكثر الناس لها بالجحود والكفران . .

وبروز هاتين الحقيقتين , أو هذين الظلين . لا ينفي أن هناك حقائق أخرى في سياق السورة . ولكن هاتين الحقيقتين تظللان جو السورة . وهذا ما أردنا الإشارة إليه:

تبدأ السورة ببيان وظيفة الرسول وما أوتيه من كتاب . . فهي إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله:

(كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد).

وتختم بهذا المعنى وبالحقيقة الكبرى التي تتضمنها الرسالة . حقيقة التوحيد:

هذا بلاغ للناس ولينذروا به , وليعلموا أنما هو إله واحد , وليذكر أولو الألباب).

وفي أثنائها يذكر أن موسى قد أرسل بمثل ما أرسل به محمد [ ص ] ولمثل ما أرسل به , حتى في ألفاظ التعبير:

(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور). .

ويذكر كذلك أن وظيفة الرسل عامة كانت هي البيان:

(وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم). . .

وتتضمن إلى جانب وظيفة الرسول بيان حقيقته البشرية , وهي التي تحدد وظيفته . فهو مبلغ ومنذر وناصح ومبين . ولكنه لا يملك أن يأتي بخارقة إلا بإذن الله , وحين يشاء الله , لا حين يشاء هو أو قومه ; ولا يملك كذلك أن يهدي قومه أو يضلهم , فالهدى والضلال متعلقان بسنة الله التي اقتضتها مشيئته المطلقة .

ولقد كانت بشرية الرسل هي موضع الاعتراض من جميع الأقوام في جاهليتهم , والسورة هنا تحكي قولهم مجتمعين:

(قالوا:إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا , فأتونا بسلطان مبين).

وتحكي رد رسلهم كذلك مجتمعين:

(قالت لهم رسلهم:إن نحن إلا بشر مثلكم , ولكن الله يمن على من يشاء من عباده . وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله . وعلى الله فليتوكل المؤمنون).

ويتضمن السياق كذلك أن إخراج الناس من الظلمات إلى النور إنما يتم (بإذن ربهم). . وكل رسول يبين لقومه (فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء , وهو العزيز الحكيم).

وبهذا وذلك تتحدد حقيقة الرسول , فتتحدد وظيفته في حدود هذه الحقيقة , ولا تشتبه حقيقة الرسل البشرية وصفاتهم , بشيء من حقيقة الذات الإلهية وصفاتها . وكذلك يتجرد توحيد الله بلا ظل من مماثلة أو مشابهة .

كذلك تتضمن السورة تحقق وعد الله للرسل والمؤمنين بهم إيمانا حقا . تحقق ذلك الوعد في الدنيا بالنصر والاستخلاف , وفي الآخرة بعذاب المكذبين ونعيم المؤمنين .

يصور السياق هذه الحقيقة الكبيرة في نهاية المعركة بين الرسل مجتمعين وقومهم مجتمعين في الدنيا:

(وقال الذين كفروا لرسلهم:لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين , ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد . . واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد . .).

ويصورها في مشاهد القيامة في الآخرة:

(وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام). .

(وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد , سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار). .

ويصورها في الأمثال التي يضربها لهؤلاء وهؤلاء:

(ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ; ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون . ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثتمن فوق الأرض ما لها من قرار . يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة , ويضل الله الظالمين , ويفعل الله ما يشاء). .

(مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف , لا يقدرون مما كسبوا على شيء . ذلك هو الضلال البعيد). .

فأما الحقيقتان اللتان تظللان جو السورة , وتتسقان مع ظل إبراهيم:أبي الأنبياء . الشكور الأواه المنيب , وهما حقيقة وحدة الرسالة والرسل , ووحدة دعوتهم , ووقفتهم أمة واحدة في مواجهة الجاهلية المكذبة . وحقيقة نعمة الله على البشر كافة وعلى المختارين منهم بصفة خاصة . . فنفردهما هنا بالحديث .

فأما الحقيقة الأولى فيبرزها السياق في معرض فريد في طريقة الأداء . لقد أبرزها سياق بعض السور الماضية في صورة توحيد الدعوة التي يجيء بها كل رسول , فيقول كلمته لقومه ويمضي , ثم يجيء رسول ورسول . كلهم يقولون الكلمة ذاتها , ويلقون الرد ذاته , ويصيب المكذبين ما يصيبهم في الدنيا , وينظر بعضهم ويمهل إلى أجل في الأرض أو إلى أجل في يوم الحساب . ولكن السياق هناك كان يعرض كل رسول في مشهد , كالشريط المتحرك منذ الرسالات الأولى . وأقرب مثل لهذا النسق سورة الأعراف وسورة هود .

فأما سورة إبراهيم - أبي الأنبياء - فتجمع الأنبياء كلهم في صف وتجمع الجاهليين كلهم في صف . وتجري المعركة بينهم في الأرض , ثم لا تنتهي هنا , بل تتابع خطواتها كذلك في يوم الحساب !

ونبصر فنشهد أمة الرسل , وأمة الجاهلية , في صعيد واحد , على تباعد الزمان والمكان . فالزمان والمكان عرضان زائلان , أما الحقيقة الكبرى في هذا الكون - حقيقة الإيمان والكفر - فهي أضخم وأبرز من عرضي الزمان والمكان:

ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود . والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله . جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم , وقالوا:إنا كفرنا بما أرسلتم به , وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب . قالت رسلهم:أفي الله شك فاطر السماوات والأرض , يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم , ويؤخركم إلى أجل مسمى ? قالوا:إن أنتم إلا بشر مثلنا , تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا , فأتونا بسلطان مبين . قالت لهم رسلهم:إن نحن إلا بشر مثلكم , ولكن الله يمن على من يشاء من عباده , وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله , وعلى الله فليتوكل المؤمنون . وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا , ولنصبرن على ما آذيتمونا . وعلى الله فليتوكل المتوكلون . وقال الذين كفروا لرسلهم:لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا . فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين , ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد .

(واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد , من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد , يتجرعه ولا يكاد يسيغه , ويأتيه الموت من كل مكان , وما هو بميت , ومن ورائه عذاب غليظ). .

فها هنا تتجمع الأجيال من لدن نوح وتتجمع الرسل ; ويتلاشى الزمان والمكان ; وتبرز الحقيقة الكبرى:حقيقة الرسالة وهي واحدة . واعتراضات الجاهليين عليها وهي واحدة . وحقيقة نصر الله للمؤمنين وهي واحدة . وحقيقة استخلاف الله للصالحين وهي واحدة . وحقيقة الخيبة والخذلان للمتجبرين وهي واحدة . وحقيقة العذاب الذي ينتظرهم هناك وهي واحدة . . وذلك إلى التماثل بين قول الله لمحمد [ ص ]:

(كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور).

وحكاية قوله لموسى - عليه السلام -:

(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور).

ولا تنتهي المعركة بين الكفر والإيمان هنا بل يتابع السياق خطواته بها إلى ساحة الآخرة . فتبرز معالمها في مشاهد القيامة المتنوعة التي تتضمنها السورة . وهذه نماذج منها:

(وبرزوا لله جميعا , فقال الضعفاء للذين استكبروا:إنا كنا لكم تبعا , فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء ? قالوا:لو هدانا الله لهديناكم , سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص . وقال الشيطان لما قضي الأمر:إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم , وما كان لي عليكم من سلطان , إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي , فلا تلوموني ولوموا أنفسكم , ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي , إني كفرت بما أشركتمون من قبل , إن الظالمين لهم عذاب أليم . . وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم , تحيتهم فيها سلام). .

(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون , إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار . مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء). .

(وقد مكروا مكرهم , وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال . فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله . إن الله عزيز ذو انتقام . يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات , وبرزوا لله الواحد القهار , وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد . سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار). . .

وهي كلها تشير إلى أنها معركة واحدة تبدأ في الدنيا وتنتهي في الآخرة , وتكمل إحداهما الأخرى بلا انقطاع ولا انفصال .

وتكمل الأمثال التي تبدأ في الدنيا وتنتهي في الآخرة كذلك إبراز معالم المعركة بين الفريقين , ونتائجها الأخيرة:مثل الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة:شجرة النبوة , وشجرة الإيمان , وشجرة الخير . والكلمة الخبيثة:كالشجرة الخبيثة:شجرة الجاهلية والباطل والتكذيب والشر والطغيان .

وأما الحقيقة الثانية المتعلقة بالنعمة والشكر والبطر فتطبع جو السورة كله , وتتناثر في سياقها .

يعدد الله نعمه على البشر كافة , مؤمنهم وكافرهم , صالحهم وطالحهم , برهم وفاجرهم , طائعهم وعاصيهم . وإنها لرحمة من الله وسماحة وفضل أن يتيح للكافر والفاجر والعاصي نعمة في هذه الأرض , كالمؤمن والبار والطائع:لعلهم يشكرون . ويعرض هذه النعمة في أضخم مجالي الكون وأبرزها , ويضعها داخل إطار من مشاهد الوجود العظيمة:

(الله الذي خلق السماوات والأرض , وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ; وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره , وسخر لكم الأنهار . وسخر لكم الشمس والقمر دائبين , وسخر لكم الليل والنهار . وآتاكم من كل ما سألتموه , وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . إن الإنسان لظلوم كفار). .

وفي إرسال الرسل للناس نعمة تعدل تلك أو تربو عليها:

(كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور). .

والنور أجل نعم الله في الوجود . والنور هنا هو النور الأكبر . النور الذي يشرق به كيان الإنسان , ويشرق به الوجود في قلبه وحسه . . وكذلك كانت وظيفة موسى في قومه . ووظيفة الرسل كما بينتها السورة .

وفي قول الرسل مجتمعين:

(يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم). .

والدعوة لأجل الغفران نعمة تعدل نعمة النور , وهي منه قريب . .

وفي جو الحديث عن النعمة يذكر موسى قومه بأنعم الله عليهم:

(وإذ قال موسى لقومه:اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم).

وفي هذا الجو يذكر وعد الله للرسل:

(فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد). .

وهي نعمة من نعم الله الكثار الكبار .

ويبرز السياق حقيقة زيادة النعمة بالشكر:

(وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم , ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). .

مع بيان أن الله غني عن الشكر وعن الشاكرين:

(إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد).

ويقرر السياق أن الإنسان في عمومه لا يشكر النعمة حق الشكر:

(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار). .

ولكن الذين يتدبرون آيات الله , وتتفتح لها بصائرهم يصبرون على البأساء ويشكرون على النعماء:

(إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور).

ويمثل الصبر والشكر في شخص إبراهيم في موقف خاشع , وفي دعاء واجف , عند بيت الله الحرام , كله حمد وشكر وصبر ودعاء .

(وإذ قال إبراهيم:رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام . رب إنهن أضللن كثيرا من الناس , فمن تبعني فإنه مني , ومن عصاني فإنك غفور رحيم . ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم . ربنا ليقيموا الصلاة , فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون . ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن , وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء . الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء . رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي , ربنا وتقبل دعاء , ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب). .

ولأن النعمة والشكر عليها والكفر بها تطبع جو السورة تجيء التعبيرات والتعليقات فيها متناسقة مع هذا الجو:

(وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون). .

(إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور). .

(ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار). .

(اذكروا نعمة الله عليكم). .

(الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق). .

وفي رد الأنبياء على اعتراض المكذبين بأنهم بشر يجيء:

(ولكن الله يمن على من يشاء من عباده). .

فيبرز منة الله تنسيقا للرد مع جو السورة كله . جو النعمة والمنة والشكر والكفران . .

وهكذا يتساوق التعبير اللفظي مع ظلال الجو العام في السورة كلها على طريقة التناسق الفني في القرآن . .

وتنقسم السورة إلى مقطعين متماسكي الحلقات:

المقطع الأول يتضمن بيان حقيقة الرسالة وحقيقة الرسول . ويصور المعركة بين أمة الرسل وفرقة المكذبين في الدنيا وفي الآخرة , ويعقب عليها بمثل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة .

والمقطع الثاني يتحدث عن نعم الله على البشر , والذين كفروا بهذه النعمة وبطروا . والذين آمنوا بها وشكروا ونموذجهم الأول هو إبراهيم . ويصور مصير الظالمين الكافرين بنعمة الله في سلسلة من أعنف مشاهد القيامة وأجملها , وأحفلها بالحركة والحياة . . ليختم السورة ختاما يتسق مع مطلعها:

هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد , وليذكر أولو الألباب . .

فلنأخذ في السير مع المقطع الأول في السياق:

الوحدة الأولى:1 - 27 الموضوع:حقيقة الرسالة والرسول والمواجهة مع الكفار الدرس الأول:1 - 4 حقيقة الوحي والرسالة وطبيعة القرآن

(ألر . كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد . الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض , وويل للكافرين من عذاب شديد . الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة , ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا , أولئك في ضلال بعيد . وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم , فيضل الله من يشاء , ويهدي من يشاء , وهو العزيز الحكيم). .

ألف لام . را . .(كتاب أنزلناه إليك). .

هذا الكتاب المؤلف من جنس هذه الأحرف كتاب أنزلناه إليك . لم تنشئه أنت . أنزلناه إليك لغاية:

(لتخرج الناس من الظلمات إلى النور). .

لتخرج هذه البشرية من الظلمات . ظلمات الوهم والخرافة . وظلمات الأوضاع والتقاليد . وظلمات الحيرة في تيه الأرباب المتفرقة , وفي اضطراب التصورات والقيم والموازين . . لتخرج البشرية من هذه الظلمات كلها إلى النور . النور الذي يكشف هذه الظلمات . يكشفها في عالم الضمير وفي دنيا التفكير . ثم يكشفها في واقع الحياة والقيم والأوضاع والتقاليد .

والإيمان بالله نور يشرق في القلب , فيشرق به هذا الكيان البشري , المركب من الطينة الغليظة ومن نفخة روح الله . فإذا ما خلا من إشراق هذه النفخة , وإذا ما طمست فيه هذه الإشراقة استحال طينة معتمة . طينة من لحم ودم كالبهيمة , فاللحم والدم وحدهما من جنس طينة الأرض ومادتها . لولا تلك الإشراقة التي تنتفض فيه من روح الله , يرقرقها الإيمان ويجلوها , ويطلقها تشف في هذا الكيان المعتم , ويشف بها هذا الكيان المعتم .

والإيمان بالله نور تشرق به النفس , فترى الطريق . ترى الطريق واضحة إلى الله , لا يشوبها غبش ولا يحجبها ضباب . غبش الأوهام وضباب الخرافات . أو غبش الشهوات وضباب الأطماع . ومتى رأت الطريق سارت على هدى لا تتعثر ولا تضطرب ولا تتردد ولا تحتار .

والإيمان بالله نور تشرق به الحياة . فإذا الناس كلهم عباد متساوون . تربط بينهم آصرتهم في الله وتتمحض دينونتهم له دون سواه , فلا ينقسمون إلى عبيد وطغاة . وتربطهم بالكون كله رابطة المعرفة . معرفة الناموس المسير لهذا الكون وما فيه ومن فيه . فإذا هم في سلام مع الكون وما فيه ومن فيه .

والإيمان بالله نور . نور العدل . ونور الحرية . ونور المعرفة . ونور الأنس بجوار الله , والاطمئنان إلى عدله ورحمته وحكمته في السراء والضراء . ذلك الاطمئنان الذي يستتبع الصبر في الضراء والشكر في السراء على نور من إدراك الحكمة في البلاء .

والإيمان بالله وحده إلها وربا , منهج حياة كامل لا مجرد عقيدة تغمر الضمير وتسكب فيه النور . . منهج حياة يقوم على قاعدة العبودية لله وحده , والدينونة لربوبيته وحده , والتخلص من ربوبيات العبيد , والاستعلاء على حاكمية العبيد . .

وفي هذا المنهج من المواءمة مع الفطرة البشرية , ومع الحاجات الحقيقية لهذه الفطرة , ما يملأ الحياة سعادة ونور وطمأنينة وراحة . كما أن فيه من الاستقرار والثبات عاصما من التقلبات والتخبطات التي تتعرض لها المجتمعات التي تخضع لربوبية العبيد , وحاكمية العبيد , ومناهج العبيد في السياسة والحكم وفي الاقتصاد والاجتماع , وفي الخلق والسلوك , وفي العادات والتقاليد . . وذلك فوق صيانة هذا المنهج للطاقة البشرية أن تبذل في تأليه العبيد , والطبل والزمر للطواغيت !!!

وإن وراء هذا التعبير القصير: (لتخرج الناس من الظلمات إلى النور . .)لآفاقا بعيدة لحقائق ضخمة عميقة في عالم العقل والقلب . وفي عالم الحياة والواقع , لا يبلغها التعبير البشري ولكنه يشير !

(لتخرج الناس من الظلمات إلى النور . . بإذن ربهم). .

فليس في قدرة الرسول إلا البلاغ , وليس من وظيفته إلا البيان . أما إخراج الناس من الظلمات إلى النور , فإنما يتحقق بإذن الله , وفق سنته التي ارتضتها مشيئته , وما الرسول إلا رسول !

(لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم). . (إلى صراط العزيز الحميد). .

فالصراط بدل من النور . وصراط الله:طريقه , وسنته , وناموسه الذي يحكم الوجود وشريعته التي تحكم الحياة . والنور يهدي إلى هذا الصراط , أو النور هو الصراط . وهو أقوى في المعنى . فالنور المشرق في ذات النفس هو المشرق في ذات الكون . هو السنة . هو الناموس . هو الشريعة . والنفس التي تعيش في هذا النور لا تخطيء الإدراك ولا تخطيء التصور ولا تخطيء السلوك . فهي على صراط مستقيم . . (صراط العزيز الحميد). . مالك القوة القاهر المسيطر المحمود المشكور .

والقوة تبرز هنا لتهديد من يكفرون , والحمد يبرز لتذكير من يشكرون . . ثم يعقبها التعريف بالله سبحانه . إنه مالك ما في السماوات وما في الأرض , الغني عن الناس , المسيطر على الكون وما فيه ومن فيه:

(الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض). .

فمن خرج واهتدى فذاك . ولا يذكر عنه شيئا هنا , إنما يمضي السياق إلى تهديد الكافرين ينذرهم بالويل من عذاب شديد . جزاء كفرهم هذه النعمة . نعمة إرسال الرسول بالكتاب ليخرجهم من الظلمات إلى النور . وهي النعمة الكبرى التي لا يقوم لها شكر إنسان . فكيف بالكفران:

(وويل للكافرين من عذاب شديد). .

ثم يكشف عن صفة تحمل معنى العلة لكفر الكافرين بنعمة الله التي يحملها رسوله الكريم:

(الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة). . (ويصدون عن سبيل الله , ويبغونها عوجا , أولئك في ضلال بعيد). .

فاستحباب الحياة الدنيا على الآخرة يصطدم بتكاليف الإيمان ; ويتعارض مع الاستقامة على الصراط . وليس الأمر كذلك حين تستحب الآخرة , لأنه عندئذ تصلح الدنيا , ويصبح المتاع بها معتدلا , ويراعى فيه وجه الله . فلا يقع التعارض بين استحباب الآخرة ومتاع هذه الحياة .

إن الذين يوجهون قلوبهم للآخرة , لا يخسرون متاع الحياة الدنيا - كما يقوم في الأخيلة المنحرفة . فصلاح الآخرة في الإسلام يقتضي صلاح هذه الدنيا . والإيمان بالله يقتضي حسن الخلافة في الأرض . وحسن الخلافة في الأرض هو استعمارها والتمتع بطيباتها . إنه لا تعطيل للحياة في الإسلام انتظارا للآخرة , ولكن تعمير للحياة بالحق والعدل والاستقامة ابتغاء رضوان الله , وتمهيدا للآخرة . . هذا هو الإسلام .

فأما الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة , فلا يملكون أن يصلوا إلى غاياتهم من الاستئثار بخيرات الأرض , ومن الكسب الحرام , ومن استغلال الناس وغشهم واستعبادهم . . لا يملكون أن يصلوا إلى غاياتهم هذه في نور الإيمان بالله , وفي ظل الاستقامة على هداه . ومن ثم يصدون عن سبيل الله . يصدون أنفسهم ويصدون الناس , ويبغونها عوجا لا استقامة فيها ولا عدالة . وحين يفلحون في صد أنفسهم وصد غيرهم عن سبيل الله , وحين يتخلصون من استقامة سبيله وعدالتها , فعندئذ فقط يملكون أن يظلموا وأن يطغوا وأن
من الاية 4 الى الاية 7

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)

يغشوا وأن يخدعوا وأن يغروا الناس بالفساد , فيتم لهم الحصول على ما يبغونه من الاستئثار بخيرات الأرض , والكسب الحرام , والمتاع المرذول , والكبرياء في الأرض , وتعبيد الناس بلا مقاومة ولا استنكار .

إن منهج الإيمان ضمانة للحياة وضمانة للأحياء من أثرة الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة , واستئثارهم بخيرات هذه الحياة .

(وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم). .

وهذه نعمة شاملة للبشر في كل رسالة . فلكي يتمكن الرسول من إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم , لم يكن بد من أن يرسل بلغتهم , ليبين لهم وليفهموا عنه , فتتم الغاية من الرسالة .

وقد أرسل النبي [ ص ] بلسان قومه - وإن كان رسولا إلى الناس كافة - لأن قومه هم الذين سيحملون رسالته إلى كافة البشر . وعمره [ ص ] محدود . وقد أمر ليدعو قومه أولا حتى تخلص الجزيرة العربية للإسلام . ومن ثم تكون مهدا يخرج منه حملة رسالة محمد إلى سائر بقاع الأرض . والذي حدث بالفعل - وهو من تقدير الله العليم الخبير - أن اختير الرسول إلى جوار ربه عند انتهاء الإسلام إلى آخر حدود الجزيرة , وبعث جيش أسامة إلى أطراف الجزيرة , الذي توفي الرسول [ ص ] ولم يتحرك بعد . . وحقيقة إن الرسول قد بعث برسائله إلى خارج الجزيرة يدعو إلى الإسلام , تصديقا لرسالته إلى الناس كافة . ولكن الذي قدره الله له , والذي يتفق مع طبيعة العمر البشري المحدود , أن يبلغ الرسول [ ص ] قومه بلسانهم , وأن تتم رسالته إلى البشر كافة عن طريق حملة هذه الرسالة إلى الأصقاع . . وقد كان . . فلا تعارض بين رسالته للناس كافة , ورسالته بلسان قومه , في تقدير الله , وفي واقع الحياة .

(وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم). . (فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء). .

إذ تنتهي مهمة الرسول - كل رسول - عند البيان . أما ما يترتب عليه من هدى ومن ضلال , فلا قدرة له عليه , وليس خاضعا لرغبته , إنما هو من شأن الله . وضع له سنة ارتضتها مشيئته المطلقة . فمن سار على درب الضلال ضل , ومن سار على درب الهدى وصل . . هذا وذلك يتبع مشيئة الله , التي شرعت سنته في الحياة .

(وهو العزيز الحكيم). .

القادر على تصريف الناس والحياة , يصرفهم بحكمة وتقدير فليست الأمور متروكة جزافا بلا توجيه ولا تدبير .

الدرس الثاني:5 - 8 طرف من قصة موسى مع بني إسرائيل

وكذلك كانت رسالة موسى . بلسان قومه .

(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا:أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور , وذكرهم بأيام الله . إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . وإذ قال موسى لقومه:اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون , يسومونكم سوء العذاب , ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم , وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم . وإذ تأذن ربكم:لئن شكرتم لأزيدنكم , ولئن كفرتم إن عذابي لشديد . وقال موسى:إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد). .

والتعبير يوحد بين صيغة الأمر الصادر لموسى والصادر لمحمد - عليهما صلاة الله وسلامه - تمشيا مع نسق الأداء في السورة - وقد تحدثنا عنه آنفا - فإذا الأمر هناك:

(لتخرج الناس من الظلمات إلى النور). .

والأمر هنا:

(أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور). .

الأولى للناس كافة والثانية لقوم موسى خاصة , ولكن الغاية واحدة:

(أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور). . (وذكرهم بأيام الله). .

وكل الأيام أيام الله . ولكن المقصود هنا أن يذكرهم بالأيام التي يبدو فيها للبشر أو لجماعة منهم أمر بارز أو خارق بالنعمة أو بالنقمة ; كما سيجيء في حكاية تذكير موسى لقومه . وقد ذكرهم بأيام لهم , وأيام لأقوام نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم . فهذه هي الأيام .

(إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور). .

ففي هذه الأيام ما هو بؤسى فهو آية للصبر , وفيها ما هو نعمى فهو آية للشكر . والصبار الشكور هو الذي يدرك هذه الآيات , ويدرك ما وراءها , ويجد فيها عبرة له وعظة ; كما يجد فيها تسرية وتذكيرا .

وراح موسى يؤدي رسالته , ويذكر قومه:

(وإذ قال موسى لقومه:اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب , ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم , وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم). .

إنه يذكرهم بنعمة الله عليهم . نعمة النجاة من سوء العذاب الذي كانوا يلقونه من آل فرعون , يسامونه سوما , أي يوالون به ويتابعون , فلا يفتر عنهم ولا ينقطع . ومن ألوانه البارزة تذبيح الذكور من الأولاد واستحياء الإناث , منعا لتكاثر القوة المانعة فيهم واستبقاء لضعفهم وذلهم . فإنجاء الله لهم من هذه الحال نعمة تذكر . وتذكر لتشكر .

(وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم). .

بلاء بالعذاب أولا , لامتحان الصبر والتماسك والمقاومة والعزم على الخلاص والعمل له . فليس الصبر هو احتمال الذل والعذاب وكفى . ولكن الصبر هو احتمال العذاب بلا تضعضع ولا هزيمة روحية , واستمرار العزم على الخلاص , والاستعداد للوقوف في وجه الظلم والطغيان . وإلا فما فهو صبر مشكور ذلك الاستسلام للذل والهوان . . وبلاء بالنجاة ثانيا لامتحان الشكر , والاعتراف بنعمة الله , والاستقامة على الهدى في مقابل النجاة .

ويمضي موسى في البيان لقومه . بعد ما ذكرهم بأيامه . ووجههم إلى الغاية من العذاب والنجاة . وهي الصبر للعذاب والشكر للنجاة . . يمضي ليبين لهم ما رتبه الله جزاء على الشكر والكفران:

(وإذ تأذن ربكم:لئن شكرتم لأزيدنكم , ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). .

ونقف نحن أمام هذه الحقيقة الكبيرة:حقيقة زيادة النعمة بالشكر , والعذاب الشديد على الكفر .

نقف نحن أمام هذه الحقيقة تطمئن إليها قلوبنا أول وهلة لأنها وعد من الله صادق . فلا بد أن يتحقق

من الاية 8 الى الاية 8

وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (Cool

على أية حال . . فإذا أردنا أن نرى مصداقها في الحياة , ونبحث عن أسبابه المدركة لنا , فإننا لا نبعد كثيرا في تلمس الأسباب .

إن شكر النعمة دليل على استقامة المقاييس في النفس البشرية . فالخير يشكر لأن الشكر هو جزاؤه الطبيعي في الفطرة المستقيمة . .

هذه واحدة . . والأخرى أن النفس التي تشكر الله على نعمته , تراقبه في التصرف بهذه النعمة . بلا بطر , وبلا استعلاء على الخلق , وبلا استخدام للنعمة في الأذى والشر والدنس والفساد .

وهذه وتلك مما يزكي النفس , ويدفعها للعمل الصالح , وللتصرف الصالح في النعمة بما ينميها ويبارك فيها ; ويرضي الناس عنها وعن صاحبها , فيكونون له عونا ; ويصلح روابط المجتمع فتنمو فيه الثروات في أمان . إلى آخر الأسباب الطبيعية الظاهرة لنا في الحياة . وإن كان وعد الله بذاته يكفي لاطمئنان المؤمن , أدرك الأسباب أو لم يدركها , فهو حق واقع لأنه وعد الله .

والكفر بنعمة الله قد يكون بعدم شكرها . أو بإنكار أن الله واهبها , ونسبتها إلى العلم والخبرة والكد الشخصي والسعي ! كأن هذه الطاقات ليست نعمة من نعم الله ! وقد يكون بسوء استخدامها بالبطر والكبر على الناس واستغلالها للشهوات والفساد . . وكله كفر بنعمة الله . .

والعذاب الشديد قد يتضمن محق النعمة . عينا بذهابها . أو سحق آثارها في الشعور . فكم من نعمة تكون بذاتها نقمة يشقى بها صاحبها ويحسد الخالين ! وقد يكون عذابا مؤجلا إلى أجله في الدنيا أو في الآخرة كما يشاء الله . ولكنه واقع لأن الكفر بنعمة الله لا يمضي بلا جزاء .

ذلك الشكر لا تعود على الله عائدته . وهذا الكفر لا يرجع على الله أثره . فالله غني بذاته محمود بذاته , لا بحمد الناس وشكرهم على عطاياه .

(وقال موسى:إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد). .

إنما هو صلاح الحياة يتحقق بالشكر , ونفوس الناس تزكو بالاتجاه إلى الله , وتستقيم بشكر الخير , وتطمئن إلى الاتصال بالمنعم , فلا تخشى نفاذ النعمة وذهابها , ولا تذهب حسرات وراء ما ينفق أو يضيع منها . فالمنعم موجود , والنعمة بشكره تزكو وتزيد .

الدرس الثالث:9 - 17 الصراع بين الرسل وأعدائهم والنهاية السوداء لكل جبار عنيد

ويستمر موسى في بيانه وتذكيره لقومه . ولكنه يتوارى عن المشهد لتبرز المعركة الكبرى بين أمة الأنبياء والجاهليات المكذبة بالرسل والرسالات . وذلك من بدائع الأداء في القرآن , لإحياء المشاهد , ونقلها من حكاية تروى إلى مشهد ينظر ويسمع , وتتحرك فيه الشخوص , وتتجلى فيه السمات والانفعالات . .

والآن إلى الساحة الكبرى التي يتلاشى فيها الزمان والمكان:

(ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم , قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ? جاءتهم رسلهم بالبينات , فردوا أيديهم في أفواههم , وقالوا:إنا كفرنا بما أرسلتم به , وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب). .

هذا التذكير من قول موسى . ولكن السياق منذ الآن يجعل موسى يتوارى ليستمر في عرض قصة الرسل والرسالات في جميع أزمانها . قصة الرسل والرسالات وحقيقتها في مواجهة الجاهلية , وعاقبة المكذبين بها
إبراهيم

من الاية 9 الى الاية 9

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)

على اختلاف الزمان والمكان . . وكأن موسى "راوية " يبدأ بالإشارة إلى أحداث الرواية الكبرى . ثم يدع أبطالها يتحدثون بعد ذلك ويتصرفون . . وهي طريقة من طرق العرض للقصة في القرآن , تحول القصة المحكية إلى رواية حية كما أسلفنا . وهنا نشهد الرسل الكرام في موكب الإيمان , يواجهون البشرية متجمعة في جاهليتها . حيث تتوارى الفواصل بين أجيالها وأقوامها . وتبرز الحقائق الكبرى مجردة عن الزمان والمكان . كما هي في حقيقة الوجود خلف حواجز الزمان والمكان:

(ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم:قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ?). .

فهم كثير إذن , وهناك غير من جاء ذكرهم في القرآن . ما بين ثمود وقوم موسى . والسياق هنا لا يعني بتفصيل أمرهم , فهناك وحدة في دعوة الرسل ووحدة فيما قوبلت به:

(جاءتهم رسلهم بالبينات). .

الواضحات التي لا يلتبس أمرها على الإدراك السليم .

(فردوا أيديهم في أفواههم , وقالوا:إنا كفرنا بما أرسلتم به ; وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب). .

ردوا أيديهم في أفواههم كما يفعل من يريد تمويج الصوت ليسمع عن بعد , بتحريك كفه أمام فمه وهو يرفع صوته ذهابا وإيابا فيتموج الصوت ويسمع . يرسم السياق هذه الحركة التي تدل على جهرهم بالتكذيب والشك , وإفحاشهم في هذا الجهر , وإتيانهم بهذه الحركة الغليظة التي لا أدب فيها ولا ذوق , إمعانا منهم في الجهر بالكفر .

ولما كان الذي يدعوهم إليه رسلهم هو الاعتقاد بألوهية الله وحده , وربوبيته للبشر بلا شريك من عباده . . فإن الشك في هذه الحقيقة الناطقة التي تدركها الفطرة , وتدل عليها آيات الله المبثوثة في ظاهر الكون المتجلية في صفحاته , يبدو مستنكرا قبيحا , وقد استنكر الرسل هذا الشك . والسماوات والأرض شاهدان .

(قالت رسلهم:أفي الله شك فاطر السماوات والأرض ?). .

أفي الله شك والسماوات والأرض تنطقان للفطرة بأن الله أبدعهما إبداعا وأنشأهما إنشاء ? قالت رسلهم هذا القول , لأن السماوات والأرض آيتان هائلتان بارزتان , فمجرد الإشارة إليهما يكفي , ويرد الشارد إلى الرشد سريعا , ولم يزيدوا على الإشارة شيئا لأنها وحدها تكفي ; ثم أخذوا يعددون نعم الله على البشر في دعوتهم إلى الإيمان , وفي إمهالهم إلى أجل يتدبرون فيه ويتقون العذاب:

(أفي الله شك فاطر السماوات والأرض . يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم).

والدعوة أصلا دعوة إلى الإيمان , المؤدي إلى المغفرة . ولكن السياق يجعل الدعوة مباشرة للمغفرة , لتتجلى نعمة الله ومنته . وعندئذ يبدو عجيبا أن يدعى قوم إلى المغفرة فيكون هذا تلقيهم للدعوة !

(يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم). . (ويؤخركم إلى أجل مسمى). .

فهو - سبحانه - مع الدعوة للمغفرة لا يعجلكم بالإيمان فور الدعوة , ولا يأخذكم بالعذاب فور التكذيب . إنما يمن عليكم منة أخرى فيؤخركم إلى أجل مسمى . إما في هذه الدنيا وإما إلى يوم الحساب , ترجعون فيه إلى نفوسكم , وتتدبرون آيات الله وبيان رسلكم . وهي رحمة وسماحة تحسبان في باب النعم . . فهل هذا هو جواب دعوة الله الرحيم المنان ?!
من الاية 10 الى الاية 11

قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)

هنا يرجع القوم في جهالتهم إلى ذلك الاعتراض الجهول:

(قالوا:إن أنتم إلا بشر مثلنا , تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا). .

وبدلا من أن يعتز البشر باختيار الله لواحد منهم ليحمل رسالته , فإنهم لجهالتهم ينكرون هذا الاختيار , ويجعلونه مثار ريبة في الرسل المختارين ; ويعللون دعوة رسلهم لهم بأنها رغبة في تحويلهم عما كان يعبد آباؤهم . ولا يسألون أنفسهم:لماذا يرغب الرسل في تحويلهم ?! وبطبيعة الجمود العقلي الذي تطبعه الوثنيات في العقول لا يفكرون فيما كان يعبد آباؤهم:ما قيمته ? ما حقيقته ? ماذا يساوي في معرض النقد والتفكير ?! وبطبيعة الجمود العقلي كذلك لا يفكرون في الدعوة الجديدة , إنما يطلبون خارقة ترغمهم على التصديق:

(فأتونا بسلطان مبين). .

ويرد الرسل . . لا ينكرون بشريتهم بل يقررونها , ولكنهم يوجهون الأنظار إلى منة الله في اختيار رسل من البشر , وفي منحهم ما يؤهلهم لحمل الأمانة الكبرى:

(قالت لهم رسلهم:إن نحن إلا بشر مثلكم . ولكن الله يمن على من يشاء من عباده). .

ويذكر السياق لفظ(يمن)تنسيقا للحوار مع جو السورة . جو الحديث عن نعم الله . ومنها هذه المنة على من يشاء من عباده . وهي منة ضخمة لا على أشخاص الرسل وحدهم . ولكن كذلك على البشرية التي تشرف بانتخاب أفراد منها لهذه المهمة العظمى . مهمة الاتصال والتلقي من الملأ الأعلى . وهي منة على البشرية بتذكير الفطرة التي ران عليها الركام لتخرج من الظلمات إلى النور ; ولتتحرك فيها أجهزة الاستقبال والتلقي فتخرج من الموت الراكد إلى الحياة المتفتحة . . ثم هي المنة الكبرى على البشرية بإخراج الناس من الدينونة للعباد إلى الدينونة لله وحده بلا شريك ; واستنقاذ كرامتهم وطاقتهم من الذل والتبدد في الدينونة للعبيد . . الذل الذي يحني هامة إنسان لعبد مثله ! والتبدد الذي يسخر طاقة إنسان لتأليه عبد مثله !

فأما حكاية الإتيان بسلطان مبين , وقوة خارقة , فالرسل يبينون لقومهم أنها من شأن الله . ليفرقوا في مداركهم المبهمة المظلمة بين ذات الله الإلهية , وذواتهم هم البشرية , وليمحصوا صورة التوحيد المطلق الذي لا يلتبس بمشابهة في ذات ولا صفة , وهي المتاهة التي تاهت فيها الوثنيات كما تاهت فيها التصورات الكنسية في المسيحية عندما تلبست بالوثنيات الإغريقية والرومانية والمصرية والهندية . وكانت نقطة البدء في المتاهة هي نسبة الخوارق إلى عيسى - عليه السلام - بذاته واللبس بين ألوهية الله وعبودية عيسى عليه السلام !

(وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله). .

وما نعتمد على قوة غير قوته:

(وعلى الله فليتوكل المؤمنون). .

يطلقها الرسل حقيقة دائمة . فعلى الله وحده يتوكل المؤمن , لا يتلفت قلبه إلى سواه , ولا يرجو عونا إلا منه , ولا يرتكن إلا إلى حماه .

ثم يواجهون الطغيان بالإيمان , ويواجهون الأذى بالثبات ; ويسألون للتقرير والتوكيد:

(وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ? ولنصبرن على ما آذيتمونا , وعلى الله فليتوكل المتوكلون). .

(وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا). .

إنها كلمة المطمئن إلى موقفه وطريقه . المالئ يديه من وليه وناصره . المؤمن بأن الله الذي يهدي السبيل لا بد
من الاية 12 الى الاية 12

وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)

أن ينصر وأن يعين . وماذا يهم حتى ولو لم يتم في الحياة الدنيا نصر إذا كان العبد قد ضمن هداية السبيل ? والقلب الذي يحس أن يد الله - سبحانه - تقود خطاه , وتهديه السبيل , هو قلب موصول بالله لا يخطئ الشعور بوجوده - سبحانه - وألوهيته القاهرة المسيطرة ; وهو شعور لا مجال معه للتردد في المضي في الطريق , أيا كانت العقبات في الطريق , وأيا كانت قوى الطاغوت التي تتربص في هذا الطريق . ومن ثم هذا الربط في رد الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - بين شعورهم بهداية الله لهم وبين توكلهم عليه في مواجهة التهديد السافر من الطواغيت ; ثم إصرارهم على المضي في طريقهم في وجه هذا التهديد .

وهذه الحقيقة - حقيقة الارتباط في قلب المؤمن بين شعوره بهداية الله وبين بديهية التوكل عليه - لا تستشعرها إلا القلوب التي تزاول الحركة فعلا في مواجهة طاغوت الجاهلية ; والتي تستشعر في أعماقها يد الله - سبحانه - وهي تفتح لها كوى النور فتبصر الآفاق المشرقة وتستروح أنسام الإيمان والمعرفة , وتحس الأنس والقربى . . وحينئذ لا تحفل بما يتوعدها به طواغيت الأرض ; ولا تملك أن تستجيب للإغراء ولا للتهديد ; وهي تحتقر طواغيت الأرض وما في أيديهم من وسائل البطش والتنكيل . وماذا يخاف القلب الموصول بالله على هذا النحو ? وماذا يخيفه من أولئك العبيد ?!

(وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا). .

(ولنصبرن على ما آذيتمونا).

لنصبرن , لا نتزحزح ولا نضعف ولا نتراجع ولا نهن ; ولا نتزعزع ولا نشك ولا نفرط ولا نحيد . .

(وعلى الله فليتوكل المتوكلون). .

وهنا يسفر الطغيان عن وجهه . لا يجادل ولا يناقش ولايفكر ولا يتعقل , لأنه يحس بهزيمته أمام انتصار العقيدة , فيسفر بالقوة المادية الغليظة التي لا يملك غيرها المتجبرون:

(وقال الذين كفروا لرسلهم:لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا)!

هنا تتجلى حقيقة المعركة وطبيعتها بين الإسلام والجاهلية . . إن الجاهلية لا ترضى من الإسلام أن يكون له كيان مستقل عنها . ولا تطيق أن يكون له وجود خارج عن وجودها . وهي لا تسالم الإسلام حتى لو سالمها . فالإسلام لا بد أن يبدو في صورة تجمع حركي مستقل بقيادة مستقلة وولاء مستقل , وهذا ما لا تطيقه الجاهلية . لذلك لا يطلب الذين كفروا من رسلهم مجرد أن يكفوا عن دعوتهم ; ولكن يطلبون منهم أن يعودوا في ملتهم , وأن يندمجوا في تجمعهم الجاهلي , وأن يذوبوا في مجتمعهم فلا يبقى لهم كيان مستقل . وهذا ما تأباه طبيعة هذا الدين لأهله , وما يرفضه الرسل من ثم ويأبونه , فما ينبغي لمسلم أن يندمج في التجمع الجاهلي مرة أخرى . .

وعندما تسفر القوة الغاشمة عن وجهها الصلد لا يبقى مجال لدعوة , ولا يبقى مجال لحجة ; ولا يسلم الله الرسل إلى الجاهلية . .

إن التجمع الجاهلي - بطبيعة تركيبه العضوي - لا يسمح لعنصر مسلم أن يعمل من داخله , إلا أن يكون عمل المسلم وجهده وطاقته لحساب التجمع الجاهلي , ولتوطيد جاهليته ! والذين يخيل إليهم أنهم قادرون على العمل لدينهم من خلال التسرب في المجتمع الجاهلي , والتميع في تشكيلاته وأجهزته هم ناس لا يدركون الطبيعة العضوية للمجتمع . هذه الطبيعة التي ترغم كل فرد داخل المجتمع أن يعمل لحساب هذا المجتمع
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى