تفسير سورة الانسان ايه26==الى تفسير سورة المرسلات ايه 20
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة الانسان ايه26==الى تفسير سورة المرسلات ايه 20
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا ( 26 ) إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا ( 27 ) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا ( 28 ) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا ( 29 ) وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 30 ) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( 31 )
"< 8-294 >"
( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا ) كقوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء : 79] وكقوله: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا [المزمل : 1-4] .
ثم قال: منكرًا على الكفار ومن أشبههم في حُبّ الدنيا والإقبال عليها والانصباب إليها، وترك الدار الآخرة وراء ظهورهم: ( إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا ) يعني: يوم القيامة.
ثم قال: ( نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ) قال ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد: يعني خَلْقَهم. ( وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا ) أي: وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة، وبَدلناهم فأعدناهم خلقا جديدا. وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة.
وقال ابن زيد، وابن جرير: ( وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا ) [أي] : وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم، كقوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا [النساء : 133] وكقوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [إبراهيم: 19، 20 ، وفاطر 16، 17] .
ثم قال تعالى: ( إِنَّ هَذِهِ ) يعنى: هذه السورة ( تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا ) أي طريقا ومسلكا، أي: من شاء اهتدى بالقرآن، كقوله: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا [النساء : 39] . "< 8-295 >"
ثم قال: ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) أي: لا يقدر أحد أن يَهدي نفسه، ولا يدخل في الإيمان ولا يجر لنفسه نفعًا، ( إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) أي: عليم بمن يستحق الهداية فَيُيَسّرها له، ويقيض له أسبابها، ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة؛ ولهذا قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا )
ثم قال: ( يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) أي: يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ومن يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
[آخر سورة "الإنسان"] [والله أعلم]
"< 8-296 >"
تفسير سورة المرسلات
وهي مكية.
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، [حدثنا أبي] ،حدثنا الأعمش، حدثني إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله -هو ابن مسعود-قال: بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم، في غار بمنى، إذ نـزلت عليه: " وَالْمُرْسَلاتِ "فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها، إذ وَثَبت علينا حَيَّة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقتلوها". فابتدرناها فذهبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وُقِيَتْ شركم كما وُقِيتُم شرّهَا".
وأخرجه مسلم أيضا، من طريق الأعمش .
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان بن عُيَيْنَة، عن الزّهْري، عن عُبَيد الله، عن ابن عباس، عن أمه: أنها سَمعَت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عُرفًا .
وفي رواية مالك، عن الزهري، عن عُبَيد الله، عن ابن عباس: أن أم الفضل سمعته يقرأ: " وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا "،فقالت: يا بني، ذكَّرتني بقراءتك هذه السورة، أنها لآخر ما سمعتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب.
أخرجاه في الصحيحين، من طريق مالك، به .
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ( 1 ) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا ( 2 ) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ( 3 ) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا ( 4 ) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا ( 5 ) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ( 6 ) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ( 7 ) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ( 8 ) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ( 9 ) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ( 10 ) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ( 11 ) لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ( 12 ) لِيَوْمِ الْفَصْلِ ( 13 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ( 14 ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ( 15 )
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا زكريا بن سهل المروزي، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا الحسين بن واقد، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيرة: ( وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ) قال: الملائكة.
"< 8-297 >"
قال: ورُوي عن مسروق، وأبي الضحى، ومجاهد -في إحدى الروايات-والسّدي، والربيع بن أنس، مثلُ ذلك.
ورُويَ عن أبي صالح أنه قال: هي الرسل. وفي رواية عنه: أنها الملائكة. وهكذا قال أبو صالح في " الْعَاصِفَاتِ" و " النَّاشِرَات " [و " الْفَارِقَاتِ " ] و " الْمُلْقِيَاتِ" : أنها الملائكة.
وقال الثوري، عن سلمة بن كُهَيل، عن مُسلم البَطين، عن أبي العُبَيدَين قال: سألت ابنَ مسعود عن ( وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ) قال: الريح. وكذا قال في: ( فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا* وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ) إنها الريح. وكذا قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وأبو صالح -في رواية عنه-وتوقف ابن جرير في ( وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ) هل هي الملائكة إذا أرسلت بالعُرْف، أو كعُرْف الفَرَس يتبع بعضهم بعضا؟ أو: هي الرياح إذا هَبَّت شيئا فشيئا؟ وقطع بأن العاصفات عصفا هي الرياح، كما قاله ابن مسعود ومن تابعه. وممن قال ذلك في العاصفات أيضا: علي بن أبي طالب ، والسدي، وتوقف في ( وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ) هل هي الملائكة أو الريح؟ كما تقدم. وعن أبي صالح: أن الناشرات نشرا: المطر.
والأظهر أن: "الْمُرْسَلات" هي الرياح، كما قال تعالى: وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ [ الحجر : 22]، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [ الأعراف : 57] وهكذا العاصفات هي: الرياح، يقال: عصفت الريح إذا هَبَّت بتصويت، وكذا الناشرات هي: الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء، كما يشاء الرب عز وجل.
وقوله: ( فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ) يعني: الملائكة قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومسروق، ومجاهد، وقتادة، والربيع بن أنس، والسّدي، والثوري. ولا خلاف هاهنا؛ فإنها تنـزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، والهدى والغيّ، والحلال والحرام، وتلقي إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق، وإنذارٌ لهم عقابَ الله إن خالفوا أمره.
وقوله: ( إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ) هذا هو المقسم عليه بهذه الأقسام، أي: ما وعدتم به من قيام الساعة، والنفخ في الصور، وبعث الأجساد وجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، ومجازاة كل عامل بعمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، إن هذا كله ( لَوَاقِع ) أي: لكائن لا محالة.
ثم قال: ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) أي: ذهب ضوؤها، كقوله: وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [ التكوير : 2] وكقوله: وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ [ الانفطار : 2].
( وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ) أي: انفطرت وانشقت، وتدلت أرجاؤها، وَوَهَت أطرافها.
( وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ) أي: ذُهِب بها، فلا يبقى لها عين ولا أثر، كقوله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا [ طه : 105 -107] "< 8-298 >" وقال تعالى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [ الكهف : 47]
وقوله: ( وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ) قال العوفي، عن ابن عباس: جمعت. وقال ابن زيد: وهذه كقوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ [ المائدة : 109] . وقال مجاهد: ( أُقِّتَت ) أجلت.
وقال الثوري، عن منصور، عن إبراهيم: ( أُقِّتَت ) أوعدت. وكأنه يجعلها كقوله: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [ الزمر : 69] .
ثم قال: ( لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) يقول تعالى: لأي يوم أجلت الرسل وأرجئ أمرها؟ حتى تقوم الساعة، كما قال تعالى: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [ إبراهيم : 47 ، 48] وهو يوم الفصل، كما قال ( لِيَوْمِ الْفَصْلِ )
ثم قال معظما لشأنه: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) أي: ويل لهم من عذاب الله غدا. وقد قدمنا في الحديث أن "ويل": واد في جهنم. ولا يصح.
أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ ( 16 ) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ ( 17 ) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ( 18 ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ( 19 )
يقول تعالى: ( أَلَمْ نُهْلِكِ الأوَّلِينَ ) ؟ يعني: من المكذبين للرسل المخالفين لما جاؤوهم به،
( ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ ) أي: ممن أشبههم؛ ولهذا قال: ( كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) قاله ابن جرير .
"< 8-294 >"
( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا ) كقوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء : 79] وكقوله: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا [المزمل : 1-4] .
ثم قال: منكرًا على الكفار ومن أشبههم في حُبّ الدنيا والإقبال عليها والانصباب إليها، وترك الدار الآخرة وراء ظهورهم: ( إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا ) يعني: يوم القيامة.
ثم قال: ( نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ) قال ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد: يعني خَلْقَهم. ( وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا ) أي: وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة، وبَدلناهم فأعدناهم خلقا جديدا. وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة.
وقال ابن زيد، وابن جرير: ( وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا ) [أي] : وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم، كقوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا [النساء : 133] وكقوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [إبراهيم: 19، 20 ، وفاطر 16، 17] .
ثم قال تعالى: ( إِنَّ هَذِهِ ) يعنى: هذه السورة ( تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا ) أي طريقا ومسلكا، أي: من شاء اهتدى بالقرآن، كقوله: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا [النساء : 39] . "< 8-295 >"
ثم قال: ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) أي: لا يقدر أحد أن يَهدي نفسه، ولا يدخل في الإيمان ولا يجر لنفسه نفعًا، ( إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) أي: عليم بمن يستحق الهداية فَيُيَسّرها له، ويقيض له أسبابها، ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة؛ ولهذا قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا )
ثم قال: ( يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) أي: يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ومن يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
[آخر سورة "الإنسان"] [والله أعلم]
"< 8-296 >"
تفسير سورة المرسلات
وهي مكية.
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، [حدثنا أبي] ،حدثنا الأعمش، حدثني إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله -هو ابن مسعود-قال: بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم، في غار بمنى، إذ نـزلت عليه: " وَالْمُرْسَلاتِ "فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها، إذ وَثَبت علينا حَيَّة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقتلوها". فابتدرناها فذهبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وُقِيَتْ شركم كما وُقِيتُم شرّهَا".
وأخرجه مسلم أيضا، من طريق الأعمش .
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان بن عُيَيْنَة، عن الزّهْري، عن عُبَيد الله، عن ابن عباس، عن أمه: أنها سَمعَت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عُرفًا .
وفي رواية مالك، عن الزهري، عن عُبَيد الله، عن ابن عباس: أن أم الفضل سمعته يقرأ: " وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا "،فقالت: يا بني، ذكَّرتني بقراءتك هذه السورة، أنها لآخر ما سمعتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب.
أخرجاه في الصحيحين، من طريق مالك، به .
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ( 1 ) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا ( 2 ) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ( 3 ) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا ( 4 ) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا ( 5 ) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ( 6 ) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ( 7 ) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ( 8 ) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ( 9 ) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ( 10 ) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ( 11 ) لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ( 12 ) لِيَوْمِ الْفَصْلِ ( 13 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ( 14 ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ( 15 )
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا زكريا بن سهل المروزي، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا الحسين بن واقد، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيرة: ( وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ) قال: الملائكة.
"< 8-297 >"
قال: ورُوي عن مسروق، وأبي الضحى، ومجاهد -في إحدى الروايات-والسّدي، والربيع بن أنس، مثلُ ذلك.
ورُويَ عن أبي صالح أنه قال: هي الرسل. وفي رواية عنه: أنها الملائكة. وهكذا قال أبو صالح في " الْعَاصِفَاتِ" و " النَّاشِرَات " [و " الْفَارِقَاتِ " ] و " الْمُلْقِيَاتِ" : أنها الملائكة.
وقال الثوري، عن سلمة بن كُهَيل، عن مُسلم البَطين، عن أبي العُبَيدَين قال: سألت ابنَ مسعود عن ( وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ) قال: الريح. وكذا قال في: ( فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا* وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ) إنها الريح. وكذا قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وأبو صالح -في رواية عنه-وتوقف ابن جرير في ( وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ) هل هي الملائكة إذا أرسلت بالعُرْف، أو كعُرْف الفَرَس يتبع بعضهم بعضا؟ أو: هي الرياح إذا هَبَّت شيئا فشيئا؟ وقطع بأن العاصفات عصفا هي الرياح، كما قاله ابن مسعود ومن تابعه. وممن قال ذلك في العاصفات أيضا: علي بن أبي طالب ، والسدي، وتوقف في ( وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ) هل هي الملائكة أو الريح؟ كما تقدم. وعن أبي صالح: أن الناشرات نشرا: المطر.
والأظهر أن: "الْمُرْسَلات" هي الرياح، كما قال تعالى: وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ [ الحجر : 22]، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [ الأعراف : 57] وهكذا العاصفات هي: الرياح، يقال: عصفت الريح إذا هَبَّت بتصويت، وكذا الناشرات هي: الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء، كما يشاء الرب عز وجل.
وقوله: ( فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ) يعني: الملائكة قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومسروق، ومجاهد، وقتادة، والربيع بن أنس، والسّدي، والثوري. ولا خلاف هاهنا؛ فإنها تنـزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، والهدى والغيّ، والحلال والحرام، وتلقي إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق، وإنذارٌ لهم عقابَ الله إن خالفوا أمره.
وقوله: ( إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ) هذا هو المقسم عليه بهذه الأقسام، أي: ما وعدتم به من قيام الساعة، والنفخ في الصور، وبعث الأجساد وجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، ومجازاة كل عامل بعمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، إن هذا كله ( لَوَاقِع ) أي: لكائن لا محالة.
ثم قال: ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) أي: ذهب ضوؤها، كقوله: وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [ التكوير : 2] وكقوله: وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ [ الانفطار : 2].
( وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ) أي: انفطرت وانشقت، وتدلت أرجاؤها، وَوَهَت أطرافها.
( وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ) أي: ذُهِب بها، فلا يبقى لها عين ولا أثر، كقوله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا [ طه : 105 -107] "< 8-298 >" وقال تعالى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [ الكهف : 47]
وقوله: ( وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ) قال العوفي، عن ابن عباس: جمعت. وقال ابن زيد: وهذه كقوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ [ المائدة : 109] . وقال مجاهد: ( أُقِّتَت ) أجلت.
وقال الثوري، عن منصور، عن إبراهيم: ( أُقِّتَت ) أوعدت. وكأنه يجعلها كقوله: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [ الزمر : 69] .
ثم قال: ( لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) يقول تعالى: لأي يوم أجلت الرسل وأرجئ أمرها؟ حتى تقوم الساعة، كما قال تعالى: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [ إبراهيم : 47 ، 48] وهو يوم الفصل، كما قال ( لِيَوْمِ الْفَصْلِ )
ثم قال معظما لشأنه: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) أي: ويل لهم من عذاب الله غدا. وقد قدمنا في الحديث أن "ويل": واد في جهنم. ولا يصح.
أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ ( 16 ) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ ( 17 ) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ( 18 ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ( 19 )
يقول تعالى: ( أَلَمْ نُهْلِكِ الأوَّلِينَ ) ؟ يعني: من المكذبين للرسل المخالفين لما جاؤوهم به،
( ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ ) أي: ممن أشبههم؛ ولهذا قال: ( كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) قاله ابن جرير .
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة المرسلات عدد آياتها 50 ( آية 1-50 ) وهي مكية
» تفسير سورة المرسلات ايه20==الى اخر السورة
» تفسير سورة المرسلات ايه رقم 1 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الانسان ايه رقم 1 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة العصر==تفسير سورة ويل لكل همزة لمزة ==آخر تفسير سورة "الفيل".
» تفسير سورة المرسلات ايه20==الى اخر السورة
» تفسير سورة المرسلات ايه رقم 1 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الانسان ايه رقم 1 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة العصر==تفسير سورة ويل لكل همزة لمزة ==آخر تفسير سورة "الفيل".
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى