تفسير سورة الزخرف ايه 11---23
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة الزخرف ايه 11---23
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)
( وَالَّذِي نـزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ) أي: بحسب الكفاية لزروعكم وثماركم وشربكم، لأنفسكم ولأنعامكم. وقوله: ( فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ) أي: أرضا ميتة، فلما جاءها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج.
ثم نبه بإحياء الأرض على إحياء الأجساد يوم المعاد بعد موتها، فقال: ( كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ) .
ثم قال: ( وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا ) أي: مما تنبت الأرض من سائر الأصناف، من نبات وزروع وثمار وأزاهير، وغير ذلك [أي] من الحيوانات على اختلاف أجناسها وأصنافها، ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ ) أي: السفن ( وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ) أي: ذللها لكم وسخرها ويسرها لأكلكم لحومها، وشربكم ألبانها وركوبكم ظهورها؛ ولهذا قال: ( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ) أي: لتستووا متمكنين مرتفقين ( عَلَى ظُهُورِهِ ) أي: على ظهور هذا الجنس، ( ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ ) أي: فيما سخر لكم ( إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) أي: مقاومين. ولولا تسخير الله لنا هذا ما قدرنا عليه.
قال ابن عباس ، وقتادة، والسدي وابن زيد: ( مقرنين ) أي: مطيقين .
( وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ) أي: لصائرون إليه بعد مماتنا، وإليه سيرنا الأكبر. وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة، كما نبه بالزاد الدنيوي على [الزاد] الأخروي في قوله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة: 197] وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى: وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ] [الأعراف: 26].
ذكر الأحاديث الواردة عند ركوب الدابة:
حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه:
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن علي بن ربيعة قال: رأيت عليا، رضي الله عنه، أتى بدابة، فلما وضع رجله في الرِّكاب قال: باسم الله. فلما استوى عليها قال: الحمد لله، ( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ) ثم حمد الله ثلاثا، وكبر ثلاثا، ثم قال: سبحانك، لا إله إلا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي. ثم ضحك فقلت له: من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟ فقال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت ، ثم ضحك. فقلت: مم ضحكت يا رسول الله؟ فقال: "يعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر لي. ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري".
وهكذا رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، من حديث أبي الأحوص -زاد النسائي: ومنصور-عن أبي إسحاق السَّبِيعي، عن علي بن ربيعة الأسدي الوالبي، به . وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد قال عبد الرحمن بن مَهْدِيّ، عن شعبة: قلت لأبي إسحاق السَّبِيعي: ممن سمعت هذا الحديث؟ قال: من يونس بن خباب. فلقيت يونس بن خباب فقلت: ممن سمعته؟ فقال: من رجل سمعه من علي بن ربيعة. ورواه بعضهم عن يونس بن خباب، عن شقيق بن عقبة الأسدي، عن علي بن ربيعة الوالبي، به .
حديث عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما:
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا أبو بكر بن عبد الله، عن علي بن أبي طلحة، عن عبد الله بن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابته، فلما استوى عليها كبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، وحمد ثلاثا، وهلل الله واحدة. ثم استلقى عليه فضحك، ثم أقبل عليه فقال: "ما من امرئ مسلم يركب دابة فيصنع كما صنعت، إلا أقبل الله، عز وجل، عليه، فضحك إليه كما ضحكت إليك". تفرد به أحمد .
حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما:
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن علي بن عبد الله البارقي، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثا، ثم قال: ( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ) . ثم يقول: "اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهم، هون علينا السفر واطو لنا البعيد. اللهم، أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم، اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا". وكان إذا رجع إلى أهله قال: "آيبون تائبون إن شاء الله، عابدون، لربنا حامدون".
وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي، من حديث ابن جريج، والترمذي من حديث حماد بن سلمة، كلاهما عن أبي الزبير، به . اضغط هنا
حديث آخر:
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان ، عن أبي لاس الخزاعي قال: حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة إلى الحج. فقلنا: يا رسول الله، ما نرى أن تحملنا هذه! فقال: "ما من بعير إلا في ذروته شيطان، فاذكروا اسم الله عليها إذا ركبتموها كما آمركم ، ثم امتهنوها لأنفسكم، فإنما يحمل الله عز وجل".
أبو لاس اسمه: محمد بن الأسود بن خَلَف.
حديث آخر في معناه:
قال أحمد: حدثنا عَتَّاب، أخبرنا عبد الله(ح) وعلي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله -يعني ابن المبارك-أخبرنا أسامة بن زيد، أخبرني محمد بن حمزة؛ أنه سمع أباه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "على ظهر كل بعير شيطان، فإن ركبتموها فسموا الله، عز وجل، ثم لا تقصروا عن حاجاتكم".
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ (20)
يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم وبعضها لله، كما ذكر الله عنهم في سورة "الأنعام"، في قوله: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الأنعام: 136]. وكذلك جعلوا له من قسمي البنات والبنين أخسَّهما وأردأهما وهو البنات، كما قال تعالى: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [النجم: 21، 22]. وقال هاهنا: ( وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ )
ثم قال: ( أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ ) وهذا إنكار عليهم غاية الإنكار. ثم ذكر تمام الإنكار فقال: ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) أي: إذا بشر أحد هؤلاء بما جعلوه لله من البنات يأنف من ذلك غاية الأنفة، وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به، ويتوارى من القوم من خجله من ذلك، يقول تعالى: فكيف تأنفون أنتم من ذلك، وتنسبونه إلى الله عز وجل؟.
ثم قال: ( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) أي: المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة، وإذا خاصمت فلا عبارة لها، بل هي عاجزة عَيِيَّة، أوَ مَنْ يكون هكذا ينسب إلى جناب الله عز وجل ؟! فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن، في الصورة والمعنى، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه، ليجبر ما فيها من نقص، كما قال بعض شعراء العرب:
وَمَـا الحَـلْي إلا زينَـةٌ مـن نقيصـةٍ
يتمّـمُ مـن حُسْـن إذا الحُسْـن قَصَّرا
وأمَّــا إذَا كـان الجمـالُ مــوفَّـرا
كحُسْـنك, لـم يَحْـتَجْ إلـى أن يزَوَّرا
وأما نقص معناها، فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار، لا عبارة لها ولا همة، كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت: "ما هي بنعم الولد: نصرها بالبكاء، وبرها سرقة".
وقوله: ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا ) أي: اعتقدوا فيهم ذلك، فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك، فقال: ( أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ) أي: شاهدوه وقد خلقهم الله إناثا، ( سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ ) أي: بذلك، ( ويسألون ) عن ذلك يوم القيامة. وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد.
( وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ) أي: لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة هذه الأصنام، التي هي على صور الملائكة التي هي بنات الله، فإنه عالم بذلك وهو يقررنا عليه، فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ:
أحدها: جَعْلُهم لله ولدا، تعالى وتقدس وتنـزه عن ذلك علوا كبيرا.
الثاني: دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين، فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا.
الثالث: عبادتهم لهم مع ذلك كله، بلا دليل ولا برهان، ولا إذن من الله عز وجل، بل بمجرد الآراء والأهواء، والتقليد للأسلاف والكبراء والآباء، والخبط في الجاهلية الجهلاء.
الرابع: احتجاجهم بتقريرهم على ذلك قَدَرا [والحجة إنما تكون بالشرع] ، وقد جهلوا في هذا الاحتجاج جهلا كبيرًا، فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد الإنكار، فإنه منذ بعث الرسل وأنـزل الكتب يأمر بعبادته وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه، قال [تعالى] ، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [النحل: 36]، وقال تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف: 45].
وقال في هذه الآية -بعد أن ذكر حجتهم هذه-: ( مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ) أي: بصحة ما قالوه واحتجوا به ( إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ ) أي: يكذبون ويتقولون.
وقال مجاهد في قوله: ( مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ ) أي ما يعلمون قدرة الله على ذلك.
أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)
يقول تعالى منكرا على المشركين في عبادتهم غير الله بلا برهان ولا دليل ولا حجة: ( أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ ) أي: من قبل شركهم، ( فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ) أي: فيما هم فيه، أي: ليس الأمر كذلك، كقوله: أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ [الروم: 35] أي: لم يكن ذلك.
ثم قال: ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) أي: ليس لهم مستند فيما هم فيه من الشرك سوى تقليد الآباء والأجداد، بأنهم كانوا على أمة، والمراد بها الدين هاهنا، وفي قوله: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء: 92].
وقولهم: ( وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ ) أي: ورائهم ( مهتدون ) ، دعوى منهم بلا دليل.
( وَالَّذِي نـزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ) أي: بحسب الكفاية لزروعكم وثماركم وشربكم، لأنفسكم ولأنعامكم. وقوله: ( فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ) أي: أرضا ميتة، فلما جاءها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج.
ثم نبه بإحياء الأرض على إحياء الأجساد يوم المعاد بعد موتها، فقال: ( كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ) .
ثم قال: ( وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا ) أي: مما تنبت الأرض من سائر الأصناف، من نبات وزروع وثمار وأزاهير، وغير ذلك [أي] من الحيوانات على اختلاف أجناسها وأصنافها، ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ ) أي: السفن ( وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ) أي: ذللها لكم وسخرها ويسرها لأكلكم لحومها، وشربكم ألبانها وركوبكم ظهورها؛ ولهذا قال: ( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ) أي: لتستووا متمكنين مرتفقين ( عَلَى ظُهُورِهِ ) أي: على ظهور هذا الجنس، ( ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ ) أي: فيما سخر لكم ( إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) أي: مقاومين. ولولا تسخير الله لنا هذا ما قدرنا عليه.
قال ابن عباس ، وقتادة، والسدي وابن زيد: ( مقرنين ) أي: مطيقين .
( وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ) أي: لصائرون إليه بعد مماتنا، وإليه سيرنا الأكبر. وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة، كما نبه بالزاد الدنيوي على [الزاد] الأخروي في قوله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة: 197] وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى: وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ] [الأعراف: 26].
ذكر الأحاديث الواردة عند ركوب الدابة:
حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه:
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن علي بن ربيعة قال: رأيت عليا، رضي الله عنه، أتى بدابة، فلما وضع رجله في الرِّكاب قال: باسم الله. فلما استوى عليها قال: الحمد لله، ( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ) ثم حمد الله ثلاثا، وكبر ثلاثا، ثم قال: سبحانك، لا إله إلا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي. ثم ضحك فقلت له: من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟ فقال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت ، ثم ضحك. فقلت: مم ضحكت يا رسول الله؟ فقال: "يعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر لي. ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري".
وهكذا رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، من حديث أبي الأحوص -زاد النسائي: ومنصور-عن أبي إسحاق السَّبِيعي، عن علي بن ربيعة الأسدي الوالبي، به . وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد قال عبد الرحمن بن مَهْدِيّ، عن شعبة: قلت لأبي إسحاق السَّبِيعي: ممن سمعت هذا الحديث؟ قال: من يونس بن خباب. فلقيت يونس بن خباب فقلت: ممن سمعته؟ فقال: من رجل سمعه من علي بن ربيعة. ورواه بعضهم عن يونس بن خباب، عن شقيق بن عقبة الأسدي، عن علي بن ربيعة الوالبي، به .
حديث عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما:
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا أبو بكر بن عبد الله، عن علي بن أبي طلحة، عن عبد الله بن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابته، فلما استوى عليها كبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، وحمد ثلاثا، وهلل الله واحدة. ثم استلقى عليه فضحك، ثم أقبل عليه فقال: "ما من امرئ مسلم يركب دابة فيصنع كما صنعت، إلا أقبل الله، عز وجل، عليه، فضحك إليه كما ضحكت إليك". تفرد به أحمد .
حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما:
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن علي بن عبد الله البارقي، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثا، ثم قال: ( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ) . ثم يقول: "اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهم، هون علينا السفر واطو لنا البعيد. اللهم، أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم، اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا". وكان إذا رجع إلى أهله قال: "آيبون تائبون إن شاء الله، عابدون، لربنا حامدون".
وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي، من حديث ابن جريج، والترمذي من حديث حماد بن سلمة، كلاهما عن أبي الزبير، به . اضغط هنا
حديث آخر:
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان ، عن أبي لاس الخزاعي قال: حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة إلى الحج. فقلنا: يا رسول الله، ما نرى أن تحملنا هذه! فقال: "ما من بعير إلا في ذروته شيطان، فاذكروا اسم الله عليها إذا ركبتموها كما آمركم ، ثم امتهنوها لأنفسكم، فإنما يحمل الله عز وجل".
أبو لاس اسمه: محمد بن الأسود بن خَلَف.
حديث آخر في معناه:
قال أحمد: حدثنا عَتَّاب، أخبرنا عبد الله(ح) وعلي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله -يعني ابن المبارك-أخبرنا أسامة بن زيد، أخبرني محمد بن حمزة؛ أنه سمع أباه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "على ظهر كل بعير شيطان، فإن ركبتموها فسموا الله، عز وجل، ثم لا تقصروا عن حاجاتكم".
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ (20)
يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم وبعضها لله، كما ذكر الله عنهم في سورة "الأنعام"، في قوله: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الأنعام: 136]. وكذلك جعلوا له من قسمي البنات والبنين أخسَّهما وأردأهما وهو البنات، كما قال تعالى: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [النجم: 21، 22]. وقال هاهنا: ( وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ )
ثم قال: ( أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ ) وهذا إنكار عليهم غاية الإنكار. ثم ذكر تمام الإنكار فقال: ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) أي: إذا بشر أحد هؤلاء بما جعلوه لله من البنات يأنف من ذلك غاية الأنفة، وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به، ويتوارى من القوم من خجله من ذلك، يقول تعالى: فكيف تأنفون أنتم من ذلك، وتنسبونه إلى الله عز وجل؟.
ثم قال: ( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) أي: المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة، وإذا خاصمت فلا عبارة لها، بل هي عاجزة عَيِيَّة، أوَ مَنْ يكون هكذا ينسب إلى جناب الله عز وجل ؟! فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن، في الصورة والمعنى، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه، ليجبر ما فيها من نقص، كما قال بعض شعراء العرب:
وَمَـا الحَـلْي إلا زينَـةٌ مـن نقيصـةٍ
يتمّـمُ مـن حُسْـن إذا الحُسْـن قَصَّرا
وأمَّــا إذَا كـان الجمـالُ مــوفَّـرا
كحُسْـنك, لـم يَحْـتَجْ إلـى أن يزَوَّرا
وأما نقص معناها، فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار، لا عبارة لها ولا همة، كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت: "ما هي بنعم الولد: نصرها بالبكاء، وبرها سرقة".
وقوله: ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا ) أي: اعتقدوا فيهم ذلك، فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك، فقال: ( أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ) أي: شاهدوه وقد خلقهم الله إناثا، ( سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ ) أي: بذلك، ( ويسألون ) عن ذلك يوم القيامة. وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد.
( وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ) أي: لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة هذه الأصنام، التي هي على صور الملائكة التي هي بنات الله، فإنه عالم بذلك وهو يقررنا عليه، فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ:
أحدها: جَعْلُهم لله ولدا، تعالى وتقدس وتنـزه عن ذلك علوا كبيرا.
الثاني: دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين، فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا.
الثالث: عبادتهم لهم مع ذلك كله، بلا دليل ولا برهان، ولا إذن من الله عز وجل، بل بمجرد الآراء والأهواء، والتقليد للأسلاف والكبراء والآباء، والخبط في الجاهلية الجهلاء.
الرابع: احتجاجهم بتقريرهم على ذلك قَدَرا [والحجة إنما تكون بالشرع] ، وقد جهلوا في هذا الاحتجاج جهلا كبيرًا، فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد الإنكار، فإنه منذ بعث الرسل وأنـزل الكتب يأمر بعبادته وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه، قال [تعالى] ، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [النحل: 36]، وقال تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف: 45].
وقال في هذه الآية -بعد أن ذكر حجتهم هذه-: ( مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ) أي: بصحة ما قالوه واحتجوا به ( إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ ) أي: يكذبون ويتقولون.
وقال مجاهد في قوله: ( مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ ) أي ما يعلمون قدرة الله على ذلك.
أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)
يقول تعالى منكرا على المشركين في عبادتهم غير الله بلا برهان ولا دليل ولا حجة: ( أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ ) أي: من قبل شركهم، ( فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ) أي: فيما هم فيه، أي: ليس الأمر كذلك، كقوله: أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ [الروم: 35] أي: لم يكن ذلك.
ثم قال: ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) أي: ليس لهم مستند فيما هم فيه من الشرك سوى تقليد الآباء والأجداد، بأنهم كانوا على أمة، والمراد بها الدين هاهنا، وفي قوله: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء: 92].
وقولهم: ( وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ ) أي: ورائهم ( مهتدون ) ، دعوى منهم بلا دليل.
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة الشورى52 ===تفسير ايه11من سورة الزخرف
» تفسير سورة الزخرف ايه 23===34
» تفسير سورة الزخرف ايه 26 الى 57 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الزخرف ايه34===48
» تفسير سورة الزخرف ايه48===61
» تفسير سورة الزخرف ايه 23===34
» تفسير سورة الزخرف ايه 26 الى 57 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة الزخرف ايه34===48
» تفسير سورة الزخرف ايه48===61
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى