نفسير سورة يس ايه 28==41
صفحة 1 من اصل 1
نفسير سورة يس ايه 28==41
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) .
وقوله: ( وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ ) : يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه، غضبًا منه تعالى عليهم؛ لأنهم كذبوا رسله، وقتلوا وليه. ويذكر تعالى: أنه ما أنـزل عليهم، وما احتاج في إهلاكه إياهم إلى إنـزال جند من الملائكة عليهم، بل الأمر كان أيسر من ذلك. قاله ابن مسعود، فيما رواه ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، عنه أنه قال في قوله: ( وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ ) أي: ما كاثرناهم بالجموع الأمر كان أيسر علينا من ذلك، ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) قال: فأهلك الله ذلك الملك، وأهلك أهل أنطاكية، فبادوا عن وجه الأرض، فلم يبق منهم باقية.
وقيل: ( وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ ) أي: وما كنا ننـزل الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم، بل نبعث عليهم عذابًا يدمرهم.
وقيل: المعنى في قوله: ( وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ ) أي: من رسالة أخرى إليهم. قاله مجاهد وقتادة. قال قتادة: فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله، ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) .
قال ابن جرير: والأول أصح؛ لأن الرسالة لا تسمى جندًا.
قال المفسرون: بعث الله إليهم جبريل، عليه السلام، فأخذ بعضادتي باب بلدهم، ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون عن آخرهم، لم يبق فيهم روح تتردد في جسد.
وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي أنطاكية، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلا من عند المسيح، عليه السلام، كما نص عليه قتادة وغيره، وهو الذي لم يذكر عن واحد من متأخري المفسرين غيره، وفي ذلك نظر من وجوه:
أحدها: أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله، عز وجل، لا من جهة المسيح، كما قال تعالى: إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ إلى أن قالوا: رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [يس: 14-17] . ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح، عليه السلام، والله أعلم. ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم: مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا [يس:15] .
الثاني: أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح؛ ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بتَاركة، وهن القدس لأنها بلد المسيح، وأنطاكية لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها، والإسكندرية لأن فيها اصطلحوا على اتخاذ البتاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة والشمامسة والرهابين. ثم رومية لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم وأطَّدَه. ولما ابتنى القسطنطينية نقلوا البترك من رومية إليها، كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم كسعيد بن بطريق وغيره من أهل الكتاب والمسلمين، فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت، فأهل هذه القرية قد ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله ، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم ، فالله أعلم.
الثالث: أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نـزول التوراة، وقد ذكر أبو سعيد الخدري وغير واحد من السلف: أن الله تعالى بعد إنـزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين، ذكروه عند قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى [القصص: 43] . فعلى هذا يتعين أن هذه القرية المذكورة في القرآن [العظيم] قرية أخرى غير أنطاكية، كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضا. أو تكون أنطاكية إن كان لفظها محفوظا في هذه القصة مدينة أخرى غير هذه المشهورة المعروفة، فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملة النصرانية ولا قبل ذلك، والله، سبحانه وتعالى، أعلم.
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق التُّسْتري، حدثنا الحسين بن أبي السري العسقلاني، حدثنا حُسَين الأشقر، حدثنا ابن عُيَيْنة، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السُّبَّق ثلاثة: فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب يس، والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب" , اضغط هنا فإنه حديث منكر، لا يعرف إلا من طريق حسين الأشقر، وهو شيعي متروك، [والله أعلم] .
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) أي: يا ويل العباد.
وقال قتادة: ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) : أي يا حسرة العباد على أنفسها، على ما ضيعت من أمر الله، فرطت في جنب الله. قال: وفي بعض القراءة: "يا حسرة العباد على أنفسها".
ومعنى هذا: يا حسرتهم وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب، كيف كذبوا رسل الله، وخالفوا أمر الله، فإنهم كانوا في الدار الدنيا المكذبون منهم.
( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) أي: يكذبونه ويستهزئون به، ويجحدون ما أرسل به من الحق.
ثم قال تعالى: ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ ) أي: ألم يتعظوا بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين للرسل، كيف لم تكن لهم إلى هذه الدنيا كرة ولا رجعة، ولم يكن الأمر كما زعم كثير من جهلتهم وفَجَرتهم من قولهم: إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا [المؤمنون: 37] ، وهم القائلون بالدور من الدهرية، وهم الذين يعتقدون جهلا منهم أنهم يعودون إلى الدنيا كما كانوا فيها، فرد الله تعالى عليهم باطلهم، فقال: ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ ) .
وقوله: ( وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) أي: وإن جميع الأمم الماضية والآتية ستحضر للحساب يوم القيام بين يدي الله، عز وجل، فيجازيهم بأعمالهم كلها خيرها وشرها، ومعنى هذه كقوله تعالى: وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ [هود: 111] .
وقد اختلف القراء في أداء هذا الحرف؛ فمنهم مَنْ قرأ: "وَإن كل لَمَا" بالتخفيف، فعنده أن "إن" للإثبات، ومنهم مَنْ شدد "لَمَّا"، وجعل "إن" نافية، و "لمَّا" بمعنى "إلا" تقديره: وما كل إلا جميع لدينا محضرون، ومعنى القراءتين واحد، والله أعلم.
وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) .
يقول تعالى: ( وَآيَةٌ لَهُمُ ) أي: دلالة لهم على وجود الصانع وقدرته التامة وإحيائه الموتى ( الأرْضُ الْمَيْتَةُ ) أي: إذا كانت ميتة هامدة لا شيء فيها من النبات، فإذا أنـزل الله عليها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج؛ ولهذا قال: ( أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ) أي: جعلناه رزقا لهم ولأنعامهم، ( وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ) أي: جعلنا فيها أنهارًا سارحة في أمكنة، يحتاجون إليها ليأكلوا من ثمره. لما امتن على خلقه بإيجاد الزروع لهم عَطَف بذكر الثمار وتنوعها وأصنافها.
وقوله: ( وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ) أي: وما ذاك كله إلا من رحمة الله بهم، لا بسعيهم ولا كدهم، ولا بحولهم وقوتهم. قاله ابن عباس وقتادة؛ ولهذا قال: ( أَفَلا يَشْكُرُونَ ) ؟ أي: فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى؟ واختار ابن جرير -بل جزم به، ولم يحك غيره إلا احتمالا-أن "ما" في قوله: ( وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ) بمعنى: "الذي"، تقديره: ليأكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم، أي: غرسوه ونصبوه، قال: وهي كذلك في قراءة ابن مسعود ( لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ ) .
ثم قال: ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ ) أي: من زروع وثمار ونبات. ( وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فجعلهم ذكرًا وأنثى، ( وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ) أي: من مخلوقات شتى لا يعرفونها، كما قال تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات: 49] .
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
يقول تعالى: ومن الدلالة لهم على قدرته تعالى العظيمة خلق الليل والنهار، هذا بظلامه وهذا بضيائه، وجعلهما يتعاقبان، يجيء هذا فيذهب هذا، ويذهب هذا فيجيء هذا، كما قال: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا [الأعراف: 54] ؛ ولهذا قال هاهنا: ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ) أي: نصرمه منه فيذهب، فيقبل الليل؛ ولهذا قال: ( فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ) كما جاء في الحديث: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم" .
هذا هو الظاهر من الآية، وزعم قتادة أنها كقوله تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [الحج : 61] وقد ضعف ابن جرير قولَ قتادة هاهنا، وقال: إنما معنى الإيلاج: الأخذ من هذا في هذا، وليس هذا مرادًا في هذه الآية. وهذا الذي قاله ابن جرير حق.
وقوله: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ، في معنى قوله: ( لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ) قولان:
أحدهما: أن المراد: مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض في ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش وجميع المخلوقات؛ لأنه سقفها، وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة، وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة، وهو فوق العالم مما يلي رؤوس الناس، فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب ما تكون من العرش، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام، وهو وقت نصف الليل، صارت أبعد ما تكون من العرش، فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع، كما جاءت بذلك الأحاديث.
قال البخاري: حدثنا أبو نُعَيْم، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم [التيمي]، عن أبيه، عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس، فقال: "يا أبا ذر، أتدري أين تغربُ الشمس؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )" .
حدثنا عبد الله بن الزبير الحُميديّ، حدثنا وَكِيع عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ) ، قال: "مستقرها تحت العرش" .
كذا أورده هاهنا. وقد أخرجه في أماكن متعددة ، ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه، من طرق، عن الأعمش، به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس، فقال: "يا أبا ذر، أتدري أين تذهب الشمس؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت. فترجع إلى مطلعها، وذلك مستقرها، ثم قرأ: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا )"
وقال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: "أتدري أين هذا؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، ويقال لها: ارجعي من حيث جئت. فتطلع من مغربها، فذلك قوله: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) " .
وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو قال في قوله: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ) ، قال: إن الشمس تطلع فتردها ذنوب بني آدم، حتى إذا غربت سلَّمت وسجدت واستأذنت فيؤذن لها، حتى إذا كان يوم غربت فسلمت وسجدت، واستأذنت فلا يؤذن لها، فتقول: إن المسير بعيد وإني إلا يؤذن لي لا أبلغ، فتحبس ما شاء الله أن تحبس، ثم يقال لها: "اطلعي من حيث غربت". قال: "فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسًا إيمانها، لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرًا" .
وقيل: المراد بقوله: ( لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ) هو انتهاء سيرها وهو غاية ارتفاعها في السماء في الصيف وهو أوجها، ثم غاية انخفاضها في الشتاء وهو الحضيض.
والقول الثاني: أن المراد بمستقرها هو: منتهى سيرها، وهو يوم القيامة، يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكور، وينتهي هذا العالم إلى غايته، وهذا هو مستقرها الزماني.
قال قتادة: ( لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ) أي: لوقتها ولأجل لا تعدوه.
وقيل: المراد: أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها، يروى هذا عن عبد الله بن عمرو.
وقرأ ابن مسعود، وابن عباس: "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لا مُسْتَقَرَّ لَهَا" أي: لا قرار لها ولا سكون، بل هي سائرة ليلا ونهارًا، لا تفتر ولا تقف. كما قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ [إبراهيم: 33] أي: لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة.
( ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ ) أي: الذي لا يخالَف ولا يُمانَع، ( الْعَلِيم ) بجميع الحركات والسكنات، وقد قدر ذلك وقَنَّنَه على منوال لا اختلاف فيه ولا تعاكس، كما قال تعالى: فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام: 96] . وهكذا ختم آية حم السجدة بقوله: ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت: 12] . ثم قال: ( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ) أي: جعلناه يسير سيرًا آخر يستدل به على مضي الشهور، كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار، كما قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة: 189] ، وقال هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ الآية [يونس: 5] ، وقال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا [الإسراء: 12] ، فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفًا وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار، فهي كوكب نهاري. وأما القمر، فقدره منازل، يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور، ثم يزداد نورًا في الليلة الثانية، ويرتفع منـزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء، وإن كان مقتبسًا من الشمس، حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر، حتى يصير كالعرجون القديم.
قال ابن عباس: وهو أصل العِذْق.
وقال مجاهد: العرجون القديم: أي العذق اليابس.
يعني ابن عباس: أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى، وكذا قال غيرهما. ثم بعد هذا يبديه الله جديدًا في أول الشهر الآخر، والعرب تسمي كل ثلاث ليال من الشهر باسم باعتبار القمر، فيسمون الثلاث الأول "غُرَر" واللواتي بعدها "نفل"، واللواتي بعدها "تُسع"؛ لأن أخراهن التاسعة، واللواتي بعدها "عُشَر"؛ لأن أولاهن العاشرة، واللواتي بعدها "البيض"؛ لأن ضوء القمر فيهن إلى آخرهن، واللواتي بعدهن "دُرَع" جمع دَرْعاء؛ لأن أولهن سُود ؛ لتأخر القمر في أولهن، ومنه الشاة الدرعاء وهي التي رأسها أسود. وبعدهن ثلاث "ظُلم" ثم ثلاث "حَنَادس"، وثلاث "دآدئ" وثلاث "مَحاق"؛ لانمحاق القمر أواخر الشهر فيهن. وكان أبو عُبيد ينكر التُّسع والعشَر. كذا قال في كتاب "غريب المصنف".
وقوله: ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) : قال مجاهد: لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه، إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا، وإذا ذهب سلطان هذا جاء سلطان هذا.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن الحسن في قوله: ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) قال: ذلك ليلة الهلال.
وروى ابن أبي حاتم هاهنا عن عبد الله بن المبارك أنه قال: إن للريح جناحًا، وإن القمر يأوي إلى غلاف من الماء.
وقال الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: لا يدرك هذا ضوء هذا، ولا هذا ضوء هذا .
وقال عكرمة في قوله ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) : يعني: أن لكل منهما سلطانا، فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل.
وقوله: ( وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) : يقول: لا ينبغي إذا كان الليلُ أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار، فسلطان الشمس بالنهار، وسلطان القمر بالليل.
وقال الضحاك: لا يذهب الليل من هاهنا حتى يجيء النهار من هاهنا. وأومأ بيده إلى المشرق.
وقال مجاهد: ( وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) يطلبان حثيثين، ينسلخ أحدهما من الآخر.
والمعنى في هذا: أنه لا فترة بين الليل والنهار، بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ؛ لأنهما مسخران دائبين يتطالبان طلبا حثِيثًا.
وقوله: ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يعني: الليل والنهار، والشمس والقمر، كلهم يسبحون، أي: يدورون في فلك السماء. قاله ابن عباس، وعِكْرِمة، والضحاك، والحسن، وقتادة، وعطاء الخراساني .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: في فلك بين السماء والأرض. رواه ابن أبي حاتم، وهو غريب جدًّا، بل منكر.
قال ابن عباس وغير واحد من السلف: في فَلْكَةٍ كفَلْكَة المغْزَل.
وقال مجاهد: الفَلَك كحديد الرَّحَى، أو كفلكة المغزل، لا يدور المغزل إلا بها، ولا تدور إلا به.
وقوله: ( وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ ) : يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه، غضبًا منه تعالى عليهم؛ لأنهم كذبوا رسله، وقتلوا وليه. ويذكر تعالى: أنه ما أنـزل عليهم، وما احتاج في إهلاكه إياهم إلى إنـزال جند من الملائكة عليهم، بل الأمر كان أيسر من ذلك. قاله ابن مسعود، فيما رواه ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، عنه أنه قال في قوله: ( وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ ) أي: ما كاثرناهم بالجموع الأمر كان أيسر علينا من ذلك، ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) قال: فأهلك الله ذلك الملك، وأهلك أهل أنطاكية، فبادوا عن وجه الأرض، فلم يبق منهم باقية.
وقيل: ( وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ ) أي: وما كنا ننـزل الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم، بل نبعث عليهم عذابًا يدمرهم.
وقيل: المعنى في قوله: ( وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ ) أي: من رسالة أخرى إليهم. قاله مجاهد وقتادة. قال قتادة: فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله، ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) .
قال ابن جرير: والأول أصح؛ لأن الرسالة لا تسمى جندًا.
قال المفسرون: بعث الله إليهم جبريل، عليه السلام، فأخذ بعضادتي باب بلدهم، ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون عن آخرهم، لم يبق فيهم روح تتردد في جسد.
وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي أنطاكية، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلا من عند المسيح، عليه السلام، كما نص عليه قتادة وغيره، وهو الذي لم يذكر عن واحد من متأخري المفسرين غيره، وفي ذلك نظر من وجوه:
أحدها: أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله، عز وجل، لا من جهة المسيح، كما قال تعالى: إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ إلى أن قالوا: رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [يس: 14-17] . ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح، عليه السلام، والله أعلم. ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم: مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا [يس:15] .
الثاني: أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح؛ ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بتَاركة، وهن القدس لأنها بلد المسيح، وأنطاكية لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها، والإسكندرية لأن فيها اصطلحوا على اتخاذ البتاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة والشمامسة والرهابين. ثم رومية لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم وأطَّدَه. ولما ابتنى القسطنطينية نقلوا البترك من رومية إليها، كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم كسعيد بن بطريق وغيره من أهل الكتاب والمسلمين، فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت، فأهل هذه القرية قد ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله ، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم ، فالله أعلم.
الثالث: أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نـزول التوراة، وقد ذكر أبو سعيد الخدري وغير واحد من السلف: أن الله تعالى بعد إنـزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين، ذكروه عند قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى [القصص: 43] . فعلى هذا يتعين أن هذه القرية المذكورة في القرآن [العظيم] قرية أخرى غير أنطاكية، كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضا. أو تكون أنطاكية إن كان لفظها محفوظا في هذه القصة مدينة أخرى غير هذه المشهورة المعروفة، فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملة النصرانية ولا قبل ذلك، والله، سبحانه وتعالى، أعلم.
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق التُّسْتري، حدثنا الحسين بن أبي السري العسقلاني، حدثنا حُسَين الأشقر، حدثنا ابن عُيَيْنة، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السُّبَّق ثلاثة: فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب يس، والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب" , اضغط هنا فإنه حديث منكر، لا يعرف إلا من طريق حسين الأشقر، وهو شيعي متروك، [والله أعلم] .
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) أي: يا ويل العباد.
وقال قتادة: ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) : أي يا حسرة العباد على أنفسها، على ما ضيعت من أمر الله، فرطت في جنب الله. قال: وفي بعض القراءة: "يا حسرة العباد على أنفسها".
ومعنى هذا: يا حسرتهم وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب، كيف كذبوا رسل الله، وخالفوا أمر الله، فإنهم كانوا في الدار الدنيا المكذبون منهم.
( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) أي: يكذبونه ويستهزئون به، ويجحدون ما أرسل به من الحق.
ثم قال تعالى: ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ ) أي: ألم يتعظوا بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين للرسل، كيف لم تكن لهم إلى هذه الدنيا كرة ولا رجعة، ولم يكن الأمر كما زعم كثير من جهلتهم وفَجَرتهم من قولهم: إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا [المؤمنون: 37] ، وهم القائلون بالدور من الدهرية، وهم الذين يعتقدون جهلا منهم أنهم يعودون إلى الدنيا كما كانوا فيها، فرد الله تعالى عليهم باطلهم، فقال: ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ ) .
وقوله: ( وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) أي: وإن جميع الأمم الماضية والآتية ستحضر للحساب يوم القيام بين يدي الله، عز وجل، فيجازيهم بأعمالهم كلها خيرها وشرها، ومعنى هذه كقوله تعالى: وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ [هود: 111] .
وقد اختلف القراء في أداء هذا الحرف؛ فمنهم مَنْ قرأ: "وَإن كل لَمَا" بالتخفيف، فعنده أن "إن" للإثبات، ومنهم مَنْ شدد "لَمَّا"، وجعل "إن" نافية، و "لمَّا" بمعنى "إلا" تقديره: وما كل إلا جميع لدينا محضرون، ومعنى القراءتين واحد، والله أعلم.
وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) .
يقول تعالى: ( وَآيَةٌ لَهُمُ ) أي: دلالة لهم على وجود الصانع وقدرته التامة وإحيائه الموتى ( الأرْضُ الْمَيْتَةُ ) أي: إذا كانت ميتة هامدة لا شيء فيها من النبات، فإذا أنـزل الله عليها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج؛ ولهذا قال: ( أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ) أي: جعلناه رزقا لهم ولأنعامهم، ( وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ) أي: جعلنا فيها أنهارًا سارحة في أمكنة، يحتاجون إليها ليأكلوا من ثمره. لما امتن على خلقه بإيجاد الزروع لهم عَطَف بذكر الثمار وتنوعها وأصنافها.
وقوله: ( وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ) أي: وما ذاك كله إلا من رحمة الله بهم، لا بسعيهم ولا كدهم، ولا بحولهم وقوتهم. قاله ابن عباس وقتادة؛ ولهذا قال: ( أَفَلا يَشْكُرُونَ ) ؟ أي: فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى؟ واختار ابن جرير -بل جزم به، ولم يحك غيره إلا احتمالا-أن "ما" في قوله: ( وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ) بمعنى: "الذي"، تقديره: ليأكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم، أي: غرسوه ونصبوه، قال: وهي كذلك في قراءة ابن مسعود ( لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ ) .
ثم قال: ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ ) أي: من زروع وثمار ونبات. ( وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فجعلهم ذكرًا وأنثى، ( وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ) أي: من مخلوقات شتى لا يعرفونها، كما قال تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات: 49] .
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
يقول تعالى: ومن الدلالة لهم على قدرته تعالى العظيمة خلق الليل والنهار، هذا بظلامه وهذا بضيائه، وجعلهما يتعاقبان، يجيء هذا فيذهب هذا، ويذهب هذا فيجيء هذا، كما قال: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا [الأعراف: 54] ؛ ولهذا قال هاهنا: ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ) أي: نصرمه منه فيذهب، فيقبل الليل؛ ولهذا قال: ( فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ) كما جاء في الحديث: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم" .
هذا هو الظاهر من الآية، وزعم قتادة أنها كقوله تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [الحج : 61] وقد ضعف ابن جرير قولَ قتادة هاهنا، وقال: إنما معنى الإيلاج: الأخذ من هذا في هذا، وليس هذا مرادًا في هذه الآية. وهذا الذي قاله ابن جرير حق.
وقوله: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ، في معنى قوله: ( لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ) قولان:
أحدهما: أن المراد: مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض في ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش وجميع المخلوقات؛ لأنه سقفها، وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة، وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة، وهو فوق العالم مما يلي رؤوس الناس، فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب ما تكون من العرش، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام، وهو وقت نصف الليل، صارت أبعد ما تكون من العرش، فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع، كما جاءت بذلك الأحاديث.
قال البخاري: حدثنا أبو نُعَيْم، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم [التيمي]، عن أبيه، عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس، فقال: "يا أبا ذر، أتدري أين تغربُ الشمس؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )" .
حدثنا عبد الله بن الزبير الحُميديّ، حدثنا وَكِيع عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ) ، قال: "مستقرها تحت العرش" .
كذا أورده هاهنا. وقد أخرجه في أماكن متعددة ، ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه، من طرق، عن الأعمش، به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس، فقال: "يا أبا ذر، أتدري أين تذهب الشمس؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت. فترجع إلى مطلعها، وذلك مستقرها، ثم قرأ: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا )"
وقال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: "أتدري أين هذا؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، ويقال لها: ارجعي من حيث جئت. فتطلع من مغربها، فذلك قوله: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) " .
وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو قال في قوله: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ) ، قال: إن الشمس تطلع فتردها ذنوب بني آدم، حتى إذا غربت سلَّمت وسجدت واستأذنت فيؤذن لها، حتى إذا كان يوم غربت فسلمت وسجدت، واستأذنت فلا يؤذن لها، فتقول: إن المسير بعيد وإني إلا يؤذن لي لا أبلغ، فتحبس ما شاء الله أن تحبس، ثم يقال لها: "اطلعي من حيث غربت". قال: "فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسًا إيمانها، لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرًا" .
وقيل: المراد بقوله: ( لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ) هو انتهاء سيرها وهو غاية ارتفاعها في السماء في الصيف وهو أوجها، ثم غاية انخفاضها في الشتاء وهو الحضيض.
والقول الثاني: أن المراد بمستقرها هو: منتهى سيرها، وهو يوم القيامة، يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكور، وينتهي هذا العالم إلى غايته، وهذا هو مستقرها الزماني.
قال قتادة: ( لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ) أي: لوقتها ولأجل لا تعدوه.
وقيل: المراد: أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها، يروى هذا عن عبد الله بن عمرو.
وقرأ ابن مسعود، وابن عباس: "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لا مُسْتَقَرَّ لَهَا" أي: لا قرار لها ولا سكون، بل هي سائرة ليلا ونهارًا، لا تفتر ولا تقف. كما قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ [إبراهيم: 33] أي: لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة.
( ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ ) أي: الذي لا يخالَف ولا يُمانَع، ( الْعَلِيم ) بجميع الحركات والسكنات، وقد قدر ذلك وقَنَّنَه على منوال لا اختلاف فيه ولا تعاكس، كما قال تعالى: فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام: 96] . وهكذا ختم آية حم السجدة بقوله: ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت: 12] . ثم قال: ( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ) أي: جعلناه يسير سيرًا آخر يستدل به على مضي الشهور، كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار، كما قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة: 189] ، وقال هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ الآية [يونس: 5] ، وقال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا [الإسراء: 12] ، فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفًا وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار، فهي كوكب نهاري. وأما القمر، فقدره منازل، يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور، ثم يزداد نورًا في الليلة الثانية، ويرتفع منـزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء، وإن كان مقتبسًا من الشمس، حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر، حتى يصير كالعرجون القديم.
قال ابن عباس: وهو أصل العِذْق.
وقال مجاهد: العرجون القديم: أي العذق اليابس.
يعني ابن عباس: أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى، وكذا قال غيرهما. ثم بعد هذا يبديه الله جديدًا في أول الشهر الآخر، والعرب تسمي كل ثلاث ليال من الشهر باسم باعتبار القمر، فيسمون الثلاث الأول "غُرَر" واللواتي بعدها "نفل"، واللواتي بعدها "تُسع"؛ لأن أخراهن التاسعة، واللواتي بعدها "عُشَر"؛ لأن أولاهن العاشرة، واللواتي بعدها "البيض"؛ لأن ضوء القمر فيهن إلى آخرهن، واللواتي بعدهن "دُرَع" جمع دَرْعاء؛ لأن أولهن سُود ؛ لتأخر القمر في أولهن، ومنه الشاة الدرعاء وهي التي رأسها أسود. وبعدهن ثلاث "ظُلم" ثم ثلاث "حَنَادس"، وثلاث "دآدئ" وثلاث "مَحاق"؛ لانمحاق القمر أواخر الشهر فيهن. وكان أبو عُبيد ينكر التُّسع والعشَر. كذا قال في كتاب "غريب المصنف".
وقوله: ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) : قال مجاهد: لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه، إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا، وإذا ذهب سلطان هذا جاء سلطان هذا.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن الحسن في قوله: ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) قال: ذلك ليلة الهلال.
وروى ابن أبي حاتم هاهنا عن عبد الله بن المبارك أنه قال: إن للريح جناحًا، وإن القمر يأوي إلى غلاف من الماء.
وقال الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: لا يدرك هذا ضوء هذا، ولا هذا ضوء هذا .
وقال عكرمة في قوله ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) : يعني: أن لكل منهما سلطانا، فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل.
وقوله: ( وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) : يقول: لا ينبغي إذا كان الليلُ أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار، فسلطان الشمس بالنهار، وسلطان القمر بالليل.
وقال الضحاك: لا يذهب الليل من هاهنا حتى يجيء النهار من هاهنا. وأومأ بيده إلى المشرق.
وقال مجاهد: ( وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) يطلبان حثيثين، ينسلخ أحدهما من الآخر.
والمعنى في هذا: أنه لا فترة بين الليل والنهار، بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ؛ لأنهما مسخران دائبين يتطالبان طلبا حثِيثًا.
وقوله: ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يعني: الليل والنهار، والشمس والقمر، كلهم يسبحون، أي: يدورون في فلك السماء. قاله ابن عباس، وعِكْرِمة، والضحاك، والحسن، وقتادة، وعطاء الخراساني .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: في فلك بين السماء والأرض. رواه ابن أبي حاتم، وهو غريب جدًّا، بل منكر.
قال ابن عباس وغير واحد من السلف: في فَلْكَةٍ كفَلْكَة المغْزَل.
وقال مجاهد: الفَلَك كحديد الرَّحَى، أو كفلكة المغزل، لا يدور المغزل إلا بها، ولا تدور إلا به.
مواضيع مماثلة
» نفسير سورة النحل ايه 43\\\55
» نفسير سورة طه ايه 1 الى ايه 56 الشبح سيد قطب
» نفسير سورة الاعراف ايه رقم 1\\12
» نفسير النساء ايه 52\\\\\60
» نفسير الانعام ايه 95\\\\102
» نفسير سورة طه ايه 1 الى ايه 56 الشبح سيد قطب
» نفسير سورة الاعراف ايه رقم 1\\12
» نفسير النساء ايه 52\\\\\60
» نفسير الانعام ايه 95\\\\102
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى