قاصرات الطرف
صفحة 1 من اصل 1
قاصرات الطرف
قاصرات الطرف
ما أحسن الوصف، إنهن قاصرات الطرف، زوجات المؤمنين في الجنة، فلماذا وصفهن الله تعالى بهذا الوصف؟ لابد أنه أهم وأحسن ما توصف به المرأة أن تكون من: قاصرات الطرف..!
قال تعالى:{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} [ص: 52]..المعنى: حورٌ لا ينظرن إلى غير أزواجهن.
وأنتِ يا زهرة الإسلام اليانعة، يا شمسًا أطلت علينا تمنحنا وعودًا كبيرة لنفسها ولأمتها..ألا تنافسين الحَوْرَاء في أخلاقها الرفيعة وأدبها العالي؟
ألا تكونين قاصرةَ الطرف عن كل ما يغضب مولاك جلَّ في علاه، مرسلةً طرفك إلى كل ما يقربك من مولاك ويزيد من إيمانك، ويملأ فؤادك يقينًا، ويسعد نفسك بجمال ما أبدعه الله تعالى في الكون لنا؟ إنَّ قلبي يسمعك وقلمي يكتب جوابك: اللهم نعم!
جوهرةٌ.. تلك العينُ المبصرة:
إنَّ من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان نعمة البصر، يقول الله تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23].
ومن عظيم قدر هذه النعمة أنَّ الله تعالى أبدل من ابتلاه بفقدها؛ فصبر؛ الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه ثم صبر، عوضته الجنة) [رواه البخاري].
وتبرز نعمة البصر من وسط فيض النعم الربانية التي لا تُعَدّ ولا تُحْصَى؛لتحتل الصدارة، لذلك يكثر ذكرها في القرآن الكريم امتنانًا
من الله تعالى على عباده، وتذكيرًا لهم بفضله، وتوجيهًا لهم في كيفية التعامل مع هذه النعمة، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
ثم علَّمنا العليم الحكيم أنَّ لنعمة البصر أدبًا لازمًا يحميها من الانحراف عن ما خلقها الله من أجله، اسمه:غض البصر..!
فما معنى غضُّ البصر؟
غضُّ البصر في اللغة يعني: كفُّه ومنعه من الاسترسال في التأمل والنظر.
وغَضَّ طَرْفَه وبَصره: كفَّه وخَفَضَه وكسره، وقيل: (هو إِذا دانى بين جفونه ونظر) [لسان العرب، ابن منظور، (7/196)].
ومعناه في الشرع: هو أن يُغمِضَ المسلم بصره عمَّا حُرِّم عليه، ولا ينظر إلا لما أبيح له النظر إليه قال تعالى:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: (هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّمٍ من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعًا)، ولم يختصَّ الله جل وعلا الرجال بذلك، بل أمر النساء أيضًا بِغَضِّ أبصارهن،فقال جل وعلا: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31].
وهو أدبٌ لازمٌ للفتاة المسلمة وشارةٌ على حيائها:
إنَّ تعويد الفتاة المراهقة على فضيلة غضِّ البصر، من أهم الآداب التي ينبغي أن تتحلى بها، فهو علامة على الحياء والعفة،
كما يعتبر وسيلة أساسية للحيلولة دون إثارة الدافع الجنسي لديها، وله أثره الإيجابي على صحتها النفسية، وعلى سلوكها الاجتماعي.
وامتثال الفتاة المراهقة لهذا الأدب الرفيع بمثابة صمام الأمان طوال هذه المرحلة مما يساعدها على تخطِّيها في أمان وسلام.
[الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة، حنان الطوري، ص (233)].
فمن أطلق نظراته..دامت حسراته
لأن إطلاق النظر أول خطوة في طريق الخطيئة، فهي دركات تهبط بصاحبها إلى هاوية الخطيئة، يقول ابن القيم رحمه الله:
(وأما اللحظات - النظرات- فهي رائد الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق نظره أورد نفسه موارد الهلاك، والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولِّد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع منه مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده). [الجواب الكافي، ابن القيم، ص(129-130)].
كل الحوادث مبدأها من النظـــر**** ومعظم النار من مستصغر الشـرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبهـا**** فتك السهــام بلا قـــوس ولا وتــــر
والمـــرء ما دام ذا عيـن يقلبــها**** في أعين الغيد موقوف علـى خطـر
يســــر مقلته ما ضـــر مهجـتــه**** لا مرحبًـــا بســرور عــاد بالضـرر
وعن أيِّ شيء تغضِّين البصر؟
1-عن العورات، وما يثير الشهوة:
ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا صريحًا مُفَصَّلًا بغضِّ البصر عن عورات الغير، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة) [رواه مسلم]، وأن يحفظ المسلم عورته من نظر الغير إليها بسترها وعدم إبدائها، كما قال صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن حيدة: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت يا رسول الله أرأيت إن كان القوم بعضهم في بعض قال إن استطعت أن لا تريها أحدا فلا ترينها قلت يا رسول الله فإن كان أحدنا خاليا قال فالله أحق أن يستحيي منه من الناس) [حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، (1920)].
2-عن ما لا ينفعك النظر إليه:
قال تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّعَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْعَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88] أي: (لا تعجب إعجابًا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التيتمتع بها المترفون، واغترَّ بها الجاهلون، واستغن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم) [تفسير السعدي، ص (434)].
وأمَّا ثماره اليانعة، فأولها العفة:
فحفظ الفرج هو الثمرة الطبيعية لغض البصر، وهو الخطوة التالية لتحكيم الإرادة، ويقظة الرقابة الذاتية، والاستعلاء على الأهواء في مراحلها الأولى، ومن ثم يجمع الله تعالى بينهما في آية واحدة؛ بوصفهما سببًا ونتيجة، وخطوتين متواليتين في عالم الضمير..كلتاهما قريب من قريب. [في ظلال القرآن، سيد قطب، (4/2512)].
وثانيها: الجزاء من جنس العمل:
فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرًا منه، فإذا غضت الفتاة بصرها عن محارم الله عوضها الله بأن يحفظ عليها بصرها، ويطلق نور بصيرتها، فيفتح لها باب العلم والإيمان والمعرفة والتفوق والفراسة الصادقة.
ثم وقاية عينيك من نار الآخرة:
العين التي تكفُّها صاحبتها عن محارم الله لا تمسها النار يوم القيامة أبدًا؛ فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا تري أعينهم النار:عينٌ حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعينٌ كفَّت عن محارم الله) [حسَّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1231)]. [شهوة تبني مسجدًا، محمد السيد عبد الرازق، ص(114)، بتصرف].
وماذا لو وقعت الفتاة في إدمان النظر إلى المحرمات؟
ابنتي زهرة..إنَّ باب التوبة مفتوح ليل نهار حتى تطلع الشمس من مغربها، ولكن.!
التخلص من هذه المعصية لمن تعودت عليها وألفتها لفترة من الزمن، يحتاج في البداية إلى إرادة قوية ورغبة صادقة في التوبة، وترك النظر المحرم بلا رجعة.
إذًا لابد من الاستعانة بالله تعالى أولًا، ثم البدء فورًا بتجفيف المنابع التي تتيح لكِ الجلوس والنظر إلى المحرمات.
وإليك هذه المعينات على غضِّ البصر:
ـ اعبدي الله تعالى عبادة المحسنين، والإحسان يعنى: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) [رواه مسلم].
ـ استحضري دائمًا قول الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19]، سئل الجنيد بم يستعان على غض البصر؟ قال بعلمك أنَّ نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما تنظره.
ـ استشعار عظم نعمة البصر ، ومعاناة الأشخاص الذين حرموا هذه النعمة،فكيف تستعملين نعمة منحك الله إياها، فيما يغضبه، هل هذا هو شكر هذه النعمة؟؟
ـ ابتعدي عن كل ما يسهل النظر للحرام، كالأسواق التي يكثر فيها الاختلاط،ومشاهدة القنوات الفضائية الماجنة وتصفح مواقع الانترنت وأنتِ منفردة.
ـ الزمي صحبة الصالحات، وقاطعي بحزم كل من يزين لك السلوك الخبيث أو المنحرف، وتأملي كيف كان الرفقاء الصالحون يتواصون بهذا الأدب، عن وكيع بن الجراح قال: خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد فقال: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا غَضُّ أبصارنا).
ـ كونيعلى يقين أنَّ الرغبات الفطرية التي أودعها الله تعالى فينا لا يشبعها إلا الحلال الطيب الذي أباحه الله، أما الحرام فلا يشبعها أبدًا، فمن ينظر إلى الحرام كمن يشرب من الماء المالح لا يزيده إلا عطشًا، وقد يقوده إلى الوقوع في الحرام،فاقطعي طريق الشر من بدايته.
وأخيرًا زهرة:
إنها دعوة لنكفَّ أبصارنا عن كل ما يغضب الله عز وجل.
ولنمتَّع أبصارنا بالنظر في كتاب ربنا وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار..ولنطلق أبصارنا لترى عظمة صنع الخالق جل جلاله في الكون من حولنا، وتذوق حلاوة الإيمان..إنها دعوة لتذوقي حلاوة الإيمان وتكوني من قاصرات الطرف.
اللهم اجعلنا معهم في جنات النعيم، اللهم آمين.
ما أحسن الوصف، إنهن قاصرات الطرف، زوجات المؤمنين في الجنة، فلماذا وصفهن الله تعالى بهذا الوصف؟ لابد أنه أهم وأحسن ما توصف به المرأة أن تكون من: قاصرات الطرف..!
قال تعالى:{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} [ص: 52]..المعنى: حورٌ لا ينظرن إلى غير أزواجهن.
وأنتِ يا زهرة الإسلام اليانعة، يا شمسًا أطلت علينا تمنحنا وعودًا كبيرة لنفسها ولأمتها..ألا تنافسين الحَوْرَاء في أخلاقها الرفيعة وأدبها العالي؟
ألا تكونين قاصرةَ الطرف عن كل ما يغضب مولاك جلَّ في علاه، مرسلةً طرفك إلى كل ما يقربك من مولاك ويزيد من إيمانك، ويملأ فؤادك يقينًا، ويسعد نفسك بجمال ما أبدعه الله تعالى في الكون لنا؟ إنَّ قلبي يسمعك وقلمي يكتب جوابك: اللهم نعم!
جوهرةٌ.. تلك العينُ المبصرة:
إنَّ من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان نعمة البصر، يقول الله تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23].
ومن عظيم قدر هذه النعمة أنَّ الله تعالى أبدل من ابتلاه بفقدها؛ فصبر؛ الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه ثم صبر، عوضته الجنة) [رواه البخاري].
وتبرز نعمة البصر من وسط فيض النعم الربانية التي لا تُعَدّ ولا تُحْصَى؛لتحتل الصدارة، لذلك يكثر ذكرها في القرآن الكريم امتنانًا
من الله تعالى على عباده، وتذكيرًا لهم بفضله، وتوجيهًا لهم في كيفية التعامل مع هذه النعمة، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
ثم علَّمنا العليم الحكيم أنَّ لنعمة البصر أدبًا لازمًا يحميها من الانحراف عن ما خلقها الله من أجله، اسمه:غض البصر..!
فما معنى غضُّ البصر؟
غضُّ البصر في اللغة يعني: كفُّه ومنعه من الاسترسال في التأمل والنظر.
وغَضَّ طَرْفَه وبَصره: كفَّه وخَفَضَه وكسره، وقيل: (هو إِذا دانى بين جفونه ونظر) [لسان العرب، ابن منظور، (7/196)].
ومعناه في الشرع: هو أن يُغمِضَ المسلم بصره عمَّا حُرِّم عليه، ولا ينظر إلا لما أبيح له النظر إليه قال تعالى:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: (هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّمٍ من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعًا)، ولم يختصَّ الله جل وعلا الرجال بذلك، بل أمر النساء أيضًا بِغَضِّ أبصارهن،فقال جل وعلا: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31].
وهو أدبٌ لازمٌ للفتاة المسلمة وشارةٌ على حيائها:
إنَّ تعويد الفتاة المراهقة على فضيلة غضِّ البصر، من أهم الآداب التي ينبغي أن تتحلى بها، فهو علامة على الحياء والعفة،
كما يعتبر وسيلة أساسية للحيلولة دون إثارة الدافع الجنسي لديها، وله أثره الإيجابي على صحتها النفسية، وعلى سلوكها الاجتماعي.
وامتثال الفتاة المراهقة لهذا الأدب الرفيع بمثابة صمام الأمان طوال هذه المرحلة مما يساعدها على تخطِّيها في أمان وسلام.
[الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة، حنان الطوري، ص (233)].
فمن أطلق نظراته..دامت حسراته
لأن إطلاق النظر أول خطوة في طريق الخطيئة، فهي دركات تهبط بصاحبها إلى هاوية الخطيئة، يقول ابن القيم رحمه الله:
(وأما اللحظات - النظرات- فهي رائد الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق نظره أورد نفسه موارد الهلاك، والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولِّد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع منه مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده). [الجواب الكافي، ابن القيم، ص(129-130)].
كل الحوادث مبدأها من النظـــر**** ومعظم النار من مستصغر الشـرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبهـا**** فتك السهــام بلا قـــوس ولا وتــــر
والمـــرء ما دام ذا عيـن يقلبــها**** في أعين الغيد موقوف علـى خطـر
يســــر مقلته ما ضـــر مهجـتــه**** لا مرحبًـــا بســرور عــاد بالضـرر
وعن أيِّ شيء تغضِّين البصر؟
1-عن العورات، وما يثير الشهوة:
ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا صريحًا مُفَصَّلًا بغضِّ البصر عن عورات الغير، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة) [رواه مسلم]، وأن يحفظ المسلم عورته من نظر الغير إليها بسترها وعدم إبدائها، كما قال صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن حيدة: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت يا رسول الله أرأيت إن كان القوم بعضهم في بعض قال إن استطعت أن لا تريها أحدا فلا ترينها قلت يا رسول الله فإن كان أحدنا خاليا قال فالله أحق أن يستحيي منه من الناس) [حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، (1920)].
2-عن ما لا ينفعك النظر إليه:
قال تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّعَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْعَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88] أي: (لا تعجب إعجابًا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التيتمتع بها المترفون، واغترَّ بها الجاهلون، واستغن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم) [تفسير السعدي، ص (434)].
وأمَّا ثماره اليانعة، فأولها العفة:
فحفظ الفرج هو الثمرة الطبيعية لغض البصر، وهو الخطوة التالية لتحكيم الإرادة، ويقظة الرقابة الذاتية، والاستعلاء على الأهواء في مراحلها الأولى، ومن ثم يجمع الله تعالى بينهما في آية واحدة؛ بوصفهما سببًا ونتيجة، وخطوتين متواليتين في عالم الضمير..كلتاهما قريب من قريب. [في ظلال القرآن، سيد قطب، (4/2512)].
وثانيها: الجزاء من جنس العمل:
فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرًا منه، فإذا غضت الفتاة بصرها عن محارم الله عوضها الله بأن يحفظ عليها بصرها، ويطلق نور بصيرتها، فيفتح لها باب العلم والإيمان والمعرفة والتفوق والفراسة الصادقة.
ثم وقاية عينيك من نار الآخرة:
العين التي تكفُّها صاحبتها عن محارم الله لا تمسها النار يوم القيامة أبدًا؛ فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا تري أعينهم النار:عينٌ حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعينٌ كفَّت عن محارم الله) [حسَّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1231)]. [شهوة تبني مسجدًا، محمد السيد عبد الرازق، ص(114)، بتصرف].
وماذا لو وقعت الفتاة في إدمان النظر إلى المحرمات؟
ابنتي زهرة..إنَّ باب التوبة مفتوح ليل نهار حتى تطلع الشمس من مغربها، ولكن.!
التخلص من هذه المعصية لمن تعودت عليها وألفتها لفترة من الزمن، يحتاج في البداية إلى إرادة قوية ورغبة صادقة في التوبة، وترك النظر المحرم بلا رجعة.
إذًا لابد من الاستعانة بالله تعالى أولًا، ثم البدء فورًا بتجفيف المنابع التي تتيح لكِ الجلوس والنظر إلى المحرمات.
وإليك هذه المعينات على غضِّ البصر:
ـ اعبدي الله تعالى عبادة المحسنين، والإحسان يعنى: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) [رواه مسلم].
ـ استحضري دائمًا قول الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19]، سئل الجنيد بم يستعان على غض البصر؟ قال بعلمك أنَّ نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما تنظره.
ـ استشعار عظم نعمة البصر ، ومعاناة الأشخاص الذين حرموا هذه النعمة،فكيف تستعملين نعمة منحك الله إياها، فيما يغضبه، هل هذا هو شكر هذه النعمة؟؟
ـ ابتعدي عن كل ما يسهل النظر للحرام، كالأسواق التي يكثر فيها الاختلاط،ومشاهدة القنوات الفضائية الماجنة وتصفح مواقع الانترنت وأنتِ منفردة.
ـ الزمي صحبة الصالحات، وقاطعي بحزم كل من يزين لك السلوك الخبيث أو المنحرف، وتأملي كيف كان الرفقاء الصالحون يتواصون بهذا الأدب، عن وكيع بن الجراح قال: خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد فقال: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا غَضُّ أبصارنا).
ـ كونيعلى يقين أنَّ الرغبات الفطرية التي أودعها الله تعالى فينا لا يشبعها إلا الحلال الطيب الذي أباحه الله، أما الحرام فلا يشبعها أبدًا، فمن ينظر إلى الحرام كمن يشرب من الماء المالح لا يزيده إلا عطشًا، وقد يقوده إلى الوقوع في الحرام،فاقطعي طريق الشر من بدايته.
وأخيرًا زهرة:
إنها دعوة لنكفَّ أبصارنا عن كل ما يغضب الله عز وجل.
ولنمتَّع أبصارنا بالنظر في كتاب ربنا وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار..ولنطلق أبصارنا لترى عظمة صنع الخالق جل جلاله في الكون من حولنا، وتذوق حلاوة الإيمان..إنها دعوة لتذوقي حلاوة الإيمان وتكوني من قاصرات الطرف.
اللهم اجعلنا معهم في جنات النعيم، اللهم آمين.
منازل الشهداء- عدد المساهمات : 362
تاريخ التسجيل : 24/07/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى