تفسير سورة هودة ايه109\\\\118
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة هودة ايه109\\118
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)
يقول تعالى: ( فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ ) المشركون، إنه باطل وجَهل وضلال، فإنهم إنما يعبدون ما يعبد آباؤهم من قبل، أي: ليس لهم مُستَنَد فيما هم فيه إلا اتباع الآباء في الجهالات، وسيجزيهم الله على ذلك أتم الجزاء فيعذب كافرهم عذابًا لا يعذبه أحدا من العالمين، وإن كان لهم حسنات فقد وفاهم الله إياها في الدنيا قبل الآخرة.
قال سفيان الثوري، عن جابر الجُعْفي، عن مجاهد، عن ابن عباس: ( وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ ) قال: ما وعدوا فيه من خير أو شر.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لموفوهم من العذاب نصيبهم غير منقوص. ثم ذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب، فاختلف الناس فيه، فمن مؤمن به، ومن كافر به فلك بمن سلف من الأنبياء قبلك يا محمد أسوة، فلا يغيظنك تكذيبهم لك، ولا يهيدنَّك ذلك.
( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) قال ابن جرير: لولا ما تقدم من تأجيله العذاب إلى أجل معلوم، لقضى الله بينهم.
ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة، أنه لا يعذب أحدا إلا بعدم قيام الحجة عليه، وإرسال الرسول إليه، كما قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا [الإسراء:15] ؛ فإنه قد قال في الآية الأخرى: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [طه:129، 130]. " < 4-354 > "
ثم أخبر أن الكافرين في شك -مما جاءهم به الرسول -قوي، فقال ( وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ) .
ثم أخبرنا تعالى أنه سيجمع الأولين والآخرين من الأمم، ويجزيهم بأعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، فقال: ( وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) أي: عليم بأعمالهم جميعها، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها.
وفي هذه الآية قراءات كثيرة، ويرجع معناها إلى هذا الذي ذكرناه، كما في قوله تعالى: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس:32] .
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113)
يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة، وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء ومخالفة الأضداد ونهى عن الطغيان، وهو البغي، فإنه مَصرَعة حتى ولو كان على مشرك. وأعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد، لا يغفل عن شيء، ولا يخفى عليه شيء.
وقوله: ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: لا تُدهنُوا وقال العوفي، عن ابن عباس: هو الركون إلى الشرك.
وقال أبو العالية: لا ترضوا أعمالهم.
وقال ابن جُرَيْج، عن ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا وهذا القول حسن، أي: لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بباقي صنيعهم، ( فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) أي: ليس لكم من دونه من ولي ينقذكم، ولا ناصر يخلصكم من عذابه.
وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ) قال: يعني الصبح والمغرب وكذا قال الحسن، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وقال الحسن -في رواية -وقتادة، والضحاك، وغيرهم: هي الصبح والعصر.
وقال مجاهد: هي الصبح في أول النهار، والظهر والعصر من آخره. وكذا قال محمد بن كعب القُرَظي، والضحاك في رواية عنه.
" < 4-355 > "
وقوله: ( وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ) قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وغيرهم: يعني صلاة العشاء.
وقال الحسن -في رواية ابن المبارك، عن مبارك بن فَضَالة، عنه: ( وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ) يعني المغرب والعشاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هما زُلْفَتَا الليل: المغرب والعشاء" . وكذا قال مجاهد، ومحمد بن كعب، وقتادة، والضحاك: إنها صلاة المغرب والعشاء.
وقد يحتمل أن تكون هذه الآية نـزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء؛ فإنه إنما كان يجب من الصلاة صلاتان: صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها. وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة، ثم نسخ في حق الأمة، وثبت وجوبه عليه، ثم نسخ عنه أيضًا، في قول، والله أعلم.
وقوله: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) يقول: إن فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: كنت إذا سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، وإذا حدثني عنه أحد استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وحدثني أبو بكر -وصدق أبو بكر -أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يذنب ذنبا، فيتوضأ ويصلي ركعتين، إلا غفر له" اضغط هنا .
وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان: أنه توضأ لهم كوضُوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: هكذا رأيتُ رسول الله يتوضأ، وقال: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسه، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه" .
وروى الإمام أحمد، وأبو جعفر بن جرير، من حديث أبي عَقِيل زُهْرَة بن مَعْبَد: أنه سمع الحارث مولى عثمان يقول: جلس عثمان يوما وجلسنا معه، فجاءه المؤذن فدعا عثمان بماء في إناء أظنه سيكون فيه قدر مُدّ، فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا، ثم قال: "من توضأ وضوئي هذا، ثم قام فصلى صلاة الظهر، غُفِر له ما كان بينه وبين صلاة الصبح، ثم صلى العصر غفر له ما بينه وبين صلاة الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما بينه وبين صلاة العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينه وبين صلاة المغرب، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته، ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء، وهن الحسنات يذهبن السيئات" .
وفي الصحيح عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أرأيتم لو أن " < 4-356 > " بباب أحدكم نهرًا غَمْرًا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يُبقي من درنه شيئا؟" قالوا: لا يا رسول الله: قال: "وكذلك الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الذنوب والخطايا" .
وقال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو الطاهر وهارون بن سعيد قالا حدثنا ابن وَهْب، عن أبي صخر: أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حَدَثه عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكَفِّرَات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" .
وقال الإمام أحمد: حدثنا الحَكَم بن نافع حدثنا إسماعيل بن عياش، عن ضَمْضَم بن زُرْعَة، عن شُرَيْح بن عبيد، أن أبا رُهْم السمعي كان يحدّث: أن أبا أيوب الأنصاري حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إن كل صلاة تحطّ ما بين يديها من خطيئة"
وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا محمد بن عوف حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبي، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "جعلت الصلوات كفارات لما بينهن؛ فإن الله قال: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )" .
وقال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يزيد بن زُرَيع، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود؛ أن رجلا أصاب من امرأة قُبْلَة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنـزل الله: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) فقال الرجل: إلى هذا يا رسول الله؟ قال: "لجميع أمتي كلهم".
هكذا رواه في كتاب الصلاة، وأخرجه في التفسير عن مُسَدَّد، عن يزيد بن زُرَيع، بنحوه ورواه مسلم، وأحمد، وأهل السنن إلا أبا داود، من طرق عن أبي عثمان النهدي، واسمه عبد الرحمن بن مُلّ، به اضغط هنا .
وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن جرير -وهذا لفظه - " < 4-357 > " من طُرُق: عن سِمَاك بن حرب: أنه سمع إبراهيم بن يزيد يُحدِّث عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني وجدت امرأة في بستان، ففعلت بها كل شيء، غير أني لم أجامعها، قَبَّلتها ولزمتها، ولم أفعل غير ذلك، فافعل بي ما شئت. فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه، لو ستر على نفسه. فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصرَه ثم قال: "ردوه عليّ". فردّوه عليه، فقرأ عليه: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) فقال معاذ -وفي رواية عمر -: يا رسول الله، أله وحده، أم للناس كافة؟ فقال: "بل للناس كافة" اضغط هنا .
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا أبان بن إسحاق، عن الصباح بن محمد، عن مُرّة الهَمْداني، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب. فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه". قال: قلنا: وما بوائقه يا نبي الله ؟ قال: "غشه وظلمه، ولا يكسِبُ عبد مالا حراما فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زادَه إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكنه يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث" .
وقال ابن جرير: حدثنا أبو السائب، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان فلان ابن معتب رجلا من الأنصار، فقال: يا رسول الله، دخلت على امرأة فنِلْتُ منها ما ينال الرجل من أهله، إلا أني لم أجامعها فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجيبه، حتى نـزلت هذه الآية: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) فدعاه رسول الله، فقرأها عليه .
وعن ابن عباس: أنه عمرو بن غَزِيَّة الأنصاري التمار. وقال مقاتل: هو أبو نفيل عامر بن قيس الأنصاري، وذكر الخطيب البغدادي أنه أبو اليَسر: كعب بن عمرو.
" < 4-358 > "
وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس وعفان قالا حدثنا حماد -يعني: ابن سلمة -عن علي بن زيد -قال عفان: أنبأنا علي بن زيد، عن يوسف بن مٍهْران، عن ابن عباس؛ أن رجلا أتى عمر قال امرأة جاءت تبايعه، فأدخلتها الدولج، فأصبت منها ما دون الجماع، فقال: ويحك. لعلها مُغِيبة في سبيل الله؟ قال: أجل. قال: فائت أبا بكر فاسأله قال: فأتاه فسأله، فقال: لعلها مُغيبة في سبيل الله؟ فقال مثل قول عمر، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له مثل ذلك، قال: "فلعلها مُغيبة في سبيل الله". ونـزل القرآن: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) إلى آخر الآية، فقال: يا رسول الله، ألي خاصة أم للناس عامة؟ فضرب -يعني: عمر -صدره بيده وقال: لا ولا نُعمَة عين، بل للناس عامة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صدق عمر" .
وروى الإمام أبو جعفر بن جرير من حديث قيس بن الربيع، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر كعب بن عمرو الأنصاري قال: أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا، فقلت: إن في البيت تمرا أطيب وأجود من هذا، فدخلت، فأهويت إليها فقبلتها، فأتيت عمر فسألته، فقال: اتق الله، واستر على نفسك، ولا تخبرنّ أحدا. فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر فسألته، فقال: اتق الله، واستر على نفسك، ولا تخبرنّ أحدا. قال: فلم أصبر حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: "أخَلَفتَ رجلا غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟" حتى ظننت أني من أهل النار، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ. فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة، فنـزل جبريل، فقال: "[أين] أبو اليسر؟". فجئت، فقرأ علي: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ) إلى ( ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) فقال إنسان: يا رسول الله، أله خاصة أم للناس عامة؟ قال " لِلنَّاس عامة" .
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل؛ أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له، فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصاب منها، غير أنه لم يجامعها؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "توضأ وضوءا حَسَنا، ثم قم فصل" قال: فأنـزل الله عز وجل هذه الآية، يعني قوله: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ) فقال معاذ: أهي له خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: "بل للمسلمين عامة".
" < 4-359 > "
ورواه ابن جرير من طرق، عن عبد الملك بن عمير، به اضغط هنا .
وقال عبد الرزاق: أخبرنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة؛ أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة وهو جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه لحاجة، فأذن له، فذهب يطلبها فلم يجدها، فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبي صلى الله عليه وسلم بالمطر، فوجد المرأة جالسة على غدير، فدفع في صدرها وجلس بين رجليها، فصار ذكره مثل الهُدْبة، فقام نادما حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنع، فقال له: "استغفر ربك، وصلّ أربع ركعات". قال: وتلا عليه: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ) الآية .
وقال ابن جرير: حدثني عبد الله بن أحمد بن شَبّويه، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني عمرو بن الحارث حدثني عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن سليم بن عامر؛ أنه سمع أبا أمامة يقول: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، أقم فيّ حد الله -مرة أو ثنْتِين -فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقيمت الصلاة، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال: "أين هذا الرجل القائل: أقم فيّ حد الله؟" قال: أنا ذا: قال: "أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا؟" قال: نعم. قال: "فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك، ولا تعد". وأنـزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) .
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا علي بن زيد، عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان الفارسي تحت شجرة، فأخذ منها غُصْنا يابسا فهزّه حتى تحاتَّ ورقة ، ثم قال: يا أبا عثمان، ألا تسألني لم أفعل هذا؟ فقلت: لم تفعله ؟ قال: هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرة، فأخذ منها يابسا فهزه حتى تحات ورقة، فقال: "يا سلمان، ألا تسألني: لم أفعل هذا؟". قلت: ولم تفعله؟ فقال: "إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى الصلوات الخمس، تحاتت خطاياه كما يتحات هذا الورق" . وقال: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ )
وقال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي " < 4-360 > " شبيب، عن معاذ، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا معاذ، أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" .
وقال الإمام أحمد، رضي الله عنه: حدثنا وَكِيع، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن ميمون بن أبي شبيب، عن أبي ذر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" .
وقال أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن شَمْر بن عطية، عن أشياخه، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، أوصني. قال: "إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها". قال: قلت: يا رسول الله، أمن الحسنات: لا إله إلا الله؟ قال: "هي أفضل الحسنات" .
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا هذيل بن إبراهيم الجُمَّاني، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الزهري، من ولد سعد بن أبي وقاص، عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قال عَبْد: لا إله إلا الله، في ساعة من ليل أو نهار، إلا طَلَست ما في الصحيفة من السيئات، حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات" .
عثمان بن عبد الرحمن، يقال له: الوقاصي. فيه ضعف.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا بشر بن آدم وزيد بن أخرم قالا حدثنا الضحاك بن مَخْلَد، حدثنا مستور بن عباد، عن ثابت، عن أنس؛ أن رجلا قال: يا رسول الله، ما تركت من حاجة ولا داجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟". قال: بلى. قال: "فإن هذا يأتي على ذلك" .
تفرد به من هذا الوجه مستور.
فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)
يقول تعالى: فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير، ينهون عما كان يقع بينهم من " < 4-361 > " الشرور والمنكرات والفساد في الأرض.
وقوله: ( إِلا قَلِيلا ) أي: قد وجد منهم من هذا الضرب قليل، لم يكونوا كثيرا، وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غِيَره، وفجأة نِقَمه؛ ولهذا أمر تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كما قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104]. وفي الحديث: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيّروه، أوشك أن يَعُمَّهُم الله بعقاب"؛ ولهذا قال تعالى: ( فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ) .
وقوله: ( وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ ) أي: استمروا على ما هم فيه من المعاصي والمنكرات، ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك، حتى فَجَأهم العذابُ، ( وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ) .
ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة [لنفسها] ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين، كما قال تعالى: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [ هود: 101]، وقال وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: 46].
يقول تعالى: ( فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ ) المشركون، إنه باطل وجَهل وضلال، فإنهم إنما يعبدون ما يعبد آباؤهم من قبل، أي: ليس لهم مُستَنَد فيما هم فيه إلا اتباع الآباء في الجهالات، وسيجزيهم الله على ذلك أتم الجزاء فيعذب كافرهم عذابًا لا يعذبه أحدا من العالمين، وإن كان لهم حسنات فقد وفاهم الله إياها في الدنيا قبل الآخرة.
قال سفيان الثوري، عن جابر الجُعْفي، عن مجاهد، عن ابن عباس: ( وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ ) قال: ما وعدوا فيه من خير أو شر.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لموفوهم من العذاب نصيبهم غير منقوص. ثم ذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب، فاختلف الناس فيه، فمن مؤمن به، ومن كافر به فلك بمن سلف من الأنبياء قبلك يا محمد أسوة، فلا يغيظنك تكذيبهم لك، ولا يهيدنَّك ذلك.
( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) قال ابن جرير: لولا ما تقدم من تأجيله العذاب إلى أجل معلوم، لقضى الله بينهم.
ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة، أنه لا يعذب أحدا إلا بعدم قيام الحجة عليه، وإرسال الرسول إليه، كما قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا [الإسراء:15] ؛ فإنه قد قال في الآية الأخرى: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [طه:129، 130]. " < 4-354 > "
ثم أخبر أن الكافرين في شك -مما جاءهم به الرسول -قوي، فقال ( وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ) .
ثم أخبرنا تعالى أنه سيجمع الأولين والآخرين من الأمم، ويجزيهم بأعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، فقال: ( وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) أي: عليم بأعمالهم جميعها، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها.
وفي هذه الآية قراءات كثيرة، ويرجع معناها إلى هذا الذي ذكرناه، كما في قوله تعالى: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس:32] .
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113)
يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة، وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء ومخالفة الأضداد ونهى عن الطغيان، وهو البغي، فإنه مَصرَعة حتى ولو كان على مشرك. وأعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد، لا يغفل عن شيء، ولا يخفى عليه شيء.
وقوله: ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: لا تُدهنُوا وقال العوفي، عن ابن عباس: هو الركون إلى الشرك.
وقال أبو العالية: لا ترضوا أعمالهم.
وقال ابن جُرَيْج، عن ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا وهذا القول حسن، أي: لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بباقي صنيعهم، ( فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) أي: ليس لكم من دونه من ولي ينقذكم، ولا ناصر يخلصكم من عذابه.
وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ) قال: يعني الصبح والمغرب وكذا قال الحسن، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وقال الحسن -في رواية -وقتادة، والضحاك، وغيرهم: هي الصبح والعصر.
وقال مجاهد: هي الصبح في أول النهار، والظهر والعصر من آخره. وكذا قال محمد بن كعب القُرَظي، والضحاك في رواية عنه.
" < 4-355 > "
وقوله: ( وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ) قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وغيرهم: يعني صلاة العشاء.
وقال الحسن -في رواية ابن المبارك، عن مبارك بن فَضَالة، عنه: ( وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ) يعني المغرب والعشاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هما زُلْفَتَا الليل: المغرب والعشاء" . وكذا قال مجاهد، ومحمد بن كعب، وقتادة، والضحاك: إنها صلاة المغرب والعشاء.
وقد يحتمل أن تكون هذه الآية نـزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء؛ فإنه إنما كان يجب من الصلاة صلاتان: صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها. وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة، ثم نسخ في حق الأمة، وثبت وجوبه عليه، ثم نسخ عنه أيضًا، في قول، والله أعلم.
وقوله: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) يقول: إن فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: كنت إذا سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، وإذا حدثني عنه أحد استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وحدثني أبو بكر -وصدق أبو بكر -أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يذنب ذنبا، فيتوضأ ويصلي ركعتين، إلا غفر له" اضغط هنا .
وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان: أنه توضأ لهم كوضُوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: هكذا رأيتُ رسول الله يتوضأ، وقال: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسه، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه" .
وروى الإمام أحمد، وأبو جعفر بن جرير، من حديث أبي عَقِيل زُهْرَة بن مَعْبَد: أنه سمع الحارث مولى عثمان يقول: جلس عثمان يوما وجلسنا معه، فجاءه المؤذن فدعا عثمان بماء في إناء أظنه سيكون فيه قدر مُدّ، فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا، ثم قال: "من توضأ وضوئي هذا، ثم قام فصلى صلاة الظهر، غُفِر له ما كان بينه وبين صلاة الصبح، ثم صلى العصر غفر له ما بينه وبين صلاة الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما بينه وبين صلاة العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينه وبين صلاة المغرب، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته، ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء، وهن الحسنات يذهبن السيئات" .
وفي الصحيح عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أرأيتم لو أن " < 4-356 > " بباب أحدكم نهرًا غَمْرًا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يُبقي من درنه شيئا؟" قالوا: لا يا رسول الله: قال: "وكذلك الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الذنوب والخطايا" .
وقال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو الطاهر وهارون بن سعيد قالا حدثنا ابن وَهْب، عن أبي صخر: أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حَدَثه عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكَفِّرَات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" .
وقال الإمام أحمد: حدثنا الحَكَم بن نافع حدثنا إسماعيل بن عياش، عن ضَمْضَم بن زُرْعَة، عن شُرَيْح بن عبيد، أن أبا رُهْم السمعي كان يحدّث: أن أبا أيوب الأنصاري حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إن كل صلاة تحطّ ما بين يديها من خطيئة"
وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا محمد بن عوف حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبي، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "جعلت الصلوات كفارات لما بينهن؛ فإن الله قال: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )" .
وقال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يزيد بن زُرَيع، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود؛ أن رجلا أصاب من امرأة قُبْلَة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنـزل الله: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) فقال الرجل: إلى هذا يا رسول الله؟ قال: "لجميع أمتي كلهم".
هكذا رواه في كتاب الصلاة، وأخرجه في التفسير عن مُسَدَّد، عن يزيد بن زُرَيع، بنحوه ورواه مسلم، وأحمد، وأهل السنن إلا أبا داود، من طرق عن أبي عثمان النهدي، واسمه عبد الرحمن بن مُلّ، به اضغط هنا .
وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن جرير -وهذا لفظه - " < 4-357 > " من طُرُق: عن سِمَاك بن حرب: أنه سمع إبراهيم بن يزيد يُحدِّث عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني وجدت امرأة في بستان، ففعلت بها كل شيء، غير أني لم أجامعها، قَبَّلتها ولزمتها، ولم أفعل غير ذلك، فافعل بي ما شئت. فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه، لو ستر على نفسه. فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصرَه ثم قال: "ردوه عليّ". فردّوه عليه، فقرأ عليه: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) فقال معاذ -وفي رواية عمر -: يا رسول الله، أله وحده، أم للناس كافة؟ فقال: "بل للناس كافة" اضغط هنا .
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا أبان بن إسحاق، عن الصباح بن محمد، عن مُرّة الهَمْداني، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب. فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه". قال: قلنا: وما بوائقه يا نبي الله ؟ قال: "غشه وظلمه، ولا يكسِبُ عبد مالا حراما فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زادَه إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكنه يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث" .
وقال ابن جرير: حدثنا أبو السائب، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان فلان ابن معتب رجلا من الأنصار، فقال: يا رسول الله، دخلت على امرأة فنِلْتُ منها ما ينال الرجل من أهله، إلا أني لم أجامعها فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجيبه، حتى نـزلت هذه الآية: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) فدعاه رسول الله، فقرأها عليه .
وعن ابن عباس: أنه عمرو بن غَزِيَّة الأنصاري التمار. وقال مقاتل: هو أبو نفيل عامر بن قيس الأنصاري، وذكر الخطيب البغدادي أنه أبو اليَسر: كعب بن عمرو.
" < 4-358 > "
وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس وعفان قالا حدثنا حماد -يعني: ابن سلمة -عن علي بن زيد -قال عفان: أنبأنا علي بن زيد، عن يوسف بن مٍهْران، عن ابن عباس؛ أن رجلا أتى عمر قال امرأة جاءت تبايعه، فأدخلتها الدولج، فأصبت منها ما دون الجماع، فقال: ويحك. لعلها مُغِيبة في سبيل الله؟ قال: أجل. قال: فائت أبا بكر فاسأله قال: فأتاه فسأله، فقال: لعلها مُغيبة في سبيل الله؟ فقال مثل قول عمر، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له مثل ذلك، قال: "فلعلها مُغيبة في سبيل الله". ونـزل القرآن: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) إلى آخر الآية، فقال: يا رسول الله، ألي خاصة أم للناس عامة؟ فضرب -يعني: عمر -صدره بيده وقال: لا ولا نُعمَة عين، بل للناس عامة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صدق عمر" .
وروى الإمام أبو جعفر بن جرير من حديث قيس بن الربيع، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر كعب بن عمرو الأنصاري قال: أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا، فقلت: إن في البيت تمرا أطيب وأجود من هذا، فدخلت، فأهويت إليها فقبلتها، فأتيت عمر فسألته، فقال: اتق الله، واستر على نفسك، ولا تخبرنّ أحدا. فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر فسألته، فقال: اتق الله، واستر على نفسك، ولا تخبرنّ أحدا. قال: فلم أصبر حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: "أخَلَفتَ رجلا غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟" حتى ظننت أني من أهل النار، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ. فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة، فنـزل جبريل، فقال: "[أين] أبو اليسر؟". فجئت، فقرأ علي: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ) إلى ( ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) فقال إنسان: يا رسول الله، أله خاصة أم للناس عامة؟ قال " لِلنَّاس عامة" .
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل؛ أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له، فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصاب منها، غير أنه لم يجامعها؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "توضأ وضوءا حَسَنا، ثم قم فصل" قال: فأنـزل الله عز وجل هذه الآية، يعني قوله: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ) فقال معاذ: أهي له خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: "بل للمسلمين عامة".
" < 4-359 > "
ورواه ابن جرير من طرق، عن عبد الملك بن عمير، به اضغط هنا .
وقال عبد الرزاق: أخبرنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة؛ أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة وهو جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه لحاجة، فأذن له، فذهب يطلبها فلم يجدها، فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبي صلى الله عليه وسلم بالمطر، فوجد المرأة جالسة على غدير، فدفع في صدرها وجلس بين رجليها، فصار ذكره مثل الهُدْبة، فقام نادما حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنع، فقال له: "استغفر ربك، وصلّ أربع ركعات". قال: وتلا عليه: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ) الآية .
وقال ابن جرير: حدثني عبد الله بن أحمد بن شَبّويه، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني عمرو بن الحارث حدثني عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن سليم بن عامر؛ أنه سمع أبا أمامة يقول: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، أقم فيّ حد الله -مرة أو ثنْتِين -فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقيمت الصلاة، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال: "أين هذا الرجل القائل: أقم فيّ حد الله؟" قال: أنا ذا: قال: "أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا؟" قال: نعم. قال: "فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك، ولا تعد". وأنـزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) .
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا علي بن زيد، عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان الفارسي تحت شجرة، فأخذ منها غُصْنا يابسا فهزّه حتى تحاتَّ ورقة ، ثم قال: يا أبا عثمان، ألا تسألني لم أفعل هذا؟ فقلت: لم تفعله ؟ قال: هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرة، فأخذ منها يابسا فهزه حتى تحات ورقة، فقال: "يا سلمان، ألا تسألني: لم أفعل هذا؟". قلت: ولم تفعله؟ فقال: "إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى الصلوات الخمس، تحاتت خطاياه كما يتحات هذا الورق" . وقال: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ )
وقال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي " < 4-360 > " شبيب، عن معاذ، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا معاذ، أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" .
وقال الإمام أحمد، رضي الله عنه: حدثنا وَكِيع، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن ميمون بن أبي شبيب، عن أبي ذر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" .
وقال أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن شَمْر بن عطية، عن أشياخه، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، أوصني. قال: "إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها". قال: قلت: يا رسول الله، أمن الحسنات: لا إله إلا الله؟ قال: "هي أفضل الحسنات" .
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا هذيل بن إبراهيم الجُمَّاني، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الزهري، من ولد سعد بن أبي وقاص، عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قال عَبْد: لا إله إلا الله، في ساعة من ليل أو نهار، إلا طَلَست ما في الصحيفة من السيئات، حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات" .
عثمان بن عبد الرحمن، يقال له: الوقاصي. فيه ضعف.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا بشر بن آدم وزيد بن أخرم قالا حدثنا الضحاك بن مَخْلَد، حدثنا مستور بن عباد، عن ثابت، عن أنس؛ أن رجلا قال: يا رسول الله، ما تركت من حاجة ولا داجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟". قال: بلى. قال: "فإن هذا يأتي على ذلك" .
تفرد به من هذا الوجه مستور.
فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)
يقول تعالى: فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير، ينهون عما كان يقع بينهم من " < 4-361 > " الشرور والمنكرات والفساد في الأرض.
وقوله: ( إِلا قَلِيلا ) أي: قد وجد منهم من هذا الضرب قليل، لم يكونوا كثيرا، وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غِيَره، وفجأة نِقَمه؛ ولهذا أمر تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كما قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104]. وفي الحديث: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيّروه، أوشك أن يَعُمَّهُم الله بعقاب"؛ ولهذا قال تعالى: ( فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ) .
وقوله: ( وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ ) أي: استمروا على ما هم فيه من المعاصي والمنكرات، ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك، حتى فَجَأهم العذابُ، ( وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ) .
ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة [لنفسها] ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين، كما قال تعالى: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [ هود: 101]، وقال وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: 46].
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة هودة ايه 118\\\ سورة يوسف ايه 5
» تفسير سوره الاعراف ايه109== 128 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة العصر==تفسير سورة ويل لكل همزة لمزة ==آخر تفسير سورة "الفيل".
» تفسير سورة لإيلاف قريش=تفسير سورة الماعون=آخر تفسير سورة "الكوثر"،
» تفسير سورة قل يا أيها الكافرون=تفسير سورة إذا جاء نصر الله والفتح=[آخر تفسير "تبت"
» تفسير سوره الاعراف ايه109== 128 الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة العصر==تفسير سورة ويل لكل همزة لمزة ==آخر تفسير سورة "الفيل".
» تفسير سورة لإيلاف قريش=تفسير سورة الماعون=آخر تفسير سورة "الكوثر"،
» تفسير سورة قل يا أيها الكافرون=تفسير سورة إذا جاء نصر الله والفتح=[آخر تفسير "تبت"
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى