بين "حبل الناس" ... و "حبل الله"
صفحة 1 من اصل 1
بين "حبل الناس" ... و "حبل الله"
بسم الله الرحمن الرحيم
أكاد أبكي كلما شاهدت تلك "اللقطة المعبرة" التي تكررها قناة الجزيرة دائماً لكهل تونسي يقول أن الشباب عليهم أن يتحملوا مسئوليتهم نحو الوطن .. ثم يمسح رأسه الأشيب بيده وهو يقول بصوت يخنقه البكاء: "لأننا هـَرِمنا .. هـَرِمنا.. من أجل هذه اللحظة التاريخية".
والحق أن هذه الكلمات تؤثر في نفسي كثيراً لأنني أشاركه نفس المشاعر، فقد عشت – كما عاش الكثيرون من جيلي – في انتظار هذه اللحظة التي سماها هو "تاريخية" وكنت دائماً أسميها "اللحظة الربانية" التي يشاء فيها الله سبحانه لحكمة يعلمها ولا نعلمها أن يتحرر وطني، وينزاح عنه كابوس الطغاة .. وأصدقكم القول، لم أكن أتوقع أن أراها بعيني وبهذه السرعة ... لكنه لطف الله ورحمته بعباده.
ونحن طلاب كنا نتصور أننا سنحرر الوطن خلال سنوات، وكم قد قضيت الليالي الطوال أنسج في مخيلتي ماذا سأفعل إن أوكلت لي مهمة "إعادة بناء الوطن"، كنت أضع التفاصيل والرتوش على صورة بلدي بعد أن تتحرر ... ولم يكن ذلك عبثاً أو مضيعة للوقت، بل كان يدفعني إلى العمل والتضحية والجهاد من أجل تحقيق الحلم .. "وطن حر".
وكم قد قضينا الساعات مع الأصدقاء ورفقاء الدرب نتناقش في "طريق الحرية"، كل منا يطرح طريقاً يتصور أنه سيؤدي إلى القضاء على الظلم، وإعادة الكرامة للأمة، فلا يمهله الآخرون أن يهنأ بآماله بل يسارعون لتوجيه سهام النقد القاتلة لطريقه المقترح، ويوضحون كيف سيجهض الطغاة جهد العاملين في هذا الطريق، ومن ثم لن يوصلنا إلى شيء ... ثم يُطرح طريق آخر وآخر ... حتى إذا أدركنا التعب كنت دائماً أقول للحضور: أنا على يقين أنها "لحظة ربانية" تخرج عن حسابات البشر، ولا تخضع إلا لإرادة الرب الملك العزيز الجبار المتكبر.
لم يكن ذلك عن حكمة من عند نفسي، بل تعلمته من التجربة .. ومن أساتذة لنا سبقونا في الدرب وخبروا قوانين الكون ...
كنا نلتف كأفراخ صغار حول الأستاذ "مصطفى مشهور" عليه رحمة الله وهو يحدثنا عن طريق الدعوة والحرية، وكنا نعجب بعقولنا الغضة كيف لمثل هذا الرجل الذي قضى زهرة شبابه في السجن لأكثر من عشرين سنة، ولم تلق جهوده وجهاد جيله كله حظاً من النصر على أرض الواقع، كيف يمكنه أن يكون متفائلاً إلى هذه الدرجة .. يقول في ثقة وكأنه يرى الغد أن النصر "مضمون"، وأن الحرية آتية "لا محالة" .. فإن أثقلنا عليه (أن متى؟) .. تنهد ورفع أصبعه إلى السماء وقال: "لحظة يشاء الله سبحانه".
لقد عشنا جميعاً ننتظر هذه "اللحظة الربانية" ... وقد رأيناها ... رأينا كيف شاء الله لأمتي أن تتحرر، فأملى للطغاة ليزيدوا في ظلمهم .. ثم أخرج "البوعزيز" يسعى على رزقه فيتعثر سعيه في "شرطية سلطوية" تبصق عليه فيطير عقله ويضرم النار في جسده .. ثم تتوالى الأحداث دون أن يتوقع أحد أن تفضي إلى شيء .. حتى يخلع الله الطاغية الأول، ويلقى في قلبه الرعب من شعب أعزل فيفر بملياراته إلى مزبلة التاريخ .. ثم ينفرط العقد .. وتثور مصر قلب الأمة وملهمة العرب والمسلمين.
حتى "جمعة الغضب" لم يكن أحد يتوقع أي نتيجة، حتى أولئك الشباب الذين فجروا الثورة لم يكونوا يتوقعون النتيجة ... كانت يد الله تعالى تحرك الأحداث بلا منازع ... تنكسر إرادة الطغاة، ويثبت الشعب على غضبته رغم الرصاص والمولوتوف، ويسلط الله على الظلمة "غباءهم وتكبرهم" فيكون تدبيرهم تدميرهم ... ألم أقل لكم أنها "لحظة ربانية" يمتد فيها "حبل الله" إلى الأمة بعد أن ينقطع عنها كل حبل من حبال الناس؟!
عندما حدثنا الله تعالى عن "بني إسرائيل" أعلمنا بقانون قضاه سبحانه عليهم ..
فقال: "ضـُربت عليهم الذلة أينما ثـُقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس" ..
وأزعم أن الله أراد أن نعلم أن هناك حبلان: حبل الناس وحولهم وقوتهم، ومكرهم وعملهم وخطتهم ... وحبله سبحانه القاهر الغالب الذي يليق بعزته وجبروته وقوته.
ثم لم يتركنا ربنا هكذا حيارى بين الحبلين، بل طمأننا أنه يمد حبله لكل عامل مخلص، ولكل مجاهد صادق، ويزيد في مد هذا الحبل على قدر انقطاع أحبل الناس ...
حتى إذا انقطعت عن العاملين المخلصين كل الحبال، ولم يبق لهم إلا أن يتعلقوا بقلوبهم بحبل الله، حانت "اللحظة الربانية" التي انتظروها طويلاً .. فيكون النصر ... قال تعالى: "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجيَ من نشاء ولا يـُرد بأسنا عن القوم المجرمين".
لقد تعلقنا بحبل الله في تونس ومصر فكان النصر ... وما تزال قلوبنا تتعلق ببعض أحبل الناس في ليبيا واليمن فتأخر النصر ...
يا شباب أمتي ... إن ثوراتكم لا تزال غضة طرية، فجرها ربكم ورعاها .. فاقطعوا عن قلوبكم "أحبل الناس" .. وتعلقوا بحبله سبحانه يمددكم بحبل من عنده ... فيكون النصر القريب بإذنه.
أكاد أبكي كلما شاهدت تلك "اللقطة المعبرة" التي تكررها قناة الجزيرة دائماً لكهل تونسي يقول أن الشباب عليهم أن يتحملوا مسئوليتهم نحو الوطن .. ثم يمسح رأسه الأشيب بيده وهو يقول بصوت يخنقه البكاء: "لأننا هـَرِمنا .. هـَرِمنا.. من أجل هذه اللحظة التاريخية".
والحق أن هذه الكلمات تؤثر في نفسي كثيراً لأنني أشاركه نفس المشاعر، فقد عشت – كما عاش الكثيرون من جيلي – في انتظار هذه اللحظة التي سماها هو "تاريخية" وكنت دائماً أسميها "اللحظة الربانية" التي يشاء فيها الله سبحانه لحكمة يعلمها ولا نعلمها أن يتحرر وطني، وينزاح عنه كابوس الطغاة .. وأصدقكم القول، لم أكن أتوقع أن أراها بعيني وبهذه السرعة ... لكنه لطف الله ورحمته بعباده.
ونحن طلاب كنا نتصور أننا سنحرر الوطن خلال سنوات، وكم قد قضيت الليالي الطوال أنسج في مخيلتي ماذا سأفعل إن أوكلت لي مهمة "إعادة بناء الوطن"، كنت أضع التفاصيل والرتوش على صورة بلدي بعد أن تتحرر ... ولم يكن ذلك عبثاً أو مضيعة للوقت، بل كان يدفعني إلى العمل والتضحية والجهاد من أجل تحقيق الحلم .. "وطن حر".
وكم قد قضينا الساعات مع الأصدقاء ورفقاء الدرب نتناقش في "طريق الحرية"، كل منا يطرح طريقاً يتصور أنه سيؤدي إلى القضاء على الظلم، وإعادة الكرامة للأمة، فلا يمهله الآخرون أن يهنأ بآماله بل يسارعون لتوجيه سهام النقد القاتلة لطريقه المقترح، ويوضحون كيف سيجهض الطغاة جهد العاملين في هذا الطريق، ومن ثم لن يوصلنا إلى شيء ... ثم يُطرح طريق آخر وآخر ... حتى إذا أدركنا التعب كنت دائماً أقول للحضور: أنا على يقين أنها "لحظة ربانية" تخرج عن حسابات البشر، ولا تخضع إلا لإرادة الرب الملك العزيز الجبار المتكبر.
لم يكن ذلك عن حكمة من عند نفسي، بل تعلمته من التجربة .. ومن أساتذة لنا سبقونا في الدرب وخبروا قوانين الكون ...
كنا نلتف كأفراخ صغار حول الأستاذ "مصطفى مشهور" عليه رحمة الله وهو يحدثنا عن طريق الدعوة والحرية، وكنا نعجب بعقولنا الغضة كيف لمثل هذا الرجل الذي قضى زهرة شبابه في السجن لأكثر من عشرين سنة، ولم تلق جهوده وجهاد جيله كله حظاً من النصر على أرض الواقع، كيف يمكنه أن يكون متفائلاً إلى هذه الدرجة .. يقول في ثقة وكأنه يرى الغد أن النصر "مضمون"، وأن الحرية آتية "لا محالة" .. فإن أثقلنا عليه (أن متى؟) .. تنهد ورفع أصبعه إلى السماء وقال: "لحظة يشاء الله سبحانه".
لقد عشنا جميعاً ننتظر هذه "اللحظة الربانية" ... وقد رأيناها ... رأينا كيف شاء الله لأمتي أن تتحرر، فأملى للطغاة ليزيدوا في ظلمهم .. ثم أخرج "البوعزيز" يسعى على رزقه فيتعثر سعيه في "شرطية سلطوية" تبصق عليه فيطير عقله ويضرم النار في جسده .. ثم تتوالى الأحداث دون أن يتوقع أحد أن تفضي إلى شيء .. حتى يخلع الله الطاغية الأول، ويلقى في قلبه الرعب من شعب أعزل فيفر بملياراته إلى مزبلة التاريخ .. ثم ينفرط العقد .. وتثور مصر قلب الأمة وملهمة العرب والمسلمين.
حتى "جمعة الغضب" لم يكن أحد يتوقع أي نتيجة، حتى أولئك الشباب الذين فجروا الثورة لم يكونوا يتوقعون النتيجة ... كانت يد الله تعالى تحرك الأحداث بلا منازع ... تنكسر إرادة الطغاة، ويثبت الشعب على غضبته رغم الرصاص والمولوتوف، ويسلط الله على الظلمة "غباءهم وتكبرهم" فيكون تدبيرهم تدميرهم ... ألم أقل لكم أنها "لحظة ربانية" يمتد فيها "حبل الله" إلى الأمة بعد أن ينقطع عنها كل حبل من حبال الناس؟!
عندما حدثنا الله تعالى عن "بني إسرائيل" أعلمنا بقانون قضاه سبحانه عليهم ..
فقال: "ضـُربت عليهم الذلة أينما ثـُقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس" ..
وأزعم أن الله أراد أن نعلم أن هناك حبلان: حبل الناس وحولهم وقوتهم، ومكرهم وعملهم وخطتهم ... وحبله سبحانه القاهر الغالب الذي يليق بعزته وجبروته وقوته.
ثم لم يتركنا ربنا هكذا حيارى بين الحبلين، بل طمأننا أنه يمد حبله لكل عامل مخلص، ولكل مجاهد صادق، ويزيد في مد هذا الحبل على قدر انقطاع أحبل الناس ...
حتى إذا انقطعت عن العاملين المخلصين كل الحبال، ولم يبق لهم إلا أن يتعلقوا بقلوبهم بحبل الله، حانت "اللحظة الربانية" التي انتظروها طويلاً .. فيكون النصر ... قال تعالى: "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجيَ من نشاء ولا يـُرد بأسنا عن القوم المجرمين".
لقد تعلقنا بحبل الله في تونس ومصر فكان النصر ... وما تزال قلوبنا تتعلق ببعض أحبل الناس في ليبيا واليمن فتأخر النصر ...
يا شباب أمتي ... إن ثوراتكم لا تزال غضة طرية، فجرها ربكم ورعاها .. فاقطعوا عن قلوبكم "أحبل الناس" .. وتعلقوا بحبله سبحانه يمددكم بحبل من عنده ... فيكون النصر القريب بإذنه.
مواضيع مماثلة
» علم أبنائك القرآن مع المنشاوي رحمه الله (( سورة الناس ))
» معلومات ثقافية قيّمة معلومات قيّمة 1. سمي يوم الجمعة بهذا الاسم لاجتماع الناس في الصلاة، وهو اليوم الذي جُمع فيه الخلق وكمل، وهو اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين للحساب والجزاء. 2. توفي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاثة وست
» بسم الله الرحمن الرحيم حسرات إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو
» يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (109) واذكروا -أيها الناس- يوم القيامة يوم يجمع الله الرسل عليهم السلام, فيسألهم عن جواب أممهم لهم حينما دعوهم إلى التوحيد فيجيبون: ل
» سورة الملك الجزء التاسع و العشرون وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) وأخفوا قولكم- أيها الناس- في أي أمر من أموركم أو أعلنوه, فهما عند الله سواء, إنه سبحانه عليم بمضمرات الصدور, فكيف تخفى عليه أق
» معلومات ثقافية قيّمة معلومات قيّمة 1. سمي يوم الجمعة بهذا الاسم لاجتماع الناس في الصلاة، وهو اليوم الذي جُمع فيه الخلق وكمل، وهو اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين للحساب والجزاء. 2. توفي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاثة وست
» بسم الله الرحمن الرحيم حسرات إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو
» يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (109) واذكروا -أيها الناس- يوم القيامة يوم يجمع الله الرسل عليهم السلام, فيسألهم عن جواب أممهم لهم حينما دعوهم إلى التوحيد فيجيبون: ل
» سورة الملك الجزء التاسع و العشرون وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) وأخفوا قولكم- أيها الناس- في أي أمر من أموركم أو أعلنوه, فهما عند الله سواء, إنه سبحانه عليم بمضمرات الصدور, فكيف تخفى عليه أق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى