منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة الحد يد ايه 11 الى 23 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة الحد يد ايه 11 الى  23 الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة الحد يد ايه 11 الى 23 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الخميس يونيو 14, 2012 3:30 pm

من الاية 11 الى الاية 12

مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)

ومرد ذلك التفاوت وهذا الجزاء بالحسنى للجميع , إلى ما يعلمه الله من تقدير أحوالهم , وما وراء أعمالهم من عزائمهم ونواياهم . وخبرته تعالى بحقيقة ما يعملون:

(والله بما تعملون خبير). .

وهي لمسة موقظة للقلوب , في عالم النوايا المضمرة وراء الأعمال الظاهرة , وهي التي تناط بها القيم , وترجح بها الموازين . .

الدرس الثامن:11 - 15 مشهد من مشاهد المرور على الصراط بين المؤمنين والمنافقين

ثم مرحلة أخرى في استجاشة القلوب للإيمان والبذل , ومؤثرات أخرى وراء تلك المؤثرات:

(من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم ? يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم . بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها . ذلك هو الفوز العظيم . يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا:انظرونا نقتبس من نوركم . قيل:ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا . فضرب بينهم بسور له باب , باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب . ينادونهم:ألم نكن معكم ? قالوا:بلى ! ولكنكم فتنتم أنفسكم , وتربصتم , وارتبتم , وغرتكم الأماني , حتى جاء أمر الله , وغركم بالله الغرور . فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا , مأواكم النار هي مولاكم , وبئس المصير). .

إنه هتاف موح مؤثر آسر . وهو يقول للعباد الفقراء المحاويج: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ?). . ومجرد تصور المسلم أنه هو الفقير الضئيل يقرض ربه , كفيل بأن يطير به إلى البذل طيرانا ! إن الناس ليتسابقون عادة إلى إقراض الثري المليء منهم - وهم كلهم فقراء - لأن السداد مضمون . ولهم الاعتزاز بأن أقرضوا ذلك الثري المليء ! فكيف إذا كانوا يقرضون الغني الحميد ?!

ولا يكلهم - سبحانه - إلى هذا الشعور وحده , ولكن يعدهم على القرض الحسن , الخالص له , المجرد من كل تلفت إلى سواه . يعدهم عليه الضعف في المقدار , والأجر الكريم بعد ذلك من عند الله: (فيضاعفه له , وله أجر كريم).

ثم يعرض لهم صفحة وضيئة من ذلك الأجر الكريم , في مشهد من مشاهد اليوم الذي يكون فيه ذلك الأجر الكريم .

"والمشهد هنا بإجماله وتفصيله جديد - بين المشاهد القرآنية - وهو من المشاهد التي يحييها الحوار بعد أن ترسم صورتها المتحركة رسما قويا . فنحن الذين نقرأ القرآن اللحظة نشهد مشهدا عجيبا . هؤلاء هم المؤمنون والمؤمنات نراهم . ولكننا نرى بين أيديهم وبأيمانهم إشعاعا لطيفا هادئا . ذلك نورهم يشع منهم ويفيض بين أيديهم . فهذه الشخوص الإنسانية قد أشرقت وأضاءت وأشعت نورا يمتد منها فيرى أمامها ويرى عن يمينها . . إنه النور الذي أخرجها الله إليه وبه من الظلمات . والذي أشرق في أرواحها فغلب على طينتها . أم لعله النور الذي خلق الله منه هذا الكون وما فيه ومن فيه , ظهر بحقيقته في هذه المجموعة التي حققت في ذواتها حقيقتها !

"ثم ها نحن أولاء نسمع ما يوجه إلى المؤمنين والمؤمنات من تكريم وتبشير: (بشراكم اليوم جنات تجري

الحديد

من الاية 13 الى الاية 15

يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)

من تحتها الأنهار خالدين فيها , ذلك هو الفوز العظيم). .

ولكن المشهد لا ينتهي عند هذا المنظر الطريف اللطيف . . إن هناك المنافقين والمنافقات , في حيرة وضلال , وفي مهانة وإهمال . وهم يتعلقون بأذيال المؤمنين والمؤمنات: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا:انظرونا نقتبس من نوركم). . فحيثما تتوجه أنظار المؤمنين والمؤمنات يشع ذلك النور اللطيف الشفيف . ولكن أنى للمنافقين أن يقتبسوا من هذا النور وقد عاشوا حياتهم كلها في الظلام ? إن صوتا مجهلا يناديهم: (قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا). . ويبدو أنه صوت للتهكم , والتذكير بما كان منهم في الدنيا من نفاق ودس في الظلام:ارجعوا وراءكم إلى الدنيا . إلى ما كنتم تعملون . ارجعوا فالنور يلتمس من هناك . من العمل في الدنيا . ارجعوا فليس اليوم يلتمس النور !

"وعلى الفور يفصل بين المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات . فهذا يوم الفصل إن كانوا في الدنيا مختلطين في الجماعة: (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب). . ويبدو أنه سور يمنع الرؤية ولكنه لا يمنع الصوت . فهاهم أولاء المنافقون ينادون المؤمنين: (ألم نكن معكم ?). . فما بالنا نفترق عنكم ? ألم نكن معكم في الدنيا نعيش في صعيد واحد ? وقد بعثنا معكم هنا في صعيد واحد ? (قالوا:بلى !)كان الأمر كذلك . (ولكنكم فتنتم أنفسكم). . فصرفتموها عن الهدى .(وتربصتم). . فلم تعزموا ولم تختاروا الخيرة الحاسمة .(وارتبتم). . فلم يكن لكم من اليقين ما تعزمون به العزمة الأخيرة . (وغرتكم الأماني). . الباطلة في أن تنجوا وتربحوا بالذبذبة وإمساك العصا من طرفيها ! (حتى جاء أمر الله). . وانتهى الأمر . (وغركم بالله الغرور). . وهو الشيطان الذي كان يطمعكم ويمنيكم" .

"ثم يستطرد المؤمنين في التذكير والتقرير , كأنما هم أصحاب الموقف المحكمون فيه:"

(فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا , مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير). . أم لعلها كلمة الملأ الأعلى , أو نطق الله الكريم . .

"وننظر من ناحية التناسق الفني في عرض المشهد , فنجد لاختيار مشهد النور في هذا الموضع بالذات حكمة خاصة . . إن الحديث هنا عن المنافقين والمنافقات . . والمنافقون والمنافقات يخفون باطنهم ويتظاهرون بغير ما في الضمير المكنون , ويعيشون في ظلام من النفاق والدس والوقيعة . والنور يكشف المخبوء ويفضح المستور . كما أن الصفحة المقابلة الوضيئة لصفحة النفاق المظلمة المطموسة . فهو أليق شيء بأن تطلق أشعته على المشهد الكبير . وبأن ينير بين أيدي المؤمنين والمؤمنات وبأيمانهم , بينما المنافقون في الظلام الذي يناسب ظلمات الضمير وظلمات الخفاء المستور ! "

وبعد فأي قلب لا يهفو لذلك النور في ذلك اليوم ? وأي قلب لا يستجيب لهتاف الإنفاق والبذل تحت إيقاع تلك الموحيات العميقة التأثير ?

إنه القرآن يعالج القلوب في ثبات واطراد , ويدعوها دعاء العليم الخبير بطبيعتها ومداخلها ومساربها ; وما تستجيب له وما يؤثر فيها .

والشوط الثاني في السورة استطراد في الدعاء , ومزيد من موحيات الاستجابة , على هذا المنهج , وفي هذا الطريق . .

الوحدة الثانية:16 - 26 الموضوع:دعوة إلى الخشوع والإنفاق والتسابق للخير وقيمة الدنيا بالقياس للآخرة وتاريخ الرسل والرسالات مقدمة الوحدة

هذا الشوط امتداد لموضوع السورة الرئيسي:تحقيق حقيقة الإيمان في النفس , حتى ينبثق عنها البذل الخالص في سبيل الله . وفيه من موحيات الإيمان , ومن الإيقاعات المؤثرة , قريب مما اشتمل عليه الشوط الأول , بعد ذلك المطلع العميق المثير .

وهو يبدأ برنة عتاب من الله - سبحانه - للمؤمنين , الذين لم يصلوا إلى تلك المرتبة التي يريدها الله لهم ; وتلويح لهم بما كان من أهل الكتاب قبلهم من قسوة في القلوب وفسق في الأعمال , وتحذير من هذا المآل , الذي انتهى إليه أهل الكتاب بطول الأمد عليهم . مع إطماعهم في عون الله الذي يحيي القلوب كما يحيي الأرض بعد موتها .

فإذا انتهت هذه اللمسة تبعتها لمسة أخرى - مجالها العالم الآخر - وتكررت الدعوة إلى إقراض الله قرضا حسنا , مع بيان ما أعده الله لمن يقرضونه في الدنيا من العوض المضاعف والأجر الكريم . . على نحو مما جاء في الشوط الأول .

ولمسة ثالثة بوضع قيم الدنيا كلها في ميزان الله إلى جانب قيم الآخرة . . حيث تبدو قيم الأرض لعبا خفيفة الوزن ; وترجح كفة الآخرة ويبدو فيها الجد الذي يستحق الاهتمام .

ومن ثم يهتف بهم ليسابقوا إلى قيم الآخرة . . في جنة عرضها كعرض السماء والأرض . أعدت للذين آمنوا بالله ورسله .

ولمسة رابعة ترجع بهم من ساحة الآخرة إلى ما هم فيه من واقع الحياة وأحداثها , فتعلق قلوبهم بقدر الله فيها . في السراء والضراء سواء . ومن ثم يهون عليهم البذل , ولا يزدهيهم من أعراض الأرض شيء ; وترتبط أحاسيسهم كلها بالسماء .

وبعد ذلك يعرض عليهم طرفا من تاريخ دعوة الله في الأرض , تبدو فيه وحدة المنهج , واستقامة الطريق . وأن الذي يحيد عنه في كل عهد هم الفاسقون . ويلوح لهم بما كان من بعض أهل الكتاب كما لوح لهم في أول الشوط . لينتهي من هذا الهتاف الأخير لهم بتقوى الله والإيمان برسوله , ليؤتيهم كفلين من رحمته , ويجعل لهم نورا يمشون به ويغفر لهم . ففضل الله ليس وقفا على أهل الكتاب كما يزعمون . إنما هو بيد الله يؤتيه من يشاء (والله ذو الفضل العظيم). .

وهكذا تكون السورة من أولها إلى آخرها مترابطة الحلقات , في خط واحد ثابت , تتوالى إيقاعاتها على القلوب ,
من الاية 16 الى الاية 18

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)

منوعة ومتشابهة . فيها من التكرار القدر اللازم لتعميق أثر الإيقاع في القلب , وطرقه وهو ساخن بحرارة الإيقاع بعد الإيقاع !

الدرس الأول:16 - 17 دعوة إلى الخشوع وعلاج قسوة القلب

(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ? ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل , فطال عليهم الأمد , فقست قلوبهم , وكثير منهم فاسقون , اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها . قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون). .

إنه عتاب مؤثر من المولى الكريم الرحيم ; واستبطاء للإستجابة الكاملة من تلك القلوب التي أفاض عليها من فضله ; فبعث فيها الرسول يدعوها إلى الإيمان بربها , ونزل عليه الآيات البينات ليخرجها من الظلمات إلى النور ; وأراها من آياته في الكون والخلق ما يبصر ويحذر .

عتاب فيه الود , وفيه الحض , وفيه الاستجاشة إلى الشعور بجلال الله , والخشوع لذكره , وتلقي ما نزل من الحق بما يليق بجلال الحق من الروعة والخشية والطاعة والاستسلام , مع رائحة التنديد والاستبطاء في السؤال:

(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ?). .

وإلى جانب التحضيض والاستبطاء تحذير من عاقبة التباطؤ والتقاعس عن الاستجابة , وبيان لما يغشى القلوب من الصدأ حين يمتد بها الزمن بدون جلاء , وما تنتهي إليه من القسوة بعد اللين حين تغفل عن ذكر الله , وحين لا تخشع للحق:

(ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل , فطال عليهم الأمد , فقست قلوبهم , وكثير منهم فاسقون). .

وليس وراء قسوة القلوب إلا الفسق والخروج .

إن هذا القلب البشري سريع التقلب , سريع النسيان . وهو يشف ويشرق فيفيض بالنور , ويرف كالشعاع ; فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر تبلد وقسا , وانطمست إشراقته , وأظلم وأعتم ! فلا بد من تذكير هذا القلب حتى يذكر ويخشع , ولا بد من الطرق عليه حتى يرق ويشف ; ولا بد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد والقساوة .

ولكن لا يأس من قلب خمد وجمد وقسا وتبلد . فإنه يمكن أن تدب فيه الحياة , وأن يشرق فيه النور , وأن يخشع لذكر الله . فالله يحيي الأرض بعد موتها , فتنبض بالحياة , وتزخر بالنبت والزهر , وتمنح الأكل والثمار . . وكذلك القلوب حين يشاء الله:

(اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها). .

وفي هذا القرآن ما يحيي القلوب كما تحيا الأرض ; وما يمدها بالغذاء والري والدفء:

(قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون). .

الدرس الثاني:18 - 19 المصدقون والشهداء في مقابل الكفار المكذبين المعتدين

ويتبع هذه اللمسة المحيية , وذلك العتاب المخجل , وذاك التذكير والتحذير , بحافز جديد للبذل والفداء:

(إن المصدقين والمصدقات , وأقرضوا الله قرضا حسنا , يضاعف لهم ولهم أجر كريم . والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون , والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ; والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك

من الاية 19 الى الاية 19

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)

أصحاب الجحيم). .

إن المتصدقين والمتصدقات لا يتفضلون على آخذي الصدقات , ولا يتعاملون في هذا مع الناس . إنما هم يقرضون الله ويتعاملون مباشرة معه . فأي حافز للصدقة أوقع وأعمق من شعور المعطي بأنه يقرض الغني الحميد , وأنه يتعامل مع مالك الوجود ? وأن ما ينفقه مخلف عليه مضاعفا ; وأن له بعد ذلك كله أجرا كريما ?

ومقام الصديقين مقام رفيع كما تصوره الأحاديث النبوية الشريفة . ومع علو هذا المقام فهو بفضل الله ميسور لمن أراد , وليس وقفا على أفراد ولا على طائفة . فكل من يحقق إيمانه بالله ورسله يطمع في هذا المقام الرفيع , ولا حجر على فضل الله:

(والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون). .

وتلك خاصية هذا الدين وميزته . إنه طريق مفتوح لجميع البشر , وأفق يتطلع إليه الجميع , ليس فيه احتكار للمقامات , وليس فيه خصوصيات محجوزة لأناس بأعيانهم . وليس إلا العمل يصعد بصاحبه إلى أرقى الدرجات . إنه دين لا مجال فيه للطبقات المحفوظة المقام !

روى الإمام مالك في كتابه "الموطأ" عن صفوان بن سليم , عن عطاء بن يسار , عن أبي سعيد الخدري , أن رسول الله [ ص ] قال:" إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب , لتفاضل ما بينهم " . . قالوا:يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم . قال:" بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " . .

فهذه لمسة الإيمان . فأما لمسة الفداء فقوله بعد ذلك:

(والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم). .

والحديث عن مقام الشهداء ورد مرات في القرآن , وتواترت به الأحاديث النبوية . فهذا الدين لا يقوم بغير حراسة ; ولا يتحقق في الأرض بغير جهاد . جهاد لتأمين العقيدة وتأمين الدعوة وحماية أهله من الفتنة وشريعته من الفساد . ومن ثم كان للشهداء في سبيل الله - وهم وحدهم الذين يسمون الشهداء - مقامهم , وكان لهم قربهم من ربهم . القرب الذي يعبر عنه بأنهم (عند ربهم). .

جاء في الصحيحين:" أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت , ثم تأوي إلى تلك القناديل . فاطلع عليهم ربهم اطلاعة , فقال:ماذا تريدون ! فقالوا:نحب أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل فيك فنقتل كما قتلنا أول مرة . فقال:إني قد قضيت أنهم إليها لا يرجعون " .

وأخرج الشيخان وغيرهما عن أنس رضي الله عنه , قال:قال رسول الله [ ص ]:" ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء - إلا الشهيد - يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات , لما يرى من الكرامة " . .

وكذلك كانت تهون الحياة على من يسمع هذه الموحيات , ويعرف مقام الشهادة عند الله . . روى الإمام مالك . . . عن يحيى بن سعيد "أن رسول الله [ ص ] رغب في الجهاد وذكر الجنة , ورجل من الأنصار يأكل تمرات في يده . فقال:إني لحريص على الدنيا إن جلست حتى أفرغ منهن ! فرمى ما في

من الاية 20 الى الاية 20

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)

يده وحمل بسيفه حتى قتل" . . وقد روي أن هذا كان هو عبير بن الحمام عليه رضوان الله .

وبينما الصديقون في ذلك المقام والشهداء في هذا المقام يقول النص القرآني عن الكافرين المكذبين:

(والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم). .

فمن ذا الذي يترك الكرامة والنعيم , ويختار أن يكون من أصحاب الجحيم ?!

الدرس الثالث:20 - 21 قيمة الدنيا في مقابل الآخرة والدعوة للتسابق فيها

واللمسة الثالثة في هذا الشوط تجيء تعقيبا على دعوة الإيمان والبذل , ودعوة الفداء والتضحية . تعقيبا يصور الدنيا كلها بصورة هزيلة زهيدة تهون من شأنها وترفع النفوس عنها , وتعلقها بالآخرة وقيمها:

(اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة , وتفاخر بينكم , وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته , ثم يهيج فتراه مصفرا , ثم يكون حطاما . وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان . وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور). .

والحياة الدنيا حين تقاس بمقاييسها هي وتوزن بموازينها تبدو في العين وفي الحس أمرا عظيما هائلا . ولكنها حين تقاس بمقاييس الوجود وتوزن بميزان الآخرة تبدو شيئا زهيدا تافها . وهي هنا في هذا التصوير تبدوا لعبة أطفال بالقياس إلى ما في الآخرة من جد تنتهي إليه مصائر أهلها بعد لعبة الحياة !

لعب . ولهو . وزينة . وتفاخر . وتكاثر . . . هذه هي الحقيقة وراء كل ما يبدوا فيها من جد حافل واهتمام شاغل . . ثم يمضي يضرب لها مثلا مصورا على طريقة القرآن المبدعة . . (كمثل غيث أعجب الكفار نباته). . والكفار هنا هم الزراع . فالكافر في اللغة هو الزارع , يكفر أي يحجب الحبة ويغطيها في التراب . ولكن اختياره هنا فيه تورية وإلماع إلى إعجاب الكفار بالحياة الدنيا ! (ثم يهيج فتراه مصفرا)للحصاد . فهو موقوت الأجل , ينتهي عاجلا , ويبلغ أجله قريبا (ثم يكون حطاما). . وينتهي شريط الحياة كلها بهذه الصورة المتحركة المأخوذة من مشاهدات البشر المألوفة . . ينتهي بمشهد الحطام !

فأما الآخرة فلها شأن غير هذا الشأن , شأن يستحق أن يحسب حسابه , وينظر إليه , ويستعد له: (وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان). . فهي لا تنتهي في لمحة كما تنتهي الحياة الدنيا . وهي لا تنتهي إلى حطام كذلك النبات البالغ أجله . . إنها حساب وجزاء . . ودوام . . يستحق الاهتمام !

(وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور). .

فما لهذا المتاع حقيقة ذاتية , إنما يستمد قوامه من الغرور الخادع ; كما أنه يلهي وينسي فينتهي بأهله إلى غرور خادع .

وهي حقيقة حين يتعمق القلب في طلب الحقيقة . حقيقة لا يقصد بها القرآن العزلة عن حياة الأرض , ولا إهمال عمارتها وخلافتها التي ناطها بهذا الكائن البشري . إنما يقصد بها تصحيح المقاييس الشعورية والقيم النفسية , والاستعلاء على غرور المتاع الزائل وجاذبيته المقيدة بالأرض . هذا الاستعلاء الذي كان المخاطبون بهذه السورة في حاجة إليه ليحققوا إيمانهم . والذي يحتاج إليه كل مؤمن بعقيدة , ليحقق عقيدته ; ولو اقتضى تحقيقها أن يضحي بهذه الحياة الدنيا جميعا .

من الاية 21 الى الاية 22

سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)

ومن ثم يدعوهم إلى السباق في ميدان السباق الحقيقي , للغاية التي تستحق السباق . الغاية التي تنتهي إليها مصائرهم , والتي تلازمهم بعد ذلك في عالم البقاء:

(سابقوا إلى مغفرة من ربكم , وجنة عرضها كعرض السماء والأرض , أعدت للذين آمنوا بالله ورسله . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . والله ذو الفضل العظيم). .

فليس السباق إلى إحراز اللهو واللعب والتفاخر والتكاثر بسباق يليق بمن شبوا عن الطوق , وتركوا عالم اللهو اللعب للأطفال والصغار ! إنما السباق إلى ذلك الأفق , وإلى ذلك الهدف , وإلى ذلك الملك العريض: (جنة عرضها كعرض السماء والأرض). .

وربما كان بعضهم في الزمن الخالي - قبل أن تكشف بعض الحقائق عن سعة هذا الكون - يميل إلى حمل مثل هذه الآية على المجاز , وكذلك حمل بعض الأحاديث النبوية . كذلك الحديث الذي أسلفنا عن أصحاب الغرف التي يتراءاها سكان الجنة كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب . . فأما اليوم ومراصد البشر الصغيرة تكشف عن الأبعاد الكونية الهائلة التي ليس لها حدود , فإن الحديث عن عرض الجنة , والحديث عن تراءي الغرف من بعيد , يقع قطعا موقع الحقيقة القريبة البسيطة المشهودة , ولا يحتاج إلى حمله على المجاز إطلاقا ! فإن ما بين الأرض والشمس مثلا لا يبلغ أن يكون شيئا في أبعاد الكون يقاس !

وذلك الملك العريض في الجنة يبلغه كل من أراد , ويسابق إليه كل من يشاء . وعربونه:الإيمان بالله ورسله . (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء). . (والله ذو الفضل العظيم). . وفضل الله غير محجوز ولا محجور . فهو مباح متاح للراغبين والسابقين . وفي هذا فليتسابق المتسابقون , لا في رقعة الأرض المحدودة الأجل المحدودة الأركان !

ولا بد لصاحب العقيدة أن يتعامل مع هذا الوجود الكبير ; ولا يحصر نفسه ونظره وتصوره واهتمامه ومشاعره في عالم الأرض الضيق الصغير . . لا بد له من هذا ليؤدي دوره اللائق بصاحب العقيدة . هذا الدور الشاق الذي يصطدم بحقارات الناس وأطماعهم , كما يصطدم بضلال القلوب والتواء النفوس . ويعاني من مقاومة الباطل وتشبثه بموضعه من الأرض ما لا يصبر عليه إلا من يتعامل مع وجود أكبر من هذه الحياة , وأوسع من هذه الأرض , وأبقى من ذلك الفناء . .

إن مقاييس هذه الأرض وموازينها لا تمثل الحقيقة التي ينبغي أن تستقر في ضمير صاحب العقيدة . وما تبلغ من تمثيل تلك الحقيقة إلا بقدر ما يبلغ حجم الأرض بالقياس إلى حجم الكون ; وما يبلغ عمر الأرض بالقياس إلى الأزل والأبد . والفارق هائل هائل لا تبلغ مقاييس الأرض كلها أن تحدده ولا حتى أن تشير إليه !

ومن ثم يبقى صاحب العقيدة في أفق الحقيقة الكبيرة مستعليا على واقع الأرض الصغير . مهما تضخم هذا الواقع وامتد واستطال . يبقى يتعامل مع تلك الحقيقة الكبيرة الطليقة من قيود هذا الواقع الصغير . ويتعامل مع الوجود الكبير الذي يتمثله في الأزل والأبد . وفي ملك الآخرة الواسع العريض . وفي القيم الإيمانية الثابتة التي لا تهتز لخلل يقع في موازين الحياة الدنيا الصغيرة الخادعة . . وتلك وظيفة الإيمان في حياة أصحاب العقائد المختارين لتعديل قيم الحياة وموازينها , لا للتعامل بها والخضوع لمقتضياتها . . .

الدرس الرابع:22 - 24 التسليم والرضا بقدر الله وذم الكفار لبعض صفاتهم

ثم تجيء اللمسة الرابعة في إيقاع عميق , عن قدر الله , الذي لا يكون سواه:

(ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها . إن ذلك على الله يسير .

من الاية 23 الى الاية 23

لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)

لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم , والله لا يحب كل مختال فخور . الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل , ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد). .

إن هذا الوجود من الدقة والتقدير بحيث لا يقع فيه حادث إلا وهو مقدر من قبل في تصميمه , محسوب حسابه في كيانه . . لا مكان فيه للمصادفة . ولا شيء فيه جزاف . وقبل خلق الأرض وقبل خلق الأنفس كان في علم الله الكامل الشامل الدقيق كل حدث سيظهر للخلائق في وقته المقدور . . وفي علم الله لا شيء ماض , ولا شيء حاضر , ولا شيء قادم . فتلك الفواصل الزمنية إنما هي معالم لنا - نحن أبناء الفناء - نرى بها حدود الأشياء . فنحن لا ندرك الأشياء بغير حدود تميزها . حدود من الزمان وحدود من المكان . نحن لا نملك إدراك المطلق إلا في ومضات تتصل فيها أرواحنا بذلك المطلق , عن طريق غير الطريق الذي اعتدناه في إدراك الأشياء . فأما الله - سبحانه - فهو الحقيقة المطلقة التي تطلع جملة على هذا الوجود , بلا حدود ولا قيود . وهذا الكون وما يقع فيه من أحداث وأطوار منذ نشأته إلى نهايته كائن في علم الله جملة لا حدود فيه ولا فواصل من زمان أو مكان . ولكل حادث موضعه في تصميمه الكلي المكشوف لعلم الله . فكل مصيبة - من خير أو شر فاللفظ على إطلاقه اللغوي لا يختص بخير ولا بشر - تقع في الأرض كلها وفي أنفس البشر أو المخاطبين منهم يومها . . هي في ذلك الكتاب الأزلي من قبل ظهور الأرض وظهور الأنفس في صورتها التي ظهرت بها . . (إن ذلك على الله يسير). .

وقيمة هذه الحقيقة التي لا يتصور العقل غيرها حين يتصور حقيقة الوجود الكبرى . قيمتها في النفس البشرية أن تسكب فيها السكون والطمأنينة عند استقبال الأحداث خيرها وشرها . فلا تجزع الجزع الذي تطير به شعاعا وتذهب معه حسرات عند الضراء . ولا تفرح الفرح الذي تستطار به وتفقد الاتزان عند السراء:

(لكي لا تأسوا على ما فاتكم , ولا تفرحوا بما آتاكم). .

فاتساع أفق النظر , والتعامل مع الوجود الكبير , وتصور الأزل والأبد , ورؤية الأحداث في مواضعها المقدرة في علم الله , الثابتة في تصميم هذا الكون . . كل أولئك يجعل النفس أفسح وأكبر وأكثر ثباتا ورزانة في مواجهة الأحداث العابرة . حين تتكشف للوجود الإنساني وهي مارة به في حركة الوجود الكوني .

إن الإنسان يجزع ويستطار وتستخفه الأحداث حين ينفصل بذاته عن هذا الوجود . ويتعامل مع الأحداث كأنها شيء عارض يصادم وجوده الصغير . فأما حين يستقر في تصوره وشعوره أنه هو والأحداث التي تمر به , وتمر بغيره , والأرض كلها . . ذرات في جسم كبير هو هذا الوجود . . وأن هذه الذرات كائنة في موضعها في التصميم الكامل الدقيق . لازم بعضها لبعض . وأن ذلك كله مقدر مرسوم معلوم في علم الله المكنون . . حين يستقر هذا في تصوره وشعوره , فإنه يحس بالراحة والطمأنينة لمواقع القدر كلها على السواء . فلا يأسى على فائت أسى يضعضعه ويزلزله , ولا يفرح بحاصل فرحا يستخفه ويذهله . ولكن يمضي مع قدر الله في طواعية وفي رضى . رضى العارف المدرك أن ما هو كائن هو الذي ينبغي أن يكون !

وهذه درجة قد لا يستطيعها إلا القليلون . فأما سائر المؤمنين فالمطلوب منهم ألا يخرجهم الألم للضراء , ولا الفرح بالسراء عن دائرة التوجه إلى الله , وذكره بهذه وبتلك , والاعتدال في الفرح والحزن . قال عكرمة - رضي الله عنه - "ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن , ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا" . . وهذا هو اعتدال الإسلام الميسر للأسوياء . .

(والله لا يحب كل مختال فخور . الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل). .

كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى