منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة القمر ايه رقم 1 الى 34 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة القمر ايه رقم 1 الى 34 الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة القمر ايه رقم 1 الى 34 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الخميس يونيو 14, 2012 1:46 pm

من الاية 1 الى الاية 4

. اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)

القمر

التعريف بسورة القمر

هذه السورة من مطلعها إلى ختامها حملة رعيبة مفزعة عنيفة على قلوب المكذبين بالنذر , بقدر ما هي طمأنينة عميقة وثيقة للقلوب المؤمنة المصدقة . وهي مقسمة إلى حلقات متتابعة , كل حلقة منها مشهد من مشاهد التعذيب للمكذبين , يأخذ السياق في ختامها بالحس البشري فيضغطه ويهزه ويقول لهSadفكيف كان عذابي ونذر ?). . ثم يرسله بعد الضغط والهز ويقول لهSadولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ?).

ومحتويات السورة الموضوعية واردة في سور مكية شتى . فهي مشهد من مشاهد القيامة في المطلع , ومشهد من هذه المشاهد في الختام . وبينهما عرض سريع لمصارع قوم نوح . وعاد وثمود . وقوم لوط . وفرعون وملئه . وكلها موضوعات تزخر بها السور المكية في صور شتى . .

ولكن هذه الموضوعات ذاتها تعرض في هذه السورة عرضا خاصا , يحيلها جديدة كل الجدة . فهي تعرض عنيفة عاصفة , وحاسمة قاصمة ; يفيض منها الهول , ويتناثر حولها الرعب , ويظللها الدمار والفزع والانبهار !

وأخص ما يميزها في سياق السورة أن كلا منها يمثل حلقة عذاب رهيبة سريعة لاهثة مكروبة . يشهدها المكذبون , وكأنما يشهدون أنفسهم فيها , ويحسون إيقاعات سياطها . فإذا انتهت الحلقة وبدأوا يستردون أنفاسهم اللاهثة المكروبة عاجلتهم حلقة جديدة أشد هولا ورعبا . . وهكذا حتى تنتهي الحلقات السبعة في هذا الجو المفزع الخانق . فيطل المشهد الأخير في السورة . وإذا هو جو آخر , ذو ظلال أخرى . وإذا هو الأمن والطمأنينة والسكينة . إنه مشهد المتقينSadإن المتقين في جنات ونهر . في مقعد صدق عند مليك مقتدر). . في وسط ذلك الهول الراجف , والفزع المزلزل , والعذاب المهين للمكذبينSadيوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر). .

فأين وأين ? مشهد من مشهد ? ومقام من مقام ? وقوم من قوم ? ومصير من مصير ?

الدرس الأول:1 - 8 انشقاق القمر وتكذيب الكفار وتهديدهم

اقتربت الساعة وانشق القمر . وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا:سحر مستمر . وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر . ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر . حكمة بالغة فما تغني النذر . فتول عنهم يوم يدعو الداعي إلى شيء نكر . خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر . مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون:هذا يوم عسر . .

مطلع باهر مثير , على حادث كوني كبير , وإرهاص بحادث أكبر . لا يقاس إليه ذلك الحدث الكوني الكبير:

(اقتربت الساعة وانشق القمر). .

فيا له من إرهاص ! ويا له من خبر . ولقد رأوا الحدث الأول فلم يبق إلا أن ينتظروا الحدث الأكبر .

والروايات عن انشقاق القمر ورؤية العرب له في حالة انشقاقه أخبار متواترة . تتفق كلها في إثبات وقوع الحادث , وتختلف في رواية هيئته تفصيلا وإجمالا:

من رواية أنس بن مالك - رضي الله عنه - . . قال الإمام أحمد:حدثنا معمر , عن قتادة , عن أنس ابن مالك قال:سأل أهل مكة النبي [ ص ] آية . فانشق القمر بمكة مرتين فقالSadاقتربت الساعة وانشق القمر). . وقال البخاري:حدثني عبدالله بن عبدالوهاب . حدثنا بشر بن المفضل , حدثنا سعيد بن أبي عروة , عن قتادة , عن أنس بن مالك . أن أهل مكة سألوا رسول الله [ ص ] أن يريهم آية . فأراهم القمر شقين حتى رأو حراء بينهما . وأخرجه الشيخان من طرق أخرى عن قتادة عن أنس . .

ومن رواية جبير بن مطعم - رضي الله عنه - . . قال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن كثير , حدثنا سليمان ابن كثير , عن حصين بن عبدالرحمن , عن محمد بن جبير بن مطعم , عن أبيه قال:انشق القمر على عهد رسول الله [ ص ] فصار فلقتين . فلقة على هذا الجبل وفلقة على هذا الجبل , فقالوا:سحرنا محمد , فقالوا:إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم . . تفرد به أحمد من هذا الوجه . . وأسنده البيهقي في الدلائل من طريق محمد بن كثير عن أخيه سليمان بن كثير , عن حصين بن عبدالرحمن . . ورواه ابن جرير والبيهقي من طرق أخرى عن جبير بن مطعم كذلك . .

ومن رواية عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - . . قال البخاري:حدثنا يحيى بن كثير , حدثنا بكر , عن جعفر , عن عراك بن مالك , عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة , عن ابن عباس , قال:انشق القمر في زمان النبي [ ص ] . . ورواه البخاري أيضا ومسلم من طريق آخر عن عراك بسنده السابق إلى ابن عباس . . وروى ابن جرير من طريق أخرى إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال:قد مضى ذلك , كان قبل الهجرة , انشق القمر حتى رأوا شقيه . . وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا . . وقال الطبراني بسند آخر عن عكرمة عن ابن عباس قال:كسف القمر على عهد رسول الله [ ص ] فقالوا:سحر القمر , فنزلتSadاقتربت الساعة وانشق القمر)- إلى قولهSadمستمر).

ومن رواية عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -:قال الحافظ أبو بكر البيهقي:أخبرنا أبو عبدالله الحافظ , وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي , قالا:حدثنا أبو العباس الأصم , حدثنا العباس بن محمد الدوري , حدثنا وهب بن جرير , عن شعبة , عن الأعمش , عن مجاهد , عن عبدالله بن عمر في قوله تعالىSadاقتربت الساعة وانشق القمر)قال:وقد كان ذلك على عهد رسول الله [ ص ] انشق فلقتين فلقة من دون الجبل وفلقة خلف الجبل . فقال النبي [ ص ]:" اللهم اشهد " . . وهكذا رواه مسلم والترمذي من طرق عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد . .

ومن رواية عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -:قال الإمام أحمد:حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد , عن أبي معمر , عن ابن مسعود قال:انشق القمر على عهد رسول الله [ ص ] شقتين حتى نظروا إليه , فقال رسول الله [ ص ]:" اشهدوا " . وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة . وأخرجاه كذلك من حديث الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عبدالله بن سخبرة , عن ابن مسعود . وقال البخاري:قال أبو داود الطيالسي:حدثنا أبو عوانة , عن المغيرة , عن أبي الضحى , عن مسروق , عن عبدالله بن مسعود , قال:انشق القمر على عهد رسول الله [ ص ] فقالت قريش:هذا سحر ابن أبي كبشة . قال:فقالوا:انظروا ما يأتيكم من السفار , فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم قال:فجاء السفار فقالوا ذلك . . وروى البيهقي من طريق أخرى عن مسروق عن عبدالله بن مسعود , بما يقرب من هذا .

فهذه روايات متواترة من طرق شتى عن وقوع هذا الحادث , وتحديد مكانه في مكة - باستثناء رواية لم نذكرها عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه , أنه كان في منى - وتحديد زمانه في عهد النبي [ ص ] قبل الهجرة . وتحديد هيئته - في معظم الروايات أنه انشق فلقتين , وفي رواية واحدة أنه كسف "أي خسف" . . فالحادث ثابت من هذه الروايات المتواترة المحددة للمكان والزمان والهيئة .

وهو حادث واجه به القرآن المشركين في حينه ; ولم يرو عنهم تكذيب لوقوعه ; فلا بد أن يكون قد وقع فعلا بصورة يتعذر معها التكذيب , ولو على سبيل المراء الذي كانوا يمارونه في الآيات , لو وجدوا منفذا للتكذيب . وكل ما روي عنهم أنهم قالوا:سحرنا ! ولكنهم هم أنفسهم اختبروا الأمر , فعرفوا أنه ليس بسحر ; فلئن كان قد سحرهم فإنه لا يسحر المسافرين خارج مكة الذين رأوا الحادث وشهدوا به حين سئلوا عنه .

بقيت لنا كلمة في الرواية التي تقول:إن المشركين سألوا النبي [ ص ] آية . فانشق القمر . فإن هذه الرواية تصطدم مع مفهوم نص قرآني مدلوله أن الرسول [ ص ] لم يرسل بخوارق مننوع الخوارق التي جاءت مع الرسل قبله , لسبب معين: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون . فمفهوم هذه الآية أن حكمة الله اقتضت منع الآيات - أي الخوارق - لما كان من تكذيب الأولين بها .

وفي كل مناسبة طلب المشركون آية من الرسول [ ص ] كان الرد يفيد أن هذا الأمر خارج عن حدود وظيفته , وأنه ليس إلا بشرا رسولا . وكان يردهم إلى القرآن يتحداهم به بوصفه معجزة هذا الدين الوحيدةSadقل:لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله , ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا . ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل , فأبى أكثر الناس إلا كفورا . وقالوا:لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا . أو تسقط السماء - كما زعمت - علينا كسفا , أو تأتي بالله والملائكة قبيلا . أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء , ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه . قل:سبحان ربي ! هل كنت إلا بشرا رسولا ?) .

فالقول بأن انشقاق القمر كان استجابة لطلب المشركين آية - أي خارقة - يبدو بعيدا عن مفهوم النصوص القرآنية ; وعن اتجاه هذه الرسالة الأخيرة إلى مخاطبة القلب البشري بالقرآن وحده , وما فيه من إعجاز ظاهر ; ثم توجيه هذا القلب - عن طريق القرآن - إلى آيات الله القائمة في الأنفس والآفاق , وفي أحداث التاريخ سواء . . فأما ما وقع فعلا للرسول [ ص ] من خوارق شهدت بها روايات صحيحة فكان إكراما من الله لعبده , لا دليلا لإثبات رسالته . .

ومن ثم نثبت الحادث - حادث انشقاق القمر - بالنص القرآني وبالروايات المتواترة التي تحدد مكان الحادث وزمانه وهيئته . ونتوقف في تعليله الذي ذكرته بعض الروايات . ونكتفي بإشارة القرآن إليه مع الإشارة إلى اقتراب الساعة . باعتبار هذه الإشارة لمسة للقلب البشري ليستيقظ ويستجيب . .

وانشقاق القمر إذن كان آية كونية يوجه القرآن القلوب والأنظار إليها , كما يوجهها دائما إلى الآيات الكونية الأخرى ; ويعجب من أمرهم وموقفهم إزاءها , كما يعجب من مواقفهم تجاه آيات الله الكونية الأخرى .

إن الخوارق الحسية قد تدهش القلب البشري في طفولته , قبل أن يتهيأ لإدراك الآيات الكونية القائمة الدائمة , والتأثر بإيقاعها الثابت الهادئ . وكل الخوارق التي ظهرت على أيدي الرسل - صلوات الله عليهم - قبل أن تبلغ البشرية الرشد والنضوج يوجد في الكون ما هو أكبر منها وأضخم , وإن كان لا يستثير الحس البدائي كما تستثيره تلك الخوارق !

ولنفرض أن انشقاق القمر جاء آية خارقة . . فإن القمر في ذاته آية أكبر ! هذا الكوكب بحجمه , ووضعه , وشكله , وطبيعته , ومنازله , ودورته , وآثاره في حياة الأرض , وقيامه هكذا في الفضاء بغير عمد . هذه هي الآية الكبرى القائمة الدائمة حيال الأبصار وحيال القلوب , توقع إيقاعها وتلقي ظلالها , وتقوم أمام الحس شاهدا على القدرة المبدعة التي يصعب إنكارها إلا عنادا أو مراء !

وقد جاء القرآن ليقف بالقلب البشري في مواجهة الكون كله ; وما فيه من آيات الله القائمة الثابتة ; ويصلهبهذا الكون وآيات الله فيه في كل لحظة ; لا مرة عارضة في زمان محدود , يشهدها جيل من الناس في مكان محدود .

إن الكون كله هو مجال النظر والتأمل في آيات الله التي لا تنفد , ولا تذهب , ولا تغيب . وهو بجملته آية . وكل صغيرة فيه وكبيرة آية . والقلب البشري مدعو في كل لحظة لمشاهدة الخوارق القائمة الدائمة , والاستماع إلى شهادتها الفاصلة الحاسمة ; والاستمتاع كذلك بعجائب الإبداع الممتعة , التي يلتقي فيها الجمال بالكمال , والتي تستجيش انفعال الدهش والحيرة مع وجدان الإيمان والاقتناع الهادئ العميق .

وفي مطلع هذه السورة تجيء تلك الإشارة إلى اقتراب الساعة وانشقاق القمر إيقاعا يهز القلب البشري هزا . وهو يتوقع الساعة التي اقتربت , ويتأمل الآية التي وقعت , ويتصور أحداث الساعة في ظل هذا الحدث الكوني الذي رآه المخاطبون بهذا الإيقاع المثير .

وفي موضوع اقتراب الساعة روى الإمام أحمد . قال:حدثنا حسين , حدثنا محمد بن مطوف , عن أبي حازم , عن سهل بن سعد , قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول:" بعثت أنا والساعة هكذا " واشار بأصبعيه السبابة والوسطى .

ومع اقتراب الموعد المرهوب , ووقوع الحادث الكوني المثير , وقيام الآيات التي يرونها في صور شتى . . فإن تلك القلوب كانت تلج في العناد , وتصر على الضلال , ولا تتأثر بالوعيد كما لا تتأثر بإيقاع الآيات الكثيرة الكافية للعظة والكف عن التكذيب:

وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا:سحر مستمر . وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر . ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر . حكمة بالغة فما تغني النذر .

ولقد أعرضوا وقالوا:سحرنا , وهم يرون آية الله في انشقاق القمر . وكان هذا رأيهم مع آية القرآن . فقالوا:سحر يؤثر . فهذا قولهم كلما رأوا آية . ولما كانت الآيات متوالية متواصلة , فقد قالوا:إنه سحر مستمر لا ينقطع , معرضين عن تدبر طبيعة الآيات وحقيقتها , معرضين كذلك عن دلالتها وشهادتها . وكذبوا بالآيات وبشهادتها . كذبوا اتباعا لأهوائهم لا استنادا إلى حجة , ولا ارتكانا إلى دليل , ولا تدبرا للحق الثابت المستقر في كل ما حولهم في هذا الوجود . .

(وكل أمر مستقر). . فكل شيء في موضعه في هذا الوجود الكبير . وكل أمر في مكانه الثابت الذي لا يتزعزع ولا يضطرب . فأمر هذا الكون يقوم على الثبات والاستقرار , لا على الهوى المتقلب , والمزاج المتغير ; أو المصادفة العابرة والارتجال العارض . . كل شيء في موضعه وفي زمانه , وكل أمر في مكانه وفي إبانه . والاستقرار يحكم كل شيء من حولهم , ويتجلى في كل شيء:في دورة الأفلاك , وفي سنن الحياة . وفي أطوار النبات والحيوان . وفي الظواهر الثابتة للأشياء والمواد . لا بل في انتظام وظائف أجسامهم وأعضائهم التي لا سلطان لهم عليها . والتي لا تخضع للأهواء ! وبينما هذا الاستقرار يحيط بهم ويسيطر على كل شيء من حولهم , ويتجلى في كل أمر من بين أيديهم ومن خلفهم . . إذ هم وحدهم مضطربون تتجاذبهم الأهواء !

(ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر). . أنباء الآيات الكونية التي صرفها الله لهم في هذا القرآن ; وأنباء

من الاية 5 الى الاية 9

حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (7) مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (Cool كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)

المكذبين قبلهم ومصارعهم , وأنباء الآخرة التي صورها القرآن لهم . . وكان في هذا كله زاجر ورادع لمن يزدجر ويرتدع . وكان فيه من حكمة الله ما يبلغ القلوب ويوجهها إلى تدبيره الحكيم . ولكن القلوب المطموسة لا تتفتح لرؤية الآيات , والانتفاع بالأنباء , واليقظة على صوت النذير بعد النذيرSadحكمة بالغة فما تغن النذر). إنما هو الإيمان هبة الله للقلب المتهيئ للإيمان , المستحق لهذا الإنعام !

وعند هذا الحد من تصوير إعراضهم وإصرارهم , وعدم انتفاعهم بالأنباء , وقلة جدوى النذر مع هؤلاء . يتوجه الخطاب إلى رسول الله [ ص ] للإعراض عنهم وتركهم يلاقون اليوم الذي لا يحفلون النذير باقترابه , وهم يرون انشقاق القمر بين يدي مجيئه:

تول عنهم يوم يدعو الداعي إلى شيء نكر . خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر . مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون:هذا يوم عسر . .

وهو مشهد من مشاهد ذلك اليوم , يناسب هوله وشدته ظلال السورة كلها ; ويتناسق مع الإرهاص باقتراب الساعة , ومع الإنباء بانشقاق القمر , ومع الإيقاع الموسيقي في السورة كذلك !

"وهو متقارب سريع . وهو مع سرعته شاخص متحرك , مكتمل السمات والحركات:هذه جموع خارجة من الأجداث في لحظة واحدة كأنهم جراد منتشر [ ومشهد الجراد المعهود يساعد على تصور المنظر المعروض ] وهذه الجموع خاشعة أبصارها من الذل والهول , وهي تسرع في سيرها نحو الداعي , الذي يدعوها لأمر غريب نكير شديد لا تعرفه ولا تطمئن إليه . . وفي أثناء هذا التجمع والخشوع والإسراع يقول الكافرون: (هذا يوم عسر). . وهي قولة المكروب المجهود , الذي يخرج ليواجه الأمر الصعيب الرعيب! .

فهذا هو اليوم الذي اقترب , وهم عنه معرضون , وبه يكذبون . فتول عنهم يوم يجيء , ودعهم لمصيرهم فيه وهو هذا المصير الرعيب المخيف !

الدرس الثاني:9 - 17 لقطات من قصة نوح عليه السلام

وبعد هذا الإيقاع العنيف في مطلع السورة ; والمشهد المكروب الذي يشمل المكذبين في يوم القيامة . . يأخذ في عرض مشاهد التنكيل والتعذيب الذي أصاب بالفعل أجيال المكذبين قبلهم , وعرض مصارع الأمم التي سلكت من قبل مسلكهم , بادئا بقوم نوح:

(كذبت قبلهم قوم نوح , فكذبوا عبدنا وقالوا:مجنون وازدجر . . فدعا ربه أني مغلوب فانتصر . ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر . وفجرنا الأرض عيونا , فالتقى الماء على أمر قد قدر . وحملناه على ذات ألواح ودسر . تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر . ولقد تركناها آية فهل من مدكر ? فكيف كان عذابي ونذر ? ولقد يسرنا القرآن للذكر , فهل من مدكر ?). .

(كذبت قبلهم قوم نوح). . بالرسالة وبالآيات (فكذبوا عبدنا). . نوحا (وقالوا:مجنون). . كما قالت:قريش ظالمة عن محمد [ ص ] وهددوه بالرجم , وآذوه بالسخرية , وطالبوه أن يكف عنهم ونهروه بعنفSadوازدجر). . بدلا من أن ينزجروا هم ويرعووا !

عندئذ عاد نوح إلى ربه الذي أرسله وكلفه مهمة التبليغ . عاد لينهي إليه ما انتهى إليه أمره مع قومه , وما

من الاية 10 الى الاية 16

فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16)

انتهى إليه جهده وعمله ; وما انتهت إليه طاقته ووسعه . ويدع له الأمر بعد أن لم تعد لديه طاقة لم يبذلها , وبعد أن لم تبق له حيلة ولا حول:

(فدعا ربه:أني مغلوب . فانتصر). .

انتهت طاقتي . انتهى جهدي . انتهت قوتي . وغلبت على أمري . (أني مغلوب فانتصر). . انتصر أنت يا ربي . انتصر لدعوتك . انتصر لحقك . انتصر لمنهجك . انتصر أنت فالأمر أمرك , والدعوة دعوتك . وقد انتهى دوري !

وما تكاد هذه الكلمات تقال ; وما يكاد الرسول يسلم الأمر لصاحبه الجليل القهار , حتى تشير اليد القادرة القاهرة إلى عجلة الكون الهائلة الساحقة . . فتدور دورتها المدوية المجلجلة:

(ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر . وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر). .

وهي حركة كونية ضخمة غامرة تصورها ألفاظ وعبارات مختارة . تبدأ بإسناد الفعل إلى الله مباشرةSadففتحنا)فيحس القارئ يد الجبار تفتح (أبواب السماء). . بهذا اللفظ وبهذا الجمع . (بماء منهمر). . غزير متوال . وبالقوة ذاتها وبالحركة نفسها: (وفجرنا الأرض عيونا). . وهو تعبير يرسم مشهد التفجر وكأنه ينبثق من الأرض كلها , وكأنما الأرض كلها قد استحالت عيونا .

والتقى الماء المنهمر من السماء بالماء المتفجر من الأرض . . (على أمر قد قدر). . التقيا على أمر مقدر , فهما على اتفاق لتنفيذ هذا الأمر المقدر . طائعان للأمر , محققان للقدر .

حتى إذا صار طوفانا يطم ويعم , ويغمر وجه الأرض , ويطوي الدنس الذي يغشى هذا الوجه . وقد يئس الرسول من تطهيره , وغلب على أمره في علاجه . امتدت اليد القوية الرحيمة إلى الرسول الذي دعا دعوته , فتحرك لها الكون كله . امتدت له هذه اليد بالنجاة وبالتكريم:

(وحملناه على ذات ألواح ودسر . تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر). .

وظاهر من العبارة تفخيم السفينة وتعظيم أمرها . فهي ذات ألواح ودسر . توصف ولا تذكر لفخامتها وقيمتها . وهي تجري في رعاية الله بملاحظة أعينه . (جزاء لمن كان كفر). وجحد وازدجر . وهو جزاء يمسح بالرعاية على الجفاء , وبالتكريم على الاستهزاء . ويصور مدى القوة التي يملك رصيدها من يغلب في سبيل الله . ومن يبذل طاقته , ثم يعود إليه يسلم له أمره وأمر الدعوة ويدع له أن ينتصر ! . . إن قوى الكون الهائلة كلها في خدمته وفي نصرته . والله من ورائها بجبروته وقدرته .

وعلى مشهد الانتصار الهائل الكامل ; والمحق الحاسم الشامل , يتوجه إلى القلوب التي شهدت المشهد كأنها تراه . يتوجه إليها بلمسة التعقيب , لعلها تتأثر وتستجيب:

(ولقد تركناها آية فهل من مدكر ?). .

هذه الواقعة بملابساتها المعروفة . تركناها آية للأجيال (فهل من مدكر ?)يتذكر ويعتبر ?

ثم سؤال لإيقاظ القلوب إلى هول العذاب وصدق النذير:

(فكيف كان عذابي ونذر ?). .
من الاية 17 الى الاية 23

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)

ولقد كان كما صوره القرآن . كان عذابا مدمرا جبارا . وكان نذيرا صادقا بهذا العذاب .

وهذا هو القرآن حاضرا , سهل التناول , ميسر الإدراك , فيه جاذبية ليقرأ ويتدبر . فيه جاذبية الصدق والبساطة , وموافقة الفطرة واستجاشة الطبع , لا تنفد عجائبه , ولا يخلق على كثرة الرد . وكلما تدبره القلب عاد منه بزاد جديد . وكلما صحبته النفس زادت له ألفة وبه أنسا:

(ولقد يسرنا القرآن للذكر , فهل من مدكر ?). .

وهذا هو التعقيب الذي يتكرر , بعد كل مشهد يصور . . ويقف السياق عنده بالقلب البشري يدعوه دعوة هادئة إلى التذكر والتدبر , بعد أن يعرض عليه حلقة من العذاب الأليم الذي حل بالمكذبين .

الدرس الثالث:18 - 22 لقطات من قصة عاد

(كذبت عاد , فكيف كان عذابي ونذر ? إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر , تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر . فكيف كان عذابي ونذر ? ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ?). .

وهذه هي الحلقة الثانية , أو المشهد الثاني من مشاهد التعذيب العنيف ; والمصرع الذي يقف عليه بعد وقفته على مصرع قوم نوح . أول المهلكين .

يبدؤه بالإخبار عن تكذيب عاد . وقبل أن يكمل الآية يسأل سؤال التعجيب والتهويلSadفكيف كان عذابي ونذر ?). . كيف كان بعد تكذيب عاد ? ثم يجيب . .

كان كما يصفه ذلك الوصف الخاطف الرعيب:

(إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر . تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر). . والريح الصرصر:الباردة العنيفة . وجرس اللفظ يصور نوع الريح . والنحس:الشؤم . وأي نحس يصيب قوما أشد مما أصاب عاد . والريح تنزعهم وتجذبهم وتحطمهم . فتدعهم كأنهم أعجاز نخل مهشمة مقلوعة من قعورها ?!

والمشهد مفزع مخيف , وعاصف عنيف . والريح التي أرسلت على عاد "هي من جند الله" وهي قوة من قوى هذا الكون , من خلق الله , تسير وفق الناموس الكوني الذي اختاره ; وهو يسلطها على من يشاء , بينما هي ماضية في طريقها مع ذلك الناموس , بلا تعارض بين خط سيرها الكوني , وأدائها لما تؤمر به وفق مشيئة الله . صاحب الأمر وصاحب الناموس:

(فكيف كان عذابي ونذر ?). .

يكررها بعد عرض المشهد . والمشهد هو الجواب !

ثم يختم الحلقة بالتعقيب المكرر في السورة وفق نسقها الخاص:

(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ?). .

الدرس الرابع:23 - 32 لقطات من قصة ثمود

ثم يمضي إلى المشهد التالي في السياق وفي التاريخ:

كذبت ثمود بالنذر . فقالوا:أبشرا منا واحدا نتبعه ? إنا إذن لفي ضلال وسعر . أألقي الذكر عليه من بيننا ? بل هو كذاب أشر . سيعلمون غدا من الكذاب الأشر . إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر .

من الاية 24 الى الاية 28

فَقَالُوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ (28)

ونبئهم أن الماء قسمة بينهم , كل شرب محتضر . فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر . فكيف كان عذابي ونذر ? إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر . . ولقد يسرنا القرآن للذكر , فهل من مدكر ?). .

وثمود كانت القبيلة التي خلفت عادا في القوة والتمكين في جزيرة العرب . . كانت عاد في الجنوب وكانت ثمود في الشمال . وكذبت ثمود بالنذر كما كذبت عاد , غير معتبرة بمصرعها المشهور المعلوم في أنحاء الجزيرة .

فقالوا:أبشرا منا واحدا نتبعه ? إنا إذن لفي ضلال وسعر . أألقي الذكر عليه من بيننا ? بل هو كذاب أشر . .

وهي الشبهة المكرورة التي تحيك في صدور المكذبين جيلا بعد جيل: (أألقي الذكر عليه من بيننا)? كما أنها هي الكبرياء الجوفاء التي لا تنظر إلى حقيقة الدعوة , إنما تنظر إلى شخص الداعية: (أبشرا منا واحدا نتبعه ?)!

وماذا في أن يختار الله واحدا من عباده . . والله أعلم حيث يجعل رسالته . . فيلقي عليه الذكر - أي الوحي وما يحمله من توجيهات للتذكر والتدبر - ماذا في هذا الاختيار لعبد من عباده يعلم منه تهيؤه واستعداده . وهو خالق الخلق . وهو منزل الذكر ? إنها شبهة واهية لا تقوم إلا في النفوس المنحرفة . النفوس التي لا تريد أن تنظر في الدعوى لترى مقدار ما فيها من الحق والصدق ; ولكن إلى الداعية فتستكبر عن اتباع فرد من البشر , مخافة أن يكون في اتباعها له إيثار وله تعظيم . وهي تستكبر عن الإذعان والتسليم .

ومن ثم يقولون لأنفسهم: أبشرا منا واحدا نتبعه ? إنا إذا لفي ضلال وسعر . . أي لو وقع منا هذا الأمر المستنكر ! وأعجب شيء أن يصفوا أنفسهم بالضلال لو اتبعوا الهدى ! وأن يحسبوا أنفسهم في سعر - لا في سعير واحد - إذا هم فاءوا إلى ظلال الإيمان !

ومن ثم يتهمون رسولهم الذي اختاره الله ليقودهم في طريق الحق والقصد . يتهمونه بالكذب والطمع: (بل هو كذاب أشر). . كذاب لم يلق عليه الذكر . أشر:شديد الطمع في اختصاص نفسه بالمكانة ! وهو الاتهام الذي يواجه به كل داعية . اتهامه بأنه يتخذ الدعوة ستارا لتحقيق مآرب ومصالح . وهي دعوى المطموسين الذين لا يدركون دوافع النفوس ومحركات القلوب .

وبينما يجري السياق على أسلوب الحكاية لقصة غبرت في التاريخ . . يلتفت فجأة وكأنما الأمر حاضر . والأحداث جارية . فيتحدث عما سيكون . ويهدد بهذا الذي سيكون:

(سيعلمون غدا من الكذاب الأشر)!

وهذه إحدى طرق العرض القرآنية للقصص . وهي طريقة تنفخ روح الحياة الواقعية في القصة , وتحيلها من حكاية تحكى , إلى واقعة تعرض على الأنظار , يترقب النظارة أحداثها الآن , ويرتقبونها في مقبل الزمان !

(سيعلمون غدا من الكذاب الأشر). . وسيكشف لهم الغد عن الحقيقة . ولن يكونوا بمنجاة من وقع هذه الحقيقة . فستكشف عن البلاء المدمر للكذاب الأشر !

إنا مرسلو الناقة فتنة لهم . فارتقبهم واصطبر . ونبئهم أن الماء قسمة بينهم . كل شرب محتضر . .

ويقف القارئ يترقب ما سيقع , عندما يرسل الله الناقة فتنة لهم , وامتحانا مميزا لحقيقتهم . ويقف الرسول - رسولهم عليه السلام - مرتقبا ما سيقع , مؤتمرا بأمر ربه في الاصطبار عليهم حتى تقع الفتنة ويتم الامتحان . ومعه التعليمات . . أن الماء في القبيلة قسمة بينهم وبين الناقة - ولا بد أنها كانت ناقة خاصة ذات خصائص معينة تجعلها آية وعلامة - فيوم لها ويوم لهم - تحضر يومها ويحضرون يومهم . وتنال شربها وينالون شربهم .

من الاية 29 الى الاية 34

فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (32) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ (34)

ثم يعود السياق إلى أسلوب الحكاية . فيقص ما كان بعد ذلك منهم:

(فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر). .

وصاحبهم هو أحد الرهط المفسدين في المدينة , الذين قال عنهم في سورة النملSadوكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون). . وهو الذي قال عنه في سورة الشمسSadإذ انبعث أشقاها). .

وقيل:إنه تعاطى الخمر فسكر ليصير جريئا على الفعلة التي هو مقدم عليها . وهي عقر الناقة التي أرسلها الله آية لهم ; وحذرهم رسولهم أن يمسوها بسوء فيأخذهم عذاب أليم . .(فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر)وتمت الفتنة ووقع البلاء .

(فكيف كان عذابي ونذر ?). .

وهو سؤال التعجيب والتهويل . قبل ذكر ما حل من العذاب بعد النذر:

(إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر). .

ولا يفصل القرآن هذه الصيحة . وإن كانت في موضع آخر في سورة "فصلت" توصف بأنها صاعقةSadفإن أعرضوا فقل:أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود). . وقد تكون كلمة صاعقة وصفا للصيحة . فهي صيحة صاعقة . وقد تكون تعبيرا عن حقيقتها . فتكون الصيحة والصاعقة شيئا واحدا . وقد تكون الصيحة هي صوت الصاعقة . أو تكون الصاعقة أثرا من آثار الصيحة التي لا ندري من صاحبها .

وعلى أية حال فقد أرسلت على القوم صيحة واحدة , ففعلت بهم ما فعلت , مما جعلهم (كهشيم المحتظر). . والمحتظر صانع الحظيرة . وهو يصنعها من أعواد جافة . فهم صاروا كالأعواد الجافة حين تيبس وتتحطم وتصبح هشيما . أو أن المحتظر يجمع لماشيته هشيما تأكله من الأعواد الجافة والعشب الناشف . وقد صار القوم كهذا الهشيم بعد الصيحة الواحدة !

وهو مشهد مفجع مفزع . يعرض ردا على التعالي والتكبر . فإذا المتعالون المتكبرون هشيم . وهشيم مهين . كهشيم المحتظر !

وأمام هذا المشهد العنيف المخيف , يرد قلوبهم إلى القرآن ليتذكروا ويتدبروا . وهو ميسر للتذكر والتدبر:

(ولقد يسرنا القرآن للذكر . فهل من مدكر ?). .

ويسدل الستار على الهشيم المهين . وفي العين منه مشهد . وفي القلب منه أثر . والقرآن يدعو من يذكر ويتفكر . . .

الدرس الخامس:35 - 40 لقطات من قصة لوط عليه السلام

ثم يرفع الستار عن حلقة جديدة تالية - بعد ذلك - في التاريخ , في محيط الجزيرة العربية كذلك:

(كذبت قوم لوط بالنذر . إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر . نعمة من عندنا . كذلك نجزي من شكر . ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر . ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر . ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر . فذوقوا عذابي ونذر . ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ?). .

وقصة قوم لوط وردت مفصلة في مواضع أخرى . والمقصود بعرضها هنا ليس هو تفصيلاتها , إنما هي العبرة من عاقبة التكذيب , والأخذ الأليم الشديد . من ثم تبدأ بذكر ما وقع منهم من تكذيب بالنذرSadكذبت قوم لوط بالنذر). . وعلى إثر هذه الإشارة يصف ما نزل بهم من النكال:

(إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر . نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر). .

كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى