منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير الفتح ايه 24 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير الفتح ايه 24 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب Empty تفسير الفتح ايه 24 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الخميس يونيو 14, 2012 12:24 pm

من الاية 24 الى الاية 24

وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24)

لتكون له قيمته وأثره . أو لغير هذا وذلك مما يعلمه الله . ولكن السنة لا تتخلف . والله أصدق القائلين: (ولن تجد لسنة الله تبديلا). . .

كذلك يمن عليهم بكف أيدي المشركين عنهم , وكف أيديهم عن المشركين من بعد ما أظفرهم على من هاجموهم . مشيرا إلى ذلك الحادث الذي أراد أربعون من المشركين أو أكثر أو أقل أن ينالوا من معسكر المسلمين . فأخذوا وعفا عنهم رسول الله [ ص ]:

(وهو الذي كف أيديهم عنكم , وأيديكم عنهم ببطن مكة . من بعد أن أظفركم عليهم . وكان الله بما تعملون بصيرا). .

وهو حادث وقع , يعرفه السامعون ; والله يذكره لهم في هذا الأسلوب , ليرد كل حركة وكل حادث وقع لهم إلى تدبيره المباشر ; وليوقع في قلوبهم هذا الإحساس المعين بيد الله سبحانه وهي تدبر لهم كل شيء , وتقود خطاهم , كما تقود خواطرهم , ليسلموا أنفسهم كلها لله , بلا تردد ولا تلفت , ويدخلوا بهذا في السلم كافة , بكل مشاعرهم وخواطرهم , واتجاههم ونشاطهم ; موقنين أن الأمر كله لله , وأن الخيرة ما اختاره الله , وأنهم مسيرون بقدره ومشيئته فيما يختارون وفيما يرفضون . وأنه يريد بهم الخير . فإذا استسلموا له تحقق لهم الخير كله من أيسر طريق . وهو بصير بهم , ظاهرهم وخافيهم , فهو يختار لهم عن علم وعن بصر . ولن يضيعهم , ولن يضيع عليهم شيئا يستحقونه: (وكان الله بما تعملون بصيرا). .

الدرس الثالث:25 - 26 حكمة صلح الحديبية والسكينة من الله للمؤمنين

ثم يحدثهم عن خصومهم , من هم في ميزان الله ? وكيف ينظر إلى أعمالهم وصدهم للمؤمنين عن بيته الحرام . وكيف ينظر إليهم هم عكس ما ينظر إلى خصومهم المعتدين:

هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام , والهدي معكوفا أن يبلغ محله , ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم , أن تطأوهم , فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء . لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما . إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ; فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين , وألزمهم كلمة التقوى , وكانوا أحق بها وأهلها , وكان الله بكل شيء عليما . .

هم في ميزان الله واعتباره , الكافرون حقا , الذين يستحقون هذا الوصف الكريه: (هم الذين كفروا). . يسجله عليهم كأنهم متفردون به , عريقون في النسبة إليه , فهم أكره شيء إلى الله الذي يكره الكفر والكافرين ! كذلك يسجل عليهم فعلهم الكريه الآخر , وهو صدهم للمؤمنين عن المسجد الحرام , وصد الهدي وتركه محبوسا عن الوصول إلى محل ذبحه المشروع:

(وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله). .

وهي كبيرة في الجاهلية وفي الإسلام . كبيرة في الأديان كلها التي يعرفونها في الجزيرة من لدن أبيهم إبراهيم . كريهة في عرفهم وفي عقيدتهم وفي عقيدة المؤمنين . . فلم يكن إذن كف الله للمؤمنين عنهم بقيا عليهم لأن جرمهم صغير . كلا ! إنما كان ذلك لحكمة أخرى يتلطف الله سبحانه فيكشف عنها للمؤمنين:

ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم , أن تطأوهم , فتصيبكم منهم معرة بغير علم . .

فلقد كان هنالك بعض المستضعفين من المسلمين في مكة لم يهاجروا , ولم يعلنوا إسلامهم تقية في وسط المشركين . ولو دارت الحرب , وهاجم المسلمون مكة , وهم لا يعرفون أشخاصهم , فربما وطأوهم وداسوهم وقتلوهم . فيقال:إن المسلمين يقتلون المسلمين ! ويلزمون بدياتهم حين يتبين أنهم قتلوا خطأ وهم مسلمون . .
من الاية 25 الى الاية 28

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً (28)

ثم هنالك حكمة أخرى وهي أن الله يعلم أن من بين الكافرين الذين صدوهم عن المسجد الحرام , من قسمت له الهداية , ومن قدر له الله الدخول في رحمته , بما يعلمه من طبيعته وحقيقته ; ولو تميز هؤلاء وهؤلاء لأذن الله للمسلمين في القتال , ولعذب الكافرين العذاب الأليم:

(ليدخل الله في رحمته من يشاء . لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما). .

وهكذا يكشف الله للجماعة المختارة الفريدة السعيدة عن جانب من حكمته المغيبة وراء تقديره وتدبيره .

ويمضي في وصف الذين كفروا . وصف نفوسهم من الداخل . بعد تسجيل صفتهم وعملهم الظاهر:

(إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية). .

حمية لا لعقيدة ولا لمنهج . إنما هي حمية الكبر والفخر والبطر والتعنت . الحمية التي جعلتهم يقفون في وجه رسول الله [ ص ] ومن معه , يمنعونهم من المسجد الحرام , ويحبسون الهدي الذي ساقوه , أن يبلغ محله الذي ينحر فيه . مخالفين بذلك عن كل عرف وعن كل عقيدة . كي لا تقول العرب , إنه دخلها عليهم عنوة . ففي سبيل هذه النعرة الجاهلية يرتكبون هذه الكبيرة الكريهة في كل عرف ودين ; وينتهكون حرمة البيت الحرام الذي يعيشون على حساب قداسته ; وينتهكون حرمة الأشهر الحرم التي لم تنتهك في جاهلية ولا إسلام ! وهي الحمية التي بدت في تجبيههم لكل من أشار عليهم - أول الأمر - بخطة مسالمة , وعاب عليهم صد محمد ومن معه عن بيت الله الحرام . وهي كذلك التي تبدت في رد سهيل بن عمرو لاسم الرحمن الرحيم , ولصفة رسول الله [ ص ] في أثناء الكتابة . وهي كلها تنبع من تلك الجاهلية المتعجرفة المتعنتة بغير حق .

وقد جعل الله الحمية في نفوسهم على هذا النحو الجاهلي , لما يعلمه في نفوسهم من جفوة عن الحق والخضوع له . فأما المؤمنون فحماهم من هذه الحمية . وأحل محلها السكينة , والتقوى:

(فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . وألزمهم كلمة التقوى . وكانوا أحق بها وأهلها). .

والسكينة الوقورة الهادئة , كالتقوى المتحرجة المتواضعة كلتاهما تليق بالقلب المؤمن الموصول بربه , الساكن بهذه الصلة . المطمئن بما فيه من ثقة . المراقب لربه في كل خالجة وكل حركة , فلا يتبطر ولا يطغى ; ولا يغضب لذاته , إنما يغضب لربه ودينه . فإذا أمر أن يسكن ويهدأ خشع وأطاع . في رضى وطمأنينة .

ومن ثم كان المؤمنون أحق بكلمة التقوى , وكانوا أهلها . وهذا ثناء آخر من ربهم عليهم . إلى جانب الامتنان عليهم بما أنزل على قلوبهم من سكينة , وما أودع فيها من تقوى . فهم قد استحقوها في ميزان الله , وبشهادته ; وهو تكريم بعد تكريم , صادر عن علم وتقدير:

(وكان الله بكل شيء عليما). .

الدرس الرابع:27 - 28 صدق وعد الله لرسوله والمؤمنين ووقوع ذلك في عام الفتح

ولقد مر بنا أن بعض المؤمنين الذين خرجوا مستبشرين برؤيا رسول الله [ ص ] قد هالهم ألا تتحقق الرؤيا هذا العام ; وأن يردوا عن المسجد الحرام . فالله يؤكد لهم صدق هذه الرؤيا , وينبئهم أنها منه , وأنها واقعة ولا بد . وأن وراءها ما هو أكبر من دخول المسجد الحرام أيضا:

(لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق:لتدخلن المسجد الحرام - إن شاء الله - آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون . فعلم ما لم تعلموا , فجعل من دون ذلك فتحا قريبا . هو الذي أرسل رسوله بالهدى)(ودين الحق ليظهره على الدين كله , وكفى بالله شهيدا). .

فأما البشرى الأولى . بشرى تصديق رؤيا رسول الله [ ص ] ودخولهم المسجد الحرام آمنين , وتحليقهم وتقصيرهم بعد انتهاء شعائر الحج أو العمرة , لا يخافون . . فأما هذه فقد تحققت بعد عام واحد . ثم تحققت بصورة أكبر وأجلى بعد عامين اثنين من صلح الحديبية . إذ تم لهم فتح مكة , وغلبة دين الله عليها .

ولكن الله سبحانه يؤدب المؤمنين بأدب الإيمان ; وهو يقول لهم:" لتدخلن المسجد الحرام - إن شاء الله - " . . فالدخول واقع حتم , لأن الله أخبر به . ولكن المشيئة يجب أن تظل في نفوس المسلمين في صورتها الطليقة لا يقيدها شيء , حتى تستقر هذه الحقيقة في القلوب , وتصبح هي قاعدة التصور للمشيئة الإلهية . والقرآن يتكئ على هذا المعنى , ويقرر هذه الحقيقة , ويذكر هذا الاستثناء في كل موضع , حتى المواضع التي يذكر فيها وعد الله . ووعد الله لا يخلف . ولكن تعلق المشيئة به أبدا طليق . إنه أدب يلقيه الله في روع المؤمنين , ليستقر منهم في أعماق الضمير والشعور .

ونعود إلى قصة تحقيق هذا الوعد ; فقد ذكرت الروايات أنه لما كان ذو القعدة من سنة سبع - أي العام التالي لصلح الحديبية - خرج رسول الله [ ص ] إلى مكة معتمرا هو وأهل الحديبية . فأحرم من ذي الحليفة , وساق معه الهدي - كما أحرم وساق الهدي في العام قبله - وسار أصحابه يلبون . فلما كان [ ص ] قريبا من مر الظهران بعث محمد بن مسلمة بالخيل والسلاح أمامه . فلما رآه المشركون رعبوا رعبا شديدا , وظنوا أن رسول الله [ ص ] يغزوهم , وأنه قد نكث العهد الذي بينهم وبينه من وضع القتال عشر سنين , فذهبوا فأخبروا أهل مكة . فلما جاء رسول الله [ ص ] فنزل بمر الظهران حيث ينظر إلى أنصاب الحرم , بعث السلاح من القسي والنبل والرماح إلى بطن ياجج , وسار إلى مكة بالسيوف مغمدة في قربها كما شارطهم عليه . فلما كان في أثناء الطريق بعثت قريش مكرز بن حفص , فقال:يا محمد , ما عرفناك تنقض العهد . فقال [ ص ]:" وما ذاك ? " قال:دخلت علينا بالسلاح والقسي والرماح . فقال [ ص ]:" لم يكن ذلك , وقد بعثنا به إلى ياجج " فقال:بهذا عرفناك , بالبر والوفاء !

وخرجت رؤوس الكفار من مكة لئلا ينظروا إلى رسول الله [ ص ] وإلى أصحابه - رضي الله عنهم - غيظا وحنقا . وأما بقية أهل مكة من الرجال والنساء والولدان فجلسوا في الطرق وعلى البيوت ينظرون إلى رسول الله [ ص ] وأصحابه . فدخلها [ ص ] وبين يديه أصحابه يلبون , والهدي قد بعثه إلى ذي طوى , وهو راكب ناقته القصواء التي كان راكبها يوم الحديبية , وعبد الله بن رواحة الأنصاري آخذ بزمام الناقة يقودها .

وهكذا صدقت رؤيا رسول الله [ ص ] وتحقق وعد الله . ثم كان الفتح في العام الذي يليه . وظهر دين الله في مكة . ثم ظهر في الجزيرة كلها بعد . ثم تحقق وعد الله وبشراه الأخيرة حيث يقول:

هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله , وكفى بالله شهيدا . .

فلقد ظهر دين الحق , لا في الجزيرة وحدها , بل ظهر في المعمور من الأرض كلها قبل مضي نصف قرن من الزمان . ظهر في امبراطورية كسرى كلها , وفي قسم كبير من امبراطورية قيصر , وظهر في الهند وفي الصين , ثم في جنوب آسيا في الملايو وغيرها , وفي جزر الهند الشرقية "أندونيسيا" . . وكان هذا هو معظم المعمور من الأرض في القرن السادس ومنتصف القرن السابع الميلادي .

وما يزال دين الحق ظاهرا على الدين كله - حتى بعد انحساره السياسي عن جزء كبير من الأرض التي فتحها , وبخاصة في أوربا وجزر البحر الأبيض . وانحسار قوة أهله في الأرض كلها بالقياس إلى القوى التي ظهرت في الشرق والغرب في هذا الزمان .

أجل ما يزال دين الحق ظاهرا على الدين كله , من حيث هو دين . فهو الدين القوي بذاته , القوي بطبيعته , الزاحف بلا سيف ولا مدفع من أهله ! لما في طبيعته من استقامة مع الفطرة ومع نواميس الوجود الأصلية ; ولما فيه من تلبية بسيطة عميقة لحاجات العقل والروح , وحاجات العمران والتقدم , وحاجات البيئات المتنوعة , من ساكني الأكواخ إلى سكان ناطحات السحاب !

وما من صاحب دين غير الإسلام , ينظر في الإسلام نظرة مجردة من التعصب والهوى حتى يقر باستقامة هذا الدين وقوته الكامنة , وقدرته على قيادة البشرية قيادة رشيدة , وتلبية حاجاتها النامية المتطورة في يسر واستقامة . . (وكفى بالله شهيدا). .

فوعد الله قد تحقق في الصورة السياسية الظاهرة قبل مضي قرن من الزمان بعد البعثة المحمدية . ووعد الله ما يزال متحققا في الصورة الموضوعية الثابتة ; وما يزال هذا الدين ظاهرا على الدين كله في حقيقته . بل إنه هو الدين الوحيد الباقي قادرا على العمل , والقيادة , في جميع الأحوال .

ولعل أهل هذا الدين هم وحدهم الذين لا يدركون هذه الحقيقة اليوم ! فغير أهله يدركونها ويخشونها , ويحسبون لها في سياساتهم كل حساب !

الدرس الخامس:29 صورة وضيئة للرسول وأصحابه

والآن نجيء إلى ختام السورة . ختامها بتلك الصورة الوضيئة التي يرسمها القرآن لواقع صحابة رسول الله [ ص ] وبذلك الثناء الكريم على تلك الجماعة الفريدة السعيدة التي رضي الله عنها , وبلغها رضاه فردا فردا:

(محمد رسول الله . والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم , تراهم ركعا سجدا , يبتغون فضلا من الله ورضوانا , سيماهم في وجوههم من أثر السجود . ذلك مثلهم في التوراة . ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه , فآزره , فاستغلظ , فاستوى على سوقه , يعجب الزراع , ليغيظ بهم الكفار . وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما). .

إنها صورة عجيبة يرسمها القرآن الكريم بأسلوبه البديع . صورة مؤلفة من عدة لقطات لأبرز حالات هذه الجماعة المختارة , حالاتها الظاهرة والمضمرة . فلقطة تصور حالتهم مع الكفار ومع أنفسهم: (أشداء على الكفار رحماء بينهم)ولقطة تصور هيئتهم في عبادتهم: (تراهم ركعا سجدا). . ولقطة تصور قلوبهم وما يشغلها ويجيش بها: (يبتغون فضلا من الله ورضوانا). . ولقطة تصور أثر العبادة والتوجه إلى الله في سمتهم وسحنتهم وسماتهم: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود). . (ذلك مثلهم في التوراة). . وهذه صفتهم فيها . . ولقطات متتابعة تصورهم كما هم في الإنجيل . . (كزرع أخرج شطأه)(فآزره). .(فاستغلظ) (فاستوى على سوقه). (يعجب الزراع). .: (ليغيظ بهم الكفار). .

وتبدأ الآية بإثبات صفة محمد [ ص ] صفته التي أنكرها سهيل بن عمرو ومن وراءه من المشركين: (محمد رسول الله). . ثم ترتسم تلك الصورة الوضيئة بذلك الأسلوب البديع .

والمؤمنون لهم حالات شتى . ولكن اللقطات تتناول الحالات الثابتة في حياتهم , ونقط الإرتكاز الأصيلة

من الاية 29 الى آخر السورة

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29)

في هذه الحياة . وتبرزها وتصوغ منها الخطوط العريضة في الصور الوضيئة . . وإرادة التكريم واضحة في اختيار هذه اللقطات , وتثبيت الملامح والسمات التي تصورها . التكريم الإلهي لهذه الجماعة السعيدة .

إرادة التكريم واضحة , وهو يسجل لهم في اللقطة الأولى أنهم: (أشداء على الكفار رحماء بينهم). . أشداء على الكفار وفيهم آباؤهم وإخوتهم وذوو قرابتهم وصحابتهم , ولكنهم قطعوا هذه الوشائج جميعا . رحماء بينهم وهم فقط إخوة دين . فهي الشدة لله والرحمة لله . وهي الحمية للعقيدة , والسماحة للعقيدة . فليس لهم في أنفسهم شيء , ولا لأنفسهم فيهم شيء . وهم يقيمون عواطفهم ومشاعرهم , كما يقيمون سلوكهم وروابطهم على أساس عقيدتهم وحدها . يشتدون على أعدائهم فيها , ويلينون لإخوتهم فيها . وقد تجردوا من الأنانية ومن الهوى , ومن الانفعال لغير الله , والوشيجة التي تربطهم بالله .

وإرادة التكريم واضحة وهو يختار من هيئاتهم وحالاتهم , هيئة الركوع والسجود وحالة العبادة: (تراهم ركعا سجدا). . والتعبير يوحي كأنما هذه هيئتهم الدائمة التي يراها الرائي حيثما رآهم . ذلك أن هيئة الركوع والسجود تمثل حالة العبادة , وهي الحالة الأصيلة لهم في حقيقة نفوسهم ; فعبر عنها تعبيرا يثبتها كذلك في زمانهم , حتى لكأنهم يقضون زمانهم كله ركعا سجدا .

واللقطة الثالثة مثلها . ولكنها لقطة لبواطن نفوسهم وأعماق سرائرهم: (يبتغون فضلا من الله ورضوانا). . فهذه هي صورة مشاعرهم الدائمة الثابتة . كل ما يشغل بالهم , وكل ما تتطلع إليه أشواقهم , هو فضل الله ورضوانه . ولا شيء وراء الفضل والرضوان يتطلعون إليه ويشتغلون به .

واللقطة الرابعة تثبت أثر العبادة الظاهرة والتطلع المضمر في ملامحهم , ونضحها على سماتهم: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود). . سيماهم في وجوههم من الوضاءة والإشراق والصفاء والشفافية , ومن ذبول العبادة الحي الوضيء اللطيف . وليست هذه السيما هي النكتة المعروفة في الوجه كما يتبادر إلى الذهن عند سماع قوله: (من أثر السجود). . فالمقصود بأثر السجود هو أثر العبادة . واختار لفظ السجود لأنه يمثل حالة الخشوع والخضوع والعبودية لله في أكمل صورها . فهو أثر هذا الخشوع . أثره في ملامح الوجه , حيث تتوارى الخيلاء والكبرياء والفراهة . ويحل مكانها التواضع النبيل , والشفافية الصافية , والوضاءة الهادئة , والذبول الخفيف الذي يزيد وجه المؤمن وضاءة وصباحة ونبلا .

وهذه الصورة الوضيئة التي تمثلها هذه اللقطات ليست مستحدثة . إنما هي ثابتة لهم في لوحة القدر ; ومن ثم فهي قديمة جاء ذكرها في التوراة: (ذلك مثلهم في التوراة). . وصفتهم التي عرفهم الله بها في كتاب موسى , وبشر الأرض بها قبل أن يجيئوا إليها .

(ومثلهم في الإنجيل). . وصفتهم في بشارته بمحمد ومن معه , أنهم (كزرع أخرج شطأه). . فهو زرع نام قوي , يخرج فرخه من قوته وخصوبته . ولكن هذا الفرخ لا يضعف العود بل يشده .(فآزره). أو أن العود آزر فرخه فشده .(فاستغلظ)الزرع وضخمت ساقه وامتلأت . (فاستوى على سوقه)لا معوجا ومنحنيا . ولكن مستقيما قويا سويا . .

هذه صورته في ذاته . فأما وقعه في نفوس أهل الخبرة في الزرع , العارفين بالنامي منه والذابل . المثمر منه والبائر . فهو وقع البهجة والإعجاب: (يعجب الزراع). وفي قراءة يعجب(الزارع). . وهو رسول الله [ ص ] صاحب هذا الزرع النامي القوي المخصب البهيج . . وأما وقعه في نفوس الكفار فعلى العكس . فهو وقع الغيظ والكمد: (ليغيظ بهم الكفار). . وتعمد إغاظة الكفار يوحي بأن هذه الزرعة هيزرعة الله . أو زرعة رسوله , وأنهم ستار للقدرة وأداة لإغاظة أعداء الله !

وهذا المثل كذلك ليس مستحدثا , فهو ثابت في صفحة القدر . ومن ثم ورد ذكره قبل أن يجيء محمد ومن معه إلى هذه الأرض . ثابت في الإنجيل في بشارته بمحمد ومن معه حين يجيئون .

وهكذا يثبت الله في كتابه الخالد صفة هذه الجماعة المختارة . . صحابة رسول الله [ ص ] . . فتثبت في صلب الوجود كله , وتتجاوب بها أرجاؤه , وهو يتسمع إليها من بارى ء الوجود . وتبقى نموذجا للأجيال , تحاول أن تحققها , لتحقق معنى الإيمان في أعلى الدرجات .

وفوق هذا التكريم كله , وعد الله بالمغفرة والأجر العظيم: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما). . وهو وعد يجيء في هذه الصيغة العامة بعدما تقدم من صفتهم , التي تجعلهم أول الداخلين في هذه الصيغة العامة .

مغفرة وأجر عظيم . . وذلك التكريم وحده حسبهم . وذلك الرضى وحده أجر عظيم . ولكنه الفيض الإلهي بلا حدود ولا قيود , والعطاء الإلهي عطاء غير مجذوذ .

ومرة أخرى أحاول من وراء أربعة عشر قرنا أن أستشرف وجوه هؤلاء الرجال السعداء وقلوبهم . وهم يتلقون هذا الفيض الإلهي من الرضى والتكريم والوعد العظيم . وهم يرون أنفسهم هكذا في اعتبار الله , وفي ميزان الله , وفي كتاب الله . وأنظر إليهم وهم عائدون من الحديبية , وقد نزلت هذه السورة , وقد قرئت عليهم . وهم يعيشون فيها بأرواحهم وقلوبهم ومشاعرهم وسماتهم . وينظر بعضهم في وجوه بعض فيرى أثر النعمة التي يحسها هو في كيانه .

وأحاول أن أعيش معهم لحظات في هذا المهرجان العلوي الذي عاشوا فيه . . ولكن أنى لبشر لم يحضر هذا المهرجان أن يتذوقه . إلا من بعيد ?!

اللهم إلا من يكرمه الله إكرامهم:فيقرب له البعيد ?!

فاللهم إنك تعلم أنني أتطلع لهذا الزاد الفريد !!!

السورة كلها وحدة واحدة موضوعها حقائق إعتقادية وتوجيهات أخلاقية للمسلمين

الحجرات
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى