منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة الشورى ايه 37 الى اخر السورة سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة الشورى ايه 37 الى اخر السورة سيد قطب Empty تفسير سورة الشورى ايه 37 الى اخر السورة سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الأربعاء يونيو 13, 2012 6:55 pm

من الاية 37 الى الاية 37

وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)

إلا بإذن الله , ولا يرضون ولا يسخطون , ولا يعطون ولا يمنعون , ولا يصلون ولا يقطعون إلا بإذنه ووفق أمره" .

وهذا هو الإيمان الذي تشير إليه الآية وهي تصف الجماعة التي اختيرت لقيادة البشرية بهذه العقيدة . ومن مقضيات هذا الإيمان التوكل على الله . ولكن القرآن يفرد هذه الصفة بالذكر ويميزها:

(وعلى ربهم يتوكلون). .

وهذا التقديم والتأخير في تركيب الجملة يفيد قصر التوكل على ربهم دون سواه . والإيمان بالله الواحد يقتضي التوكل عليه دون سواه . فهذا هو التوحيد في أول صورة من صوره . إن المؤمن يؤمن بالله وصفاته , ويستيقن أنه لا أحد في هذا الوجود يفعل شيئاً إلا بمشيئته , وأنه لا شيء يقع في هذا الوجود إلا بإذنه . ومن ثم يقصر توكله عليه , ولا يتوجه في فعل ولا ترك لمن عداه .

وهذا الشعور ضروري لكل أحد , كي يقف رافع الرأس لا يحني رأسه إلا لله . مطمئن القلب لا يرجو ولا يرهب أحدا إلا الله . ثابت الجأش في الضراء ; قرير النفس في السراء , لا تستطيره نعماء ولا بأساء . . ولكن هذا الشعور أشد ضرورة للقائد , الذي يحتمل تبعة ارتياد الطريق .

(والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش). .

وطهارة القلب , ونظافة السلوك من كبائر الإثم ومن الفواحش , أثر من آثار الإيمان الصحيح . وضرورة من ضرورات القيادة الراشدة . وما يبقى قلب على صفاء الإيمان ونقاوته وهو يقدم على كبائر الذنوب والمعاصي ولا يتجنبها . وما يصلح قلب للقيادة وقد فارقه صفاء الإيمان وطمسته المعصية وذهبت بنوره .

ولقد ارتفع الإيمان بالحساسية المرهفة في قلوب العصبة المؤمنة , حتى بلغت تلك الدرجة التي أشارت إليها المقتطفات السابقة [ ص 77 ] وأهلت الجماعة الأولى لقيادة البشرية قيادة غير مسبوقة ولا ملحوقة . ولكنها كالسهم يشير إلى النجم ليهتدي به من يشاء في معترك الشهوات !

والله يعلم ضعف هذا المخلوق البشري , فيجعل الحد الذي يصلح به للقيادة , والذي ينال معه ما عند الله , هو اجتناب كبائر الإثم والفواحش . لا صغائر الإثم والذنب . وتسعه رحمته بما يقع منه من هذه الصغائر , لأنه أعلم بطاقته . وهذا فضل من الله وسماحة ورحمة بهذا الإنسان ; توجب الحياء من الله , فالسماحة تخجل والعفو يثير في القلب الكريم معنى الحياء .

(وإذا ما غضبوا هم يغفرون). .

وتأتي هذه الصفة بعد الإشارة الخفية إلى سماحة الله مع الإنسان في ذنوبه وأخطائه , فتحبب في السماحة والمغفرة بين العباد . وتجعل صفة المؤمنين أنهم إذا ما غضبوا هم يغفرون .

وتتجلى سماحة الإسلام مرة أخرى مع النفس البشرية ; فهو لا يكلف الإنسان فوق طاقته . والله يعلم أن الغضب انفعال بشري ينبع من فطرته . وهو ليس شراً كله . فالغضب لله ولدينه وللحق والعدل غضب مطلوب وفيه الخير . ومن ثم لا يحرم الغضب في ذاته ولا يجعله خطيئة . بل يعترف بوجوده في الفطرة والطبيعة , فيعفي الإنسان من الحيرة والتمزق بين فطرته وأمر دينه . ولكنه في الوقت ذاته يقوده إلى أن يغلب غضبه , وأن يغفر

من الاية 38 الى الاية 38

وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38)

ويعفو , ويحسب له هذا صفة مثلى من صفات الإيمان المحببة . هذا مع أنه عرف عن رسول الله [ ص ] أنه لم يغضب لنفسه قط , إنما كان يغضب لله , فإذا غضب لله لم يقم لغضبه شيء . ولكن هذه درجة تلك النفس المحمدية العظيمة ; لا يكلف الله نفوس المؤمنين إياها . وإن كان يحببهم فيها . إنما يكتفي منهم بالمغفرة عند الغضب , والعفو عند القدرة , والاستعلاء على شعور الانتقام , ما دام الأمر في حدود الدائرة الشخصية المتعلقة بالأفراد .

(والذين استجابوا لربهم). .

فأزالوا العوائق التي تقوم بينهم وبين ربهم . أزالوا هذه العوائق الكامنة في النفس دون الوصول . وما يقوم بين النفس وربها إلا عوائق من نفسها . عوائق من شهواتها ونزواتها . عوائق من وجودها هي وتشبثها بذاتها . فأما حين تخلص من هذا كله فإنها تجد الطريق إلى ربها مفتوحاً وموصولا . وحينئذ تستجيب بلا عائق . تستجيب بكلياتها . ولا تقف أمام كل تكليف بعائق من هوى يمنعها . . وهذه هي الاستجابة في عمومها . . ثم أخذ يفصل بعض هذه الاستجابة:

وأقاموا الصلاة . .

وللصلاة في هذا الدين مكانة عظمى , فهي التالية للقاعدة الأولى فيه . قاعدة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . وهي صورة الاستجابة الأولى لله . وهي الصلة بين العبد وربه . وهي مظهر المساواة بين العباد في الصف الواحد ركعاً سجداً , لا يرتفع رأس على رأس , ولا تتقدم رجل على رجل !

ولعله من هذا الجانب أتبع إقامة الصلاة بصفة الشورى - قبل أن يذكر الزكاة:

(وأمرهم شورى بينهم)

والتعبير يجعل أمرهم كله شورى , ليصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة . وهو كما قلنا نص مكي . كان قبل قيام الدولة الإسلامية . فهذا الطابع إذن أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمين . إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها , ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم فيها بعد .

والواقع أن الدولة في الإسلام ليست سوى إفراز طبيعي للجماعة وخصائصها الذاتية . والجماعة تتضمن الدولة وتنهض وإياها بتحقيق المنهج الإسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية .

ومن ثم كان طابع الشورى في الجماعة مبكراً , وكان مدلوله أوسع وأعمق من محيط الدولة وشؤون الحكم فيها . إنه طابع ذاتي للحياة الإسلامية , وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية . وهي من ألزم صفات القيادة .

أما الشكل الذي تتم به الشورى فليس مصبوباً في قالب حديدي ; فهو متروك للصورة الملائمة لكل بيئة وزمان , لتحقيق ذلك الطابع في حياة الجماعة الإسلامية . والنظم الإسلامية كلها ليست أشكالاً جامدة , وليست نصوصاً حرفية , إنما هي قبل كل شيء روح ينشأ عن استقرار حقيقة الإيمان في القلب , وتكيف الشعور والسلوك بهذه الحقيقة . والبحث في أشكال الأنظمة الإسلامية دون الاهتمام بحقيقة الإيمان الكامنة وراءها لا يؤدي إلى شيء . . وليس هذا كلاماً عائماً غير مضبوط كما قد يبدو لأول وهلة لمن لا يعرف حقيقة الإيمان بالعقيدة الإسلامية . فهذه العقيدة - في أصولها الاعتقادية البحتة , وقبل أي التفات إلى الأنظمة فيها - تحوي حقائق نفسية وعقلية هي في ذاتها شيء له وجود وفاعلية وأثر في الكيان البشري , يهيىء لإفراز أشكال معينة من النظم وأوضاع معينة في الحياة البشرية ; ثم تجيء النصوص بعد ذلك مشيرة إلى هذه الأشكال والأوضاع , لمجرد تنظيمها لا لخلقها

من الاية 39 الى الاية 43

وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ (39) وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)

وإنشائها . ولكي يقوم أي شكل من أشكال النظم الإسلامية , لا بد قبلها من وجود مسلمين , ومن وجود إيمان ذي فاعلية وأثر . والإ فكل الأشكال التنظيمية لا تفي بالحاجة , ولا تحقق نظاماً يصح وصفه بأنه إسلامي . .

ومتى وجد المسلمون حقاً , ووجد الإيمان في قلوبهم بحقيقته , نشأ النظام الإسلامي نشأة ذاتية , وقامت صورة منه تناسب هؤلاء المسلمين وبيئتهم وأحوالهم كلها ; وتحقق المبادىء الإسلامية الكلية خير تحقيق .

(ومما رزقناهم ينفقون). .

وهو نص مبكر كذلك على تحديد فرائض الزكاة التي حددت في السنة الثانية من الهجرة . ولكن الإنفاق العام من رزق الله كان توجيهاً مبكراً في حياة الجماعة الإسلامية . بل إنه ولد مع مولدها .

ولا بد للدعوة من الإنفاق . لا بد منه تطهيراً للقلب من الشح , واستعلاء على حب الملك , وثقة بما عند الله . وكل هذه ضرورية لاستكمال معنى الإيمان . ثم إنها ضرورية كذلك لحياة الجماعة . فالدعوة كفاح . ولا بد من التكافل في هذا الكفاح وجرائره وآثاره . وأحياناً يكون هذا التكافل كاملاً بحيث لا يبقى لأحد مال متميز . كما حدث في أول العهد بهجرة المهاجرين من مكة , ونزولهم على إخوانهم في المدينة . حتى إذا هدأت حدة الظروف وضعت الأسس الدائمة للإنفاق في الزكاة .

وعلى أية حال فالإنفاق في عمومه سمة من سمات الجماعة المؤمنة المختارة للقيادة بهذه الصفات . .

والذين إذا اصابهم البغي هم ينتصرون .

وذكر هذه الصفة في القرآن المكي ذو دلالة خاصة كما سلف . فهي تقرير لصفة أساسية في الجماعة المسلمة . صفة الانتصار من البغي , وعدم الخضوع للظلم . وهذا طبيعي بالنسبة لجماعة أخرجت للناس لتكون خير أمة . لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر , وتهيمن على حياة البشرية بالحق والعدل ; وهي عزيزة بالله . (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين). . فمن طبيعة هذه الجماعة ووظيفتها أن تنتصر من البغي وأن تدفع العدوان . وإذا كانت هناك فترة اقتضت لأسباب محلية في مكة , ولمقتضيات تربوية في حياة المسلمين الأوائل من العرب خاصة , أن يكفوا أيديهم ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة , فذلك أمر عارض لا يتعلق بخصائص الجماعة الثابتة الأصيلة .

ولقد كانت هنالك أسباب خاصة لاختيار أسلوب المسالمة والصبر في العهد المكي:

منها أن إيذاء المسلمين الأوائل وفتنتهم عن دينهم لم تكن تصدر من هيئة مسيطرة على الجماعة . فالوضع السياسي والاجتماعي في الجزيرة كان وضعاً قبلياً مخلخلاً . ومن ثم كان الذين يتولون إيذاء الفرد المسلم هم خاصة أهله إن كان ذا نسب , ولم يكن أحد غير خاصة أهله يجرؤ على إيذائه - ولم يقع إلا في الندرة أن وقع اعتداء جماعي على فرد مسلم أو على المسلمين كجماعة - كما كان السادة يؤذون مواليهم إلى أن يشتريهم المسلمون ويعتقوهم فلا يجرؤ أحد على إيذائهم غالباً . ولم يكن الرسول [ ص ] يحب أن تقع معركة في كل بيت بين الفرد المسلم من هذا البيت والذين لم يسلموا بعد . والمسالمة كانت أقرب إلى إلانة القلوب من المخاشنة .

ومنها أن البيئة العربية كانت بيئة نخوة تثور لصاحب الحق الذي يقع عليه الأذى . واحتمال المسلمين للأذى وصبرهم على عقيدتهم , كان أقرب إلى استثارة هذه النخوة في صف الإسلام والمسلمين . وهذا ما حدث بالقياس إلى حادث الشعب وحصر بني هاشم فيه . فقد ثارت النخوة ضد هذا الحصار , ومزقت العهد الذي حوته الصحيفة , ونقضت هذا العهد الجائر .

ومنها أن البيئة العربية كانت بيئة حرب ومسارعة إلى السيف , وأعصاب متوفزة لا تخضع لنظام . والتوازنفي الشخصية الإسلامية كان يقتضي كبح جماح هذا التوفز الدائم , وإخضاعها لهدف , وتعويدها الصبر وضبط الأعصاب . مع إشعار النفوس باستعلاء العقيدة على كل نزوة وعلى كل مغنم . ومن ثم كانت الدعوة إلى الصبر على الأذى متفقة مع منهج التربية الذي يهدف إلى التوازن في الشخصية الإسلامية , وتعليمها الصبر والثبات والمضي في الطريق .

فهذه الاعتبارات وأمثالها قد اقتضت سياسة المسالمة والصبر في مكة . مع تقرير الطابع الأساسي الدائم للجماعة المسلمةSadوالذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون). .

ويؤكد هذه القاعدة بوصفها قاعدة عامة في الحياة:

(وجزاء سيئة سيئة مثلها). .

فهذا هو الأصل في الجزاء . مقابلة السيئة بالسيئة , كي لا يتبجح الشر ويطغى , حين لا يجد رادعاً يكفه عن الإفساد في الأرض فيمضي وهو آمن مطمئن !

ذلك مع استحباب العفو ابتغاء أجر الله وإصلاح النفس من الغيظ , وإصلاح الجماعة من الأحقاد . وهو استثناء من تلك القاعدة . والعفو لا يكون إلا مع المقدرة على جزاء السيئة بالسيئة . فهنا يكون للعفو وزنه ووقعه في إصلاح المعتدي والمسامح سواء . فالمعتدي حين يشعر بأن العفو جاء سماحة ولم يجىء ضعفا يخجل ويستحيي , ويحس بأن خصمه الذي عفا هو الأعلى . والقوي الذي يعفو تصفو نفسه وتعلو . فالعفو عندئذ خير لهذا وهذا . ولا كذلك عند الضعف والعجز . وما يجوز أن يذكر العفو عند العجز . فليس له ثمة وجود . وهو شر يطمع المعتدي ويذل المعتدى عليه , وينشر في الأرض الفساد !

(إنه لا يحب الظالمين). .

وهذا توكيد للقاعدة الأولى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)من ناحية . وإيحاء بالوقوف عند رد المساءة أو العفو عنها . وعدم تجاوز الحد في الاعتداء , من ناحية أخرى .

وتوكيد آخر أكثر تفصيلا:

(ولمن انتصر بعد ظلمه , فأولئك ما عليهم من سبيل . إنما السبيل على الذين يظلمون الناس , ويبغون في الأرض بغير الحق . أولئك لهم عذاب أليم). .

فالذي ينتصر بعد ظلمه , ويجزي السيئة بالسيئة , ولا يعتدي , ليس عليه من جناح . وهو يزاول حقه المشروع . فما لأحد عليه من سلطان . ولا يجوز أن يقف في طريقه أحد . إنما الذين يجب الوقوف في طريقهم هم الذين يظلمون الناس , ويبغون في الأرض بغير الحق . فإن الأرض لا تصلح وفيها ظالم لا يقف له الناس ليكفوه ويمنعوه من ظلمه ; وفيها باغ يجور ولا يجد من يقاومه ويقتص منه . والله يتوعد الظالم الباغي بالعذاب الأليم . ولكن على الناس كذلك أن يقفوا له ويأخذوا عليه الطريق .

ثم يعود إلى التوازن والاعتدال وضبط النفس والصبر والسماحة في الحالات الفردية , وعند المقدرة على الدفع كما هو مفهوم ; وحين يكون الصبر والسماحة استعلاء لا استخذاء ; وتجملاً لا ذلاً:

(ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور). .

ومجموعة النصوص في هذه القضية تصور الاعتدال والتوازن بين الاتجاهين ; وتحرص على صيانة النفس من الحقد والغيظ , ومن الضعف والذل , ومن الجور والبغي , وتعلقها بالله ورضاه في كل حال . وتجعل الصبر

من الاية 44 الى الاية 47

وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ (47)

زاد الرحلة الأصيل .

ومجموعة صفات المؤمنين ترسم طابعاً مميزاً للجماعة التي تقود البشرية وترجو ما عند الله وهو خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . .

الدرس السابع:44 - 46 صورة لندم وخزي وعذاب الكفار في النار

وبعد تقرير صفة المؤمنين الذين يدخر الله لهم عنده ما هو خير وأبقى , يعرض في الصفحة المقابلة صورة الظالمين الضالين , وما ينتظرهم من ذل وخسران:

(ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده ; وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون:هل إلى مرد من سبيل ? وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل , ينظرون من طرف خفي , وقال الذين آمنوا:إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ; ألا إن الظالمين في عذاب مقيم , وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله , ومن يضلل الله فما له من سبيل). .

إن قضاء الله لا يرد , ومشيئته لا معقب عليها (ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده). . فإذا علم الله من حقيقة العبد أنه مستحق للضلال , فحقت عليه كلمة الله أن يكون من أهل الضلال , لم يكن له بعد ذلك من ولي يهديه من ضلاله , أو ينصره من جزاء الضلال الذي قدره الله . . والذي يعرض منه مشهداً في بقية الآية:

(وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون:هل إلى مرد من سبيل , وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل , ينظرون من طرف خفي). .

والظالمون كانوا طغاة بغاة , فناسب أن يكون الذل هو مظهرهم البارز في يوم الجزاء . إنهم يرون العذاب , فتتهاوى كبرياؤهم . ويتساءلون في انكسار: (هل إلى مرد من سبيل ?)في هذه الصيغة الموحية باليأس مع اللهفة , والانهيار مع التطلع إلى أي بارقة للخلاص ! وهم يعرضون على النار(خاشعين)لا من التقوى ولا من الحياء , ولكن من الذل والهوان ! وهم يعرضون منكسي الأبصار , لا يرفعون أعينهم من الذل والعار: (ينظرون من طرف خفي). . وهي صورة شاخصة ذليلة .

وفي هذا الوقت يبدو أن الذين آمنوا هم سادة الموقف ; فهم ينطقون ويقررون: (وقال الذين آمنوا:إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة). . وهم هؤلاء الذين خسروا كل شيء , والذين يقفون خاشعين من الذل يقولون:هل إلى مرد من سبيل ?

ويجيء التعليق العام على المشهد بياناً لمآل هؤلاء المعروضين على النار:

(ألا إن الظالمين في عذاب مقيم . وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله . ومن يضلل الله فما له من سبيل). .

فقد عدم النصير , وقد أغلق السبيل .

الدرس الثامن:47 - 50 دعوة إلى الإستجابة إلى الله وهو الواهب لمن يشاء

وفي ظل هذا المشهد يوجه الخطاب إلى المعاندين المكابرين , ليستجيبوا لربهم قبل أن يفجأهم مثل هذا المصير فلا يجدوا لهم ملجأ يقيهم , ولا نصيراً ينكر مصيرهم الأليم , ويوجه الرسول [ ص ] إلى التخلي عنهم إذا هم أعرضوا فلم يستجيبوا لهذا النذير ; فما عليه إلا البلاغ , وما هو مكلف بهم ولا كفيل:

(استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله , ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير . فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ). .

من الاية 48 الى الاية 50

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)

ثم يكشف عن طبيعة هذا الإنسان الذي يعارض ويعاند , ويعرض نفسه للأذى والعذاب , وهو لا يحتمل في نفسه الأذى ; وهو رقيق الاحتمال , يستطار بالنعمة , ويجزع من الشدة , ويتجاوز حده فيكفر من الضيق:

(وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها , وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور). .

ويعقب على هذا بأن نصيب هذا الإنسان من السراء والضراء ومن العطاء والحرمان كله بيد الله . فما لهذا الإنسان المحب للخير الجزوع من الشر , يبعد عن الله المالك لأمره في جميع الأحوال:

(لله ملك السماوات والأرض , يخلق ما يشاء , يهب لمن يشاء إناثاً , ويهب لمن يشاء الذكور . أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً , ويجعل من يشاء عقيماً , إنه عليم قدير). .

والذرية مظهر من مظاهر المنح والمنع والعطاء والحرمان ; وهي قريبة من نفس الإنسان ; والنفس شديدة الحساسية بها . فلمسها من هذا الجانب أقوى وأعمق . وقد سبق في السورة حديث عن الرزق بسطه وقبضه . فهذه تكملة في الرزق بالذرية . وهي رزق من عند الله كالمال .

والتقديم بأن لله ملك السماوات والأرض هو التقديم المناسب لكل جزئية بعد ذلك من توابع هذا الملك العام . وكذلك ذكر: (يخلق ما يشاء). . فهي توكيد للإيحاء النفسي المطلوب في هذا الموضع . ورد الإنسان , المحب للخير , إلى الله الذي يخلق ما يشاء مما يسرّ وما يسوء ومن عطاء أو حرمان .

ثم يفصل حالات العطاء والحرمان:فهو يهب لمن يشاء إناثاً [ وهم كانوا يكرهون الإناث ] ويهب لمن يشاء الذكور . ويهب لمن يشاء أزواجاً من هؤلاء وهؤلاء . ويحرم من يشاء فيجعله عقيماً [ والعقم يكرهه كل الناس ] . . وكل هذه الأحوال خاضعة لمشيئة الله . لا يتدخل فيها أحد سواه . وهو يقدرها وفق علمه وينفذها بقدرته: (إنه عليم قدير). .

الدرس التاسع:51 - 53 إثبات الوحي وصفته وطبيعة القرآن

وفي ختام السورة يعود السياق إلى الحقيقة الأولى التي تدور عليها السورة . حقيقة الوحي والرسالة . يعود إلى هذه الحقيقة ليكشف عن طبيعة هذا الاتصال بين الله والمختارين من عباده , وفي أية صورة يكون . ويؤكد أنه قد وقع فعلا إلى الرسول الأخير [ ص ] لغاية يريدها الله سبحانه . ليهدي من يشاء إلى صراط مستقيم:

(وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب , أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليّ حكيم . وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا , ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان , ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا , وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض . ألا إلى الله تصير الأمور). .

ويقطع هذا النص بأنه ليس من شأن إنسان أن يكلمه الله مواجهة . وقد روي عن عائشة رضى الله عنها:" من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية " إنما يتم كلام الله للبشر بواحدة من ثلاثSadوحيا)يلقى في النفس مباشرة فتعرف أنه من الله , (أو من وراء حجاب). . كما كلم الله موسى - عليه السلام - وحين طلب الرؤية لم يجب إليها , ولم يطق تجلي الله على الجبل (وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال:سبحانك

من الاية 51 الى الاية 51

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)

تبت إليك وأنا أول المؤمنين). . (أو يرسل رسولاً)وهو الملك (فيوحي بإذنه ما يشاء)بالطرق التي وردت عن رسول الله - [ ص ] .

الأولى:ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه كما قال [ ص ]:" إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها , فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " . . والثانية:أنه كان [ ص ] يتمثل له الملك رجلاً , فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول . والثالثة:أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس , وكان أشده عليه , حتى إن جبينه ليتفصد عرقاً في اليوم الشديد البرد , وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إن كان راكبها , ولقد جاء الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها . والرابعة:أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها , فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه . وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في سورة النجم .

هذه صور الوحي وطرق الاتصال . . (إنه علي حكيم). . يوحي من علو , ويوحي بحكمة إلى من يختار . .

وبعد فإنه ما من مرة وقفت أمام آية تذكر الوحي أو حديث , لأتأمل هذا الاتصال إلا أحسست له رجفة في أوصالي . . كيف ? كيف يكون هذا الاتصال بين الذات الأزلية الأبدية التي ليس لها حيز في المكان ولا حيز في الزمان , المحيطة بكل شيء , والتي ليس كمثلها شيء . كيف يكون هذا الاتصال بين هذه الذات العلية وذات إنسان متحيزة في المكان والزمان , محدودة بحدود المخلوقات , من أبناء الفناء ?! ثم كيف يتمثل هذا الاتصال معاني وكلمات وعبارات ?

وكيف تطيق ذات محدودة فانية أن تتلقى كلام الله الأزلي الأبدي الذي لا حيز له ولا حدود ? ولا شكل له معهود ?

وكيف ? وكيف ? . .

ولكني أعود فأقول:وما لك تسأل عن كيف ? وأنت لا تملك أن تتصور إلا في حدود ذاتك المتحيزة القاصرة الفانية ?! لقد وقعت هذه الحقيقة وتمثلت في صورة . وصار لها وجود هو الذي تملك أن تدركه من وجود .

ولكن الوهلة والرجفة والروعة لا تزول ! إن النبوة هذه أمر عظيم حقاً . وإن لحظة التلقي هذه لعظيمة حقاً . تلقي الذات الإنسانية لوحي من الذات العلوية . . أخي الذي تقرأ هذه الكلمات , أأنت معي في هذا التصور ?! أأنت معي تحاول أن تتصور ?! هذا الوحي الصادر من هناك . أأقول:هناك ?! كلا . إنه ليس هناك "هناك" ! الصادر من غير مكان ولا زمان , ولا حيز ولا حد ولا جهة ولا ظرف . الصادر من المطلق النهائي , الأزلي الأبدي , الصادر من الله ذي الجلال إلى إنسان . . إنسان مهما يكن نبياً رسولاً , فإنه هو هذا الإنسان ذو الحدود والقيود . . هذا الوحي . هذا الاتصال العجيب . المعجز . الذي لا يملك إلا الله أن يجعله واقعة تتحقق , ولا يعرف إلا الله كيف يقع ويتحقق . . أخي الذي تقرأ هذه الكلمات . هل تحس ما أحس من وراء هذه العبارات المتقطعة التي أحاول أن أنقل بها ما يخالج كياني كله ? إنني لا أعرف ماذا أقول عما يخالج كياني كله من الروعة والرجفة وأنا أحاول أن أتصور ذلك الحدث العظيم العجيب الخارق في طبيعته , والخارق في صورته , الذي حدث مرات ومرات . وأحس بحدوثه ناس رأوا مظاهره رأي العين , على عهد رسول الله [ ص ]

من الاية 52 الى آخر السورة

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ (53)

وهذه عائشة رضي الله عنها تشهد من هذه اللحظات العجيبة في تاريخ البشرية فتروي عن واحدة منها تقول:" قال رسول الله [ ص ]:" يا عائشة . هذا جبريل يقرئك السلام " قلت:وعليه السلام ورحمة الله . قالت:وهو يرى ما لا نرى " . وهذا زيد بن ثابت - رضي الله عنه - يشهد مثل هذه اللحظة وفخذ رسول الله [ ص ] على فخذه , وقد جاءه الوحي فثقلت حتى كادت ترض فخذه . وهؤلاء هم الصحابة - رضوان الله عليهم - في مرات كثيرة يشهدون هذا الحادث ويعرفونه في وجه الرسول [ ص ] فيدعونه للوحي حتى يسرى عنه , فيعود إليهم ويعودون إليه . . . .

ثم . . أية طبيعة . طبيعة هذه النفس التي تتلقى ذلك الاتصال العلوي الكريم ? أي جوهر من جواهر الأرواح ذلك الذي يتصل بهذا الوحي , ويختلط بذلك العنصر , ويتسق مع طبيعته وفحواه ?

إنها هي الأخرى مسألة ! إنها حقيقة . ولكنها تتراءى هنالك بعيداً على أفق عال ومرتقى صاعد , لا تكاد المدارك تتملاه .

روح هذا النبي [ ص ] روح هذا الإنسان . كيف يا ترى كانت تحس بهذه الصلة وهذا التلقي ? كيف كانت تتفتح ? كيف كان ينساب فيها ذلك الفيض ? كيف كانت تجد الوجود في هذه اللحظات العجيبة التي يتجلى فيها الله على الوجود ; والتي تتجاوب جنباته كلها بكلمات الله ?

ثم . . أية رعاية ? وأية رحمة ? وأية مكرمة ? . . والله العلي الكبير يتلطف فيعنى بهذه الخليقة الضئيلة المسماة بالإنسان . فيوحي إليها لإصلاح أمرها , وإنارة طريقها , ورد شاردها . . وهي أهون عليه من البعوضة على الإنسان , حين تقاس إلى ملكه الواسع العريض ? .

إنها حقيقة . ولكنها أعلى وأرفع من أن يتصورها الإنسان إلا تطلعاً إلى الأفق السامق الوضيء:

(وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان . ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا . وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض . ألا إلى الله تصير الأمور).

(وكذلك). بمثل هذه الطريقة , وبمثل هذا الاتصال . (أوحينا إليك). . فالوحي تم بالطريقة المعهودة , ولم يكن أمرك بدعا . أوحينا إليك (روحاً من أمرنا). . فيه حياة , يبث الحياة ويدفعها ويحركها وينميها في القلوب وفي الواقع العملي المشهود . (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان). . هكذا يصور نفس رسول الله [ ص ] وهو أعلم بها , قبل أن تتلقى هذا الوحي . وقد سمع رسول الله [ ص ] عن الكتاب وسمع عن الإيمان , وكان معروفاً في الجزيرة العربية أن هناك أهل كتاب فيمن معهم , وأن لهم عقيدة , فليس هذا هو المقصود . إنما المقصود هو اشتمال القلب على هذه الحقيقة والشعور بها والتأثر بوجودها في الضمير . وهذا ما لم يكن قبل هذا الروح من أمر الله الذي لابس قلب محمد - عليه صلوات الله .

(ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء). . وهذه طبيعته الخالصة . طبيعة هذا الوحي . هذا الروح . هذا الكتاب . إنه نور . نور تخالط بشاشته القلوب التي يشاء لها الله أن تهتدي به , بما يعلمه من حقيقتها , ومن مخالطة هذا النور لها .

(وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم). . وهناك توكيد على تخصيص هذه المسألة , مسألة الهدى , بمشيئة الله سبحانه , وتجريدها من كل ملابسة , وتعليقها بالله وحده يقدرها لمن يشاء بعلمه الخاص , الذي لا يعرفه سواه ; والرسول [ ص ] واسطة لتحقيق مشيئة الله , فهو لا ينشى ء الهدى في القلوب ; ولكن يبلغ الرسالة , فتقع مشيئة الله .

(وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض). . فهي الهداية إلى طريق الله , الذي تلتقي عنده المسالك . لأنه الطريق إلى المالك , الذي له ما في السماوات وما في الأرض ; فالذي يهتدي إلى طريقه يهتدي إلى ناموس السماوات والأرض , وقوى السماوات والأرض , ورزق السماوات والأرض , واتجاه السماوات والأرض إلى مالكها العظيم . الذي إليه تتجه , والذي إليه تصير:

(ألا إلى الله تصير الأمور). .

فكلها تنتهي إليه , وتلتقي عنده , وهو يقضي فيها بأمره .

وهذا النور يهدي إلى طريقه الذي اختار للعباد أن يسيروا فيه , ليصيروا إليه في النهاية مهتدين طائعين .

وهكذا تنتهي السورة التي بدأت بالحديث عن الوحي . وكان الوحي محورها الرئيسي . وقد عالجت قصة الوحي منذ النبوات الأولى . لتقرر وحدة الدين , ووحدة المنهج , ووحدة الطريق . ولتعلن القيادة الجديدة للبشرية ممثلة في رسالة محمد [ ص ] وفي العصبة المؤمنة بهذه الرسالة . ولتكل إلى هذه العصبة أمانة القيادة إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض . ولتبين خصائص هذه العصبة وطابعها المميز , الذي تصلح به للقيادة , وتحمل به هذه الأمانة . الأمانة التي تنزلت من السماء إلى الأرض عن ذلك الطريق العجيب العظيم . .

الوحدة الأولى:1 - 25 الموضوع:حقائق حول الوحي والرسالة والوحدانية ونقاش المشركين

سورة الزخرف

بسم الله الرحمن الرحيم

كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى