منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير الزمر ايه 47 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير الزمر ايه 47 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب Empty تفسير الزمر ايه 47 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الأربعاء يونيو 13, 2012 5:10 am

من الاية 47 الى الاية 49

وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (48) فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)

على الغائب والحاضر , والباطن والظاهر . (أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون). . فهو وحده الحكم يوم يرجعون إليه . وهم لا بد راجعون .

الدرس الخامس:47 - 48 مفاجأة الكفار بالعذاب في الآخرة

وبعد هذا التلقين يعرض حالهم المفزعة يوم يرجعون للحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون:

ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة , وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون . وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون . .

إنه الهول الملفوف في ثنايا التعبير الرهيب . فلو أن لهؤلاء الظالمين - الظالمين بشركهم وهو الظلم العظيم - لو أن لهؤلاء (ما في الأرض جميعاً). . مما يحرصون عليه وينأون عن الإسلام اعتزازاً به . (ومثله معه). . لقدموه فدية مما يرون من سوء العذاب يوم القيامة . .

وهول آخر يتضمنه التعبير الملفوف: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون). .

ولا يفصح عما بدا لهم من الله ولم يكونوا يتوقعونه . لا يفصح عنه ولكنه هكذا هائل مذهل مخيف . . فهو الله . الله الذي يبدو منه لهؤلاء الضعاف ما لا يتوقعون ! هكذا بلا تعريف ولا تحديد ! .

وبدا لهم سيئات ما كسبوا , وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون . .

وهذه كذلك تزيد الموقف سوءاً . حين يتكشف لهم قبح ما فعلوا وحين يحيط بهم ما كانوا به يستهزئون من الوعيد والنذير . وهم في ذلك الموقف الأليم الرعيب . .

الدرس السادس:49 - 52 لجوء الكفار إلى الله عند الشدة وتعذيبهم لكفرهم

وبعد هذا المشهد المعترض لبيان حالهم يوم يرجعون إلى الله الذي به يشركون , والذي تشمئز قلوبهم حين يذكر وحده , وتستبشر حينما تذكر آلهتهم المدعاة . بعد هذا يعود إلى تصوير حالهم العجيب . فهم ينكرون وحدانية الله . فأما حين يصيبهم الضر فهم لا يتوجهون إلا له وحده ضارعين منيبين . حتى إذا تفضل عليهم وأنعم راحوا يتبجحون وينكرون:

(فإذا مس الإنسان ضر دعانا . ثم إذا خولناه نعمة منا , قال:إنما أوتيته على علم . بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون). .

والآية تصور نموذجاً مكرراً للإنسان , ما لم تهتد فطرته إلى الحق , وترجع إلى ربها الواحد , وتعرف الطريق إليه , فلا تضل عنه في السراء والضراء .

إن الضر يسقط عن الفطرة ركام الأهواء والشهوات , ويعريها من العوامل المصطنعة التي تحجب عنها الحق الكامن فيها وفي ضمير هذا الوجود . فعندئذ ترى الله وتعرفه وتتجه إليه وحده . حتى إذا مرت الشدة وجاء الرخاء , نسي هذا الإنسان ما قاله في الضراء , وانحرفت فطرته بتأثير الأهواء . وقال عن النعمة والرزق والفضل: (إنما أوتيته على علم). . قالها قارون , وقالها كل مخدوع بعلم أو صنعة أو حيلة يعلل بها ما اتفق له من مال أو سلطان . غافلاً عن مصدر النعمة , وواهب العلم والقدرة , ومسبب الأسباب , ومقدر الأرزاق .

(بل هي فتنة . ولكن أكثرهم لا يعلمون). .

هي فتنة للاختبار والامتحان . ليتبين إن كان سيشكر أو سيكفر ; وإن كان سيصلح بها أم سيفسد ; وإن كان سيعرف الطريق أم يجنح إلى الضلال .
من الاية 50 الى الاية 52

قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)

والقرآن - رحمة بالعباد - يكشف لهم عن السر , وينبههم إلى الخطر , ويحذرهم الفتنة . فلا حجة لهم ولا عذر بعد هذا البيان .

وهو يلمس قلوبهم بعرض مصارع الغابرين قبلهم . مصارعهم بمثل هذه الكلمة الضالة التي يقولها قائلهم: (إنما أوتيته على علم). .

(قد قالها الذين من قبلهم , فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون . فأصابهم سيئات ما كسبوا . والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين). .

هي ذاتها هذه الكلمة الضالة قالها الذين من قبلهم , فانتهت بهم إلى السوء والوبال . ولم يغن عنهم علمهم ولا مالهم ولا قوتهم شيئاً . وهؤلاء سيصيبهم ما أصاب الغابرين . فسنة الله لا تتبدل (وما هم بمعجزين). . فالله لا يعجزه خلقه الضعاف المهازيل !

فأما ما أعطاهم الله من نعمة , وما وهبهم من رزق , فإنه يتبع إرادة الله وفق حكمته وتقديره في بسط الرزق وقبضه , ليبتلي عباده , ولينفذ مشيئته كما يريد:

أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ? إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون . . فلا يجعلوا آيات الله سبباً في الكفر والضلال . وهي جاءت للهدى والإيمان . .

الوحدة السابعة:53 - 61 الموضوع:دعوة العصاة للتوبة قبل حلول عذاب الآخرة

ولما صور الله الحال المفزعة التي يكون عليها الظالمون يوم القيامة في قوله: ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة , وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون , وبدا لهم سيئات

الزمر

من الاية 53 الى الاية 54

قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54)

ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون). . عاد يفتح أبواب رحمته على مصاريعها بالتوبة . ويطمع في رحمته ومغفرته أهل المعاصي مهما يكونوا قد أسرفوا في المعصية . ويدعوهم إلى الأوبة إليه غير قانطين ولا يائسين . ومع الدعوة إلى الرحمة والمغفرة صورة ما ينتظرهم لو لم يئوبوا ويتوبوا , ولو لم ينتهزوا هذه الفرصة المتاحة قبل إفلاتها وفوات الأوان . .

الدرس الأول:53 - 59 دعوة إلى التوبة والإستقامة قبل الندم يوم القيامة

(قل:يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . إن الله يغفر الذنوب جميعاً . إنه هو الغفور الرحيم). .

إنها الرحمة الواسعة التي تسع كل معصية . كائنة ما كانت وإنها الدعوة للأوبة . دعوة العصاة المسرفين الشاردين المبعدين في تيه الضلال . دعوتهم إلى الأمل والرجاء والثقة بعفو الله . إن الله رحيم بعباده . وهو يعلم ضعفهم وعجزهم . ويعلم العوامل المسلطة عليهم من داخل كيانهم ومن خارجه . ويعلم أن الشيطان يقعد لهم كل مرصد . ويأخذ عليهم كل طريق . ويجلب عليهم بخيله ورجله . وأنه جاد كل الجد في عمله الخبيث ! ويعلم أن بناء هذا المخلوق الإنساني بناء واه . وأنه مسكين سرعان ما يسقط إذا أفلت من يده الحبل الذي يربطه والعروة التي تشده . وأن ما ركب في كيانه من وظائف ومن ميول ومن شهوات سرعان ما ينحرف عن التوازن فيشط به هنا أو هناك ; ويوقعه في المعصية وهو ضعيف عن الاحتفاظ بالتوازن السليم . .

يعلم الله - سبحانه - عن هذا المخلوق كل هذا فيمد له في العون ; ويوسع له في الرحمة ; ولا يأخذه بمعصيته حتى يهيىء له جميع الوسائل ليصلح خطأه ويقيم خطاه على الصراط . وبعد أن يلج في المعصية , ويسرف في الذنب , ويحسب أنه قد طرد وانتهى أمره , ولم يعد يقبل ولا يستقبل . في هذه اللحظة لحظة اليأس والقنوط , يسمع نداء الرحمة الندي اللطيف:

قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . إن الله يغفر الذنوب جميعاً . إنه هو الغفور الرحيم . .

وليس بينه - وقد أسرف في المعصية , ولج في الذنب , وأبق عن الحمى , وشرد عن الطريق - ليس بينه وبين الرحمة الندية الرخية , وظلالها السمحة المحيية . ليس بينه وبين هذا كله إلا التوبة . التوبة وحدها . الأوبة إلى الباب المفتوح الذي ليس عليه بواب يمنع , والذي لا يحتاج من يلج فيه إلى استئذان:

(وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون . واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون). .

الإنابة . والإسلام . والعودة إلى أفياء الطاعة وظلال الاستسلام . . هذا هو كل شيء . بلا طقوس ولا مراسم ولا حواجز ولا وسطاء ولا شفعاء !

إنه حساب مباشر بين العبد والرب . وصلة مباشرة بين المخلوق والخالق . من أراد الأوبة من الشاردين فليؤب . ومن أراد الإنابة من الضالين , فلينب . ومن أراد الاستسلام من العصاة فليستسلم . وليأت . . ليأت وليدخل فالباب مفتوح . والفيء والظل والندى والرخاء:كله وراء الباب لا حاجب دونه ولا حسيب !

وهيا . هيا قبل فوات الأوان . هيا (من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون). . فما هنالك من نصير . هيا فالوقت غير مضمون . وقد يفصل في الأمر وتغلق الأبواب في أية لحظة من لحظات الليل والنهار . هيا .

من الاية 55 الى الاية 61

وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)

(واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم). . وهو هذا القرآن بين أيديكم . . (من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون). .

هيا قبل أن تتحسروا على فوات الفرصة , وعلى التفريط في حق الله , وعلى السخرية بوعد الله:

أن تقول نفس:يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله . وإن كنت لمن الساخرين . .

أو تقول إن الله كتب عليَّ الضلال ولو كتب عليَّ الهدى لاهتديت واتقيتSadأو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين). .

وهي علالة لا أصل لها . فالفرصة ها هي ذي سانحة , ووسائل الهدى ما تزال حاضرة . وباب التوبة ها هو ذا مفتوح !

(أو تقول حين ترى العذاب:لو أن لي كرة فأكون من المحسنين). .

وهي أمنية لا تنال . فإذا انتهت هذه الحياة فلا كرة ولا رجوع . وها أنتم أولاء في دار العمل . وهي فرصة واحدة إذا انقضت لا تعود . وستسألون عنها مع التبكيت والترذيل:

(بلى . قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين)!

الدرس الثاني:60 - 61 سواد وجوه الكفار ونجاة المؤمنين في الآخرة

ثم يمضي السياق وقد وصل بالقلوب والمشاعر إلى ساحة الآخرة . . يمضي في عرض مشهد المكذبين والمتقين , في ذلك الموقف العظيم:

(ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة . أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ? وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم , لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون). .

وهذا هو المصير الأخير . فريق مسود الوجوه من الخزي , ومن الكمد , ومن لفح الجحيم . هو فريق المتكبرين في هذه الأرض , الذين دعوا إلى الله , وظلت الدعوة قائمة حتى بعد الإسراف في المعصية , فلم يلبوا هاتف النجاة . فهم اليوم في خزي تسود له الوجوه . وفريق ناج فائز لا يمسه السوء ولا يخالطه الحزن . هو فريق المتقين , الذين عاشوا في حذر من الآخرة , وفي طمع في رحمة الله . فهم اليوم يجدون النجاة والفوز والأمن والسلامة: لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون . .

ومن شاء بعد هذا فليلب النداء إلى الرحمة الندية الظليلة وراء الباب المفتوح . ومن شاء فليبق في إسرافه وفي شروره حتى يأخذهم العذاب وهم لا يشعرون !

الوحدة الثامنة:62 - 75 الموضوع:الله الخالق المالك ومشهد حشر الزمر يوم القيامة مقدمة الوحدة

هذا القطاع الأخير في السورة , يعرض حقيقة التوحيد من جانب وحدانية الخالق الذي خلق كل شيء , المالك المتصرف في كل شيء . فتبدو دعوة المشركين للنبي [ ص ] إلى مشاركتهم عبادة آلهتهم في مقابل أن يشاركوه عبادة إلهه ! تبدو هذه الدعوة مستغربة , والله هو خالق كل شيء , وهو المتصرف في ملكوت السماوات والأرض بلا شريك . فأنى يعبد معه غيره , وله وحده مقاليد السماوات والأرض ?!

(وما قدروا الله حق قدره)وهم يشركون به وهو وحده المعبود القادر القاهر (والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه). . وبمناسبة تصوير هذه الحقيقة على هذا النحو يوم القيامة يعرض مشهداً فريداً من مشاهد القيامة , ينتهي بموقف الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم , وينطق الوجود كله بحمده: (وقيل الحمد لله رب العالمين). . فتكون هذه هي كلمة الفصل في حقيقة التوحيد .

من الاية 62 الى الاية 67

اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)

الدرس الأول:62 - 63 الله الخالق المالك

(الله خالق كل شيء , وهو على كل شيء وكيل . له مقاليد السماوات والأرض . والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون). .

إنها الحقيقة التي ينطق بها كل شيء . فما يملك أحد أن يدعي أنه خلق شيئاً . وما يملك عقل أن يزعم أن هذا الوجود وجد من غير مبدع . وكل ما فيه ينطق بالقصد والتدبير ; وليس أمر من أموره متروكاً لقى أو للمصادفة من الصغير إلى الكبير: (وهو على كل شيء وكيل). . وإلى الله قياد السماوات والأرض . فهو يصرفها وفق ما يريد ; وهي تسير وفق نظامه الذي قدره ; وما تتدخل إرادة غير إرادته في تصريفها , على ما تشهد الفطرة , وينطق الواقع , ويقر العقل والضمير .

(والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون). .

خسروا الإدراك الذي يجعل حياتهم في الأرض متسقة مع حياة الكون كله ; وخسروا راحة الهدى وجمال الإيمان وطمأنينة الاعتقاد وحلاوة اليقين . وخسروا في الآخرة أنفسهم وأهليهم . فهم الخاسرون الذين ينطبق عليهم لفظ(الخاسرون)!

الدرس الثاني:64 - 65 عبادة الله وشكره والنهي عن عبادة غيره

وعلى ضوء هذه الحقيقة التي تنطق بها السماوات والأرض , ويشهد بها كل شيء في الوجود , يلقن الرسول [ ص ] استنكار ما يعرضونه عليه من مشاركتهم عبادة آلهتهم في مقابل أن يعبدوا معه إلهه . كأن الأمر أمر صفقة يساوم عليها في السوق !

(قل:أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ?). .

وهو الاستنكار الذي تصرخ به الفطرة في وجه هذا العرض السخيف الذي ينبىء عن الجهل المطلق المطبق المطموس .

ويعقب عليه بتحذير من الشرك . يبدأ أول ما يبدأ بالأنبياء والمرسلين . وهم - صلوات الله عليهم - لا يتطرق إلى قلوبهم طائف الشرك أبداً . ولكن التحذير هنا ينبه سواهم من أقوامهم إلى تفرد ذات الله سبحانه في مقام العبادة , وتوحد البشر في مقام العبودية , بما فيهم الأنبياء والمرسلون:

(ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك:لئن أشركت ليحبطن عملك , ولتكونن من الخاسرين). .

ويختم هذا التحذير من الشرك بالأمر بالتوحيد . توحيد العبادة والشكر على الهدى واليقين , وعلى آلاء الله التي تغمر عباده , ويعجزون عن إحصائها , وهم فيها مغمورون:

(بل الله فاعبد وكن من الشاكرين). .

الدرس الثالث:67 مثال مصور لملكية الله لكل شيء

(وما قدروا الله حق قدره). .

نعم . ما قدروا الله حق قدره , وهم يشركون به بعض خلقه . وهم لا يعبدونه حق عبادته . وهم لا يدركون وحدانيته وعظمته . وهم لا يستشعرون جلاله وقوته .

ثم يكشف لهم عن جانب من عظمة الله وقوته . على طريقة التصوير القرآنية , التي تقرب للبشر الحقائق الكلية في صورة جزئية , يتصورها إدراكهم المحدود:

(والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة . والسماوات مطويات بيمينه . سبحانه وتعالى عما يشركون). .

من الاية 68 الى الاية 73

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)

وكل ما يرد في القرآن وفي الحديث من هذه الصور والمشاهد إنما هو تقريب للحقائق التي لا يملك البشر إدراكها بغير أن توضع لهم في تعبير يدركونه , وفي صورة يتصورونها . ومنه هذا التصوير لجانب من حقيقة القدرة المطلقة , التي لا تتقيد بشكل , ولا تتحيز في حيز , ولا تتحدد بحدود .

الدرس الرابع:68 - 74 حشر الناس زمرا يوم القيامة

ثم يأخذ في مشهد من مشاهد القيامة يبدأ بالنفخة الأولى , وينتهي بانتهاء الموقف , وسوق أهل النار إلى النار . وأهل الجنة إلى الجنة . وتفرد الله ذي الجلال . وتوجه الوجود لذاته بالتسبيح والتحميد .

وهو مشهد رائع حافل , يبدأ متحركاً , ثم يسير وئيداً , حتى تهدأ كل حركة , وتسكن كل نأمة , ويخيم على ساحة العرض جلال الصمت , ورهبة الخشوع , بين يدي الله الواحد القهار !

ها هي ذي الصيحة الأولى تنبعث , فيصعق من يكون باقياً على ظهر الأرض من الأحياء , ومن في السماوات كذلك - إلا من شاء الله - ولا نعلم كم يمضي من الوقت حتى تنبعث الصيحة الثانية:

(ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله . ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون). .

ولا تذكر الصيحة الثالثة هنا . صيحة الحشر والتجميع . ولا تصور ضجة الحشر وعجيج الزحام . لأن هذا المشهد يرسم هنا في هدوء , ويتحرك في سكون .

(وأشرقت الأرض بنور ربها). .

أرض الساحة التي يتم فيها الاستعراض . ونور ربها الذي لا نور غيره في هذا المقام . .

(ووضع الكتاب). . الحافظ لأعمال العباد . .

(وجيء بالنبيين والشهداء). . ليقولوا كلمة الحق التي يعلمون . . وطوي كل خصام وجدال - في هذ المشهد - تنسيقاً لجوه مع الجلال والخشوع الذي يسود الموقف العام:

(وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون . ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون). .

فلا حاجة إلى كلمة تقال , ولا إلى صوت واحد يرتفع . ومن ثم تجمل وتطوى عملية الحساب والسؤال والجواب التي تعرض في مشاهد أخرى . لأن المقام هنا مقام روعة وجلال .

(وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً). (حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها). .

واستقبلهم خزنتها يسجلون استحقاقهم لها ويذكرونهم بأسباب مجيئهم إليها:

(وقال لهم خزنتها:ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا)?

(قالوا:بلى . ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين). .

فالموقف موقف إذعان وتسليم . لا موقف مخاصمة ولا مجادلة . وهم مقرون مستسلمون !

(قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها . فبئس مثوى المتكبرين)!

ذلك ركب جهنم ركب المتكبرين . فكيف ركب الجنة ? ركب المتقين ?

من الاية 74 الى آخر السورة

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)

(وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا . حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها . وقال لهم خزنتها:سلام عليكم . طبتم . فادخلوها خالدين). .

فهو الاستقبال الطيب . والثناء المستحب . وبيان السبب .(طبتم)وتطهرتم . كنتم طيبين . وجئتم طيبين . فما يكون فيها إلا الطيب . وما يدخلها إلا الطيبون . وهو الخلود في ذلك النعيم . .

هنا تهينم أصوات أهل الجنة بالتسبيح والتحميد:

(وقالوا:الحمد لله . الذي صدقنا وعده , وأورثنا الأرض , نتبوأ من الجنة حيث نشاء). فهذه هي الأرض التي تستحق أن تورث . وهم يسكنون فيها حيث شاءوا وينالون منها الذي يريدون .

(فنعم أجر العاملين). .

ثم يختم المشهد بما يغمر النفس بالروعة والرهبة والجلال , وما يتسق مع جو المشهد كله وظله , وما يختم سورة التوحيد أنسب ختام ; والوجود كله يتجه إلى ربه بالحمد ; في خشوع واستسلام . وكلمة الحمد ينطق بها كل حي وكل موجود في استسلام:

(وترى الملائكة حافين من حول العرش , يسبحون بحمد ربهم , وقضي بينهم بالحق , وقيل:الحمد لله رب العالمين). .

الوحدة الأولى:1 - 20 الموضوع:خضوع الكون والمخلوقات لله وتهديد الكفار بالله

سورة غافر

بسم الله الرحمن الرحيم
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى