منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير الاحزاب ايه 63 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير الاحزاب ايه 63 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب Empty تفسير الاحزاب ايه 63 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الثلاثاء يونيو 12, 2012 10:59 pm

من الاية 63 الى الاية 64

يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64)

الوحدة السادسة:63 - 73 الموضوع:مشاهد من القيامة ومبدأ الأمانة وحقيقة الحساب والجزاء والعقاب مقدمة الوحدة

في هذا الدرس الأخير من السورة حديث عن سؤال الناس عن الساعة , واستعجالهم بها , وشكهم فيها . وجواب عن هذا السؤال يدع أمرها إلى الله , مع تحذيرهم من قربها , واحتمال أن تأخذهم على غرة أخذا سريعا . ثم يعرض السياق مشهدا من مشاهد الساعة لا يسر المستعجلين بها , يوم تقلب وجوههم في النار . ويوم يندمون على عدم طاعة الله ورسوله . ويوم يطلبون لسادتهم وكبرائهم ضعفين من العذاب . وهو مشهد مفجع لا يستعجل به مستعجل . . ثم يعود بهم من هذا المشهد في الاخرة إلى هذه الأرض مرة أخرى ! يعود ليحذر الذين آمنوا أن يكونوا كقوم موسى الذين آذوه واتهموه فبرأه الله مما قالوا - ويبدو أن هذا كان ردا على أمر واقع . ربما كان هو حديث بعضهم عن زواج الرسول [ ص ] بزينب , ومخالفته لمألوف العرب - ويدعو المؤمنين أن يقولوا قولا سديدا بعيدا عن اللمز والعيب . ليصلح الله لهم أعمالهم ويغفر لهم ذنوبهم . ويحببهم في طاعة الله ورسوله ويعدهم عليها الفوز العظيم .

ويختم السورة بالإيقاع الهائل العميق . عن الأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والأرض والجبال , وحملها الإنسان , وهي ضخمة هائلة ساحقة . ذلك ليتم تدبير الله في ترتيب الجزاء على العمل , ومحاسبة الإنسان على ما رضي لنفسه واختارSadليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما). .

الدرس الأول:63 علم الساعة عند الله

(يسألك الناس عن الساعة . قل:إنما علمها عند الله . وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا). .

وقد كانوا ما يفتأون يسألون النبي [ ص ] عن الساعة التي حدثهم عنها طويلا ; وخوفهم بها طويلا ; ووصف القرآن مشاهدها حتى لكأن قارئه يراها . يسألونه عن موعدها ; ويستعجلون هذا الموعد ; ويحمل هذا الاستعجال معنى الشك فيها , أو التكذيب بها , أو السخرية منها , بحسب النفوس السائلة , وقربها من الإيمان أو بعدها .

والساعة غيب قد اختص به الله سبحانه , ولم يشأ أن يطلع عليه أحدا من خلقه جميعا , بما فيهم الرسل والملائكة المقربون . وفي حديث حقيقة الإيمان والإسلام:عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال:حدثني أبي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال:بينما نحن جلوس عند رسول الله [ ص ] إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثوب , شديد سواد الشعر , لا يرى عليه أثر السفر , ولا يعرفه منا أحد , حتى جلس إلى رسول الله [ ص ] فأسند ركبتيه إلى ركبتيه , ووضع كفيه على فخذيه وقال:يا محمد أخبرني عن الإسلام . فقال:" الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله , وأن محمدا عبده ورسوله , وتقيم الصلاة , وتؤتي الزكاة , وتصوم رمضان , وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " . قال:صدقت ! فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال:فأخبرني عن الإيمان . قال:" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , وتؤمن بالقدر خيره وشره " . قال:صدقت ! قال:فأخبرني عن الإحسان . قال:" أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك " . قال:فأخبرني عن الساعة . قال:" ما المسؤول عنها بأعلم من السائل . . " الخ . ثم قال رسول الله [ ص ] " فإنه جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم " .

فالمسؤول رسول الله [ ص ] والسائل - جبريل عليه السلام - كلاهما لا يعلم علم الساعة (قل:إنما علمها عند الله). . على وجه الاختصاص والتفرد من دون عباد الله .

قدر الله هذا لحكمة يعلمها , نلمح طرفا منها , في ترك الناس على حذر من أمرها , وفي توقع دائم لها , وفي استعداد مستمر لفجأتها . ذلك لمن أراد الله له الخير , وأودع قلبه التقوى . فأما الذين يغفلون عن الساعة , ولا يعيشون في كل لحظة على أهبة للقائها , فأولئك الذين يختانون أنفسهم , ولا يقونها من النار . وقد بين الله لهم وحذرهم وأنذرهم , وجعل الساعة غيبا مجهولا متوقعا في أية لحظة من لحظات الليل والنهار: (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا). .

الدرس الثاني:64 - 68 مشهد للأتباع والمتبوعين يوم القيامة

إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا , خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا , يوم تقلب وجوهم في النار , يقولون:يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا . وقالوا:ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا , فأضلونا السبيلا . ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا . .

إنهم يسألون عن الساعة . فهذا مشهد من مشاهد الساعة:

(إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا). .

إن الله طرد الكافرين من رحمته , وهيأ لهم نارا مسعرة متوقدة , فهي معدة جاهزة حاضرة .

(خالدين فيها أبدا). .

من الاية 65 الى الاية 68

خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68)

باقين فيها عهدا طويلا , لا يعلم مداه إلا الله ; ولا نهاية له إلا في علم الله , حيث يشاء الله . وهم مجردون من كل عون , محرومون من كل نصير , فلا أمل في الخلاص من هذا السعير , بمعونة من ولي ولا نصير:

(لا يجدون وليا ولا نصيرا). .

أما مشهدهم في هذا العذاب فهو مشهد بائس أليم:

(يوم تقلب وجوههم في النار). .

والنار تغشاهم من كل جهة , فالتعبير على هذا النحو يراد به تصوير الحركة وتجسيمها , والحرص على أن تصل النار إلى كل صفحة من صفحات وجوههم زيادة في النكال !

(يقولون:يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا). .

وهي أمنية ضائعة , لا موضع لها ولا استجابة , فقد فات الأوان . إنما هي الحسرة على ما كان !

ثم تنطلق من نفوسهم النقمة على سادتهم وكبرائهم , الذين أضلوهم , وبالإنابة إلى الله وحده , حيث لا تنفع الإنابة:

(وقالوا:ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا . ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا). . هذه هي الساعة . ففيم السؤال عنها ? إن العمل لها هو المخلص الوحيد من ذا المصير المشؤوم فيها !

الدرس الثالث:69 - 71 نهي المؤمنين عن إيذاء الرسول وتوجيههم إلى طاعته

ويبدو أن زواج الرسول [ ص ] من زينب بنت جحش - رضي الله عنها - مخالفا في ذلك عرف الجاهلية الذي تعمد الإسلام أن يبطله بهذه السابقة العملية . يبدو أن هذا الزواج لم يمر بسهولة ويسر ; وأنه قد انطلقت ألسنة كثيرة من المنافقين ومرضى القلوب , وغير المتثبتين الذين لم يتضح في نفوسهم التصور الإسلامي الناصع البسيط , انطلقت تغمز وتلمز , وتؤول وتعترض , وتهمس وتوسوس . وتقول قولا عظيما !

والمنافقون والمرجفون لم يكونوا يسكتون . فقد كانوا ينتهزون كل فرصة لبث سمومهم . كالذي رأينا في غزوة الأحزاب . وفي حديث الإفك . وفي قسمة الفيء . وفي كل مناسبة تعرض لإيذاء النبي [ ص ] بغير حق .

وفي هذا الوقت - بعد إجلاء بني قريظة وسائر اليهود من قبل - لم يكن في المدينة من هو ظاهر بالكفر . فقد أصبح أهلها كلهم مسلمين , إما صادقين في إسلامهم وإما منافقين . وكان المنافقون هم الذين يروجون الشائعات , وينشرون الأكاذيب , وكان بعض المؤمنين يقع في حبائلهم , ويسايرهم في بعض ما يروجون . فجاء القرآن يحذرهم إيذاء النبي [ ص ] كما آذى بنو إسرائيل نبيهم موسى - عليه السلام - ويوجههم إلى تسديد القول , وعدم إلقائه على عواهنه , بغير ضبط ولا دقة ; ويحببهم في طاعة الله ورسوله وما وراءها من فوز عظيمSadيا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا . وكان عند الله وجيها . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا , يصلح لكم أعمالكم , ويغفر لكم ذنوبكم . ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما). .

ولم يحدد القرآن نوع الإيذاء لموسى ; ولكن وردت روايات تعينه . ونحن لا نرى بنا من حاجة للخوض في هذا الذي أجمله القرآن . فإنما أراد الله تحذير الذين آمنوا من كل ما يؤذي النبي [ ص ]

من الاية 69 الى الاية 71

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)

وقد ضرب بني إسرائيل مثلا للالتواء والانحراف في مواضع من القرآن كثيرة . فيكفي أن يشير إلى إيذائهم لنبيهم . وتحذير المسلمين من متابعتهم فيه , لينفر حس كل مؤمن من أن يكون كهؤلاء المنحرفين الملتوين الذين يضربهم القرآن مثلا صارخا للانحراف والالتواء .

وقد برأ الله موسى مما رماه به قومه , (وكان عند الله وجيها)ذا وجاهة وذا مكانة . والله مبرئ رسله من كل ما يرمون به كذبا وبهتانا . ومحمد [ ص ] أفضل الرسل أولاهم بتبرئة الله له والدفاع عنه .

ويوجه القرآن المؤمنين إلى تسديد القول وإحكامه والتدقيق فيه , ومعرفة هدفه واتجاهه , قبل أن يتابعوا المنافقين والمرجفين فيه ; وقبل أن يستمعوا في نبيهم ومرشدهم ووليهم إلى قول طائش ضال أو مغرض خبيث . ويوجههم إلى القول الصالح الذي يقود إلى العمل الصالح . فالله يرعى المسددين ويقود خطاهم ويصلح لهم أعمالهم جزاء التصويب والتسديد . والله يغفر لذوي الكلمة الطيبة والعمل الصالح ; ويكفر عن السيئة التي لا ينجو منها الآدميون الخطاءون . ولا ينقذهم منها إلا المغفرة والتكفير .

(ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما). .

والطاعة بذاتها فوز عظيم . فهي استقامة على نهج الله . والاستقامة على نهج الله مريحة مطمئنة . والاهتداء إلى الطريق المستقيم الواضح الواصل سعادة بذاته , ولو لم يكن وراءه جزاء سواه . وليس الذي يسير في الطريق الممهود المنير وكل ما حوله من خلق الله يتجاوب معه ويتعاون كالذي يسير في الطريق المقلقل المظلم وكل ما حوله من خلق الله يعاديه ويصادمه ويؤذيه ! فطاعة الله ورسوله تحمل جزاءها في ذاتها ; وهي الفوز العظيم , قبل يوم الحساب وقبل الفوز بالنعيم . أما نعيم الآخرة فهو فضل زائد على جزاء الطاعة . فضل من كرم الله وفيضه بلا مقابل . والله يرزق من يشاء بغير حساب

الدرس الرابع:72 - 73 الأمانة وأساس الثواب والعقاب

ولعله فضل نظر الله فيه إلى ضعف هذا الإنسان , وإلى ضخامة التبعة التي يحملها على عاتقه . وإلى حمله للأمانة التي أشفقت منها السماوات والأرض والجبال . والتي أخذها على عاتقه , وتعهد بحملها وحده , وهو على ما هو عليه من الضعف وضغط الشهوات والميول والنزعات , وقصور العلم , وقصر العمر , وحواجز الزمان والمكان , دون المعرفة الكاملة ورؤية ما وراء الحواجز والآماد:

(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال , فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ; وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا). .

إن السماوات والأرض والجبال - التي اختارها القرآن ليحدث عنها - هذه الخلائق الضخمة الهائلة , التي يعيش الإنسان فيها أو حيالها فيبدو شيئا صغيرا ضئيلا . هذه الخلائق تعرف بارئها بلا محاولة , وتهتدي إلى ناموسه الذي يحكمها بخلقتها وتكوينها ونظامها ; وتطيع ناموس الخالق طاعة مباشرة بلا تدبر ولا واسطة . وتجري وفق هذا الناموس دائبة لا تني ولا تتخلف دورتها جزءا من ثانية ; وتؤدي وظيفتها بحكم خلقتها وطبيعتها غير شاعرة ولا مختارة .

هذه الشمس تدور في فلكها دورتها المنتظمة التي لا تختل أبدا . وترسل بأشعتها فتؤدي وظيفتها التي قدرها الله لها ; وتجذب توابعها بلا إرادة منها ; فتؤدي دورها الكوني أداء كاملا . .

وهذه الأرض تدور دورتها , وتخرج زرعها , وتقوت أبناءها , وتواري موتاها , وتتفجر ينابيعها . وفق سنة الله بلا إرادة منها .
دالأحزاب

من الاية 72 الى آخر السورة

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (73)

وهذا القمر . وهذه النجوم والكواكب , وهذه الرياح والسحب . وهذا الهواء وهذا الماء . . وهذه الجبال . وهذه الوهاد . . كلها . . كلها . . تمضي لشأنها , بإذن ربها , وتعرف بارئها , وتخضع لمشيئته بلا جهد منها ولا كد ولا محاولة . . لقد أشفقت من أمانة التبعة . أمانة الإرادة . أمانة المعرفة الذاتية . أمانة المحاولة الخاصة .

(وحملها الإنسان). .

الإنسان الذي يعرف الله بإدراكه وشعوره . ويهتدي إلى ناموسه بتدبره وبصره . ويعمل وفق هذا الناموس بمحاولته وجهده . ويطيع الله بإرادته وحمله لنفسه , ومقاومة انحرافاته ونزغاته , ومجاهدة ميوله وشهواته . . وهو في كل خطوة من هذه الخطوات مريد . مدرك . يختار طريقه وهو عارف إلى أين يؤدي به هذا الطريق !

إنها أمانة ضخمة حملها هذا المخلوق الصغير الحجم , القليل القوة , الضعيف الحول , المحدود العمر ; الذي تناوشه الشهوات والنزعات والميول والأطماع . .

وإنها لمخاطرة أن يأخذ على عاتقه هذه التبعة الثقيلة . ومن ثم (كان ظلوما)لنفسه(جهولا)لطاقته . هذا بالقياس إلى ضخامة ما زج بنفسه لحمله . فأما حين ينهض بالتبعة . حين يصل إلى المعرفة الواصلة إلى بارئه , والاهتداء المباشر لناموسه , والطاعة الكاملة لإرادة ربه . المعرفة والاهتداء والطاعة التي تصل في طبيعتها وفي آثارها إلى مثل ما وصلت إليه من سهولة ويسر وكمال في السماوات والأرض والجبال . . الخلائق التي تعرف مباشرة , وتهتدي مباشرة , وتطيع مباشرة , ولا تحول بينها وبين بارئها وناموسه وإرادته الحوائل . ولا تقعد بها المثبطات عن الانقياد والطاعة والأداء . . حين يصل الإنسان إلى هذه الدرجة وهو واع مدرك مريد . فإنه يصل حقا إلى مقام كريم , ومكان بين خلق الله فريد .

إنها الإرادة والإدراك والمحاولة وحمل التبعة . . هي هي ميزة هذا الإنسان على كثير من خلق الله . وهي هي مناط التكريم الذي أعلنه الله في الملأ الأعلى , وهو يسجد الملائكة لآدم . وأعلنه في قرآنه الباقي وهو يقول: (ولقد كرمنا بني آدم). . فليعرف الإنسان مناط تكريمه عند الله . ولينهض بالأمانة التي اختارها ; والتي عرضت على السماوات والأرض والجبال , فأبين أن يحملنها , وأشفقن منها . . . !

ذلك كان . .(ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات , ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات . وكان الله غفورا رحيما). .

فاختصاص الإنسان بحمل الأمانة ; وأخذه على عاتقه أن يعرف بنفسه , ويهتدي بنفسه , ويعمل بنفسه , ويصل بنفسه . . هذا كان ليحتمل عاقبة اختياره , وليكون جزاؤه من عمله . وليحق العذاب على المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات . وليمد الله يد العون للمؤمنين والمؤمنات , فيتوب عليهم مما يقعون فيه تحت ضغط ما ركب فيهم من نقص وضعف , وما يقف في طريقهم من حواجز وموانع , وما يشدهم من جواذب وأثقال . . فذلك فضل الله وعونه . وهو أقرب إلى المغفرة والرحمة بعباده: (وكان الله غفورا رحيما). .

وبهذا الإيقاع الهائل العميق تختم السورة التي بدأت بتوجيه الرسول [ ص ] إلى طاعة الله وعصيان الكافرين والمنافقين , واتباع وحي الله , والتوكل عليه وحده دون سواه . والتي تضمنت توجيهات وتشريعات يقوم عليها نظام المجتمع الإسلامي , خالصا لله , متوجها له , مطيعا لتوجيهاته .

بهذا الإيقاع الذي يصور جسامة التبعة وضخامة الأمانة . ويحدد موضع الجسامة ومنشأ الضخامة . ويحصرهاكلها في نهوض الإنسان بمعرفة الله والاهتداء إلى ناموسه , والخضوع لمشيئته . .

بهذا الإيقاع تختم السورة , فيتناسق بدؤها وختامها , مع موضوعها واتجاهها . ذلك التناسق المعجز , الدال بذاته على مصدر هذا الكتاب

سورة سبأ

الوحدة الأولى:1 - 9 الموضوع:حقائق حول علم الله الشامل والبعث والحساب

بسم الله الرحمن الرحيم
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى