منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورةالاحزاب ايه 35 الى 62 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورةالاحزاب ايه 35 الى 62 الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورةالاحزاب ايه 35 الى 62 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الثلاثاء يونيو 12, 2012 10:51 pm

من الاية 35 الى الاية 35

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)

والقنوت , والصدق , والصبر , والخشوع , والتصدق , والصوم , وحفظ الفروج , وذكر الله كثيرا . . ولكل منها قيمته في بناء الشخصية المسلمة .

والإسلام:الاستسلام , والإيمان التصديق . وبينهما صلة وثيقة أو أن أحدهما هو الوجه الثاني للآخر . فالاستسلام إنما هو مقتضى التصديق . والتصديق الحق ينشأ عنه الاستسلام .

والقنوت:الطاعة الناشئة من الإسلام والإيمان , عن رضى داخلي لا عن إكراه خارجي .

والصدق:هو الصفة التي يخرج من لا يتصف بها من صفوف الأمة المسلمة لقوله تعالى: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله)فالكاذب مطرود من الصف . صف هذه الأمة الصادقة .

والصبر:هو الصفة التي لا يستطيع المسلم حمل عقيدته والقيام بتكاليفها إلا بها . وهي تحتاج إلى الصبر في كل خطوة من خطواتها . الصبر على شهوات النفس , وعلى مشاق الدعوة , وعلى أذى الناس . وعلى التواء النفوس وضعفها وانحرافها وتلونها . وعلى الابتلاء والامتحان والفتنة . وعلى السراء والضراء , والصبر على كلتيهما شاق عسير .

والخشوع:صفة القلب والجوارح , الدالة على تأثر القلب بجلال الله , واستشعار هيبته وتقواه .

والتصدق:وهو دلالة التطهر من شح النفس , والشعور بمرحمة الناس , والتكافل في الجماعة المسلمة . والوفاء بحق المال . وشكر المنعم على العطاء .

والصوم:والنص يجعله صفة من الصفات إشارة إلى اطراده وانتظامه . وهو استعلاء على الضرورات , وصبر عن الحاجات الأولية للحياة . وتقرير للإرادة , وتوكيد لغلبة الإنسان في هذا الكائن البشري على الحيوان .

وحفظ الفرج:وما فيه من تطهر , وضبط لأعنف ميل وأعمقه في تركيب كيان الإنسان , وسيطرة على الدفعة التي لا يسيطر عليها إلا تقي يدركه عون الله . وتنظيم للعلاقات , واستهداف لما هو أرفع من فورة اللحم والدم في التقاء الرجل والمرأة , وإخضاع هذا الالتقاء لشريعة الله , وللحكمة العليا من خلق الجنسين في عمارة الأرض وترقية الحياة .

وذكر الله كثيرا:وهو حلقة الاتصال بين نشاط الإنسان كله وعقيدته في الله . واستشعار القلب لله في كل لحظة ; فلا ينفصل بخاطر ولا حركة عن العروة الوثقى . وإشراق القلب ببشاشة الذكر , الذي يسكب فيه النور والحياة .

هؤلاء الذين تتجمع فيهم هذه الصفات , المتعاونة في بناء الشخصية المسلمة الكاملة . . هؤلاء (أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما). .

وهكذا يعمم النص في الحديث عن صفة المسلم والمسلمة ومقومات شخصيتهما , بعدما خصص نساء النبي [ ص ] في أول هذا الشوط من السورة . وتذكر المرأة في الآية بجانب الرجل كطرف من عمل الإسلام في رفع قيمة المرأة , وترقية النظرة إليها في المجتمع , وإعطائها مكانها إلى جانب الرجل فيما هما فيه سواء من العلاقة بالله ; ومن تكاليف هذه العقيدة في التطهر والعبادة والسلوك القويم في الحياة . .

من الاية 36 الى الاية 36

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً (36)

الوحدة الرابعة:36 - 48 الموضوع:حقائق حول الخضوع لحكم الله وذكره ومهمة الرسول عليه السلام وزواجه بزينب بنت جحش

هذا الدرس شوط جديد في إعادة تنظيم الجماعة المسلمة على أساس التصور الإسلامي . وهو يختص ابتداء بإبطال نظام التبني الذي ورد الحديث عنه في أول السورة . وقد شاء الله أن ينتدب لإبطال هذا التقليد من الناحية العملية رسوله [ ص ] وقد كانت العرب تحرم مطلقة الابن بالتبني حرمة مطلقة الابن من النسب ; وما كانت تطيق أن تحل مطلقات الأدعياء عملا , إلا أن توجد سابقة تقرر هذه القاعدة الجديدة . فانتدب الله رسوله ليحمل هذا العبء فيما يحمل من أعباء الرسالة . وسنرى من موقف النبي [ ص ] من هذه التجربة أنه ما كان سواه قادرا على احتمال هذا العبء الجسيم , ومواجهة المجتمع بمثل هذه الخارقة لمألوفه العميق ! وسنرى كذلك أن التعقيب على الحادث كان تعقيبا طويلا لربط النفوس بالله ولبيان علاقه المسلمين بالله وعلاقتهم بنبيهم , ووظيفة النبي بينهم . . كل ذلك لتيسير الأمر على النفوس , وتطييب القلوب لتقبل أمرالله في هذا التنظيم بالرضى والتسليم .

ولقد سبق الحديث عن الحادث تقرير قاعدة أن الأمر لله ورسوله , وأنه(ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). مما يوحي كذلك بصعوبة هذا الأمر الشاق المخالف لمألوف العرب وتقاليدهم العنيفة .

الدرس الأول:36 تحطيم الرسول عليه السلام الفوارق بين المسلمين

(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا). .

روي أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش - رضي الله عنها - حينما أراد النبي [ ص ] أن يحطم الفوارق الطبقية الموروثة في الجماعة المسلمة ; فيرد الناس سواسية كأسنان المشط . لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى . وكان الموالي - وهم الرقيق المحرر - طبقة أدنى من طبقة السادة . ومن هؤلاء كان زيد بن حارثة مولى رسول الله [ ص ] الذي تبناه . فأراد رسول الله [ ص ] أن يحقق المساواة الكاملة بتزويجه من شريفة من بني هاشم , قريبته [ ص ] زينب بنت جحش ; ليسقط تلك الفوارق الطبقية بنفسه , في أسرته . وكانت هذه الفوارق من العمق والعنف بحيث لا يحطمها إلا فعل واقعي من رسول الله [ ص ] تتخذ منه الجماعة المسلمة اسوة , وتسير البشرية كلها على هداه في هذا الطريق .

روى ابن كثير في التفسير قال:قال العوفي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -:قوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة). الآية . وذلك أن رسول الله [ ص ] انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة - رضي الله عنه - فدخل على زينب بنت جحش الأسدية - رضي الله عنها - فخطبها , فقالت:لست بناكحته ! فقال رسول الله [ ص ]:" بلى فانكحيه " . قالت:يا رسول الله . أؤامر في نفسي ? فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسول الله [ ص ] (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا). . الآية . قالت:قد رضيته لي يا رسول الله منكحا ? قال رسول الله [ ص ]:" نعم " ! قالت:إذن لا أعصي رسول الله [ ص ] قد أنكحته نفسي !

وقال ابن لهيعة عن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:خطب رسول الله [ ص ] زينب بنت جحش لزيد بن حارثة - رضي الله عنه - فاستنكفت منه , وقالت:أنا خير منه حسبا - وكانت امرأة فيها حدة - فأنزل الله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة . . .)الآية كلها .

وهكذا قال مجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان أنها نزلت في زينب بنت جحش - رضي الله عنها - حين خطبها رسول الله [ ص ] على مولاه زيد بن حارثة - رضي الله عنه - فامتنعت ثم أجابت .

وروى ابن كثير في التفسير كذلك رواية أخرى قال:وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط - رضي الله عنها - وكانت أول من هاجر من النساء - يعني بعد صلح الحديبية - فوهبت نفسها للنبي [ ص ] فقال:" قد قبلت " . فزوجها زيد بن حارثة - رضي الله عنه - [ يعني والله أعلم بعد فراقه زينب ] فسخطت هي وأخوها , وقال:إنما أردنا رسول الله [ ص ]فزوجنا عبده ! قال:فنزل القرآن: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا)إلى آخر الآية . قال:وجاء أمر أجمع من هذا: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)قال:فذاك خاص وهذا أجمع .

وفي رواية ثالثة:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر , عن ثابت البناني , عن أنس - رضي الله عنه - قال:خطب النبي [ ص ] على جليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها . فقال:حتى أستأمر أمها . فقال النبي [ ص ]:" فنعم إذن " . قال:فانطلق الرجل إلى امرأته , فذكر ذلك لها , فقالت:لاها الله ! إذن ما وجد رسول الله [ ص ] إلا جليبيبا , وقد منعناها من فلان وفلان ? قال:والجارية في سترها تسمع . قال:فانطلق الرجل يريد أن يخبر رسول الله [ ص ] بذلك . فقالت الجارية:أتريدون أن تردوا على رسول الله [ ص ] أمره ? إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه . قال:فكأنها جلت عن أبويها . وقالا:صدقت . فذهب أبوها إلى رسول الله [ ص ] فقال:إن كنت قد رضيته فقد رضيناه . قال [ ص ] " فإني قد رضيته " . قال:فزوجها . . ثم فزع أهل المدينة , فركب جليبيب , فوجدوه قد قتل , وحوله ناس من المشركين قد قتلهم . قال أنس - رضي الله عنه - فلقد رأيتها وإنها لمن أنفق بيت بالمدينة . .

فهذه الروايات - إن صحت - تعلق هذه الآية بحادث زواج زينب من زيد - رضي الله عنهما - أو زواجه من أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط .

وقد أثبتنا الرواية الثالثة عن جليبيب لأنها تدل على منطق البيئة الذي توكل الإسلام بتحطيمه , وتولى رسول الله [ ص ] تغييره بفعله وسنته . وهو جزء من إعادة تنظيم الجماعة المسلمة على أساس منطق الإسلام الجديد , وتصوره للقيم في هذه الأرض , وانطلاق النزعة التحررية القائمة على منهج الإسلام , المستمدة من روحه العظيم .

ولكن نص الآية أعم من أي حادث خاص . وقد تكون له علاقة كذلك بإبطال آثار التبني , وإحلال مطلقات الأدعياء , وحادث زواج رسول الله [ ص ] من زينب - رضي الله عنها - بعد طلاقها من زيد . الأمر الذي كانت له ضجة عظيمة في حينه . والذي ما يزال يتخذه بعض أعداء الإسلام تكأة للطعن على رسول الله [ ص ] حتى اليوم , ويلفقون حوله الأساطير !

وسواء كان سبب نزول الآية ما جاء في تلك الروايات , أو كانت بصدد زواج الرسول [ ص ] من زينب - رضي الله عنها - فإن القاعدة التي تقررها الآية أعم وأشمل , وأعمق جدا في نفوس المسلمين وحياتهم وتصورهم الأصيل .

فهذا المقوم من مقومات العقيدة هو الذي استقر في قلوب تلك الجماعة الأولى من المسلمين استقرارا حقيقيا ; واستيقنته أنفسهم , وتكيفت به مشاعرهم . . هذا المقوم يتلخص في أنه ليس لهم في أنفسهم شيء ; وليس لهم من أمرهم شيء . إنما هم وما ملكت أيديهم لله . يصرفهم كيف يشاء , ويختار لهم ما يريد . وإن هم إلا بعض هذا الوجود الذي يسير وفق الناموس العام . وخالق هذا الوجود ومدبره يحركهم مع حركة الوجود العام ; ويقسم لهم دورهم في رواية الوجود الكبيرة ; ويقرر حركاتهم على مسرح الوجود العظيم . وليس لهم أن يختاروا الدور الذي يقومون به , لأنهم لا يعرفون الرواية كاملة ; وليس لهم أن يختاروا الحركة التي يحبونها لأن ما يحبونه قد لا يستقيم مع الدور الذي خصص لهم ! وهم ليسوا أصحاب الرواية ولا المسرح ; وإن هم إلا أجراء ,لهم أجرهم على العمل , وليس لهم ولا عليهم في النتيجة !

عندئذ أسلموا أنفسهم حقيقة لله . أسلموها بكل ما فيها ; فلم يعد لهم منها شيء . وعندئذ استقامت نفوسهم مع فطرة الكون كله ; واستقامت حركاتهم مع دورته العامة ; وساروا في فلكهم كما تسير تلك الكواكب والنجوم في أفلاكها , لا تحاول أن تخرج عنها , ولا أن تسرع أو تبطئ في دورتها المتناسقة مع حركة الوجود كله .

وعندئذ رضيت نفوسهم بكل ما يأتي به قدر الله , لشعورهم الباطن الواصل بأن قدر الله هوالذي يصرف كل شيء , وكل أحد , وكل حادث , وكل حالة . واستقبلوا قدر الله فيهم بالمعرفة المدركة المريحة الواثقة المطمئنة .

وشيئا فشيئا لم يعودوا يحسون بالمفاجأة لقدر الله حين يصيبهم , ولا بالجزع الذي يعالج بالتجمل ; أو بالألم الذي يعالج بالصبر . إنما عادوا يستقبلون قدر الله استقبال العارف المنتظر المرتقب لأمر مألوف في حسه , معروف في ضميره , ولا يثير مفاجأة ولا رجفة ولا غرابة !

ومن ثم لم يعودوا يستعجلون دورة الفلك ليقضوا أمرا هم يريدون قضاءه , ولم يعودوا يستبطئون الأحداث لأن لهم أربا يستعجلون تحقيقه , ولو كان هذا الأرب هو نصر دعوتهم وتمكينها ! إنما ساروا في طريقهم مع قدر الله , ينتهي بهم إلى حيث ينتهي , وهم راضون مستروحون , يبذلون ما يملكون من أرواح وجهود وأموال في غير عجلة ولا ضيق , وفي غير من ولا غرور , وفي غير حسرة ولا أسف . وهم على يقين أنهم يفعلون ما قدر الله لهم أن يفعلوه ; وأن ما يريده الله هو الذي يكون , وأن كل أمر مرهون بوقته وأجله المرسوم .

إنه الاستسلام المطلق ليد الله تقود خطاهم , وتصرف حركاتهم ; وهم مطمئنون لليد التي تقودهم , شاعرون معها بالأمن والثقة واليقين , سائرون معها في بساطة ويسر ولين .

وهم - مع هذا - يعملون ما يقدرون عليه , ويبذلون ما يملكون كله , ولا يضيعون وقتا ولاجهدا , ولا يتركون حيلة ولا وسيلة . ثم لا يتكلفون ما لايطيقون , ولا يحاولون الخروج عن بشريتهم وما فيها من خصائص , ومن ضعف وقوة ; ولا يدعون ما لا يجدونه في أنفسهم من مشاعر وطاقات , ولا يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا , ولا أن يقولوا غير ما يفعلون .

وهذا التوازن بين الاستسلام المطلق لقدر الله , والعمل الجاهد بكل ما في الطاقة , والوقوف المطمئن عند ما يستطيعون . . هذا التوازن هو السمة التي طبعت حياة تلك المجموعة الأولى وميزتها ; وهي التي أهلتها لحمل أمانة هذه العقيدة الضخمة التي تنوء بها الجبال !

واستقرار ذلك المقوم الأول في أعماق الضمائر هو الذي كفل لتلك الجماعة الأولى تحقيق تلك الخوارق التي حققتها في حياتها الخاصة , وفي حياة المجتمع الإنساني إذ ذاك . وهو الذي جعل خطواتها وحركاتها تتناسق مع دورة الأفلاك , وخطوات الزمان , ولا تحتك بها أو تصطدم , فتتعوق أو تبطىء نتيجة الاحتكاك والاصطدام . وهو الذي بارك تلك الجهود , فإذا هي تثمر ذلك الثمر الحلو الكثير العظيم في فترة قصيرة من الزمان .

ولقد كان ذلك التحول في نفوسهم بحيث تستقيم حركتها مع حركة الوجود , وفق قدر الله المصرف لهذا الوجود . . كان هذا التحول في تلك النفوس هو المعجزة الكبرى التي لا يقدر عليها بشر ; إنما تتم بإرادة الله المباشرة التي أنشأت الأرض والسماوات , والكواكب والأفلاك ; ونسقت بين خطاها ودوراتها ذلك التنسيق الإلهي الخاص .

وإلى هذه الحقيقة تشير هذه الآيات الكثيرة في القرآن . . حيث يقول الله تبارك وتعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء). . أو يقول: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء). . أو يقول: (إن الهدى هدى الله). . فذلك هوالهدى بحقيقته الكبيرة ومعناه الواسع . هدى الإنسان إلى مكانه في هيكل هذا الوجود ; وتنسيق خطاه مع حركة هذا الوجود .

ولن يؤتي الجهد كامل ثماره إلا حين يستقيم القلب على هدى الله بمعناه ; وتستقيم حركة الفرد مع دورة الوجود ; ويطمئن الضمير إلى قدر الله الشامل الذي لا يكون في الوجود أمر إلا وفق مقتضاه .

ومن هذا البيان ينجلي أن هذا النص القرآني: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). . أشمل وأوسع وأبعد مدى من أي حادث خاص يكون قد نزل فيه . وأنه يقرر كلية أساسية , أو الكلية الأساسية , في منهج الإسلام !

الدرس الثاني:37 إبطال التبني وزواج النبي بزينب زوجة زيد

ثم يجيء الحديث عن حادث زواج النبي [ ص ] من زينب بنت جحش , وما سبقه وما تلاه من أحكام وتوجيهات:

وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه:أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه ; وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه . فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا . وكان أمر الله مفعولا . ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له . سنة الله في الذين خلوا من قبل . وكان أمر الله قدرا مقدورا . الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله . وكفى بالله حسيبا . ما كان محمد أبا أحد من رجالكم , ولكن رسول الله وخاتم النبيين , وكان الله بكل شيء عليما . .

مضى في أول السورة إبطال تقليد التبني ; ورد الأدعياء إلى آبائهم , وإقامة العلاقات العائلية على أساسها الطبيعي: وما جعل أدعياءكم أبناءكم . ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل . ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله . فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم . وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم , وكان الله غفورا رحيما . . . .

ولكن نظام التبني كانت له آثار واقعية في حياة الجماعة العربية ; ولم يكن إبطال هذه الآثار الواقعية في حياة المجتمع ليمضي بالسهولة التي يمضي بها إبطال تقليد التبني ذاته . فالتقاليد الاجتماعية أعمق أثرا في النفوس . ولا بد من سوابق عملية مضادة . ولا بد أن تستقبل هذه السوابق أول أمرها بالاستنكار ; وأن تكون شديدة الوقع على الكثيرين .

وقد مضى أن رسول الله [ ص ] زوج زيد بن حارثة - الذي كان متبناه , وكان يدعى زيد ابن محمد ثم دعى إلى أبيه - من زينب بنت جحش , ابنة عمة رسول الله [ ص ] ليحطم بهذا الزواج فوارق الطبقات الموروثة , ويحقق معنى قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)ويقرر هذه القيمة الإسلامية الجديدة بفعل عملي واقعي .

ثم شاء الله أن يحمل نبيه بعد ذلك - فيما يحمل من أعباء الرسالة - مؤنة إزالة آثار نظام التبني ; فيتزوج من مطلقة متبناه زيد بن حارثة . ويواجه المجتمع بهذا العمل , الذي لا يستطيع أحد أن يواجه المجتمع به , على الرغم من إبطال عادة التبني في ذاتها !

من الاية 37 الى الاية 37

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37)

وألهم الله نبيه [ ص ] أن زيدا سيطلق زينب ; وأنه هو سيتزوجها , للحكمة التي قضى الله بها . وكانت العلاقات بين زيد وزينب قد اضطربت , وعادت توحي بأن حياتهما لن تستقيم طويلا .

وجاء زيد مرة بعد مرة يشكو إلى رسول الله [ ص ] اضطراب حياته مع زينب ; وعدم استطاعته المضي معها . والرسول - صلوات الله وسلامه عليه - على شجاعته في مواجهة قومه في أمر العقيدة دون لجلجة ولا خشية - يحس ثقل التبعة فيما ألهمه الله من أمر زينب ; ويتردد في مواجهة القوم بتحطيم ذلك التقليد العميق ; فيقول لزيد [ الذي أنعم الله عليه بالإسلام وبالقرب من رسوله وبحب الرسول له , ذلك الحب الذي يتقدم به في قلبه على كل أحد بلا استثناء . والذي أنعم عليه الرسول بالعتق والتربية والحب ] . . يقول له: (أمسك عليك زوجك واتق الله). . ويؤخر بهذا مواجهة الأمر العظيم الذي يتردد في الخروج به على الناس . كما قال الله تعالى: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه !). . وهذا الذي أخفاه النبي [ ص ] في نفسه , وهو يعلم أن الله مبديه , هو ما ألهمه الله أن سيفعله . ولم يكن أمرا صريحا من الله . وإلا ما تردد فيه ولا أخره ولا حاول تأجيله . ولجهر به في حينه مهما كانت العواقب التي يتوقعها من إعلانه . ولكنه [ ص ] كان أمام إلهام يجده في نفسه , ويتوجس في الوقت ذاته من مواجهته , ومواجهة الناس به . حتى أذن الله بكونه . فطلق زيد زوجه في النهاية . وهو لا يفكر لا هو ولا زينب , فيما سيكون بعد . لأن العرف السائد كان يعد زينب مطلقة ابن لمحمد لا تحل له . حتى بعد إبطال عادة التبني في ذاتها . ولم يكن قد نزل بعد إحلال مطلقات الأدعياء . إنما كان حادث زواج النبي بها فيما بعد هو الذي قرر هذه القاعدة . بعدما قوبل هذا القرار بالدهشة والمفاجأة والاستنكار .

وفي هذا ما يهدم كل الروايات التي رويت عن هذا الحادث ; والتي تشبث بها أعداء الإسلام قديما وحديثا , وصاغوا حولها الأساطير والمفتريات !

إنما كان الأمر كما قال الله تعالى: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها , لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا). . وكانت هذه إحدى ضرائب الرسالة الباهظة حملها رسول الله [ ص ] فيما حمل ; وواجه بها المجتمع الكاره لها كل الكراهية . حتى ليتردد في مواجهته بها وهو الذي لم يتردد في مواجهته بعقيدة التوحيد , وذم الآلهة والشركاء ; وتخطئة الآباء والأجداد !

(وكان أمر الله مفعولا). . لا مرد له , ولا مفر منه . واقعا محققا لا سبيل إلى تخلفه ولا إلى الحيدة عنه . وكان زواجه [ ص ] من زينب - رضي الله عنها - بعد انقضاء عدتها . أرسل إليها زيدا زوجها السابق . وأحب خلق الله إليه . أرسله إليها ليخطبها عليه .

عن أنس - رضي الله عنه - قال:لما انقضت عدة زينب - رضي الله عنها - قال رسول الله [ ص ] لزيد بن حارثة . " اذهب فاذكرها علي " فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينها . قال:فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها , وأقول:إن رسول الله [ ص ] ذكرها ! فوليتها ظهري , ونكصت على عقبي , وقلت:يا زينب . أبشري . أرسلني رسول الله [ ص ] بذكرك . قالت:ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي عز وجل . فقامت إلى مسجدها . ونزل القرآن . وجاء رسول الله [ ص ] فدخل عليها بغير إذن . . .

من الاية 38 الى الاية 40

مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40)

وقد روى البخاري - رحمه الله - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:إن زينب بنت جحش - رضي الله عنها - كانت تفخر على أزواج النبي [ ص ] فتقول:زوجكن أهاليكن , وزوجني الله - تعالى - من فوق سبع سماوات .

ولم تمر المسألة سهلة , فلقد فوجئ بها المجتمع الإسلامي كله ; كما انطلقت ألسنة المنافقين تقول:تزوج حليلة ابنه !

ولما كانت المسألة مسألة تقرير مبدأ جديد فقد مضى القرآن يوكدها ; ويزيل عنصر الغرابة فيها , ويردها إلى أصولها البسيطة المنطقية التاريخية:

(ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له). .

فقد فرض له أن يتزوج زينب , وأن يبطل عادة العرب في تحريم أزواج الأدعياء . وإذن فلا حرج في هذا الأمر , وليس النبي [ ص ] فيه بدعا من الرسل .

(سنة الله في الذين خلوا من قبل). .

فهو أمر يمضي وفق سنة الله التي لا تتبدل . والتي تتعلق بحقائق الأشياء , لا بما يحوطها من تصورات وتقاليد مصطنعة لا تقوم على أساس .

(وكان أمر الله قدرا مقدورا). .

فهو نافذ مفعول , لا يقف في وجهه شيء ولا أحد . وهو مقدر بحكمة وخبرة ووزن , منظور فيه إلى الغاية التي يريدها الله منه . و يعلم ضرورتها وقدرها وزمانها ومكانها . وقد أمر الله رسوله أن يبطل تلك العادة ويمحو آثارها عمليا , ويقرر بنفسه السابقة الواقعية . ولم يكن بد من نفاذ أمر الله .

وسنة الله هذه قد مضت في الذين خلوا من قبل من الرسل:

(الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله). .

فلا يحسبون للخلق حسابا فيما يكلفهم الله به من أمور الرسالة , ولا يخشون أحدا إلا الله الذي أرسلهم للتبليغ والعمل والتنفيذ .

(وكفى بالله حسيبا). .

فهو وحده الذي يحاسبهم , وليس للناس عليهم من حساب .

(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم)فزينب ليست حليلة ابنه , وزيد ليس ابن محمد . إنما هو ابن حارثة . ولا حرج إذن في الأمر حين ينظر إليه بعين الحقيقة الواقعة .

والعلاقة بين محمد [ ص ] وبين جميع المسلمين - ومنهم زيد بن حارثة - هي علاقة النبي بقومه , وليس هو أبا لأحد منهم:

(ولكن رسول الله وخاتم النبيين). .

ومن ثم فهو يشرع الشرائع الباقية , لتسير عليها البشرية ; وفق آخر رسالة السماء إلى الأرض , التي لا تبديل فيها بعد ذلك ولا تغيير .

(وكان الله بكل شيء عليما). .

فهو الذي يعلم ما يصلح لهذه البشرية , وما يصلحها ; وهو الذي فرض على النبي ما فرض , واختار له

من الاية 41 الى الاية 42

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)

ما اختار . ليحل للناس أزواج أدعيائهم , إذا ما قضوا منهن وطرا , وانتهت حاجتهم منهن , وأطلقوا سراحهن . . قضى الله هذا وفق علمه بكل شيء . ومعرفته بالأصلح والأوفق من النظم والشرائع والقوانين ; ووفق رحمته وتخيره للمؤمنين .

الدرس الثالث:43

ثم يمضي السياق القرآني في ربط القلوب بهذا المعنى الأخير , ووصلهم بالله الذي فرض على رسوله ما فرض , واختار للأمة المسلمة ما اختار ; يريد بها الخير , والخروج من الظلمات إلى النور:

(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا , وسبحوه بكرة وأصيلا . هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور , وكان بالمؤمنين رحيما . تحيتهم يوم يلقونه سلام . وأعد لهم أجرا كريما). .

وذكر الله اتصال القلب به , والاشتغال بمراقبته ; وليس هو مجرد تحريك اللسان . و إقامة الصلاة ذكر لله . بل إنه وردت آثار تكاد تخصص الذكر بالصلاة:

روى أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الأعمش عن الأغر أبي مسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي [ ص ] قال:" إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل فصليا ركعتين , كانا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات " . .

وإن كان ذكر الله أشمل من الصلاة . فهو يشمل كل صورة يتذكر فيها العبد ربه , ويتصل به قلبه . سواء جهر بلسانه بهذا الذكر أم لم يجهر . والمقصود هو الاتصال المحرك الموحي على أية حال .

وإن القلب ليظل فارغا أو لاهيا أو حائرا حتى يتصل بالله ويذكره ويأنس به . فإذا هو مليء جاد , قار , يعرف طريقه , ويعرف منهجه , ويعرف من أين وإلى أين ينقل خطاه !

ومن هنا يحض القرآن كثيرا , وتحض السنة كثيرا , على ذكر الله . ويربط القرآن بين هذا الذكر وبين الأوقات والأحوال التي يمر بها الإنسان , لتكون الأوقات والأحوال مذكرة بذكر الله ومنبهة إلى الاتصال به حتى لا يغفل القلب ولا ينسى:

(وسبحوه بكرة وأصيلا). .

وفي البكرة والأصيل خاصة ما يستجيش القلوب إلى الاتصال بالله , مغير الأحوال , ومبدل الظلال ; وهو باق لا يتغير ولا يتبدل , ولا يحول ولا يزول . وكل شيء سواه يتغير ويتبدل , ويدركه التحول والزوال

وإلى جانب الأمر بذكر الله وتسبيحه , إشعار القلوب برحمة الله ورعايته , وعنايته بأمر الخلق وإرادة الخير لهم ; وهو الغني عنهم , وهم الفقراء المحاويج , لرعايته وفضله:

(هو الذي يصلي عليكم وملائكته , ليخرجكم من الظلمات إلى النور . وكان بالمؤمنين رحيما). .

وتعالى الله وجلت نعمته , وعظم فضله , وتضاعفت منته ; وهو يذكر هؤلاء العباد الضعاف المحاويج الفانين , الذين لا حول لهم ولا قوة , ولا بقاء لهم ولا قرار . يذكرهم , ويعني بهم , ويصلي عليهم هو وملائكته , ويذكرهم بالخير في الملأ الأعلى فيتجاوب الوجود كله بذكرهم , كما قال رسول الله [ ص ]:" يقول الله تعالى من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي , ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " . .

من الاية 43 الى الاية 46

هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً (46)

ألا إنها لعظيمة لا يكاد الإدراك يتصورها . وهو يعلم أن هذه الأرض ومن عليها وما عليها إن هي إلا ذرة صغيرة زهيدة بالقياس إلى تلك الأفلاك الهائلة . وما الأفلاك وما فيها ومن فيها إلا بعض ملك الله الذي قال له:كن . فكان !

(هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور). .

ونور الله واحد متصل شامل ; وما عداه ظلمات تتعدد وتختلف . وما يخرج الناس من نور الله إلا ليعيشوا في ظلمة من الظلمات , أو في الظلمات مجتمعة ; وما ينقذهم من الظلام إلا نور الله الذي يشرق في قلوبهم , ويغمر أرواحهم , ويهديهم إلى فطرتهم . وهي فطرة هذا الوجود . ورحمة الله بهم وصلاة الملائكة ودعاؤها لهم , هي التي تخرجهم من الظلمات إلى النور حين تتفتح قلوبهم للإيمان: (وكان بالمؤمنين رحيما). .

ذلك أمرهم في الدنيا دار العمل . فأما أمرهم في الآخرة دار الجزاء , فإن فضل الله لا يتخلى عنهم , ورحمته لا تتركهم ; ولهم فيها الكرامة والحفاوة والأجر الكريم:

(تحيتهم يوم يلقونه سلام , وأعد لهم أجرا كريما). .

سلام من كل خوف , ومن كل تعب , ومن كل كد . . سلام يتلقونه من الله تحمله إليهم الملائكة . وهم يدخلون عليهم من كل باب , يبلغونهم التحية العلوية . إلى جانب ما أعد لهم من أجر كريم . . فيا له من تكريم !

فهذا هو ربهم الذي يشرع لهم ويختار . فمن ذا الذي يكره هذا الاختيار ?!

الدرس الرابع:45 - 48 مهمة الرسول عليه السلام

فأما النبي الذي يبلغهم اختيار الله لهم ; ويحقق بسنته العملية ما اختاره الله وشرعه للعباد , فيلتفت السياق التفاتة كذلك إلى بيان وظيفته وفضله على المؤمنين في هذا المقام:

يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا , وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا . وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا . ولا نطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم , وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا . .

فوظيفة النبي [ ص ] فيهم أن يكون(شاهدا), عليهم . فليعملوا بما يحسن هذه الشهادة التي لا تكذب ولا تزور , ولا تبدل , ولا تغير . وأن يكون(مبشرا)لهم بما ينتظر العاملين من رحمة وغفران , ومن فضل وتكريم . وأن يكون(نذيرا)للغافلين بما ينتظر المسيئين من عذاب ونكال , فلا يؤخذوا على غرة , ولا يعذبوا إلا بعد إنذار . (وداعيا إلى الله). . لا إلى دنيا , ولا إلى مجد , ولا إلى عزة قومية , ولا إلى عصبية جاهلية , ولا إلى مغنم , ولا إلى سلطان أو جاه . ولكن داعيا إلى الله . في طريق واحد يصل إلى الله(بإذنه). . فما هو بمبتدع , ولا بمتطوع , ولا بقائل من عنده شيئا . إنما هو إذن الله له وأمره لا يتعداه . (وسراجا منيرا). . يجلو الظلمات , ويكشف الشبهات , وينير الطريق , نورا هادئا هاديا كالسراج المنير في الظلمات .

وهكذا كان رسول الله [ ص ] وما جاء به من النور . جاء بالتصور الواضح البين النير لهذا الوجود , ولعلاقة الوجود بالخالق , ولمكان الكائن الإنساني من هذا الوجود وخالقه , وللقيم التي يقوم عليها الوجود كله , ويقوم عليها وجود هذا الإنسان فيه ; وللمنشأ والمصير , والهدف والغاية , والطريق والوسيلة . في قول فصل لا شبهة فيه ولا غموض . وفي أسلوب يخاطب الفطرة خطابا مباشرا وينفذ إليها من أقرب السبل وأوسع الأبواب وأعمق المسالك والدروب !

من الاية 47 الى الاية 48

وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48)

ويكرر ويفصل في وظيفة الرسول مسألة تبشير المؤمنينSadوبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا). . بعدما أجملها في قولهSadيا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا). . زيادة في بيان فضل الله ومنته على المؤمنين , الذين يشرع لهم على يدي هذا النبي , ما يؤول بهم إلى البشرى والفضل الكبير .

وينهي هذا الخطاب للنبي [ ص ] بألا يطيع الكافرين والمنافقين , وألا يحفل أذاهم له وللمؤمنين , وأن يتوكل على الله وحده وهو بنصره كفيل:

(ولا تطع الكافرين والمنافقين , ودع أذاهم , وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا). .

وهو ذات الخطاب الوارد في أول السورة , قبل ابتداء التشريع والتوجيه , والتنظيم الاجتماعي الجديد . بزيادة توجيه النبي [ ص ] ألا يحفل أذى الكافرين والمنافقين ; وألا يتقيه بطاعتهم في شيء أو الاعتماد عليهم في شيء . فالله وحده هو الوكيل (وكفى بالله وكيلا). .

وهكذا يطول التقديم والتعقيب على حادث زينب وزيد , وإحلال أزواج الأدعياء , والمثل الواقعي الذي كلفه رسول الله [ ص ] مما يشي بصعوبة هذا الأمر , وحاجة النفوس فيه إلى تثبيت الله وبيانه , وإلى الصلة بالله والشعور بما في توجيهه من رحمة ورعاية . كي تتلقى ذلك الأمر بالرضى والقبول والتسليم . .

الوحدة الخامسة:49 - 62 الموضوع:توجيهات لحياة الرسول الخاصة وتعامل المسلمين معه مقدمة الوحدة

هذا الشوط من السورة يتضمن في أوله حكما عاما من أحكام القرآن التشريعية في تنظيم شؤون الأسرة . ذلك حكم المطلقات قبل الدخول . يجيء بعده أحكام خاصة لتنظيم حياة النبي [ ص ] حياته الزوجية الخاصة مع نسائه وعلاقات نسائه كذلك ببقية الرجال , وعلاقة المسلمين ببيت الرسول . وكرامة الرسول وبيته على الله وعلى ملائكته والملأ الأعلى . . وينتهي بحكم عام يشترك فيه نساء النبي وبناته ونساء المؤمنين , يأمرهن فيه بإرخاء جلابيبهن عند الخروج لقضاء الحاجة حتى يتميزن بهذا الزي السابغ ويعرفن , فلا يتعرض لهن ذوو السيرة السيئة من المنافقين والمرجفين والفساق الذين كانوا يتعرضون للنساء في المدينة ! ويختم بتهديد هؤلاء المنافقين والمرجفين بالإجلاء عن المدينة ما لم ينتهوا عن إيذاء المؤمنات وإشاعة الفساد . .

وهذه التشريعات والتوجيهات طرف من إعادة تنظيم الجماعة المسلمة على أساس التصور الإسلامي . فأما ما يختص بحياة الرسول الشخصية , فقد شاء الله أن يجعل حياة هذا البيت صفحة معروضة للأجيال , فضمنها

من الاية 49 الى الاية 49

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (49)

هذا القرآن الباقي , المتلو في كل زمان ومكان ; وهي في الوقت ذاته آية تكريم الله - سبحانه - لهذا البيت , الذي يتولى بذاته العلية أمره , ويعرضه للبشرية كافة في قرآنه الخالد على الزمان . .

الدرس الأول:49 لا عدة للمطلقة قبل الدخول وحقها في المتعة

(يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن , فما لكم عليهن من عدة تعتدونها , فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا). .

ولقد سبق في سورة البقرة بيان حكم المطلقات قبل الدخول في قوله تعالى:

(لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة , ومتعوهن على الموسع قدره , وعلى المقتر قدره , متاعا بالمعروف حقا على المحسنين . وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح . وأن تعفوا أقرب للتقوى , ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير). .

فالمطلقة قبل الدخول إن كان قد فرض لها مهر , فلها نصف ذلك المهر المسمى . وإن لم يذكر لها مهر فلها متاع يتبع قدرة المطلق سعة وضيقا . . وقد زاد هنا في آية الأحزاب بيان حكم العدة لهذه المطلقة وهو ما لم يذكر في آيتي البقرة . فقرر أن لا عدة عليها . إذ أنه لم يكن دخول بها . والعدة إنما هي استبراء للرحم من الحمل , وتأكد من أنها خالية من آثار الزواج السابق , كي لا تختلط الأنساب , ولا ينسب إلى رجل ما ليس منه , ويسلب رجل ما هو منه في رحم المطلقة . فأما في حالة عدم الدخول فالرحم بريئة , ولا عدة إذن ولا انتظار: (فما لكم عليهن من عدة تعتدونها). .(فمتعوهن)إن كان هناك مهر مسمى فبنصف هذا المهر , وإن لم يكن فمتاع مطلق يتبع حالة الزوج المالية . (وسرحوهن سراحا جميلا). . لا عضل فيه ولا أذى . ولا تعنت ولا رغبة في تعويقهن عن استئناف حياة أخرى جديدة .

وهذا حكم عام جاء في سياق السورة في صدد تنظيم الحياة العامة للجماعة المسلمة .

الدرس الثاني:50 - 52 ما يحل وما لا يحل للرسول من النساء

بعد ذلك يبين الله لرسوله [ ص ] ما يحل له من النساء , وما في ذلك من خصوصية لشخصه ولأهل بيته , بعدما نزلت آية سورة النساء التي تجعل الحد الأقصى للأزواج أربعا: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع). .

وكان في عصمة النبي في هذا الوقت تسع نساء , تزوج بكل منهن لمعنى خاص . عائشة وحفصة ابنتا صاحبيه أبي بكر وعمر . وأم حبيبة بنت أبي سفيان , وأم سلمة , وسودة بنت زمعة , وزينب بنت خزيمة من المهاجرات اللواتي فقدن أزواجهن وأراد النبي [ ص ] تكريمهن , ولم يكن ذوات جمال ولا شباب , إنما كان معنى التكريم لهن خالصا في هذا الزواج . وزينب بنت جحش وقد علمنا قصة زواجها , وقد كان هناك تعويض لها كذلك عن طلاقها من زيد الذي زوجها رسول الله منه فلم تفلح الزيجة لأمر قضاه الله تعالى , وعرفناه في قصتها . ثم جويرية بنت الحارث من بني المصطلق , وصفية بنت حيي بن أخطب . وكانتا من السبي فأعتقهما رسول الله وتزوج بهما الواحدة تلو الأخرى , توثيقا لعلاقته بالقبائل , وتكريما لهما , وقد أسلمتا بعدما نزل بأهلهما من الشدة .

وكن قد أصبحن (أمهات المؤمنين)ونلن شرف القرب من رسول الله [ ص ] واخترن الله ورسوله والدار الآخرة بعد نزول آيتي التخيير . فكان صعبا على نفوسهن أن يفارقهن رسول الله بعد تحديد عدد

من الاية 50 الى الاية 52

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (50) تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً (52)

النساء . وقد نظر الله إليهن , فاستثنى رسول الله [ ص ] من ذلك القيد , وأحل له استبقاء نسائه جميعا في عصمته , وجعلهن كلهن حلا له , ثم نزل القرآن بعد ذلك بألا يزيد عليهن أحدا , ولا يستبدل بواحدة منهن أخرى . فإنما هذه الميزة لهؤلاء اللواتي ارتبطن به وحدهن , كي لا يحرمن شرف النسبة إليه , بعدما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة . . وحول هذه المبادئ تدور هذه الآيات:

يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن , وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك , وبنات عمك وبنات عماتك , وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك , وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها , خالصة لك من دون المؤمنين , قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم , لكي لا يكون عليك حرج , وكان الله غفورا رحيما . ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء , ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك . ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن , والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما . لا يحل لك النساء من بعد , ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن - إلا ما ملكت يمينك - وكان الله على كل شيء رقيبا . .

ففي الآية يحل الله للنبي [ ص ] أنواع النساء المذكورات فيها - ولو كن فوق الأربع - مما هو محرم على غيره . وهذه الأنواع هي:الأزواج اللواتي أمهرهن . وما ملكت يمينه إطلاقا من الفيء , وبنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته ممن هاجرن معه دون غيرهن ممن لم يهاجرن - إكراما للمهاجرات - وأيما امرأة وهبت نفسها للنبي بلا مهر ولا ولي . إن أراد النبي نكاحها [ وقد تضاربت الروايات حول ما إذا كان النبي [ ص ] قد تزوج واحدة من هذا الصنف من النساء أم لم يتزوج , والأرجح أنه زوج اللواتي عرضن أنفسهن عليه من رجال آخرين ] وقد جعل الله هذه خصوصية للنبي [ ص ] بما أنه ولي المؤمنين والمؤمنات جميعا . فأما الآخرون فهم خاضعون لما بينه الله وفرضه عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم . ذلك كي لا يكون على النبي حرج في استبقاء أزواجه وفي الاستجابة للظروف الخاصة المحيطة بشخصه .

ثم ترك الخيار له [ ص ] في أن يضم إلى عصمته من شاء ممن يعرضن أنفسهن عليه , أو يؤجل ذلك . ومن أرجأهن فله أن يعود إليهن حين يشاء . . وله أن يباشر من نسائه من يريد ويرجئ من يريد . ثم يعود . . (ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن). . فهي مراعاة الظروف الخاصة المحيطة بشخص الرسول [ ص ] والرغبات الموجهة إليه , والحرص على شرف الاتصال به , مما يعلمه الله ويدبره بعلمه وحلمه . (والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما).

ثم أنزل الله تحريم من عدا نسائه اللواتي في عصمته فعلا , لا من ناحية العدد , ولكن هن بذواتهن لا يستبدل بهن غيرهن ; ولم يعرف أن رسول الله قد زاد عليهن قبل التحريم:

(لا يحل لك النساء من بعد , ولا أن تبدل بهن من أزواج - ولو أعجبك حسنهن)لا يستثني من ذلك - (إلا ما ملكت يمينك). . فله منهن ما يشاء . . (وكان الله على كل شيء رقيبا). . والأمر موكول إلى هذه الرقابة واستقرارها في القلوب .

وقد روت عائشة - رضي الله عنها - أن هذا التحريم قد ألغي قبل وفاة النبي [ ص ] وتركت له حرية الزواج . ولكنه [ ص ] لم يتزوج كذلك غيرهن بعد هذه الإباحة . فكن هن أمهات المؤمنين . .

من الاية 53 الى الاية 54

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً (53) إِن تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54)

الدرس الثالث:53 - 55 تنظيم علاقة المسلمين ببيوت النبي وزوجاته

بعد ذلك ينظم القرآن علاقة المسلمين ببيوت النبي [ ص ] وبنسائه - أمهات المؤمنين - في حياته وبعد وفاته كذلك . ويواجه حالة كانت واقعة , إذ كان بعض المنافقين والذين في قلوبهم مرض يؤذون النبي [ ص ] في بيوته وفي نسائه . فيحذرهم تحذيرا شديدا , ويريهم شناعة جرمهم عند الله وبشاعته . و يهددهم بعلم الله لما يخفون في صدورهم من كيد وشر:

(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام - غير ناظرين إناه - ولكن إذا دعيتم فادخلوا , فإذا طعمتم فانتشروا . ولا مستأنسين لحديث . إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق . وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب . ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن . وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله , ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا . إن ذلكم كان عند الله عظيما . إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما). .

روى البخاري - بإسناده - عن أنس بن مالك قال:بنى النبي [ ص ] بزينب بنت جحش بخبز ولحم . فأرسلت على الطعام داعيا . فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون . ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون . فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه . فقلت:يا رسول الله ما أجد أحدا أدعوه . قال:" ارفعوا طعامكم " . وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت . فخرج رسول الله [ ص ] فانطلق إلى حجرة عائشة - رضي الله عنها - فقال " السلام عليكم - أهل البيت - ورحمة الله وبركاته " . قالت:وعليك السلام ورحمة الله . كيف وجدت أهلك يا رسول الله ? " بارك الله لك " . فتقرى حجر نسائه , كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة , ويقلن كما قالت عائشة . ثم رجع النبي [ ص ] فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون . وكان النبي [ ص ] شديد الحياء . فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة . فما أدري أخبرته أم أخبر أن القوم خرجوا . فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخله والأخرى خارجه . أرخى الستر بيني وبينه , وأنزلت آية الحجاب .

والآية تتضمن آدابا لم تكن تعرفها الجاهلية في دخول البيوت , حتى بيت رسول الله [ ص ] فقد كان الناس يدخلون البيوت بلا إذن من أصحابه
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى