منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سوره النمل ايه رقم 38 الى 59 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سوره النمل ايه رقم 38 الى 59 الشيخ  سيد قطب Empty تفسير سوره النمل ايه رقم 38 الى 59 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الأربعاء مايو 30, 2012 4:15 am

من الاية 38 الى الاية 40

قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)

ويسدل الستار على هذا المشهد العنيف وينصرف الرسل , ويدعهم السياق لا يشير إليهم بكلمة كأنما قضي الأمر , وانتهى الكلام في هذا الشأن .

ثم إذا سليمان - عليه السلام - يدرك أن هذا الرد سينهي الأمر مع ملكة لا تريد العداء - كما يبدو من طريقتها في مقابلة رسالته القوية بهدية ! - ويرجح أنها ستجيب دعوته . أو يؤكد . وقد كان .

ولكن السياق لا يذكر كيف عاد رسلها إليها , ولا ماذا قالوا لها , ولا ماذا اعتزمت بعدها . إنما يترك فجوة نعلم مما بعدها أنها قادمة , وأن سليمان يعرف هذا , وأنه يتذاكر مع جنوده في استحضار عرشها , الذي خلفته في بلادها محروسا مصونا:

(قال:يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ? قال عفريت من الجن:أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك . وإني عليه لقوي أمين . قال الذي عنده علم من الكتاب:أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك). .

ترى ما الذي قصد إليه سليمان - عليه السلام - من استحضار عرشها قبل مجيئها مسلمة مع قومها ? نرجح أن هذه كانت وسيلة لعرض مظاهر القوة الخارقة التي تؤيده , لتؤثر في قلب الملكة وتقودها إلى الإيمان بالله , والإذعان لدعوته .

وقد عرض عفريت من الجن أن يأتيه به قبل انقضاء جلسته هذه . وكان يجلس للحكم والقضاء من الصبح إلى الظهر فيما يروى . فاستطول سليمان هذه الفترة واستبطأها - فيما يبدو - فإذا (الذي عنده علم من الكتاب)يعرض أن يأتي به في غمضة عين قبل أن يرتد إليه طرفه , ولا يذكر اسمه , ولا الكتاب الذي عنده علم منه . إنما نفهم أنه رجل مؤمن على اتصال بالله , موهوب سرا من الله يستمد به من القوة الكبرى التي لا تقف لها الحواجز والأبعاد . وهو أمر يشاهد أحيانا على أيدي بعض المتصلين , ولم يكشف سره ولا تعليله , لأنه خارج عن مألوف البشر في حياتهم العادية . وهذا أقصى ما يقال في الدائرة المأمونة التي لا تخرج إلى عالم الأساطير والخرافات !

ولقد جرى بعض المفسرين وراء قوله: (عنده علم من الكتاب)فقال بعضهم:إنه التوراة . وقال بعضهم:إنه كان يعرف اسم الله الأعظم . وقال بعضهم غير هذا وذاك . وليس فيما قيل تفسير ولا تعليل مستيقن . والأمر أيسر من هذا كله حين ننظر إليه بمنظار الواقع , فكم في هذا الكون من أسرار لا نعلمها , وكم فيه من قوى لا نستخدمها . وكم في النفس البشرية من أسرار كذلك وقوى لا نهتدي إليها . فحيثما أراد الله هدى من يريد إلى أحد هذه الأسرار وإلى واحدة من هذه القوى فجاءت الخارقة التي لا تقع في مألوف الحياة , وجرت بإذن الله وتدبيره وتسخيره , حيث لا يملك من لم يرد الله أن يجريها على يديه أن يجريها .

وهذا الذي عنده علم من الكتاب , كانت نفسه مهيأة بسبب ما عنده من العلم , أن تتصل ببعض الأسرار والقوى الكونية التي تتم بها تلك الخارقة التي تمت على يده , لأن ما عنده من علم الكتاب وصل قلبه بربه على نحو يهيئه للتلقي , ولاستخدام ما وهبه الله من قوى وأسرار .

وقد ذكر بعض المفسرين أنه هو سليمان نفسه - عليه السلام - ونحن نرجح أنه غيره . فلو كان هو لأظهره السياق باسمه ولما أخفاه . والقصة عنه , ولا داعي لإخفاء اسمه فيها عند هذا الموقف الباهر . وبعضهم قال:إن اسمه آصف ابن برخيا ولا دليل عليه
من الاية 41 الى الاية 43

قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)

(فلما رآه مستقرا عنده قال:هذا من فضل ربي , ليبلوني أأشكر أم أكفر ? ومن شكر فإنما يشكر لنفسه , ومن كفر فإن ربي غني كريم).

لقد لمست هذه المفاجأة الضخمة قلب سليمان - عليه السلام - وراعه أن يحقق الله له مطالبه على هذا النحو المعجز ; واستشعر أن النعمة - على هذا النحو - ابتلاء ضخم مخيف ; يحتاج إلى يقظة منه ليجتازه , ويحتاج إلى عون من الله ليتقوى عليه ; ويحتاج إلى معرفة النعمة والشعور بفضل المنعم , ليعرف الله منه هذا الشعور فيتولاه . والله غني عن شكر الشاكرين , ومن شكر فإنما يشكر لنفسه , فينال من الله زيادة النعمة , وحسن المعونة على اجتياز الابتلاء . ومن كفر فإن الله(غني)عن الشكر(كريم)يعطي عن كرم لا عن ارتقاب للشكر على العطاء .

وبعد هذه الانتفاضة أمام النعمة والشعور بما وراءها من الابتلاء يمضي سليمان - عليه السلام - في تهيئة المفاجآت للملكة القادمة عما قليل:

(قال:نكروا لها عرشها . ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون).

غيروا معالمه المميزة له , لنعرف إن كانت فراستها وفطنتها تهتدي إليه بعد هذا التنكير . أم يلبس عليها الأمر فلا تنفذ إلى معرفته من وراء هذا التغيير .

ولعل هذا كان اختبارا من سليمان لذكائها وتصرفها , في أثناء مفاجأتها بعرشها . ثم إذا مشهد الملكة ساعة الحضور:

(فلما جاءت قيل:أهكذا عرشك ? قالت:كأنه هو). .

إنها مفاجأة ضخمة لا تخطر للملكة على بال . فأين عرشها في مملكتها , وعليها أقفالها وحراسها . . أين هو من بيت المقدس مقر ملك سليمان ? وكيف جيء به ? ومن ذا الذي جاء به ?

ولكن العرش عرشها من وراء هذا التغيير والتنكير !

ترى تنفي أنه هو بناء على تلك الملابسات ? أم تراها تقول:إنه هو بناء على ما تراه فيه من أمارات ? وقد انتهت إلى جواب ذكي أريب: (قالت:كأنه هو)لا تنفي ولا تثبت , وتدل على فراسة وبديهة في مواجهة المفاجأة العجيبة .

وهنا فجوة في السياق . فكأنما أخبرت بسر المفاجأة . فقالت:إنها استعدت للتسليم والإسلام من قبل أي منذ اعتزمت القدوم على سليمان بعد رد الهدية .

(وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين). .

ثم يتدخل السياق القرآني لبيان ما كان قد منعها قبل ذلك من الإيمان بالله وصدها عن الإسلام عندما جاءها كتاب سليمان ; فقد نشأت في قوم كافرين , فصدها عن عبادة الله عبادتها من دونه من خلقه , وهي الشمس كما جاء في أول القصة:

(وصدها ما كانت تعبد من دون الله . إنها كانت من قوم كافرين). .

وكان سليمان - عليه السلام - قد أعد للملكة مفاجأة أخرى , لم يكشف السياق عنها بعد , كما كشف عن المفاجأة الأولى قبل ذكر حضورها - وهذه طريقة أخرى في الأداء القرآني في القصة غير الطريقة الأولى :

من الاية 44 الى الاية 44

قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)

(قيل لها:ادخلي الصرح . فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها ! قال:إنه صرح ممرد من قوارير ! قالت:رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين). .

لقد كانت المفاجأة قصرا من البلور , أقيمت أرضيته فوق الماء , وظهر كأنه لجة . فلما قيل لها:ادخلي الصرح , حسبت أنها ستخوض تلك اللجة . فكشفت عن ساقيها ? فلما تمت المفاجأة كشف لها سليمان عن سرها: (قال:إنه صرح ممرد من قوارير)!

ووقفت الملكة مفجوءة مدهوشة أمام هذه العجائب التي تعجز البشر , وتدل على أن سليمان مسخر له قوى أكبر من طاقة البشر . فرجعت إلى الله , وناجته معترفة بظلمها لنفسها فيما سلف من عبادة غيره . معلنة إسلامها (مع سليمان)لا لسليمان . ولكن (لله رب العالمين).

لقد اهتدى قلبها واستنار . فعرفت أن الإسلام لله ليس استسلاما لأحد من خلقه , ولو كان هو سليمان النبي الملك صاحب هذه المعجزات . إنما الإسلام إسلام لله رب العالمين . ومصاحبة للمؤمنين به والداعين إلى طريقه على سنة المساواة . . (وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين).

وسجل السياق القرآني هذه اللفتة وأبرزها , للكشف عن طبيعة الإيمان بالله , والإسلام له . فهي العزة التي ترفع المغلوبين إلى صف الغالبين . بل التي يصبح فيها الغالب والمغلوب أخوين في الله . لا غلاب منهما ولا مغلوب وهما أخوان في الله . . رب العالمين . . على قدم المساواة .

ولقد كان كبراء قريش يستعصون على دعوة الرسول [ ص ] إياهم إلى الإسلام . وفي نفوسهم الكبر أن ينقادوا إلى محمد بن عبدالله , فتكون له الرياسة عليهم والاستعلاء . فها هي ذي امرأة في التاريخ تعلمهم أن الإسلام لله يسوي بين الداعي والمدعوين . بين القائد والتابعين . فإنما يسلمون مع رسول الله لله رب العالمين !

الوحدة الرابعة:45 - 53 الموضوع:لقطات من قصة صالح مع ثمود

من الاية 45 الى الاية 46

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)

في معظم المواضع في القرآن ترد قصة صالح وثمود في سياق قصص عام مع نوح وهود , ولوط وشعيب . وأحيانا تجيء قصة إبراهيم في هذا السياق أو لا تجيء . أما في هذه السورة والتركيز فيها على قصص بني إسرائيل , فقد جاءت قصة موسى وقصة داود وسليمان . واختصرت قصة هود وقصة شعيب من السلسلة ولم تجى ء قصة إبراهيم .

وفي هذه السورة لا تذكر حلقة الناقة في قصة صالح - عليه السلام - إنما يذكر تبييت الرهط التسعة المفسدين لصالح وأهله , ومكرهم به وهو لا يشعر , فمكر الله بالمفسدين وهم لا يشعرون , ودمرهم وقومهم أجمعين . وأنجى الذين آمنوا وكانوا يتقون , وترك بيوت المفسدين خاوية وجعلها لمن بعدهم آية . والمشركون في مكة يمرون بهذه البيوت المدمرة الخاوية ولكنهم لا يعتبرون . . .

(ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله , فإذا هم فريقان يختصمون). .

يلخص رسالة صالح - عليه السلام - في حقيقة واحدة: (أن اعبدوا الله)فهذه هي القاعدة التي ترتكز عليها رسالة السماء إلى الأرض في كل جيل , ومع كل رسول . ومع أن كل ما حول البشر في هذا الكون , وكل ما يكمن فيهم أنفسهم , يهتف بهم إلى الإيمان بهذه الحقيقة الواحدة , فقد أمضت البشرية أجيالا وأزمانا لا يعلمها إلا الله , وهي تقف أمام هذه الحقيقة البسيطة وقفة الإنكار والجحود , أو وقفة الهزء والتكذيب . وما تزال إلى اليوم تروغ عن هذه الحقيقة الخالدة , وتجنح إلى شتى السبل , التي تتفرق بها عن سبيل الله الواحد المستقيم .

فأما قوم صالح - ثمود - فيحكي القرآن خلاصة موقفهم بعد دعوته إياهم , وجهده معهم بأنهم أصبحوا فريقين يختصمون . فريقا يستجيب له , وفريقا يخالف عنه . وكان الفريق المعارض هو الكثرة , كما نعرف من المواضع الأخرى في القرآن عن هذه القصة .

وهنا فجوة في السورة على طريقة القصص القرآني ندرك منها أن المكذبين المعرضين استعجلوا عذاب الله الذي أنذرهم به صالح , بدلا من أن يطلبوا هدى الله ورحمته - شأنهم في هذا شأن مشركي قريش مع الرسول الكريم - فأنكر عليهم صالح أن يستعجلوا بالعذاب ولا يطلبوا الهداية , وحاول أن يوجههم إلى الاستغفار لعل الله يدركهم برحمته:

قال:يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة ? لو لا تستغفرون الله لعلكم ترحمون !

ولقد كان يبلغ من فساد القلوب أن يقول المكذبون: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم). . بدلا من أن يقولوا:اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إلى الإيمان به والتصديق !

وكذلك كان قوم صالح يقولون . ولا يستجيبون لتوجيه رسولهم إلى طريق الرحمة والتوبة والاستغفار . ويعتذرون عن ضيقهم به وبالذين آمنوا معه بأنهم يرونهم شؤما عليهم , ويتوقعون الشر من ورائهم:

(قالوا:اطيرنا بك وبمن معك).

والتطير . التشاؤم . مأخوذ من عادة الأقوام الجاهلة التي تجري وراء الخرافات والأوهام , لأنها لا تخرج منها إلى نصاعة الإيمان . فقد كان الواحد منهم إذا هم بأمر لجأ إلى طائر فزجره أي أشار إليه مطاردا . فإن مر سانحا عن يمينه إلى يساره استبشر ومضى في الأمر . وإن مر بارحا عن يساره إلى يمينه تشاءم وتوقع الضر !
من الاية 47 الى الاية 48

قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)

وما تدري الطير الغيب , وما تنبئ حركاتها التلقائية عن شيء من المجهول . ولكن النفس البشرية لا تستطيع أن تعيش بلا مجهول مغيب تكل إليه ما لا تعرفه وما لا تقدر عليه . فإذا لم تكل المجهول المغيب إلى الإيمان بعلام الغيوب وكلته إلى مثل هذه الأوهام والخرافات التي لا تقف عند حد , ولا تخضع لعقل , ولا تنتهي إلى اطمئنان ويقين .

وحتى هذه اللحظة ترى الذين يهربون من الإيمان بالله , ويستنكفون أن يكلوا الغيب إليه , لأنهم - بزعمهم - قد انتهوا إلى حد من العلم لا يليق معه أن يركنوا إلى خرافة الدين ! - هؤلاء الذين لا يؤمنون بالله ولا بدينه ولا بغيبه . . نراهم يعلقون أهمية ضخمة على رقم 13 , وعلى مرور قط أسود يقطع الطريق أمامهم , وعلى إشعال0 أكثر من لفافتين بعود ثقاب واحد . . . إلى آخر هذه الخرافات الساذجة . ذلك أنهم يعاندون حقيقة الفطرة . وهي جوعتها إلى الإيمان , وعدم استغنائها عنه , وركونها إليه في تفسير كثير من حقائق هذا الكون التي لم يصل إليها علم الإنسان ; وبعضها لن يصل إليه في يوم من الأيام , لأنه أكبر من الطاقة البشرية , ولأنه خارج عن اختصاص الإنسان , زائد على مطالب خلافته في هذه الأرض , التي زود على قدرها بالمواهب والطاقات !

فلما قال قوم صالح قولتهم الجاهلة الساذجة , الضالة في تيه الوهم والخرافة , ردهم صالح إلى نور اليقين , وإلى حقيقته الواضحة , البعيدة عن الضباب والظلام:

(قال:طائركم عند الله).

حظكم ومستقبلكم ومصيركم عند الله . والله قد سن سننا وأمر الناس بأمور , وبين لهم الطريق المستنير . فمن اتبع سنة الله , وسار على هداه , فهناك الخير , بدون حاجة إلى زجر الطير . ومن انحرف عن السنة , وحاد عن السواء , فهناك الشر , بدون حاجة إلى التشاؤم والتطير .

(بل أنتم قوم تفتنون). .

تفتنون بنعمة الله , وتختبرون بما يقع لكم من خير ومن شر . فاليقظة وتدبر السنن , وتتبع الحوادث والشعور بما وراءها من فتنة وابتلاء هو الكفيل بتحقيق الخير في النهاية . لا التشاؤم والتطير ببعض خلق الله من الطير ومن الناس سواء .

وهكذا ترد العقيدة الصحيحة الناس إلى الوضوح والاستقامة في تقدير الأمور . وترد قلوبهم إلى اليقظة والتدبر فيما يقع لهم أو حولهم . وتشعرهم أن يد الله وراء هذا كله , وأن ليس شيء مما يقع عبثا أو مصادفة . . وبذلك ترتفع قيمة الحياة وقيمة الناس . وبذلك يقضي الإنسان رحلته على هذا الكوكب غير مقطوع الصلة بالكون كله من حوله , وبخالق الكون ومدبره , وبالنواميس التي تدبر هذا الكون وتحفظه بأمر الخالق المدبر الحكيم .

ولكن هذا المنطق المستقيم إنما تستجيب له القلوب التي لم تفسد , ولم تنحرف الانحراف الذي لا رجعة منه . وكان من قوم صالح , من كبرائهم , تسعة نفر لم يبق في قلوبهم موضع للصلاح والإصلاح . فراحوا يأتمرون به , ويدبرون له ولأهله في الظلام . .

(وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون . قالوا:تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله , ثم لنقولن لوليه:ما شهدنا مهلك أهله . وإنا لصادقون). .

هؤلاء الرهط التسعة الذين تمحضت قلوبهم وأعمالهم للفساد وللإفساد , لم يعد بها متسع للصلاح والإصلاح , فضاقت نفوسهم بدعوة صالح وحجته , وبيتوا فيما بينهم أمرا . ومن العجب أن يتداعوا إلى القسم بالله مع هذا

من الاية 49 الى الاية 53

قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)

الشر المنكر الذي يبيتونه , وهو قتل صالح وأهله بياتا , وهو لا يدعوهم إلا لعبادة الله !

وإنه لمن العجب كذلك أن يقولوا: (تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه:ما شهدنا مهلك أهله)ولا حضرنا مقتله . . (وإنا لصادقون). . فقد قتلوهم في الظلام فلم يشهدوا هلاكهم أي لم يروه بسبب الظلام !

وهو احتيال سطحي وحيلة ساذجة . ولكنهم يطمئنون أنفسهم بها , ويبررون كذبهم , الذي اعتزموه للتخلص من أولياء دم صالح وأهله . نعم من العجب أن يحرص مثل هؤلاء على أن يكونوا صادقين ! ولكن النفس الإنسانية مليئة بالانحرافات والالتواءات , وبخاصة حين لا تهتدي بنور الإيمان , الذي يرسم لها الطريق المستقيم .

كذلك دبروا . وكذلك مكروا . . ولكن الله كان بالمرصاد يراهم ولا يرونه , ويعلم تدبيرهم ويطلع على مكرهم وهم لا يشعرون:

(ومكروا مكرا , ومكرنا مكرا . وهم لا يشعرون). .

وأين مكر من مكر ? وأين تدبير من تدبير ? وأين قوة من قوة ?

وكم ذا يخطئ الجبارون وينخدعون بما يملكون من قوة ومن حيلة , ويغفلون عن العين التي ترى ولا تغفل , والقوة التي تملك الأمر كله وتباغتهم من حيث لا يشعرون:

(فانظر كيف كان عاقبة مكرهم . أنا دمرناهم وقومهم أجمعين . فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا). .

ومن لمحة إلى لمحة إذا التدمير والهلاك , وإذا الدور الخاوية والبيوت الخالية . وقد كانوا منذ لحظة واحدة , في الآية السابقة من السورة , يدبرون ويمكرون , ويحسبون أنهم قادرون على تحقيق ما يمكرون !

وهذه السرعة في عرض هذه الصفحة بعد هذه مقصودة في السياق . لتظهر المباغتة الحاسمة القاضية . مباغتة القدرة التي لا تغلب للمخدوعين بقوتهم ; ومباغتة التدبير الذي لا يخيب للماكرين المستعزين بمكرهم .

(إن في ذلك لآية لقوم يعلمون). . والعلم هو الذي عليه التركيز في السورة وتعقيباتها على القصص والأحداث

وبعد مشهد المباغتة يجيء ذكر نجاة المؤمنين الذين يخافون الله ويتقونه . .

(وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون). .

والذي يخاف الله يقيه سبحانه من المخاوف فلا يجمع عليه خوفين . كما جاء في حديث قدسي جليل .

الوحدة الخامسة:54 - 58 الموضوع:لقطات من قصة لوط مع قومه

من الاية 54 الى الاية 55

وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)

هذه الحلقة القصيرة من قصة لوط تجيء مختصرة , تبرز هم قوم لوط بإخراجه , لأنه أنكر عليهم الفاحشة الشاذة التي كانوا يأتونها عن إجماع واتفاق وتعارف وعلانية . فاحشة الشذوذ الجنسي بإتيان الرجال , وترك النساء , على غير الفطرة التي فطر الله الناس عليها . بل عامة الأحياء .

وهي ظاهرة غريبة في تاريخ الجماعات البشرية . فقد يشذ أفراد , لأسباب مرضية نفسية أو لملابسات وقتية ; فيميل الذكور لإتيان الذكور ; وأكثر ما يكون هذا في معسكرات الجنود حيث لا يوجد النساء , أو في السجون التي يقيم فيها المسجونون فترات طويلة معرضين لضغط الميل الجنسي , محرومين من الاتصال بالنساء . . أما أن يشيع هذا الشذوذ فيصبح هو القاعدة في بلد بأسره , مع وجود النساء وتيسر الزواج , فهذا هو الحادث الغريب حقا في تاريخ الجماعات البشرية !

لقد جعل الله من الفطرة ميل الجنس إلى الجنس الآخر , لأنه جعل الحياة كلها تقوم على قاعدة التزواج . فقالSadسبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض , ومن أنفسهم ومما لا يعلمون). فجعل الأحياء كلها أزواجا سواء نبات الأرض والأنفس وما لا يعلمه الناس في شتى المخلوقات . والتزاوج يبدو أصيلا في بناء الكون كله - فضلا على الأحياء - فالذرة ذاتها مؤلفة من كهارب وإلكترونات . أي من كهربائية إيجابية وأخرى سلبية . وهي وحدة الكائنات المكرورة فيها جميعا كما يبدو حتى الآن .

وعلى أية حال فالحقيقة المضمونة أن الأحياء كلها تقوم على قاعدة التزاوج . حتى التي لا يوجد لها من جنسها ذكر وأنثى تجتمع خلايا التذكير والتأنيث في آحادها , وتتكاثر بهذا الاجتماع .

ولما كان التزاوج هو قاعدة الحياة في ناموس الخلق , فقد جعل الله التجاذب بين الزوجين هو الفطرة , التي لا تحتاج إلى تعليم , ولا تتوقف علي تفكير . وذلك كي تسير الحياة في طريقها بدافع الفطرة الأصيل . والأحياء يجدون لذتهم في تحقيق مطالب الفطرة . والقدرة المدبرة تحقق ما تشاؤه من وراء لذتهم المودعة في كيانهم بلا وعي منهم ولا توجيه من غيرهم . وقد جعل الله تركيب أعضاء الأنثى وأعضاء الذكر , وميول هذا وتلك بحيث تحقق اللذة الفطرية من اجتماعهما . ولم يجعل هذا في أعضاء الذكرين وميولهما .

ومن ثم يكون عجيبا أن تنحرف الفطرة انحرافا جماعيا كما حدث في قوم لوط , بدون ضرورة دافعة إلى عكس اتجاه الفطرة المستقيم .

وهكذا واجه لوط قومه بالاستنكار والعجب مما يفعلون !

(ولوطا إذ قال لقومه:أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ? أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ? بل أنتم قوم تجهلون). .

عجب في عبارته الأولى من إتيانهم هذه الفاحشة , وهم يبصرون الحياة في جميع أنواعها وأجناسها تجري على نسق الفطرة , وهم وحدهم الشواذ في وسط الحياة والأحياء . . وصرح في عبارته الثانية بطبيعة تلك الفاحشة . ومجرد الكشف عنها يكفي لإبراز شذوذها وغرابتها لمألوف البشرية , ولمألوف الفطرة جميعا . ثم دمغهم بالجهل بمعنييه:الجهل بمعنى فقدان العلم . والجهل بمعنى السفه والحمق . وكلا المعنيين متحقق في هذا الانحراف البغيض . فالذي لا يعرف منطق الفطرة يجهل كل شيء , ولا يعلم شيئا أصلا . والذي يميل هذا الميل عن الفطرة سفيه أحمق معتد على جميع الحقوق !

فماذا كان جواب قوم لوط على هذا الاستنكار للانحراف , وهذا التوجيه إلى وحي الفطرة السليمة ?

من الاية 56 الى الاية 58

فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (58)

كان جوابهم في اختصار أن هموا بإخراج لوط ومن سمع دعوته وهم أهل بيته - إلا امرأته - بحجة أنهم أناس يتطهرون !

فما كان جواب قومه إلا أن قالوا:أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم ناس يتطهرون .

وقولهم هذا قد يكون تهكما بالتطهر من هذا الرجس القذر . وقد يكون إنكارا عليه أن يسمى هذا تطهرا , فهم من انحراف الفطرة بحيث لا يستشعرون ما في ميلهم المنحرف من قذارة . وقد يكون ضيقا بالطهر والتطهر إذا كان يكلفهم الإقلاع عن ذلك الشذوذ !!

على أية حال لقد هموا همهم , وحزموا أمرهم . وأراد الله غير ما كانوا يريدون:

فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين . وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين . .

ولا يذكر تفصيلات هنا عن هذا المطر المهلك كما وردت تفصيلاته في السور الأخرى . فنكتفي نحن بهذا مجاراة للسياق . ولكننا نلمح في اختيار هلاك قوم لوط بالمطر , وهو الماء المحيي المنبت أنه مماثل لاستخدامهم ماء الحياة - ماء النطف - في غير ما جعل له وهو أن يكون مادة حياة وخصب . . والله أعلم بقوله ومراده , وأعلم بسننه وتدبيره . وإن هو إلا رأي أراه في هذا التدبير .

انتهى الجزء التاسع عشر و يليه الجزء العشرون

مبدوءاً بقوله تعالى (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى)

من الاية 59 الى الاية 59

قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)

الوحدة السادسة:59 - 93 الموضوع:جولات من عالم الغيب والشهادة على حقائق العقيدة مقدمة

هذا الدرس ختام سورة النمل , بعد استعراض حلقات من قصص موسى وداود وسليمان وصالح ولوط - عليهم السلام - وهذا الختام متصل بمطلع السورة في الموضوع . والقصص بينهما متناسق مع المطلع والختام . كل قصة تؤدي جانبا من جوانب الغرض الذي يعالجه سياق السورة كلها .

وهو يبدأ بالحمد لله , وبالسلام على من اصطفاهم من عباده , من الأنبياء والرسل , ومنهم الذين ورد قصصهم من قبل . يفتتح بذلك الحمد وهذا السلام جولة عن العقيدة . جولة في مشاهد الكون وأغوار النفس , وأطواء الغيب ; وفي أشراط الساعة ومشاهد القيامة , وأهوال الحشر , التي يفزع لها من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله .

في هذه الجولة يقفهم أمام مشاهدات في صفحة الكون وفي أطواء النفس , لا يملكون إنكار وجودها , ولا يملكون تعليلها بغير التسليم بوجود الخالق الواحد المدبر القدير .

ويتوالى عرض هذه المشاهدات في إيقاعات مؤثرة , تأخذ عليهم أقطار الحجة , وأقطار المشاعر ; وهو يسألهم أسئلة متلاحقة:من خلق السماوات والأرض ? من أنزل من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ? من جعل الأرض قرارا , وجعل خلالها أنهارا , وجعل لها رواسي , وجعل بين البحرين حاجزا ? من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ? من يجعلكم خلفاء الأرض ? من يهديكم في ظلمات البر والبحر ? من يرسل الرياح بشرابين يدي رحمته ? من يبدأ الخلق ثم يعيده ? من يرزقكم من السماء والأرض ? وفي كل مرة يقرعهم:أ إله مع الله ? وهم لا يملكون أن يدعوا هذه الدعوى . لا يملكون أن يقولوا:إن إلها مع الله يفعل من هذا كله شيئا ; وهم مع هذا يعبدون أربابا من دون الله !

وعقب هذه الإيقاعات القوية التي تقتحم القلوب , لأنها إيقاعات كونية تملأ صفحة الوجود من حولهم , أو إيقاعات وجدانية يحسونها في قلوبهم . . يستعرض تكذيبهم بالآخرة , وتخبطهم في أمرها , ويعقب عليه بتوجيه قلوبهم إلى مصارع الغابرين الذين كانوا مثلهم يكذبون ويتخبطون .

ويخلص من هذا إلى عرض مشهد الحشر وما فيه من هول ومن فزع . ويرجع بهم في ومضة خاطفة إلى الأرض , ثم يردهم إلى مشهد الحشر . وكأنما يهز قلوبهم هزا ويرجها رجا . . .

وفي نهاية الجولة يجيء الختام أشبه بالإيقاع الأخير عميقا رهيبا . . ينفض رسول الله [ ص ] يده من أمر المشركين المستهزئين بالوعيد , المكذبين بالآخرة , وقد وجه قلوبهم إلى مشاهد الكون وأهوال الحشر , وعواقب الطائعين والعصاة - ويتركهم إلى مصيرهم الذي يختارون ; ويحدد منهجه ووسيلته ولمن شاء أن يختار:

إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء , وأمرت أن أكون من المسلمين . و أن أتلو القرآن . فمن اهتدى فأنما يهتدي لنفسه , ومن ضل فقل:إنما أنا من المنذرين . . .

ثم يختم الجولة كما بدأها بحمد الله الذي يستأهل الحمد وحده ; ويكلهم إلى الله يريهم آياته ; ويطلع على أعمالهم ما ظهر منها وما بطن:

(وقل:الحمد لله . سيريكم آياته فتعرفونها . وما ربك بغافل عما تعملون). .

وتختم السورة بهذا الإيقاع المؤثر العميق .

الدرس الأول:59 - 64 أدلة كونية حياتية على الوحدانية

قل:الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . آلله خير أم ما يشركون ? . .

يأمر الله رسوله [ ص ] أن يقول الكلمة التي تليق أن يفتتح بها المؤمن حديثه ودعوته وجداله , وأن يختمه كذلك: (قل:الحمد لله). . المستحق للحمد من عباده على آلائه , وفي أولها هدايتهم إليه , وإلى طريقه الذي يختاره , ومنهجه الذي يرضاه . (وسلام على عباده الذين اصطفى)لحمل رسالته وتبليغ دعوته , وبيان منهجه .

وبعد هذا الإفتتاح يأخذ في توقيعاته على القلوب المنكرة لآيات الله , مبتدئا بسؤال لا يحتمل إلا إجابة واحدة , يستنكر به أن يشركوا بالله هذه الآلهة المدعاة:

آلله خير أم ما يشركون ? . .

وما يشركون أصنام وأوثان , أو ملائكة وجن , أو خلق من خلق الله على أية حال , لا يرتقي أن يكون شبيها بالله - سبحانه - فضلا على أن يكون خيرا منه . ولا يخطر على قلب عاقل أن يعقد مقارنة أو موازنة . ومن ثم يبدو هذا السؤال بهذه الصيغة وكأنه تهكم محض , وتوبيخ صرف , لأنه غير قابل أن يوجه على سبيل الجد , أو أن يطلب عنه جواب !

ومن ثم يعدل عنه إلى سؤال آخر , مستمد من واقع هذا الكون حولهم , ومن مشاهده التي يرونها بأعينهم:

كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى