تفسير سورة ق ايه36 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة ق ايه36 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
من الاية 36 الى الاية 40
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)
الدرس السادس:36 - 45 إشارات لحقائق حول الكون والحشر والعبادة والتذكير ثم يجيء المقطع الأخير في السورة , كأنه الإيقاع الأخير في اللحن , يعيد أقوى نغماته في لمس سريع . فيه لمسة التاريخ ومصارع الغابرين . وفيه لمسة الكون المفتوح وكتابه المبين . وفيه لمسة البعث والحشر في مشهد جديد . ومع هذه اللمسات التوجيه الموحي العميق للمشاعر والقلوب:
(وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا , فنقبوا في البلاد هل من محيص ? إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب . فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب . ومن الليل فسبحه وأدبار السجود . واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب . يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج . إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير . يوم تشقق الأرض عنهم سراعا . ذلك حشر علينا يسير . نحن أعلم بما يقولون , وما أنت عليهم بجبار , فذكر بالقرآن من يخاف وعيد). .
ومع أن هذه اللمسات كلها قد سبقت في سياق السورة , إلا أنها حين تعرض في الختام تعرض جديدة الإيقاع جديدة الوقع . بهذا التركيز وبهذه السرعة . ويكون لها في الحس مذاق آخر غير مذاقها وهي مبسوطة مفصلة من قبل في السورة . وهذه هي خصيصة القرآن العجيبة !
قال من قبلكذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود , وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع . كل كذب الرسل فحق وعيد). .
وقال هناوكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا , فنقبوا في البلاد . هل من محيص)?
الحقيقة التي يشير إليها هي هي . ولكنها في صورتها الجديدة غيرها في صورتها الأولى . ثم يضيف إليها حركة القرون وهي تتقلب في البلاد , وتنقب عن أسباب الحياة , وهي مأخوذة في القبضة التي لا يفلت منها أحد , ولا مفر منها ولا فكاك:ف (هل من محيص)? . .
وعقب عليها بما يزيدها جدة وحيوية:
(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب , أو ألقى السمع وهو شهيد). .
وفي مصارع الغابرين ذكرى . ذكرى لمن كان له قلب . فمن لا تذكره هذه اللمسة فهو الذي مات قلبه أو لم يرزق قلبا على الإطلاق ! لا بل إنه ليكفي للذكرى والاعتبار أن يكون هناك سمع يلقى إلى القصة بإنصات ووعي , فتفعل القصة فعلها في النفوس . . وإنه للحق . فالنفس البشرية شديدة الحساسية بمصارع الغابرين , وأقل يقظة فيها وأقل تفتح كافيان لاستجاشة الذكريات والتصورات الموحية في مثل هذه المواقف المؤثرة المثيرة .
وعرض من قبل صفحات من كتاب الكونأفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج , والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي , وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج). .
وقال هناولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام , وما مسنا من لغوب). . فأضاف هذه الحقيقة الجديدة إلى جانب اللمسة الأولى . حقيقة: (وما مسنا من لغوب). . وهي توحي بيسر الخلق والإنشاء في هذا الخلق الهائل . فكيف بإحياء الموتى وهو بالقياس إلى السماوات والأرض أمر هين صغير ?
وعقب عليها كذلك بإيحاء جديد وظل جديد:
فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب . ومن الليل فسبحه وأدبار السجود . .
من الاية 41 الى آخر السورة
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ (45)
وطلوع الشمس وغروبها ومشهد الليل الذي يعقب الغروب . . كلها ظواهر مرتبطة بالسماوات والأرض . وهو يربط إليها التسبيح والحمد والسجود . ويتحدث في ظلالها عن الصبر على ما يقولون من إنكار للبعث وجحود بقدرة الله على الإحياء والإعادة . فإذا جو جديد يحيط بتلك اللمسة المكررة . جو الصبر والحمد والتسبيح والسجود . موصولا كل ذلك بصفحة الكون وظواهر الوجود , تثور في الحس كلما نظر إلى السماوات والأرض ; وكلما رأى مطلع الشمس , أو مقدم الليل ; وكلما سجد لله في شروق أو غروب . .
ثم . . لمسة جديدة ترتبط كذلك بالصفحة الكونية المعروضة . . اصبر وسبح واسجد . وأنت في حالة انتظار وتوقع للأمر الهائل الجلل , المتوقع في كل لحظة من لحظات الليل والنهار . لا يغفل عنه إلا الغافلون . الأمر الذي تدور عليه السورة كلها , وهو موضوعها الأصيل:
(واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب . يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج . إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير . يوم تشقق الأرض عنهم سراعا . ذلك حشر علينا يسير). .
وإنه لمشهد جديد مثير , لذلك اليوم العسير . ولقد عبر عنه أول مرة في صورة أخرى ومشهد آخر في قولهونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد . وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد . .)الخ .
فأما هنا فعبر عن النفخة بالصيحة . وصور مشهد الخروج . . ومشهد تشقق الأرض عنهم . هذه الخلائق التي غبرت في تاريخ الحياة كلها إلى نهاية الرحلة . تشقق القبور التي لا تحصى . والتي تعاقب فيها الموتى . كما يقول المعري:
رب قبر قد صار قبرا مرارا ضاحك من تزاحم الأضداد
ودفين على بقايا دفين في طويل الآجال والآماد
كلها تشقق , وتتكشف عن أجساد ورفات وعظام وذرات تائهة أو حائلة في مسارب الآرض , لا يعرف مقرها إلا الله . . وإنه لمشهد عجيب لا يأتي عليه الخيال !
وفي ظلال هذا المشهد الثائر المثير يقرر الحقيقة التي فيها يجادلون وبها يجحدونإنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير). . (ذلك حشر علينا يسير). . في أنسب وقت للتقرير . .
وفي ظلال هذا المشهد كذلك يتوجه بالتثبيت للرسول [ ص ] تجاه جدلهم وتكذيبهم في هذه الحقيقة الواضحة المشهودة بعين الضمير:
(نحن أعلم بما يقولون . وما أنت عليهم بجبار . فذكر بالقرآن من يخاف وعيد). .
(نحن أعلم بما يقولون). . وهذا حسبك . فللعلم عواقبه عليهم . . وهو تهديد مخيف ملفوف .
(وما أنت عليهم بجبار). . فترغمهم على الإيمان والتصديق . فالأمر في هذا ليس إليك . إنما هو لنا نحن , ونحن عليهم رقباء وبهم موكلون . .
(فذكر بالقرآن من يخاف وعيد). . والقرآن يهز القلوب ويزلزلها فلا يثبت له قلب يعي ويخاف ما يواجهه به من حقائق ترجف لها القلوب . على ذلك النحو العجيب .
وحين تعرض مثل هذه السورة , فإنها لا تحتاج إلى جبار يلوي الأعناق على الإيمان . ففيها من القوة والسلطان ما لا يملكه الجبارون . وفيها من الإيقاعات على القلب البشري ما هو أشد من سياط الجبارين ! وصدق الله العظيم . .
انتهى الجزء السادس والعشرون ويليه الجزء السابع والعشرون مبدوءا بسورة الذاريات .
بسم الله الرحمن الرحيم
سُوَرة الذاريات والطور والنجم والقمر والرحمن والواقعة والحديد
الجزء السابع والعشرون
الذاريات
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)
الدرس السادس:36 - 45 إشارات لحقائق حول الكون والحشر والعبادة والتذكير ثم يجيء المقطع الأخير في السورة , كأنه الإيقاع الأخير في اللحن , يعيد أقوى نغماته في لمس سريع . فيه لمسة التاريخ ومصارع الغابرين . وفيه لمسة الكون المفتوح وكتابه المبين . وفيه لمسة البعث والحشر في مشهد جديد . ومع هذه اللمسات التوجيه الموحي العميق للمشاعر والقلوب:
(وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا , فنقبوا في البلاد هل من محيص ? إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب . فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب . ومن الليل فسبحه وأدبار السجود . واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب . يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج . إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير . يوم تشقق الأرض عنهم سراعا . ذلك حشر علينا يسير . نحن أعلم بما يقولون , وما أنت عليهم بجبار , فذكر بالقرآن من يخاف وعيد). .
ومع أن هذه اللمسات كلها قد سبقت في سياق السورة , إلا أنها حين تعرض في الختام تعرض جديدة الإيقاع جديدة الوقع . بهذا التركيز وبهذه السرعة . ويكون لها في الحس مذاق آخر غير مذاقها وهي مبسوطة مفصلة من قبل في السورة . وهذه هي خصيصة القرآن العجيبة !
قال من قبلكذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود , وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع . كل كذب الرسل فحق وعيد). .
وقال هناوكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا , فنقبوا في البلاد . هل من محيص)?
الحقيقة التي يشير إليها هي هي . ولكنها في صورتها الجديدة غيرها في صورتها الأولى . ثم يضيف إليها حركة القرون وهي تتقلب في البلاد , وتنقب عن أسباب الحياة , وهي مأخوذة في القبضة التي لا يفلت منها أحد , ولا مفر منها ولا فكاك:ف (هل من محيص)? . .
وعقب عليها بما يزيدها جدة وحيوية:
(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب , أو ألقى السمع وهو شهيد). .
وفي مصارع الغابرين ذكرى . ذكرى لمن كان له قلب . فمن لا تذكره هذه اللمسة فهو الذي مات قلبه أو لم يرزق قلبا على الإطلاق ! لا بل إنه ليكفي للذكرى والاعتبار أن يكون هناك سمع يلقى إلى القصة بإنصات ووعي , فتفعل القصة فعلها في النفوس . . وإنه للحق . فالنفس البشرية شديدة الحساسية بمصارع الغابرين , وأقل يقظة فيها وأقل تفتح كافيان لاستجاشة الذكريات والتصورات الموحية في مثل هذه المواقف المؤثرة المثيرة .
وعرض من قبل صفحات من كتاب الكونأفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج , والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي , وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج). .
وقال هناولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام , وما مسنا من لغوب). . فأضاف هذه الحقيقة الجديدة إلى جانب اللمسة الأولى . حقيقة: (وما مسنا من لغوب). . وهي توحي بيسر الخلق والإنشاء في هذا الخلق الهائل . فكيف بإحياء الموتى وهو بالقياس إلى السماوات والأرض أمر هين صغير ?
وعقب عليها كذلك بإيحاء جديد وظل جديد:
فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب . ومن الليل فسبحه وأدبار السجود . .
من الاية 41 الى آخر السورة
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ (45)
وطلوع الشمس وغروبها ومشهد الليل الذي يعقب الغروب . . كلها ظواهر مرتبطة بالسماوات والأرض . وهو يربط إليها التسبيح والحمد والسجود . ويتحدث في ظلالها عن الصبر على ما يقولون من إنكار للبعث وجحود بقدرة الله على الإحياء والإعادة . فإذا جو جديد يحيط بتلك اللمسة المكررة . جو الصبر والحمد والتسبيح والسجود . موصولا كل ذلك بصفحة الكون وظواهر الوجود , تثور في الحس كلما نظر إلى السماوات والأرض ; وكلما رأى مطلع الشمس , أو مقدم الليل ; وكلما سجد لله في شروق أو غروب . .
ثم . . لمسة جديدة ترتبط كذلك بالصفحة الكونية المعروضة . . اصبر وسبح واسجد . وأنت في حالة انتظار وتوقع للأمر الهائل الجلل , المتوقع في كل لحظة من لحظات الليل والنهار . لا يغفل عنه إلا الغافلون . الأمر الذي تدور عليه السورة كلها , وهو موضوعها الأصيل:
(واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب . يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج . إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير . يوم تشقق الأرض عنهم سراعا . ذلك حشر علينا يسير). .
وإنه لمشهد جديد مثير , لذلك اليوم العسير . ولقد عبر عنه أول مرة في صورة أخرى ومشهد آخر في قولهونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد . وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد . .)الخ .
فأما هنا فعبر عن النفخة بالصيحة . وصور مشهد الخروج . . ومشهد تشقق الأرض عنهم . هذه الخلائق التي غبرت في تاريخ الحياة كلها إلى نهاية الرحلة . تشقق القبور التي لا تحصى . والتي تعاقب فيها الموتى . كما يقول المعري:
رب قبر قد صار قبرا مرارا ضاحك من تزاحم الأضداد
ودفين على بقايا دفين في طويل الآجال والآماد
كلها تشقق , وتتكشف عن أجساد ورفات وعظام وذرات تائهة أو حائلة في مسارب الآرض , لا يعرف مقرها إلا الله . . وإنه لمشهد عجيب لا يأتي عليه الخيال !
وفي ظلال هذا المشهد الثائر المثير يقرر الحقيقة التي فيها يجادلون وبها يجحدونإنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير). . (ذلك حشر علينا يسير). . في أنسب وقت للتقرير . .
وفي ظلال هذا المشهد كذلك يتوجه بالتثبيت للرسول [ ص ] تجاه جدلهم وتكذيبهم في هذه الحقيقة الواضحة المشهودة بعين الضمير:
(نحن أعلم بما يقولون . وما أنت عليهم بجبار . فذكر بالقرآن من يخاف وعيد). .
(نحن أعلم بما يقولون). . وهذا حسبك . فللعلم عواقبه عليهم . . وهو تهديد مخيف ملفوف .
(وما أنت عليهم بجبار). . فترغمهم على الإيمان والتصديق . فالأمر في هذا ليس إليك . إنما هو لنا نحن , ونحن عليهم رقباء وبهم موكلون . .
(فذكر بالقرآن من يخاف وعيد). . والقرآن يهز القلوب ويزلزلها فلا يثبت له قلب يعي ويخاف ما يواجهه به من حقائق ترجف لها القلوب . على ذلك النحو العجيب .
وحين تعرض مثل هذه السورة , فإنها لا تحتاج إلى جبار يلوي الأعناق على الإيمان . ففيها من القوة والسلطان ما لا يملكه الجبارون . وفيها من الإيقاعات على القلب البشري ما هو أشد من سياط الجبارين ! وصدق الله العظيم . .
انتهى الجزء السادس والعشرون ويليه الجزء السابع والعشرون مبدوءا بسورة الذاريات .
بسم الله الرحمن الرحيم
سُوَرة الذاريات والطور والنجم والقمر والرحمن والواقعة والحديد
الجزء السابع والعشرون
الذاريات
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة هود ايه 116 الى ايه اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة يس ايه 47 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة نوح ايه 26 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة ص ايه 39 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة يوسسف ايه 101 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة يس ايه 47 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة نوح ايه 26 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة ص ايه 39 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
» تفسير سورة يوسسف ايه 101 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى