منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة الانبياء ايه 22 الى ايه50 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة الانبياء ايه 22 الى ايه50 الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة الانبياء ايه 22 الى ايه50 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الأحد مايو 20, 2012 10:15 pm

من الاية 22 الى الاية 25

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)

الناموس , ووحدة الإرادة التي أوجدته , ووحدة الخالق المدبر لهذا الكون المنظم المنسق , الذي لا فساد في تكوينه , ولا خلل في سيره:

(فسبحان الله رب العرش عما يصفون). .
من الاية 32 الى الاية 35

وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)

هنا مع الإشارة إلى الاهتداء يصور الحقيقة الواقعة أولا , ثم يشير من طرف خفي إلى شأن آخر في عالم العقيدة . فلعلهم يهتدون إلى سبيل يقودهم إلى الإيمان , كما يهتدون في فجاج الجبال !

(وجعلنا السماء سقفا محفوظا). .

والسماء كل ما علا . ونحن نرى فوقنا ما يشبه السقف . والقرآن يقرر أن السماء سقف محفوظ . محفوظ من الخلل بالنظام الكوني الدقيق . ومحفوظ من الدنس باعتباره رمزا للعلو الذي تتنزل منه آيات الله . . (وهم عن آياتها معرضون). .

(وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون).

والليل والنهار ظاهرتان كونيتان . والشمس والقمر جرمان هائلان لهما علاقة وثيقة بحياة الإنسان في الأرض . وبالحياة كلها . . والتأمل في توالي الليل والنهار , وفي حركة الشمس والقمر . بهذه الدقة التي لا تختل مرة ; وبهذا الإطراد الذي لا يكف لحظة . . جدير بأن يهدي القلب إلى وحدة الناموس , ووحدة الإرادة , ووحدة الخالق المدبر القدير .

الدرس الثامن:34 - 35 الموت على كل مخلوق والإبتلاء بالحياة

وفي نهاية الشوط يربط السياق بين نواميس الكون في خلقه وتكوينه وتصريفه ; ونواميس الحياة البشرية في طبيعتها ونهايتها ومصيرها:

(وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد . أفإن مت فهم الخالدون ? كل نفس ذائقة الموت , ونبلوكم بالشر والخير فتنة , وإلينا ترجعون). .

وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد . فكل حادث فهو فان . وكل ما له بدء فله نهاية . وإذا كان الرسول [ ص ] يموت فهل هم يخلدون ? وإذا كانوا لا يخلدون فما لهم لا يعملون عمل أهل الموتى ? وما لهم لا يتبصرون ولا يتدبرون ?

(كل نفس ذائقة الموت). هذا هو الناموس الذي يحكم الحياة . وهذه هي السنة التي ليس لها استثناء . فما أجدر الأحياء أن يحسبوا حساب هذا المذاق !

إنه الموت نهاية كل حي , وعاقبة المطاف للرحلة القصيرة على الأرض . وإلى الله يرجع الجميع . فأما ما يصيب الإنسان في أثناء الرحلة من خير وشر فهو فتنة له وابتلاء:

(ونبلوكم بالشر والخير فتنة). .

والابتلاء بالشر مفهوم أمره . ليتكشف مدى احتمال المبتلى , ومدى صبره على الضر , ومدى ثقته في ربه , ورجائه في رحمته . . فأما الابتلاء بالخير فهو في حاجة إلى بيان . .

إن الابتلاء بالخير أشد وطأة , وإن خيل للناس أنه دون الابتلاء بالشر . .

إن كثيرين يصمدون للابتلاء بالشر ولكن القلة القليلة هي التي تصمد للابتلاء بالخير .

كثيرون يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف . ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة . ويكبحون جماح القوة الهائجة في كيانهم الجامحة في أوصالهم .

كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل . ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الثراء والوجدان . وما يغريان به من متاع , وما يثيرانه من شهوات وأطماع !

من الاية 36 الى الاية 38

وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38)

كثيرون يصبرون على التعذيب والإيذاء فلا يخفيهم , ويصبرون على التهديد والوعيد فلا يرهبهم . ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الإغراء بالرغائب والمناصب والمتاع والثراء !

كثيرون يصبرون على الكفاح والجراح ; ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الدعة والمراح . ثم لا يصابون بالحرص الذي يذل أعناق الرجال . وبالاسترخاء الذي يقعد الهمم ويذلل الأرواح !

إن الابتلاء بالشدة قد يثير الكبرياء , ويستحث المقاومة ويجند الأعصاب , فتكون القوى كلها معبأة لاستقبال الشدة والصمود لها . أما الرخاء فيرخي الأعصاب وينيمها ويفقدها القدرة على اليقظة والمقاومة !

لذلك يجتاز الكثيرون مرحلة الشدة بنجاح , حتى إذا جاءهم الرخاء سقطوا في الابتلاء ! وذلك شأن البشر . . إلا من عصم الله فكانوا ممن قال فيهم رسول الله [ ص ]:

"عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير , وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن , إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " . . وهم قليل !

فاليقظة للنفس في الابتلاء بالخير أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر . والصلة بالله في الحالين هي وحدها الضمان . .

الوحدة الثانية:36 - 47 الموضوع:استهزاء الكفار بالرسول واستعجالهم العذاب وتهديدهم بالعذاب

مقدمة الوحدة بعد ذلك الشوط البعيد المديد في أرجاء الكون , وفي نواميس الوجود , وفي سنن الدعوات , وفي مصائر البشر , وفي مصارع الغابرين . . يرتد السياق إلى مثل ما بدأ به في مطلع السورة عن استقبال المشركين للرسول [ ص ] وما معه من الوحي ; واستهزائهم به وإصرارهم على الشرك . .

ثم يتحدث عن طبيعة الإنسان العجول , واستعجالهم بالعذاب . فيحذرهم ما يستعجلون به . وينذرهم عاقبة الاستهزاء بالرسول [ ص ] ويعرض لهم مشهدا من تقلص ظلال الغالبين المسيطرين في الدنيا . ومشهدا من عذاب المكذبين في الآخرة .

ويختم الشوط بدقة الحساب والجزاء في يوم القيامة . فيربط الحساب والجزاء بنواميس الكون وفطرة الإنسان وسنة الله في حياة البشر وفي الدعوات . .

الدرس الأول:36 - 44 استهزاء الكفار بالرسول واستعجالهم بالعذاب وعجزهم عن دفعه

وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذوك إلا هزوا . أهذا الذي يذكر آلهتكم ; وهم بذكر الرحمن هم كافرون .

إن هؤلاء الكفار يكفرون بالرحمن , خالق الكون ومدبره , ليستنكرون على الرسول [ ص ] أن يذكر آلهتهم الأصنام بالسوء , بينما هم يكفرون بالرحمن دون أن يتحرجوا أو يتلوموا . . وهو أمر عجيب جد عجيب !

وإنهم ليلقون رسول الله [ ص ] بالهزء , يستكثرون عليه أن ينال من أصنامهم تلك: (أهذا الذي يذكر آلهتكم ?)ولا يستكثرون على أنفسهم - وهم عبيد من عبيد الله - أن يكفروا به , ويعرضوا عما أنزل لهم من قرآن . . وهي مفارقة عجيبة تكشف عن مدى الفساد الذي أصاب فطرتهم وتقديرهم للأمور !

ثم هم يستعجلون بما ينذرهم به الرسول [ ص ] من عذاب ; ويحذرهم من عاقبته . والإنسان بطبعه عجول:

(خلق الإنسان من عجل . سأريكم آياتي فلا تستعجلون . ويقولون:متى هذا الوعد إن كنتم صادقين !). .

(خلق الإنسان من عجل). . فالعجلة في طبعه وتكوينه . وهو يمد ببصره دائما إلى ما وراء اللحظة الحاضرة يريد ليتناوله بيده , ويريد ليحقق كل ما يخطر له بمجرد أن يخطر بباله , ويريد أن يستحضر كل ما يوعد به ولو كان في ذلك ضرره وإيذاؤه . ذلك إلا أن يتصل بالله فيثبت ويطمئن , ويكل الأمر لله فلا يتعجل قضاءه . والإيمان ثقة وصبر واطمئنان .

من الاية 39 الى الاية 43

لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (41) قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ (43)

وهؤلاء المشركون كانوا يستعجلون بالعذاب , ويسألون متى هذا الوعد . الوعد بعذاب الآخرة وعذاب الدنيا . . فها هو ذا القرآن يرسم لهم مشهدا من عذاب الآخرة , ويحذرهم ما أصاب المستهزئين قبلهم من عذاب الدنيا:

لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون . بل تأتيهم بغتة فتبهتهم , فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون . . ولقد استهزى ء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون .

لو يعلمون ما سيكون لكان لهم شأن غير شأنهم , ولكفوا عن استهزائهم واستعجالهم . . فلينظروا ماذا سيكون .

ها هم أولاء تنوشهم النار من كل جانب , فيحاولون في حركة مخبلة - يرسمها التعبير من وراء السطور - أن يكفوا النار عن وجوههم وعن ظهورهم , ولكنهم لا يستطيعون . وكأنما تلقفتهم النار من كل جانب , فلا هم يستطيعون ردها , ولا هم يؤخرون عنها , ولا هم يمهلون إلى أجل قريب .

وهذه المباغتة جزاء الاستعجال . فلقد كانوا يقولون: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين)فكان الرد هو هذه البغتة التي تذهل العقول , وتشل الإرادة , وتعجزهم عن التفكير والعمل , وتحرمهم مهلة الإنظار والتأجيل .

ذلك عذاب الآخرة . فأما عذاب الدنيا فقد حل بالمستهزئين قبلهم . فإذا كانوا هم لم يقدر عليهم عذاب الاستئصال , فعذاب القتل والأسر والغلب غير ممنوع . وليحذروا الاستهزاء برسولهم . وإلا فمصير المستهزئين بالرسل معروف , جرت به السنة التي لا تتخلف وشهدت به مصارع المستهزئين .

أم إن لهم من يرعاهم بالليل والنهار غير الرحمن , ويمنعهم من العذاب في الدنيا أو الآخرة من دون الله ?

(قل:من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ? بل هم عن ذكر ربهم معرضون . أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ? لا يستطيعون نصر أنفسهم , ولا هم منا يصحبون).

إن الله هو الحارس على كل نفس بالليل والنهار . وصفته هي الرحمة الكبرى , وليس من دونه راع ولا حام . فاسألهم:هل لهم حارس سواه ?

وهو سؤال للإنكار , وللتوبيخ على غفلتهم عن ذكر الله , وهو الذي يكلؤهم بالليل والنهار , ولا راعي لهم سواه: (بل هم عن ذكر ربهم معرضون).

ثم يعيد عليهم السؤال في صورة أخرى: (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ?)فتكون هي التي تحرسهم إذن وتحفظهم ? كلا فهؤلاء الآلهة (لا يستطيعون نصر أنفسهم)فهم من باب أولى لا يستطيعون نصر سواهم . (ولا هم منا يصحبون)فيستمدوا القوة من صحبة القدرة لهم - كما استمدها هارون وموسى وربهما يقول لهما: (إنني معكما أسمع وأرى). .

إن هذه الآلهة مجردة من القوة بذاتها , وليس لها مدد من الله تستمد منه القوة . فهي عاجزة عاجزة .

وبعد هذا الجدل التهكمي الذي يكشف عن سخف ما يعتقده المشركون وخوائه من المنطق والدليل . . يضرب السياق عن مجادلتهم ; ويكشف عن علة لجاجتهم ; ثم يلمس وجدانهم لمسة تهز القلوب , وهو يوجهها إلى تأمل يد القدرة , وهي تطوي رقعة الأرض تحت أقدام الغالبين , وتقص أطرافها فتردهم إلى حيز منها منزو صغير , بعد السعة والمنعة والسلطان ! من الاية 44 الى الاية 47

بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ (45) وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)

(بل متعنا هؤلاء وآباؤهم حتى طال عليهم العمر . أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ? أفهم الغالبون ?). .

فهو المتاع الطويل الموروث الذي أفسد فطرتهم . والمتاع ترف . والترف يفسد القلب ويبلد الحس . وينتهي إلى ضعف الحساسية بالله , وانطماس البصيرة دون تأمل آياته . وهذا هو الابتلاء بالنعمة حين لا يستيقظ الإنسان لنفسه ويراقبها , ويصلها دائما بالله , فلا تنساه .

ومن ثم يلمس السياق وجدانهم بعرض المشهد الذي يقع كل يوم في جانب من جنبات الأرض حيث تطوى رقعة الدول المتغلبة وتنحسر وتتقلص . فإذا هي دويلات صغيرة وكانت امبراطوريات . وإذا هي مغلوبة على أمرها وكانت غالبة . وإذا هي قليلة العدد وكانت كثيرة . قليلة الخيرات وكانت فائضة بالخيرات . .

والتعبير يرسم يد القدرة وهي تطوي الرقعة وتنقص الأطراف وتزوي الأبعاد . . . فإذا هو مشهد ساحر فيه الحركة اللطيفة , وفيه الرهبة المخيفة !

(أفهم الغالبون)? فلا يجري عليهم ما يجري على الأخرين ?

الدرس الثاني:45 - 46 الإنذار بالقرآن قبل وقوع العذاب

وفي ظل هذا المشهد الذي ترتعش له القلوب يؤمر الرسول [ ص ] أن يلقي كلمة الإنذار:

(قل:إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون). .

فليحذروا أن يكونوا هم الصم الذين لا يسمعون ! فتطوى رقعة الأرض تحت أقدامهم , وتقص يد القدرة أطرافهم , وتتحيفهم وما هم فيه من متاع !!

ويتابع السياق إيقاعه المؤثر في القلوب , فيصورهم لأنفسهم حين يمسهم العذاب:

(ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن:يا ويلنا إنا كنا ظالمين). .

والنفحة تطلق غالبا في الرحمة . ولكنها هنا تطلق في العذاب . كأنما ليقال:إن أخف مسة من عذاب ربك تطلقهم يجأرون بالاعتراف . ولكن حيث لا يجدي الاعتراف . فلقد سبق في سياق السورة مشهد القرى التي أخذها بأس الله , فنادى أهلها: (يا ويلنا إنا كنا ظالمين . فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين). .

وإذن فهو الاعتراف بعد فوات الأوان . ولخير منه أن يسمعوا نذير الوحي وفي الوقت متسع , قبل أن تمسهم نفحة من العذاب !

الدرس الثالث:47 الحساب العادل الدقيق في الآخرة

ويختم الشوط بالإيقاع الأخير من مشاهد يوم الحساب:

(ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا . وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها . وكفى بنا حاسبين). .

والحبة من خردل تصور أصغر ما تراه العيون وأخفه في الميزان , وهي لا تترك يوم الحساب ولا تضيع . والميزان الدقيق يشيل بها أو يميل !

فلتنظر نفس ما قدمت لغد . وليصغ قلب إلى النذير . وليبادر الغافلون المعرضون المستهزئون قبل أن يحق النذير في الدنيا أو في الآخرة . فإنهم إن نجوا من عذاب الدنيا فهناك عذاب الآخرة الذي تعد موازينه ,

من الاية 48 الى الاية 50

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْراً لِّلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (50)

فلا تظلم نفس شيئا , ولا يهمل مثقال حبة من خردل .

وهكذا ترتبط موازين الآخرة الدقيقة , بنواميس الكون الدقيقة , بسنن الدعوات , وطبائع الحياة والناس . وتلتقي كلها متناسقة موحدة في يد الإرادة الواحدة مما يشهد لقضية التوحيد وهي محور السورة الأصيل .

الوحدة الثالثة:48 - 92 الموضوع:لقطات ومشاهد من موكب الأنبياء مقدمة الوحدة هذا الشوط الثالث يستعرض أمة الرسل . لا على وجه الحصر . يشير إلى بعضهم مجرد إشارة ; ويفصل ذكر بعضهم تفصيلا مطولا ومختصرا .

وتتجلى في هذه الإشارات والحلقات رحمة الله وعنايته برسله , وعواقب المكذبين بالرسل بعد أن جاءتهم البينات . كما تتجلى بعض الاختبارات للرسل بالخير وبالضر , وكيف اجتازوا الابتلاء .

كذلك تتجلى سنة الله في إرسال الرسل من البشر . ووحدة العقيدة والطريق , لجماعة الرسل على مدار الزمان ; حتى لكأنهم أمة واحدة على تباعد الزمان والمكان .

وتلك إحدى دلائل وحدانية الألوهية المبدعة , ووحدانية الإرادة المدبرة , ووحدانية الناموس الذي يربط سنن الله في الكون , ويؤلف بينها , ويوجهها جميعا وجهة واحدة , إلى معبود واحد: (وأنا ربكم فاعبدون)

الدرس الأول:48 - 50 لقطة من قصة موسى وهارون

(ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين . الذين يخشون ربهم بالغيب , وهم من الساعة مشفقون . وهذا ذكر مبارك أنزلناه , أفأنتم له منكرون ?).

ولقد سبق في سياق السورة أن المشركين كانوا يستهزئون بالرسول [ ص ] لأنه بشر . وأنهم كانوا يكذبون بالوحي , ويقولون:إنه سحر أو شعر أو افتراء .

فها هو ذا يكشف لهم أن إرسال الرسل من البشر هي السنة المطردة , وهذه نماذج لها من قبل . وأن نزول الكتب على الرسل ليس بدعة مستغربة فهاهما ذان موسى وهارون آتاهما الله كتابا .

ويسمى هذا الكتاب "الفرقان" وهي صفة القرآن . فهناك وحدة حتى في الاسم . ذلك أن الكتب المنزلة كلها فرقان بين الحق والباطل , وبين الهدى والضلال , وبين منهج في الحياة ومنهج , واتجاه في الحياة واتجاه . فهي في عمومها فرقان . وفي هذه الصفة تلتقي التوراة والقرآن .

وجعل التوراة كذلك ,(ضياء)يكشف ظلمات القلب والعقيدة , وظلمات الظلال والباطل . وهي ظلمات يتوه فيها العقل ويضل فيها الضمير . وإن القلب البشري ليظل مظلما حتى تشرق فيه شعلة الإيمان , فتنير جوانبه , ويتكشف له منهجه , ويستقيم له اتجاهه , ولا تختلط عليه القيم والمعاني والتقديرات .

وجعل التوراة كالقرآن (ذكرا للمتقين)تذكرهم بالله , وتبقى لهم ذكرا في الناس . وماذا كان بنو إسرائيل قبل التوراة ? كانوا أذلاء تحت سياط فرعون , يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ويستذلهم بالسخرة والإيذاء .

ويخص المتقين (الذين يخشون ربهم بالغيب)لأن الذين تستشعر قلوبهم خشية الله ولم يروه , (وهم من الساعة مشفقون)فيعملون لها ويستعدون هؤلاء هم الذين ينتفعون بالضياء , ويسيرون على هداه , فيكون كتاب الله لهم ذكرا , يذكرهم الله , ويرفع لهم ذكرا في الناس .

ذلك شأن موسى وهارون . . (وهذا ذكر مبارك أنزلناه)فليس بدعا ولا عجبا , إنما هو أمر مسبوق وسنة معروفة (أفأنتم له منكرون ?)فماذا تنكرون منه , وقد سبقت به الرسالات ?

الدرس الثاني:51 - 73 مشاهد من قصة إبراهيم مع قومه

وبعد الإشارة السريعة إلى موسى وهارون وكتابهما يرتد السياق إلى حلقة كاملة من قصة إبراهيم , وهو جد العرب الأكبر وباني الكعبة التي يحشدون فيها الأصنام , ويعكفون عليها بالعبادة , وهو الذي حطم الأصنام من قبل . والسياق يعرضه هنا وهو يستنكر الشرك ويحطم الأصنام .



وهم يصفونه بأن له شركاء . تنزه الله المتعالى المسيطر: (رب العرش)والعرش رمز الملك والسيطرة والاستعلاء . تنزه عما يقولون والوجود كله بنظامه وسلامته من الخلل والفساد يكذبهم فيما يقولون .

(لا يسأل عما يفعل وهم يسألون). .

ومتى كان المسيطر على الوجود كله يسأل ; ومن ذا الذي يسأله ; وهو القاهر فوق عباده , وإرادته طليقة لا يحدها قيد من إرادة أخرى , ولا حتى من الناموس الذي ترتضيه هي وتتخذه حاكما لنظام الوجود ? والسؤال والحساب إنما يكونان بناء على حدود ترسم ومقياس يوضع . والإرادة الطليقة هي التي تضع الحدود والمقاييس , ولا تتقيد بما تضع للكون من الحدود والمقاييس إلا كما تريد . والخلق مأخوذون بما تضع لهم من تلك الحدود فهم يسألون .

وإن الخلق ليستبد بهم الغرور أحيانا فيسألون سؤال المنكر المتعجب:ولماذا صنع الله كذا . وما الحكمة في هذا الصنيع ? وكأنما يريدون ليقولوا:إنهم لا يجدون الحكمة في ذلك الصنيع !

وهم يتجاوزون في هذا حدود الأدب الواجب في حق المعبود , كما يتجاوزون حدود الإدراك الإنساني القاصر الذي لا يعرف العلل والأسباب والغايات وهو محصور في حيزه المحدود . .

إن الذي يعلم كل شيء , ويدبر كل شيء , ويسيطر على كل شيء , هو الذي يقدر ويدبر ويحكم .(لا يسأل عما يفعل وهم يسألون). .

وإلى جانب الدليل الكوني المستمد من طبيعة الوجود وواقعه يسألهم عن الدليل النقلي الذي يستندون إليه في دعوى الشرك التي لا تعتمد على دليل:

(أم اتخذوا من دونه آلهة ? قل:هاتوا برهانكم . هذا ذكر من معي وذكر من قبلي).

فهذا هو القرآن يشتمل على ذكر المعاصرين للرسول [ ص ] وهناك ذكر من سبقه من الرسل . وليس فيما جاءوا به ذكر الشركاء . فكل الديانات قائمة على عقيدة التوحيد . فمن أين جاء المشركون بدعوى الشرك التي تنقضها طبيعة الكون , ولا يوجد من الكتب االسابقة عليها دليل:

(بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون). .

(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون). .

فالتوحيد هو قاعدة العقيدة منذ أن بعث الله الرسل للناس . لا تبديل فيها ولا تحويل . توحيد الإله وتوحيد المعبود . فلا انفصال بين الألوهية والربوبية ; ولا مجال للشرك في الألوهية ولا في العبادة . . قاعدة ثابتة ثبوت النواميس الكونية , متصلة بهذه النواميس وهي واحدة منها .

الدرس السادس:26 - 29 تفنيد مزاعم الكفار في جعل الملائكة بنات الله

ثم يعرض السياق لدعوى المشركين من العرب أن لله ولدا . وهي إحدى مقولات الجاهلية السخيفة:

(وقالوا:اتخذ الرحمن ولدا . سبحانه ! بل عباد مكرمون , لا يسبقونه بالقول , وهم بأمره يعملون . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم , ولا يشفعون إلا لمن ارتضى , وهم من خشيته مشفقون . ومن يقل منهم:

من الاية 26 الى الاية 29

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)

إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم . كذلك نجزي الظالمين). .

ودعوى النبوة لله - سبحانه - دعوى اتخذت لها عدة صور في الجاهليات المختلفة . فقد عرفت عند مشركي العرب في صورة بنوة الملائكة لله . وعند مشركي اليهود في صورة بنوة العزيز لله . وعند مشركي النصارى في صورة بنوة المسيح لله . . وكلها من انحرافات الجاهلية في شتى الصور والعصور .

والمفهوم أن الذي يعنيه السياق هنا هو دعوى العرب في بنوة الملائكة . وهو يرد عليهم ببيان طبيعة الملائكة . فهم ليسوا بنات لله - كما يزعمون - (بل عباد مكرمون)عند الله . لا يقترحون عليه شيئا تأدبا و طاعة وإجلالا . إنما يعملون بأمره لا يناقشون . وعلم الله بهم محيط . ولا يتقدمون بالشفاعة إلا لمن ارتضاه الله ورضي أن يقبل الشفاعة فيه . وهم بطبيعتهم خائفون لله مشفقون من خشيته - على قربهم وطهارتهم وطاعتهم التي لا استثناء فيها ولا انحراف عنها . وهم لا يدعون الألوهية قطعا . ولو ادعوها - جدلا - لكان جزاؤهم جزاء من يدعي الألوهية كائنا من كان , وهو جهنم . فذلك جزاء الظالمين الذين يدعون هذه الدعوى الظالمة لكل حق , ولكل أحد , ولكل شيء في هذا الوجود .

وكذلك تبدو دعوى المشركين في صورتها هذه واهية مستنكرة مستبعدة , لا يدعيها أحد . ولو ادعاها لذاق جزاءها الأليم !

وكذلك يلمس الوجدان بمشهد الملائكة طائعين لله , مشفقين من خشيته . بينما المشركون يتطاولون ويدعون !

الدرس السابع:30 33 تدبير الله للكون وبداية خلق السماوات والأرض

وعند هذا الحد من عرض الأدلة الكونية الشاهدة بالوحدة ; والأدلة النقلية النافية للتعدد ; والأدلة الوجدانية التي تلمس القلوب . . يجول السياق بالقلب البشري في مجالي الكون الضخمة , ويد القدرة تدبره بحكمة , وهم معرضون عن آياتها المعروضة على الأنظار والقلوب:

أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما . وجعلنا من الماء كل شيء حي ; أفلا يؤمنون ? وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم , وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون ; وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون . وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر . كل في فلك يسبحون . .

إنها جولة في الكون المعروض للأنظار , والقلوب غافلة عن آياته الكبار , وفيها ما يحير اللب حين يتأمله بالبصيرة المفتوحة والقلب الواعي والحس اليقظ .

وتقريره أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقتا , مسألة جديرة بالتأمل , كلما تقدمت النظريات الفلكية في محاولة تفسير الظواهر الكونية , فحامت حول هذه الحقيقة التي أوردها القرآن الكريم منذ أكثر من ثلاث مائة وألف عام .

فالنظرية القائمة اليوم هي أن المجموعات النجمية - كالمجموعة الشمسية المؤلفة من الشمس وتوابعها ومنها الأرض والقمر . . كانت سديما . ثم انفصلت وأخذت أشكالها الكروية وأن الأرض كانت قطعة من الشمس ثم انفصلت عنها وبردت . .

ولكن هذه ليست سوى نظرية فلكية . تقوم اليوم وقد تنقض غدا . وتقوم نظرية أخرى تصلح لتفسير الظواهر الكونية بفرض آخر يتحول إلى نظرية . .

من الاية 30 الى الاية 31

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)

ونحن - أصحاب هذه العقيدة - لا نحاول أن نحمل النص القرآني المستيقن على نظرية غير مستيقنة , تقبل اليوم وترفض غدا . لذلك لا نحاول في هذه الظلال أن نوفق بين النصوص القرآنية والنظريات التي تسمى علمية . وهي شيء آخر غير الحقائق العلمية الثابتة القابلة للتجربة كتمدد المعادن بالحرارة وتحول الماء بخارا وتجمده بالبرودة . . إلى آخر هذا النوع من الحقائق العلمية . وهي شيء آخر غير النظريات العلمية - كما بينا من قبل في الظلال - .

إن القرآن ليس كتاب نظريات علمية ولم يجيء ليكون علما تجريبيا كذلك . إنما هو منهج للحياة كلها . منهج لتقويم العقل ليعمل وينطلق في حدوده . ولتقويم المجتمع ليسمح للعقل بالعمل والانطلاق . دون أن يدخل في جزئيات وتفصيليات علمية بحتة . فهذا متروك للعقل بعد تقويمه وإطلاق سراحه .

وقد يشير القرآن أحيانا إلى حقائق كونية كهذه الحقيقة التي يقررها هنا: (أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)ونحن نستيقن هذه الحقيقة لمجرد ورودها في القرآن . وإن كنا لا نعرف منه كيف كان فتق السماوات والأرض . أو فتق السماوات عن الأرض . ونتقبل النظريات الفلكية التي لا تخالف هذه الحقيقة المجملة التي قررها القرآن . ولكننا لا نجري بالنص القرآني وراء أية نظرية فلكية , ولا نطلب تصديقا للقرآن في نظريات البشر . وهو حقيقة مستيقنة ! وقصارى ما يقال:إن النظرية الفلكية القائمة اليوم لا تعارض المفهوم الإجمالي لهذا النص القرآني السابق عليها بأجيال !

فأما شطر الآية الثاني: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)فيقرر كذلك حقيقة خطيرة . يعد العلماء كشفها وتقريرها أمرا عظيما . ويمجدون "دارون" لاهتدائه إليها ! وتقريره أن الماء هو مهد الحياة الأول .

وهي حقيقة تثير الانتباه حقا . وإن كان ورودها في القرآن الكريم لا يثير العجب في نفوسنا , ولا يزيدنا يقينا بصدق هذا القرآن . فنحن نستمد الاعتقاد بصدقه المطلق في كل ما يقرره من إيماننا بأنه من عند الله . لا من موافقة النظريات أو الكشوف العلمية له . وأقصى ما يقال هنا كذلك:إن نظرية النشوء والارتقاء لدارون وجماعته لا تعارض مفهوم النص القرآني في هذه النقطة بالذات .

ومنذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا كان القرآن الكريم يوجه أنظار الكفار إلى عجائب صنع الله في الكون , ويستنكر ألا يؤمنوا بها وهم يرونها مبثوثة في الوجود: أفلا يؤمنون ? وكل ما حولهم في الكون يقود إلى الإيمان بالخالق المدبر الحكيم ?

ثم يمضي في عرض مشاهد الكون الهائلة:

(وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم). .

فيقرر أن هذه الجبال الرواسي تحفظ توازن الأرض فلا تميد بهم ولا تضطرب . وحفظ التوازن يتحقق في صور شتى . فقد يكون توازنا بين الضغط الخارجي على الأرض والضغط الداخلي في جوفها , وهو يختلف من بقعة إلى بقعة:وقد يكون بروز الجبال في موضع معادلا لانخفاض الأرض في موضع آخر . . وعلى أية حال فهذا النص يثبت أن للجبال علاقة بتوازن الأرض واستقرارها . فلنترك للبحوث العلمية كشف الطريقة التي يتم بها هذا التوازن فذلك مجالها الأصيل . ولنكتف من النص القرآني الصادق باللمسة الوجدانية والتأمل الموحي , وبتتبع يد القدرة المبدعة المدبرة لهذا الكون الكبير:

(وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون). .

وذكر الفجاج في الجبال وهي الفجوات بين حواجزها العالية , وتتخذ سبلا وطرقا . . ذكر هذه الفجاج
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى