منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة طه من الاية 57 الى 87 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة طه من الاية 57 الى 87 الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة طه من الاية 57 الى 87 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار السبت مايو 19, 2012 11:36 pm

من الاية 57 الى الاية 59

قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَاناً سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)

لا نخلفه نحن ولا أنت , مكانا سوى . قال:موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى). .

وهكذا لم يمض فرعون في الجدل , لأن حجة موسى - عليه السلام - فيه واضحة وسلطانه فيه قوي , وهو يستمد حجته من آيات الله في الكون , ومن آياته الخاصة معه . . إنما لجأ إلى اتهام موسى بالسحر الذي يجعل العصا حية تسعى , ويحيل اليد بيضاء من غير سوء . وقد كان السحر أقرب خاطر إلى فرعون لأنه منتشر في ذلك الوقت في مصر ; وهاتان الآيتان أقرب في طبيعتهما إلى المعروف من السحر . . وهو تخييل لا حقيقة , وخداع للبصر والحواس , قد يصل إلى خداع الإحساس , فينشئ فيه آثارا محسوسة كآثار الحقيقة . كما يشاهد من رؤية الإنسان لأشياء لا وجود لها , أو في صورة غير صورتها . وما يشاهد من تأثر المسحور أحيانا تأثرات عصبية وجسدية كما لو كان الأثر الواقع عليه حقيقة . . وليس من هذا النوع آيتا موسى . إنما هما من صنع القدرة المبدعة المحولة للأشياء حقا . تحويلا وقتيا أو دائما .

قال:اجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك ياموسى ? .

و يظهر إن استعباد بنى إسرائيل كان إجراء سياسيا خوفا من تكاثرهم وغلبتهم . وفي سبيل الملك والحكم لا يتحرج الطغاة من ارتكاب أشد الجرائم وحشية وأشنعها بربرية وأبعدها عن كل معاني الإنسانية وعن الخلق والشرف والضمير . ومن ثم كان فرعون يستأصل بني إسرائيل ويذلهم بقتل المواليد الذكور . واستبقاء الإناث ; وتسخير الكبار في الشاق المهلك من الأعمال . . فلما قال له موسى وهارون:أرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم . قال: (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ?)لأن إطلاق بني إسرائيل تمهيد للاستيلاء على الحكم والأرض .

وإذا كان موسى يطلب إطلاق بني إسرائيل لهذا الغرض , وكل ما يقدمه هو عمل من أعمال السحر , فما أسهل الرد عليه: (فلنأتينك بسحر مثله). . وهكذا يفهم الطغاة أن دعوى أصحاب العقائد إنما تخفي وراءها هدفا من أهداف هذه الأرض ; وإنها ليست سوى ستار للملك والحكم . . ثم هم يرون مع أصحاب الدعوات آيات , إما خارقة كآيات موسى , وإما مؤثرة في الناس تأخذ طريقها إلى قلوبهم وإن لم تكن من الخوارق . فإذا الطغاة يقابلونها بما يماثلها ظاهريا . . سحر نأتي بسحر مثله ! كلام نأتي بكلام من نوعه ! صلاح نتظاهر بالصلاح ! عمل طيب نرائي بعمل طيب ! ولا يدركون أن للعقائد رصيدا من الإيمان , ورصيدا من عون الله ; فهي تغلب بهذا وبذاك , لا بالظواهر والأشكال !

وهكذا طلب فرعون إلى موسى تحديد موعد للمباراة مع السحرة . . وترك له اختيار ذلك الموعد:للتحدي: (فاجعل بيننا وبينك موعدا)وشدد عليه في عدم إخلاف الموعد زيادة في التحدي (لا نخلفه نحن ولا أنت). وأن يكون الموعد في مكان مفتوح مكشوف: (مكانا سوى)مبالغة في التحدي !

وقبل موسى - عليه السلام - تحدي فرعون له ; واختار الموعد يوم عيد من الأعياد الجامعة , يأخذ فيه الناس في مصر زينتهم , ويتجمعون في الميادين والأمكنة المكشوفة ; (قال:موعدكم يوم الزينة). وطلب أن يجمع الناس ضحى , ليكون المكان مكشوفا والوقت ضاحيا . فقابل التحدي بمثله وزاد عليه اختيار الوقت في أوضح فترة من النهار وأشدها تجمعا في يوم العيد . لا في الصباح الباكر حيث لا يكون الجميع قد غادروا البيوت . ولا في الظهيرة فقد يعوقهم الحر , ولا في المساء حيث يمنعهم الظلام من التجمع أو من وضوح الرؤية . . !!

وانتهى المشهد الأول من مشاهد اللقاء بين الإيمان والطغيان في الميدان .
من الاية 60 الى الاية 65

فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)

وهنا يسدل الستار ليرفع على مشهد المباراة:

الدرس السادس:60 - 79 موجز الأحداث بين إيمان السحرة وغرق فرعون

(فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى). .

ويجمل السياق في هذا التعبير كل ما قاله فرعون وما أشار به الملأ من قومه , وما دار بينه وبين السحرة من تشجيع وتحميس ووعد بالمكافأة , وما فكر فيه وما دبر هو ومستشاروه . . يجمله في جملة:فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى . وتصور تلك الآية الواحدة القصيرة ثلاث حركات متواليات:ذهاب فرعون , وجمع كيده , والإتيان به .

ورأى موسى - عليه السلام - قبل الدخول في المباراة أن يبذل لهم النصيحة , وأن يحذرهم عاقبة الكذب والافتراء على الله , لعلهم يثوبون إلى الهدى , ويدعون التحدي بالسحر والسحر افتراء:

قال لهم موسى:ويلكم ! لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب , وقد خاب من افترى .

والكلمة الصادقة تلمس بعض القلوب وتنفذ فيها . ويبدو أن هذا الذي كان ; فقد تأثر بعض السحرة بالكلمة المخلصة , فتلجلج في الأمر ; وأخذ المصرون على المباراة يجادلونهم همسا خيفة أن يسمعهم موسى:

(فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى). .

وجعل بعضهم يحمس بعضا , وراحوا يهيجون في المترددين الخوف من موسى وهارون , اللذين يريدان الاستيلاء على مصر وتغيير عقائد أهلها ; مما يوجب مواجهتهما يدا واحدة بلا تردد ولا نزاع . واليوم هو يوم المعركة الفاصلة والذي يغلب فيها الفالح الناجح:

(قالوا:إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى . فأجمعوا كيدكم ثم أتوا صفا . وقد أفلح اليوم من استعلى). .

وهكذا تنزل الكلمة الصادقة الواحدة الصادرة عن عقيدة , كالقذيفة في معسكر المبطلين وصفوفهم , فتزعزع اعتقادهم في أنفسهم وفي قدرتهم , وفي ما هم عليه من عقيدة وفكرة . وتحتاج إلى مثل هذا التحميس والتشجيع . وموسى وأخوه رجلان اثنان , والسحرة كثيرون , ووراءهم فرعون وملكه وجنده وجبروته وماله . . ولكن موسى وهارون كان معهما ربهما يسمع ويرى . .

ولعل هذا هو الذي يفسر لنا تصرف فرعون الطاغية المتجبر , وموقف السحرة ومن ورائهم فرعون . فمن هو موسى ومن هو هارون من أول الأمر حتى يتحداهما فرعون ويقبل تحديهما ; ويجمع كيده ثم يأتي , ويحشر السحرة ويجمع الناس ; ويجلس هو والملأ من قومه ليشهدوا المباراة ? وكيف قبل فرعون أن يجادله موسى ويطاوله ? وموسى فرد من بني إسرائيل المستعبدين المستذلين تحت قهره ? . . إنها الهيبة التي ألقاها الله على موسى وهارون وهو معهما يسمع ويرى . .

وهي كذلك التي جعلت جملة واحدة توقع الارتباك في صفوف السحرة المدربين , فتحوجهم إلى التناجي سرا ; وإلى تجسيم الخطر , واستثارة الهمم , والدعوة إلى التجمع والترابط والثبات .

ثم أقدموا:

من الاية 66 الى الاية 70

قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)

(قالوا:يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى). .

وهي دعوة الميدان إلى النزال . يبدو فيها التماسك وإظهار النصفة والتحدي .

(قال:بل ألقوا). .

فقبل التحدي , وترك لهم فرصة البدء , واستبقى لنفسه الكلمة الأخيرة . . ولكن ماذا ? إنه لسحر عظيم فيما يبدو , وحركة مفاجئة ماجت بها الساحة حتى موسى:

(فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى . فأوجس في نفسه خيفة موسى),

والتعبير يشي بعظمة ذلك السحر وضخامته حتى ليوجس في نفسه خيفة موسى , ومعه ربه يسمع ويرى . وهو لا يوجس في نفسه خيفة إلا لأمر جلل ينسيه لحظة أنه الأقوى , حتى يذكره ربه بأن معه القوة الكبرى:

قلنا:لا تخف . إنك أنت الأعلى . وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا . إن ما صنعوا كيد ساحر , ولا يفلح الساحر حيث أتى . .

لا تخف إنك أنت الأعلى . فمعك الحق ومعهم الباطل . معك العقيدة ومعهم الحرفة . معك الإيمان بصدق ما أنت عليه ومعهم الأجر على المباراة ومغانم الحياة . أنت متصل بالقوة الكبرى وهم يخدمون مخلوقا بشريا فانيا مهما يكن طاغية جبارا .

لا تخف (وألق ما في يمينك)بهذا التنكير للتضخيم (تلقف ما صنعوا). فهو سحر من تدبير ساحر وعمله . والساحر لا يفلح أنى ذهب وفي أي طريق سار , لأنه يتبع تخييلا ويصنع تخييلا ; ولا يعتمد على حقيقة ثابتة باقية . شأنه شأن كل مبطل أمام القائم على الحق المعتمد على الصدق . وقد يبدو باطله ضخما فخما , مخيفا لمن يغفل عن قوة الحق الكامنة الهائلة التي لا تتبختر ولا تتطاول ولا تتظاهر ; ولكنها تدمغ الباطل في النهاية , فإذا هو زاهق وتلقفه فتطويه , فإذا هو يتوارى .

وألقى موسى . . ووقعت المفاجأة الكبرى . والسياق يصور ضخامة المفاجأة بوقعها في نفوس السحرة الذين جاءوا للمباراة فهم أحرص الناس على الفوز فيها , والذين كانوا منذ لحظة يحمس بعضهم بعضا ويدفع بعضهم بعضا . والذين بلغت بهم البراعة في فنهم إلى حد أن يوجس في نفسه خيفة موسى .

ويخيل إليه - وهو الرسول - أن حبالهم وعصيهم حيات تسعى ! يصور السياق وقع المفاجأة في نفوسهم في صورة تحول كامل في مشاعرهم ووجدانهم , لا يسعفهم الكلام للتعبير عنه ; ولا يكفي النطق للإفضاء به:

(فألقي السحرة سجدا . قالوا:آمنا برب هارون وموسى). .

إنها اللمسة تصادف العصب الحساس فينتفض الجسم كله . وتصادف "الزر الصغير" فينبعث النور ويشرق الظلام . إنها لمسة الإيمان للقلب البشري تحوله في لحظة من الكفر إلى الإيمان .

ولكن أنى للطغاة أن يدركوا هذا السر اللطيف ? أنى لهم أن يدركوا كيف تتقلب القلوب ? وهم قد نسوا لطول ما طغوا وبغوا , ورأوا الأتباع ينقادون لإشارة منهم , نسوا أن الله هو مقلب القلوب ; وأنها حين تتصل به وتستمد منه وتشرق بنوره لا يكون لأحد عليها سلطان:

(قال:آمنتم له قبل أن آذن لكم ? إنه لكبيركم الذي علمكم السحر , فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل , ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى).

(آمنتم له قبل أن آذن لكم). . قولة الطاغية الذي لا يدرك أنهم هم أنفسهم لا يملكون - وقد لمس الإيمان
طه

من الاية 71 الى الاية 76

قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى (76)

قلوبهم - أن يدفعوه عنها , والقلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء .

(إنه لكبيركم الذي علمكم السحر). . فذلك سر الاستسلام في نظره , لا أنه الإيمان الذي دب في قلوبهم من حيث لا يحتسبون . ولا أنها يد الرحمن تكشف عن بصائرهم غشاوة الضلال .

ثم التهديد الغليظ بالعذاب الغليظ الذي يعتمد عليه الطغاة ; ويسلطونه على الجسوم والأبدان حين يعجزون عن قهر القلوب والأرواح: (فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف , ولأصلبنكم في جذوع النخل).

ثم الاستعلاء بالقوة الغاشمة . قوة الوحوش في الغابة . القوة التي تمزق الأحشاء والأوصال , ولا تفرق بين إنسان يقرع بالحجة وحيوان يقرع بالناب: (ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى)!

ولكنه كان قد فات الأوان . كانت اللمسة الإيمانية قد وصلت الذرة الصغيرة بمصدرها الهائل . فإذا هي قوية قويمة . وإذا القوى الأرضية كلها ضئيلة ضئيلة . وإذا الحياة الأرضية كلها زهيدة زهيدة . وكانت قد تفتحت لهذه القلوب آفاق مشرقة وضيئة لا تبالي أن تنظر بعدها إلى الأرض وما بها من عرض زائل . ولا إلى حياة الأرض وما فيها من متاع تافه:

(قالوا:لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا , فاقض ما أنت قاض . إنما تقضي هذه الحياة الدنيا . إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر , والله خير وأبقى).

إنها لمسة الإيمان في القلوب التي كانت منذ لحظة تعنو لفرعون وتعد القربى منه مغنما يتسابق إليه المتسابقون . فإذا هي بعد لحظة تواجهه في قوة , وترخص ملكه وزخرفه وجاهه وسلطانه:

(قالوا:لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا . .)فهي علينا أعز وأغلى وهو جل شأنه أكبر وأعلى . (فاقض ما أنت قاض)ودونك وما تملكه لنا في الأرض . (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا). فسلطانك مقيد بها , وما لك من سلطان علينا في غيرها . وما أقصر الحياة الدنيا , وما أهون الحياة الدنيا . وما تملكه لنا من عذاب أيسر من أن يخشاه قلب يتصل بالله , ويأمل في الحياة الخالدة أبدا . (إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر)مما كنت تكلفنا به فلا نملك لك عصيانا , فلعل بإيماننا بربنا يغفر لنا خطايانا . (والله خير وأبقى)خير قسمة وجوارا , وأبقى مغنما وجزاء . إن كنت تهددنا بمن هو أشد وأبقى . . .

وألهم السحرة الذين آمنوا بربهم أن يقفوا من الطاغية موقف المعلم المستعلي:

إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا . ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى . جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى .

فإذا كان يتهددهم بمن هو أشد وأبقى . فها هي ذي صورة لمن يأتي ربه مجرما هي أشد عذابا وأدوم (فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا)فلا هو ميت فيستريح , ولا هو حي فيتمتع . إنما هو العذاب الذي لا ينتهي إلى موت ولا ينتهي إلى حياة . . وفي الجانب الآخر الدرجات العلى . . جنات للإقامة ندية بما يجري تحت غرفاتها من أنهار (وذلك جزاء من تزكى)وتطهر من الآثام .

وهزأت القلوب المؤمنة بتهديد الطغيان الجائر , وواجهته بكلمة الإيمان القوية . وباستعلاء الإيمان الواثق . وبتحذير الإيمان الناصع . وبرجاء الإيمان العميق .

ومضى هذا المشهد في تاريخ البشرية إعلانا لحرية القلب البشري باستعلائه على قيود الأرض وسلطان

من الاية 77 الى الاية 80

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80)

الأرض , وعلى الطمع , في المثوبة والخوف من السلطان . وما يملك القلب البشري أن يجهر بهذا الإعلان القوي إلا في ظلال الإيمان .

وهنا يسدل الستار ليرفع على مشهد آخر وحلقة من القصة جديدة .

إنه مشهد انتصار الحق والإيمان في واقع الحياة المشهود , بعد انتصارهما في عالم الفكرة والعقيدة . فلقد مضى السياق بانتصار آية العصا على السحر ; وانتصار العقيدة في قلوب السحرة على الاحتراف ; وانتصار الإيمان في قلوبهم على الرغب والرهب , والتهديد والوعيد . فالآن ينتصر الحق على الباطل والهدى على الضلال , والإيمان على الطغيان في الواقع المشهود . والنصر الأخير مرتبط بالنصر الأول . فما يتحقق النصر في عالم الواقع إلا بعد تمامه في عالم الضمير ; وما يستعلي أصحاب الحق في الظاهر إلا بعد أن يستعلوا بالحق في الباطن . . إن للحق والإيمان حقيقة متى تجسمت في المشاعر أخذت طريقها فاستعلنت ليراها الناس في صورتها الواقعية . فأما إذا ظل الإيمان مظهرا لم يتجسم في القلب , والحق شعارا لا ينبع من الضمير , فإن الطغيان والباطل قد يغلبان , لأنهما يملكان قوة مادية حقيقية لا مقابل لها ولا كفاء في مظهر الحق والإيمان . . يجب أن تتحقق حقيقة الإيمان في النفس وحقيقة الحق في القلب ; فتصبحا أقوى من حقيقة القوى المادية التي يستعلي بها الباطل ويصول بها الطغيان . . وهذا هو الذي كان في موقف موسى - عليه السلام - من السحر والسحرة . وفي موقف السحرة من فرعون ومثله . ومن ثم انتصر الحق في الأرض كما يعرضه هذا المشهد في سياق السورة:

(ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي , فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا , لا تخاف دركا ولا تخشى . فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم , وأضل فرعون قومه وما هدى). .

ولا يذكر السياق هنا ما الذي كان بعد مواجهة الإيمان للطغيان في موقف السحرة مع فرعون . ولا كيف تصرف معهم بعدما اعتصموا بإيمانهم مستقبلين التهديد والوعيد بقلب المؤمن المتعلق بربه , المستهين بحياة الأرض وما فيها ومن فيها . إنما يعقب بهذا المشهد . مشهد الانتصار الكامل ليتصل النصر القلبي بالنصر الواقعي . وتتجلى رعاية الله لعباده المؤمنين كاملة حاسمة . . ولنفس الغرض لا يطيل هنا في مشهد الخروج والوقوف أمام البحر - كما يطيل في سور أخرى - بل يبادر بعرض مشهد النصر بلا مقدمات كثيرة . لأن مقدماته كانت في الضمائر والقلوب .

وإن هو إلا الإيحاء لموسى أن يخرج بعباد الله - بني إسرائيل - ليلا . فيضرب لهم طريقا في البحر يبسا بدون تفصيل ولا تطويل - فنعرضه نحن كذلك كما جاء - مطمئنا إلى أن عناية الله ترعاهم فلا يخاف أن يدركه فرعون وجنوده , ولا يخشى من البحر الذي اتخذ له طريقا يابسا فيه ! ويد القدرة التي أجرت الماء وفق الناموس الذي أرادته قادرة على أن تكشفه بعض الوقت عن طريق يابس فيه !

(فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم . وأضل فرعون قومه وما هدى). .

هكذا يجمل السياق كذلك ما غشي فرعون وقومه , ولا يفصله , ليبقى وقعه في النفس شاملا مهولا ; لا يحدده التفصيل , وقاد فرعون قومه إلى الضلال في الحياة كما قادهم إلى الضلال والبحر . وكلاهما ضلال يؤدي إلى البوار . .

ولا نتعرض نحن لتفصيلات ما حدث في هذا الموضع , كي نتابع السياق في حكمة الإجمال . إنما نقف أمام العبرة التي يتركها المشهد ونتسمع لإيقاعه في القلوب . .

لقد تولت يد القدرة إدارة المعركة بين الإيمان والطغيان فلم يتكلف أصحاب الإيمان فيها شيئا سوى اتباع الوحي والسري ليلا . ذلك أن القوتين لم تكونا متكافئتين ولا متقاربتين في عالم الواقع . . موسى وقومه ضعاف مجردون من القوة , وفرعون وجنده يملكون القوة كلها . فلا سبيل إلى خوض معركة مادية أصلا . هنا تولت يد القدرة إدارة المعركة . ولكن بعد أن اكتملت حقيقة الإيمان في نفوس الذين لا يملكون قوة سواها . بعد أن استعلن الإيمان في وجه الطغيان لا يخشاه ولا يرجوه ; لا يرهب وعيده ولا يرغب في شيء مما في يده . . يقول الطغيان: (فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل)فيقول الإيمان: (فاقض ما أنت قاض . إنما تقضي هذه الحياة الدنيا). . عندما بلغت المعركة بين الإيمان والطغيان في عالم القلب إلى هذا الحد تولت يد القدرة راية الحق لترفعها عالية , وتنكس راية الباطل بلا جهد من أهل الإيمان .

وعبرة أخرى:

إنه حين كان بنو إسرائيل يؤدون ضريبة الذل لفرعون وهو يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم لم تتدخل يد القدرة لإدارة المعركة . فهم لم يكونوا يؤدون هذه الضريبة إلا ذلا واستنكانة وخوفا . فأما حين استعلن الإيمان , في قلوب الذين آمنوا بموسى واستعدوا لاحتمال التعذيب وهم مرفوعو الرؤوس يجهرون بكلمة الإيمان في وجه فرعون دون تلجلج ودون تحرج , ودون اتقاء للتعذيب . فأما عند ذلك فقد تدخلت يد القدرة لإدارة المعركة . وإعلان النصر الذي تم قبل ذلك في الأرواح والقلوب . .

هذه هي العبرة التي يبرزها السياق بذلك الإجمال , وبتتابع المشهدين بلا عائق من التفصيلات . ليستيقنها أصحاب الدعوات , ويعرفوا متى يرتقبون النصر من عند الله وهم مجردون من عدة الأرض . والطغاة يملكون المال والجند والسلاح .

الدرس السابع:80 - 92 تذكير بني إسرائيل بنعم الله عليهم

وفي ظلال النصر والنجاة يتوجه الخطاب إلى الناجين بالتذكير والتحذير , كي لا ينسوا ولا يبطروا ; ولا يتجردوا من السلاح الوحيد الذي كان لهم في المعركة فضمنوا به النصر والنجاح:

(يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ; وواعدناكم جانب الطور الأيمن , ونزلنا عليكم المن والسلوى . كلوا من طيبات ما رزقناكم , ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي , ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى . وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى). .

لقد جازوا منطقة الخطر , وانطلقوا ناجين ناحية الطور . وتركوا وراءهم فرعون وجنده غرقى:وإنجاؤهم من عدوهم واقع قريب يذكرونه اللحظة فلم يمض عليه كثير . ولكنه إعلان التسجيل . والتذكير بالنعمة المشهودة ليعرفوها ويشكروها .

ومواعدتهم جانب الطور الأيمن يشار إليها هنا على أنها أمر واقع ; وكانت مواعدة لموسى - عليه السلام - بعد خروجهم من مصر , أن يأتي إلى الطور بعد أربعين ليلة يتهيأ فيها للقاء ربه , ليسمع ما يوحى إليه في الألواح من أمور العقيدة والشريعة , المنظمة لهذا الشعب الذي كتب له دورا يؤديه في الأرض المقدسة بعد الخروج من مصر .

وتنزيل المن . وهو مادة حلوة تتجمع على أوراق الشجر . والسلوى وهو طائر السماني يساق إليهم في الصحراء , قريب المتناول سهل التناول , كان نعمة من الله ومظهرا لعنايته بهم في الصحراء الجرداء . وهو يتولاهم حتى في طعامهم اليومي فييسره لهم من أقرب الموارد .
من الاية 81 الى الاية 84

كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82) وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)

وهو يذكرهم بهذه النعم ليأكلوا من الطيبات التي يسرها لهم ويحذرهم من الطغيان فيها . بالبطنة والانصراف إلى لذائذ البطون والغفلة عن الواجب الذي هم خارجون له , والتكليف الذي يعدهم ربهم لتلقيه . ويسميه طغيانا وهم قريبو العهد بالطغيان , ذاقوا منه ما ذاقوا , ورأوا من نهايته ما رأوا . (ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي . ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى). . ولقد هوى فرعون منذ قليل . هوى عن عرشه وهوى في الماء . . والهوى إلى أسفل يقابل الطغيان والتعالي . والتعبير ينسق هذه المقابلات في اللفظ والظل على طريقة التناسق القرآنية الملحوظة .

هذا هو التحذير والإنذار للقوم المقدمين على المهمة التي من أجلها خرجوا ; كي لا تبطرهم النعمة , ولا يترفوا فيها فيسترخوا . . وإلى جانب التحذير والإنذار يفتح باب التوبة لمن يخطئ ويرجع:

(وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى). .

والتوبة ليست كلمة تقال , إنما هي عزيمة في القلب , يتحقق مدلولها بالإيمان والعمل الصالح . ويتجلى أثرها في السلوك العملي في عالم الواقع . فإذا وقعت التوبة وصح الإيمان , وصدقه العمل فهنا يأخذ الإنسان في الطريق , على هدى من الإيمان , وعلى ضمانة من العمل الصالح . فالاهتداء هنا ثمرة ونتيجة للمحاولة والعمل . .

وإلى هنا ينتهي مشهد النصر والتعقيب عليه . فيسدل الستار حتى يرفع على مشهد المناجاة الثانية إلى جانب الطور الأيمن . .

الدرس الثامن:83 - 99 عبادة بني إسرائيل العجل وعقاب موسى للسامري

لقد واعد الله موسى - عليه السلام - على الجبل ميعادا ضربه له ليلقاه بعد أربعين يوما ; لتلقي التكاليف:تكاليف النصر بعد الهزيمة . وللنصر تكاليفه , وللعقيدة تكاليفها , ولا بد من تهيؤ نفسي واستعداد للتلقي .

وصعد موسى إلى الجبل , وترك قومه في أسفله , وترك عليهم هارون نائبا عنه . .

لقد غلب الشوق على موسى إلى مناجاة ربه , والوقوف بين يديه , وقد ذاق حلاوتها من قبل , فهو إليها مشتاق عجول . ووقف في حضرة مولاه . وهو لا يعلم ما وراءه , ولا ما أحدث القوم بعده ; حين تركهم في أسفل الجبل .

وهنا ينبئه ربه بما كان خلفه . . فلنشهد المشهد ولنسمع الحوار:

(وما أعجلك عن قومك يا موسى ? قال:هم أولاء على أثري , وعجلت إليك رب لترضى . قال:فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري).

وهكذا فوجيء موسى . . إنه عجلان إلى ربه , بعدما تهيأ واستعد أربعين يوما , ليلقاه ويتلقى منه التوجيه الذي يقيم عليه حياة بني إسرائيل الجديدة . وقد استخلصهم من الذل والاستعباد , ليصوغ منهم أمة ذات رسالة , وذات تكاليف .

ولكن الاستعباد الطويل والذل الطويل في ظل الفرعونية الوثنية كان قد أفسد طبيعة القوم وأضعف استعدادهم لاحتمال التكاليف والصبر عليها , والوفاء بالعهد والثبات عليه ; وترك في كيانهم النفسي خلخلة واستعدادا للانقياد والتقليد المريح . . فما يكاد موسى يتركهم في رعاية هارون ويبعد عنهم قليلا حتى تتخلخل عقيدتهم كلها وتنهار أمام أول اختيار . ولم يكن بد من اختبارات متوالية وابتلاءات متكررة لإعادة بنائهم

من الاية 85 الى الاية 87

قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)

النفسي . وكان أول ابتلاء هو ابتلاؤهم بالعجل الذي صنعه لهم السامريSadقال:فإنا قد فتنا قومك من بعدك , وأضلهم السامري)ولم يكن لدى موسى علم بهذا الابتلاء , حتى لقى ربه , وتلقى الألواح وفي نسختها هدى , وبها الدستور التشريعي لبناء بني إسرائيل بناء يصلح للمهمة التي هم منتدبون لها .

وينهي السياق موقف المناجاة هنا على عجل ويطويه , ليصور انفعال موسى - عليه السلام - مما علم من أمر الفتنة , ومسارعته بالعودة , وفي نفسه حزن وغضب , على القوم الذين أنقذهم الله على يديه من الاستعباد والذل في ظل الوثنية ; ومن عليهم بالرزق الميسر والرعاية الرحيمة في الصحراء ; وذكرهم منذ قليل بآلائه , وحذرهم الضلال وعواقبه . ثم ها هم أولاء يتبعون أول ناعق إلى الوثنية , وإلى عبادة العجل !

ولم يذكر هنا ما أخبر الله به موسى من تفصيلات الفتنة , استعجالا في عرض موقف العودة إلى قومه . ولكن السياق يشي بهذه التفصيلات . فلقد عاد موسى غضبان أسفا يوبخ قومه ويؤنب أخاه . فلا بد أنه كان يعلم شناعة الفعلة التي أقدموا عليهاط:

(فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا . قال:يا قوم:ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ? أفطال عليكم العهد ? أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي , قالوا:ما أخلفنا موعدك بملكنا , ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها , فكذلك ألقى السامري , فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار , فقالوا:هذا إلهكم وإله موسى فنسي , أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا , ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ? ولقد قال لهم هارون من قبل:يا قوم إنما فتنتم به , وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري . قالوا:لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى !).

هذه هي الفتنة يكشف السياق عنها في مواجهة موسى بقومه ; وقد أخر كشفها عن موقف المناجاة , واحتفظ بتفصيلاتها لتظهر في مشهد التحقيق الذي يقوم به موسى . .

لقد رجع موسى ليجد قومه عاكفين على عجل من الذهب له خوار يقولون:هذا إلهكم وإله موسى . وقد نسي موسى فذهب يطلب ربه على الجبل وربه هنا حاضر !

فراح موسى يسألهم في حزن وغضب: (يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ?)وقد وعدهم الله بالنصر ودخول الأرض المقدسة في ظل التوحيد ; ولم يمض على هذا الوعد وإنجاز مقدماته طويل وقت . ويؤنبهم في استنكار: (أفطال عليكم العهد ? أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم ?)فعملكم هذا عمل من يريد أن يحل عليه غضب من الله كأنما يتعمد ذلك تعمدا , ويقصد إليه قصدا ! . . أفطال عليكم العهد ? أم تعمدتم حلول الغضب (فأخلفتم موعدي)وقد تواعدنا على أن تبقوا على عهدي حتى أعود إليكم , لا تغيرون في عقيدتكم ولا منهجكم بغير أمري ?

عندئذ يعتذرون بذلك العذر العجيب , الذي يكشف عن أثر الاستعباد الطويل , والتخلخل النفسي والسخف العقلي: (قالوا:ما أخلفنا موعدك بملكنا)فلقد كان الأمر أكبر من طاقتنا ! (ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها). . وقد حملوا معهم أكداسا من حلي المصريات كانت عارية عند نسائهم فحملنها معهن . فهم يشيرون إلى هذه الأحمال . ويقولون:لقد قذفناها تخلصا منها لأنها حرام . فأخذها السامري فصاغ منها عجلا . والسامري رجل من "سامراء" كان يرافقهم أو أنه واحد منهم يحمل هذا اللقب . وجعل له منافذ إذا دارت فيها الريح أخرجت صوتا كصوت الخوار , ولا حياة فيه ولا روح فهو جسد - ولفظ الجسد يطلق على الجسم الذي لا حياة فيه - فما كادوا يرون عجلا من ذهب يخور حتى نسوا ربهم الذي أنقذهم

كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى