منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة الحجر ايه رقم1 الى 13 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة الحجر ايه رقم1 الى 13 الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة الحجر ايه رقم1 الى 13 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الثلاثاء مايو 15, 2012 11:00 pm

من الاية 1 الى الاية 2

الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ (1) رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ (2)


الحجر

التعريف بسورة الحجر

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه السورة مكية بجملتها , نزلت بعد سورة يوسف , في الفترة الحرجة , ما بين "عام الحزن" وعام الهجرة . . تلك الفترة التي تحدثنا عن طبيعتها وملابساتها ومعالمها من قبل في تقديم سورة يونس وفي تقديم سورة هود وفي تقديم سورة يوسف بما فيه الكفاية . .

وهذه السورة عليها طابع هذه الفترة , وحاجاتها ومقتضياتها الحركية . . إنها تواجه واقع تلك الفترة مواجهة حركية ; وتوجه الرسول [ ص ] والجماعة المسلمة معه , توجيها واقعيا مباشرا وتجاهد المكذبين جهادا كبيرا . كما هي طبيعة هذا القرآن ووظيفته .

ولما كانت حركة الدعوة في تلك الفترة تكاد تكون قد تجمدت , بسبب موقف قريش العنيد منها ومن النبي [ ص ] والعصبة المؤمنة معه ; حيث اجترأت قريش على رسول الله [ ص ] بما لم تكن تجترئ عليه في حياة أبي طالب . واشتد استهزاؤها بدعوته ; كما اشتد إيذاؤها لصحابته . . فقد جاء القرآن الكريم في هذه الفترة يهدد المشركين المكذبين ويتوعدهم ; ويعرض عليهم مصارع المكذبين الغابرين ومصائرهم ; ويكشف للرسول [ ص ] عن علة تكذيبهم وعنادهم ; وهي لا تتعلق به ولا بالحق الذي معه , لكنها ترجع إلى العناد الذي لا تجدي معه الآيات البينات . ومن ثم يسلي الرسول [ ص ] ويواسيه ; ويوجهه إلى الإصرار على الحق الذي معه ; والصدع به بقوة في مواجهة الشرك وأهله ; والصبر بعد ذلك على بطء الاستجابة ووحشة العزلة , وطول الطريق !

ومن هنا تلتقي هذه السورة في وجهتها وفي موضوعها وفي ملامحها مع بقية السور التي نزلت في تلك الفترة ; وتواجه مثلها مقتضيات تلك الفترة وحاجاتها الحركية . أي الحاجات والمقتضيات الناشئة من حركة الجماعة المسلمة بعقيدتها الإسلامية في مواجهة الجاهلية العربية في تلك الفترة من الزمان بكل ملابساتها الواقعية . ومن ثم تواجه حاجات الحركة الإسلامية ومقتضياتها كلما تكررت هذه الفترة , وذلك كالذي تواجهه الحركة الإسلامية الآن في هذا الزمان .

ونحن نؤكد على هذه السمة في هذا القرآن . . سمة الواقعية الحركية . . لأنها في نظرنا مفتاح التعامل مع هذا الكتاب وفهمه وفقهه وإدراك مراميه وأهدافه . .

إنه لا بد من استصحاب الأحوال والملابسات والظروف والحاجات والمقتضيات الواقعية العملية التي صاحبتنزول النص القرآني . . لا بد من هذا لإدراك وجهة النص وأبعاد مدلولاته ; ولرؤية حيويته وهو يعمل في وسط حي ; ويواجه حالة واقعة ; كما يواجه أحياء يتحركون معه أو ضده . وهذه الرؤية ضرورية لفقه أحكامه وتذوقها ; كما هي ضرورية للانتفاع بتوجيهاته كلما تكررت تلك الظروف والملابسات في فترة تاريخية تالية , وعلى الأخص فيما يواجهنا اليوم ونحن نستأنف الدعوة الإسلامية .

نقول هذه المقالة ونحن على يقين أنه لن يرى هذه الرؤية اليوم إلا الذين يتحركون فعلا بهذا الدين في مواجهة الجاهلية الحاضرة ; ومن ثم يواجهون أحوالا وملابسات وظروفا وأحداثا كالتي كان يواجهها صاحب الدعوة الأولى - صلوات الله وسلامه عليه - والعصبة المسلمة معه . . من الإعراض والتولي عن هذا الدين في حقيقته الكبيرة الشاملة ; التي لا تتحقق إلا بالدينونة الكاملة لله وحده في كل شأن من شؤون الحياة الاعتقادية والأخلاقية والتعبدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية . . وما يلقونه كذلك من الإيذاء والمطاردة والتعذيب والتقتيل كالذي كانت تلك العصبة المختارة الأولى تبتلى - في سبيل الله - به . .

إن هؤلاء الذين يتحركون بهذا الدين في مواجهة الجاهلية ; ويواجهون به ما كانت تواجهه الجماعة المسلمة الأولى . . هم وحدهم الذين يرون تلك الرؤية . . وهم وحدهم الذين يفقهون هذا القرآن ; ويدركون الأبعاد الحقيقية لمدلولات نصوصه . على النحو الذي أسلفنا . . وهم وحدهم الذين يملكون استنباط فقه الحركة الذي لا يغني عنه فقه الأوراق , في مواجهة الحياة المتحركة التي لا تكف عن الحركة !

وبمناسبة هذه الإشارة إلى فقه الحركة نحب أن نقرر أن الفقه المطلوب استنباطه في هذه الفترة الحاضرة هو الفقه اللازم لحركة ناشئة في مواجهة الجاهلية الشاملة . حركة تهدف إلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور , ومن الجاهلية إلى الإسلام ; ومن الدينونة للعباد إلى الدينونة لرب العباد ; كما كانت الحركة الأولى - على عهد محمد [ ص ] - تواجه جاهلية العرب بمثل هذه المحاولة ; قبل أن تقوم الدولة في المدينة ; وقبل أن يكون للإسلام سلطان على أرض وعلى أمة من الناس .

نحن اليوم في شبه هذا الموقف لا في مثله , وذلك لاختلاف بعض الظروف والملابسات الخارجية . . نحن نستهدف دعوة إلى الإسلام ناشئة في مواجهة جاهلية شاملة . . ولكن مع اختلاف في الملابسات والظروف والحاجات والمقتضيات الواقعية للحركة . . وهذا الاختلاف هو الذي يقتضي "اجتهادا" جديدا في "فقه الحركة " يوائم بين السوابق التاريخية للحركة الإسلامية الأولى وبين طبيعة الفترة الحاضرة ومقتضياتها المتغيرة قليلا أو كثيرا . .

هذا النوع من الفقه هو الذي تحتاج إليه الحركة الإسلامية الوليدة . . أما الفقه الخاص بأنظمة الدولة , وشرائع المجتمع المنظم المستقر , فهذا ليس أوانه . . . إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم , قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي ! . . هذا النوع من الفقه يأتي في حينه ; وتفصل أحكامه على قد المجتمع المسلم حين يوجد ; ويواجه الظروف الواقعية التي تكون محيطة بذلك المجتمع يومذاك !

إن الفقه الإسلامي لا ينشأ في فراغ ولا تستنبت بذوره في الهواء !

ونعود إلى استكمال الحديث عن موضوعات السورة:

محور هذه السورة الأول:هو إبراز طبيعة المكذبين بهذا الدين ودوافعهم الأصيلة للتكذيب , وتصوير المصير المخوف الذي ينتظر الكافرين المكذبين . . وحول هذا المحور يدور السياق في عدة جولات , متنوعةالموضوع والمجال , ترجع كلها إلى ذلك المحور الأصيل . سواء في ذلك القصة , ومشاهد الكون , ومشاهد القيامة , والتوجيهات والتعقيبات التي تسبق القصص وتتخلله وتعقب عليه .

وإذا كان جو سورة الرعد يذكر بجو سورة الأنعام . فإن جو هذه السورة - الحجر - يذكر بجو سورة الأعراف . - وابتداؤها كان بالإنذار , وسياقها كله جاء مصداقا للإنذار - فهنا كذلك في سورة الحجر يتشابه البدء والسياق , مع اختلاف في الطعم والمذاق !

إن الإنذار في مطلع سورة الأعراف صريح:

كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه , لتنذر به وذكرى للمؤمنين . اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء , قليلا ما تذكرون . وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أوهم قائلون . فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا الا أن قالوا:إنا كنا ظالمين . .

ثم ترد فيها قصة آدم وابليس ويتابعها السياق حتى تنتهي الحياة الدنيا , ويعود الجميع إلى ربهم , فيجدوا مصداق النذير . . ويلي القصة عرض لبعض مشاهد الكون:السماوات والأرض , والليل والنهار , والشمس والقمر , والنجوم مسخرات بأمره , والرياح والسحاب والماء والثمرات . . ويلي ذلك قصص قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى:وكلها تصدق النذير . .

وهنا في سورة الحجر يجيء الإنذار كذلك في مطلعها , ولكن ملفعا بظل من التهويل والغموض يزيد جوها رهبة وتوقعا للمصير:

(ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون . وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم . ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون). .

ثم يعرض السياق بعض مشاهد الكون:السماء وما فيها من بروج , والأرض الممدودة والرواسي الراسخة , والنبت الموزون , والرياح اللواقح , والماء والسقيا , والحياة والموت والحشر للجميع . . يلي ذلك قصة آدم وإبليس , منتهية بمصير أتباعه ومصير المؤمنين . . ومن ثم لمحات من قصص إبراهيم ولوط وشعيب وصالح منظورا فيها إلى مصائر المكذبين , وملحوظا فيها أن مشركي العرب يعرفون الآثار الدارسة لهذه الأقوام , وهم يمرون عليها في طريقهم إلى الشام .

فالمحور في السورتين واحد , ولكن شخصية كل منهما متميزة ; وإيقاعهما يتشابه ولا يتماثل , على عادة القرآن الكريم في تناوله لموضوعاته الموحدة , بطرق شتى , تختلف وتتشابه , ولكنها لا تتكرر أبدا ولا تتماثل !

ويمكن تقسيم سياق السورة هنا إلى خمس جولات , أو خمسة مقاطع , يتضمن كل منها موضوعا أو مجالا:

تتضمن الجولة الأولى بيان سنة الله التي لا تتخلف في الرسالة والإيمان بها والتكذيب . مبدوءة بذلك الإنذار الضمني الملفع بالتهويل:

(ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون). .

ومنتهية بأن المكذبين إنما يكذبون عن عناد لا عن نقص في دلائل الإيمان:


(ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا:إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون !). . وأنهم جميعا من طراز واحد:

ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين . وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون . كذلك نسلكه في قلوب المجرمين . لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين . .

وتعرض الجولة الثانية بعض آيات الله في الكون:في السماء وفي الأرض وما بينهما . وقد قدرت بحكمة , وأنزلت بقدر:

(ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين . وحفظناها من كل شيطان رجيم . إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين . والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون . وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين . وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم . وأرسلنا الرياح لواقح , فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين). .

وإلى الله مرجع كل شيء وكل أحد في الوقت المقدر المعلومSadوإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون . ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين . وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم). .

أما الجولة الثالثة فتعرض قصة البشرية وأصل الهدى والغواية في تركيبها وأسبابها الأصيلة , ومصير الغاوين في النهاية والمهتدين . وذلك في خلق آدم من صلصال من حمأ مسنون والنفخ من روح الله في هذا الطين . ثم في غرور إبليس واستكباره وتوليه الغاوين دون المخلصين .

والجولة الرابعة في مصارع الغابرين من قوم لوط وشعيب وصالح , مبدوءة بقول الله: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم . وأن عذابي هو العذاب الأليم ثم يتتابع القصص , يجلو رحمة الله مع إبراهيم ولوط , وعذابه لأقوام لوط وشعيب وصالح . . ملحوظا في هذا القصص أنه يعرض على قريش مصارع أقوام يمرون على أرضهم في طريقهم إلى الشام ويرون آثارهم:

(إن في ذلك لآيات للمتوسمين . وإنها لبسبيل مقيم). .

أما الجولة الخامسة والأخيرة فتكشف عن الحق الكامن في خلق السماوات والأرض المتلبس بالساعة وما بعدها من ثواب وعقاب , المتصل بدعوة الرسول [ ص ] فهو الحق الأكبر الشامل للكون كله , وللبدء والمصيرSadوما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق , وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل . إن ربك هو الخلاق العليم . ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم . .)إلى آخر السورة . .


بسم الله الرحمن

الوحدة الأولى:1 - 15 الموضوع:سنة الله في الرسل والرسالات وهلاك المكذبين الدرس الأول:1 - 5 طبيعة القرآن وسنة الله في المكذبين

هذا المقطع الأول في سياق السورة , يتحدث عن طبيعة الكتاب الذي يكذب به المشركون . . ويهددهم بيوم يتمنون فيه لو كانوا مسلمين ! كما يكشف لهم عن سبب إرجاء هذا اليوم عنهم , فهو موقوت بأجل معلوم . . ويذكر تحدياتهم واستهزاءهم وطلبهم الملائكة , ثم يهددهم بأن نزول الملائكة يكون معه الهلاك والتدمير ! وأخيرا يكشف عن العلة الحقيقية للتكذيب . . إنها ليست نقص الدليل ولكنه العناد الأصيل ! . .

ألف . لام . را . . تلك آيات الكتاب وقرآن مبين). .

هذه الأحرف ونظائرها هي الكتاب وهي القرآن . هذه الأحرف التي في متناول الجميع , هي(تلك)الآيات العالية الأفق البعيدة المتناول , المعجزة التنسيق . هذه الأحرف التي لا مدلول لها في ذاتها هي القرآن الواضح الكاشف المبين .

فإذا كان قوم يكفرون بآيات الكتاب المعجز ويكذبون بهذا القرآن المبين فسيأتي يوم يودون فيه لو كانوا غير ما كانوا ; ويتمنون فيه لو آمنوا واستقاموا:

(ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين). .


من الاية 3 الى الاية 5

ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ (4) مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)


ربما . . ولكن حيث لا ينفع التمني ولا تجدي الودادة . . ربما . . وفيها التهديد الخفي , والاستهزاء الملفوف ; وفيها كذلك الحث على انتهاز الفرصة المعروضة للإسلام والنجاة قبل أن تضيع , ويأتي اليوم الذي يودون فيه لو كانوا مسلمين ; فما ينفعهم يومئذ أنهم يودون !

وتهديد آخر ملفوف:

(ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون). .

ذرهم فيما هم فيه من حياة حيوانية محضة للأكل والمتاع . لا تأمل فيها ولا تدبر ولا استطلاع . ذرهم في تلك الدوامة:الأمل يلهي والمطامع تغر , والعمر يمضي والفرصة تضيع . ذرهم فلا تشغل نفسك بهؤلاء الهالكين , الذين ضلوا في متاهة الأمل الغرور , يلوح لهم ويشغلهم بالأطماع , ويملي لهم فيحسبون أن أجلهم ممدود , وأنهم محصلون ما يطمعون لا يردهم عنه راد , ولا يمنعهم منه مانع . وأن ليس وراءهم حسيب ; وأنهم ناجون في النهاية بما ينالون مما يطعمون !

وصورة الأمل الملهي صورة إنسانية حية . فالأمل البراق ما يزال يخايل لهذا الإنسان , وهو يجري وراءه , وينشغل به , ويستغرق فيه , حتى يجاوز المنطقة المأمونة ; وحتى يغفل عن الله , وعن القدر , وعن الأجل ; وحتى ينسى أن هنالك واجبا , وأن هنالك محظورا ; بل حتى لينسى أن هنالك إلها , وأن هنالك موتا , وأن هناك نشورا .

وهذا هو الأمل القاتل الذي يؤمر الرسول [ ص ] أن يدعهم له . . (فسوف يعلمون). . حيث لا ينفع العلم بعد فوات الأوان . . وهو أمر فيه تهديد لهم , وفيه كذلك لمسة عنيفة لعلهم يصحون من الأمل الخادع الذي يلهيهم عن المصير المحتوم .

وإن سنة الله لماضية لا تتخلف ; وهلاك الأمم مرهون بأجلها الذي قدره الله لها ; مترتب على سلوكها الذي تنفذ به سنة الله ومشيئته:

(وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم , ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون). .

فلا يغرنهم تخلف العذاب عنهم فترة من الوقت , فإنما هي سنة الله تمضي في طريقها المعلوم . ولسوف يعلمون .

وذلك الكتاب المعلوم والأجل المقسوم , يمنحه الله للقرى والأمم , لتعمل , وعلى حسب العمل يكون المصير . فإذا هي آمنت وأحسنت وأصلحت وعدلت مد الله في أجلها , حتى تنحرف عن هذه الأسس كلها , ولا تبقى فيها بقية من خير يرجى , عندئذ تبلغ أجلها , وينتهي وجودها , إما نهائيا بالهلاك والدثور , وإما وقتيا بالضعف والذبول .

ولقد يقال:إن أمما لا تؤمن ولا تحسن ولا تصلح ولا تعدل . وهي مع ذلك قوية ثرية باقية . وهذا وهم . فلا بد من بقية من خير في هذه الأمم . ولو كان هو خير العمارة للأرض , وخير العدل في حدوده الضيقة بين أبنائها , وخير الإصلاح المادي والإحسان المحدود بحدودها . فعلى هذه البقية من الخير تعيش حتى تستنفدها فلا تبقى فيها من الخير بقية . ثم تنتهي حتما إلى المصير المعلوم .

إن سنة الله لاتتخلف . ولكل أمة أجل معلوم:

(ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون).
من الاية 6 الى الاية 13

وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ (Cool إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (13)

الدرس الثاني:6 - 8 وقاحة الكفار مع الرسول وطلبهم ملائكة العذاب

ويحكي السياق سوء أدبهم مع الرسول [ ص ] وقد جاءهم بالكتاب والقرآن المبين , يوقظهم من الأمل الملهي , ويذكرهم بسنة الله , فإذا هم يسخرون منه ويتوقحون:

(وقالوا:يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون . لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين !). .

وتبدو السخرية في ندائهم:

(يا أيها الذي نزل عليه الذكر). .

فهم ينكرون الوحي والرسالة ; ولكنهم يتهكمون على الرسول الكريم بهذا الذي يقولون .

ويبدو سوء الأدب في وصفهم للرسول الأمين:

(إنك لمجنون). .

جزاء على دعوته لهم بالقرآن المبين .

وهم يتمحكون فيطلبون الملائكة مصدقين:

(لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين !).

وطلب نزول الملائكة يتكرر في هذه السورة وفي غيرها , مع الرسول [ ص ] ومع غيره من الرسل قبله:وهو كما قلنا ظاهرة من ظواهر الجهل بقيمة هذا الكائن الإنساني الذي كرمه الله , فجعل النبوة في جنسه , ممثلة في أفراده المختارين .

والرد على ذلك التهكم وتلك الوقاحة وهذا الجهل هو ذكر القاعدة التي تشهد بها مصارع السالفين:أن الملائكة لا تنزل على الرسول إلا لهلاك المكذبين من قومه حين ينتهي الأجل المعلوم ; وعندئذ فلا إمهال ولا تأجيل:

ما ننزل الملائكة إلا بالحق , وما كانوا إذن منظرين . .

فهل هو ما يريدون وما يتطلبون ?!

الدرس الثالث:9 - 15 سنة الله في حفظ كتابه وهلاك أعدائه وصورة من عنادهم

ثم يردهم السياق إلى الهدى والتدبر . . إن الله لا ينزل الملائكة إلا بالحق , ليحقوه وينفذوه . والحق عند التكذيب هو الهلاك . فهم يستحقونه فيحق عليهم . فهو حق تنزل به الملائكة لتنفذه بلا تأخير . وقد أراد الله لهم خيرا مما يريدون بأنفسهم , فنزل لهم الذكر يتدبرونه ويهتدون به , وهو خير لهم من تنزيل الملائكة بالحق الأخير ! لو كانوا يفقهون:

(إنا نحن نزلنا الذكر , وإنا له لحافظون). .

فخير لهم أن يقبلوا عليه . فهو باق محفوظ لا يندثر ولا يتبدل . ولا يلتبس بالباطل ولا يمسه التحريف وهو يقودهم إلى الحق برعاية الله وحفظه , إن كانوا يريدون الحق , وإن كانوا يطلبون الملائكة للتثبت . . إن الله لا يريد أن ينزل عليهم الملائكة , لأنه أراد بهم الخير فنزل لهم الذكر المحفوظ , لا ملائكة الهلاك والتدمير .

وننظر نحن اليوم من وراء القرون إلى وعد الله الحق بحفظ هذا الذكر ; فنرى فيه المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب - إلى جانب غيرها من الشواهد الكثيرة - ونرى أن الأحوال والظروف والملابسات والعوامل التي تقلبت على هذا الكتاب في خلال هذه القرون ما كان يمكن أن تتركه مصونا محفوظا لا تتبدل فيه كلمة ,ولا تحرف فيه جملة , لولا أن هنالك قدرة خارجة عن إرادة البشر , أكبر من الأحوال والظروف والملابسات والعوامل , تحفظ هذا الكتاب من التغيير والتبديل , وتصونه من العبث والتحريف .

لقد جاء على هذا القرآن زمان في أيام الفتن الأولى كثرت فيه الفرق , وكثر فيه النزاع , وطمت فيه الفتن , وتماوجت فيه الأحداث . وراحت كل فرقة تبحث لها عن سند في هذا القرآن وفي حديث رسول الله [ ص ] ودخل في هذه الفتن وساقها أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود - خاصة - ثم من "القوميين" دعاة "القومية " الذين تسموا بالشعوبيين !

ولقد أدخلت هذه الفرق على حديث رسول الله [ ص ] ما احتاج إلى جهد عشرات العلماء الأتقياء الأذكياء عشرات من السنين لتحرير سنة رسول الله [ ص ] وغربلتها وتنقيتها من كل دخيل عليها من كيد أولئك الكائدين لهذا الدين .

كما استطاعت هذه الفرق في تلك الفتن أن تؤول معاني النصوص القرآنية , وأن تحاول أن تلوي هذه النصوص لتشهد لها بما تريد تقريره من الأحكام والاتجاهات . .

ولكنها عجزت جميعا - وفي أشد أوقات الفتن حلوكة واضطرابا - أن تحدث حدثا واحدا في نصوص هذا الكتاب المحفوظ ; وبقيت نصوصه كما أنزلها الله ; حجة باقية على كل محرف وكل مؤول ; وحجة باقية كذلك على ربانية هذا الذكر المحفوظ .

ثم جاء على المسلمين زمان - ما نزال نعانيه - ضعفوا فيه عن حماية أنفسهم , وعن حماية عقيدتهم , وعن حماية نظامهم , وعن حماية أرضهم , وعن حماية أعراضهم وأموالهم وأخلاقهم . وحتى عن حماية عقولهم وإدراكهم ! وغير عليهم أعداؤهم الغالبون كل معروف عندهم , وأحلوا مكانه كل منكر فيهم . . كل منكر من العقائد والتصورات , ومن القيم والموازين , ومن الأخلاق والعادات , ومن الأنظمة والقوانين . . . وزينوا لهم الانحلال والفساد والتوقح والتعري من كل خصائص "الإنسان" وردوهم إلى حياة كحياة الحيوان . . وأحيانا إلى حياة يشمئز منها الحيوان . . ووضعوا لهم ذلك الشر كله تحت عنوانات براقة من "التقدم" و "التطور" و "العلمانية " و "العلمية " و "الانطلاق" و "التحرر" و "تحطيم الأغلال" و "الثورية " و "التجديد" . . . . إلى آخر تلك الشعارات والعناوين . . وأصبح "المسلمون" بالأسماء وحدها مسلمين . ليس لهم من هذا الدين قليل ولا كثير . وباتوا غثاء كغثاء السيل لا يمنع ولا يدفع , ولا يصلح لشيء إلا أن يكون وقودا للنار . . وهو وقود هزيل ! . .

ولكن أعداء هذا الدين - بعد هذا كله - لم يستطيعوا تبديل نصوص هذا الكتاب ولا تحريفها . ولم يكونوا في هذا من الزاهدين . فلقد كانوا أحرص الناس على بلوغ هذا الهدف لو كان يبلغ , وعلى نيل هذه الأمنية لو كانت تنال !

ولقد بذل أعداء هذا الدين - وفي مقدمتهم اليهود - رصيدهم من تجارب أربعة آلاف سنة أو تزيد في الكيد لدين الله . وقدروا على أشياء كثيرة . . قدروا على الدس في سنة رسول الله [ ص ] وعلى تاريخ الأمة المسلمة . وقدروا على تزوير الأحداث ودس الأشخاص في جسم المجتمع المسلم ليؤدوا الأدوار التي يعجزون عن أدائها وهم سافرون . وقدروا على تحطيم الدول والمجتمعات والأنظمة والقوانين . وقدروا على تقديم عملائهم الخونة في صورة الأبطال الأمجاد ليقوموا لهم بأعمال الهدم والتدمير في أجسام المجتمعات الإسلامية على مدار القرون , وبخاصة في العصر الحديث . .

ولكنهم لم يقدروا على شيء واحد - والظروف الظاهرية كلها مهيأة له - . . لم يقدروا على إحداث شيء فيهذا الكتاب المحفوظ , الذي لا حماية له من أهله المنتسبين إليه ; وهم بعد أن نبذوه وراء ظهورهم غثاء كغثاء السيل لا يدفع ولا يمنع ; فدل هذا مرة أخرى على ربانية هذا الكتاب , وشهدت هذه المعجزة الباهرة بأنه حقا تنزيل من عزيز حكيم .

لقد كان هذا الوعد على عهد رسول الله [ ص ] مجرد وعد . أما هو اليوم - من وراء كل تلك الأحداث الضخام ; ومن وراء كل تلك القرون الطوال . فهو المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب , والتي لا يماري فيها إلا عنيد جهول:

(إنا نحن نزلنا الذكر , وإنا له لحافظون). . وصدق الله العظيم . .

ويعزي الله سبحانه نبيه [ ص ] فيخبره أنه ليس بدعا من الرسل الذين لقوا الاستهزاء والتكذيب , فهكذا المكذبون دائما في عنادهم الذميم:

ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين . وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون . .

وعلى هذا النحو الذي تلقى به المكذبون أتباع الرسل ما جاءهم به رسلهم , يتلقى المكذبون المجرمون من أتباعك ما جئتهم به . وعلى هذا النحو نجري هذا التكذيب في قلوبهم التي لا تتدبر ولا تحسن الاستقبال , جزاء ما أعرضت وأجرمت في حق الرسل المختارين:

(كذلك نسلكه في قلوب المجرمين . لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين). .

نسلكه في قلوبهم مكذبا بما فيه مستهزأ به ; لأن هذه القلوب لا تحسن أن تتلقاه إلا على هذا النحو . سواء في هذا الجيل أم في الأجيال الخالية أم في الأجيال اللاحقة ; فالمكذبون أمة واحدة , من طينة واحدة:

(وقد خلت سنة الأولين). .

وليس الذي ينقصهم هو توافر دلائل الإيمان , فهم معاندون ومكابرون , مهما تأتهم من آية بينة فهم في عنادهم ومكابرتهم سادرون .

وهنا يرسم السياق نموذجا باهرا للمكابرة المرذولة والعناد البغيض:

(ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون , لقالوا:إنما سكرت أبصارنا , بل نحن قوم مسحورون). .

ويكفي تصورهم يصعدون في السماء من باب يفتح لهم فيها . يصعدون بأجسامهم , ويرون الباب المفتوح أمامهم , ويحسون حركة الصعود ويرون دلائلها . . ثم هم بعد ذلك يكابرون فيقولون:لا . لا . ليست هذه حقيقة . إنما أحد سكر أبصارنا وخدرها فهي لا ترى إنما تتخيل:

(إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون). .

سكر أبصارنا مسكر وسحرنا ساحر , فكل ما نراه وما نحسه وما نتحركه تهيؤات مسكر مسحور !

يكفي تصورهم على هذا النحو لتبدو المكابرة السمجة ويتجلى العناد المزري . ويتأكد أن لا جدوى من الجدل مع هؤلاء . ويثبت أن ليس الذي ينقصهم هو دلائل الإيمان . وليس الذي يمنعهم أن الملائكة لا تنزل . فصعودهم هم أشد دلالة وألصق بهم من نزول الملائكة . إنما هم قوم مكابرون . مكابرون بلا حياء وبلا تحرج وبلا مبالاة بالحق الواضح المكشوف !

إنه نموذج بشري للمكابرة والاستغلاق والانطماس يرسمه التعبير , مثيرا لشعور الاشمئزاز والتحقير . .


كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى