منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة النساء ايه 4=11 الشيخ السيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة النساء ايه 4=11 الشيخ السيد قطب Empty تفسير سورة النساء ايه 4=11 الشيخ السيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الأربعاء مارس 21, 2012 12:55 am

وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً (4) وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (5)

الكلام عن رعاية اليتامى التي بدأ فيها:

(وآتوا النساء صدقاتهن نحلة . فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا , فكلوه هنيئا مريئا). .

وهذه الآية تنشىء للمرأة حقا صريحا , وحقا شخصيا , في صداقها . وتنبى ء بما كان واقعا في المجتمع الجاهلي من هضم هذا الحق في صور شتى . واحدة منها كانت في قبض الولي لهذا الصداق وأخذه لنفسه ; وكأنما هي صفقة بيع هو صاحبها ! وواحدة منها كانت في زواج الشغار . وهو أن يزوج الولي المرأة التي في ولايته , في مقابل أن يزوجه من يأخذها امرأة هي في ولاية هذا الآخر . واحدة بواحدة . صفقة بين الوليين لا حظ فيها للمرأتين . كما تبدل بهيمة ببهيمة ! فحرم الإسلام هذا الزواج كلية ; وجعل الزواج التقاء نفسين عن رغبة واختيار , والصداق حقا للمرأة تأخذه لنفسها ولا يأخذه الولي ! وحتم تسمية هذا الصداق وتحديده , لتقبضه المرأة فريضة لها , وواجبا لا تخلف فيه . وأوجب أن يؤديه الزوج "نحلة " - أي هبة خالصة لصاحبتها - وأن يؤديه عن طيب نفس , وارتياح خاطر . كما يؤدي الهبة والمنحة . فإذا طابت نفس الزوجة بعد ذلك لزوجها عن شيء من صداقها - كله أو بعضه - فهي صاحبة الشأن في هذا ; تفعله عن طيب نفس , وراحة خاطر ; والزوج في حل من أخذ ما طابت نفس الزوجة عنه , وأكله حلالا طيبا هنيئا مريئا . فالعلاقات بين الزوجين ينبغي أن تقوم على الرضى الكامل , والاختيار المطلق , والسماحة النابعة من القلب , والود الذي لا يبقى معه حرج من هنا أو من هناك .

وبهذا الإجراء استبعد الإسلام ذلك الراسب من رواسب الجاهلية في شأن المرأة وصداقها , وحقها في نفسها وفي مالها , وكرامتها ومنزلتها . وفي الوقت ذاته لم يجفف ما بين المرأة ورجلها من صلات , ولم يقمها على مجرد الصرامة في القانون ; بل ترك للسماحة والتراضي والمودة أن تأخذ مجراها في هذه الحياة المشتركة , وأن تبلل بنداوتها جو هذه الحياة .

فإذا انتهى من هذا الاستطراد - الذي دعا إليه الحديث عن الزواج من اليتيمات ومن غيرهن من النساء - عاد إلى أموال اليتامى ; يفصل في أحكام ردها إليهم , بعد أن قرر في الآية الثانية من السورة مبدأ الرد على وجه الإجمال .

إن هذا المال , ولو أنه مال اليتامى , إلا أنه - قبل هذا - مال الجماعة , أعطاها الله إياه لتقوم به ; وهي متكافلة في الانتفاع بهذا المال على أحسن الوجوه . فالجماعة هي المالكة ابتداء للمال العام , واليتامى أو مورثوهم إنما يملكون هذا المال لاستثماره - بإذن من الجماعة - ويظلون ينتفعون به وينفعون الجماعة معهم , ما داموا قادرين على تكثيره وتثميره ; راشدين في تصريفه وتدبيره - والملكية الفردية بحقوقها وقيودها قائمة في هذا الإطار - أما السفهاء من اليتامى ذوي المال , الذين لا يحسنون تدبير المال وتثميره , فلا يسلم لهم , ولا يحق لهم التصرف فيه والقيام عليه - وإن بقيت لهم ملكيتهم الفردية فيه لا تنزع منهم - إنما يعود التصرف في مال الجماعة إلى من يحسن التصرف فيه من الجماعة . مع مراعاة درجة القرابة لليتميم , تحقيقا للتكافل العائلي , الذي هو قاعدة التكافل العام بين الأسرة الكبرى ! وللسفيه حق الرزق والكسوة في ماله مع حسن معاملته:

(ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما , وارزقوهم فيها واكسوهم , وقولوا لهم قولا معروفا). .
وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً (6)

ويتبين السفه والرشد - بعد البلوغ - وأمر السفه والرشد لا يخفى عادة , ولا يحتاج إلى تحديد مفهومة بالنصوص . فالبيئة تعرف الراشد من السفيه وتأنس رشد هذا وسفه ذاك , وتصرفات كل منهما لا تخفى على الجماعة ; فالاختبار يكون لمعرفة البلوغ , الذي يعبر عنه النص بكلمة:"النكاح" وهو الوظيفة التي يؤهل لها البلوغ:

(وابتلوا اليتامى , حتى إذا بلغوا النكاح , فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم , ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا . ومن كان غنيا فليستعفف , ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف . فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم , وكفى بالله حسيبا). .

ويبدو من خلال النص الدقة في الإجراءات التي يتسلم بها اليتامى أموالهم عند الرشد . كذلك يبدو التشديد في وجوب المسارعة بتسليم أموال اليتامى إليهم , بمجرد تبين الرشد - بعد البلوغ - وتسليمها لهم كاملة سالمة , والمحافظة عليها في أثناء القيام عليها , وعدم المبادرة إلى أكلها بالإسراف قبل أن يكبر أصحابها فيتسلموها ! مع الاستعفاف عن أكل شيء منها مقابل القيام عليها - إذا كان الولي غنيا - والأكل منها في أضيق الحدود - إذا كان الولي محتاجا - ومع وجوب الأشهاد في محضر التسليم . . وختام الآية:التذكير بشهادة الله وحسابه: (وكفى بالله حسيبا). .

كل هذا التشديد , وكل هذا البيان المفصل , وكل هذا التذكير والتحذير . . يشي بما كان سائدا في البيئة من الجور على أموال اليتامى الضعاف في المجتمع وبما كان يحتاج إليه تغيير هذا العرف السائد من تشديد وتوكيد , ومن بيان وتفصيل , لا يدع مجالا للتلاعب عن أي طريق . .

وهكذا كان المنهج الرباني ينسخ معالم الجاهلية في النقوس والمجتمعات , ويثبت معالم الإسلام ; ويمحو سمات الجاهلية في وجه المجتمع , ويثبت ملامح الإسلام . وهكذا كان يصوغ المجتمع الجديد ومشاعره وتقاليده , وشرائعه وقوانينه , في ظلال تقوى الله ورقابته , ويجعلها الضمان الأخير لتنفيذ التشريع . ولا ضمان لأي تشريع في الأرض بغير هذه التقوى وبدون هذه الرقابة: (وكفى بالله حسيبا). .

الدرس الثالث:7 - 10 توجيهات في التوريث والوصية والتوزيع

ولقد كانوا في الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصبية - في الغالب - إلا التافه القليل . لأن هؤلاء وهؤلاء لا يركبون فرسا , ولا يردون عاديا ! فإذا شريعة الله تجعل الميراث - في أصله - حقا لذوي القربى جميعا - حسب مراتبهم وأنصبتهم المبينة فيما بعد - وذلك تمشيا مع نظرية الإسلام في التكافل بين أفراد الأسرة الواحدة , وفي التكافل الإنساني العام . وحسب قاعدة:الغنم بالغرم . . فالقريب مكلف إعالة قريبه إذا احتاج , والتضامن معه في دفع الديات عند القتل والتعويضات عند الجرح , فعدل إذن أن يرثه - إن ترك مالا - بحسب درجة قرابته وتكليفه به . والإسلام نظام متكامل متناسق . ويبدو تكامله وتناسقه واضحا في توزيع الحقوق والواجبات . .

هذه هي القاعدة في الإرث بصفة عامة . . وقد نسمع هنا وهناك لغطا حول مبدأ الإرث , لا يثيره إلا التطاول على الله - سبحانه - مع الجهل بطبيعة الإنسان , وملابسات حياته الواقعية !

إن إدراك الأسس التي يقوم عليها النظام الاجتماعي الإسلامي , يضع حدا لهذا اللغط على الإطلاق . .

إن قاعدة هذا النظام هي التكافل . . ولكي يقوم هذا التكافل على أسس وطيدة راعى الإسلام أن يقوم على أساس الميول الفطرية الثابتة في النفس البشرية . هذه الميول التي لم يخلقها الله عبثا في الفطرة , إنما خلقها لتؤدي دورا أساسيا في حياة الإنسان .
لرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً (7)

ولما كانت روابط الأسرة - القريبة والبعيدة - روابط فطرية حقيقية ; لم يصطنعها جيل من الأجيال ; ولم تصطنعها جميع الأجيال بطبيعة الحال ! والجدال في جدية هذه الروابط وعمقها وأثرها في رفع الحياة وصيانتها وترقيتها كذلك لا يزيد على أن يكون مراء لا يستحق الاحترام . . لما كان الأمر كذلك جعل الإسلام التكافل في محيط الأسرة هو حجر الأساس في بناء التكافل الاجتماعي العام . وجعل الإرث مظهرا من مظاهر ذلك التكافل في محيط الأسرة . فوق ما له من وظائف أخرى في النظام الاقتصادي والاجتماعي العام .

فإذا عجزت هذه الخطوة أو قصرت عن استيعاب جميع الحالات المحتاجة إلى التكافل جاءت الخطوة التالية في محيط الجماعة المحلية المتعارفة , لتكملها وتقويها . فإذا عجزت هذه جاء دور الدولة المسلمة لتتولى كل من قصرت في إعالتهم وكفالتهم الكاملة , جهود الأسرة , وجهود الجماعة المحلية المحدودة . . وبذلك لا يلقى العبء كله على عاتق الجهاز العام للدولة . . أولا لأن التكافل في محيط الأسرة أو في محيط الجماعة الصغيرة يخلق مشاعر لطيفة رحيمة , تنمو حولها فضائل التعاون والتجاوب نموا طبيعيا غير مصطنع - فضلا على أن هذه المشاعر كسب إنساني لا يرفضه إلا لئيم نكد خبيث - أما التكافل في محيط الأسرة بصفة خاصة فينشىء آثارا طبيعية تلائم الفطرة . . فشعور الفرد بأن جهده الشخصي سيعود أثره على ذوي قرابته - وبخاصة ذريته - يحفزه إلى مضاعفة الجهد , فيكون نتاجه للجماعة عن طريق غير مباشر . لأن الإسلام لا يقيم الفواصل بين الفرد والجماعة . فكل ما يملك الفرد هو في النهاية ملك للجماعة كلها عندما تحتاج . .

وهذه القاعدة الأخيرة تقضي على كل الاعتراضات السطحية على توريث من لم يتعب ولم يبذل جهدا - كما يقال ! - فهذا الوارث هو امتداد للمورث من جهة , ثم هو كافل هذا المورث لو كان هذا محتاجا وذاك ذا مال . ثم في النهاية هو وما يملك للجماعة عندما تحتاج . تمشيا مع قاعدة التكافل العام .

ثم إن العلاقة بين المورث والوارث - وبخاصة الذرية - ليست مقصورة على المال . فإذا نحن قطعنا وراثة المال , فما نحن بمستطيعين أن نقطع الوشائج الأخرى , والوراثات الأخرى بينهما .

إن الوالدين والأجداد والأقرباء عامة , لا يورثون أبناءهم وأحفادهم وأقاربهم المال وحده . إنما يورثونهم كذلك الاستعدادات الخيرة والشريرة , والاستعدادات الوراثية للمرض والصحة , والانحراف والاستقامة , والحسن والقبح , والذكاء والغباء . . إلخ . وهذه الصفات تلاحق الوارثين وتؤثر في حياتهم , ولا تتركهم من عقابيلها أبدا . فمن العدل إذن أن يورثوهم المال . وهم لا يعفونهم من المرض والانحراف والغباء , ولا تملك الدولة - بكل وسائلها - أن تعفيهم من هذه الوراثات .

من أجل هذه الواقعيات الفطرية والعملية في الحياة البشرية - ومن أجل غيرها وهو كثير من المصالح الاجتماعية الأخرى - شرع الله قاعدة الإرث :

(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون , وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون - مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا). .

هذا هو المبدأ العام , الذي أعطى الإسلام به "النساء" منذ أربعة عشر قرنا , حق الإرث كالرجال - من
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (Cool وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً (9)

ناحية المبدأ - كما حفظ به حقوق الصغار الذين كانت الجاهلية تظلمهم وتأكل حقوقهم . لأن الجاهلية كانت تنظر إلى الأفراد حسب قيمتهم العملية في الحرب والإنتاج . أما الإسلام فجاء بمنهجه الرباني , ينظر إلى "الإنسان" - أولا - حسب قيمته الإنسانية . وهي القيمة الأساسية التي لا تفارقه في حال من الأحوال ! ثم ينظر إليه - بعد ذلك - حسب تكاليفه الواقعية في محيط الأسرة وفي محيط الجماعة .

ولما كان نظام التوريث - كما سيجيء - يحجب فيه بعض ذوي القربى بعضا , فيوجد ذوو قرابة , ولكنهم لا يرثون , لأن من هم أقرب منهم سبقوهم فحجبوهم , فإن السياق يقرر للمحجوبين حقا لا يحدده - إذا هم حضروا القسمة - تطييبا لخاطرهم , كي لا يروا المال يفرق وهم محرومون , واحتفاظا بالروابط العائلية , والمودات القلبية . كذلك يقرر لليتامى والمساكين مثل هذا الحق تمشيا مع قاعدة التكافل العام:

(وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين , فارزقوهم منه , وقولوا لهم قولا معروفا). .

وقد وردت في هذه الآية روايات شتى عن السلف . ما بين قولهم إنها منسوخة , نسختها آيات الميراث المحددة للأنصبة , وقولهم:إنها محكمة . وما بين قولهم:إن مدلولها واجب مفروض , وقولهم:إنه مستحب ما طابت به أنفس الورثة . . ونحن لا نرى فيها دليلا للنسخ , ونرى أنها محكمة وواجبة . في مثل هذه الحالات التي ذكرنا . معتمدين على إطلاق النص من جهة , وعلى الاتجاه الإسلامي العام في التكافل من جهة أخرى . . وهي شيء آخر غير أنصبة الورثة المحددة في الآيات التالية على كل حال .

وقبل أن يأخذ السياق في تحديد أنصبة الورثة , يعود ليحذر من أكل أموال اليتامى . . يعود إليه في هذه المرة ليلمس القلوب لمستين قويتين:أولاهما تمس مكمن الرحمة الأبوية والإشفاق الفطري على الذرية الضعاف وتقوى الله الحسيب الرقيب . والثانية تمس مكان الرهبة من النار , والخوف من السعير , في مشهد حسي مفزع:

(وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم . فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا . إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا , وسيصلون سعيرا). .

وهكذا تمس اللمسة الأولى شغاف القلوب . قلوب الآباء المرهفة الحساسية تجاه ذريتهم الصغار . بتصور ذريتهم الضعاف مكسوري الجناح , لا راحم لهم ولا عاصم . كي يعطفهم هذا التصور على اليتامى الذين وكلت إليهم أقدارهم , بعد أن فقدوا الآباء . فهم لا يدرون أن تكون ذريتهم غدا موكولة إلى من بعدهم من الأحياء , كما وكلت إليهم هم أقدار هؤلاء . . مع توصيتهم بتقوى الله فيمن ولاهم الله عليهم من الصغار , لعل الله أن يهييء لصغارهم من يتولى أمرهم بالتقوى والتحرج والحنان . وتوصيتهم كذلك بأن يقولوا في شأن اليتامى قولا سديدا , وهم يربونهم ويرعونهم كما يرعون أموالهم ومتاعهم . .

أما اللمسة الثانية , فهي صورة مفزعة:صورة النار في البطون . . وصورة السعير في نهاية المطاف . . إن هذا المال . . نار . . وإنهم ليأكلون هذه النار . وإن مصيرهم لإلى النار فهي النار تشوي البطون وتشوي الجلود . هي النار من باطن وظاهر . هي النار مجسمة حتى لتكاد تحسها البطون والجلود , وحتى لتكاد تراها العيون , وهي تشوي البطون والجلود !

ولقد فعلت هذه النصوص القرآنية , بإيحاءاتها العنيفة العميقة فعلها في نفوس المسلمين . خلصتها من رواسب

نَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10)

الجاهلية . هزتها هزة عنيفة ألقت عنها هذه الرواسب . وأشاعت فيها الخوف والتحرج والتقوى والحذر من المساس - أي مساس - بأموال اليتامى . . كانوا يرون فيها النار التي حدثهم الله عنها في هذه النصوص القوية العميقة الإيحاء . فعادوا يجفلون أن يمسوها ويبالغون في هذا الإجفال !

من طريق عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:لما نزلت: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما). . الآية . . انطلق من كان عنده يتيم , فعزل طعامه من طعامه , وشرابه من شرابه , فجعل يفضل الشيء , فيحبس له , حتى يأكله أو يفسد . فاشتد ذلك عليهم . فذكروا ذلك لرسول الله [ ص ] فأنزل الله: (ويسألونك عن اليتامى . قل:إصلاح لهم خير , وإن تخالطوهم فإخوانكم . والله يعلم المفسد من المصلح , ولو شاء الله لأعنتكم . .)الآية فخلطوا طعامهم بطعامهم , وشرابهم بشرابهم . .

وكذلك رفع المنهج القرآني هذه الضمائر , إلى ذلك الأفق الوضيء ; وطهرها من غبش الجاهلية ذلك التطهير العجيب . .

الدرس الرابع:11 - 12 أنصبة ومقادير الميراث

والأن نجيء إلى نظام التوارث . حيث يبدأ بوصية الله للوالدين في أولادهم ; فتدل هذه الوصية على أنه - سبحانه - أرحم وأبر وأعدل من الوالدين مع أولادهم ; كما تدل على أن هذا النظام كله مرده إلى الله سبحانه ; فهو الذي يحكم بين الوالدين وأولادهم , وبين الأقرباء وأقاربهم . وليس لهم إلا أن يتلقوا منه سبحانه , وأن ينفذوا وصيته وحكمه . . وأن هذا هو معنى "الدين" الذي تعنى السورة كلها ببيانه وتحديده كما أسلفنا . . كذلك يبدأ بتقرير المبدأ العام للتوارث: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين). . ثم يأخذ في التفريع , وتوزيع الأنصبة , في ظل تلك الحقيقة الكلية , وفي ظل هذا المبدأ العام . . ويستغرق هذا التفصيل آيتين:أولاهما خاصة بالورثة من الأصول والفروع , والثانية خاصة بحالات الزوجية والكلالة . ثم تجيء بقية أحكام الوراثة في آخر آية في السورة استكمالا لبعض حالات الكلالة [ وسنعرضها في موضعها ]:

(يوصيكم الله في أولادكم:للذكر مثل حظ الأنثيين . فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك . وإن كانت واحدة فلها النصف . ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك - إن كان له ولد - فإن لم يكن له ولد , وورثه أبواه , فلأمه الثلث . فإن كان له إخوة فلأمه السدس - من بعد وصية يوصي بها أو دين - آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا . فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما . . ولكم نصف ما ترك أزواجكم - إن لم يكن لهن ولد - فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن - من بعد وصية يوصين بها أو دين - ولهن الربع مما تركتم - إن لم يكن لكم ولد - فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم - من بعد وصية توصون بها أو دين - وإن كان رجل يورث كلالة , أو امرأة , وله أخ أو أخت , فلكل واحد منهما السدس . فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث - من بعد وصية يوصى بها أو دين - غير مضار , وصية من الله , والله عليم حليم). .

هاتان الآيتان , مضافا إليهما الآية الثالثة التي في نهاية السورة , ونصهاSadيستفتونك . قل:الله يفتيكم في الكلالة:إن امرؤ هلك ليس له ولد , وله أخت , فلها نصف ما ترك . وهو يرثها - إن لم يكن لها ولد - فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك . وإن كانوا إخوة رجالا ونساء , فللذكر مثل حظ الأنثيين . يبين الله لكم أن تضلوا , والله بكل شيء عليم). .

يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً (11)

هذه الآيات الثلاث تتضمن أصول علم الفرائض - أي علم الميراث - أما التفريعات فقد جاءت السنة ببعضها نصا , واجتهد الفقهاء في بقيتها تطبيقا على هذه الأصول . وليس هنا مجال الدخول في هذه التفريعات والتطبيقات فمكانها كتب الفقه - فنكتفي - في ظلال القرآن - بتفسير هذه النصوص , والتعقيب على ما تتضمنه من أصول المنهج الإسلامي . .

(يوصيكم الله في أولادكم:للذكر مثل حظ الأنثيين . .). .

وهذا الافتتاح يشير - كما ذكرنا - إلى الأصل الذي ترجع إليه هذه الفرائض , وإلى الجهة التي صدرت منها , كما يشير إلى أن الله أرحم بالناس من الوالدين بالأولاد , فإذا فرض لهم فإنما يفرض لهم ما هو خير مما يريده الوالدون بالأولاد . .

وكلا المعنيين مرتبطان ومتكاملان . .

إن الله هو الذي يوصي , وهو الذي يفرض , وهو الذي يقسم الميراث بين الناس - كما أنه هو الذي يوصي ويفرض في كل شيء , وكما أنه هو الذي يقسم الأرزاق جملة - ومن عند الله ترد التنظيمات والشرائع والقوانين , وعن الله يتلقى الناس في أخص شؤون حياتهم - وهو توزيع أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم - وهذا هو الدين . فليس هناك دين للناس إذا لم يتلقوا في شؤون حياتهم كلها من الله وحده ; وليس هناك إسلام , إذا هم تلقوا في أي أمر من هذه الأمور - جل أو حقر - من مصدر آخر . إنما يكون الشرك أو الكفر , وتكون الجاهلية التي جاء الإسلام ليقتلع جذورها من حياة الناس .

وإن ما يوصي به الله , ويفرضه , ويحكم به في حياة الناس - ومنه ما يتعلق بأخص شؤونهم , وهو قسمة أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم - لهو أبر بالناس وأنفع لهم , مما يقسمونه هم لأنفسهم , ويختارونه لذرياتهم . . فليس للناس أن يقولوا:إنما نختار لأنفسنا . وإنما نحن أعرف بمصالحنا . . فهذا - فوق أنه باطل - هو في الوقت ذاته توقح , وتبجح , وتعالم على الله , وادعاء لا يزعمه إلا متوقح جهول !

قال العوفي عن ابن عباس:" [(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين). . وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض , للولد الذكر , والأنثى , والأبوين , كرهها الناس - أو بعضهم - وقالوا:تعطى المرأة الربع أو الثمن , وتعطى الابنة النصف , ويعطى الغلام الصغير . وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم , ولا يجوز الغنيمة ! اسكتوا عن هذا الحديث , لعل رسول الله [ ص ] ينساه , أو نقول له فيغير ! فقالوا:يا رسول الله , تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها , وليست تركب الفرس , ولا تقاتل القوم . ويعطى الصبي الميراث , وليس يغني شيئا - وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية , ولا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم , ويعطونه الأكبر فالأكبر ] . . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير . .

فهذا كان منطق الجاهلية العربية , الذي كان يحيك في بعض الصدور ; وهي تواجه فريضة الله وقسمته العادلة الحكيمة . . ومنطق الجاهلية الحاضرة الذي يحيك في بعض الصدور اليوم - وهي تواجه فريضة الله وقسمته - لعله يختلف كثيرا أو قليلا عن منطق الجاهلية العربية . فيقول:كيف نعطي المال لمن لم يكد فيه ويتعب من الذراري ? وهذا المنطق كذاك . . كلاهما لا يدرك الحكمة , ولا يلتزم الأدب ; وكلاهما يجمع من ثم بين الجهالة وسوء الأدب !

(للذكر مثل حظ الأنثيين). .

وحين لا يكون للميت وارث إلا ذريته من ذكور وإناث , فإنهم يأخذون جميع التركة , على أساس أنللبنت نصيبا واحدا , وللذكر نصيبين اثنين .

وليس الأمر في هذا أمر محاباة لجنس على حساب جنس . إنما الأمر أمر توازن وعدل , بين أعباء الذكر وأعباء الأنثى في التكوين العائلي , وفي النظام الاجتماعي الإسلامي:فالرجل يتزوج امرأة , ويكلف إعالتها وإعالة أبنائها منه في كل حالة , وهي معه , وهي مطلقة منه . . . أما هي فإما أن تقوم بنفسها فقط , وإما أن يقوم بها رجل قبل الزواج وبعده سواء . وليست مكلفة نفقة للزوج ولا للأبناء في أي حال . . فالرجل مكلف - على الأقل - ضعف أعباء المرأة في التكوين العائلي , وفي النظام الاجتماعي الإسلامي . ومن ثم يبدو العدل كما يبدو التناسق بين الغنم والغرم في هذا التوزيع الحكيم . ويبدو كل كلام في هذا التوزيع جهالة من ناحية وسوء أدب مع الله من ناحية أخرى , وزعزعة للنظام الاجتماعي والأسري لا تستقيم معها حياة .

ويبدأ التقسيم بتوريث الفروع عن الأصول:

(فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك , وإن كانت واحدة فلها النصف).

فإذا لم يكن له ذرية ذكور , وله بنتان أو أكثر فلهن الثلثان . فإن كان له بنت واحدة فلها النصف . . ثم ترجع بقية التركة إلى أقرب عاصب له:الأب أو الجد . أو الأخ الشقيق . أو الأخ لأب . أو العم . أو أبناء الأصول . . .

والنص يقول: (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك). . وهذا يثبت الثلثين للبنات - إذا كن فوق اثنتين - أما إثبات الثلثين للبنتين فقط فقد جاء من السنة ومن القياس على الأختين في الآية التي في آخر السورة .

فأما السنة فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر . قال:[ جاءت امرأة سعد بن الربيع , إلى رسول الله [ ص ] فقالت:يا رسول الله , هاتان ابنتا سعد بن الربيع , قتل أبوهما معك في يوم أحد شهيدا ; وأن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ; ولا ينكحان إلا ولهما مال . قال:فقال:" يقضي الله في ذلك " فنزلت آية الميراث . فأرسل رسول الله [ ص ] إلى عمهما , فقال:" اعط ابنتي سعد الثلثين , وأمهما الثمن , وما بقي فهو لك " ] . .

فهذه قسمة رسول الله [ ص ] للبنتين بالثلثين . فدل هذا على أن البنتين فأكثر , لهما الثلثان في هذه الحالة .

وهناك أصل آخر لهذه القسمة ; وهو أنه لما ورد في الآية الأخرى عن الأختين: (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك). . كان إعطاء البنتين الثلثين من باب الأولى , قياسا على الأختين . وقد سويت البنت الواحدة بالأخت الواحدة كذلك في هذه الحالة .

وبعد الانتهاء من بيان نصيب الذرية يجيء بيان نصيب الأبوين - عند وجودهما - في الحالات المختلفة . مع وجود الذرية ومع عدم وجودها:

(ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك - إن كان له ولد - فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث . فإن كان له إخوة فلأمه السدس).

والأبوان لهما في الإرث أحوال:

الحال الأول:أن يجتمعا مع الأولاد , فيفرض لكل واحد منهما السدس والبقية للولد الذكر أو للولد الذكر مع أخته الأنثى أو أخواته:للذكر مثل حظ الأنثيين . فإذا لم يكن للميت إلا بنت واحدة فرض لهاالنصف , وللأبوين لكل واحد منهما السدس . وأخذ الأب السدس الآخر بالتعصيب , فيجمع له في هذه الحالة بين الفرض والتعصيب . أما إذا كان للميت بنتان فأكثر فتأخذان الثلثين , ويأخذ كل واحد من الأبوين السدس .

والحال الثاني:ألا يكون للميت ولد ولا إخوة ولا زوج ولا زوجة , وينفرد الأبوان بالميراث . فيفرض للأم الثلث , ويأخذ الأب الباقي بالتعصيب , فيكون قد أخذ مثل حظ الأم مرتين . فلو كان مع الأبوين زوج أو زوجة أخذ الزوج النصف , أو الزوجة الربع . وأخذت الأم الثلث [ إما ثلث التركة كلها أو ثلث الباقي بعد فريضة الزوج أو الزوجة على خلاف بين الأقوال الفقهية ] وأخذ الأب ما يتبقى بعد الأم بالتعصيب على ألا يقل نصيبه عن نصيب الأم .

والحال الثالث:هو اجتماع الأبوين مع الإخوة - سواء كانوا من الأبوين أو من الأب , أو من الأم - فإنهم لا يرثون مع الأب شيئا , لأنه مقدم عليهم وهو أقرب عاصب بعد الولد الذكر ; ولكنهم - مع هذا - يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس . فيفرض لها معهم السدس فقط . ويأخذ الأب ما تبقى من التركة . إن لم يكن هناك زوج أو زوجة . أما الأخ الواحد فلا يحجب الأم عن الثلث , فيفرض لها الثلث معه , كما لو لم يكن هناك ولد ولا إخوة .

ولكن هذه الأنصبة كلها إنما تجيء بعد استيفاء الوصية أو الدين:

(من بعد وصية يوصي بها أو دين). .

قال ابن كثير في التفسير:" أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدين مقدم على الوصية " . . وتقديم الدين مفهوم واضح . لأنه يتعلق بحق الآخرين . فلا بد من استيفائه من مال المورث الذي استدان , ما دام قد ترك مالا , توفية بحق الدائن , وتبرئة لذمة المدين . وقد شدد الإسلام في إبراء الذمة من الدين ; كي تقوم الحياة على أساس من تحرج الضمير , ومن الثقة في المعاملة , ومن الطمأنينة في جو الجماعة , فجعل الدين في عنق المدين لا تبرأ منه ذمته , حتى بعد وفاته:

عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال:قال رجل:يا رسول الله . أرأيت إن قتلت في سبيل الله , أتكفر عني خطاياي ? فقال رسول الله [ ص ]:" نعم . إن قتلت وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر " . ثم قال:" كيف قلت ? " فأعاد عليه . فقال:" نعم . إلا الدين . فإن جبريل أخبرني بذلك " . . [ أخرجه مسلم ومالك والترمذي والنسائي ] .

وعن أبي قتادة كذلك:أتي النبي [ ص ] برجل ليلصلي عليه . فقال [ ص ]:" صلوا على صاحبكم فإن عليه دينا " فقلت:هو علي يا رسول الله . قال:" بالوفاء ? " قلت:بالوفاء . فصلى عليه .

وأما الوصية فلأن إرادة الميت تعلقت بها . وقد جعلت الوصية لتلافي بعض الحالات التي يحجب فيها بعض الورثة بعضا . وقد يكون المحجوبون معوزين ; أو تكون هناك مصلحة عائلية في توثيق العلاقات بينهم وبين الورثة ; وإزالة أسباب الحسد والحقد والنزاع قبل أن تنبت . ولا وصية لوارث . ولا وصية في غير الثلث . وفي هذا ضمان ألا يجحف المورث بالورثة في الوصية .

وفي نهاية الآية تجيء هذا اللمسات المتنوعة المقاصد:

(آباءكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا . فريضة من الله . إن الله كان عليما حكيما). .

واللمسة الأولى لفتة قرآنية لتطييب النفوس تجاه هذه الفرائض . فهنالك من تدفعهم عاطفتهم الأبوية إلى إيثار الابناء على الآباء , لأن الضعف الفطري تجاه الابناء أكبر . وفيهم من يغالب هذا الضعف بالمشاعر الأدبية والأخلاقية فيميل إلى إيثار الآباء . وفيهم من يحتار ويتأرجح بين الضعف الفطري والشعور الأدبي . . كذلك قد تفرض البيئة بمنطقها العرفي اتجاهات معينة كتلك التي واجه بها بعضهم تشريع الإرث يوم نزل , وقد أشرنا إلى بعضها من قبل . . فأراد الله سبحانه أن يسكب في القلوب كلها راحة الرضى والتسليم لأمر الله , ولما يفرضه الله ; بإشعارها أن العلم كله لله ; وأنهم لا يدرون أي الأقرباء أقرب لهم نفعا . ولا أي القسم أقرب لهم مصلحة:

(آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا). .

واللمسة الثانية لتقرير أصل القضية . فالمسألة ليست مسألة هوى أو مصلحة قريبة . إنما هي مسألة الدين ومسألة الشريعة:

(فريضة من الله). .

فالله هو الذي خلق الآباء والأبناء . والله هو الذي أعطى الأرزاق والأموال . والله هو الذي يفرض , وهو الذي يقسم , وهو الذي يشرع . وليس للبشر أن يشرعوا لأنفسهم , ولا أن يحكموا هواهم , كما أنهم لا يعرفون مصلحتهم !

(إن الله كان عليما حكيما). .

وهي اللمسة الثالثة في هذا التعقيب . تجيء لتشعر القلوب بأن قضاء الله للناس - مع أنه هو الأصل الذي لا يحل لهم غيره - فهو كذلك المصلحة المبنية على العلم والحكمة . فالله يحكم لأنه عليم - وهم لا يعلمون - والله يفرض لأنه حكيم - وهم يتبعون الهوى .

وهكذا تتوالى هذه التعقيبات قبل الانتهاء من أحكام الميراث , لرد الأمر إلى محوره الأصيل . محوره الاعتقادي . الذي يحدد معنى "الدين" فهو الاحتكام إلى الله . وتلقي الفرائض منه . والرضى بحكمه: (فريضة من الله . إن الله كان عليما حكيما). .

ثم يمضي يبين بقية الفرائض:

(ولكم نصف ما ترك أزواجكم - إن لم يكن لهن ولد - فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن - من بعد وصية يوصين بها أو دين . ولهن الربع مما تركتم - إن لم يكن لكم ولد - فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم - من بعد وصية توصون بها أو دين -). .

والنصوص واضحة ودقيقة فللزوج نصف تركة الزوجة إذا ماتت وليس لها ولد - ذكرا أو أنثى - فأما إذا كان لها ولد - ذكرا أو أنثى , واحدا أو أكثر - فللزوج ربع التركة . وأولاد البنين للزوجة يحجبون الزوج من النصف إلى الربع كأولادها . وأولادها من زوج آخر يحجبون الزوج كذلك من النصف إلى الربع . . وتقسم التركة بعد الوفاء بالدين ثم الوصية . كما سبق .

والزوجة ترث ربع تركة الزوج - إن مات عنها بلا ولد - فإن كان له ولد - ذكرا أو أنثى . واحدا أو متعددا . منها أو من غيرها . وكذلك أبناء ابن الصلب - فإن هذا يحجبها من الربع إلى الثمن . . والوفاء بالدين ثم الوصية مقدم في التركة على الورثة
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى