منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة المنافقون ايه رقم 1 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة المنافقون ايه رقم 1 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة المنافقون ايه رقم 1 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الخميس يونيو 14, 2012 9:34 pm

من الاية 1 الى الاية 3

إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)

سورة المنافقون

تقديم لسورة المنافقون

هذه السورة التي تحمل هذا الاسم الخاص "المنافقون" الدال على موضوعها . . ليست هي السورة الوحيدة التي فيها ذكر النفاق والمنافقين , ووصف أحوالهم ومكائدهم . فلا تكاد تخلو سورة مدنية من ذكر المنافقين تلميحا أو تصريحا . ولكن هذه السورة تكاد تكون مقصورة على الحديث عن المنافقين , والإشارة إلى بعض الحوادث والأقوال التي وقعت منهم ورويت عنهم .

وهي تتضمن حملة عنيفة على أخلاق المنافقين وأكاذيبهم ودسائسهم ومناوراتهم , وما في نفوسهم من البغض والكيد للمسلمين , ومن اللؤم والجبن وانطماس البصائر والقلوب .

وليس في السورة عدا هذا إلا لفتة في نهايتها إلى الذين آمنوا لتحذيرهم من كل ما يلصق بهم صفة من صفات المنافقين , ولو من بعيد . وأدنى درجات النفاق عدم التجرد لله , والغفلة عن ذكره اشتغالا بالأموال والأولاد , والتقاعس عن البذل في سبيل الله حتى يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه البذل والصدقات .

وحركة النفاق التي بدأت بدخول الإسلام المدينة , واستمرت إلى قرب وفاة رسول الله [ ص ] ولم تنقطع في أي وقت تقريبا , وإن تغيرت مظاهرها ووسائلها بين الحين والحين . . هذه الحركة ذات أثر واضح في سيرة هذه الفترة التاريخية وفي أحداثها ; وقد شغلت من جهد المسلمين ووقتهم وطاقتهم قدرا كبيرا ; وورد ذكرها في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف مرات كثيرة تدل على ضخامة هذه الحركة , وأثرها البالغ في حياة الدعوة في ذلك الحين .

وقد ورد عن هذه الحركة فصل جيد في كتاب:"سيرة الرسول:صور مقتبسة من القرآن الكريم" لمؤلفه الأستاذ "محمد عزة دروزة " نقتطف منه فقرات كاشفة:

"وعلة ظهور تلك الحركة في المدينة واضحة , فالنبي [ ص ] والمسلمون الأولون في مكة لم يكونوا من القوة والنفوذ في حالة تستدعي وجود فئة من الناس ترهبهم أو ترجو خيرهم , فتتملقهم وتتزلف إليهم في الظاهر , وتتآمر عليهم وتكيد لهم وتمكر بهم في الخفاء , كما كان شأن المنافقين بوجه عام . ولقد كان أهل مكة وزعماؤها خاصة يناوئون النبي جهارا , ويتناولون من استطاعوا من المسلمين بالأذى الشديد , ويقاومون الدعوة بكل وسيلة دون ما تحرز أو تحفظ ; وكانت القوة لهم حتى اضطر المسلمون إلى الهجرة فرارا بدينهم ودمهم إلى الحبشة أولا , ثم إلى يثرب ; وحتى فتن بعضهم عن دينه بالعنف والإكراه , أو بالإغراء والتهويش ; وحتى تزلزل بعضهم وتبرم ونافق المشركين , وحتى مات بعض من ناله الأذى ممن ثبت على دينه نتيجة للتعذيب . . .

"أما في المدينة فقد كان الأمر مختلفا جدا . فالنبي [ ص ] استطاع قبل أن يهاجر إليها أن يكسب أنصارا أقوياء من الأوس والخزرج ; ولم يهاجر إلا بعد أن استوثق من موقفه , ولم يبق تقريبا بيت عربي فيها لم يدخله الإسلام . ففي هذه الحالة لم يكن من الهين أن يقف الذين لم يؤمنوا به - إما عن جهالة وغباء , وإما عن غيظ وحقد وعناد , لأنهم رأوا في قدوم النبي حدا لنفوذهم وسلطانهم - موقف الجحود والعداء العلني للنبي والمسلمين من المهاجرين والأنصار ; وكان للعصبية في الوقت نفسه أثر غير قليل في عدم الوقوف هذا الموقف , لأن سواد الأوس والخزرج أصبحوا أنصار النبي , ومرتبطين به بمواثيق الدفاع والنصر , إلى أن جلهم قد حسن إسلامهم , وغدوا يرون في النبي رسول الله , وقائدهم الأعلى الواجب الطاعة , ومرشدهم الأعظم الواجب الاتباع , فلم يكن يسع الذين ظلت تغلبهم نزعة الشرك , ويتحكم فيهم مرض القلب والمكابرة والحقد , ويحملهم ذلك على مناوأة النبي [ ص ] ودعوته ونفوذه - أن يظهروا علنا في نزعتهموعدائهم , ولم يكن أمامهم إلا التظاهر بالإسلام , والقيام بأركانه , والتضامن مع قبائلهم . وجعل مكرهم وكيدهم ودسهم ومؤامراتهم بأسلوب المراوغة والخداع والتمويه , وإذا كانوا وقفوا أحيانا مواقف علنية فيها كيد ودس , وعليها طابع من النفاق بارز , فإنما كان هذا منهم في بعض الظروف والأزمات الحادة التي كانت تحدق بالنبي والمسلمين , والتي كانوا يتخذونها حجة لتلك المواقف بداعي المصلحة والمنطق والاحتياط ; ولم يكونوا على كل حال يعترفون بالكفر أو النفاق , غير أن نفاقهم وكفرهم ومواقفهم في الكيد والدس والتآمر لم تكن لتخفى على النبي [ ص ] والمخلصين من أصحابه من المهاجرين والأنصار , كما أن المواقف العلنية التي كانوا يقفونها في فرص الأزمات كانت مما تزيد كفرهم ونفاقهم فضيحة ومقتا . وقد كانت الآيات القرآنية توجه إليهم كذلك الفضائح المرة بعد المرة , وتدل عليهم بما يفعلون أو يمكرون , وتدمغهم بشرورهم وخبثهم ومكايدهم , وتحذر النبي [ ص ] والمسلمين منهم في كل ظرف ومناسبة .

"ولقد كانت مواقف المنافقين ومكايدهم بعيدة المدى والأثر على ما تلهم الآيات المدنية , حتى لكأنه نضال قوي , يذكر بما كان من نضال بين النبي [ ص ] وزعماء مكة , وإن اختلفت الأدوار والنتائج ; إذ أن النبي لم يلبث أن أخذ مركزه يتوطد وقوته تزداد , ودائرة الإسلام تتسع , وصار صاحب سلطان وأمر نافذ وجانب عزيز ; وإذ لم يكن المنافقون كتلة متضامنة ذات شخصية خاصة بارزة , وكان ضعفهم وضآلة عددهم وشأنهم يسيران سيرا متناسبا عكسيا مع ما كان من تزايد قوة النبي [ ص ] واتساع دائرة الإسلام , وتوطد عزته وسلطانه" .

[ ويكفيك لأجل أن تشعر بخطورة الدور الذي قام به المنافقون , وخاصة في أوائل العهد , أن تلاحظ أن المنافقين كانوا أقوياء نسبيا بعصبياتهم التي كانت ما تزال قوية الأثر في نفوس سواد قبائلهم , كما أنهم لم يكونوا مفضوحين فضيحة تامة , ولم يكن الإسلام قد رسخ في هذا السواد رسوخا كافيا ; وأن النبي [ ص ] كان محوطا بالمشركين الجاحدين من كل جانب , وأهل مكة خصومه الألداء , وهم قبلة الجزيرة يتربصون به الدوائر , ويتحينون كل فرصة ووسيلة للقضاء عليه ; واليهود في المدينة وحولها قد تنكروا له منذ عهد مبكر وتطيروا به , ثم جاهروه بالكفر والعداء والمكر ; ولم يلبث أن انعقد بينهم وبين المنافقين حلف طبيعي على توحيد المسعى , والتضامن في موقف المعارضة والكيد , حتى ليمكن القول:إن المنافقين لم يقووا ويثبتوا ويكن منهم ذلك الأذى الشديد والاستمرار في الكيد والدس إلا بسبب ما لقوه من اليهود من تعضيد , وما انعقد بينهم من تضامن وتواثق , ولم يضعف شأنهم ويخف خطرهم إلا بعد أن مكن الله للنبي من هؤلاء وأظهره عليهم , وكفاه شرهم ] .

الدرس الأول:1 - 4 سبب تكذيب المنافقين وتلاعبهم وصدهم عن سبيل الله وتصوير جبنهم

وهذه السورة تبدأ بوصف طريقتهم في مداراة ما في قلوبهم من الكفر , وإعلانهم الإسلام والشهادة بأن النبي [ ص ] هو رسول الله . وحلفهم كذبا ليصدقهم المسلمون , واتخاذهم هذه الأيمان وقاية وجنة يخفون وراءها حقيقة أمرهم , ويخدعون المسلمين فيهم:

(إذا جاءك المنافقون قالوا:نشهد إنك لرسول الله - والله يعلم إنك لرسوله - والله يشهد إن المنافقين لكاذبون . اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله , إنهم ساء ما كانوا يعملون). .

فهم كانوا يجيئون إلى رسول الله [ ص ] فيشهدون بين يديه برسالته شهادة باللسان , لا يقصدون بها وجه الحق , إنما يقولونها للتقية , وليخفوا أمرهم وحقيقتهم على المسلمين . فهم كاذبون في أنهم جاءوا ليشهدوا هذه الشهادة , فقد جاءوا ليخدعوا المسلمين بها , ويداروا أنفسهم بقولها . ومن ثم يكذبهم الله في شهادتهم بعد التحفظ الذي يثبت حقيقة الرسالة: (والله يعلم إنك لرسوله). . (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون).

والتعبير من الدقة والاحتياط بصورة تثير الانتباه . فهو يبادر بتثبيت الرسالة قبل تكذيب مقالة المنافقين . ولولا هذا التحفظ لأوهم ظاهر العبارة تكذيب المنافقين في موضوع شهادتهم وهو الرسالة . وليس هذا هو المقصود . إنما المقصود تكذيب إقرارهم فهم لا يقرون الرسالة حقا ولا يشهدون بها خالصي الضمير !

(اتخذوا أيمانهم جنة). . وهي توحي بأنهم كانوا يحلفون الأيمان كلما انكشف أمرهم , أو عرف عنهم كيد أو تدبير , أو نقلت عنهم مقالة سوء في المسلمين . كانوا يحلفون ليتقوا ما يترتب على افتضاح أمر من أمورهم , فيجعلون أيمانهم وقاية وجنة يحتمون وراءها , ليواصلوا كيدهم ودسهم وإغواءهم للمخدوعين فيهم . (فصدوا عن سبيل الله). . صدوا أنفسهم وصدوا غيرهم مستعينين بتلك الأيمان الكاذبة: (إنهم ساء ما كانوا يعملون). . وهل أسوأ من الكذب للخداع والتضليل ! ?

ويعلل حالهم هذه من شهادة مدخولة كاذبة , وأيمان مكذوبة خادعة , وصد عن سبيل الله وسوء عمل . . يعلله بأنهم كفروا بعد الإيمان , واختاروا الكفر بعد أن عرفوا الإسلام:

(ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم , فهم لا يفقهون). .

فهم عرفوا الإيمان إذن , ولكنهم اختاروا العودة إلى الكفر . وما يعرف الإيمان ثم يعود إلى الكفر قلب فيه فقه , أو تذوق , أو حياة . وإلا فمن ذا الذي يذوق ويعرف , ويطلع على التصور الإيماني للوجود , وعلى التذوق الإيماني للحياة , ويتنفس في جو الإيمان الذكي , ويحيا في نور الإيمان الوضيء , ويتفيأ ظلال الإيمان الندية . . ثم يعود إلى الكفر الكالح الميت الخاوي المجدب الكنود ? من ذا الذي يصنع هذا إلا المطموس الكنود الحقود , الذي لا يفقه ولا يحس ولا يشعر بهذا الفارق البعيد ! (فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون). .

ثم يرسم لهم السياق صورة فريدة مبدعة ; تثير السخرية والهزء والزراية بهذا الصنف الممسوخ المطموس من الناس , وتسمهم بالفراغ والخواء والانطماس والجبن والفزع والحقد والكنود . بل تنصبهم تمثالا وهدفا للسخرية في معرض الوجود:

(وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم . وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة . يحسبون كل صيحة عليهم . هم العدو فاحذرهم . قاتلهم الله ! أنى يؤفكون ?). .

فهم أجسام تعجب . لا أناسي تتجاوب ! وما داموا صامتين فهم أجسام معجبة للعيون . . فأما حين ينطقون فهم خواء من كل معنى ومن كل حس ومن كل خالجة . . (تسمع لقولهم كأنهم خشب). . ولكنها ليست خشبا فحسب . إنما هي (خشب مسندة). . لا حركة لها , ملطوعة بجانب الجدار !

هذا الجمود الراكد البارد يصورهم من ناحية فقه أرواحهم إن كانت لهم أرواح ! ويقابله من ناحية أخرى حالة من التوجس الدائم والفزع الدائم والاهتزاز الدائم:

(يحسبون كل صيحة عليهم). .

فهم يعرفون أنهم منافقون مستورون بستار رقيق من التظاهر والحلف والملق والالتواء . وهم يخشون في كل

من الاية 4 الى الاية 7

وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)

لحظة أن يكون أمرهم قد افتضح وسترهم قد انكشف . والتعبير يرسمهم أبدا متلفتين حواليهم ; يتوجسون من كل حركة ومن كل صوت ومن كل هاتف , يحسبونه يطلبهم , وقد عرف حقيقة أمرهم !!

وبينما هم خشب مسندة ملطوعة إذا كان الأمر أمر فقه وروح وشعور بإيقاعات الإيمان . . إذا هم كالقصبة المرتجفة في مهب الريح إذا كان الأمر أمر خوف على الأنفس والأموال !

وهم بهذا وذاك يمثلون العدو الأول للرسول [ ص ] وللمسلمين:

(هم العدو فاحذرهم). .

هم العدو الحقيقي . العدو الكامن داخل المعسكر , المختبئ في الصف . وهو أخطر من العدو الخارجي الصريح .(فاحذرهم). . ولكن الرسول [ ص ] لم يؤمر هنا بقتلهم , فأخذهم بخطة أخرى فيها حكمة وسعة وثقة بالنجاة من كيدهم - كما سيجيء نموذج من هذه المعاملة بعد قليل - . .

(قاتلهم الله أنى يؤفكون). .

فالله مقاتلهم حيثما صرفوا وأنى توجهوا . والدعاء من الله حكم بمدلول هذا الدعاء , وقضاء نافذ لا راد له ولا معقب عليه . . وهذا هو الذي كان في نهاية المطاف .

الدرس الثاني:5 - 8 تآمر المنافقين على المسلمين وقصة ابن أبي في الفتنة

ويستطرد السياق في وصف تصرفاتهم الدالة على دخل قلوبهم , وتبييتهم للرسول [ ص ] وكذبهم عند المواجهة . . وهي مجموعة من الصفات اشتهر بها المنافقون:

(وإذا قيل لهم:تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم , ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون . سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم , لن يغفر الله لهم , إن الله لا يهدي القوم الفاسقين . هم الذين يقولون:لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا . ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون . يقولون:لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين . ولكن المنافقين لا يعلمون). .

وقد ذكر غير واحد من السلف أن هذا السياق كله نزل في عبدالله بن أبي بن سلول:

وفصل ابن إسحاق هذا في حديثه عن غزوة بني المصطلق سنة ست على المريسيع . . ماء لهم . . فبينا رسول الله [ ص ] على ذلك الماء - بعد الغزوة - وردت واردة الناس , ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له:جهجاه بن مسعود يقود فرسه , فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عون ابن الخزرج على الماء , فاقتتلا , فصرخ الجهني:يا معشر الأنصار . وصرخ جهجاه . يا معشر المهاجرين . فغضب عبدالله بن أبي بن سلول , وعنده رهط من قومه , فيهم زيد بن أرقم غلام حدث . فقال:أوقد فعلوها ? قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا . والله ما أعدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول:سمن كلبك يأكلك ! أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . ثم أقبل على من حضره من قومه فقال لهم:هذا ما فعلتم بأنفسكم:أحللتموهم بلادكم , وقاسمتموهم أموالكم , أما والله لو أمسكتم عنهم بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم . فسمع ذلك زيد بن أرقم . فمشى به إلى رسول الله [ ص ] وذلك عند فراغ رسول الله [ ص ] من عدوه , فأخبره الخبر , وعنده عمر بن الخطاب . فقال:مر به عباد بن بشر فليقتله . فقال رسول الله [ ص ]:" فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ? لا ولكن أذن بالرحيل " . وذلك في ساعة لم يكن رسول الله [ ص ] يرتحل فيها . فارتحل الناس , وقد مشى عبدالله بن أبي بن سلول إلى رسول الله [ ص ] حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه - فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به . وكان في قومه شريفا عظيما . فقال من حضر رسول الله [ ص ] من الأنصار من أصحابه:يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل . حدبا على ابن أبي بن سلول ودفعا عنه .

قال ابن إسحاق فلما استقل رسول الله [ ص ] وسار لقيه أسيد بن حضير , فحياه بتحية النبوة وسلم عليه , ثم قال:يا نبي الله , والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها . فقال له رسول الله [ ص ]:" أو ما بلغك ما قال صاحبكم ? " قال:وأي صاحب يا رسول الله ? قال " عبدالله بن أبي " قال:وما قال ? قال:" زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل ? " قال:فأنت يا رسول الله والله لتخرجنه منها إن شئت . هو والله الذليل وأنت العزيز . ثم قال:يا رسول الله ارفق به . فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه , فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا !

ثم مشى رسول الله [ ص ] بالناس يومهم ذلك حتى أمسى , وليلتهم حتى أصبح , وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس . ثم نزل بالناس , فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما , وإنما فعل ذلك رسول الله [ ص ] ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبدالله ابن أبي .

قال ابن إسحاق:ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين , في ابن أبي ومن كان على مثل أمره . فلما نزلت أخذ رسول الله [ ص ] بأذن زيد بن ارقم , ثم قال:" هذا الذي أوفى لله بأذنه " . . وبلغ عبدالله بن عبدالله بن أبي الذي كان من أمر أبيه .

قال ابن إسحاق . فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عبدالله أتى رسول الله [ ص ] فقال:يا رسول الله , إنه بلغني أنك تريد قتل عبدالله بن أبي فيما بلغك عنه . فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه , فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني , وإني أخشى أن تأمر غيري فيقتله , فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبدالله بن أبي يمشي في الناس , فأقتله , فأقتل مؤمنا بكافر , فأدخل النار . فقال رسول الله [ ص ]:" بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا " .

وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه . فقال رسول الله [ ص ] لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم:" كيف ترى يا عمر ? أما والله لو قتلته يوم قلت لي:اقتله لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم تقتله لقتلته " . . قال:قال عمر:قد والله علمت لأمر رسول الله [ ص ] أعظم بركة من أمري . .

وذكر عكرمة وابن زيد وغيرهما أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة وقف عبدالله بن عبدالله بن أبي على باب المدينة , واستل سيفه , فجعل الناس يمرون عليه , فلما جاء أبوه عبدالله بن أبي قال له ابنه:وراءك ! فقال:مالك ? ويلك ! فقال:والله لا تجوز من ها هنا حتى يأذن لك رسول الله [ ص ] فإنه العزيز وأنت الذليل ! فلما جاء رسول الله [ ص ] وكان إنما يسير ساقة , فشكا إليهعبدالله بن أبي ابنه . فقال ابنه عبدالله:والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له . فأذن له رسول الله [ ص ] فقال:أما إذ أذن لك رسول الله [ ص ] فجز الآن . .

وننظر مرة إلى الأحداث , ومرة إلى الرجال , ومرة إلى النص القرآني , فنجدنا مع السيرة , ومع المنهج التربوي الإلهي , ومع قدر الله العجيب في تصريف الأمور . .

فهذا هو الصف المسلم يندس فيه المنافقون ; ويعيشون فيه - في حياة الرسول [ ص ] قرابة عشر سنوات . والرسول [ ص ] لا يخرجهم من الصف , ولا يعرفهم الله له بأسمائهم وأعيانهم إلا قبيل وفاته . وإن كان يعرفهم في لحن القول , بالالتواء والمداورة . ويعرفهم بسيماهم وما يبدو فيها من آثار الانفعالات والانطباعات . ذلك كي لا يكل الله قلوب الناس للناس . فالقلوب له وحده , وهو الذي يعلم ما فيها ويحاسب عليه , فأما الناس فلهم ظاهر الأمر ; كي لا يأخذوا الناس بالظنة , وكي لا يقضوا في أمورهم بالفراسة ! وحتى حينما عرف الله نبيه [ ص ] بالنفر الذين ظلوا على نفاقهم إلى أواخر حياته , فإنه لم يطردهم من الجماعة وهم يظهرون الإسلام ويؤدون فرائضه . إنما عرفهم وعرف بهم واحدا فقط من رجاله هو حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - ولم يشع ذلك بين المسلمين . حتى إن عمر - رضي الله عنه - كان يأتي حذيفة ليطمئن منه على نفسه أن الرسول [ ص ] لم يسمه له من المنافقين ! وكان حذيفة يقول له:يا عمر لست منهم . ولا يزيد ! وكان رسول الله [ ص ] قد أمر ألا يصلي على أحد منهم مات أبدا . فكان أصحابه يعرفون عندما يرون الرسول لا يصلي على ميت . فلما قبض [ ص ] كان حذيفة لا يصلي على من عرف أنه منهم . وكان عمر لا ينهض للصلاة على ميت حتى ينظر . فإن رأى حذيفة هناك علم أنه ليس من المجموعة وإلا لم يصل هو الآخر ولم يقل شيئا !

وهكذا كانت تجري الأحداث - كما يرسمها القدر - لحكمتها ولغايتها , للتربية والعبرة وبناء الأخلاق والنظم والآداب .

وهذا الحادث الذي نزلت فيه تلك الآيات هو وحده موضع عبر وعظات جمة . .

هذا عبدالله بن أبي بن سلول . يعيش بين المسلمين . قريبا من رسول الله [ ص ] تتوالى الأحداث والآيات من بين يديه ومن خلفه على حقيقة هذا الدين وصدق هذا الرسول . ولكن الله لا يهدي قلبه للإيمان , لأنه لم يكتب له هذه الرحمة وهذه النعمة . وتقف دونه ودون هذا الفيض المتدفق من النور والتأثير , تقف دونه إحنة في صدره أن لم يكن ملكا على الأوس والخزرج , بسبب مقدم رسول الله [ ص ] بالإسلام إلى المدينة ! فتكفه هذه وحدها عن الهدى . الذي تواجهه دلائله من كل جانب . وهو يعيش في فيض الإسلام ومده في يثرب !

وهذا ابنه عبدالله - رضي الله عنه وأرضاه - نموذج رفيع للمسلم المتجرد الطائع . يشقى بأبيه ويضيق بأفاعيله ويخجل من مواقفه . ولكنه يكن له ما يكنه الولد البار العطوف . ويسمع أن رسول الله [ ص ] يريد أن يقتل أباه هذا . فيختلج قلبه بعواطف ومشاعر متباينة , يواجهها هو في صراحة وفي قوة وفي نصاعة . إنه يحب الإسلام , ويحب طاعة رسول الله [ ص ] ويحب أن ينفذ أمره ولو في أبيه . ولكنه

من الاية 8 الى آخر السورة

يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (Cool يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)

لا يطيق أن يتقدم أحد فيضرب عنق أبيه ويظل يمشي على الأرض بعده أمام ناظريه . وهو يخشى أن تخونه نفسه , وألا يقدر على مغالبة شيطان العصبية , وهتاف الثأر . . وهنا يلجأ إلى نبيه وقائده ليعينه على خلجات قلبه , ويرفع عنه هذا العنت الذي يلاقيه . فيطلب منه إن كان لا بد فاعلا أن يأمره هو بقتل أبيه . وهو لا بد مطيع . وهو يأتيه برأسه . كي لا يتولى ذلك غيره , فلا يطيق أن يرى قاتل أبيه يمشي على الأرض . فيقتله . فيقتل مؤمنا بكافر . فيدخل النار . .

وإنها لروعة تواجه القلب أينما اتجه وأينما قلب النظر في هذا الموقف الكريم . روعة الإيمان في قلب إنسان , وهو يعرض على رسول الله [ ص ] أن يكل إليه أشق عمل على النفس البشرية - أن يقتل أباه - وهو صادق النية فيما يعرض . يتقي به ما هو أكبر في نظره وأشق . . وهو أن تضطره نوازعه البشرية إلى قتل مؤمن بكافر , فيدخل النار . . وروعة الصدق والصراحة وهو يواجه ضعفه البشري تجاه أبيه وهو يقول:"فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني" . وهو يطلب من نبيه وقائده أن يعينه على هذا الضعف ويخرجه من هذا الحرج ; لا بأن يرد أمره أو يغيره - فالأمر مطاع والإشارة نافذة - ولكن بأن يكل إليه هو أن يأتيه برأسه !

والرسول الكريم يرى هذه النفس المؤمنة المحرجة , فيمسح عنها الحرج في سماحة وكرامة:[ بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا ] . . ومن قبل هذا يكف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رأيه:" فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ? " .

ثم تصرف الرسول [ ص ] في الحادث تصرف القائد الملهم الحكيم . . وأمره بالسير في غير أوان , ومتابعة السير حتى الإعياء , ليصرف الناس عن العصبية المنتنة التي أثارها صياح الرجلين المتقاتلين:يا للأنصار ! يا للمهاجين ! وليصرفهم كذلك عن الفتنة التي أطلقها المنافق عبدالله بن أبي بن سلول , وأرادها أن تحرق ما بين الأنصار والمهاجرين من مودة وإخاء فريدين في تاريخ العقائد وفي تاريخ الإنسان . . وحديث الرسول [ ص ] مع أسيد بن حضير , وما فيه من تعبئة روحية ضد الفتنة , واستجاشة للأخذ على يد صاحبها وهو صاحب المكانة في قومه حتى بعد الإسلام !

وأخيرا نقف أمام المشهد الرائع الأخير . مشهد الرجل المؤمن عبدالله بن عبدالله بن أبي . وهو يأخذ بسيفه مدخل المدينة على أبيه فلا يدعه يدخل . تصديقا لمقاله هو: (ليخرجن الأعز منها الأذل). ليعلم أن رسول الله هو الأعز . وأنه هو الأذل . ويظل يقفه حتى يأتي رسول الله [ ص ] فيأذن له . فيدخلها بإذنه . ويتقرر بالتجربة الواقعة من هو الأعز ومن هو الأذل . في نفس الواقعة . وفي ذات الأوان .

ألا إنها لقمة سامقة تلك التي رفع الإيمان إليها أولئك الرجال . رفعهم إلى هذه القمة , وهم بعد بشر , بهم ضعف البشر , وفيهم عواطف البشر , وخوالج البشر . وهذا هو أجمل وأصدق ما في هذه العقيدة , حين يدركها الناس على حقيقتها , وحين يصبحون هم حقيقتها التي تدب على الأرض في صورة أناسي تأكل الطعام وتمشي في الأسواق .

ثم نعيش في ظلال النصوص القرآنية التي تضمنت تلك الأحداث:

(وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم , ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون). .

فهم يفعلون الفعلة , ويطلقون القولة . فإذا عرفوا أنها بلغت رسول الله [ ص ] جبنوا وتخاذلوا وراحوا يقسمون بالأيمان يتخذونها جنة . فإذا قال لهم قائل:تعالوا يستغفر لكم رسول الله , وهم في أمن من مواجهته , لووا رؤوسهم ترفعا واستكبارا ! وهذه وتلك سمتان متلازمتان في النفس المنافقة . وإن كان هذا التصرف يجيء عادة ممن لهم مركز في قومهم ومقام . ولكنهم هم في ذوات أنفسهم أضعف من المواجهة ; فهم يستكبرون ويصدون ويلوون رؤوسهم ما داموا في أمان من المواجهة . حتى إذا ووجهوا كان الجبن والتخاذل والأيمان !

ومن ثم يتوجه الخطاب إلى رسول الله [ ص ] بما قضاه الله في شأنهم على كل حال . وبعدم جدوى الاستغفار لهم بعد قضاء الله:

(سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم . إن الله لا يهدي القوم الفاسقين). .

ويحكي طرفا من فسقهم , الذي استوجب قضاء الله فيهم:

(هم الذين يقولون:لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا). .

وهي قولة يتجلى فيها خبث الطبع , ولؤم النحيزة . وهي خطة التجويع التي يبدو أن خصوم الحق والإيمان يتواصون بها على اختلاف الزمان والمكان , في حرب العقيدة ومناهضة الأديان . ذلك أنهم لخسة مشاعرهم يسحبون لقمة العيش هي كل شيء في الحياة كما هي في حسهم فيحاربون بها المؤمنين .

إنها خطة قريش وهي تقاطع بني هاشم في الشعب لينفضوا عن نصرة رسول الله [ ص ] ويسلموه للمشركين !

وهي خطة المنافقين كما تحكيها هذه الآية لينفض أصحاب رسول الله [ ص ] عنه تحت وطأة الضيق والجوع !

وهي خطة الشيوعيين في حرمان المتدينين في بلادهم من بطاقات التموين , ليموتوا جوعا أو يكفروا بالله , ويتركوا الصلاة !

وهي خطة غيرهم ممن يحاربون الدعوة إلى الله وحركة البعث الإسلامي في بلاد الإسلام , بالحصار والتجويع ومحاولة سد أسباب العمل والارتزاق . .

وهكذا يتوافى على هذه الوسيلة الخسيسة كل خصوم الإيمان , من قديم الزمان , إلى هذا الزمان . . ناسين الحقيقة البسيطة التي يذكرهم القرآن بها قبل ختام هذه الآية:

(ولله خزائن السماوات والأرض . ولكن المنافقين لا يفقهون). .

ومن خزائن الله في السماوات والأرض يرتزق هؤلاء الذين يحاولون أن يتحكموا في أرزاق المؤمنين , فليسوا هم الذين يخلقون رزق أنفسهم . فما أغباهم وأقل فقههم وهم يحاولون قطع الرزق عن الآخرين !

وهكذا يثبت الله المؤمنين ويقوي قلوبهم على مواجهة هذه الخطة اللئيمة والوسيلة الخسيسة , التي يلجأ أعداء الله إليها في حربهم . ويطمئنهم إلى أن خزائن الله في السماوات والأرض هي خزائن الأرزاق للجميع . والذي يعطي أعداءه لا ينسى أولياءه . فقد شاءت رحمته ألا يأخذ حتى أعداءه من عباده بالتجويع وقطع الأرزاق . وقد علم أنهم لا يرزقون أنفسهم كثيرا ولا قليلا لو قطع عنهم الأرزاق ! وهو أكرم أن يكل عباده - ولو كانوا أعداءه - إلى ما يعجزون عنه البتة . فالتجويع خطة لا يفكر فيها إلا أخس الأخساء وألأم اللؤماء !

ثم قولتهم الأخيرة:

(يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل). .

وقد رأينا كيف حقق ذلك عبدالله بن عبدالله بن أبي ! وكيف لم يدخلها الأذل إلا بإذن الأعز !

(ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين . ولكن المنافقين لا يعلمون). .

ويضم الله - سبحانه - رسوله والمؤمنين إلى جانبه , ويضفي عليهم من عزته , وهو تكريم هائل لا يكرمه إلا الله ! وأي تكريم بعد أن يوقف الله - سبحانه - رسوله والمؤمنين معه إلى جواره . ويقول:ها نحن أولاء ! هذا لواء الأعزاء . وهذا هو الصف العزيز !

وصدق الله . فجعل العزة صنو الإيمان في القلب المؤمن . العزة المستمدة من عزته تعالى . العزة التي لا تهون ولا تهن , ولا تنحني ولا تلين . ولا تزايل القلب المؤمن في أحرج اللحظات إلا أن يتضعضع فيه الإيمان . فإذا استقر الإيمان ورسخ فالعزة معه مستقرة راسخة . .

(ولكن المنافقين لا يعلمون). .

وكيف يعلمون وهم لا يتذوقون هذه العزة ولا يتصلون بمصدرها الأصيل ?

الدرس الثالث:9 - 11 تحذير المؤمنين من التثاقل والتلهي عن ذكر الله والدعوة للإنفاق

لهؤلاء المؤمنين الذين أوقفهم الله في صفه مع رسول الله [ ص ] وجعل عزتهم من عزته يوجه النداء الأخير في السورة , ليرتفعوا إلى هذا المكان الكريم , ويبرأوا من كل صفة تشبه صفات المنافقين , ويختاروا ذلك المقام الأسنى على الأموال والأولاد , فلا يدعوها تلهيهم عن بلوغ ذلك المقام الوضيء:

يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله . ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون . وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت , فيقول:رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين . ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها , والله خبير بما تعملون . .

والأموال والأولاد ملهاة ومشغلة إذا لم يستيقظ القلب , ويدرك غاية وجوده , ويشعر أن له هدفا أعلى يليق بالمخلوق الذي نفخ الله فيه من روحه , فأودع روحه الشوق إلى تحقيق بعض صفاته الإلهية في حدود طاقته البشرية . وقد منحه الأموال والأولاد ليقوم بالخلافة في الأرض لا لتلهيه عن ذكر الله والاتصال بالمصدر الذي تلقى منه ما هو به إنسان . ومن يغفل عن الاتصال بذلك المصدر , ويلهه عن ذكر الله ليتم له هذا الاتصال (فأولئك هم الخاسرون). . وأول ما يخسرونه هو هذه السمة . سمة الإنسان . فهي موقوفة على الاتصال بالمصدر الذي صار به الإنسان إنسانا . ومن يخسر نفسه فقد خسر كل شيء . مهما يملك من مال ومن أولاد .

ويلمسهم في موضوع الإنفاق لمسات متنوعة في آية واحدة . .

وأنفقوا مما رزقناكم . . فيذكرهم بمصدر هذا الرزق الذي في أيديهم . فهو من عند الله الذي آمنوا به والذي يأمرهم بالإنفاق .

(من قبل أن يأتي أحدكم الموت . . .). .

فيترك كل شيء وراءه لغيره ; وينظر فلا يجد أنه قدم شيئا لنفسه , وهذا أحمق الحمق وأخسر الخسران .

ثم يرجو حينئذ ويتمنى أن لو كان قد أمهل ليتصدق وليكون من الصالحين ! وأنى له هذا ?: (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها)?

وأنى له ما يتقدم به ? (والله خبير بما تعملون)?

إنها اللمسات المنوعة في الآية الواحدة . في مكانها المناسب بعد عرض سمات المنافقين وكيدهم للمؤمنين . ولواذ المؤمنين بصف الله الذي يقيهم كيد المنافقين . . فما أجدرهم إذن أن ينهضوا بتكاليف الإيمان , وألا يغفلوا عن ذكر الله . وهو مصدر الأمان . .

وهكذا يربي الله المسلمين بهذا القرآن الكريم . .

سورة التغابن
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى