منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة الصافات 69 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة الصافات 69 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة الصافات 69 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الأربعاء يونيو 13, 2012 3:34 am

من الاية 69 الى الاية 82

إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ (72) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82)

لأنها من نوع الجحيم ! - وتطلعوا إلى برد الشراب ينقع الغلة ويطفى ء اللهيب . فإنهم لشاربون عليها ماء ساخناً مشوباً غير خالصSadثم إن لهم عليها لشوباً من حميم). .

وبعد هذه الوجبة يغادرون تلك المائدة عائدين إلى مقرهم المقيم . ويا له من نزل ! ويا له من معاد !

(ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم). .

بذلك يختم المشهد الفريد . وينتهي الشوط الأول من السورة . وكأنما كان قطعة من الواقع المشهود .

الوحدة الثانية:69 - 148 الموضوع:قصص من قصص السابقين مقدمة الوحدة

في هذا الدرس يعود السياق من الجولة الأولى في ساحة الآخرة , وفي مجالي النعيم ودارات العذاب , يعود ليستأنف جولة أخرى في تاريخ البشر مع آثار الذاهبين الأولين , يعرض فيها قصة الهدى والضلال منذ فجر البشرية الأولى ; فإذا هي قصة مكرورة معادة ; وإذا القوم الذين يواجهون الرسول [ ص ] في مكة بالكفر والضلال بقية من أولئك المكذبين الضالين . ويكشف لهؤلاء عما جرى لمن كان قبلهم , ويلمس قلوبهم بهذه الصفحات المطوية في بطون التاريخ . ويطمئن المؤمنين برعاية الله التي لم تتخل في الماضي عن المؤمنين .

وفي هذا السياق يستعرض طرفاً من قصص نوح , وإبراهيم , وإسماعيل وإسحاق , وموسى وهارون , وإلياس , ولوط , ويونس . . ويقف وقفة أطول أمام قصة إبراهيم وإسماعيل . يعرض فيها عظمة الإيمان والتضحية والطاعة , وطبيعة الإسلام الحقيقية كما هي في نفسي إبراهيم وإسماعيل , في حلقة لا تعرض في غير هذه السورة , ولا ترد إلا في هذا السياق . . وهذا القصص هو قوام هذا الدرس الأصيل . .

الدرس الأول:69 - 74 سير الكفار على خطى آبائهم الكافرين

(إنهم ألفوا آباءهم ضالين , فهم على آثارهم يهرعون . ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين . ولقد أرسلنا فيهم منذرين . فانظر كيف كان عاقبة المنذرين . إلا عباد الله المخلصين). .

إنهم عريقون في الضلالة , وهم في الوقت ذاته مقلدون لا يفكرون ولا يتدبرون ; بل يطيرون معجلين يقفون خطى آبائهم الضالين غير ناظرين ولا متعقلين:

(إنهم ألفوا آباءهم ضالين , فهم على آثارهم يهرعون). .

وهم وآباؤهم صورة من صور الضلال التي يمثلها أكثر الأولين:

(ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين).

وكان ضلالهم بعد الإنذار والتحذير:

(ولقد أرسلنا فيهم منذرين). .

ولكن كيف كانت العاقبة ? كيف كانت عاقبة المكذبين ? وكيف كانت عاقبة عباد الله المخلصين ? إنها معروضة في سلسلة القصص . وهذا الإعلان في مقدمتها للتنبيه:

(فانظر كيف كان عاقبة المنذرين , إلا عباد الله المخلصين). .

الدرس الثاني:75 - 82 لقطات من قصة نوح عليه السلام

ويبدأ بقصة نوح في إشارة سريعة تبين العاقبة , وتقرر عناية الله بعباده المخلصين:

(ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون . ونجيناه وأهله من الكرب العظيم . وجعلنا ذريته هم الباقين . وتركنا عليه في الآخرين , سلام على نوح في العالمين . إنا كذلك نجزي المحسنين . إنه من عبادنا المؤمنين . ثم أغرقنا الآخرين).

وتتضمن هذه الإشارة توجه نوح بالنداء إلى ربه , وإجابة دعوته إجابة كاملة وافية . إجابتها من خير مجيب . الله سبحانه . (فلنعم المجيبون). . وتتضمن نجاته هو وأهله من الكرب العظيم . كرب الطوفان الذي لم ينج منه إلا من أراد له الله النجاة وقدر له الحياة . . وتتضمن قدر الله بأن يجعل من ذرية نوح عماراً لهذه الأرض وخلفاء . وأن يبقى ذكره في الأجيال الآتية إلى آخر الزمانSadوتركنا عليه في الآخرين). . وتعلن في الخافقين سلام الله على نوح . جزاء إحسانهSadسلام على نوح في العالمين . إنا كذلك نجزي المحسنين). . وأي جزاء بعد سلام الله . والذكر الباقي مدى الحياة ! أما مظهر الإحسان وسبب الجزاء فهو الإيمانSadإنه من عبادنا المؤمنين). . وهذه هي عاقبة المؤمنين . . فأما غير المؤمنين من قوم نوح فقد كتب الله عليهم الهلاك والفناءSadثم أغرقنا الآخرين). . ومضت سنة الله منذ فجر البشرية البعيد . وفق ذلك الإجمال في مقدمة القصصSadولقد أرسلنا فيهم منذرين . فانظر كيف كان عاقبة المنذرين . إلا عباد الله المخلصين). .

الدرس الثالث:83 - 113 لقطات من قصة إبراهيم

ثم تجيء قصة إبراهيم . تجيء في حلقتين رئيسيتين:حلقة دعوته لقومه , وتحطيم الأصنام , وهمهم به

من الاية 83 الى الاية 90

وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)

ليقتلوه , وحماية الله له وخذلان شانئيه - وهي حلقة تكررت من قبل في سور القرآن - وحلقة جديدة لا تعرض في غير هذه السورة . وهي الخاصة بحادث الرؤيا والذبح والفداء , مفصلة المراحل والخطوات والمواقف , في أسلوبها الأخاذ وأدائها الرهيب ! ممثلة أعلى صور الطاعة والتضحية والفداء والتسليم في عالم العقيدة في تاريخ البشرية الطويل .

(وإن من شيعته لإبراهيم . إذ جاء ربه بقلب سليم . إذ قال لأبيه وقومه:ماذا تعبدون ? أإفكاً آلهة دون الله تريدون ? فما ظنكم برب العالمين ?). .

هذا هو افتتاح القصة , والمشهد الأول فيها . . نقلة من نوح إلى إبراهيم . وبينهما صلة من العقيدة والدعوة والطريق . فهو من شيعة نوح على تباعد الزمان بين الرسولين والرسالتين ; ولكنه المنهج الإلهي الواحد , الذي يلتقيان عنده ويرتبطان به ويشتركان فيه .

ويبرز من صفة إبراهيم سلامة القلب وصحة العقيدة وخلوص الضمير:

(إذ جاء ربه بقلب سليم). .

وهي صورة الاستسلام الخالص . تتمثل في مجيئه لربه . وصورة النقاء والطهارة والبراءة والاستقامة تتمثل في سلامة قلبه . والتعبير بالسلامة تعبير موح مصور لمدلوله , وهو في الوقت ذاته بسيط قريب المعنى واضح المفهوم . ومع أنه يتضمن صفات كثيرة من البراءة والنقاوة , والإخلاص والاستقامة . . إلا أنه يبدو بسيطاً غير معقد , ويؤدي معناه بأوسع مما تؤديه هذه الصفات كلها مجتمعات ! وتلك إحدى بدائع التعبير القرآني الفريد .

وبهذا القلب السليم , استنكر ما عليه قومه واستبشعه . استنكار الحس السليم لكل ما تنبو عنه الفطرة الصادقة من تصور ومن سلوك:

(إذ قال لأبيه وقومه:ماذا تعبدون ? أإفكاً آلهة دون الله تريدون ? فما ظنكم برب العالمين ?). . وهو يراهم يعبدون أصناماً وأوثاناً . فيهتف بهم هتاف الفطرة السليمة في استنكار شديد . (ماذا تعبدون ?)ماذا ? فإن ما تعبدون ليس من شانه أن يعبد , ولا أن يكون له عابدون ! وما يعبده الإنسان في شبهة من حق . إنما هو الإفك المحض . والافتراء الذي لا شبهة فيه . فهل أنتم تقصدون إلى الإفك قصداُ وإلى الافتراء عمداًSadأإفكاً آلهة دون الله تريدون ?)وما هو تصوركم لله ? وهل يهبط وينحرف إلى هذا المستوى الذي تنكره الفطرة لأول وهلةSadفما ظنكم برب العالمين ?). . وهي كلمة يبدو فيها استنكار الفطرة السليمة البريئة , وهي تطلع على الأمر البين الذي يصدم الحس والعقل والضمير .

ويسقط السياق هنا ردهم عليه , وحوارهم معه ; ويمضي مباشرة في المشهد التالي إلى عزيمته التي قررها في نفسه تجاه هذا الإفك المكشوف:

فنظر نظرة في النجوم . فقال:إني سقيم . فتولوا عنه مدبرين . فراغ إلى آلهتهم فقال:ألا تأكلون ? مالكم لا تنطقون ? فراغ عليهم ضرباً باليمين . .

ويروى أنه كان للقوم عيد - ربما كان هو عيد النيروز - يخرجون فيه إلى الحدائق والخلوات , بعد أن يضعوا الثمار بين يدي آلهتهم لتباركها . ثم يعودون بعد الفسحة والمرح فيأخذون طعامهم المبارك ! وأن إبراهيم - عليه السلام - بعد أن يئس من استجابتهم له ; وأيقن بانحراف فطرتهم الانحراف الذي لا صلاح له , اعتزم أمراً . وانتظر هذا اليوم الذي يبعدون فيه عن المعابد والأصنام لينفذ ما اعتزم . وكان الضيق بما هم فيه من انحراف قد بلغ منه أقصاه وأتعب قلبه وقواه , فلما دعي إلى مغادرة المعبد , قلب نظره إلى السماء , وقالSadإني

من الاية 91 الى الاية 98

فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)

سقيم). . لا طاقة لي بالخروج إلى المتنزهات والخلوات . فإنما يخرج إليها طلاب اللذة والمتاع , أخلياء القلوب من الهم والضيق - وقلب إبراهيم لم يكن في راحة ونفسه لم تكن في استرواح .

قال ذلك معبراً عن ضيقه وتعبه . وأفصح عنه ليتركوه وشأنه . ولم يكن هذا كذباً منه . إنما كان له أصل في واقع حياته في ذلك اليوم . وإن الضيق ليمرض ويسقم ذويه !

وكان القوم معجلين ليذهبوا مع عاداتهم وتقاليدهم ومراسم حياتهم في ذلك العيد ; فلم يتلبثوا ليفحصوا عن أمره , بل تولوا عنه مدبرين , مشغولين بما هم فيه . وكانت هذه هي الفرصة التي يريد .

لقد أسرع إلى آلهتهم المدعاة . وأمامها أطايب الطعام وبواكير الثمار . فقال في تهكم: (ألا تأكلون ?). . ولم تجبه الأصنام بطبيعة الحال . فاستطرد في تهكمه وعليه طابع الغيظ والسخريةSadما لكم لا تنطقون ?). . وهي حالة نفسية معهودة . أن يوجه الإنسان كلامه إلى ما يعلم حقيقته , ويستيقن أنه لا يسمع ولا ينطق ! إنما هو الضيق بما وراء الآلهة المزعومة من القوم وتصورهم السخيف ! . . ولم تجبه الآلهة مرة أخرى !! وهنا أفرغ شحنة الغيظ المكتوم حركة لا قولاًSadفراغ عليهم ضرباً باليمين). . وشفى نفسه من السقم والهم والضيق . . . !

وينتهي هذا المشهد فيليه مشهد جديد . وقد عاد القوم فاطلعوا على جذاذ الآلهة ! ويختصر السياق ما يفصله في سورة أخرى من سؤالهم عمن صنع بآلهتهم هذا الصنع , واستدلالهم في النهاية على الفاعل الجريء . يختصر هذا ليقفهم وجهاً لوجه أمام إبراهيم !

(فأقبلوا إليه يزفون). .

لقد تسامعوا بالخبر , وعرفوا من الفاعل , فأقبلوا إليه يسرعون الخطى ويحدثون حوله زفيفاً . . وهم جمع كثير غاضب هائج , وهو فرد واحد . ولكنه فرد مؤمن . فرد يعرف طريقه . فرد واضح التصور لإلهه . عقيدته معروفة له محدودة . يدركها في نفسه , ويراها في الكون من حوله . فهو أقوى من هذه الكثرة الهائجة المائجة , المدخولة العقيدة , المضطربة التصور . ومن ثم يجبههم بالحق الفطري البسيط لا يبالي كثرتهم وهياجهم وزفيفهم !

(قال:أتعبدون ما تنحتون ? والله خلقكم وما تعملون ?). .

إنه منطق الفطرة يصرخ في وجههم: (أتعبدون ما تنحتون ?). . والمعبود الحق ينبغي أن يكون هو الصانع لا المصنوعSadوالله خلقكم وما تعملون). . فهو الصانع الوحيد الذي يستحق أن يكون المعبود .

ومع وضوح هذا المنطق وبساطته , إلا أن القوم في غفلتهم وفي اندفاعهم لم يستمعوا له - ومتى استمع الباطل إلى صوت الحق البسيط ? - واندفع أصحاب الأمر والنهي فيهم يزاولون طغيانهم في صورته الغليظة:

(قالوا:ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم). .

إنه منطق الحديد والنار الذي لا يعرف الطغاة منطقاً سواه ; عندما تعوزهم الحجة وينقصهم الدليل . وحينما تحرجهم كلمة الحق الخالصة ذات السلطان المبين .

ويختصر السياق هنا ما حدث بعد قولتهم تلك , ليعرض العاقبة التي تحقق وعد الله لعباده المخلصين ووعيده لأعدائهم المكذبين:

(فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين). .

وأين يذهب كيد العباد إذا كان الله يريد ? وماذا يملك أولئك الضعاف المهازيل - من الطغاة والمتجبرين وأصحاب السلطان وأعوانهم من الكبراء - إذا كانت رعاية الله تحوط عباده المخلصين ? . .

من الاية 99 الى الاية 101

وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)

ثم تجيء الحلقة الثانية من قصة إبراهيم . . لقد انتهى أمره مع أبيه وقومه . لقد أرادوا به الهلاك في النار التي أسموها الجحيم , وأراد الله أن يكونوا هم الأسفلين ; ونجاه من كيدهم أجمعين .

عندئذ استدبر إبراهيم مرحلة من حياته ليستقبل مرحلة ; وطوى صفحة لينشر صفحة:

(وقال:إني ذاهب إلى ربي سيهدين). .

هكذا . . إني ذاهب إلى ربي . . إنها الهجرة . وهي هجرة نفسية قبل أن تكون هجرة مكانية . هجرة يترك وراءه فيها كل شيء من ماضي حياته . يترك أباه وقومه وأهله وبيته ووطنه وكل ما يربطه بهذه الأرض , وبهؤلاء الناس . ويدع وراءه كذلك كل عائق وكل شاغل . ويهاجر إلى ربه متخففاً من كل شيء , طارحاً وراءه كل شيء , مسلماً نفسه لربه لا يستبقي منها شيئاً . موقن أن ربه سيهديه , وسيرعى خطاه , وينقلها في الطريق المستقيم .

إنها الهجرة الكاملة من حال إلى حال , ومن وضع إلى وضع , ومن أواصر شتى إلى آصرة واحدة لا يزحمها في النفس شيء . إنه التعبير عن التجرد والخلوص والاستسلام والطمأنينة واليقين .

وكان إبراهيم حتى هذه اللحظة وحيداً لا عقب له ; وهو يترك وراءه أواصر الأهل والقربى , والصحبة والمعرفة . وكل مألوف له في ماضي حياته , وكل ما يشده إلى الأرض التي نشأ فيها , والتي انحسم ما بينه وبين أهلها الذين ألقوه في الجحيم ! فاتجه إلى ربه الذي أعلن أنه ذاهب إليه . اتجه إليه يسأله الذرية المؤمنة والخلف الصالح:

(رب هب لي من الصالحين). .

واستجاب الله دعاء عبده الصالح المتجرد , الذي ترك وراءه كل شيء , وجاء إليه بقلب سليم . .

(فبشرناه بغلام حليم). .

هو إسماعيل - كما يرجح سياق السيرة والسورة - وسنرى آثار حلمه الذي وصفه ربه به وهو غلام . ولنا أن نتصور فرحة إبراهيم الوحيد المفرد المهاجر المقطوع من أهله وقرابته . لنا أن نتصور فرحته بهذا الغلام , الذي يصفه ربه بأنه حليم .

والآن آن أن نطلع على الموقف العظيم الكريم الفريد في حياة إبراهيم . بل في حياة البشر أجمعين . وآن أن نقف من سياق القصة في القرآن أمام المثل الموحي الذي يعرضه الله للأمة المسلمة من حياة أبيها إبراهيم . .

(فلما بلغ معه السعي . قال:يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك , فانظر ماذا ترى . قال:يا أبت افعل ما تؤمر:ستجدني إن شاء الله من الصابرين). .

يالله ! ويالروعة الإيمان والطاعة والتسليم . .

هذا إبراهيم الشيخ . المقطوع من الأهل والقرابة . المهاجر من الأرض والوطن . ها هو ذا يرزق في كبرته وهرمه بغلام . طالما تطلع إليه . فلما جاءه جاء غلاماً ممتازاً يشهد له ربه بأنه حليم . وها هو ذا ما يكاد يأنس به , وصباه يتفتح , ويبلغ معه السعي , ويرافقه في الحياة . . ها هو ذا ما يكاد يأنس ويستروح بهذا الغلام الوحيد , حتى يرى في منامه أنه يذبحه . ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية . فماذا ? إنه لا يتردد , ولا يخالجه إلا شعور الطاعة , ولا يخطر له إلا خاطر التسليم . . نعم إنها إشارة . مجرد إشارة . وليست وحياً صريحاً , ولا أمراً مباشراً . ولكنها إشارة من ربه . . وهذا يكفي . . هذا يكفي ليلبي ويستجيب . ودون أن يعترض . ودون أن

من الاية 102 الى الاية 103

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)

يسأل ربه . . لماذا يا ربي أذبح ابني الوحيد ?!

ولكنه لا يلبي في انزعاج , ولا يستسلم في جزع , ولا يطيع في اضطراب . . كلا إنما هو القبول والرضى والطمأنينة والهدوء . يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب:

(قال:يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك . فانظر ماذا ترى). .

فهي كلمات المالك لأعصابه , المطمئن للأمر الذي يواجهه , والواثق بأنه يؤدي واجبه . وهي في الوقت ذاته كلمات المؤمن , الذي لا يهوله الأمر فيؤديه , في اندفاع وعجلة ليخلص منه وينتهي , ويستريح من ثقله على أعصابه !

والأمر شاق - ما في ذلك شك - فهو لا يطلب إليه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة . ولا يطلب إليه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته . . إنما يطلب إليه أن يتولى هو بيده . يتولى ماذا ? يتولى ذبحه . . وهو - مع هذا - يتلقى الأمر هذا التلقي , ويعرض على ابنه هذا العرض ; ويطلب إليه أن يتروى في أمره , وأن يرى فيه رأيه !

إنه لا يأخذ ابنه على غرة لينفذ إشارة ربه . وينتهي . إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر . فالأمر في حسه هكذا . ربه يريد . فليكن ما يريد . على العين والرأس . وابنه ينبغي أن يعرف . وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلاماً , لا قهراً واضطراراً . لينال هو الآخر أجر الطاعة , وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم ! إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها ; وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى . .

فماذا يكون من أمر الغلام , الذي يعرض عليه الذبح , تصديقاً لرؤيا رآها أبوه ?

إنه يرتقي إلى الأفق الذي ارتقى إليه من قبل أبوه:

(قال:يا أبت افعل ما تؤمر . ستجدني - إن شاء الله - من الصابرين). .

إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب . ولكن في رضى كذلك وفي يقين . .

(يا أبت). . في مودة وقربى . فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده . بل لا يفقده أدبه ومودته .

(افعل ما تؤمر). . فهو يحس ما أحسه من قبل قلب أبيه . يحس أن الرؤيا إشارة . وأن الإشارة أمر . وأنها تكفي لكي يلبي وينفذ بغير لجلجة ولا تمحل ولا ارتياب .

ثم هو الأدب مع الله , ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال ; والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية , ومساعدته على الطاعة:

(ستجدني إن شاء الله من الصابرين). .

ولم يأخذها بطولة . ولم يأخذها شجاعة . ولم يأخذها اندفاعاً إلى الخطر دون مبالاة . ولم يظهر لشخصه ظلاً ولا حجماً ولا وزناً . . إنما أرجع الفضل كله لله إن هو أعانه على ما يطلب إليه , وأصبره على ما يراد به: (ستجدني - إن شاء الله - من الصابرين). .

يا للأدب مع الله ! ويالروعة الإيمان . ويالنبل الطاعة . ويالعظمة التسليم !

ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام . . يخطو إلى التنفيذ:

(فلما أسلما وتله للجبين). .

ومرة أخرى يرتفع نبل الطاعة . وعظمة الإيمان . وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان . .

إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً . وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً . وقد وصل الأمر
من الاية 104 الى الاية 132

وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)

إلى أن يكون عياناً .

لقد أسلما فهذا هو الإسلام . هذا هو الإسلام في حقيقته . ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم . . وتنفيذ . . وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان العظيم .

إنها ليست الشجاعة والجراءة . وليس الاندفاع والحماسة . لقد يندفع المجاهد في الميدان , يقتل و يقتل . ولقد يندفع الفدائي وهو يعلم أنه قد لا يعود . ولكن هذا كله شيء والذي يصنعه إبراهيم وإسماعيل هنا شيء آخر . . ليس هنا دم فائر , ولا حماسة دافعة ولا اندفاع في عجلة تخفي وراءها الخوف من الضعف والنكوص ! إنما هو الاستسلام الواعي المتعقل القاصد المريد , العارف بما يفعل , المطمئن لما يكون . لا بل هنا الرضى الهادى ء المستبشر المتذوق للطاعة وطعمها الجميل !

وهنا كان إبراهيم وإسماعيل قد أديا . كان قد أسلما . كانا قد حققا الأمر والتكليف . ولم يكن باقياً إلا أن يذبح إسماعيل , ويسيل دمه , وتزهق روحه . . وهذا أمر لا يعني شيئاً في ميزان الله , بعدما وضع إبراهيم وإسماعيل في هذا الميزان من روحهما وعزمهما ومشاعرهما كل ما أراده منهما ربهما . .

كان الابتلاء قد تم . والامتحان قد وقع . ونتائجه قد ظهرت . وغاياته قد تحققت . ولم يعد إلا الألم البدني . والإ الدم المسفوح . والجسد الذبيح . والله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء . ولا يريد دماءهم وأجسادهم في شيء . ومتى خلصوا له واستعدوا للأداء بكلياتهم فقد أدوا , وقد حققوا التكليف , وقد جازوا الامتحان بنجاح .

وعرف الله من إبراهيم وإسماعيل صدقهما . فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا:

(وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا . إنا كذلك نجزي المحسنين . إن هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم). .

قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلاً . فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه , ولو كان هو الابن فلذة الكبد . ولو كانت هي النفس والحياة . وأنت - يا إبراهيم - قد فعلت . جدت بكل شيء . وبأعز شيء . وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين . فلم يبق إلا اللحم والدم . وهذا ينوب عنه ذبح . أي ذبح من دم ولحم ! ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت . يفديها بذبح عظيم . قيل:إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه وإرادته ليذبحه بدلاً من إسماعيل !

وقيل لهSadإنا كذلك نجزي المحسنين). . نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء . ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء . ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء . ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء !

ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى , ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان . وجمال الطاعة . وعظمة التسليم . والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم , الذي تتبع ملته , والذي ترث نسبه وعقيدته . ولتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا ? ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه . ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئا , ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم !

ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء , ولا أن يؤذيها بالبلاء , إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية . مستسلمة لا تقدم بين يديه , ولا تتألى عليه , فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحياتوالآلام . واحتسبها لها وفاء وأداء . وقبل منها وفدّاها . وأكرمها كما أكرم أباها . .

(وتركنا عليه في الآخرين). .

فهو مذكور على توالي الأجيال والقرون . وهو أمة . وهو أبو الأنبياء . وهو أبو هذه الأمة المسلمة . وهي وارثة ملته . وقد كتب الله لها وعليها قيادة البشرية على ملة إبراهيم . فجعلها الله له عقباً ونسباً إلى يوم الدين .

(سلام على إبراهيم). .

سلام عليه من ربه . سلام يسجل في كتابه الباقي . ويرقم في طوايا الوجود الكبير .

(كذلك نجزي المحسنين). .

كذلك نجزيهم بالبلاء . . والوفاء . والذكر . والسلام . والتكريم .

(إنه من عبادنا المؤمنين). .

وهذا جزاء الإيمان . وتلك حقيقته فيما كشف عنه البلاء المبين .

ثم يتجلى عليه ربه بفضله مرة أخرى ونعمته فيهب له إسحاق في شيخوخته . ويباركه ويبارك إسحاق . ويجعل إسحاق نبياً من الصالحين:

(وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين . وباركنا عليه وعلى إسحاق). .

وتتلاحق من بعدهما ذريتهما . ولكن وراثة هذه الذرية لهما ليست وراثة الدم والنسب إنما هي وراثة الملة والمنهج:فمن اتبع فهو محسن . ومن انحرف فهو ظالم لا ينفعه نسب قريب أو بعيد:

(ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين). .

الدرس الرابع:114 - 122 لقطات من قصة موسى وهارون

ومن ذريتهما موسى وهارون:

(ولقد مننا على موسى وهارون . ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم . ونصرناهم فكانوا هم الغالبين . وآتيناهما الكتاب المستبين . وهديناهما الصراط المستقيم . وتركنا عليهما في الآخرين . سلام على موسى وهارون . إنا كذلك نجزي المحسنين . إنهما من عبادنا المؤمنين). .

وهذه اللمحة من قصة موسى وهارون تعنى بإبراز منة الله عليهما باختيارهما واصطفائهما . وبنجاتهما وقومهما (من الكرب العظيم)الذي تفصله القصة في السور الأخرى . وبالنصر والغلبة على جلاديهم من فرعون وملئه . وبإعطائهما الكتاب الواضح المستبين . وهدايتهما إلى الصراط المستقيم . صراط الله الذي يهدي إليه المؤمنين . وبإبقاء ذكرهما في الأجيال الآتية والقرون الأخيرة . وتنتهي هذه اللمحة بالسلام من الله على موسى وهارون . والتعقيب المتكرر في السورة لتقرير نوع الجزاء الذي يلقاه المحسنون , وقيمة الإيمان الذي يكرم من أجله المؤمنون . .

الدرس الخامس:123 - 132 لقطات من قصة إلياس مع قومه

وتعقب تلك اللمحة لمحة مثلها عن إلياس , والأرجح أنه النبي المعروف في العهد القديم باسم إيلياء . وقد أرسل إلى قوم في سورية كانوا يعبدون صنماً يسمونه بعلاً . وما تزال آثار مدينة بعلبك تدل على آثار هذه العبادة .

وإن إلياس لمن المرسلين . إذ قال لقومه ألا تتقون ? أتدعون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين . الله ربكم ورب آبائكم الأولين ? فكذبوه فإنهم لمحضرون . إلا عباد الله المخلصين . وتركنا عليه في الآخرين . سلام على إلياسين . إنا كذلك نجزي المحسنين . إنه من عبادنا المؤمنين . .

من الاية 133 الى الاية 147

وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)

ولقد دعا إلياس قومه إلى التوحيد , مستنكراً عبادتهم لبعل , وتركهم (أحسن الخالقين)ربهم ورب آبائهم الأولين . كما استنكر إبراهيم عبادة أبيه وقومه للأصنام . وكما استنكر كل رسول عبادة قومه الوثنيين .

وكانت العاقبة هي التكذيب . والله سبحانه يقسم ويؤكد أنهم سيحضرون مكرهين ليلقوا جزاء المكذبين . إلا من آمن منهم واستخلصه الله من عباده فيهم .

وتختم اللمحة القصيرة عن إلياس تلك الخاتمة المكررة المقصودة في السورة , لتكريم رسل الله بالسلام عليهم من قبله . ولبيان جزاء المحسنين . وقيمة إيمان المؤمنين .

وسيرة إلياس ترد هنا لأول مرة في مثل تلك اللمحة القصيرة . ونقف لنلم بالناحية الفنية في الآية: سلام على إلياسين فقد روعيت الفاصلة وإيقاعها الموسيقي في إرجاع اسم إلياس بصيغة(إلياسين)على طريقة القرآن في ملاحظة تناسق الإيقاع في التعبير .

الدرس السادس:133 - 138 إشارة إلى قصة لوط

ثم تأتي لمحة عن قصة لوط . التي ترد في المواضع الأخرى تالية لقصة إبراهيم:

(وإن لوطاً لمن المرسلين . إذ نجيناه وأهله أجمعين . إلا عجوزاً في الغابرين . ثم دمرنا الآخرين . وإنكم لتمرون عليهم مصبحين . وبالليل أفلا تعقلون ?). .

وهي أشبه باللمحة التي جاءت عن قصة نوح . فهي تشير إلى رسالة لوط ونجاته مع أهله إلا امرأته . وتدمير المكذبين الضالين . وتنتهي بلمسة لقلوب العرب الذين يمرون على دار قوم لوط في الصباح والمساء ولا تستيقظ قلوبهم ولا تستمع لحديث الديار الخاوية . ولا تخاف عاقبة كعاقبتها الحزينة !

الدرس السابع:139 - 148 إشارة إلى قصة يونس

وتختم هذه اللمحات بلمحة عن يونس صاحب الحوت:

(وإن يونس لمن المرسلين . إذ أبق إلى الفلك المشحون . فساهم فكان من المدحضين . فالتقمه الحوت وهو مُلِيم . فلولا أنه كان من المسبحين . للبث في بطنه إلى يوم يبعثون . فنبذناه بالعراء وهو سقيم . وأنبتنا عليه شجرة من يقطين . وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون . فآمنوا فمتعناهم إلى حين). .

ولا يذكر القرآن أين كان قوم يونس . ولكن المفهوم أنهم كانوا في بقعة قريبة من البحر . وتذكر الروايات أن يونس ضاق صدراً بتكذيب قومه . فأنذرهم بعذاب قريب . وغادرهم مغضباً آبقاً . فقاده الغضب إلى شاطىء البحر حيث ركب سفينة مشحونة . وفي وسط اللجة ناوأتها الرياح والأمواج . وكان هذا إيذاناً عند القوم بأن من بين الركاب راكباً مغضوباً عليه لأنه ارتكب خطيئة . وأنه لا بد أن يلقى في الماء لتنجو السفينة من الغرق . فاقترعوا على من يلقونه من السفينة . فخرج سهم يونس - وكان معروفاً عندهم بالصلاح . ولكن سهمه خرج بشكل أكيد فألقوه في البحر . أو ألقى هو نفسه . فالتقمه الحوت وهو(مُليم)أي مستحق للوم , لأنه تخلى عن المهمة التي أرسله الله بها , وترك قومه مغاضباً قبل أن يأذن الله له . وعندما أحس بالضيق في بطن الحوت سبح الله واستغفره وذكر أنه كان من الظالمين . وقال: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). فسمع الله دعاءه واستجاب له . فلفظه الحوت .(فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون). وقد خرج من بطن الحوت سقيماً عارياً على الشاطىء .(وأنبتنا عليه شجرة من يقطين). وهو القرع . يظلله

من الاية 148 الى الاية 148

فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)

بورقه العريض ويمنع عنه الذباب الذي يقال إنه لا يقرب هذه الشجرة . وكان هذا من تدبير الله ولطفه . فلما استكمل عافيته رده الله إلى قومه الذين تركهم مغاضباً . وكانوا قد خافوا ما أنذرهم به من العذاب بعد خروجه , فآمنوا , واستغفروا , وطلبوا العفو من الله فسمع لهم ولم ينزل بهم عذاب المكذبينSadفآمنوا فمتعناهم إلى حين)وكانوا مائة ألف يزيدون ولا ينقصون . وقد آمنوا أجمعين .

وهذه اللمحة بسياقها هنا تبين عاقبة الذين آمنوا , بجانب ما تبينه القصص السابقة من عاقبة الذين لا يؤمنون . فيختار قوم محمد [ ص ] إحدى العاقبتين كما يشاءون !!

وكذلك ينتهي هذا الشوط من السورة بعد تلك الجولة الواسعة على مدار التاريخ من لدن نوح , مع المنذرين:المؤمنين منهم وغير المؤمنين . .

الوحدة الثالثة:149 - 182 الموضوع:نقض أفكار الكفار حول الملائكة والجن والشركاء

من الاية 149 الى الاية 157

فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (157)

على ضوء ذلك القصص الذي سبق به الشوط الثاني في السورة , وما اشتمل عليه من حقيقة الصلة بين الله وعباده , ومن أخذه المكذبين بهذه الحقيقة , الذين يعبدون غير الله أو يشركون معه بعض خلقه . وعلى ضوء تلك الحقيقة ذاتها كما تضمنها الدرس الأول في السورة . . يوجه في هذا الشوط الأخير من السورة الرسول [ ص ] أن يناقش معهم تلك الأسطورة التي يزعمون فيها أن الملائكة بنات الله . والأسطورة الأخرى التي يزعمون فيها أن بينه - سبحانه - وبين الجنة نسباً . وأن يواجههم بما كانوا يقولونه قبل أن تأتيهم هذه الرسالة من تمنيهم أن يرسل الله فيهم رسولاً , ومن أنهم على استعداد للهدى لو جاءهم رسول . وكيف كفروا عندما جاءهم الرسول . . وتختم السورة بتسجيل وعد الله لرسله أنهم هم الغالبون , وبتنزيه الله سبحانه عما يصفون . والتوجه بالحمد لله رب العالمين . .

الدرس الأول:149 - 166 نقض أفكار الكفار حول الملائكة والجن

فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون ? أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون ? ألا إنهم من إفكهم ليقولون:ولد الله . وإنهم لكاذبون . أصطفى البنات على البنين ? مالكم كيف تحكمون ? أفلا تذكرون ? أم لكم سلطان مبين ? فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين . .

إنه يحاصر أسطورتهم في كل مساربها ; ويحاجهم بمنطقهم ومنطق بيئتهم التي يعيشون فيها . وهم كانوا يؤثرون البنين على البنات ; ويعدون ولادة الأنثى محنة , ويعدون الأنثى مخلوقاً أقل رتبة من الذكر . ثم هم هم الذين يدعون أن الملائكة إناث . وأنهم بنات الله !

فهو هنا يستطرد معهم وفق منطقهم , ويأخذهم به ليروا مدى تهافت الأسطورة وسخفها حتى بمقاييسهم الشائعة:

(فاستفتهم . . ألربك البنات ولهم البنون)?

أإذا كان الإناث أقل رتبة كما يدعون ; جعلوا لربهم البنات واستأثروا هم بالبنين ?! أو اختار الله البنات وترك لهم البنين ?! إن هذا أو ذاك لا يستقيم ! فاسألهم عن هذا الزعم المتهافت السقيم .

واستفتهم كذلك عن منشأ الأسطورة كلها . من أين جاءهم علم أن الملائكة إناث ? وهل هم شهدوا خلقهم فعرفوا جنسهم ?

(أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون ?).

ويستعرض نص مقولتهم المفتراة الكاذبة على الله:

(ألا إنهم من إفكهم ليقولون:ولد الله . وإنهم لكاذبون). .

وهم كاذبون حتى بحكم عرفهم الشائع ومنطقهم الجاري في اصطفاء البنين على البنات . فكيف اصطفى الله البنات على البنين ?

(أصطفى البنات على البنين)!

ويعجب من حكمهم الذي ينسون فيه منطقهم الجاري:

مالكم ? كيف تحكمون ? أفلا تذكرون ? .

ومن أين تستمدون السند والدليل على الحكم المزعوم ?

(أم لكم سلطان مبين ? فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين). .

من الاية 158 الى الاية 170

وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنْ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)

والأسطورة الأخرى . أسطورة الصلة بينه - سبحانه - وبين الجنة:

(وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً . ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون). .

وكانوا يزعمون أن الملائكة هم بنات الله - بزعمهم - ولدتهم له الجنة ! وذلك هو النسب والقرابة ! والجن تعلم أنها خلق من خلق الله . وأنها محضرة يوم القيامة بإذن الله . وما هكذا تكون معاملة النسب والصهر !

وهنا ينزه ذاته سبحانه عن هذا الإفك المتهافت:

(سبحان الله عما يصفون). .

ويستثنى من الجن الذين يحضرون للعذاب مكرهين تلك الطائفة المؤمنة . وقد كان في الجن مؤمنون . .

(إلا عباد الله المخلصين). .

ثم يتوجه الخطاب إلى المشركين وما يعبدون من آلهة مزعومة , وما هم عليه من عقائد منحرفة . يتوجه الخطاب إليهم , من الملائكة كما يبدو من التعبير:

(فإنكم وما تعبدون , ما أنتم عليه بفاتنين , إلا من هو صال الجحيم . وما منا إلا له مقام معلوم . وإنا لنحن الصافون . وإنا لنحن المسبحون).

أي إنكم وما تعبدون لا تفتنون على الله ولا تضلون من عباده إلا من هو محسوب من أهل الجحيم , الذين قدر عليهم أن يصلوها . وما أنتم بقادرين على فتنة قلب مؤمن الفطرة محسوب من الطائعين . فللجحيم وقود من نوع معروف , طبيعته تؤهله أن يستجيب للفتنة ; ويستمع للفاتنين .

ويرد الملائكة على الأسطورة , بأن لكل منهم مقامه الذي لا يتعداه . فهم عباد من خلق الله . لهم وظائف في طاعة الله . فهم يصفون للصلاة , ويسبحون بحمد الله . ويقف كل منهم على درجة لا يتجاوز حده . والله هو الله .

الدرس الثاني:167 - 171 ذم الكفار ووعد بنصر المؤمنين

ثم يعود للحديث عن المشركين الذين يطلقون هذه الأساطير ; فيعرض عهودهم ووعودهم , يوم كانوا يحسدون أهل الكتاب على أنهم أهل كتاب ; ويقولون لو كان عندنا ذكر من الأولين - من إبراهيم أو من جاء بعده - لكنا على درجة من الإيمان يستخلصنا الله من أجلها ويصطفينا:

(وإن كانوا ليقولون:لو أن عندنا ذكراً من الأولين . لكنا عباد الله المخلصين). .

حتى إذا جاءهم ذكر هو أعظم ما جاء إلى هذه الأرض تنكروا لما كانوا يقولون:

(فكفروا به . فسوف يعلمون). .

فالتهديد الخفي في قوله: (فسوف يعلمون)هو اللائق بالكفر بعد التمني والوعود ! وبمناسبة التهديد يقرر وعد الله لرسله بالنصر والغلبة:

(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون). .

والوعد واقع وكلمة الله قائمة . ولقد استقرت جذور العقيدة في الأرض ; وقام بناء الإيمان , على الرغم من جميع العوائق , وعلى الرغم من تكذيب المكذبين , وعلى الرغم من التنكيل بالدعاة والمتبعين . ولقد ذهبت عقائد المشركين والكفار . وذهبت سطوتهم ودولتهم ; وبقيت العقائد التي جاء بها الرسل . تسيطر على قلوب الناس وعقولهم , وتكيف تصوراتهم وأفهامهم . وما تزال على الرغم من كل شيء هي أظهر وأبقى ما يسيطر

من الاية 171 الى الاية 177

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ (177)

على البشر في أنحاء الأرض . وكل المحاولات التي بذلت لمحو العقائد الإلهية التي جاء بها الرسل , وتغليب أية فكرة أو فلسفة أخرى قد باءت بالفشل . باءت بالفشل حتى في الأرض التي نبعث منها . وحقت كلمة الله لعباده المرسلين . إنهم لهم المنصورون وإن جنده لهم الغالبون .

هذه بصفة عامة . وهي ظاهرة ملحوظة . في جميع بقاع الأرض . في جميع العصور .

وهي كذلك متحققة في كل دعوة لله . يخلص فيها الجند , ويتجرد لها الدعاة . إنها غالبة منصورة مهما وضعت في سبيلها العوائق , وقامت في طريقها العراقيل . ومهما رصد لها الباطل من قوى الحديد والنار , وقوى الدعاية والافتراء , وقوى الحرب والمقاومة , وإن هي إلا معارك تختلف نتائجها . ثم تنتهي إلى الوعد الذي وعده الله لرسله . والذي لا يخلف ولو قامت قوى الأرض كلها في طريقه . الوعد بالنصر والغلبة والتمكين .

هذا الوعد سنة من سنن الله الكونية . سنة ماضية كما تمضي هذه الكواكب والنجوم في دوراتها المنتظمة ; وكما يتعاقب الليل والنهار في الأرض على مدار الزمان ; وكما تنبثق الحياة في الأرض الميتة ينزل عليها الماء . . ولكنها مرهونة بتقدير الله , يحققها حين يشاء . ولقد تبطىء آثارها الظاهرة بالقياس إلى أعمار البشر المحدودة . ولكنها لا تخلف أبداً ولا تتخلف وقد تتحقق في صورة لا يدركها البشر لأنهم يطلبون المألوف من صور النصر والغلبة , ولا يدركون تحقق السنة في صورة جديدة إلا بعد حين !

ولقد يريد البشر صورة معينة من صور النصر والغلبة لجند الله وأتباع رسله . ويريد الله صورة أخرى أكمل وأبقى . فيكون ما يريده الله . ولو تكلف الجند من المشقة وطول الأمد أكثر مما كانوا ينتظرون . . ولقد أراد المسلمون قبيل غزوة بدر أن تكون لهم عير قريش وأراد الله أن تفوتهم القافلة الرابحة الهينة ; وأن يقابلوا النفير وأن يقاتلوا الطائفة ذات الشوكة . وكان ما أراده الله هو الخير لهم وللإسلام . وكان هو النصر الذي أراده الله لرسوله وجنده ودعوته على مدى الأيام .

ولقد يهزم جنود الله في معركة من المعارك , وتدور عليهم الدائرة , ويقسو عليهم الابتلاء ; لأن الله يعدهم للنصر في معركة أكبر . ولأن الله يهيىء الظروف من حولهم ليؤتي النصر يومئذ ثماره في مجال أوسع , وفي خط أطول , وفي أثر أدوم .

لقد سبقت كلمة الله , ومضت إرادته بوعده , وثبتت سنته لا تتخلف ولا تحيد:

(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون).

الدرس الثالث:174 - 179 تهديد الكفار بالعذاب القادم

وعند إعلان هذا الوعد القاطع , وهذه الكلمة السابقة , يأمر الله رسوله [ ص ] أن يتولى عنهم , ويدعهم لوعد الله وكلمته , ويترقب ليبصرهم وقد حقت عليهم الكلمة , ويدعهم ليبصروا ويروا رأى العين كيف تكون:

(فتول عنهم حتى حين . وأبصرهم فسوف يبصرون . أفبعذابنا يستعجلون ? فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين . وتول عنهم حتى حين . وأبصر فسوف يبصرون). .

فتول عنهم , وأعرض ولا تحفلهم ; ودعهم لليوم الذي تراهم فيه ويرون هم ما ينتهي إليه وعد الله فيك وفيهم . وإذا كانوا يستعجلون بعذابنا , فياويلهم يوم ينزل بهم . فإنه إذا نزل بساحة قوم صبحهم بما يسوء , وقد قدم له النذير .

من الاية 178 الى آخر السورة

وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (181)

ويكرر الأمر بالإعراض عنهم والإهمال لشأنهم والتهديد الملفوف في ذلك الأمر المخيفSadوتول عنهم حتى حين). . كما يكرر الإشارة إلى هول ما سيكونSadوأبصر فسوف يبصرون). . ويدعه مجملاً يوحي بالهول المرهوب . .

الدرس الرابع:180 - 182 تنزيه الله وحمده

ويختم السورة بتنزيه الله سبحانه واختصاصه بالعزة . وبالسلام من الله على رسله . وبإعلان الحمد لله الواحد . . رب العالمين بلا شريك . .

(سبحان ربك - رب العزة - عما يصفون . وسلام على المرسلين . والحمد لله رب العالمين). .

وهو الختام المناسب لموضوعات السورة . الملخص للقضايا التي عالجتها السورة .

كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى