منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة العنكبوت ايه45 الى اخر السوره الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة العنكبوت ايه45 الى  اخر السوره الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة العنكبوت ايه45 الى اخر السوره الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار السبت يونيو 02, 2012 1:48 am

من الاية 45 الى الاية 45

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)

الدرس الثاني عشر:45 التوجيه إلى الصلاة والقرآن والذكر

وفي نهاية الشوط يربط الكتاب الذي أنزل على محمد [ ص ] ويربط الصلاة وذكر الله , بالحق الذي في السماوات والأرض , وبسلسلة الدعوة إلى الله من لدن نوح عليه السلام:

(اتل ما أوحي إليك من الكتاب , وأقم الصلاة , إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر , ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون). .

اتل ما أوحي إليك من الكتاب فهو وسيلتك للدعوة , والآية الربانية المصاحبة لها , والحق المرتبط بالحق الكامن في خلق السماوات والأرض .

وأقم الصلاة إن الصلاة - حين تقام - تنهى عن الفحشاء والمنكر . فهي اتصال بالله يخجل صاحبه ويستحيي أن يصطحب معه كبائر الذنوب وفواحشها ليلقى الله بها , وهي تطهر وتجرد لا يتسق معها دنس الفحشاء والمنكر وثقلتهما . " من صلى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا " . وما أقام الصلاة كما هي إنما أداها أداء ولم يقمها . . وفرق كبير بينهما . . فهي حين تقام ذكر لله . (ولذكر الله أكبر). أكبر إطلاقا أكبر من كل اندفاع ومن كل نزوع . وأكبر من كل تعبد وخشوع .

(والله يعلم ما تصنعون). .

فلا يخفى عليه شيء , ولا يلتبس عليه أمر . وأنتم إليه راجعون . فمجازيكم بما تصنعون . .

الوحدة الثالثة:46 - 69 الموضوع:حقائق حول أهل الكتاب والمشركين والإبتلاء والإيمان مقدمة الوحدة

هذا هو الشوط الأخير في سورة العنكبوت . وقد مضى منها شوطان في الجزء العشرين . ومحور السورة - كما أسلفنا - هو الحديث عن الفتنة والابتلاء لمن يقول كلمة الإيمان , لتمحيص القلوب وتمييز الصادقين والمنافقين بمقياس الصبر على الفتنة والابتلاء . . وذلك مع التهوين من شأن القوى الأرضية التي تقف في وجه الإيمان والمؤمنين ; وتفتنهم بالأذى وتصدهم عن السبيل , وتوكيد أخذ الله للمسيئين ونصره للمؤمنين الذين يصبرون على الفتنة , ويثبتون للابتلاء . سنة الله التي مضت في الدعوات من لدن نوح عليه السلام . وهي السنة التي لا تتبدل , والتي ترتبط بالحق الكبير المتلبس بطبيعة هذا الكون , والذي يتمثل كذلك في دعوة الله الواحدة التي لا تتبدل طبيعتها .

وقد انتهى الشوط الثاني في نهاية الجزء السابق بدعوة الرسول [ ص ] والمؤمنين به إلى تلاوة ما أوحي إليه من الكتاب , وإقامة الصلاة لذكر الله , ومراقبة الله العليم بما يصنعون .

وفي الشوط الأخير يستطرد في الحديث عن هذا الكتاب , والعلاقة بينه وبين الكتب قبله . ويأمر المسلمين ألا يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن - إلا الذين ظلموا منهم فبدلوا في كتابهم , وانحرفوا إلى الشرك , والشرك ظلم عظيم - وأن يعلنوا إيمانهم بالدعوات كلها وبالكتب جميعها , فهي حق من عند الله مصدق لما معهم .

ثم يتحدث عن إيمان بعض أهل الكتاب بهذا الكتاب الأخير على حين يكفر به المشركون الذين أنزل الله الكتاب على نبيهم , غير مقدرين لهذه المنة الضخمة , ولا مكتفين بهذا الفضل المتمثل في تنزيل الكتاب على رسول منهم , يخاطبهم به , ويحدثهم بكلام الله . ولم يكن يتلو من قبله كتابا ولا يخطه بيمينه , فتكون هناك أدنى شبهة في أنه من عمله ومن تأليفه !

ويحذر المشركين استعجالهم بعذاب الله , ويهددهم بمجيئه بغتة , ويصور لهم قربه منهم , وإحاطة جهنم بهم , وحالهم يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم .

ثم يلتفت إلى المؤمنين الذين يتلقون الفتنة والإيذاء في مكة ; يحضهم على الهجره بدينهم إلى الله ليعبدوه وحده . يلتفت إليهم في أسلوب عجيب , يعالج كل هاجسة تخطر في ضمائرهم , وكل معوق يقعد بهم , ويقلب قلوبهم بين أصابع الرحمن في طسات تشهد بأن منزل هذا القرآن هو خالق هذه القلوب ; فما يعرف مساربها ومداخلها الخفية , ويلمسها هكذا إلا خالقها اللطيف الخبير .

وينتقل من هذا إلى التعجيب من حال أولئك المشركين , وهم يتخبطون في تصوراتهم فيقرون لله - سبحانه - بخلق السماوات والأرض , وتسخير الشمس والقمر , وتنزيل الماء من السماء , وإحياء الأرض الموات ; وإذا ركبوا في الفلك دعوا الله وحده مخلصين له الدين . . ثم هم بعد ذلك يشركون بالله , ويكفرون بكتابه , ويؤذون رسوله , ويفتنون المؤمنين به . ويذكر المشركين بنعمة الله عليهم بهذا الحرم الآمن الذي يعيشون فيه ,
من الاية 46 الى الاية 46

وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)

والناس من حولهم في خوف وقلق . وهم يفترون على الله الكذب ويشركون به آلهة مفتراة . ويعدهم على هذا جهنم وفيها مثوى للكافرين .

وتختم السورة بوعد من الله أكيد بهداية المجاهدين في الله , يريدون أن يخلصوا إليه , مجتازين العوائق والفتن والمشاق وطول الطريق , وكثرة المعوقين .

الدرس الأول:46 - 52 حقائق حول القرآن ونقض شبهات الكفار حوله

(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن - إلا الذين ظلموا منهم - وقولوا:آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم , وإلهنا وإلهكم واحد , ونحن له مسلمون). .

إن دعوة الله التي حملها نوح - عليه السلام - والرسل بعده حتى وصلت إلى خاتم النبيين محمد [ ص ] لهي دعوة واحدة من عند إله واحد , ذات هدف واحد , هو رد البشرية الضالة إلى ربها , وهدايتها إلى طريقه , وتربيتها بمنهاجه . وإن المؤمنين بكل رسالة لإخوة للمؤمنين بسائر الرسالات:كلهم أمة واحدة , تعبد إلها واحدا . وإن البشرية في جميع أجيالها لصنفان اثنان:صنف المؤمنين وهم حزب الله . وصنف المشاقين لله وهم حزب الشيطان , بغض النظر عن تطاول الزمان وتباعد المكان . وكل جيل من أجيال المؤمنين هو حلقة في تلك السلسلة الطويلة الممتدة على مدار القرون .

هذه هي الحقيقة الضخمة العظيمة الرفيعة التي يقوم عليها الإسلام ; والتي تقررها هذه الآية من القرآن ; هذه الحقيقة التي ترفع العلاقات بين البشر عن أن تكون مجرد علاقة دم أو نسب , أو جنس , أو وطن . أو تبادل أو تجارة . ترفعها عن هذا كله لتصلها بالله , ممثلة في عقيدة واحدة تذوب فيها الأجناس والألوان ; وتختفي فيها القوميات والأوطان ; ويتلاشى فيها الزمان والمكان . ولا تبقى إلا العروة الوثقى في الخالق الديان .

ومن ثم يكشف المسلمين عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالحسنى ; لبيان حكمة مجيء الرسالة الجديدة , والكشف عما بينها وبين الرسالات قبلها من صلة , والإقناع بضرورة الأخذ بالصورة الأخيرة من صور دعوة الله , الموافقة لما قبلها من الدعوات , المكملة لها وفق حكمة الله وعلمه بحاجة البشر . . (إلا الذين ظلموا منهم)فانحرفوا عن التوحيد الذي هو قاعدة العقيدة الباقية ; وأشركوا بالله وأخلوا بمنهجه في الحياة . فهؤلاء لا جدال معهم ولا محاسنة . وهؤلاء هم الذين حاربهم الإسلام عندما قامت له دولة في المدينة .

وإن بعضهم ليفتري على رسول الله [ ص ] أنه حاسن أهل الكتاب وهو في مكة مطارد من المشركين . فلما أن صارت له قوة في المدينة حاربهم , مخالفا كل ما قاله فيهم وهو في مكة ! وهو افتراء ظاهر يشهد هذا النص المكي عليه . فمجادلة أهل الكتاب بالحسنى مقصورة على من لم يظلم منهم , ولم ينحرف عن دين الله . وعن التوحيد الخالص الذي جاءت به جميع الرسالات .

وقولوا:آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم , و إلهنا وإلهكم واحد , ونحن له مسلمون . .

وإذن فلا حاجة إلى الشقاق والنزاع , والجدل والنقاش . وكلهم يؤمنون بإله واحد , والمسلمون يؤمنون بما أنزل إليهم وما أنزل إلى من قبلهم , وهو في صميمه واحد , والمنهج الإلهي متصل الحلقات .

(وكذلك أنزلنا إليك الكتاب . فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به , ومن هؤلاء من يؤمن به , وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون). .

(كذلك). على النهج الواحد المتصل . وعلى السنة الواحدة التي لا تتبدل . وعلى الطريقة التي يوحي بها

من الاية 47 الى الاية 50

وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50)

الله لرسله (وكذلك أنزلنا إليك الكتاب). . فوقف الناس بإزائه في صفين:صف يؤمن به من أهل الكتاب ومن قريش , وصف يجحده ويكفر به مع إيمان أهل الكتاب وشهادتهم بصدقة , وتصديقه لما بين أيديهم . . (وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون). . فهذه الآيات من الوضوح والاستقامة بحيث لا ينكرها إلا الذي يغطي روحه عنا ويسترها , فلا يراها ولا يتملاها ! والكفر هو التغطية والحجاب في أصل معناه اللغوي , وهو ملحوظ في مثل هذا التعبير .

وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك . إذن لارتاب المبطلون . .

وهكذا يتتبع القرآن الكريم مواضع شبهاتهم حتى الساذج الطفولي منها . فرسول الله [ ص ] عاش بينهم فترة طويلة من حياته , لا يقرأ ولا يكتب ; ثم جاءهم بهذا الكتاب العجيب الذي يعجز القارئين الكاتبين . ولربما كانت تكون لهم شبهة لو أنه كان من قبل قارئا كاتبا . فما شبهتهم وهذا ماضيه بينهم ?

ونقول:إنه يتتبع مواضع شبهاتهم حتى الساذج الطفولي منها . فحتى على فرض أن رسول الله [ ص ] كان قارئا كاتبا , ما جاز لهم أن يرتابوا . فهذا القرآن يشهد بذاته على أنه ليس من صنع البشر . فهو أكبر جدا من طاقة البشر ومعرفة البشر , وآفاق البشر . والحق الذي فيه ذو طبيعة مطلقة كالحق الذي في هذا الكون . وكل وقفة أمام نصوصه توحي للقلب بأن وراءه قوة , وبأن في عباراته سلطانا , لا يصدران عن بشر !

(بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم , وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون). .

فهو دلائل واضحة في صدور الذين وهبهم الله العلم , لا لبس فيها ولا غموض , ولا شبهة فيها ولا ارتياب . دلائل يجدونها بينة في صدورهم , تطمئن إليها قلوبهم , قلا تطلب عليها دليلا وهي الدليل . والعلم الذي يستحق هذا الاسم , هو الذي تجده الصدور في قرارتها , مستقرا فيها , منبعثا منها ; يكشف لها الطريق , ويصلها بالخيط الواصل إلى هناك ! (وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون). . الذين لا يعدلون في تقدير الحقائق وتقويم الأمور , والذين يتجاوزون الحق والصراط المستقيم .

(وقالوا:لولا أنزل عليه آيات من ربه . قل:إنما الآيات عند الله , وإنما أنا نذير مبين). .

يعنون بذلك الخوارق المادية التي صاحبت الرسالات من قبل في طفولة البشرية . والتي لا تقوم حجة إلا على الجيل الذي يشاهدها . بينما هذه هي الرسالة الأخيرة التي تقوم حجتها على كل من بلغته دعوتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ومن ثم جاءت آياتها الخوارق آيات متلوة من القرآن الكريم المعجز الذي لا تنفد عجائبه ; والذي تتفتح كنوزه لجميع الأجيال ; والذي هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم , يحسونها خوارق معجزة كلما تدبروها , وأحسوا مصدرها الذي تستمد منه سلطانها العجيب !

(قل:إنما الآيات عند الله). . يظهرها عند الحاجة إليها , وفق تقديره وتدبيره . وليس لي أن أقترح على الله شيئا . ليس هذا من شأني ولا من أدبي (وإنما أنا نذير مبين). أنذر وأحذر وأكشف وأبين ; فأؤدي ما كلفته . ولله الأمر بعد ذلك والتدبير .

إنه تجريد العقيدة من كل وهم وكل شبهة . وإيضاح حدود الرسول وهو بشر مختار . فلا تتلبس بصفات الله الواحد القهار . ولا تغيم حولها الشبهات التي غامت على الرسالات حين برزت فيها الخوارق المادية , حتى اختلطت في حس الناس والتبست بالأوهام والخرافات . ونشأت عنها الانحرافات .

وهؤلاء الذين يطلبون الخوارق يغفلون عن تقدير فضل الله عليهم بتنزيل هذا القرآن:

من الاية 51 الى الاية 52

أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)

(أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ; إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون). .

وإنه للبطر بنعمة الله ورعايته التي تجل عن الشكر والتقدير . أو لم يكفهم أن يعيشوا مع السماء بهذا القرآن ? وهو يتنزل عليهم , يحدثهم بما في نفوسهم , ويكشف لهم عما حولهم ; ويشعرهم أن عين الله عليهم , وأنه معني بهم حتى ليحدثهم بأمرهم , ويقص عليهم القصص ويعلمهم . وهم هذا الخلق الصغير الضئيل التائه في ملكوت الله الكبير . وهم وأرضهم وشمسهم التي تدور عليها أرضهم . . ذرات تائهة في هذا الفضاء الهائل لا يمسكهن إلا الله . والله بعد ذلك يكرمهم حتى لينزل عليهم كلماته تتلى عليهم . ثم هم لا يكتفون !

(إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون). .

فالذين يؤمنون هم الذين يجدون مس هذه الرحمة في نفوسهم , وهم الذين يتذكرون فضل الله وعظيم منته على البشرية بهذا التنزيل ; ويستشعرون كرمه وهو يدعوهم إلى حضرته وإلى مائدته وهو العلي الكبير . وهم الذين ينفعهم هذا القرآن , لأنه يحيا في قلوبهم , ويفتح لهم عن كنوزه ويمنحهم ذخائره , ويشرق في أرواحهم بالمعرفة والنور .

فأما الذين لا يشعرون بهذا كله , فيطلبون آية يصدقون بها هذا القرآن ! هؤلاء المطموسون الذين لا تتفتح قلوبهم للنور . هؤلاء لا جدوى من المحاولة معهم ; وليترك أمر الفصل بينه وبينهم إلى الله !

قل:كفى بالله بيني وبينكم شهيدا , يعلم ما في السموات والأرض . والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون . .

وشهادة من يعلم ما في السماوات والأرض أعظم شهادة . وهو الذي يعلم أنهم على الباطل: (والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون). .

الخاسرون على الإطلاق . الخاسرون لكل شيء . الخاسرون للدنيا والآخرة . الخاسرون لأنفسهم وللهدى والاستقامة والطمأنينة والحق والنور .

إن الإيمان بالله كسب . كسب في ذاته . والأجر عليه بعد ذلك فضل من الله . إنه طمأنينة في القلب واستقامة على الطريق , وثبات على الأحداث ; وثقة بالسند , واطمئنان للحمى , ويقين بالعاقبة . وإن هذا في ذاته لهو الكسب ; وهو هو الذي يخسره الكافرون . و(أؤلئك هم الخاسرون). .

الدرس الثاني:53 - 55 الرد على استعجال الكفار العذاب

ثم يمضي في الحديث عن أولئك المشركين . عن استعجالهم بالعذاب . وجهنم منهم قريب:

(ويستعجلونك بالعذاب , ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب , وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون . يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين . يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم , ويقول:ذوقوا ما كنتم تعملون). .

ولقد كان المشركون يسمعون النذير , ولا يدركون حكمة الله في إمهالهم إلى حين ; فيستعجلون الرسول [ ص ] بالعذاب على سبيل التحدي . وكثيرا ما يكون إمهال الله استدراجا للظالمين ليزدادوا عتوا وفسادا . أو امتحانا للمؤمنين ليزدادوا إيمانا وثباتا ; وليتخلف عن صفوفهم من لا يطيق الصبر والثبات . أو استبقاء لمن يعلم سبحانه أن فيهم خيرا من أؤلئك المنحرفين حتى يتبين لهم الرشد من الغي فيثوبوا إلى الهدى . أو استخراجا لذرية صالحة من ظهورهم تعبد الله وتنحاز إلى حزبه ولو كان آباؤهم من الضالين . . أو لغير

من الاية 53 الى الاية 55

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (55)

هذا وذاك من تدبير الله المستور . .

ولكن المشركين لم يكونوا يدركون شيئا من حكمة الله وتدبيره , فكانوا يستعجلون بالعذاب على سبيل التحدي . . (ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب). . وهنا يوعدهم الله بمجيء العذاب الذي يستعجلونه . مجيئه في حينه . ولكن حيث لا ينتظرونه ولا يتوقعونه . وحيث يبهتون له ويفاجأون به: (وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون). .

ولقد جاءهم هذا العذاب من بعد في بدر وصدق الله . ورأوا بأعينهم كيف يحق وعد الله . ولم يأخذهم الله بالهلاك الكامل كأخذ المكذبين قبلهم ; كما أنه لم يستجب لهم في إظهار خارقة مادية كي لا يحق عليهم وعده بهلاك من يكذبون بعد الخارقة المادية . لأنه قدر للكثيرين منهم أن يؤمنوا فيما بعد , وأن يكونوا من خيرة جند الإسلام ; وأخرج من ظهورهم من حملوا الراية جيلا بعد جيل , إلى أمد طويل . وكان ذلك كله وفق تدبير الله الذي لا يعلمه إلا الله .

وبعد الوعيد بعذاب الدنيا الذي يأتيهم بغتة وهم لا يشعرون , جعل يكرر استنكاره لاستعجالهم بالعذاب , وجهنم لهم بالمرصاد:

(يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين). .

وعلى طريقة القرآن في التصوير , وفي استحضار المستقبل كأنه مشهود , صور لهم جهنم محيطة بالكافرين . وذلك بالقياس إليهم مستقبل مستور ; ولكنه بالقياس إلى الواقع المكشوف لعلم الله حاضر مشهود . وتصويره على حقيقته المستورة يوقع في الحس رهبة , ويزيد استعجالهم بالعذاب نكارة . فأنى يستعجل من تحيط به جهنم , وتهم أن تطبق عليه وهو غافل مخدوع ?!

ويرسم لهم صورتهم في جهنم هذه المحيطة بهم ; وهم يستعجلون بالعذاب:

(يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم , ويقول:ذوقوا ما كنتم تعملون). .

وهو مشهد مفزع في ذاته , يصاحبه التقريع المخزي والتأنيب المرير: (ذوقوا ما كنتم تعملون). . فهذه نهاية الاستعجال بالعذاب ; والاستخفاف بالنذير .

الدرس الثالث:56 - 60 دعوة المؤمنين إلى الهجرة

ويدع الجاحدين المكذبين المستهترين في مشهد العذاب يغشاهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم , ليلتفت إلى المؤمنين , الذين يفتنهم أولئك المكذبون عن دينهم , ويمنعونهم من عبادة ربهم . . يلتفت إليهم يدعوهم إلى الفرار بدينهم , والنجاة بعقيدتهم . في نداء حبيب وفي رعاية سابغة , وفي أسلوب يمس كل أوتار القلوب:

يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة , فإياي فاعبدون . كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون . والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها , نعم أجر العاملين , الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون . وكأي من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم , وهو السميع العليم . .

إن خالق هذه القلوب , الخبير بمداخلها , العليم بخفاياها , العارف بما يهجس فيها , وما يستكن في حناياها . . إن خالق هذه القلوب ليناديها هذا النداء الحبيب:يا عبادي الذين آمنوا:يناديها هكذا وهو يدعوها إلى الهجرة بدينها , لتحس منذ اللحظة الأولى بحقيقتها . بنسبتها إلى ربها وإضافتها إلى مولاها: (يا عبادي). .

هذه هي اللمسة الأولى . واللمسة الثانية: (إن أرضي واسعة). .

من الاية 56 الى الاية 60

يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)

أنتم عبادي . وهذه أرضي . وهي واسعة . فسيحة تسعكم . فما الذي يمسككم في مقامكم الضيق , الذي تفتنون فيه عن دينكم , ولا تملكون أن تعبدوا الله مولاكم ? غادروا هذا الضيق يا عبادي إلى أرضي الواسعة , ناجين بدينكم , أحرارا في عبادتكم (فإياي فاعبدون).

إن هاجس الأسى لمفارقة الوطن هو الهاجس الأول الذي يتحرك في النفس التي تدعى للهجرة . ومن هنا يمس قلوبهم بهاتين اللمستين:بالنداء الحبيب القريب: (يا عبادي)وبالسعة في الأرض: (إن أرضي واسعة)وما دامت كلها أرض الله , فأحب بقعة منها إذن هي التي يجدون فيها السعة لعبادة الله وحده دون سواه .

ثم يمضي يتتبع هواجس القلوب وخواطرها . فإذا الخاطر الثاني هو الخوف من خطر الهجرة . خطر الموت الكامن في محاولة الخروج - وقد كان المشركون يمسكون بالمؤمنين في مكة , ولا يسمحون لهم بالهجرة عندما أحسوا بخطرهم بعد خروج المهاجرين الأولين - ثم خطر الطريق لو قدر لهم أن يخرجوا من مكة . ومن هنا تجيء اللمسة الثانية:

(كل نفس ذائقة الموت . ثم إلينا ترجعون). .

فالموت حتم في كل مكان , فلا داعي أن يحسبوا حسابه , وهم لا يعلمون أسبابه . وإلى الله المرجع والمآب . فهم مهاجرون إليه , في أرضه الواسعة , وهم عائدون إليه في نهاية المطاف . وهم عباده الذين يؤويهم إليه في الدنيا والآخرة . فمن ذا يساوره الخوف , أو يهجس في ضميره القلق , بعد هذه اللمسات ?

ومع هذا فإنه لا يدعهم إلى هذا الإيواء وحده ; بل يكشف عما أعده لهم هناك . وإنهم ليفارقون وطنا فلهم في الأرض عنه سعة . ويفارقون بيوتا فلهم في الجنة منها عوض . عوض من نوعها وأعظم منها:

(والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار , خالدين فيها).

وهنا يهتف لهم بالعمل والصبر والتوكل على الله:

نعم أجر العاملين , الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون . .

وهي لمسة التثبيت والتشجيع لهذه القلوب , في موقف القلقلة والخوف والحاجة إلى التثبيت والتشجيع .

ثم يهجس في النفس خاطر القلق على الرزق , بعد مغادرة الوطن والمال ومجال العمل والنشاط المألوف , وأسباب الرزق المعلومة . فلا يدع هذا الخاطر دون لمسة تقر لها القلوب:

وكأي من دابة لا تحمل رزقها , الله يرزقها وإياكم . .

لمسة توقظ قلوبهم إلى الواقع المشهود في حياتهم . فكم من دابة لا تحصل رزقها ولا تجمعه ولا تحمله ولا تهتم به , ولا تعرف كيف توفره لنفسها , ولا كيف تحتفظ به معها . ومع هذا فإن الله يرزقها ولا يدعها تموت جوعا . وكذلك يرزق الناس . ولو خيل إليهم أنهم يخلقون رزقهم وينشئونه . إنما يهبهم الله وسيلة الرزق وأسبابه . وهذه الهبة في ذاتها رزق من الله , لا سبيل لهم إليه إلا بتوفيق الله . فلا مجال للقلق على الرزق عند الهجرة . فهم عباد الله يهاجرون إلى أرض الله يرزقهم الله حيث كانوا . كما يرزق الدابة لا تحمل رزقها , ولكن الله يرزقها ولا يدعها .

ويختم هذه اللمسات الرفيقة العميقة بوصلهم بالله , وإشعارهم برعايته وعنايته , فهو يسمع لهم ويعلم حالهم , ولا يدعهم وحدهم: (وهو السميع العليم). .

وتنتهي هذه الجولة القصيرة ; وقد لمست كل حنية في تلك القلوب ; ولبت كل خاطر هجس فيها في لحظة

من الاية 61 الى الاية 62

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)

الخروج . وقد تركت مكان كل مخافة طمأنينة , ومكان كل قلق ثقة , ومكان كل تعب راحة . وقد هدهدت تلك القلوب وغمرتها بشعور القربى والرعاية والأمان في كنف الله الرحيم المنان .

ألا إنه لا يدرك هواجس القلوب هكذا إلا خالق القلوب . ولا يداوي القلوب هكذا إلا الذي يعلم ما في القلوب .

الدرس الرابع:61 - 68 تسجيل تناقض الكفار الفكري والديني

وبعد هذه الجولة مع المؤمنين يرتد السياق إلى التناقض في موقف المشركين وتصوراتهم . فهم يقرون بخلق الله للسماوات والأرض وتسخيره للشمس والقمر وإنزاله الماء من السماء وإحيائه الأرض بعد موتها . وما يتضمنه هذا من بسط الرزق لهم أو تضييقه عليهم . وهم يتوجهون لله وحده بالدعاء عند الخوف . . ثم هم بعد ذلك كله يشركون بالله , ويؤذون من يعبدونه وحده , ويفتنونهم عن عقيدتهم التي لا تناقض فيها ولا اضطراب , وينسون نعمة الله عليهم في تأمينهم في البيت الحرام , وهم يروعون عباده في بيته الحرام:

ولئن سألتهم:من خلق السماوات والأرض , وسخر الشمس والقمر ليقولن:الله . فأنى يؤفكون ? الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له , إن الله بكل شيء عليم . ولئن سألتهم:من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن:الله . قل:الحمد لله , بل أكثرهم لا يعقلون . وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب , وإن الدار الآخرة لهي الحيوان , لو كانوا يعلمون . فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين . فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون , ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون . أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ? أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ? ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه ? أليس في جهنم مثوى للكافرين ? . .

وهذه الآيات ترسم صورة لعقيدة العرب إذ ذاك ; وتوحي بأنه كان لها أصل من التوحيد ; ثم وقع فيها الانحراف . ولا عجب في هذا فهم من أبناء إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - وقد كانوا بالفعل يعتقدون أنهم على دين إبراهيم , وكانوا يعتزون بعقيدتهم على هذا الأساس ; ولم يكونوا يحفلون كثيرا بالديانة الموسوية أو المسيحية وهما معهم في الجزيرة العربية , اعتزازا منهم بأنهم على دين إبراهيم . غير منتبهين إلى ما صارت إليه عقيدتهم من التناقض والانحراف .

كانوا إذا سئلوا عن خالق السماوات والأرض , ومسخر الشمس والقمر , ومنزل الماء من السماء , ومحيي الأرض بعد موتها بهذا الماء . . يقرون أن صانع هذا كله هو الله . ولكنهم مع هذا يعبدون أصنامهم , أو يعبدون الجن , أو يعبدون الملائكة ; ويجعلونهم شركاء لله في العبادة , وإن لم يجعلوهم شركاء له في الخلق . . هو تناقض عجيب . تناقض يعجب الله منه في هذه الآيات: (فأنى يؤفكون ?)أي كيف يصرفون عن الحق إلى هذا التخليط العجيب ? (بل أكثرهم لا يعقلون)فليس يعقل من يقبل عقله هذا التخليط !

وبين السؤال عن خالق السماوات والأرض ومسخر الشمس والقمر ; والسؤال عن منزل الماء من السماء ومحيي الأرض بعد موتها . يقرر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له فيربط سنة الرزق بخلق السماوات والأرض وسائر آثار القدرة والخلق , ويكل هذا إلى علم الله بكل شيء: إن الله بكل شيء عليم . .

والرزق ظاهر الارتباط بدورة الأفلاك , وعلاقتها بالحياة والماء والزرع والإنبات . وبسط الرزق وتضييقه بيد الله ; وفق الأوضاع والظواهر العامة المذكورة في الآيات . فموارد الرزق من ماء ينزل , وأنهار تجري , وزروع تنبت , وحيوان يتكاثر . ومن معادن وفلزات في جوف الأرض , وصيد في البر والبحر . . إلى

من الاية 63 الى الاية 66

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)

نهاية موارد الرزق العامة , تتبع كلها نواميس السماوات والأرض , وتسخير الشمس والقمر تبعية مباشرة ظاهرة . ولو تغيرت تلك النواميس عما هي عليه أدنى تغيير لظهر أثر هذا في الحياة كلها على سطح الأرض ; وفي المخبوء فيها من الثروات الطبيعية الأخرى سواء بسواء . فحتى هذا المخبوء في جوف الأرض ; إنما يتم تكوينه وتخزينه واختلافه من مكان إلى مكان وفق أسباب من طبيعة الأرض ومن مجموعة تأثراتها بالشمس والقمر !

والقرآن يجعل الكون الكبير ومشاهده العظيمة هي برهانه وحجته , وهي مجال النظر والتدبر للحق الذي جاء به . ويقف القلب أمام هذا الكون وقفة المتفكر المتدبر , اليقظ لعجائبه , الشاعر بيد الصانع وقدرته , المدرك لنواميسه الهائلة , بلفتة هادئة يسيرة , لا تحتاج إلى علم شاق عسير , إنما تحتاج إلى حس يقظ وقلب بصير . وكلما جلا آية من آيات الله في الكون وقف أمامها يسبح بحمد الله ويربط القلوب بالله: (قل الحمد لله . بل أكثرهم لا يعقلون !).

وبمناسبة الحديث عن الحياة في الأرض وعن الرزق والبسط فيه والقبض , يضع أمامه الميزان الدقيق للقيم كلها . فإذا الحياة الدنيا بأرزاقها ومتاعها لهو ولعب حين تقاس بالحياة في الدار الآخرة:

(وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب , وإن الدار الآخرة لهي الحيوان , لو كانوا يعلمون). .

فهذه الحياة الدنيا في عمومها ليست إلا لهوا ولعبا حين لا ينظر فيها إلى الآخرة . حين تكون هي الغاية العليا للناس . حين يصبح المتاع فيها هو الغاية من الحياة . فأما الحياة الآخرة فهي الحياة الفائضة بالحيوية . هي(الحيوان)لشدة ما فيها من الحيوية والامتلاء .

والقرآن لا يعني بهذا أن يحض على الزهد في متاع الحياة الدنيا والفرار منه وإلقائه بعيدا . إن هذا ليس روح الإسلام ولا اتجاهه . إنما يعني مراعاة الآخرة في هذا المتاع , والوقوف فيه عند حدود الله . كما يقصد الاستعلاء عليه فلا تصبح النفس أسيرة له , يكلفها ما يكلفها فلا تتأبى عليه ! والمسألة مسألة قيم يزنها بميزانها الصحيح . فهذه قيمة الدنيا وهذه قيمة الآخرة كما ينبغي أن يستشعرها المؤمن ; ثم يسير في متاع الحياة الدنيا على ضوئها , مالكا لحريته معتدلا في نظرته:الدنيا لهو ولعب , والآخرة حياة مليئة بالحياة .

وبعد هذه الوقفة للوزن والتقويم يمضي في عرض ما هم فيه من متناقضات:

(فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين . فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون). .

وهذا كذلك من التناقض والاضطراب . فهم إذا ركبوا في الفلك ; وأصبحوا على وجه اليم كاللعبة تتقاذفها الأمواج ; لم يذكروا إلا الله . ولم يشعروا إلا بقوة واحدة يلجأون إليها هي قوة الله . ووحدوه في مشاعرهم وعلى ألسنتهم سواء ; وأطاعوا فطرتهم التي تحس وحدانية الله: (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون)ونسوا وحي الفطرة المستقيم ونسوا دعاءهم لله وحده مخلصين له الدين وانحرفوا إلى الشرك بعد الإقرار والتسليم !

وغاية هذا الانحراف أن ينتهي بهم إلى الكفر بما آتاهم الله من النعمة , وما آتاهم من الفطرة , وما آتاهم من البينة ; وأن يتمتعوا متاع الحياة الدنيا المحدود إلى الأجل المقدور . ثم يكون بعد ذلك ما يكون , وهو الشر والسوء .

(ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون). .

من الاية 67 الى آخر السورة

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)

وهو التهديد من طرف خفي بسوء ما سوف يعلمون !

ثم يذكرهم بنعمة الله عليهم في إعطائهم هذا الحرم الآمن الذي يعيشون فيه ; فلا يذكرون نعمة الله ولا يشكرونها بتوحيده وعبادته . بل إنهم ليروعون المؤمنين فيه:

أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ? أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ? . .

ولقد كان أهل الحرم المكي يعيشون في أمن , يعظمهم الناس من أجل بيت الله , ومن حولهم القبائل تتناحر , ويفزع بعضهم بعضا , فلا يجدون الأمان إلا في ظل البيت الذي آمنهم الله به وفيه . فكان عجيبا أن يجعلوا من بيت الله مسرحا للأصنام , ولعبادة غير الله أيا كان ! (أفبالباطل يؤمنون ? وبنعمة الله يكفرون ?)

(ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه ? أليس في جهنم مثوى للكافرين ?). .

وهم قد افتروا على الله الكذب بنسبة الشركاء إليه . وهم كذبوا بالحق لما جاءهم وجحدوا به . أليس في جهنم مثوى للكافرين ? بلى وعن يقين !

الدرس الخامس:69 الهداية ثمرة الجهاد

ويختم السورة بصورة الفريق الآخر . الذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه ; ويتصلوا به . الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا فلم ينكصوا ولم ييأسوا . الذين صبروا على فتنة النفس وعلى فتنة الناس . الذين حملوا أعباءهم وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب . . أولئك لن يتركهم الله وحدهم ولن يضيع إيمانهم , ولن ينسى جهادهم . إنه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم . وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم . وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم . وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء:

(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا . وإن الله لمع المحسنين). .

سورة الروم

الوحدة الأولى 1 - 32 الموضوع:وعد الله المؤمنين بالنصر ودعوة إلى النظر النفس وهلاك السابقين المكذبين بالله

كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى