منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة النور من الاية 13 الى ايه 31 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة النور من الاية 13 الى ايه 31 الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة النور من الاية 13 الى ايه 31 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار السبت مايو 26, 2012 6:51 am

من الاية 13 الى الاية 14

لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14)

ما خنت رسول الله [ ص ] فعائشة خير مني , وصفوان خير منك . .

وكلتا الروايتين تدلان على أن بعض المسلمين رجع إلى نفسه واستفتى قلبه , فاستبعد أن يقع ما نسب إلى عائشة , وما نسب إلى رجل من المسلمين:من معصية لله وخيانة لرسوله , وارتكاس في حمأة الفاحشة , لمجرد شبهة لا تقف للمناقشة !

هذه هي الخطوة الأولى في المنهج الذي يفرضه القرآن لمواجهة الأمور . خطوة الدليل الباطني الوجداني . فأما الخطوة الثانية فهي طلب الدليل الخارجي والبرهان الواقعي:

لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ! فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون . . وهذه الفرية الضخمة التي تتناول أعلى المقامات , وأطهر الأعراض , ما كان ينبغي أن تمر هكذا سهلة هينة ; وأن تشيع هكذا دون تثبت ولا بينة ; وأن تتقاذفها الألسنة وتلوكها الأفواه دون شاهد ولا دليل: لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء ! وهم لم يفعلوا فهم كاذبون إذن . كاذبون عند الله الذي لا يبدل القول لديه , والذي لا يتغير حكمه , ولا يتبدل قراره . فهي الوصمة الثابتة الصادقة الدائمة التي لا براءة لهم منها , ولا نجاة لهم من عقباها .

هاتان الخطوتان:خطوة عرض الأمر على القلب واستفتاء الضمير . وخطوة التثبت بالبينة والدليل . . غفل عنهما المؤمنون في حادث الإفك ; وتركوا الخائضين يخوضون في عرض رسول الله [ ص ] وهو أمر عظيم لولا لطف الله لمس الجماعة كلها البلاء العظيم . فالله يحذرهم أن يعودوا لمثله أبدا بعد هذا الدرس الأليم:

(ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم). .

لقد احتسبها الله للجماعة المسلمة الناشئة درسا قاسيا . فأدركهم بفضله ورحمته ولم يمسسهم بعقابه وعذابه . فهي فعلة تستحق العذاب العظيم . العذاب الذي يتناسب مع العذاب الذي سببوه للرسول [ ص ] وزوجه وصديقه وصاحبه الذي لا يعلم عليه إلا خيرا . والعذاب الذي يتناسب مع الشر الذي ذاع في الجماعة المسلمة وشاع ; ومس كل المقدسات التي تقوم عليها حياة الجماعة . والعذاب الذي يناسب خبث الكيد الذي كادته عصبة المنافقين للعقيدة لتقتلعها من جذورها حين تزلزل ثقة المؤمنين بربهم ونبيهم وأنفسهم طوال شهر كامل , حافل بالقلق والقلقة والحيرة بلا يقين ! ولكن فضل الله تدارك الجماعة الناشئة , ورحمته شملت المخطئين , بعد الدرس الأليم .

والقرآن يرسم صورة لتلك الفترة التي أفلت فيها الزمام ; واختلت فيها المقاييس , واضطربت فيها القيم , وضاعت فيها الأصول:

(إذ تلقونه بألسنتكم , وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ; وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم). .

وهي صورة فيها الخفة والاستهتار وقلة التحرج , وتناول أعظم الأمور وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمام:

(إذ تلقونه بألسنتكم). . لسان يتلقى عن لسان , بلا تدبر ولا ترو ولا فحص ولا إنعام نظر . حتى لكأن القول لا يمر على الآذان , ولا تتملاه الرؤوس , ولا تتدبره القلوب ! (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم). . بأفواهكم لا بوعيكم ولا بعقلكم ولا بقلبكم . إنما هي كلمات تقذف بها الأفواه , قبل أن تستقر في المدارك , وقبل أن تتلقاها العقول . . (وتحسبونه هينا)أن تقذفوا عرض رسول الله , وأن تدعوا الألم

من الاية 15 الى الاية 19

إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)

يعصر قلبه وقلب زوجه وأهله ; وأن تلوثوا بيت الصديق الذي لم يرم في الجاهلية ; وأن تتهموا صحابيا مجاهدا في سبيل الله . وأن تمسوا عصمة رسول الله [ ص ] وصلته بربه , ورعاية الله له . . (وتحسبونه هينا). . (وهو عند الله عظيم). . وما يعظم عند الله إلا الجليل الضخم الذي تزلزل له الرواسي , وتضج منه الأرض والسماء .

ولقد كان ينبغي أن تجفل القلوب من مجرد سماعه , وأن تتحرج من مجرد النطق به , وأن تنكر أن يكون هذا موضوعا للحديث ; وأن تتوجه إلى الله تنزهه عن أن يدع نبيه لمثل هذا ; وأن تقذف بهذا الإفك بعيدا عن ذلك الجو الطاهر الكريم:

(ولولا إذ سمعتموه قلتم:ما يكون لنا أن نتكلم بهذا . سبحانك ! هذا بهتان عظيم). .

وعندما تصل هذه اللمسة إلى أعماق القلوب فتهزها هزا ; وهي تطلعها على ضخامة ما جنت وبشاعة ما عملت . . عندئذ يجيء التحذير من العودة إلى مثل هذا الأمر العظيم:

(يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين). .

(يعظكم). . في أسلوب التربية المؤثر . في أنسب الظروف للسمع والطاعة والاعتبار . مع تضمين اللفظ معنى التحذير من العودة إلى مثل ما كان: (يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا). . ومع تعليق إيمانهم على الانتفاع بتلك العظة: (إن كنتم مؤمنين). . فالمؤمنون لا يمكن أن يكشف لهم عن بشاعة عمل كهذا الكشف , وأن يحذروا منه مثل هذا التحذير , ثم يعودوا إليه وهم مؤمنون:

(ويبين الله لكم الآيات). . على مثال ما بين في حديث الإفك , وكشف عما وراءه من كيد ; وما وقع فيه من خطايا وأخطاء: (والله عليم حكيم)يعلم البواعث والنوايا والغايات والأهداف ; ويعلم مداخل القلوب , ومسارب النفوس . وهو حكيم في علاجها , وتدبير أمرها , ووضع النظم والحدود التي تصلح بها . .

الدرس الرابع:19 - 22 معالجة بعض آثار حادث الإفك

ثم يمضي في التعقيب على حديث الإفك ; وما تخلف عنه من آثار ; مكررا التحذير من مثله , مذكرا بفضل الله ورحمته , متوعدا من يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات بعذاب الله في الآخرة . ذلك مع تنقية النفوس من آثار المعركة ; وإطلاقها من ملابسات الأرض , وإعادة الصفاء إليها والإشراق . . كما تتمثل في موقف أبي بكر - رضي الله عنه - من قريبه مسطح بن أثاثة الذي خاض في حديث الإفك مع من خاض:

(إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة , والله يعلم وأنتم لا تعلمون). .

والذين يرمون المحصنات - وبخاصة أولئك الذين تجرأوا على رمي بيت النبوة الكريم - إنما يعملون على زعزعة ثقة الجماعة المؤمنة بالخير والعفة والنظافة ; وعلى إزالة التحرج من ارتكاب الفاحشة , وذلك عن طريق الإيحاء بأن الفاحشة شائعة فيها . . بذلك تشيع الفاحشة في النفوس , لتشيع بعد ذلك في الواقع .

من أجل هذا وصف الذين يرمون المحصنات بأنهم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا , وتوعدهم بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة .

وذلك جانب من منهج التربية , وإجراء من إجراءات الوقاية . يقوم على خبرة بالنفس البشرية , ومعرفة بطريقة تكيف مشاعرها واتجاهاتها . . ومن ثم يعقب بقوله: (والله يعلم وأنتم لا تعلمون). . ومن ذا الذي

من الاية 20 الى الاية 21

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)

يعلم أمر هذه النفس إلا الذي خلقها ? ومن ذا الذي يدبر أمر هذه الإنسانية إلا الذي برأها ? ومن ذا الذي يرى الظاهر والباطن , ولا يخفى على علمه شيء إلا العليم الخبير ?

ومرة أخرى يذكر المؤمنين بفضل الله عليهم ورحمته:

(ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم). .

إن الحدث لعظيم , وإن الخطأ لجسيم , وإن الشر الكامن فيه لخليق أن يصيب الجماعة المسلمة كلها بالسوء . ولكن فضل الله ورحمته , ورأفته ورعايته . . ذلك ما وقاهم السوء . . ومن ثم يذكرهم به المرة بعد المرة ; وهو يربيهم بهذه التجربة الضخمة التي شملت حياة المسلمين .

فإذا تمثلوا أن ذلك الشر العظيم كان وشيكا أن يصيبهم جميعا , لولا فضل الله ورحمته , صور لهم عملهم بأنه اتباع لخطوات الشيطان . وما كان لهم أن يتبعوا خطوات عدوهم وعدو أبيهم من قديم . وحذرهم ما يقودهم الشيطان إليه من مثل هذا الشر المستطير:

يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ; ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر . ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ; ولكن الله يزكي من يشاء , والله سميع عليم . .

وإنها لصورة مستنكرة أن يخطو الشيطان فيتبع المؤمنون خطاه , وهم أجدر الناس أن ينفروا من الشيطان وأن يسلكوا طريقا غير طريقه المشؤوم ! صورة مستنكرة ينفر منها طبع المؤمن , ويرتجف لها وجدانه , ويقشعر لها خياله ! ورسم هذه الصورة ومواجهة المؤمنين بها يثير في نفوسهم اليقظة والحذر والحساسية:

(ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر). . وحديث الإفك نموذج من هذا المنكر الذي قاد إليه المؤمنين الذين خاضوا فيه . وهو نموذج منفر شنيع .

وإن الإنسان لضعيف , معرض للنزعات , عرضة للتلوث . إلا أن يدركه فضل الله ورحمته . حين يتجه إلى الله , ويسير على نهجه .

ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا . ولكن الله يزكي من يشاء . .

فنور الله الذي يشرق في القلب يطهره ويزكيه . ولولا فضل الله ورحمته لم يزك من أحد ولم يتطهر . والله يسمع ويعلم , فيزكي من يستحق التزكية , ويطهر من يعلم فيه الخير والاستعداد (والله سميع عليم). .

وعلى ذكر التزكية والطهارة تجيء الدعوة إلى الصفح والمغفرة بين بعض المؤمنين وبعض - كما يرجون غفران الله لما يرتكبونه من أخطاء وذنوب -:

ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ; وليعفوا وليصفحوا . ألا تحبون أن يغفر الله لكم ? والله غفور رحيم . .

نزلت في أبي بكر - رضي الله عنه - بعد نزول القرآن ببراءة الصديقة . وقد عرف أنه مسطح بن أثاثة كان ممن خاضوا فيه . وهو قريبه . وهو من فقراء المهاجرين . وكان أبو بكر - رضي الله عنه - ينفق عليه . فآلى على نفسه لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا .

نزلت هذه الآية تذكر أبا بكر , وتذكر المؤمنين , بأنهم هم يخطئون ثم يحبون من الله أن يغفر لهم . فليأخذوا أنفسهم - بعضهم مع بعض - بهذا الذي يحبونه , ولا يحلفوا أن يمنعوا البر عن مستحقيه , إن كانوا قد أخطأوا وأساءوا . .

من الاية 22 الى الاية 25

وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)

وهنا نطلع على أفق عال من آفاق النفوس الزكية , التي تطهرت بنور الله . أفق يشرق في نفس أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أبي بكر الذي مسه حديث الإفك في أعماق قلبه , والذي احتمل مرارة الاتهام لبيته وعرضه . فما يكاد يسمع دعوة ربه إلى العفو ; وما يكاد يلمس وجدانه ذلك السؤال الموحي: (ألا تحبون أن يغفر الله لكم ?)حتى يرتفع على الآلام , ويرتفع على مشاعر الإنسان , ويرتفع على منطق البيئة . وحتى تشف روحه وترف وتشرق بنور الله . فإذا هو يلبي داعي الله في طمأنينة وصدق يقول:بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي . ويعيد إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه , ويحلف:والله لا أنزعها منه أبدا . ذلك في مقابل ما حلف:والله لا أنفعه بنافعة أبدا .

بذلك يمسح الله على آلام ذلك القلب الكبير , ويغسله من أوضار المعركة , ليبقى أبدا نظيفا طاهرا زكيا مشرقا بالنور . .

الدرس الخامس:23 - 25 وعيد من يقذفون المؤمنات الغافلات

ذلك الغفران الذي يذكر الله المؤمنين به . إنما هو لمن تاب عن خطيئة رمي المحصنات وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا . فأما الذين يرمون المحصنات عن خبث وعن إصرار , كأمثال ابن أبي فلا سماحة ولا عفو . ولو أفلتوا من الحد في الدنيا , لأن الشهود لم يشهدوا فإن عذاب الله ينتظرهم في الآخرة . ويومذاك لن يحتاج الأمر إلى شهود:

(إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة , ولهم عذاب عظيم . يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون . يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق , ويعلمون أن الله هو الحق المبين). .

ويجسم التعبير جريمة هؤلاء ويبشعها ; وهو يصورها رميا للمحصنات المؤمنات وهن غافلات غارات , غير آخذات حذرهن من الرمية . وهن بريئات الطوايا مطمئنات لا يحذرن شيئا , لأنهن لم يأتين شيئا يحذرنه ! فهي جريمة تتمثل فيها البشاعة كما تتمثل فيها الخسة . ومن ثم يعاجل مقترفيها باللعنة . لعنة الله لهم . وطردهم من رحمته في الدنيا والآخرة . ثم يرسم ذلك المشهد الأخاذ: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم). . فإذا بعضهم يتهم بعضا بالحق , إذ كانوا يتهمون المحصنات الغافلات المؤمنات بالإفك ! وهي مقابلة في المشهد مؤثرة , على طريقة التناسق الفني في التصوير القرآني .

(يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق). . ويجزيهم جزاءهم العدل , ويؤدي لهم حسابهم الدقيق . ويومئذ يستيقنون مما كانوا يستريبون: (ويعلمون أن الله هو الحق المبين). .

الدرس السادس:26 الصالحات للصالحين وبراءة عائشة

ويختم الحديث عن حادث الإفك ببيان عدل الله في اختياره الذي ركبه في الفطرة , وحققه في واقع الناس . وهو أن تلتئم النفس الخبيثة بالنفس الخبيثة , وأن تمتزج النفس الطيبة بالنفس الطيبة . وعلى هذا تقوم العلاقات بين الأزواج . وما كان يمكن أن تكون عائشة - رضي الله عنها - كما رموها , وهي مقسومة لأطيب نفس على ظهر هذه الأرض:

الخبيثات للخبيثين , والخبيثون للخبيثات . والطيبات للطيبين , والطيبون للطيبات . أولئك مبرأون مما يقولون , لهم مغفرة ورزق كريم . .

ولقد أحبت نفس رسول الله [ ص ] عائشة حبا عظيما . فما كان يمكن أن يحببها الله لنبيه

من الاية 26 الى الاية 26

الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)

المعصوم , إن لم تكن طاهرة تستحق هذا الحب العظيم .

أولئك الطيبون والطيبات (مبرأون مما يقولون)بفطرتهم وطبيعتهم , لا يلتبس بهم شيء مما قيل .

(لهم مغفرة ورزق كريم). . مغفرة عما يقع منهم من أخطاء . ورزق كريم . دلالة على كرامتهم عند ربهم الكريم .

بذلك ينتهي حديث الإفك . ذلك الحادث الذي تعرضت فيه الجماعة المسلمة لأكبر محنة . إذ كانت محنة الثقة في طهارة بيت الرسول , وفي عصمة الله لنبيه أن يجعل في بيته إلا العنصر الطاهر الكريم . وقد جعلها الله معرضا لتربية الجماعة المسلمة , حتى تشف وترف ; وترتفع إلى آفاق النور . . في سورة النور . .

الوحدة الثانية:27 - 34 الموضوع:وسائل الوقاية من الزنا:الإستئذان وغض البصر والتزويج

من الاية 27 الى الاية 30

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29) قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)

موضوع الوحدة

إن الإسلام - كما أسلفنا - لا يعتمد على العقوبة في إنشاء مجتمعه النظيف , إنما يعتمد قبل كل شيء على الوقاية . وهو لا يحارب الدوافع الفطرية . ولكن ينظمها ويضمن لها الجو النظيف الخالي من المثيرات المصطنعة .

والفكرة السائدة في منهج التربية الإسلامية في هذه الناحية , هي تضييق فرص الغواية , وإبعاد عوامل الفتنة ; وأخذ الطريق على أسباب التهييج والإثارة . مع إزالة العوائق دون الإشباع الطبيعي بوسائله النظيفة المشروعة . .

ومن هنا يجعل للبيوت حرمة لا يجوز المساس بها ; فلا يفاجأ الناس في بيوتهم بدخول الغرباء عليهم إلا بعد استئذانهم وسماحهم بالدخول , خيفة أن تطلع الأعين على خفايا البيوت , وعلى عورات أهلها وهم غافلون . . ذلك مع غض البصر من الرجال والنساء , وعدم التبرج بالزينة لإثارة الشهوات .

ومن هنا كذلك ييسر الزواج للفقراء من الرجال والنساء . فالإحصان هو الضمان الحقيقي للاكتفاء . . وينهى عن تعريض الرقيق للبغاء كي لا تكون الفعلة سهلة ميسرة , فتغري بيسرها وسهولتها بالفحشاء .

فلننظر نظرة تفصيلية في تلك الضمانات الواقية التي يأخذ بها الإسلام .

الدرس الأول:27 29 الإستئذان للدخول في البيوت

(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها , ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون . فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم . وإن قيل لكم:ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم , والله بما تعملون عليم . ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم . والله يعلم ما تبدون وما تكتمون). .

لقد جعل الله البيوت سكنا , يفيء إليها الناس ; فتسكن أرواحهم ; وتطمئن نفوسهم ; ويأمنون على عوراتهم وحرماتهم , ويلقون أعباء الحذر والحرص المرهقة للأعصاب !

والبيوت لا تكون كذلك إلا حين تكون حرما آمنا لا يستبيحه أحد إلا بعلم أهله وإذنهم . وفي الوقت الذي يريدون , وعلى الحالة التي يحبون أن يلقوا عليها الناس .

ذلك إلى أن استباحة حرمة البيت من الداخلين دون استئذان , يجعل أعينهم تقع على عورات ; وتلتقي بمفاتن تثير الشهوات ; وتهيى ء الفرصة للغواية , الناشئة من اللقاءات العابرة والنظرات الطائرة , التي قد تتكرر فتتحول إلى نظرات قاصدة , تحركها الميول التي أيقظتها اللقاءات الأولى على غير قصد ولا انتظار ; وتحولها إلى علاقات آثمة بعد بضع خطوات أو إلى شهوات محرومة تنشأ عنها العقد النفسية والانحرافات .

ولقد كانوا في الجاهلية يهجمون هجوما , فيدخل الزائر البيت , ثم يقول:لقد دخلت ! وكان يقع أن يكون صاحب الدار مع أهله في الحالة التي لا يجوز أن يراهما عليها أحد . وكان يقع أن تكون المرأة عاريةأو مكشوفة العورة , هي أو الرجل , وكان ذلك يؤذي ويجرح , ويحرم البيوت أمنها وسكينتها ; كما يعرض النفوس من هنا ومن هناك للفتنة , حين تقع العين على ما يثير .

من أجل هذا وذلك أدب الله المسلمين بهذا الأدب العالي . أدب الاستئذان على البيوت , والسلام على أهلها لإيناسهم . وإزالة الوحشة من نفوسهم , قبل الدخول:

(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها). .

ويعبر عن الاستئذان بالاستئناس - وهو تعبير يوحي بلطف الاستئذان , ولطف الطريقة التي يجيء بها الطارق , فتحدث في نفوس أهل البيت أنسا به , واستعدادا لاستقباله . وهي لفتة دقيقة لطيفة , لرعاية أحوال النفوس , ولتقدير ظروف الناس في بيوتهم , وما يلابسها من ضرورات لا يجوز أن يشقى بها أهلها ويحرجوا أمام الطارقين في ليل أو نهار .

وبعد الاستئذان إما أن يكون في البيوت أحد من أهلها أو لا يكون . فإن لم يكن فيها أحد فلا يجوز اقتحامها بعد الاستئذان , لأنه لا دخول بغير إذن:

(فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم). .

وإن كان فيها أحد من أهلها فإن مجرد الاستئذان لا يبيح الدخول ; فإنما هو طلب للإذن . فإن لم يأذن أهل البيت فلا دخول كذلك . ويجب الانصراف دون تلكؤ ولا انتظار:

(وإن قيل لكم:ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم). .

ارجعوا دون أن تجدوا في أنفسكم غضاضة , ودون أن تستشعروا من أهل البيت الإساءة إليكم , أو النفرة منكم . فللناس أسرارهم وأعذارهم . ويجب أن يترك لهم وحدهم تقدير ظروفهم وملابساتهم في كل حين .

(والله بما تعملون عليم). . فهو المطلع على خفايا القلوب , وعلى ما فيها من دوافع ومثيرات .

فأما البيوت العامة كالفنادق والمثاوى والبيوت المعدة للضيافة منفصلة عن السكن , فلا حرج في الدخول إليها بغير استئذان , دفعا للمشقة ما دامت علة الاستئذان منتفية:

(ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم). .

(والله يعلم ما تبدون وما تكتمون). . فالأمر معلق باطلاع الله على ظاهركم وخافيكم ; ورقابته لكم في سركم وعلانيتكم . وفي هذه الرقابة ضمان لطاعة القلوب , وامتثالها لذلك الأدب العالي , الذي يأخذها الله به في كتابه , الذي يرسم للبشرية نهجها الكامل في كل اتجاه .

إن القرآن منهاج حياة . فهو يحتفل بهذه الجزئية من الحياة الاجتماعية , ويمنحها هذه العناية , لأنه يعالج الحياة كليا وجزئيا , لينسق بين أجزائها وبين فكرتها الكلية العليا بهذا العلاج . فالاستئذان على البيوت يحقق للبيوت حرمتها التي تجعل منها مثابة وسكنا . ويوفر على أهلها الحرج من المفاجأة , والضيق بالمباغتة , والتأذي بانكشاف العورات . . وهي عورات كثيرة , تعني غير ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر هذه اللفظة . . إنها ليست عورات البدن وحدها . إنما تضاف إليها عورات الطعام , وعورات اللباس , وعورات الأثاث , التي قد لا يحب أهلها أن يفاجئهم عليها الناس دون تهيؤ وتجمل وإعداد . وهي عورات المشاعر والحالات النفسية ,فكم منا يحب أن يراه الناس وهو في حالة ضعف يبكي لانفعال مؤثر , أو يغضب لشأن مثير , أو يتوجع لألم يخفيه عن الغرباء ?!

ولكن كل هذه الدقائق يرعاها المنهج القرآني بهذا الأدب الرفيع , أدب الاستئذان ; ويرعى معها تقليل فرص النظرات السانحة والالتقاءات العابرة , التي طالما أيقظت في النفوس كامن الشهوات والرغبات ; وطالما نشأت عنها علاقات ولقاءات , يدبرها الشيطان , ويوجهها في غفلة عن العيون الراعية , والقلوب الناصحة , هنا أو هناك !

ولقد وعاها الذين آمنوا يوم خوطبوا بها أول مرة عند نزول هذه الآيات . وبدأ بها رسول الله - عليه الصلاة والسلام .

أخرج أبو داود والنسائي من حديث أبي عمر الأوزاعي - بإسناده - عن قيس بن سعد هو ابن عبادة قال:زارنا رسول الله [ ص ] في منزلنا فقال:" السلام عليكم ورحمة الله " فرد سعد ردا خفيا . قال قيس:فقلت:ألا تأذن لرسول الله [ ص ] ? فقال:دعه يكثر علينا من السلام . فقال رسول الله [ ص ] " السلام عليكم ورحمة الله " . فرد سعد ردا خفيا . ثم قال رسول الله [ ص ]:" السلام عليكم ورحمة الله " . ثم رجع رسول الله [ ص ] وأتبعه سعد فقال:يا رسول الله إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك ردا خفيا لتكثر علينا من السلام - فقال:فانصرف معه رسول الله [ ص ] وأمر له سعد بغسل فاغتسل ; ثم ناوله خميصة مصبوغة بزعفران أو ورس , فاشتمل بها , ثم رفع رسول الله [ ص ] يديه , وهو يقول:" اللهم اجعل صلاتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة " . . . الخ الحديث .

وأخرج أبو داود - بإسناده - عن عبد الله بن بشر قال:كان رسول الله [ ص ] إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ; ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر , ويقول:" السلام عليكم . السلام عليكم " . ذلك أن الدور لم يكن يومئذ عليها ستور .

وروى أبو داود كذلك - بإسناده - عن هذيل قال:جاء رجل - قال عثمان:سعد - فوقف على باب النبي [ ص ] يستأذن . فقام على الباب - قال عثمان:مستقبل الباب - فقال له النبي [ ص ]:" هكذا عنك - أو هكذا - فإنما الاستئذان من النظر . "

وفي الصحيحين عن رسول الله [ ص ] أنه قال:" لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن , فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح " .

وروى أبو داود - بإسناده - عن ربعي قال:أتى رجل من بني عامر استأذن على رسول الله [ ص ] وهو في بيته فقال:أألج ? فقال النبي [ ص ] لخادمه:" اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان , فقل له:قل:السلام عليكم . أأدخل ? " فسمعها الرجل فقال:السلام عليكم . أأدخل ? فأذن له النبي [ ص ] فدخل .

وقال هشيم:قال مغيرة:قال مجاهد:جاء ابن عمر من حاجة , وقد آذاه الرمضاء ; فأتى فسطاط امرأةمن قريش , فقال:السلام عليكم . أأدخل ? قالت:ادخل بسلام . فأعاد . فأعادت . وهو يراوح بين قدميه . قال:قولي:ادخل . قالت:ادخل . فدخل !

"وروى عطاء بن رباح عن ابن عباس - رضي الله عنهما , قال:قلت أأستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد ? قال:نعم . فرددت عليه ليرخص لي فأبى , فقال:تحب أن تراها عريانة ? قلت:لا . قال:فاستأذن . قال:فراجعته أيضا . فقال:أتحب أن تطيع الله ? قال:قلت:نعم . قال فاستأذن " .

وجاء في الصحيح عن رسول الله [ ص ] أنه نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا . . وفي رواية:ليلا يتخونهم .

وفي حديث آخر أن رسول الله [ ص ] قدم المدينة نهارا , فأناخ بظاهرها وقال:" انتظروا حتى ندخل عشاء - يعني آخر النهار - حتى تمتشط الشعثة , وتستحد المغيبة " .

إلى هذا الحد من اللطف والدقة بلغ حس رسول الله [ ص ] وصحابته , بما علمهم الله من ذلك الأدب الرفيع الوضيء , المشرق بنور الله .

ونحن اليوم مسلمون , ولكن حساسيتنا بمثل هذه الدقائق قد تبلدت وغلظت . وإن الرجل ليهجم على أخيه في بيته , في أية لحظة من لحظات الليل والنهار , يطرقه ويطرقه ويطرقه فلا ينصرف أبدا حتى يزعج أهل البيت فيفتحوا له . وقد يكون في البيت هاتف "تليفون" يملك أن يستأذن عن طريقه , قبل أن يجيء , ليؤذن له أو يعلم أن الموعد لا يناسب ; ولكنه يهمل هذا الطريق ليهجم في غير أوان , وعلى غير موعد . ثم لا يقبل العرف أن يرد عن البيت - وقد جاء - مهما كره أهل البيت تلك المفاجأة بلا إخطار ولا انتظار !

ونحن اليوم مسلمون , ولكننا نطرق إخواننا في أية لحظة في موعد الطعام . فإن لم يقدم لنا الطعام وجدنا في أنفسنا من ذلك شيئا ! ونطرقهم في الليل المتأخر , فإن لم يدعونا إلى المبيت عندهم وجدنا في أنفسنا من ذلك شيئا ! دون أن نقدر أعذارهم في هذا وذاك !

ذلك أننا لا نتأدب بأدب الإسلام ; ولا نجعل هوانا تبعا لما جاء به رسول الله [ ص ] إنما نحن عبيد لعرف خاطى ء , ما أنزل الله به من سلطان !

ونرى غيرنا ممن لم يعتنقوا الإسلام , يحافظون على تقاليد في سلوكهم تشبه ما جاء به ديننا ليكون أدبا لنا في النفس , وتقليدا من تقاليدنا في السلوك . فيعجبنا ما نراهم عليه أحيانا ; ونتندر به أحيانا . ولا نحاول أن نعرف ديننا الأصيل , فنفيء إليه مطمئنين .

الدرس الثاني:30 - 31 غض البصر بين المؤمنين والمؤمنات وحدود العورة عند النساء

وبعد الانتهاء من أدب الاستئذان على البيوت - وهو إجراء وقائي في طريق تطهير المشاعر واتقاء أسباب الفتنة العابرة - يأخذ على الفتنة الطريق كي لا تنطلق من عقالها , بدافع النظر لمواضع الفتنة المثيرة , وبدافع الحركة المعبرة , الداعية إلى الغواية:

(قل للمؤمنين:يغضوا من أبصارهم , ويحفظوا فروجهم , ذلك أزكى لهم . إن الله خبير بما يصنعون .)(وقل للمؤمنات:يغضضن من أبصارهن , ويحفظن فروجهن , ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ; وليضربن بخمرهن على جيوبهن , ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن , أو آبائهن , أو آباء بعولتهن , أو أبنائهن , أو أبناء بعولتهن , أو إخوانهن , أو بني إخوانهن , أو بني أخواتهن , أو نسائهن , أو ما ملكت أيمانهن , أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال , أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء . ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن . وتوبوا إلى الله جميعا - أيها المؤمنون - لعلكم تفلحون). .

إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف , لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة , ولا تستثار فيه دفعات اللحم والدم في كل حين . فعمليات الاستثارة المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني لا ينطفئ ولايرتوي . والنظرة الخائنة , والحركة المثيرة , والزينة المتبرجة , والجسم العاري . . . كلها لا تصنع شيئا إلا أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون ! وإلا أن يفلت زمام الأعصاب والإرادة . فإما الإفضاء الفوضوي الذي لا يتقيد بقيد وإما الأمراض العصبية والعقد النفسية الناشئة من الكبح بعد الإثارة ! وهي تكاد أن تكون عملية تعذيب !!!

وإحدى وسائل الإسلام إلى إنشاء مجتمع نظيف هي الحيلولة دون هذه الاستثارة , وإبقاء الدافع الفطري العميق بين الجنسين , سليما , وبقوته الطبيعية , دون استثارة مصطنعة , وتصريفه في موضعه المأمون النظيف .

ولقد شاع في وقت من الأوقات أن النظرة المباحة , والحديث الطليق , والاختلاط الميسور , والدعابة المرحة بين الجنسين , والاطلاع على مواضع الفتنة المخبوءة . . شاع أن كل هذا تنفيس وترويح , وإطلاق للرغبات الحبيسة , ووقاية من الكبت , ومن العقد النفسية , وتخفيف من حدة الضغط الجنسي , وما وراءه من اندفاع غير مأمون . . . الخ .

شاع هذا على إثر انتشار بعض النظريات المادية القائمة على تجريد الإنسان من خصائصه التي تفرقه من الحيوان , والرجوع به إلى القاعدة الحيوانية الغارقة في الطين ! - وبخاصة نظرية فرويد - ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية , رأيت بعيني في أشد البلاد إباحية وتفلتا من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية والدينية والإنسانية , ما يكذبها وينقضها من الأساس .

نعم . شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي , والاختلاط الجنسي , بكل صوره وأشكاله , أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها . إنما انتهى إلى سعار مجنون لا يرتوي ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع ! وشاهدت الأمراض النفسية والعقد التي كان مفهوما أنها لا تنشأ إلا من الحرمان , وإلا من التلهف على الجنس الآخر المحجوب , شاهدتها بوفرة ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه . . ثمرة مباشرة للاختلاط الكامل الذي لا يقيده قيد ولا يقف عند حد ; وللصداقات بين الجنسين تلك التي يباح معها كل شيء ! وللأجسام العارية في الطريق , وللحركات المثيرة والنظرات الجاهرة , واللفتات الموقظة . وليس هنا مجال التفصيل وعرض الحوادث والشواهد . مما يدل بوضوح على ضرورة إعادة النظر في تلك النظريات التي كذبها الواقع المشهود .

إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق في التكوين الحيوي ; لأن الله قد ناط به امتداد الحياة على هذه الأرض ; وتحقيق الخلافة لهذا الإنسان فيها . فهو ميل دائم يسكن فترة ثم يعود . وإثارته في كل حين تزيد من عرامته ; وتدفع به إلى الإفضاء المادي للحصول على الراحة . فإذا لم يتم هذا تعبت الأعصاب المستثارة .

وكان هذا بمثابة عملية تعذيب مستمرة ! والنظرة تثير . والحركة تثير . والضحكة تثير . والنبرة المعبرة عن هذا الميل تثير . والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات بحيث يبقى هذا الميل في حدوده الطبيعية , ثم يلبى تلبية طبيعية . . وهذا هو المنهج الذي يختاره الإسلام . مع تهذيب الطبع , وشغل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة , غير تلبية دافع اللحم والدم , فلا تكون هذه التلبية هي المنفذ الوحيد !

وفي الآيتين المعروضتين هنا نماذج من تقليل فرص الاستثارة والغواية والفتنة من الجانبين:

(قل للمؤمنين:يغضوا من أبصارهم , ويحفظوا فروجهم . ذلك أزكى لهم . إن الله خبير بما يصنعون). .

وغض البصر من جانب الرجال أدب نفسي , ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام . كما أن فيه إغلاقا للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية . ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السهم المسموم !

وحفظ الفرج هو الثمرة الطبيعية لغض البصر . أو هو الخطوة التالية لتحكيم الإرادة , ويقظة الرقابة , والاستعلاء على الرغبة في مراحلها الأولى . ومن ثم يجمع بينهما في آية واحدة ; بوصفهما سببا ونتيجة ; أو باعتبارهما خطوتين متواليتين في عالم الضمير وعالم الواقع . كلتاهما قريب من قريب .

(ذلك أزكى لهم). . فهو أطهر لمشاعرهم ; وأضمن لعدم تلوثها بالانفعالات الشهوية في غير موضعها المشروع النظيف , وعدم ارتكاسها إلى الدرك الحيواني الهابط . وهو أطهر للجماعة وأصون لحرماتها وأعراضها , وجوها الذي تتنفس فيه .

والله هو الذي يأخذهم بهذه الوقاية ; وهو العلم بتركيبهم النفسي وتكوينهم الفطري , الخبير بحركات نفوسهم وحركات جوارحهم: (إن الله خبير بما يصنعون). .

(وقل للمؤمنات:يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن). .

فلا يرسلن بنظراتهن الجائعة المتلصصة , أو الهاتفة المثيرة , تستثير كوامن الفتنة في صدور الرجال . ولا يبحن فروجهن إلا في حلال طيب , يلبي داعي الفطرة في جو نظيف , لا يخجل الأطفال الذين يجيئون عن طريقه عن مواجهة المجتمع والحياة !

(ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها). .

والزينة حلال للمرأة , تلبية لفطرتها . فكل أنثى مولعة بأن تكون جميلة , وأن تبدو جميلة . والزينة تختلف من عصر إلى عصر ; ولكن أساسها في الفطرة واحد , هو الرغبة في تحصيل الجمال أو استكماله , وتجليته للرجال .

والإسلام لا يقاوم هذه الرغبة الفطرية ; ولكنه ينظمها ويضبطها , ويجعلها تتبلور في الاتجاه بها إلى رجل واحد - هو شريك الحياة - يطلع منها على ما لا يطلع أحد سواه . ويشترك معه في الاطلاع على بعضها , المحارم والمذكورون في الآية بعد , ممن لا يثير شهواتهم ذلك الاطلاع .

فأما ما ظهر من الزينة في الوجه واليدين , فيجوز كشفه . لأن كشف الوجه واليدين مباح لقوله [ ص ] لأسماء بنت أبي بكر:" يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض , لم يصلح أن يرى منها إلا هذا -
من الاية 31 الى الاية 31

وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)

وأشار إلى وجهه وكفيه " .

(وليضربن بخمرهن على جيوبهن). .

والجيب فتحة الصدر في الثوب . والخمار غطاء الرأس والنحر والصدر . ليداري مفاتنهن , فلا يعرضها للعيون الجائعة ; ولا حتى لنظرة الفجاءة , التي يتقي المتقون أن يطيلوها أو يعاودوها , ولكنها قد تترك كمينا في أطوائهم بعد وقوعها على تلك المفاتن لو تركت مكشوفة !

إن الله لا يريد أن يعرض القلوب للتجربة والابتلاء في هذا النوع من البلاء !

والمؤمنات اللواتي تلقين هذا النهي . وقلوبهن مشرقة بنور الله , لم يتلكأن في الطاعة , على الرغم من رغبتهن الفطرية في الظهور بالزينة والجمال . وقد كانت المرأة في الجاهلية - كما هي اليوم في الجاهلية الحديثة ! - تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء . وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها , وأقرطة أذنيها . فلما أمر الله النساء أن يضربن بخمرهن على جيوبهن , ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها , كن كما قالت عائشة رضي الله عنها -:" يرحم الله نساء المهاجرات الأول . لما أنزل الله: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)شققن مروطهن فاختمرن بها . . وعن صفية - بنت شيبة قالت:بينما نحن عند عائشة . قالت:فذكرن نساء قريش وفضلهن . فقالت عائشة - رضي الله عنها - إن لنساء قريش لفضلا . وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار , وأشد تصديقا لكتاب الله , ولا إيمانا بالتنزيل . لما نزلت في سورة النور: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها ; ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته , وعلى كل ذي قرابته . فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل , فاعتجرت به تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابه . فأصبحن وراء رسول الله [ ص ] معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان " .

لقد رفع الإسلام ذوق المجتمع الإسلامي , وطهر إحساسه بالجمال ; فلم يعد الطابع الحيواني للجمال هو المستحب , بل الطابع الإنساني المهذب . . وجمال الكشف الجسدي جمال حيواني يهفو إليه الإنسان بحس الحيوان ; مهما يكن من التناسق والاكتمال . فأما جمال الحشمة فهو الجمال النظيف , الذي يرفع الذوق الجمالي , ويجعله لائقا بالإنسان , ويحيطه بالنظافة والطهارة في الحس والخيال .

وكذلك يصنع الإسلام اليوم في صفوف المؤمنات . على الرغم من هبوط الذوق العام , وغلبة الطابع الحيواني عليه ; والجنوح به إلى التكشف والعري والتنزي كما تتنزى البهيمة ! فإذا هن يحجبن مفاتن أجسامهن طائعات , في مجتمع يتكشف ويتبرج , وتهتف الأنثى فيه للذكور حيثما كانت هتاف الحيوان للحيوان !

هذا التحشم وسيلة من الوسائل الوقائية للفرد والجماعة . . ومن ثم يبيح القرآن تركه عندما يأمن الفتنة . فيستثني المحارم الذين لا تتوجه ميولهم عادة ولا تثور شهواتهم وهم:

الآباء والأبناء , وآباء الأزواج وأبناؤهم , والإخوة وأبناء الإخوة , وأبناء الأخوات . . كما يستثني النساء المؤمنات: (أو نسائهن)فأما غير المسلمات فلا . لأنهن قد يصفن لأزواجهن وإخوتهن , وأبناء ملتهن مفاتن نساء المسلمين وعوراتهن لو اطلعن عليها . وفي الصحيحين:" لا تباشر المرأة المرأة تنعتها لزوجها كأنه يراها " . . أما المسلمات فهن أمينات , يمنعهن دينهن أن يصفن لرجالهن جسم امرأة مسلمة وزينتها . . ويستثنيكذلك (ما ملكت أيمانهن)قيل من الإناث فقط , وقيل:ومن الذكور كذلك . لأن الرقيق لا تمتد شهوته إلى سيدته . والأول أولى , لأن الرقيق إنسان تهيج فيه شهوة الإنسان , مهما يكن له من وضع خاص ; في فترة من الزمان . . ويستثني (التابعين غير أولي الإربة من الرجال). . وهم الذين لا يشتهون النساء لسبب من الأسباب كالجب والعنة والبلاهة والجنون . . وسائر ما يمنع الرجل أن تشتهي نفسه المرأة . لأنه لا فتنة هنا ولا إغراء . . ويستثني (الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء). . وهم الأطفال الذين لا يثير جسم المرأة فيهم الشعور بالجنس . فإذا ميزوا , وثار فيهم هذا الشعور - ولو كانوا دون البلوغ - فهم غير داخلين في هذا الاستثناء .

وهؤلاء كلهم - عدا الأزواج - ليس عليهم ولا على المرأة جناح أن يروا منها , إلا ما تحت السرة إلى تحت الركبة . لانتفاء الفتنة التي من أجلها كان الستر والغطاء . فأما الزوج فله رؤية كل جسدها بلا استثناء .

ولما كانت الوقاية هي المقصودة بهذا الإجراء , فقد مضت الآية تنهي المؤمنات عن الحركات التي تعلن عن الزينة المستورة , وتهيج الشهوات الكامنة , وتوقظ المشاعر النائمة . ولو لم يكشفن فعلا عن الزينة:

(ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن). .

وإنها لمعرفة عميقة بتركيب النفس البشرية وانفعالاتها واستجاباتها . فإن الخيال ليكون أحيانا أقوى في إثارة الشهوات من العيان . وكثيرون تثير شهواتهم رؤية حذاء المرأة أو ثوبها , أو حليها , أكثر مما تثيرها رؤية جسد المرأة ذاته . كما أن كثيرين يثيرهم طيف المرأة يخطر في خيالهم , أكثر مما يثيرهم شخص المرأة بين أيديهم - وهي حالات معروفة عند علماء الأمراض النفسية اليوم - وسماع وسوسة الحلى أو شمام شذى العطر من بعيد , قد يثير حواس رجال كثيرين , ويهيج أعصابهم , ويفتنهم فتنة جارفة لا يملكون لها ردا . والقرآن يأخذ الطريق على هذا كله . لأن منزله هو الذي خلق , وهو الذي يعلم من خلق . وهو اللطيف الخبير .

وفي النهاية يرد القلوب كلها إلى الله ; ويفتح لها باب التوبة مما ألمت به قبل نزول هذا القرآن:

(وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون).

بذلك يثير الحساسية برقابة الله , وعطفه ورعايته , وعونه للبشر في ضعفهم أمام ذلك الميل الفطري العميق , الذي لا يضبطه مثل الشعور بالله , وبتقواه . .

الدرس الثالث:32 - 33 الحث على التزويج والمنع من البغاء

وإلى هنا كان علاج المسألة علاجا نفسيا وقائيا . ولكن ذلك الميل حقيقة واقعة , لا بد من مواجهتها بحلول واقعية إيجابية . . هذه الحلول الواقعة هي تيسير الزواج , والمعاونة عليه ; مع تصعيب السبل الأخرى للمباشرة الجنسية أو إغلاقها نهائيا:

وأنكحوا الأيامى منكم , والصالحين من عبادكم وإمائكم . إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله . والله واسع عليم . وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله . والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم - إن علمتم فيهم خيرا - وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ; ولا تكرهوا فتيانكم على البغاء - إن أردن تحصنا - لتبتغوا عرض الحياة الدنيا . ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم . .

إن الزواج هو الطريق الطبيعي لمواجهة الميول الجنسية الفطرية . وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة .

كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى