منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة المؤمنون من الاية 79 الى آخر السورة الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة المؤمنون  من الاية 79 الى آخر السورة الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة المؤمنون من الاية 79 الى آخر السورة الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الخميس مايو 24, 2012 12:49 am

من الاية 79 الى الاية 83

وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)

في صنعته . ويتبعه استخدام هذه الحواس والطاقات في تذوق الحياة والمتاع بها , بحس العابد لله في كل نشاط وكل متاع .

(وهو الذي ذرأكم في الأرض). . فاستخلفكم فيها , بعد ما زودكم بالسمع والأبصار والأفئدة ; وأمدكم بالاستعدادات والطاقات الضرورية لهذه الخلافة . . (وإليه تحشرون). . فيحاسبكم على ما أحدثتم في هذه الخلافة من خير وشر , ومن صلاح وفساد , ومن هدى وضلال , فلستم بمخلوقين عبثا , ولا متروكين سدى ; إنما هي الحكمة والتدبير والتقدير .

(وهو الذي يحيي ويميت). . والحياة والموت حادثان يقعان في كل لحظة , وليس إلا الله يملك الموت والحياة . فالبشر - أرقى الخلائق - أعجز من بث الحياة في خلية واحدة , وأعجز كذلك من سلب الحياة سلبا حقيقيا عن حي من الأحياء . فالذي يهب الحياة هو الذي يعرف سرها , ويملك أن يهبها ويستردها . والبشر قد يكونون سببا وأداة لإزهاق الحياة , ولكنهم هم ليسوا الذين يجردون الحي من حياته على وجه الحقيقة . إنما الله هو الذي يحيي ويميت , وحده دون سواه .

(وله اختلاف الليل والنهار). . فهو الذي يملكه ويصرفه - كاختلاف الموت والحياة - وهو سنة كونية كسنة الموت والحياة . هذه في النفوس والأجساد , وهذه في الكون والأفلاك . وكما يسلب الحياة من الحي فيعتم جسده ويهمد , كذلك هو يسلب الضوء من الأرض فتعتم وتسكن . ثم تكون حياة ويكون ضياء , يختلف هذا على ذاك , بلا فتور ولا انقطاع إلا أن يشاء الله . . (أفلا تعقلون ?)وتدركون ما في هذا كله من دلائل على الخالق المدبر , المالك وحده لتصريف الكون والحياة ?

الدرس السابع:81 - 83 تسجيل بعض مقولات الكفار عن البعث

وهنا يعدل عن خطابهم وجدالهم , ليحكي مقولاتهم عن البعث والحساب , بعد كل هذه الدلائل والآيات:

بل قالوا مثلما قال الأولون . قالوا:أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعثون ? لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل . إن هذا إلا أساطير الأولين . .

وتبدو هذه القولة مستنكرة غريبة بعد تلك الآيات والدلائل الناطقة بتدبير الله , وحكمته في الخلق , فقد وهب الإنسان السمع والبصر والفؤاد ليكون مسؤولا عن نشاطه وعمله , مجزيا على صلاحه وفساده ; والحساب والجزاء يكونان على حقيقتهما في الآخرة , فالمشهود في هذه الأرض أن الجزاء قد لا يقع , لأنه متروك إلى موعده هناك .

والله يحيي ويميت ; فليس شيء من أمر البعث بعسير , والحياة تدب في كل لحظة , وتنشأ من حيث لا يدري إلا الله .

ولم يكف هؤلاء أن تقصر مداركهم عن إدراك حكمة الله , وقدرته على البعث , فإذا هم يسخرون مما يوعدون من البعث والجزاء . أن كان هذا الوعد قد قيل لهم ولآبائهم من قبل , ولم يقع بعد !

(لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل . إن هذا إلا أساطير الأولين). .

والبعث متروك لموعده الذي ضربه الله له , وفق تدبيره وحكمته , لا يستقدم ولا يستأخر , تلبية لطلب جيل من أجيال الناس , أو استهزاء جماعة من الغافلين المحجوبين !

من الاية 84 الى الاية 90

قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90)

الدرس الثامن:84 - 89 الإنطلاق من مسلماتهم لإثبات ما ينكرونه

ولقد كان مشركو العرب مضطربي العقيدة , لا ينكرون الله , ولا ينكرون أنه مالك السماوات والأرض , مدبر السماوات والأرض , المسيطر على السماوات والأرض . . ولكنهم مع ذلك يشركون معه آلهة مدعاة , يقولون:إنهم يعبدونها لتقربهم من الله , وينسبون له البنات . سبحانه وتعالى عما يصفون:

فهو هنا يأخذهم بمسلماتهم التي يقرون بها , ليصحح ذلك الاضطراب في العقيدة , ويردهم إلى التوحيد الخالص الذي تقود إليه مسلماتهم , لو كانوا يستقيمون على الفطرة ولا ينحرفون:

(قل:لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ? سيقولون:لله . قل:أفلا تذكرون ? قل:من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ? سيقولون:لله . قل:أفلا تتقون ? قل:من بيده ملكوت كل شيء , وهو يجير ولا يجار عليه , إن كنتم تعلمون ? سيقولون:لله . قل:فأنى تسحرون ?). .

وهذا الجدال يكشف عن مدى الاضطراب الذي لا يفيء إلى منطق , ولا يرتكن إلى عقل ; ويكشف عن مدى الفساد الذي كانت عقائد المشركين قد وصلت إليه في الجزيرة عند مولد الإسلام .

(قل:لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ?). . فهو سؤال عن ملكية الأرض ومن فيها: (سيقولون:لله). . ولكنهم مع ذلك لا يذكرون هذه الحقيقة وهم يتوجهون بالعبادة لغير الله: (قل:أفلا تذكرون ?).

(قل:من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم). . فهو سؤال عن الربوبية المدبرة , المصرفة للسماوات السبع والعرش العظيم . والسماوات السبع قد تكون أفلاكا سبعة , أو مجموعات نجمية سبعة , أو سدما سبعة , أو عوالم سبعة , أو أية خلائق فلكية سبعة . والعرش رمز للاستعلاء والهيمنة على الوجود . . فمن هو رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ? (سيقولون:لله)ولكنهم مع ذلك لا يخافون صاحب العرش , ولا يتقون رب السماوات السبع , وهم يشركون معه أصناما مهينة , ملقاة على الأرض لا تريم . . (قل:أفلا تتقون). .

(قل:من بيده ملكوت كل شيء ? وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون ?). . فهو سؤال عن السيطرة والسطوة والسلطان . سؤال عمن بيده ملكية كل شيء ملكية استعلاء وسيطرة . ومن هو الذي يجير بقوته من يشاء فلا يناله أحد ; ولا يملك أحد أن يجير عليه , وأن ينقذ من يريده بسوء من عباده . . من ? (سيقولون:لله)فما لهم يصرفون عن عبادة الله ? وما لعقولهم تنحرف وتتخبط كالذي مسه السحر: (قل:فأنى تسحرون ?).

ألا إنه الاضطراب والتخبط الذي يصاب به المسحورون !

الدرس التاسع:90 - 92 نفي الشريك عن الله وإلا لفسد الكون

وفي اللحظة المناسبة لتقرير حقيقة ما جاءهم به الرسول [ ص ] من التوحيد , وبطلان ما يدعونه من الولد والشريك . . في اللحظة المناسبة بعد ذلك الجدل يجيء هذا التقرير:

بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون . ما اتخذ الله من ولد , وما كان معه من إله . إذن لذهب كل إله بما خلق , ولعلا بعضهم على بعض . سبحان الله عما يصفون . عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون .

يجيء هذا التقرير في أساليب شتى . . بالإضراب عن الجدل معهم , وتقرير كذبهم الأكيدSadبل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون). ثم يفصل فيما هم كاذبون: (ما اتخذ الله من ولد , وما كان معه من إله). . ثم يأتي بالدليل الذي ينفي دعواهم , ويصور ما في عقيدة الشرك من سخف واستحالة: إذا لذهب كل إله بما خلق مستقلا بما خلقه , يصرفه حسب ناموس خاص ; فيصبح لكل جزء من الكون , أو لكل فريق

من الاية 91 الى الاية 98

مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98)

من المخلوقات ناموس خاص لا يلتقي فيه بناموس عام يصرف الجميع . (ولعلا بعضهم على بعض)بغلبة سيطرته وتصريفه على الكون الذي لا يبقى ولا ينتظم إلا بناموس واحد , وتصريف واحد , وتدبير واحد .

وكل هذه الصور لا وجود لها في الكون , الذي تشهد وحدة تكوينه بوحدة خالقه , وتشهد وحدة ناموسه بوحدة مدبره . وكل جزء فيه وكل شيء يبدو متناسقا مع الأجزاء الأخرى بلا تصادم ولا تنازع ولا اضطراب . . (سبحان الله عما يصفون). .

(عالم الغيب والشهادة)فليس لغيره من خلق يستقل به , ويعلم من دون الله أمره . (فتعالى عما يشركون).

الدرس العاشر:93 - 98 توجيهات للرسول للمفاصلة والإستعاذة من الشيطان

وعند هذا الحد يلتفت عن خطابهم وجدلهم وحكاية حالهم , إلى الرسول [ ص ] يأمره أن يتوجه إلى ربه مستعيذا به أن يجعله مع هؤلاء القوم - إن كان قد قدر له أن يرى تحقيق ما وعدهم به من العذاب . وأن يستعيذ به كذلك من الشياطين , فلا تثور نفسه , ولا يضيق صدره بما يقولون:

(قل:رب إما تريني ما يوعدون . رب فلا تجعلني في القوم الظالمين . وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون . ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون . وقل:رب أعوذ بك من همزات الشياطين . وأعوذ بك رب أن يحضرون). .

ورسول الله [ ص ] في منجاة من أن يجعله الله مع القوم الظالمين حين يحل بهم العذاب الأليم , ويتحقق ما يوعدون , ولكن هذا الدعاء زيادة في التوقي ; وتعليم لمن بعده ألا يأمنوا مكر الله , وأن يظلوا أبدا أيقاظا , وأن يلوذوا دائما بحماه .

والله قادر على أن يحقق ما وعد به الظالمين في حياة الرسول [ ص ]:

(وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون). .

ولقد أراه بعض ما وعدهم في غزوة بدر . ثم في الفتح العظيم .

فأما حين نزول هذه السورة - وهي مكية - فكان منهج الدعوة دفع السيئة بالتي هي أحسن ; والصبر حتى يأتي أمر الله ; وتفويض الأمر لله:

(ادفع بالتي هي أحسن السيئة . نحن أعلم بما يصفون).

واستعاذة الرسول [ ص ] من همزات الشياطين ودفعاتهم - وهو معصوم منها - زيادة كذلك في التوقي , وزيادة في الالتجاء إلى الله , وتعليم لأمته وهو قدوتها وأسوتها , أن يتحصنوا بالله من همزات الشياطين في كل حين . بل إن الرسول ليوجه إلى الاستعاذة بالله من مجرد قرب الشياطين , لا من همزاتهم ودفعاتهم:

(وأعوذ بك رب أن يحضرون). .

ويحتمل أن تكون الاستعاذة من حضورهم إياه ساعة الوفاة . ويرشح لهذا المعنى ما يتلوه في السياق: (حتى إذا جاء أحدهم الموت . . .)على طريقة القرآن في تناسق المعاني وتداعيها . .

الوحدة الرابعة:99 - 188 الموضوع:من مشاهد الإحتضار والبعث والحشر ومصير المؤمنين والكافرين

من الاية 99 الى الاية 99

حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)

موضوع الوحدة

في هذا الدرس الأخير في السورة يستطرد في الحديث عن نهاية المشركين ; فيبرزها في مشهد من مشاهد القيامة . يبدأ بمشهد الاحتضار في الدنيا , وينتهي هنالك بعد النفخ في الصور . ثم تنتهي السورة بتقرير الألوهية الواحدة , وتحذير من يدعون مع الله إلها آخر وتخويفهم من مثل تلك النهاية .

وتختم السورة بتوجيه الرسول [ ص ] إلى ربه ليطلب غفرانه ورحمته ; والله خير الراحمين .

الدرس الأول:99 - 115 مشهد الإحتضار والبعث 99100

(حتى إذا جاء أحدهم الموت قال:رب ارجعون , لعلي أعمل صالحا فيما تركت). .

إنه مشهد الاحتضار , وإعلان التوبة عند مواجهة الموت , وطلب الرجعة إلى الحياة , لتدارك ما فات , والإصلاح فيما ترك وراءه من أهل ومال . . وكأنما المشهد معروض اللحظة للأنظار , مشهود كالعيان ! فإذا الرد على هذا الرجاء المتأخر لا يوجه إلى صاحب الرجاء , إنما يعلن على رؤوس الأشهاد:

(كلا . إنها كلمة هو قائلها . . .)

كلمة لا معنى لها , ولا مدلول وراءها , ولا تنبغي العناية بها أو بقائلها . إنها كلمة الموقف الرهيب , لا كلمة الإخلاص المنيب . كلمة تقال في لحظة الضيق , ليس لها في القلب من رصيد !

من الاية 100 الى الاية 110

لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ (101) فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)

وبها ينتهي مشهد الاحتضار . وإذا الحواجز قائمة بين قائل هذه الكلمة والدنيا جميعا . فلقد قضي الأمر , وانقطعت الصلات , وأغلقت الأبواب , وأسدلت الأستار:

(ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون). .

فلا هم من أهل الدنيا , ولا هم من أهل الآخرة . إنما هم في ذلك البرزخ بين بين , إلى يوم يبعثون .

ثم يستطرد السياق إلى ذلك اليوم , يصوره ويعرضه للأنظار .

(فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون). .

إنما تقطعت الروابط , وسقطت القيم التي كانوا يتعارفون عليها في الدنيا (فلا أنساب بينهم يومئذ). وشملهم الهول بالصمت , فهم ساكنون لا يتحدثون (ولا يتساءلون).

ويعرض ميزان الحساب وعملية الوزن في سرعة واختصار .

فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون . ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون . تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون . .

وعملية الوزن بالميزان تجري على طريقة القرآن في التعبير بالتصوير , وتجسيم المعاني في صور حسية , ومشاهد ذات حركة .

ومشهد لفح النار للوجوه حتى تكلح , وتشوه هيئتها , ويكدر لونها . . مشهد مؤذ أليم .

وهؤلاء الذين خفت موازينهم خسروا كل شيء . فقد خسروا أنفسهم . وحين يخسر الإنسان نفسه فماذا يملك إذن ? وما الذي يتبقى له . وقد خسر نفسه التي بين جنبيه , وخسر ذاته التي تميزه , فكأنما لم يكن له وجود .

وهنا يعدل عن أسلوب الحكاية إلى أسلوب الخطاب والمواجهة , فإذا العذاب الحسي - على فظاعته - أهون من التأنيب والخزي الذي يصاحبه . وكأنما نحن نراه اللحظة ونشهده في حوار ممض كطويل:

(ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون !). .

وكأنما يخيل إليهم - وقد سمعوا هذا السؤال - أنهم مأذونون في الكلام , مسموح لهم بالرجاء . وأن الأعتراف بالذنب قد يجدي في قبول الرجاء:

(قالوا:ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين . ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون). .

وهو اعتراف تتجلى فيه المرارة والشقوة . . ولكن كأنما هم قد تجاوزوا حدهم وأساءوا أدبهم , فلم يكن مأذونا لهم في غير الإجابة على قدر السؤال . بل لعله كان سؤالا للتبكيت لا يطلب عليه منهم جواب . فهم يزجرون زجرا عنيفا قاسيا:

قال:اخسأوا فيها ولا تكلمون . .

اخرسوا واسكتوا سكوت الأذلاء المهنين , فإنكم لتستحقون ما أنتم فيه من العذاب الأليم والشقاء المهين:

(إنه كان فريق من عبادي يقولون:ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين . فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري , وكنتم منهم تضحكون). .

من الاية 111 الى الاية 116

إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)

وكذلك لم يكن جرمكم أنكم كفرتم فحسب , واقتصرتم على أنفسكم بالكفر وهو جرم عظيم ; إنما بلغ بكم السفه والتوقح أن تسخروا ممن آمنوا , وراحوا يرجون غفران ربهم ورحمته ; وأن تضحكوا منهم حتى ليشغلكم هذا الهذر عن ذكر الله , ويباعد بينكم وبين التدبر والتفكر في دلائل الإيمان المبثوثة في صفحات الوجود . . فانظروا اليوم أين مكانكم ومكان أولئك الذين كنتم تسخرون منهم وتضحكون:

(إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون). .

وبعد هذا الرد القاسي المهين , وبيان أسبابه , وما في هذا البيان من ترذيل وتبكيت . . يبدأ استجواب جديد:

(قال:كم لبثتم في الأرض عدد سنين ?). .

وإن الله - سبحانه - ليعلم . ولكنه سؤال لاستصغار أمر الأرض , واستقصار أيامهم فيها , وقد باعوا بها حياة الخلود . . وإنهم ليحسون اليوم بقصر تلك الحياة وضآلتها . وإنهم ليائسون ضيقو الصدر , لا يعنيهم حسابها وعدتها:

(قالوا:لبثنا يوما أو بعض يوم . فاسأل العادين). .

وهي إجابة الضيق واليأس والأسى والقنوط !

والرد:إنكم لم تلبثوا إلا قليلا بالقياس إلى ما أنتم عليه مقبلون لو كنتم تحسنون التقدير:

(قال:إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون). .

ثم عودة إلى الترذيل والتعنيف على تكذيبهم بالآخرة , مع التبصير بحكمة البعث المكنونة منذ أول الخلق:

أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ; وإنكم إلينا لا ترجعون ? . .

فحكمة البعث من حكمة الخلق . محسوب حسابها , ومقدر وقوعها , ومدبر غايتها . وما البعث إلا حلقة في سلسلة النشأة , تبلغ بها كمالها , ويتم فيها تمامها , ولا يغفل عن ذلك إلا المحجوبون المطموسون , الذين لا يتدبرون حكمة الله الكبرى ; وهي متجلية في صفحات الكون , مبثوثة في أطواء الوجود . .

الدرس الثاني:116 - 118 فلاح المؤمنين وخسارة الكافر ورحمة الله

وتنتهي سورة الإيمان بتقرير القاعدة الأولى للإيمان . . التوحيد . . وإعلان الخسارة الكبرى لمن يشركون بالله , في مقابل الفلاح في أول السورة للمؤمنين . وبالتوجه إلى الله في طلب الرحمة والغفران وهو أرحم الراحمين:

فتعالى الله الملك الحق , لا إله إلا هو رب العرش الكريم . ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه , إنه لا يفلح الكافرون . وقل:رب اغفر وارحم أنت خير الراحمين . .

هذا التعقيب يجيء بعد مشهد القيامة السابق ; وبعد ما حوته السورة قبل هذا المشهد من جدل وحجج ودلائل وبينات . . يجيء نتيجة طبيعية منطقية لكل محتويات السورة . وهو يشهد بتنزيه الله - سبحانه - عما يقولون ويصفون . ويشهد بأنه الملك الحق , والمسيطر الحق , الذي لا إله إلا هو . صاحب السسلطان والسيطرة والاستعلاء: (رب العرش الكريم).

وكل دعوى بألوهية أحد مع الله , فهي دعوى ليس معها برهان . لا من الدلائل الكونية , ولا من منطق

من الاية 117 الى آخر السورة

وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)

الفطرة , ولا من حجة العقل . وحساب مدعيها عند ربه , والعاقبة معروفة: (إنه لا يفلح الكافرون). . سنة نافذة لا تتخلف , كما أن الفلاح للمؤمنين طرف من الناموس الكبير .

وكل ما يراه الناس على الكافرين من نعمة ومتاع , وقوة وسلطان , في بعض الأحيان , فليس فلاحا في ميزان القيم الحقيقية . إنما هو فتنة واستدراج , ينتهي بالوبال في الدنيا . فإن ذهب بعضهم ناجين في الدنيا , فهناك في الآخرة يتم الحساب . والآخرة هي الشوط الأخير في مراحل النشأة , وليست شيئا منفصلا في تقدير الله وتدبيره . ومن ثم هي ضرورة لا بد منها في النظرة البعيدة .

وآخر آية في سورة "المؤمنون" هي اتجاه إلى الله في طلب الرحمة والغفران:

(وقل:رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين). .

وهنا يلتقي مطلع السورة وختامها في تقرير الفلاح للمؤمنين والخسران للكافرين . وفي تقرير صفة الخشوع في الصلاة في مطلعها والتوجه إلى الله بالخشوع في ختامها . . فيتناسق المطلع والختام في ظلال الإيمان . . .

النور

الوحدة الأولى:1 - 26 الموضوع:حدود الزنا والقذف واللعان وقصة الإفك

كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى