منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة المؤمنون من الاية 33 الى الاية 78 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة المؤمنون  من الاية 33 الى الاية 78 الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة المؤمنون من الاية 33 الى الاية 78 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الخميس مايو 24, 2012 12:41 am

من الاية 33 الى الاية 39

وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39)

التي قالها من قبله نوح . يحكيها بالألفاظ ذاتها , مع اختلاف اللغات التي كانت تتخاطب بها القرون !

فماذا كان الجواب ?

إنه الجواب ذاته على وجه التقريب:

وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة , وأترفناهم في الحياة الدنيا:ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه , ويشرب مما تشربون . ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذن لخاسرون . .

فالاعتراض المكرور هو الاعتراض على بشرية الرسول . وهو الاعتراض الناشى ء من انقطاع الصلة بين قلوب هؤلاء الكبراء المترفين , وبين النفخة العلوية التي تصل الإنسان بخالقه الكريم .

والترف يفسد الفطرة , ويغلظ المشاعر , ويسد المنافذ , ويفقد القلوب تلك الحساسية المرهفة التي تتلقى وتتأثر وتستجيب . ومن هنا يحارب الإسلام الترف ; ويقيم نظمه الاجتماعية على أساس لا يسمح للمترفين بالوجود في الجماعة المسلمة , لأنهم كالعفن يفسد ما حوله , حتى لينخر فيه السوس , ويسبح فيه الدود !

ثم يزيد المترفون هنا إنكار البعث بعد الموت والبلى ; ويعجبون من هذا الرسول الذي ينبئهم بهذا الأمر الغريب .

أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ? هيهات هيهات لما توعدون:إن هي إلا حياتنا الدنيا , نموت و نحيا , وما نحن بمبعوثين . .

ومثل هؤلاء لايمكن أن يدركوا حكمة الحياة الكبرى ; ودقة التدبير في أطوارها للوصول بها إلى غايتها البعيدة . هذه الغاية التي لا تتحقق بكمالها في هذه الأرض . فالخير لا يلقى جزاءه الكامل في الحياة الدنيا . والشر كذلك . إنما يستكملان هذا الجزء هنالك , حيث يصل المؤمنون الصالحون إلى قمة الحياة المثلى , التي لا خوف فيها ولا نصب , ولا تحول فيها ولا زوال - إلا أن يشاء الله - ويصل المرتكسون المنتكسون إلى درك الحياة السفلية التي تهدر فيها آدميتهم , ويرتدون فيها أحجارا , أو كالأحجار !

مثل هؤلاء لا يدركون هذه المعاني ; ولا يستدلون من أطوار الحياة الأولى - التي سبقت في السورة - على أطوارها الأخيرة ; ولا ينتبهون إلى أن القوة المدبرة لتلك الأطوار لا تقف بالحياة عند مرحلة الموت والبلى كما يظنون . . لذلك هم يستعجبون ويعجبون من ذلك الذي يعدهم أنهم مخرجون ; ويستبعدون في جهالة أن ذلك يكون ; ويجزمون في تبجح بأن ليس هنالك إلا حياة واحدة وموت واحد . يموت جيل ويحيا بعده جيل . فأما الذين ماتوا , وصاروا ترابا وعظاما , فهيهات هيهات الحياة لهم , كما يقول ذلك الرجل الغريب !

وهيهات هيهات البعث الذي يعدهم به , وقد صاروا عظاما ورفاتا !

ثم إنهم لا يقفون عند هذه الجهالة , والغفلة عن تدبر حكمة الحياة التي تكشف عنها أطوارها الأولى . . لا يقفون عند هذه الجهالة , إنما هم يتهمون رسولهم بالافتراء على الله اطوارها . ولا يعرفون الله إلا في هذه اللحظة , ولهذا الغرض من اتهام الرسول:

(إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا , وما نحن له بمؤمنين). .

عندئذ لم يجد الرسول إلا أن يستنصر ربه كما استنصره من قبله نوح . وبالعبارة ذاتها التي توجه بها إلى ربه نوح:

(قال:رب انصرني بما كذبون). .
من الاية 40 الى الاية 48

قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (44) ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48)

وعندئذ وقعت الاستجابة , بعد أن استوفى القوم أجلهم ; ولم يعد فيهم خير يرجى بعد العناد والغفلة والتكذيب:

(قال:عما قليل ليصبحن نادمين). .

ولكن حيث لا ينفع الندم , ولا يجدي المتاب:

(فأخذتهم الصيحة بالحق , فجعلناهم غثاء). .

والغثاء ما يجرفه السيل من حشائش وأعشاب وأشياء مبعثرة , لا خير فيها , ولا قيمة لها , ولا رابط بينها . . وهؤلاء لما تخلوا عن الخصائص التي كرمهم الله بها , وغفلوا عن حكمة وجودهم في الحياة الدنيا , وقطعوا ما بينهم وبين الملأ الأعلى . . لم يبق فيهم ما يستحق التكريم ; فإذا هم غثاء كغثاء السيل , ملقى بلا احتفال ولا اهتمام وذلك من فرائد التعبير القرآني الدقيق .

ويزيدهم على هذه المهانة , الطرد من رحمة الله , والبعد عن اهتمام الناس:

(فبعدا للقوم الظالمين). .

بعدا في الحياة وفي الذكرى . في عالم الواقع وفي عالم الضمير . .

الدرس الثالث:42 - 44 إشارة للرسل بعد هود

ويمضي السياق بعد ذلك في استعراض القرون:

ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين . ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون . ثم أرسلنا رسلنا تترى . كلما جاء أمة رسولها كذبوه . فاتبعنا بعضهم بعضا , وجعلناهم أحاديث . فبعدا لقوم لا يؤمنون . .

هكذا في إجمال , يلخص تاريخ الدعوة , ويقرر سنة الله الجارية , في الأمد الطويل بين نوح وهود في أول السلسلة , وموسى وعيسى في أواخرها . . كل قرن يستوفي أجله ويمضي:(ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون). وكلهم يكذبون: (كلما جاء أمة رسولها كذبوه). وكلما كذب المكذبون أخذتهم سنة الله: (فأتبعنا بعضهم بعضا). وبقيت العبرة ماثلة في مصارعهم لمن يعتبرون: (وجعلناهم أحاديث)تتناقلها القرون .

ويختم هذا الاستعراض الخاطف المجمل باللعنة والطرد والاستبعاد من العيون والقلوب: (فبعدا لقوم لا يؤمنون).

الدرس الرابع:45 - 48 تكذيب فرعون وملئه بموسى وهارون

ثم يجمل قصة موسى في الرسالة والتكذيب لتتمشى مع نسق العرض وهدفه المقصود:

ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وبسلطان مبين , إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين . فقالوا:أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون ? فكذبوهما فكانوا من المهلكين .

ويبرز في هذا الاستعراض الاعتراض ذاته على بشرية الرسل: (فقالوا:أنؤمن لبشرين مثلنا). ويزيد عليه تلك الملابسة الخاصة بوضع بني إسرائيل في مصر: (وقومهما لنا عابدون)مسخرون خاضعون . وهي أدعى - في اعتبار فرعون وملئه - إلى الاستهانة بموسى وهارون !

فأما آيات الله التي معهما , وسلطانه الذي بأيديهما , فكل هذا لا إيقاع له في مثل تلك القلوب المطموسة ,

من الاية 49 الى الاية 52

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)

المستغرقة في ملابسات هذه الأرض , وأوضاعها الباطلة , وقيمها الرخيصة .

الدرس الخامس:49 - 50 إشارة لموسى وعيسى عليهما السلام

وإشارة مجملة إلى عيسى ابن مريم وأمه . والآية البارزة في خلقه . وهي كآيات موسى كذب بها المكذبون .

(ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون . وجعلنا ابن مريم وأمه آية , وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين). .

وتختلف الروايات في تحديد الربوة المشار إليها في هذا النص . . أين هي ? أكانت في مصر , أم في دمشق , أم في بيت المقدس . . وهي الأماكن التي ذهبت إليها مريم بابنها في طفولته وصباه - كما تذكر كتبهم - وليس المهم تحديد موضعها , إنما المقصود هو الإشارة إلى إيواء الله لهما في مكان طيب , ينضر فيه النبت , ويسيل فيه الماء , ويجدان فيه الرعاية والإيواء .

الدرس السادس:51 - 52 وحدة الرسالة والرسل والأمة الواحدة

وعندما يصل إلى هذه الحلقة من سلسلة الرسالات , يتوجه بالخطاب إلى أمة الرسل ; وكأنما هم متجمعون في صعيد واحد , في وقت واحد , فهذه الفوارق الزمانية والمكانية لا اعتبار لها أمام وحدة الحقيقة التي تربط بينهم جميعا:

(يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا . إني بما تعملون عليم . وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون). .

إنه نداء للرسل ليمارسوا طبيعتهم البشرية التي ينكرها عليهم الغافلون: (كلوا من الطيبات). . فالأكل من مقتضيات البشرية عامة , أما الأكل من الطيبات خاصة فهو الذي يرفع هذه البشرية ويزكيها ويصلها بالملأ الأعلى .

ونداء لهم ليصلحوا في هذه الأرض: (واعملوا صالحا). . فالعمل هو من مقتضيات البشرية كذلك . أما العمل الصالح فهو الذي يميز الصالحين المختارين ; فيجعل لعملهم ضابطا وهدفا , وغاية موصولة بالملأ الأعلى .

وليس المطلوب من الرسول أن يتجرد من بشريته . إنما المطلوب أن يرتقي بهذه البشرية فيه إلى أفقها الكريم الوضيء . الذي أراده الله لها , وجعل الأنبياء روادا لهذا الأفق ومثلا أعلى . والله هو الذي يقدر عملهم بعد ذلك بميزانه الدقيق: (إني بما تعملون عليم).

وتتلاشى آماد الزمان , وأبعاد المكان , أمام وحدة الحقيقة التي جاء بها الرسل . ووحدة الطبيعة التي تميزهم . ووحدة الخالق الذي أرسلهم . ووحدة الاتجاه الذي يتجهونه أجمعين:

(وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون). .

الوحدة الثالثة:53 - 58 الموضوع:اختلاف الناس في الحق وعرض حقائق حول العقيدة والدعوة

من الاية 53 الى الاية 53

فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)

موضوع الوحدة هذا الدرس الثالث في السورة يبدأ بتصوير حال الناس بعد أمة الرسل . تلك الحال التي جاء الرسول الأخير فوجدهم عليها . مختلفين متنازعين حول الحقيقة الواحدة التي جاءهم بها الرسل من قبل جميعا .

ويصور غفلتهم عن الحق الذي جاءهم به خاتم المرسلين [ ص ] والغمرة التي تذهلهم عن عاقبة ما هم فيه . بينما المؤمنون يعبدون الله , ويعملون الصالحات , وهم مع هذا خائفون من العاقبة , وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون . . فتتقابل صورة اليقظة والحذر في النفس المؤمنة , وصورة الغمرة والغفلة في النفس الكافرة .

ثم يجول معهم جولات شتى:يستنكر موقفهم مرة , ويستعرض شبهاتهم مرة , ويلمس وجدانهم بدلائل الإيمان في أنفسهم وفي الآفاق مرة , ويأخذهم بمسلماتهم فيجعلها حجة عليهم مرة .

وينتهي بعد هذه الجولات بتركهم إلى مصيرهم المحتوم . ويتوجه بالخطاب إلى رسول الله [ ص ] أن يمضي في طريقه , لا يغضب لعنادهم , وأن يدفع السيئة بالحسنى , وأن يستعيذ بالله من الشياطين التي تقودهم إلى الضلال المبين .

الدرس الأول:53 - 56 اختلاف الناس بعد الرسل

(فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا , كل حزب بما لديهم فرحون . فذرهم في غمرتهم حتى حين . أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات ? بل لا يشعرون)!

لقد مضى الرسل - صلوات الله عليهم - أمة واحدة , ذات كلمة واحدة , وعبادة واحدة , ووجهة واحدة ; فإذا الناس من بعدهم أحزاب متنازعة لا تلتقي على منهج ولا طريق .

ويخرج التعبير القرآني المبدع هذا التنازع في صورة حسية عنيفة . لقد تنازعوا الأمر حتى مزقوه بينهم مزقا ,
من الاية 54 الى الاية 61

فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ (56) إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)

وقطعوه في أيديهم قطعا . ثم مضى كل حزب بالمزقة التي خرجت في يده . مضى فرحا لا يفكر في شيء , ولا يلتفت إلى شيء ! مضى وأغلق على حسه جميع المنافذ التي تأتيه منها أية نسمة طليقة , أو يدخل إليه منها أي شعاع مضيء ! وعاش الجميع في هذه الغمرة مذهولين مشغولين بما هم فيه , مغمورين لا تنفذ إليهم نسمة محيية ولا شعاع منير .

وحين يرسم لهم هذه الصورة يتوجه بالخطاب إلى الرسول [ ص ]:

(فذرهم في غمرتهم حتى حين). .

ذرهم في هذه الغمرة غافلين مشغولين بما هم فيه , حتى يفجأهم المصير حين يجيء موعده المحتوم .

ويأخذ في التهكم عليهم والسخرية من غفلتهم , إذ يحسبون أن الإملاء لهم بعض الوقت , وإمدادهم بالأموال والبنين في فترة الاختبار , مقصود به المسارعة لهم في الخيرات وإيثارهم بالنعمة والعطاء:

(أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات ?)

وإنما هي الفتنة , وإنما هو الابتلاء:

(بل لا يشعرون). .

لا يشعرون بما وراء المال والبنين من مصير قاتم ومن شر مستطير !

الدرس الثاني:57 - 61 من صفات المؤمنين ذوي القلوب الوجلة

وإلى جانب صورة الغفلة والغمرة في القلوب الضالة يبرز صورة اليقظة والحذر في القلوب المؤمنة:

(إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون . والذين هم بآيات ربهم يؤمنون . والذين هم بربهم لا يشركون . والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون . أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون).

ومن هنا يبدو أثر الإيمان في القلب , من الحساسية والإرهاف والتحرج , والتطلع إلى الكمال . وحساب العواقب . مهما ينهض بالواجبات والتكاليف .

فهؤلاء المؤمنون يشفقون من ربهم خشية وتقوى ; وهم يؤمنون بآياته , ولا يشركون به . وهم ينهضون بتكاليفهم وواجباتهم . وهم يأتون من الطاعات ما استطاعوا . . ولكنهم بعد هذا كله: (يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون)لإحساسهم بالتقصير في جانب الله , بعد أن بذلوا ما في طوقهم , وهو في نظرهم قليل .

عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت:يا رسول الله (الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة)هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر , وهو يخاف الله عز وجل ? قال:" لا يا بنت الصديق ! ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق , وهو يخاف الله عز وجل "

إن قلب المؤمن يستشعر يد الله عليه . ويحس آلاءه في كل نفس وكل نبضة . . ومن ثم يستصغر كل عباداته , ويستقل كل طاعاته , إلى جانب آلاء الله ونعمائه . كذلك هو يستشعر بكل ذرة فيه جلال الله وعظمته ; ويرقب بكل مشاعره يد الله في كل شيء من حوله . . ومن ثم يشعر بالهيبة , ويشعر بالوجل , ويشفق أن يلقى الله وهو مقصر في حقه , لم يوفه حقه عبادة وطاعة ولم يقارب أياديه عليه معرفة وشكرا .

من الاية 62 الى الاية 67

وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ (67)

وهؤلاء هم الذين يسارعون في الخيرات , وهم الذين يسبقون لها فينالونها في الطليعة , بهذه اليقظة , وبهذا التطلع , وبهذا العمل , وبهذه الطاعة . لا أولئك الذين يعيشون في غمرة ويحسبون لغفلتهم أنهم مقصودون بالنعمة , مرادون بالخير , كالصيد الغافل يستدرج إلى مصرعه بالطعم المغري . ومثل هذا الطير في الناس كثير , يغمرهم الرخاء , وتشغلهم النعمة , ويطغيهم الغنى , ويلهيهم الغرور , حتى يلاقوا المصير !

الدرس الثالث:62 - 67 تضرع الكفار عند العذاب وتذكيرهم بجرائمهم السابقة

تلك اليقظة التي يفرضها الإسلام على قلب المسلم . والتي يستجيشها الإيمان بمجرد استقراره في القلوب . . ليست أمرا فوق الطاقة , وليست تكليفا فوق الاستطاعة . إنما هي الحساسية الناشئة من الشعور بالله والاتصال به ; ومراقبته في السر والعلن ; وهي في حدود الطاقة الإنسانية , حين يشرق فيها ذلك النور الوضيء:

(ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون). .

ولقد شرع الله التكاليف وفق ما يعلم من استعداد النفوس ; وهو محاسبهم وفق ما يعملونه في حدود الطاقة , لا يظلمون بتحميلهم ما لا يطيقون ; ولا ببخسهم شيئا مما يعملون , وكل ما يعملونه محسوب في سجل (ينطق بالحق)ويبرزه ظاهرا غير منقوص . والله خير الحاسبين .

إنما يغفل الغافلون لأن قلوبهم في غمرة عن الحق , لم يمسسها نوره المحيي , لانشغالها عنه , واندفاعها في التيه ; حتى تفيق على الهول , لتلقي العذاب الأليم , وتلقى معه التوبيخ والتحقير:

(بل قلوبهم في غمرة من هذا , ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون . حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون . لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون . قد كانت آياتي تتلى عليكم , فكنتم على أعقابكم تنكصون , مستكبرين به سامرا تهجرون). .

فعلة اندفاعهم فيما هم فيه ليست هي تكليفهم بما هو فوق الطاقة ; إنما العلة أن قلوبهم في غمرة , لا ترى الحق الذي جاء به القرآن , وأنهم مندفعون في طريق آخر غير النهج الذي جاء به: (ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون). .

ثم يرسم مشهد انتباههم على الكارثة الباغتة المفاجئة:(حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون). . والمترفون أشد الناس استغراقا في المتاع والانحراف والذهول عن المصير . وها هم أولاء يفاجأون بالعذاب الذي يأخذهم أخذا , فإذا هم يرفعون أصواتهم بالجؤار , مستغيثين مسترحمين [ وذلك في مقابل الترف والغفلة والاستكبار والغرور ] ثم ها هم أولاء يتلقون الزجر والتأنيب:(لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون). . وإذا المشهد حاضر , وهم يتلقون الزجر والتأنيب , والتيئيس من كل نجدة ومن كل نصير , والتذكير بما كان منهم وهم في غمرتهم مستغرقون:(قد كانت آياتي تتلى عليكم , فكنتم على أعقابكم تنكصون)فتتراجعون على أعقابكم كأن ما يتلى عليكم خطر تحاذرونه , أو مكروه تجانبونه , مستكبرين عن الإذعان للحق . ثم تزيدون على هذا السوء القول وهجره في سمركم , حيث تتناولون الرسول [ ص ] وما جاء به بكلمات السوء .

ولقد كانوا يطلقون ألسنتهم بهجر القول وفحشه في مجالسهم ; وهم يتحلقون حول الأصنام في سامرهم بالكعبة . فها هو ذا القرآن يرسم لهم مشهد حسابهم على ما هم فيه ; وهم يجأرون طالبين الغوث , فيذكرهم بسمرهم الفاحش , وهجرهم القبيح . وكأنما هو واقع اللحظة , وهم يشهدونه ويعيشون فيه ! وذلك على

من الاية 68 الى الاية 70

أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70)

طريقة القرآن الكريم في رسم مشاهد القيامة كانها واقع مشهود .

والمشركون في تهجمهم على رسول الله [ ص ] وعلى القرآن في نواديهم وفي سمرهم يمثلون الكبرياء الجاهلة , التي لا تدرك قيمة الحق لأنها مطموسة البصيرة عمياء , فتتخذ منه مادة للسخرية والهزء والاتهام . ومثل هؤلاء في كل زمان . وليست جاهلية العرب إلا نموذجا لجاهليات كثيرة خلت في الزمان ; وما تزال تظهر الآن بعد الآن !

الدرس الرابع:68 74 تفنيد الشبهات التي تصرفهم عن الإيمان

وينتقل بهم من مشهد التأنيب في الآخرة , فيعود بهم إلى الدنيا من جديد ! يعود بهم ليسأل ويعجب من موقفهم ذاك الغريب . . ما الذي يصدهم عن الإيمان بما جاءهم به رسولهم الأمين ? ما الشبهات التي تحيك في صدورهم فتصدهم عن الهدى ? ما حجتهم في الإعراض عنه , والسمر في مجالسهم بقالة السوء فيه ? وهو الحق الخالص والطريق المستقيم:

(أفلم يدبروا القول ? أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ? أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ? أم يقولون به جنة ? بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ! ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن . بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون . أم تسألهم خرجا ? فخراج ربك خير وهو خير الرازقين . وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم . وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون). .

إن مثل ما جاء به محمد رسول الله [ ص ] لا يملك من يتدبره أن يظل معرضا عنه , ففيه من الجمال , وفيه من الكمال , وفيه من التناسق , وفيه من الجاذبية , وفيه من موافقة الفطرة , وفيه من الإيحاءات الوجدانية , وفيه من غذاء القلب , وفيه من زاد الفكر , وفيه من عظمة الاتجاهات , وفيه من قويم المناهج , وفيه من محكم التشريع . . وفيه من كل شيء ما يستجيش كل عناصر الفطرة ويغذيها ويلبيها (أفلم يدبروا القول)إذن ? فهذا سر إعراضهم عنه لأنهم لم يتدبروه . .

(أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ?). . فكان بدعا في مألوفهم ومألوف آبائهم أن يجيئهم رسول ! أو أن يجيئهم بكلمة التوحيد ! وذلك تاريخ الرسالات كلها يثبت أن الرسل جاءوا قومهم تترى , وكلهم جاء بالكلمة الواحدة التي يدعوهم إليها هذا الرسول !

(أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ?). . ويكون هذا هو سر الإعراض والتكذيب ! ولكنهم يعرفون رسولهم حق المعرفة . يعرفون شخصه ويعرفون نسبه , ويعرفون أكثر من أي أحد صفاته:يعرفون صدقه وأمانته حتى لقد لقبوه قبل الرسالة بالأمين !

(أم يقولون به جنة ?)كما كان بعض سفهائهم يقولون ; وهم على ثقة أنه العاقل الكامل , الذي لا يعرفون عنه زلة في تاريخه الطويل ?

إنه ما من شبهة من هذه الشبهات يمكن أن يكون لها أصل . إنما هي كراهية أكثرهم للحق , لأنه يسلبهم القيم الباطلة التي بها يعيشون , ويصدم أهواءهم المتأصلة التي بها يعتزون:

(بل جاءهم بالحق , وأكثرهم للحق كارهون). .

من الاية 71 الى الاية 78

وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (78)

والحق لا يمكن أن يدور مع الهوى ; وبالحق تقوم السماوات والأرض , وبالحق يستقيم الناموس , وتجري السنن في هذا الكون وما فيه ومن فيه:

(ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن). .

فالحق واحد ثابت , والأهواء كثيرة متقلبة . وبالحق الواحد يدبر الكون كله , فلا ينحرف ناموسه لهوى عارض , ولا تتخلف سنته لرغبة طارئة . ولو خضع الكون للأهواء العارضة , والرغبات الطارئة لفسد كله , ولفسد الناس معه , ولفسدت القيم والأوضاع , واختلت الموازين والمقاييس ; وتأرجحت كلها بين الغضب والرضى , والكره والبغض , والرغبة والرهبة , والنشاط والخمول . . وسائر ما يعرض من الأهواء والمواجد والانفعالات والتأثرات . . وبناء الكون المادي واتجاهه إلى غايته كلاهما في حاجة إلى الثبات والاستقرار والاطراد , على قاعدة ثابتة , ونهج مرسوم , لا يتخلف ولا يتأرجح ولا يحيد .

ومن هذه القاعدة الكبرى في بناء الكون وتدبيره , جعل الإسلام التشريع للحياة البشرية جزءا من الناموس الكوني , تتولاه اليد التي تدبر الكون كله وتنسق أجزاءه جميعا . والبشر جزء من هذا الكون خاضع لناموسه الكبير ; فأولى أن يشرع لهذا الجزء من يشرع للكون كله , ويدبره في تناسق عجيب . بذلك لا يخضع نظام البشر للأهواء فيفسد ويختل: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)إنما يخضع للحق الكلي , ولتدبير صاحب التدبير .

وهذه الأمة التي جاء لها الإسلام كانت أولى الأمم باتباع الحق الذي يتمثل فيه . ففوق أنه الحق هو كذلك مجد لها وذكر . وما كان لها من ذكر لولاه في العالمين:

(بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون). .

وقد ظلت أمة العرب لا ذكر لها في تاريخ العالم حتى جاءها الإسلام . وقد ظل ذكرها يدوي في آذان القرون طالما كانت به مستمسكة . وقد تضاءل ذكرها عندما تخلت عنه , فلم تعد في العير ولا في النفير . ولن يقوم لها ذكر إلا يوم أن تفيء إلى عنوانها الكبير . . . !

وبعد هذا الاستطراد بمناسبة دعواهم على الحق الذي جاءهم فأعرضوا عنه واتهموه . . يعود السياق إلى استنكار موقفهم , وإلى مناقشة الشبهات التي يمكن أن تصدهم عما جاءهم به الرسول الأمين:

(أم تسألهم خرجا ?)فهم يفرون مما تسألهم من أجر على الهداية والتعليم ?! فإنك لا تطلب إليهم شيئا , فما عند ربك خير مما عندهم: (فخراج ربك خير وهو خير الرازقين). . وماذا يطمع نبي أن ينال من البشر الضعاف الفقراء المحاويج وهو متصل بالفيض اللدني الذي لا ينضب ولا يغيض ; بل ماذا يطمع أتباع نبي أن ينالوا من عرض هذه الأرض وهم معلقو الأنظار والقلوب بما عند الله الذي يرزق بالكثير وبالقليل ? ألا إنه يوم يتصل القلب بالله يتضاءل هذا الكون كله , بما فيه وكل من فيه !

ألا إنما تطلب هدايتهم إلى المنهج القويم:(وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم)يصلهم بالناموس الذي يحكم فطرتهم , ويصلهم بالوجود كله , ويقودهم في قافلة الوجود , إلى خالق الوجود , في استقامة لا تحيد .

ألا وإنهم - ككل من لا يؤمنون بالآخرة - حائدون عن النهج ضالون عن الطريق:(وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون). . فلو كانوا مهتدين لتابعوا بقلوبهم وعقولهم أطوار النشأة التي تحتم الإيمانبالآخرة , وبالعالم الذي يسمح ببلوغ الكمال الممكن , وتحقيق العدل المرسوم . فليست الآخرة إلا حلقة من حلقات الناموس الشامل الذي ارتضاه الله لتدبير هذا الوجود .

الدرس الخامس:75 - 77 عدم انتباه الكفار من الإبتلاء بالشدة أو الرخاء

هؤلاء الذين لايؤمنون بالآخرة , والذين تنكبوا الطريق , لا يفيدهم الابتلاء بالنعمة , ولا الابتلاء بالنقمة . فإن أصابتهم النعمة حسبوا: (أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات)وإن أصابتهم النقمة لم تلن قلوبهم , ولم تستيقظ ضمائرهم , ولم يرجعوا إلى الله يتضرعون له ليكشف عنهم الضر , ويظلون كذلك حتى يأتيهم العذاب الشديد يوم القيامة فإذا هم حائرون يائسون .

(ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون . ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون . حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون). .

وهذه صفة عامة لذلك الصنف من الناس , القاسية قلوبهم , الغافلين عن الله , المكذبين بالآخرة , ومنهم المشركون الذين كانوا يواجهون رسول الله [ ص ] .

والاستكانة والتضرع عند مس الضر دليل على الرجوع إلى الله , والشعور بأنه الملجأ والملاذ . والقلب متى اتصل بالله على هذا النحو رق ولان , واستيقظ وتذكر , وكانت هذه الحساسية هي الحارس الواقي من الغفلة والزلل , وأفاد من المحنة و انتفع بالبلاء . فأما حين يسدر في غيه , ويعمه في ضلاله , فهو ميؤوس منه لا يرجى له صلاح , وهو متروك لعذاب الآخرة , الذي يفاجئه , فيسقط في يده , ويبلس ويحتار , وييأس من الخلاص .

الدرس السادس:78 - 80 لفت أنظار الكفار إلى الآيات فيهم وفيما حولهم

ثم يجول معهم جولة أخرى علها توقظ وجدانهم إلى دلائل الإيمان في أنفسهم وفي الآفاق من حولهم:

(وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة . قليلا ما تشكرون . وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون . وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار . أفلا تعقلون ?). .

ولو تدبر الإنسان خلقه وهيئته , وما زود به من الحواس والجوارح , وما وهبه من الطاقات والمدارك لوجد الله , ولاهتدى إليه بهذه الخوارق الدالة على أنه الخالق الواحد . فما أحد غير الله بقادر على إبداع هذه الخلقة المعجزة في الصغير منها وفي الكبير .

هذا السمع وحده وكيف يعمل ? كيف يلتقط الأصوات ويكيفها ? وهذا البصر وحده وكيف يبصر ? وكيف يلتقط الأضواء والأشكال ? وهذا الفؤاد ما هو ? وكيف يدرك ? وكيف يقدر الأشياء والأشكال والمعاني والقيم والمشاعر والمدركات ?

إن مجرد معرفة طبيعة هذه الحواس والقوى وطريقة عملها , يعد كشفا معجزا في عالم البشر . فكيف بخلقها وتركيبها على هذا النحو المتناسق مع طبيعة الكون الذي يعيش فيه الإنسان ; ذلك التناسق الملحوظ الذي لو اختلت نسبة واحدة من نسبه في طبيعة الكون أو طبيعة الإنسان لفقد الاتصال , فما استطاعت أذن أن تلتقط صوتا , ولا استطاعت عين أن تلتقط ضوءا . ولكن القدرة المدبرة نسقت بين طبيعة الإنسان وطبيعة الكون الذي يعيش فيه , فتم هذا الاتصال . غير أن الإنسان لا يشكر على النعمة: (قليلا ما تشكرون). . والشكر يبدأ بمعرفة واهب النعمة , وتمجيده بصفاته , ثم عبادته وحده ; وهو الواحد الذي تشهد بوحدانيته آثاره

كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى