منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة الحج ايه 52 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة الحج ايه 52 الى  اخر السورة الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة الحج ايه 52 الى اخر السورة الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الأربعاء مايو 23, 2012 12:09 am

من الاية 52 الى الاية 57

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (57)

الله سورة النجم قالSadأفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ? ألكم الذكر وله الأنثى ?)ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت فقال:وإنهن لهن الغرانيق العلى , وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى . . وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته . . فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة , وزلت بها ألسنتهم , وتباشروا بها , وقالوا:إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه . . فلما بلغ رسول الله [ ص ] آخر النجم سجد , وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك . غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا فرفع ملء كفه ترابا فسجد عليه . فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله [ ص ] فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين .

ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان في مسامع المشركين , فاطمأنت أنفسهم - أي المشركون - لما ألقى الشيطان في أمنية رسول الله [ ص ] وحدثهم به الشيطان أن رسول الله [ ص ] قد قرأها في السورة , فسجدوا لتعظيم آلهتهم . ففشت تلك الكلمة في الناس ; وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين:عثمان بن مظعون وأصحابه ; وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم , وصلوا مع رسول الله ; وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه ; وحدثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة , فأقبلوا سراعا , وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان , وأحكم الله آياته , وحفظه من الفرية , وقالSadوما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته , فينسخ الله ما يلقي الشيطان . ثم يحكم الله آياته . والله عليم حكيم . ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم . وإن الظالمين لفي شقاق بعيد). . فلما بين الله قضاءه , وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم على المسلمين , واشتدوا عليهم" . .

قال ابن كثير:وقد ساق البغوي في تفسيره روايات مجموعة من كلام ابن عباس , ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما بنحو من ذلك , ثم سأل ها هنا سؤالا:كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله تعالى لرسوله - صلوات الله وسلامه عليه - ثم حكى أجوبة عن الناس , من ألطفها أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك . فتوهموا أنه صدر عن رسول الله [ ص ] وليس كذلك في نفس الأمر , بل إنما كان من صنيع الشيطان لا عن رسول الرحمن [ ص ] وعلى آله وسلم - والله أعلم .

وقال البخاري:قال ابن عباس: (في أمنيته)إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه . فيبطل الله ما يلقي الشيطان (ثم يحكم الله آياته).

وقال مجاهد: (إذا تمنى)يعني إذا قال ; ويقال أمنيته:قراءته .

وقال البغوي:وأكثر المفسرين قالوا:معنى قولهSadتمنى)أي تلا وقرأ كتاب الله (ألقى الشيطان في أمنيته)أي في تلاوته .

وقال ابن جرير عن تفسير(تمنى)بمعنى تلا:هذا القول أشبه بتأويل الكلام !

هذه خلاصة تلك الروايات في هذا الحديث الذي عرف بحديث الغرانيق . . وهو من ناحية السند واهي الأصل . قال علماء الحديث:إنه لم يخرجه أحد من أهل الصحة , ولا رواه بسند سليم متصل ثقة . وقال أبو بكر البزار:هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي [ ص ] بإسناد متصل يجوز ذكره وهو من ناحية موضوعه يصادم أصلا من أصول العقيدة وهو عصمة النبي [ ص ] من أن يدس عليه الشيطان شيئا في تبليغ رسالته .

وقد أولع المستشرقون والطاعنون في هذا الدين بذلك الحديث , وأذاعوا به , وأثاروا حوله عجاجة من القول . والأمر في هذا كله لا يثبت للمناقشة , بل لا يصح أن يكون موضوعا للمناقشة .

وهناك من النص ذاته ما يستبعد معه أن يكون أن يكون سبب نزول الآية شيئا كهذا , وأن يكون مدلوله حادثا مفردا وقع للرسول [ ص ] فالنص يقرر أن هذه القاعدة عامة في الرسالات كلها مع الرسل كلهم: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته , فينسخ الله ما يلقي الشيطان , ثم يحكم الله آياته). . فلا بد أن يكون المقصود أمرا عاما يستند إلى صفة في الفطرة مشتركة بين الرسل جميعا , بوصفهم من البشر , مما لا يخالف العصمة المقررة للرسل .

وهذا ما نحاول بيانه بعون الله . والله أعلم بمراده , إنما نحن نفسر كلامه بقدر إدراكنا البشري . .

إن الرسل عندما يكلفون حمل الرسالة إلى الناس , يكون أحب شيء إلى نفوسهم أن يجتمع الناس على الدعوة , وأن يدركوا الخير الذي جاءوهم به من عند الله فيتبعوه . . ولكن العقبات في طريق الدعوات كثيرة والرسل بشر محدودو الأجل . وهم يحسون هذا ويعلمونه . فيتمنون لو يجذبون الناس إلى دعوتهم بأسرع طريق . . يودون مثلا لو هادنوا الناس فيما يعز على الناس أن يتركوه من عادات وتقاليد وموروثات فيسكتوا عنها مؤقتا لعل الناس أن يفيئوا إلى الهدى , فإذا دخلوا فيه أمكن صرفهم عن تلك الموروثات العزيزة ! ويودون مثلا لو جاروهم في شيء يسير من رغبات نفوسهم رجاء استدراجهم إلى العقيدة , على أمل أن تتم فيما بعد تربيتهم الصحيحة التي تطرد هذه الرغبات المألوفة !

ويودون . ويودون . من مثل هذه الأماني والرغبات البشرية المتعلقة بنشر الدعوة وانتصارها . . ذلك على حين يريد الله أن تمضي الدعوة على أصولها الكاملة , وفق موازينها الدقيقة , ثم من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . فالكسب الحقيقي للدعوة في التقدير الإلهي الكامل غير المشوب بضعف البشر وتقديرهم . . هو أن تمضي على تلك الأصول وفق تلك الموازين , ولو خسرت الأشخاص في أول الطريق . فالاستقامة الدقيقة الصارمة على أصول الدعوة ومقاييسها كفيل أن يثني هؤلاء الأشخاص أو من هم خير منهم إلى الدعوة في نهاية المطاف , وتبقى مثل الدعوة سليمة لا تخدش , مستقيمة لاعوج فيها ولا انحناء . .

ويجد الشيطان في تلك الرغبات البشرية , وفي بعض ما يترجم عنها من تصرفات أو كلمات , فرصة للكيد للدعوة , وتحويلها عن قواعدها , والقاء الشبهات حولها في النفوس . . ولكن الله يحول دون كيد الشيطان , ويبين الحكم الفاصل فيما وقع من تصرفات أو كلمات , ويكلف الرسل أن يكشفوا للناس عن الحكم الفاصل , وعما يكون قد وقع منهم من خطأ في اجتهادهم للدعوة . كما حدث في بعض تصرفات الرسول [ ص ] وفي بعض اتجاهاته , مما بين الله فيه بيانا في القرآن . .

بذلك يبطل الله كيد الشيطان , ويحكم الله آياته , فلا تبقى هنالك شبهة في الوجه الصواب:

(والله عليم حكيم). . فأما الذين في قلوبهم مرض من نفاق أو انحراف , والقاسية قلوبهم من الكفار المعاندين ; فيجدون في مثل هذه الأحوال مادة للجدل واللجاج والشقاق: (وإن الظالمين لفي شقاق بعيد). وأما الذين أوتوا العلم والمعرفة فتطمئن قلوبهم إلى بيان الله وحكمه الفاصل: وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم . .

وفي حياة النبي [ ص ] وفي تاريخ الدعوة الإسلامية نجد أمثلة من هذا , تغنينا عن تأويل الكلام , الذي أشار إليه الإمام ابن جرير رحمه الله .

نجد من ذلك مثالا في قصة ابن أم مكتوم - رضي الله عنه - الأعمى الفقير الذي جاء إلى رسول الله [ ص ] يقول:يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله , ويكرر هذا القول والرسول [ ص ] مشغول بأمر الوليد بن المغيرة يود لو يهديه إلى الإسلام ومعه صناديد قريش , وابن أم مكتوم لا يعلم أن رسول الله [ ص ] مشغول بهذا الأمر . حتى كره , رسول الله [ ص ] إلحاحه فعبس وأعرض عنه . . فأنزل الله في هذا قرآنا يعاتب فيه الرسول عتابا شديدا:

(عبس وتولى . أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزكى , أو يذكر فتنفعه الذكرى ! أما من استغنى , فأنت له تصدى ? وما عليك ألا يزكى ? وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى ? كلا ! إنها تذكرة فمن شاء ذكره . . .).

وبهذا رد الله للدعوة موازينها الدقيقة وقيمها الصحيحة . وصحح تصرف رسول الله [ ص ] الذي دفعته إليه , رغبته في هداية صناديد قريش , طمعا في إسلام من وراءهم وهم كثيرون . فبين الله له:أن استقامة الدعوة على أصولها الدقيقة أهم من إسلام أولئك الصناديد . وأبطل كيد الشيطان من الدخول إلى العقيدة من هذه الثغرة , وأحكم الله آياته . واطمأنت إلى هذا البيان قلوب المؤمنين .

ولقد كان رسول الله [ ص ] بعد ذلك يكرم ابن أم مكتوم . ويقول إذا رآه:" مرحبا بمن عاتبني فيه ربي " ويقول له:" هل لك من حاجة " واستخلفه على المدينة مرتين .

كذلك وقع ما رواه مسلم في صحيحه قال:حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي , عن إسرائيل , عن المقدام بن شريح , عن أبيه , عن سعد - هو ابن أبي وقاص - قال:كنا مع النبي [ ص ] ستة نفر . فقال المشركون للنبي [ ص ]:أطرد هؤلاء لا يجترئون علينا . قال:وكنت أنا وابن مسعود , ورجل من هذيل , وبلال , ورجلان نسيت اسميهما . فوقع في نفس رسول الله [ ص ] ما شاء الله أن يقع , فحدث نفسه , فأنزل الله عز وجل: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم ; بالغداة والعشي يريدون وجهه).

وهكذا رد الله للدعوة قيمها المجردة , وموازينها الدقيقة . ورد كيد الشيطان فيما أراد أن يدخل من تلك الثغرة . ثغرة الرغبة البشرية في استمالة كبراء قريش بإجابة رغبتهم في أن لا يحضر هؤلاء الفقراء مجلسهم مع رسول الله [ ص ] وقيم الدعوة أهم من أولئك الكبراء , وما يتبع إسلامهم من إسلام الألوف معهم وتقوية الدعوة في نشأتها بهم - كما كان يتمنى رسول الله [ ص ] والله أعلم بمصدر القوة الحقيقية , وهو الاستقامة التي لا ترعى هوى شخصيا ولا عرفا جاريا !

ولعله مما يلحق بالمثلين المتقدمين ما حدث في أمر زينب بنت جحش ابنة عمة رسول الله [ ص ] فقد زوجها من زيد بن حارثة - رضي الله عنه - وكان قد تبناه قبل النبوة , فكان يقال له:زيد بن محمد . فأراد الله أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة فقال تعالى: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله)وقال: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم). . وكان زيد - رضي الله عنه - أحب الناس إلى رسول الله [ ص ] فزوجه من ابنة عمته زينب بنت جحش - رضي الله عنها - فلم تستقم بينهما الحياة . . وكانوا في الجاهلية يكرهون أن يتزوج المتبني مطلقة متبناه . فأراد الله سبحانه إبطال هذه العادة , كما أبطل نسبة الولد إلى غير أبيه . فأخبره رسوله [ ص ] أنه سيزوجه من زينب بعد أن يطلقها زيد - لتكون هذه السنة مبطلة لتلك العادة - ولكن النبي [ ص ] أخفى في نفسه ما أخبره به الله . وكان كلماشكا إليه زيد تعذر الحياة مع زينب قال له: (أمسك عليك زوجك)مراعيا في هذا كراهية القوم لزواجه منها حين يطلقها زيد . وظل يخفي ما قدر الله إظهاره حتى طلقها زيد . . فأنزل الله في هذا قرآنا , يكشف عما جال في خاطر الرسول [ ص ] ويقرر القواعد التي أراد الله أن يقوم تشريعه في هذه المسألة عليها:

وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه:أمسك عليك زوجك واتق الله . وتخفي في نفسك ما الله مبديه , وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه . فلما قضى زيد منها وطرأ زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا . وكان أمر الله مفعولا . .

ولقد صدقت عائشة - رضى الله عنها وهي تقول:لو كتم محمد [ ص ] شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله تعالى لكتم: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه , وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه). .

وهكذا أنفذ الله شريعته وأحكمها , وكشف ما خالج خاطر رسول الله [ ص ] من كراهية القوم لزواجه من مطلقة دعيه . ولم يمكن للشيطان أن يدخل من هذه الثغرة . وترك الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم يتخذون من هذه الحادثة , مادة للشقاق والجدال ما تزال !!!

هذا هو ما نطمئن إليه في تفسير تلك الآيات . والله الهادي إلى الصواب .

ولقد تدفع الحماسة والحرارة أصحاب الدعوات - بعد الرسل - والرغبة الملحة في انتشار الدعوات وانتصارها . . تدفعهم إلى استمالة بعض الأشخاص أو بعض العناصر بالإغضاء في أول الأمر عن شيء من مقتضيات الدعوة يحسبونه هم ليس أصيلا فيها , ومجاراتهم في بعض أمرهم كي لا ينفروا من الدعوة ويخاصمونها !

ولقد تدفعهم كذلك إلى اتخاذ وسائل وأساليب لا تستقيم مع موازين الدعوة الدقيقة , ولا مع منهج الدعوة المستقيم . وذلك حرصا على سرعة انتصار الدعوة وانتشارها . واجتهادا في تحقيق "مصلحة الدعوة " ومصلحة الدعوة الحقيقية في استقامتها على النهج دون انحراف قليل أو كثير . أما النتائج فهي غيب لا يعلمه إلا الله . فلا يجوز أن يحسب حملة الدعوة حساب هذه النتائج ; إنما يجب أن يمضوا على نهج الدعوة الواضح الصريح الدقيق , وأن يدعوا نتائج هذه الاستقامة لله . ولن تكون إلا خيرا في نهاية المطاف .

وها هو ذا القرآن الكريم ينبههم إلى أن الشيطان يتربص بأمانيهم تلك لينفذ منها إلى صميم الدعوة . وإذا كان الله قد عصم أنبياءه ورسله فلم يمكن للشيطان أن ينفذ من خلال رغباتهم الفطرية إلى دعوتهم . فغير المعصومين في حاجة إلى الحذر الشديد من هذه الناحية , والتحرج البالغ , خيفة أن يدخل عليهم الشيطان من ثغرة الرغبة في نصرة الدعوة والحرص على ما يسمونه "مصلحة الدعوة " . . إن كلمة "مصلحة الدعوة " يجب أن ترتفع من قاموس أصحاب الدعوات , لأنها مزلة , ومدخل للشيطان يأتيهم منه , حين يعز عليه أن يأتيهم من ناحية مصلحة الأشخاص ! ولقد تتحول "مصلحة الدعوة " إلى صنم يتعبده أصحاب الدعوة وينسون معه منهج الدعوة الأصيل ! . . إن على أصحاب الدعوة أن يستقيموا على نهجها ويتحروا هذا النهج دون التفات إلى ما يعقبه هذا التحري من نتائج قد يلوح لهم أن فيها خطرا على الدعوة وأصحابها ! فالخطر الوحيد الذي يجب أن يتقوه هو خطر الانحراف عن النهج لسبب من الأسباب , سواء كان هذا الانحراف كثيرا

من الاية 58 الى الاية 58

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)

أو قليلا . والله أعرف منهم بالمصلحة وهم ليسوا بها مكلفين . إنما هم مكلفون بأمر واحد . ألا ينحرفوا عن المنهج , وألا يحيدوا عن الطريق . .

الدرس الرابع:55 - 58 شك الكفار بالحق وعذابهم في الآخرة مقابل نعيم المتقين

ويعقب السياق على تلك الآيات وما فيها من صيانة لدعوة الله من كيد الشيطان بأن الذين يكفرون بها مدحورون ينتظرهم العذاب المهين:

(ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم . الملك يومئذ لله يحكم بينهم . فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم , والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين).

ذلك شأن الذين كفروا مع القرآن كله , يذكره السياق بعد بيان موقفهم مما يلقي الشيطان في أمنيات الأنبياء والرسل , لما بين الشأنين من تشابه واتصال . فهم لا يزالون في ريبة من القرآن وشك . منشأ هذه الريبة أن قلوبهم لم تخالطها بشاشته فتدرك ما فيه من حقيقة وصدق . ويظل هذا حالهم (حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم)بعد قيام الساعة . ووصف هذا اليوم بالعقيم وصف يلقي ظلا خاصا . فهو يوم لا يعقب . . إنه اليوم الأخير . .

في هذا اليوم الملك لله وحده . فلا ملك لأحد , حتى الملك الظاهري الذي كان يظنه الناس في الأرض ملكا . والحكم يومئذ لله وحده , وهو يقضي لكل فريق بجزائه المقسوم: (فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم). . (والذين كفروا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين). . جزاء الكيد لدين الله , وجزاء التكذيب بآياته البينات . وجزاء الاستكبار عن الطاعة لله والتسليم . .

الوحدة الرابعة:58 - 78 الموضوع:ربح المهاجرين ومظاهر قدرة الله والأدلة على الوحدانية وعجز غير الله ووظيفة الأمة المسلمة موضوع الوحدة

انتهى الدرس الماضي ببيان عاقبة المؤمنين والمكذبين يوم يكون الملك لله وحده . وذلك في سياق نصرة الله لرسله , وصيانته لدعوته , وثوابه لمن يؤمن بها , وعقابه لمن يكذبها .

فالآن يبدأ هذا الدرس بالحديث عن المهاجرين , بعدما سبق الإذن لهم بالقتال , دفاعا عن عقيدتهم ,وعن عبادتهم , ودفعا للظلم عن أنفسهم , وقد أخرجوا من ديارهم بغير حق , ولم تكن جريرتهم إلا أن يقولوا:ربنا الله , ويبين ما أعده لهم من عوض عما تركوا من ديار و أموال . .

ثم يتحدث بصفة عامة في صورة حكم عام عمن يقع عليهم الاعتداء فيردون عليه بمثله , ثم يقع عليهم البغي والعدوان , فيعدهم نصر الله في صيغة التوكيد .

ويعقب على هذا الوعد الوثيق باستعراض دلائل القدرة التي تضمن تحقيق ذلك الوعد الوثيق . . وهي دلائل كونية تتجلى في صفحات الكون و نواميس الوجود ; وتوحي بأن نصر الله للمظلومين الذين يدفعون عن أنفسهم , و يعاقبون بمثل ما وقع عليهم , ثم يقع عليهم البغي . . سنة كونية ترتبط بنواميس الوجود الكبرى . .

و عندئذ يتوجه الخطاب الى رسول الله [ ص ] بأن لكل أمة منهجا هي مأمورة به ومهيأة لنهجه , كل يشغل نفسه بجدال المشركين , ولا يدع لهم فرصة لينازعوه في منهجه . فإن جادلوه فليكل أمرهم إلى الله , الذي يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون , فهو أعلم بحقيقة ما هم عليه , وهو الذي يعلم ما في السماء والأرض .

ويعرض بعبادتهم ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم ; وبقسوة قلوبهم ونفورهم من سماع كلمة الحق , حتى ليكادون يبطشون بالذين يتلون عليهم آيات الله . ويهددهم إزاء همهم بالسطو على دعاة الحق بالنار التي جعلها الله مصيرهم ووعدهم بها وعدا لا بد آت !

ثم يعلن في صورة بيان عام شامل للخليقة عن ضعف من يدعونهم من دون الله . ويصور ضعفهم في صورة زرية لا مبالغة فيها . ولكنها بطريقة عرضها تجسم الضعف المزري . فهي صورة من لا يقدرون على منازلة الذباب , ولا على استنفاذ ما يسلبهم إياه الذباب . . وهم آلهة كما يدعي لهم المشركون !

وينتهي الدرس وتنتهي السورة معه بتوجيه الخطاب إلى الأمة المؤمنة لتنهض بتكاليفها . وهي تكاليف الوصاية على البشرية . مستعدة لها بالركوع والسجود والعبادة وفعل الخير , مستعينة عليها بإقامة الصلاة , وإيتاء الزكاة والاعتصام بالله . .

الدرس الأول:58 - 62 ربح المهاجرين وانتصار المظلوم والأمور بيد الله

(والذين هاجروا في سبيل الله , ثم قتلوا أو ماتوا , ليرزقنهم الله رزقا حسنا , وإن الله لهو خير الرازقين . ليدخلنهم مدخلا يرضونه , وإن الله لعليم حليم). .

والهجرة في سبيل الله تجرد من كل ما تهفو له النفس , ومن كل ما تعتز به وتحرص عليه:الأهل والديار والوطن والذكريات , والمال وسائر أعراض الحياة . وإيثار العقيدة على هذا كله ابتغاء رضوان الله , وتطلعا إلى ما عنده وهو خير مما في الأرض جميعا .

والهجرة كانت قبل فتح مكة وقيام الدولة الإسلامية . أما بعد الفتح فلم تعد هجرة . ولكن جهاد وعمل - كما قال رسول الله [ ص ] فمن جاهد في سبيل الله وعمل كان له حكم الهجرة , وكان له ثوابها . .

(والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا). . سواء لاقوا الله شهداء بالقتل , أو لاقوه على فراشهم بالموت . فلقد خرجوا من ديارهم وأموالهم في سبيله مستعدين لكل مصير , واستروحوا الشهادة في هجرتهم عن أي طريق , وضحوا بكل عرض الحياة وتجردوا بهذا لله . فتكفل الله لهم بالعوض الكريم عما فقدوه: (ليرزقنهم الله رزقا حسنا , وإن الله لهو خير الرازقين). . وهو رزق أكرم وأجزل

من الاية 59 الى الاية 61

لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)

من كل ما تركوا: (ليدخلنهم مدخلا يرضونه)فقد خرجوا مخرجا يرضي الله , فتعهد لهم الله بأن يدخلهم مدخلا يرضونه . وإنه لمظهر لتكريم الله لهم بأن يتوخى ما يرضونه فيحققه لهم , وهم عباده , وهو خالقهم سبحانه . (وإن الله لعليم حليم). . عليم بما وقع عليهم من ظلم وأذى , وبما يرضي نفوسهم ويعوضها . حليم يمهل . ثم يوفي الظالم والمظلوم الجزاء الأوفى . .

فأما الذين يقع عليهم العدوان من البشر فقد لا يحلمون ولا يصبرون , فيردون العدوان , ويعاقبون بمثل ما وقع عليهم من الأذى . فإن لم يكف المعتدون , وعاودوا البغي على المظلومين تكفل الله عندئذ بنصر المظلومين على المعتدين:

(ذلك . ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله . إن الله لعفو غفور)وشرط هذا النصر أن يكون العقاب قصاصا على اعتداء لا عدوانا ولا تبطرا ; وألا يتجاوز العقاب مثل ما وقع من العدوان دون مغالاة .

ويعقب على رد الاعتداء بمثله بأن الله عفو غفور . فهو الذي يملك العفو والمغفرة . أما البشر فقد لا يعفون ولا يغفرون , وقد يؤثرون القصاص ورد العدوان . وهذا لهم بحكم بشريتهم ولهم النصر من الله .

بعد ذلك يربط السياق بين وعد الله بالنصر لمن يعاقب بمثل ما عوقب به ثم يقع عليه البغي . . يربط بين هذا الوعد وسنن الله الكونية الكبرى , التي تشهد بقدرة الله على تحقيق وعده , كما تشهد بدقة السنن الكونية المطردة مما يوحي بأن ذلك النصر هو إحدى هذه السنن التي لا تتخلف .

(ذلك بأن الله يولج الليل في النهار , ويولج النهار في الليل , وأن الله سميع بصير). .

وهي ظاهرة طبيعية تمر بالبشر صباحا ومساء , وصيفا وشتاء . الليل يدخل في النهار عند المغيب , والنهار يدخل في الليل عند الشروق . والليل يدخل في النهار وهو يطول في مدخل الشتاء , والنهار يدخل في الليل وهو يمتد عند مطلع الصيف . . ويرى البشر هذه الظاهرة وتلك من إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل فينسيهم طول رؤيتها وطول ألفتها ما وراءها من دقة النواميس واطرادها . فلا تختل مرة , ولا تتوقف مرة . وهي تشهد بالقدرة الحكيمة التي تصرف هذا الكون وفق تلك النواميس .

والسياق يوجه النظر إلى تلك الظاهرة الكونية المكرورة التي يمر عليها الناس غافلين . ليفتح بصائرهم ومشاعرهم على يد القدرة , وهي تطوي النهار من جانب وتسدل الليل من جانب . وهي تطوي الليل من جانب وتنشر النهار من جانب . في دقة عجيبة لا تختل , وفي اطراد عجيب لا يتخلف . . وكذلك نصر الله لمن يقع عليه البغي وهو يدفع عن نفسه العدوان . . إنه سنة مطردة كسنة إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل . فكذلك يزوي الله سلطان المتجبرين وينشر سلطان العادلين . فهي سنة كونية كتلك السنة , يمر عليها الناس غافلين , كما يمرون على دلائل القدرة في صفحة الكون وهم لا يشعرون !

ذلك مرتبط بأن الله هو الحق . فالحق هو المسيطر على نظام هذا الكون . وكل ما دون الله باطل يختل ويتخلف ولا يطرد أو يستقيم .

(ذلك بأن الله هو الحق , وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير). .

وذلك تعليل كاف وضمان كاف لانتصار الحق والعدل , وهزيمة الباطل والبغي . وهو كذلك ضمان لاطراد سنن الكون وثباتها , وعدم تخلخلها أو تخلفها . ومن هذه السنن انتصار الحق وهزيمة البغي .

من الاية 62 الى الاية 64

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)

والله أعلى من الطغاة , وأكبر من الجبارين: (وأن الله هو العلي الكبير). . فلن يدع البغي يستعلي والظلم يستطيل .

الدرس الثاني:63 - 64 ملك الكون لله وإنزاله المطر وإنباته النبات

ويستطرد السياق في استعراض دلائل القدرة في مشاهد الكون المعروضة للناس في كل حين:

(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء , فتصبح الأرض مخضرة ? إن الله لطيف خبير).

ونزول الماء من السماء , ورؤية الأرض بعده مخضرة بين عشية وصباح . . ظاهرة واقعة مكرورة . قد تذهب الألفة بجدتها في النفوس . فأما حين يتفتح الحس الشاعر , فإن هذا المشهد في الأرض يستجيش في القلب شتى المشاعر والأحاسيس . وإن القلب ليحس أحيانا أن هذا النبت الصغير الطالع من سواد الطين , بخضرته وغضارته , أطفال صغار تبسم في غزارة لهذا الوجود الشائق البهيج , وتكاد من فرحتها بالنور تطير !

والذي يحس على هذا النحو يستطيع أن يدرك ما في التعقيب بقوله: (إن الله لطيف خبير). . من لطف وعمق ومشاكلة للون هذا الإحساس , ولحقيقة ذلك المشهد وطبيعته . فمن اللطف الإلهي ذلك الدبيب اللطيف . دبيب النبتة الصغيرة من جوف الثرى , وهي نحيلة ضئيلة , ويد القدرة تمدها في الهواء , وتمدها بالشوق إلى الارتفاع على جاذبية الأرض وثقلة الطين . . وبالخبرة الإلهية يتم تدبير الأمر في إنزال الماء بقدر في الوقت المناسب وبالقدر المطلوب ويتم امتزاج الماء بالتربة , وبخلايا النبات الحية المتطلعة إلى الانطلاق والنور !

والماء ينزل من سماء الله إلى أرضه , فينشى ء فيها الحياة , ويوفر فيها الغذاء والثراء . . والله المالك لما في السماء والأرض , غني عما في السماء والأرض . وهو يرزق الأحياء بالماء والنبات , وهو الغني عنهم وعما يرزقون:

(وإن الله لهو الغني الحميد).

فما به سبحانه من حاجة إلى من في السماء والأرض , أو ما في السماء والأرض فهو الغني عن الجميع . . وهو المحمود على آلائه , المشكور على نعمائه , المستحق للحمد من الجميع .

الدرس الثالث:65 حفظ الله للكون وتدبيره بقدرته

ويستطرد السياق مرة أخرى إلى استعراض دلائل القدرة المعروضة للناس في كل حين:

(ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض , والفلك تجري في البحر بأمره . ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه . إن الله بالناس لرؤوف رحيم). .

وفي هذه الأرض كم من قوة وكم من ثروة سخرها الله لهذا الإنسان ; وهو غافل عن يد الله ونعمته التي يتقلب فيها بالليل والنهار !

لقد سخر الله ما في الأرض لهذا الإنسان , فجعل نواميسها موافقة لفطرته وطاقاته . ولو اختلفت فطرة الإنسان وتركيبه عن نواميس هذه الأرض ما استطاع الحياة عليها , فضلا على الانتفاع بها وبما فيها . . لو اختلف تركيبه الجسدي عن الدرجة التي يحتمل فيها جو هذه الأرض , واستنشاق هوائها , والتغذي بطعامها والارتواء بمائها لما عاش لحظة . ولو اختلفت كثافة بدنه أو كثافة الأرض عما هي عليه ما استقرت قدماه على الأرض , ولطار في الهواء أو غاص في الثرى . . ولو خلا وجه هذه الأرض من الهواء أو كان هذا الهواء أكثف مما هو أو أخف لاختنق هذا الإنسان أو لعجز عن استنشاق الهواء مادة الحياة ! فتوافق نواميس هذه الأرض وفطرة هذا
من الاية 65 الى الاية 66

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ (66)

الإنسان هو الذي سخر الأرض وما فيها لهذا الإنسان . وهو من أمر الله .

ولقد سخر الله له ما في الأرض مما وهبه من طاقات وإدراكات صالحة لاستغلال ثروات هذه الأرض , وما أودعه الله إياها من ثروات وطاقات ظاهرة وكامنة ; يكشف منها الإنسان واحدة بعد واحدة - وكلما احتاج إلى ثروة جديدة فض كنوزا جديدة . وكلما خشي أن ينفذ رصيده من تلك الكنوز تكشف له منها رصيد جديد . . وها هو ذا اليوم لم يستنفد بعد ثروة البترول وسائر الفلزات ثم فتح له كنز الطاقة الذرية والطاقة الإيدروجينية . وإن يكن بعد كالطفل يعبث بالنار فيحرق نفسه بها ويحرق سواه , إلا حين يهتدي بمنهج الله في الحياة , فيوجه طاقاتها وثرواتها إلى العمران والبناء , ويقوم بالخلافة في الأرض كما أرادها الله !

(والفلك تجري في البحر بأمره). . فهو الذي خلق النواميس التي تسمح بجريان الفلك في البحر . وعلم الإنسان كيف يهتدي إلى هذه النواميس , فيسخرها لمصلحته وينتفع بها هذا الانتفاع . ولو اختلفت طبيعة البحر أو طبيعة الفلك . أو لو اختلفت مدارك هذا الإنسان . . ما كان شيء من هذا الذي كان !

(ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه). . وهو الذي خلق الكون وفق هذا النظام الذي اختاره له ; وحكم فيه تلك النواميس التي تظل بها النجوم والكواكب مرفوعة متباعدة , لا تسقط ولا يصدم بعضها بعضا . .

وكل تفسير فلكي للنظام الكوني ما يزيد على أنه محاولة لتفسير الناموس المنظم للوضع القائم الذي أنشأه خالق هذا النظام . وإن كان بعضهم ينسى هذه الحقيقة الواضحة , فيخيل إليه أنه حين يفسر النظام الكوني ينفي يد القدرة عن هذا الكون ويستبعد آثارها ! وهذا وهم عجيب وانحراف في التفكير غريب . فإن الاهتداء إلى تفسير القانون - على فرض صحته والنظريات الفلكية ليست سوى فروض مدروسة لتفسير الظواهر الكونية تصح أو لا تصح , وتثبت اليوم وتبطل غدا بفرض جديد - لا ينفي وجود واضع القانون . وأثره في إعمال هذا القانون . .

والله سبحانه (يمسك السماء أن تقع على الأرض)بفعل ذلك الناموس الذي يعمل فيها وهو من صنعه . (إلا بإذنه)وذلك يوم يعطل الناموس الذي يعمله لحكمة ويعطله كذلك لحكمة .

الدرس الرابع:66 الحياة والموت والبعث بيد الله

وينتهي السياق في استعراض دلائل القدرة ودقة الناموس بالانتقال من الكون إلى النفس ; وعرض سنن الحياة والموت في عالم الإنسان:

(وهو الذي أحياكم , ثم يميتكم , ثم يحييكم , إن الإنسان لكفور). .

والحياة الأولى معجزة , تتجدد في كل حياة تنشأ آناء الليل وأطراف النهار . وسرها اللطيف ما يزال غيبا يحار العقل البشري في تصور كنهه . . وفيه مجال فسيح للتأمل والتدبر . .

والموت سر آخر يعجز العقل البشري عن تصور كنهه , وهو يتم في لحظة خاطفة , والمسافة بين طبيعة الموت وطبيعة الحياة مسافة عريضة ضخمة . . وفيه مجال فسيح للتأمل والتدبر . .

والحياة بعد الموت - وهي غيب من الغيب , ولكن دليله حاضر من النشأة الأولى . . وفيه مجال كذلك للتأمل والتدبر . .

ولكن هذا الإنسان لا يتأمل ولا يتدبر هذه الدلائل والأسرار: (إن الإنسان لكفور). .

والسياق يستعرض هذه الدلائل كلها , ويوجه القلوب إليها في معرض التوكيد لنصرة الله لمن يقع عليه

من الاية 67 الى الاية 69

لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ (67) وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)

البغي وهو يرد عن نفسه العدوان . وذلك على طريقة القرآن في استخدام المشاهد الكونية لاستجاشة القلوب , وفي ربط سنن الحق والعدل في الخلق بسنن الكون ونواميس الوجود . .

الدرس الخامس:67 - 72 تثبيت الرسول على دعوته وعدم التفاته للمشركين وعداوة المشركين للحق

وحين يصل السياق إلى هذا المقطع الفاصل من عرض دلائل القدرة في مشاهد الكون الكبرى يتوجه بالخطاب إلى رسول الله [ ص ] ليمضي في طريقه , غير ملتفت إلى المشركين وجدالهم له ; فلا يمكنهم من نزاعه في منهجه الذي اختاره الله له , وكلفه تبليغه وسلوكه .

(لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه , فلا ينازعنك في الأمر , وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم . وإن جادلوك فقل:الله أعلم بما تعملون . الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون . ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض ? إن ذلك في كتاب . إن ذلك على الله يسير). .

إن لكل أمة منهجا وطريقة في الحياة والتفكير والسلوك والاعتقاد . هذا المنهج خاضع لسنن الله في تصريف الطبائع والقلوب وفق المؤثرات والاستجابات . وهي سنن ثابتة مطردة دقيقة . فالأمة التي تفتح قلوبها لدواعي الهدى ودلائله في الكون والنفس هي أمة مهتدية إلى الله بالاهتداء إلى نواميسه المؤدية إلى معرفته وطاعته . والأمة التي تغلق قلوبها دون تلك الدواعي والدلائل أمة ضالة تزداد ضلالا كلما زادت اعراضا عن الهدى ودواعيه . .

وهكذا جعل الله لكل أمة منسكا هم ناسكوه , ومنهجا هم سالكوه . . فلا داعي إذن لأن يشغل الرسول [ ص ] نفسه بمجادلة المشركين , وهم يصدون أنفسهم عن منسك الهدى , ويمعنون في منسك الضلال . والله يأمره ألا يدع لهم فرصة لينازعوه أمره , ويجادلوه في منهجه . كما يأمره أن يمضي على منهجه لا يتلفت ولا ينشغل بجدل المجادلين . فهو منهج مستقيم: (وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم). .

فليطمئن إذن على استقامة منهجه . واستقامته هو على الهدى في الطريق . . فإن تعرض القوم لجداله فليختصر القول . فلا ضرورة لإضاعة الوقت والجهد:

(وإن جادلوك فقل:الله أعلم بما تعملون). .

فإنما يجدي الجدل مع القلوب المستعدة للهدى التي تطلب المعرفة وتبحث حقيقة عن الدليل . لا مع القلوب المصرة على الضلال المكابرة التي لا تحفل كل هذا الحشد من الدواعي والدلائل في الأنفس والآفاق وهي كثيرة معروضة للأنظار والقلوب . . فليكلهم إلى الله . هو الذي يحكم بين المناسك والمناهج وأتباعها الحكم الفاصل الأخير:

(الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون). .

وهو الحكم الذي لا يجادل فيه أحد , لأنه لا جدال في ذلك اليوم , ولا نزاع في الحكم الأخير !

والله يحكم بعلم كامل , لا يند عنه سبب ولا دليل , ولا تخفى عليه خافية في العمل والشعور . وهو الذي يعلم ما في السماء والأرض كله ; ومن ضمنه عملهم ونياتهم وهو بها محيط:

(ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض . إن ذلك في كتاب . إن ذلك على الله يسير). وعلم الله الكامل الدقيق لا يخفى عليه شيء في السماء ولا في الأرض , ولا يتأثر بالمؤثرات التي تنسى وتمحو . فهو كتاب يضم علم كل شيء ويحتويه .

من الاية 70 الى الاية 72

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (71) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)

1

وإن العقل البشري ليصيبه الكلال , وهو يتأمل - مجرد تأمل - بعض ما في السماء والأرض , ويتصور إحاطة علم الله بكل هذا الحشد من الأشياء والأشخاص , والأعمال والنيات والخواطر والحركات , في عالم المنظور وعالم الضمير . ولكن هذا كله , بالقياس إلى قدرة الله وعلمه شيء يسير: (إن ذلك على الله يسير). . وبعد أن يأمر الله رسوله [ ص ] ألا يدع للمشركين فرصة لمنازعته في منهجه المستقيم , يكشف عما في منهج المشركين من عوج , وعما فيه من ضعف , وعما فيه من جهل وظلم للحق ; ويقرر أنهم محرومون من عونه تعالى ونصرته . وهم بذلك محرومون من النصير:

(ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا , وما ليس لهم به علم . وما للظالمين من نصير).

وما لوضع ولا لشرع من قوة إلا أن يستمد قوته من الله . فما لم ينزل به الله من عنده قوة , هو ضعيف هزيل , خلو من عنصر القوة الأصيل .

وهؤلاء إنما يعبدون آلهة من الأصنام والأوثان , أو من الناس أو الشيطان . . وهذه كلها لم ينزل الله بها قوة من عنده , فهي محرومة من القوة . وهم لا يعبدونها عن علم ولا دليل يقتنعون به , إنما هو الوهم والخرافة . وما لهم من نصير يلجأون إليه وقد حرموا من نصرة الله العزيز القدير .

وأعجب شيء أنهم وهم يعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا , وما ليس لهم به علم . لا يستمعون لدعوة الحق , ولا يتلقون الحديث عنها بالقبول . إنما تأخذهم العزة بالإثم , ويكادون يبطشون بمن يتلون عليهم كلام الله: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر , يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا). .

إنهم لا يناهضون الحجة بالحجة , ولا يقرعون الدليل بالدليل إنما هم يلجأون إلى العنف والبطش عندما تعوزهم الحجة ويخذلهم الدليل . وذلك شأن الطغاة دائما يشتجر في نفوسهم العتو , وتهيج فيهم روح البطش , ولا يستمعون إلى كلمة الحق لأنهم يدركون أن ليس لهم ما يدفعون به هذه الكلمة إلا العنف الغليظ !

ومن ثم يواجههم القرآن الكريم بالتهديد والوعيد: (قل:أفأنبئكم بشر من ذلكم ?)بشر من ذلكم المنكر الذي تنطوون عليه , ومن ذلك البطش الذي تهمون به . .(النار). . وهي الرد المناسب للبطش والمنكر (وبئس المصير). .

الدرس السادس:73 - 76 عجز الآلهة المعبودة من دون الله وعرض بعض صفات الله

ثم يعلن في الآفاق , على الناس جميعا , إعلانا مدويا عاما . . يعلن عن ضعف الآلهة المدعاة ; الآلهة كلها التي يتخذها الناس من دون الله . ومن بينها تلك الآلهة التي يستنصر بها أولئك الظالمون , ويركن إليها أولئك الغاشمون . يعلن عن هذا الضعف في صورة مثل معروض للأسماع والأبصار , مصور في مشهد شاخص متحرك , تتملاه العيون والقلوب . . مشهد يرسم الضعف المزري ويمثله أبرع تمثيل:

(يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له:إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له , وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب). .

إنه النداء العام , والنفير البعيد الصدى: (يا أيها الناس). . فإذا تجمع الناس على النداء أعلنوا أنهم أمام مثل عام يضرب , لا حالة خاصة ولا مناسبة حاضرة: (ضرب مثل فاستمعوا له). . هذا المثل يضع قاعدة , ويقرر حقيقة . (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له). . كل من تدعون

من الاية 73 الى الاية 74

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)

من دون الله من آلهة مدعاة . من أصنام وأوثان , ومن أشخاص وقيم وأوضاع , تستنصرون بها من دون الله , وتستعينون بقوتها وتطلبون منها النصر والجاه . . كلهم (لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له). . والذباب صغير حقير ; ولكن هؤلاء الذين يدعونهم آلهة لا يقدرون - ولو اجتمعوا وتساندوا - على خلق هذا الذباب الصغير الحقير !

وخلق الذباب مستحيل كخلق الجمل والفيل . لأن الذباب يحتوي على ذلك السر المعجز سر الحياة . فيستوي في استحالة خلقه مع الجمل والفيل . . ولكن الأسلوب القرآني المعجز يختار الذباب الصغير الحقير لأن العجز عن خلقه يلقي في الحس ظل الضعف أكثر مما يلقيه العجز عن خلق الجمل والفيل ! دون أن يخل هذا بالحقيقة في التعبير . وهذا من بدائع الأسلوب القرآني العجيب !

ثم يخطو خطوة أوسع في إبراز الضعف المزري: (وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه). . والآلهة المدعاة لا تملك استنقاذ شيء من الذباب حين يسلبها إياه , سواء كانت أصناما أو أوثانا أو أشخاصا ! وكم من عزيز يسلبه الذباب من الناس فلا يملكون رده . وقد اختير الذباب بالذات وهو ضعيف حقير . وهوفي الوقت ذاته يحمل أخطر الأمراض ويسلب أغلى النفائس:يسلب العيون والجوارح , وقد يسلب الحياة والأرواح . . إنه يحمل ميكروب السل والتيفود والدوسنتاريا والرمد . . ويسلب ما لا سبيل إلى استنقاذه وهو الضعيف الحقير !

وهذه حقيقة أخرى كذلك يستخدمها الأسلوب القرآني المعجز . . ولو قال:وإن تسلبهم السباع شيئا لا يستنقذوه منها . . لأوحى ذلك بالقوة بدل الضعف . والسباع لا تسلب شيئا أعظم مما يسلبه الذباب ! ولكنه الأسلوب القرآني العجيب !

ويختم ذلك المثل المصور الموحي بهذا التعقيب: (ضعف الطالب والمطلوب). ليقرر ما ألقاه المثل من ظلال , وما أوحى به إلى المشاعر والقلوب !

وفي أنسب الظروف . . والمشاعر تفيض بالزراية والاحتقار لضعف الآلهة المدعاة يندد بسوء تقديرهم لله , ويعرض قوة الله الحق الحقيق بأنه إله:

(ما قدروا الله حق قدره , إن الله لقوي عزيز). .

ما قدروا الله حق قدره , وهم يشركون به تلك الآلهة الكليلة العاجزة التي لا تخلق ذبابا ولو تجمعت له . بل لا تستنقذ ما يسلبها الذباب إياه !

ما قدروا الله حق قدره , وهم يرون آثار قدرته , وبدائع مخلوقاته , ثم يشركون به من لا يستطيعون خلق الذباب الحقير !

ما قدروا الله حق قدره , وهم يستعينون بتلك الآلهة العاجزة الكليلة عن استنقاذ ما يسلبها إياه الذباب , ويدعون الله القوي العزيز . .

إنه تقرير وتقريع في أشد المواقف مناسبة للخشوع والخضوع !

وهنا يذكر أن الله القوي العزيز يختار رسله من الملائكة إلى الأنبياء . ويختار رسله من البشر إلى الناس . وذلك عن علم وخيرة وقدرة:

من الاية 75 الى الاية 77

اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (76) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)

(الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس . إن الله سميع بصير . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم . وإلى الله ترجع الأمور).

فعن صاحب القوة العزيز الجناب يصدر الاختيار للملائكة والرسل . ومن لدن القوي العزيز جاء محمد [ ص ] جاء بسلطان من عند القوي العزيز الذي اختاره واصطفاه . فأنى يقف له من يركنون إلى تلك الآلهة العاجزة الضعيفة المزدراة ?!

(إن الله سميع بصير). . فهو يسمع ويرى فيعلم (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم)علما شاملا كاملا , لا يند عنه حاضر ولا غائب , ولا قريب ولا بعيد .

(وإلى الله ترجع الأمور). . فهو الحكم الأخير , وله السيطرة والتدبير .

الدرس السابع:77 - 78 وظيفة الأمة المسلمة

والآن وقد كشف عما في منسك المشركين من سخف وضعف ; وعما في عبادتهم من قصور وجهل . . الآن يتوجه بالخطاب إلى الأمة المسلمة , لتنهض بتكاليف دعوتها , وتستقيم على نهجها العريق القويم:

(يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا , واعبدوا ربكم , وافعلوا الخير لعلكم تفلحون . وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم ; وما جعل عليكم في الدين من حرج , ملة أبيكم إبراهيم . هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم , وتكونوا شهداء على الناس . فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة , واعتصموا بالله هو مولاكم , فنعم المولى ونعم النصير). .

وفي هاتين الآيتين يجمع المنهاج الذي رسمه الله لهذه الأمة , ويلخص تكاليفها التي ناطها بها , ويقرر مكانها الذي قدره لها , ويثبت جذورها في الماضي والحاضر والمستقبل , متى استقامت على النهج الذي أراده لها الله .

إنه يبدأ بأمر الذين آمنوا بالركوع والسجود . وهما ركنا الصلاة البارزان . ويكني عن الصلاة بالركوع والسجود ليمنحها صورة بارزة , وحركة ظاهرة في التعبير , ترسمها مشهدا شاخصا , وهيئة منظورة . لأن التعبير على هذا النحو أوقع أثرا وأقوى استجاشة للشعور .

ويثني بالأمر العام بالعبادة . وهي أشمل من الصلاة . فعبادة الله تشمل الفرائض كلها وتزيد عليها كذلك كل عمل وكل حركة وكل خالجة يتوجه بها الفرد إلى الله . فكل نشاط الإنسان في الحياة يمكن أن يتحول إلى عبادة متى توجه القلب به إلى الله . حتى لذائذه التي ينالها من طيبات الحياة بلفتة صغيرة تصبح عبادات تكتب له بها حسنات . وما عليه إلا أن يذكر الله الذي أنعم بها , وينوي بها أن يتقوى على طاعته وعبادته فإذا هي عبادات وحسنات , ولم يتحول في طبيعتها شيء , ولكن تحول القصد منها والاتجاه !

ويختم بفعل الخير عامة , في التعامل مع الناس بعد التعامل مع الله بالصلاة والعبادة . .

يأمر الأمة المسلمة بهذا رجاء أن تفلح . فهذه هي أسباب الفلاح . . العبادة تصلها بالله فتقوم حياتها على قاعدة ثابتة وطريق واصل . وفعل الخير يؤدي إلى استقامة الحياة , الجماعية على قاعدة من الإيمان وأصالة الاتجاه .

فإذا استعدت الأمة المسلمة بهذه ال
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى