منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة هود من ايه 7 الى 17 الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة هود من ايه 7 الى 17 الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة هود من ايه 7 الى 17 الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الجمعة مايو 11, 2012 1:45 am

من الاية 7 الى الاية 8

وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (Cool

العلماء إلى فرض جديد , وامتحنوه فوجدوه أقرب إلى تفسير الظواهر الكونية من الفرض القديم الذي قامت عليه النظرية الأولى . والنص القرآني صادق بذاته , اهتدى العلم إلى الحقيقة التي يقررها أم لم يهتد . وفرق بين الحقيقة العلمية والنظرية العلمية . فالحقيقة العلمية قابلة للتجربة - وإن كانت دائما احتمالية وليست قطعية - أما النظرية العلمية فهي قائمة على فرض يفسر ظاهرة كونية أو عدة ظواهر , وهي قابلة للتغيير والتبديل والانقلاب . . ومن ثم لا يحمل القرآن عليها ولا تحمل هي على القرآن , فلها طريق غير طريق القرآن . ومجال غير مجال القرآن .

وتلمس موافقات من النظريات "العلمية " للنصوص القرآنية هو هزيمة لجدية الإيمان بهذا القرآن واليقين بصحة ما فيه , وأنه من لدن حكيم خبير . هزيمة ناشئة من الفتنة "بالعلم" وإعطائه أكثر من مجاله الطبيعي الذي لا يصدق ولا يوثق به إلا في دائرته . فلينتبه إلى دبيب الهزيمة في نفسه من يحسب أنه بتطبيق القرآن على "العلم" يخدم القرآن ويخدم العقيدة , ويثبت الإيمان ! إن الإيمان الذي ينتظر كلمة العلم البشري المتقلبة ليثبت لهو إيمان يحتاج إلى إعادة النظر فيه ! إن القرآن هو الأصل والنظريات العلمية توافقه أو تخالفه سواء . أما الحقائق العلمية التجريبية فمجالها غير مجال القرآن . وقد تركها القرآن للعقل البشري يعمل فيها بكامل حريته , ويصل إلى النتائج التي يصل إليها بتجاربه , ووكل نفسه بتربية هذا العقل على الصحة والاستقامة والسلامة , وتحريره من الوهم والأسطورة والخرافة . كما عمل على إقامة نظام للحياة يكفل لهذا العقل أن يستقيم , وأن يتحرر , وأن يعيش في سلام ونشاط . . ثم تركه بعد ذلك يعمل في دائرته الخاصة . ويصل إلى الحقائق الجزئية الواقعية بتجاربه . ولم يتعرض لذكر شيء من الحقائق العلمية إلا نادرا . مثل أن الماء أصل الحياة والعنصر المشترك في جميع الأحياء . ومثل أن جميع الأحياء أزواج حتى النبات الذي يلقح من نفسه فهو يحتوي على خلايا التذكير والتأنيث . . . وأمثال هذه الحقائق . التي صرحت بها النصوص القرآنية .

ونعود من هذا الاستطراد إلى النص القرآني نتملاه في مجاله الأصيل . مجال بناء العقيدة وتصريف الحياة:

(وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام - وكان عرشه على الماء - ليبلوكم أيكم أحسن عملا). .

خلق السماوات والأرض في ستة أيام . . وهنا فقرات كثيرة محذوفة يشير إليها ما بعدها فيغني عنها . . خلقها في هذا الأمد , لتكون صالحة ومجهزة لحياة هذا الجنس البشري , وخلقكم وسخر لكم الأرض وما يفيدكم من السماوات . . وهو سبحانه مسيطر على الكون كله . . (ليبلوكم أيكم أحسن عملا). . والسياق يظهر كأن خلق السماوات والأرض في ستة أيام - مع سيطرة الله سبحانه على مقاليده - كان من أجل ابتلاء الإنسان . ليعظم هذا الابتلاء ويشعر الناس بأهميتهم وبجدية ابتلائهم .

وكما جهز الخالق هذه الأرض وهذه السماوات بما يصلح لحياة هذا الجنس , جهز هذا الجنس كذلك باستعدادات وطاقات ; وبنى فطرته على ذات القانون الذي يحكم الكون ; وترك له جانبا اختياريا في حياته , يملك معه أن يتجه إلى الهدى فيعينه الله عليه ويهديه , أو أن يتجه إلى الضلال فيمد الله له فيه , وترك الناس يعملون , ليبلوهم أيهم أحسن عملا . يبلوهم لا للعلم فهو يعلم . ولكن يبلوهم ليظهر المكنون من أفعالهم , فيتلقوا جزاءهم عليها كما اقتضت إرادة الله وعدله .ومن ثم يبدو التكذيب بالبعث والحساب والجزاء عجيبا غريبا في هذا الجو . بعدما يذكر أن الابتلاء مرتبط بتكوين السماوات والأرض . أصيل في نظام الكون وسنن الوجود .

ويبدو المكذبون به غير معقولين وغير مدركين للحقائق الكبيرة في تكوين هذا الوجود , وهم يعجبون لهذه الحقائق وبها يفاجأون:

(ولئن قلت:إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا:إن هذا إلا سحر مبين). .

فما أعجبها قولة , وما أغربها , وما أكذبها في ظل هذا البيان الذي تقدمها !

الدرس الرابع:8 استعجال الكفار العذاب

شأنهم في التكذيب بالبعث , وجهلهم بارتباطه بناموس الكون , هو شأنهم في مسألة العذاب الدنيوي , فهم يستعجلونه ويتساءلون عن سبب تأخيره , إذا ما اقتضت الحكمة الأزلية أن يتأخر عنهم فترة من الوقتSadولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن:ما يحبسه ? ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم , وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون).

لقد كانت القرون الأولى تهلك بعذاب من عند الله يستأصلها , بعد أن يأتيهم رسولهم بالخوارق التي يطلبونها ثم يمضون هم في التكذيب . ذلك أنها كانت رسالات مؤقتة لأمة من الناس , ولجيل واحد من هذه الأمة . والمعجزة كذلك لا يشهدها إلا هذا الجيل , ولا تبقى لتشاهدها أجيال أخرى لعلها تؤمن بها أكثر مما آمن الجيل الذي شهدها أول مرة .

فأما الرسالة المحمدية فقد كانت خاتمة الرسالات , ولجميع الأقوام وجميع الأجيال , وكانت المعجزة التي صاحبتها معجزة غير مادية , فهي قابلة للبقاء , قابلة لأن تتدبرها أجيال وأجيال , وتؤمن بها أجيال وأجيال , ومن ثم اقتضت الحكمة ألا تؤخذ هذه الأمة بعذاب الاستئصال . وأن يقع العذاب على أفراد منها في وقت معلوم . . وكذلك كان الحال في الأمم الكتابية قبلها من اليهود والنصارى , فلم يعم فيهم عذاب الاستئصال .

ولكن المشركين في جهلهم بنواميس الله الخاصة بخلق الإنسان على هذا النحو من القدرة على الاختيار والاتجاه ; وخلق السماوات والأرض على نحو يسمح له بالعمل والنشاط والبلاء ينكرون البعث . وفي جهلهم بسنن الله في الرسالات والمعجزات والعذاب يتساءلون إذا ما أخر عنهم إلى أمة من السنوات أو الأيام - أي مجموعة منها - ما يحبسه ? وما يؤخره ? فلا يدركون حكمة الله ولا رحمته . وهو يوم يأتيهم لا يصرف عنهم , بل يحيط بهم , جزاء لاستهزائهم الذي يدل عليه سؤالهم واستهتارهم:

ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون .

إن عذاب الله لا تستعجله نفس مؤمنة ولا نفس جادة . وإذا ما أبطأ فهي حكمة ورحمة . ليؤمن من يتهيأ للإيمان .

وفي فترة التأجيل التي صرف الله العذاب فيها عن مشركي قريش , كم آمن منهم من رجال حسن إسلامهم وأبلوا أحسن البلاء . وكم ولد لكفارهم من ذرية نشأت فيما بعد في الإسلام . . وهذه وتلك بعض الحكم الظاهرة والله يعلم ما بطن . ولكن البشر القاصرين العجولين لا يعلمون . .

الدرس الخامس:9 - 11 نماذج لتقلب الإنسان أمام المفاجآت التي لا يضبطها إلا الإيمان

وبمناسبة استعجال العذاب يجول السياق جولة في نفس هذا المخلوق الإنساني العجيب , الذي لا يثبت ولا يستقيم إلا بالإيمان:

ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور , ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن:ذهب السيئات عني , إنه لفرح فخور . إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات , أولئك لهم مغفرة وأجر كبير . .

إنها صورة صادقة لهذا الإنسان العجول القاصر , الذي يعيش في لحظته الحاضرة , ويطغى عليه ما يلابسه ; فلا يتذكر ما مضى ولا يفكر فيما يلي . فهو يؤوس من الخير , كفور بالنعمة بمجرد أن تنزع منه . مع أنها كانت هبة من الله له . وهو فرح بطر بمجرد أن يجاوز الشدة إلى الرخاء . لا يحتمل في الشدة ويصبر ويؤمل في رحمة الله ويرجو فرجه ; ولا يقتصد في فرحه وفخره بالنعمة أو يحسب لزوالها حسابا . .

(إلا الذين صبروا). .

صبروا على النعمة كما صبروا على الشدة , فإن كثيرا من الناس يصبرون على الشدة تجلدا وإباء أن يظهر عليهم الضعف والخور , ولكن القلة هي التي تصبر على النعمة فلا تغتر ولا تبطر . .

(وعملوا الصالحات). .

في الحالين . في الشدة بالاحتمال والصبر , وفي النعمة بالشكر والبر .

(أولئك لهم مغفرة وأجر كبير). .

بما صبروا على الضراء وبما شكروا في السراء .

إن الإيمان الجاد المتمثل في العمل الصالح هو الذي يعصم النفس البشرية من اليأس الكافر في الشدة ; كما يعصمها من البطر الفاجر في الرخاء . وهو الذي يقيم القلب البشري على سواء في البأساء والنعماء ; ويربطه بالله في حاليه , فلا يتهاوى ويتهافت تحت مطارق البأساء . ولا يتنفج ويتعالى عندما تغمره النعماء . . وكلا حالي المؤمن خير . وليس ذلك إلا للمؤمن كما يقول رسول الله [ ص ] .

الدرس السادس:12 تثبيت الرسول أمام شبهات الكفار

أولئك الجاهلون بحكمة الخلق وبسنن الكون - وهم أفراد من هذا الإنسان القاصر الغافل اليؤوس الكفور الفرح الفخور - الذين لا يدركون حكمة إرسال الرسل من البشر فيطلبون أن يكون الرسول ملكا أو أن يصاحبه ملك ; ولا يقدرون قيمة الرسالة فيطلبون أن يكون للرسول كنز ! . . أولئك المكذبون المعاندون الذين يلجون في التكذيب والعناد . . ما تراك صانعا معهم أيها الرسول ?

(فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا:لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك . إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل). .

ولعل هنا تحمل معنى الاستفهام . وهو ليس استفهاما خالصا , إنما يتلبس به أن المتوقع من النفس البشرية أن تضيق صدرا بهذا الجهل , وبهذا التعنت , وبهذه الاقتراحات السخيفة التي تكشف عن بعد كامل عن إدراك طبيعة الرسالة ووظيفتها . فهل سيضيق صدرك - يا محمد - وهل سيحملك هذا الضيق على أن تترك بعض ما أنزل إليك فلا تبلغه لهم , كي لا يقابلوه بما اعتادوا أن يقابلوا به نظائره فيما أخبرتهم من قبل ?

كلا . لن تترك بعض ما يوحى إليك ولن يضيق به صدرك من قولهم هذا:

(إنما أنت نذير). .
من الاية 9 الى الاية 11

وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)

فواجبك كله أن تنذرهم - وأبرز صفة النذير هنا لأن المقام يستوجبها مع أمثال هؤلاء - فأد واجبك: (والله على كل شيء وكيل). .

فهو الموكل بهم , يصرفهم كيف يشاء وفق سنته , ويحاسبهم بعد ذلك على ما يكسبون . ولست أنت موكلا بكفرهم أو إيمانهم . إنما أنت نذير .

وهذه الآية تشي بجو تلك الفترة الحرجة في تاريخ الدعوة ; وما كان يعتور صدر رسول الله [ ص ] من الضيق . كما تشي بثقل المواجهة للجاهلية المتمردة المعاندة , في الوقت الذي هلك فيه العشير والنصير ; وغمرت الوحشة قلب رسول الله [ ص ] وغشى الكرب على قلوب المؤمنين القلائل في هذه الجاهلية المحيطة . .

ومن بين كلمات الآية نحس جوا مكروبا تتنزل فيه هذه الكلمات الربانية بالبشاشة , وتسكب فيه الطمأنينة , وتريح الأعصاب والقلوب !

الدرس السابع:13 - 16 تحدي الكفار لإثبات مصدر القرآن وإسلامهم وإلا فهي النار

وقولة أخرى يقولونها . وقد قالوها مرارا:إن هذا القرآن مفترى . فتحدهم إذن أن يفتروا عشر سور كسوره , وليستعينوا بمن يشاءون في هذا الافتراء:

(أم يقولون افتراه ? قل:فأتوا بعشر سور مثله مفتريات . وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين). .

ولقد سبق أن تحداهم بسورة واحدة في سورة يونس , فما التحدي بعد ذلك بعشر سور ?

قال المفسرون القدامى:إن التحدي كان على الترتيب:بالقرآن كله , ثم بعشر سور , ثم بسورة واحدة . ولكن هذا الترتيب ليس عليه دليل . بل الظاهر أن سورة يونس سابقة والتحدي فيها بسورة واحدة , وسورة هود لاحقة والتحدي فيها بعشر سور . وحقيقة إن ترتيب الآيات في النزول ليس من الضروري أن يتبع ترتيب السور . فقد كانت تنزل الآية فتلحق بسورة سابقة أو لاحقة في النزول . إلا أن هذا يحتاج إلى ما يثبته . وليس في أسباب النزول ما يثبت أن آية يونس كانت بعد آية هود . والترتيب التحكمي في مثل هذا لا يجوز .

ولقد حاول السيد رشيد رضا في تفسير المنار أن يجد لهذا العدد (عشر سور)علة , فأجهد نفسه طويلا - رحمة الله عليه - ليقول:إن المقصود بالتحدي هنا هو القصص القرآني , وأنه بالاستقراء يظهر أن السور التي كان قد نزل بها قصص مطول إلى وقت نزول سورة هود كانت عشرا . فتحداهم بعشر . . لأن تحديهم بسورة واحدة فيه يعجزهم أكثر من تحديهم بعشر نظرا لتفرق القصص وتعدد أساليبه , واحتياج المتحدي إلى عشر سور كالتي ورد فيها ليتمكن من المحاكاة إن كان سيحاكى . . الخ

ونحسب - والله أعلم - أن المسألة أيسر من كل هذا التعقيد . وأن التحدي كان يلاحظ حالة القائلين وظروف القول , لأن القرآن كان يواجه حالات واقعة محددة مواجهة واقعة محددة . فيقول مرة:ائتوا بمثل هذا القرآن . أو ائتوا بسورة , أو بعشر سور . دون ترتيب زمني . لأن الغرض كان هو التحدي في ذاته بالنسبة لأي شيء من هذا القرآن . كله أو بعضه أو سورة منه على السواء . فالتحدي كان بنوع هذا القرآن لا بمقداره . والعجز كان عن النوع لا عن المقدار . وعندئذ يستوي الكل والبعض والسورة . ولا يلزم ترتيب , إنما هو
هود

من الاية 12 الى الاية 13

فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13)

مقتضى الحالة التي يكون عليها المخاطبون , ونوع ما يقولون عن هذا القرآن في هذه الحالة . فهو الذي يجعل من المناسب أن يقال سورة أو عشر سور أو هذا القرآن . ونحن اليوم لا نملك تحديد الملابسات التي لم يذكرها لنا القرآن .

(وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين). .

ادعوا شركاءكم وفصحاءكم وبلغاءكم وشعراءكم وجنكم وإنسكم . وأتوا بعشر سور فقط مفتريات , إن كنتم صادقين في أن هذا القرآن مفترى من دون الله !

(فإن لم يستجيبوا لكم). .

ولم يقدروا على افتراء عشر سور , لأنهم عاجزون عن أن يقدموا لكم عونا في هذه المهمة المتعذرة ! وعجزتم أنتم بطبيعة الحال , لأنكم لم تدعوهم لتستعينوا بهم إلا بعد عجزكم !

(فاعلموا أنما أنزل بعلم الله). .

فهو وحده القادر على أن ينزله , وعلم الله وحده هو الكفيل بأن ينزله على هذا النحو الذي نزل به , متضمنا ما تضمنه من دلائل العلم الشامل بسنن الكون وأحوال البشر , وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم , وما يصلح لهم في نفوسهم وفي معاشهم . . .

وأن لا إله إلا هو . .

فهذا مستفاد كذلك من عجز آلهتكم عن تلبيتكم في تأليف عشر سور كالتي أنزلها الله . فلا بد أن يكون هناك إله واحد هو القادر وحده على تنزيل هذا القرآن .

ويعقب على هذا التقرير الذي لا مفر من الإقرار به بسؤال لا يحتمل إلا جوابا واحدا عند غير المكابرين المتعنتين . سؤال:

(فهل أنتم مسلمون ?). .

بعد هذا التحدي والعجز ودلالته التي لا سبيل إلى مواجهتها بغير التسليم ? .

ولكنهم ظلوا بعدها يكابرون !!!

لقد كان الحق واضحا ولكنهم كانوا يخافون على ما يتمتعون به في هذه الحياة الدنيا من منافع وسلطان , وتعبيد للناس كي لا يستجيبوا لداعي الحرية والكرامة والعدل والعزة . . داعي لا إله إلا الله . . لهذا يعقب السياق بما يناسب حالهم ويصور لهم عاقبة أمرهم فيقول:

(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار , وحبط ما صنعوا فيها , وباطل ما كانوا يعملون). .

إن للجهد في هذه الأرض ثمرته . سواء تطلع صاحبه إلى أفق أعلى أو توجه به إلى منافعه القريبة وذاته المحدودة . فمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فعمل لها وحدها , فإنه يلقى نتيجة عمله في هذه الدنيا ; ويتمتع بها كما يريد - في أجل محدود - ولكن ليس له في الآخرة إلا النار , لأنه لم يقدم للآخرة شيئا , ولم يحسب لها حسابا , فكل عمل الدنيا يلقاه في الدنيا . ولكنه باطل في الآخرة لا يقام له فيها وزن وحابط [ من حبطت الناقة إذا انتفخ بطنها من المرض ] وهي صورة مناسبة للعمل المنتفخ المتورم في الدنيا وهو مؤد إلى الهلاك !

ونحن نشهد في هذه الأرض أفرادا اليوم وشعوبا وأمما تعمل لهذه الدنيا , وتنال جزاءها فيها . ولدنياها
من الاية 14 الى الاية 14

فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (14)

زينة , ولدنياها انتفاخ ! فلا يجوز أن نعجب ولا أن نسأل:لماذا ? لأن هذه هي سنة الله في هذه الأرضSadمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون).

ولكن التسليم بهذه السنة ونتائجها لا يجوز أن ينسينا أن هؤلاء كان يمكن أن يعملوا نفس ما عملوه - ونفوسهم تتطلع للآخرة وتراقب الله في الكسب والمتاع - فينالوا زينة الحياة الدنيا لا يبخسون منها شيئا , وينالوا كذلك متاع الحياة الأخرى .

إن العمل للحياة الأخرى لا يقف في سبيل العمل للحياة الدنيا . بل إنه هو هو مع الاتجاه إلى الله فيه . ومراقبة الله في العمل لا تقلل من مقداره ولا تنقص من آثاره ; بل تزيد وتبارك الجهد والثمر , وتجعل الكسب طيبا والمتاع به طيبا , ثم تضيف إلى متاع الدنيا متاع الآخرة . إلا أن يكون الغرض من متاع الدنيا هو الشهوات الحرام . وهذه مردية لا في الأخرى فحسب , بل كذلك في الدنيا ولو بعد حين . وهي ظاهرة في حياة الأمم وفي حياة الأفراد . وعبر التاريخ شاهدة على مصير كل أمة اتبعت الشهوات على مدار القرون .

الدرس الثامن:17 تثبيت النبي على الحق وشاهد على الحق

بعد ذلك يلتفت السياق إلى موقف المشركين من رسول الله [ ص ] وما جاءه من الحق ; وإلى هذا القرآن الذي يشهد له بأنه على بينة من ربه , وأنه مرسل من عنده ; كما يشهد له كتاب موسى من قبله . يلتفت السياق إلى هذا الحشد من الأدلة المحيطة بالنبي [ ص ] وبدعوته ورسالته . ذلك ليثبت بهذه الالتفاتة قلب رسول الله [ ص ] والقلة المؤمنة معه . ثم ليوعد الذين يكفرون به من أحزاب المشركين بالنار ; وليعرضهم في مشهد من مشاهد العذاب يوم القيامة يجلله الخزي والعار جزاء العتو والاستكبار ; وليقرر أن هؤلاء المتبجحين بالباطل , المعاندين في الحق أعجز من أن يفلتوا من عذاب الله ; وأعجز من أن يجدوا لهم من دون الله أولياء . .(لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون). . وليعقد بينهم وبين المؤمنين موازنة في صورة حسية مشهودة ; تصور الفارق البعيد بين الفريقين في طبيعتهما , وفي موقفهما وحالهما في الدنيا وفي الآخرة سواء:

(أفمن كان على بينة من ربه , ويتلوه شاهد منه , ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ? أولئك يؤمنون به , ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده , فلا تك في مرية منه , إنه الحق من ربك , ولكن أكثر الناس لا يؤمنون).

(ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ; أولئك يعرضون على ربهم ; ويقول الأشهاد:هؤلاء الذين كذبوا على ربهم , ألا لعنة الله على الظالمين . الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا , وهم بالآخرة هم كافرون . أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض , وما كان لهم من دون الله من أولياء , يضاعف لهم العذاب . ما كانوا يستطيعون السمع , وما كانوا يبصرون . أولئك الذين خسروا أنفسهم , وضل عنهم ما كانوا يفترون . لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون).

(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون)

(مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع , هل يستويان مثلا ? أفلا تذكرون ?). .

إن طول هذه الجملة , وتنوع الإشارات والإيحاءات فيها , وتنوع اللفتات والإيقاعات أيضا . . إن هذا كله يشي بما كانت تواجهه القلة المؤمنة , في تلك الفترة الحرجة من تاريخ الدعوة ; ويصور لنا حاجة الموقف إلى هذه المعركة التقريرية الإيحائية ; كما يصور لنا طبيعة هذا القرآن الحركية ; وهو يواجه ذلك الواقع ويجاهده جهادا كبيرا .
من الاية 15 الى الاية 16

مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (16)

إن هذا القرآن لا يتذوقه إلا من يخوض مثل هذه المعركة ; ويواجه مثل تلك المواقف التي تنزل فيها ليواجهها ويوجهها . والذين يتلمسون معاني القرآن ودلالاته وهم قاعدون . يدرسونه دراسة بيانية أو فنية لا يملكون أن يجدوا من حقيقته شيئا في هذه القعدة الباردة الساكنة ; بعيدا عن المعركة وبعيدا عن الحركة . . إن حقيقة هذا القرآن لا تتكشف للقاعدين أبدا , وإن سره لا يتجلى لمن يؤثرون السلامة والراحة مع العبودية لغير الله , والدينونة للطاغوت من دون الله !

(أفمن كان على بينة من ربه , ويتلوه شاهد منه , ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ? أولئك يؤمنون به , ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده , فلا تك في مرية منه , إنه الحق من ربك , ولكن أكثر الناس لا يؤمنون). .

وردت روايات شتى فيما هو المقصود بقوله تعالى: (أفمن كان على بينة من ربه). . وفي قوله تعالى: (ويتلوه شاهد منه). وفي عائد هذه الضمائر فيSadربه)وفي(يتلوه)وفي(منه). . وأرجحها - كما يبدو لي - هو أن المقصود بقوله تعالى: (أفمن كان على بينة من ربه)هو رسول الله [ ص ] وبالتبعية له كل من يؤمن بما جاء به - وأن المقصود بقوله تعالى: (ويتلوه شاهد منه)أي ويتبعه شاهد من ربه على نبوته ورسالته . وهو هذا القرآن الذي يشهد بذاته أنه وحي من الله لا يقدر عليه بشر . (ومن قبله)- أي من قبل هذا الشاهد وهو القرآن ; "كتاب موسى " يشهد كذلك بصدق النبي [ ص ] سواء بما تضمنه من البشارة به ; أو بموافقة أصله لما جاء به محمد من بعده .

والذي يرجح هذا عندي هو وحدة التعبير القرآني في السورة - في تصوير ما بين الرسل الكرام وربهم , من بينة يجدونها في أنفسهم , يستيقنون معها أن الله هو الذي يوحي إليهم , ويجدون بها ربهم في قلوبهم وجودا مستيقنا واضحا لا يخالجهم معه شك ولا ريبة . فنوح - عليه السلام - يقول لقومه: يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم , أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ? . . وصالح عليه السلام يقول الكلمة ذاتها: ال:يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته ? فما تزيدونني غير تخسير . . وشعيب عليه السلام يقولها كذلك: (قال:يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي , ورزقني منه رزقا). . فهو تعبير موحد عن حال واحدة للرسل الكرام مع ربهم , تصور حقيقة ما يجدونه في أنفسهم من رؤية قلبية مستيقنة لحقيقة الألوهية في نفوسهم ; ولصدق اتصال ربهم بهم عن طريق الوحي أيضا . . وهذا التوحيد في التعبير عن الحال الواحدة مقصود قصدا في سياق السورة - كما أسلفنا في التعريف بها - لإثبات أن شأن النبي [ ص ] مع ربه ومع الوحي الذي تنزل عليه شأن سائر الرسل الكرام قبله ; مما يبطل دعاوى المشركين المفتراة عليه [ ص ] وكذلك لتثبيته هو والقلة المؤمنة معه على الحق الذي معهم ; فهو الحق الواحد الذي جاء به الرسل جميعا , والذي أسلم عليه المسلمون من أتباع الرسل جميعا .

ويكون المعنى الكلي للآية:أفهذا النبي الذي تتضافر الأدلة والشواهد على صدقه وصحة إيمانه ويقينه . . حيث يجد في نفسه بينة واضحة مستيقنة من ربه . وحيث يتبعه - أو يتبع يقينه هذا - شاهد من ربه هو هذا القرآن الدال بخصائصه على مصدره الرباني . وحيث يقوم على تصديقه شاهد آخر قبله , هو كتاب موسى الذي جاء إماما لقيادة بني إسرائيل ورحمة من الله تنزلت عليهم . وهو يصدق رسول الله [ ص ]
من الاية 17 الى الاية 17

أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (17)

بما تضمنه من التبشير به , كما يصدقه بما فيه من مطابقة للأصول الاعتقادية التي يقوم عليها دين الله كله . .

يقول:أفمن كان هذا شأنه يكون موضعا للتكذيب والكفر والعناد كما تفعل الأحزاب التي تناوئه من شتى فئات المشركين ? إنه لأمر مستنكر إذن في مواجهة هذه الشواهد المتضافرة من شتى الجهات . .

ثم يعرض مواقف الذين يؤمنون بهذا القرآن والذين يكفرون به من الأحزاب , وما ينتظر هؤلاء من جزاء في الآخرة . ويعرج على تثبيت الرسول - [ ص ] - والذين يؤمنون بما معه من الحق ; فلا يقلقهم شأن المكذبين الكافرين , وهم كثرة الناس في ذلك الحين:

(أولئك يؤمنون به , ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده , فلا تك في مرية منه , إنه الحق من ربك , ولكن أكثر الناس لا يؤمنون). .

وقد وجد بعض المفسرين إشكالا في قوله تعالى: (أولئك يؤمنون به)إذا كان المقصود بقوله تعالى: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه)هو شخص رسول الله [ ص ] كما أسلفنا . . فإن أولئك "تعني جماعة يؤمنون بهذا الوحي وبتلك البينة . . ولا إشكال هناك . فالضمير في قوله تعالى (أولئك يؤمنون به)يعود على "شاهد" وهو القرآن . وكذلك الضمير في قوله تعالى (ومن قبله)فإنه يعود على القرآن كما أسلفنا . . فلا إشكال في أن يقول: (أولئك يؤمنون به)- أي بهذا الشاهد أي بهذا القرآن - والرسول [ ص ] هو أول من آمن بما أنزل إليه , ثم تبعه المؤمنون: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون . كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله . . .)كما جاء في آية البقرة . . والآية هنا تشير إلى رسول الله [ ص ] وتدمج معه المؤمنين الذين آمنوا بما آمن به هو وبلغهم إياه . . وهو أمر مألوف في التعبير القرآني , ولا إشكال فيه .

(ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده). .

وهو موعد لا يخلف , والله سبحانه هو الذي قدره ودبره !

(فلا تك في مرية منه , إنه الحق من ربك , ولكن أكثر الناس لا يؤمنون). .

وما شك رسول الله [ ص ] فيما أوحي إليه , ولا امترى - وهو على بينة من ربه - ولكن هذا التوجيه الرباني عقب حشد هذه الدلائل والشواهد يشي بما كان يخالج نفس رسول الله [ ص ] من ضيق وتعب ووحشة من جراء تجمد الدعوة وكثرة المعاندين , تحتاج كلها إلى التسرية عنه بهذا التوجيه والتثبيت . وكذلك ما كان يخالج قلوب القلة المسلمة من ضيق وكرب يحتاج إلى برد اليقين يتنزل عليهم من ربهم الرحيم .

وما أحوج طلائع البعث الإسلامي ; وهي تواجه مثل تلك الحال في كل مكان ; ويتآزر عليها الصد والإعراض , والسخرية والاستهزاء , والتعذيب والإيذاء ; والمطاردة بكل صورها المادية والمعنوية ; وتتضافر عليها كل قوى الجاهلية في الأرض من محلية وعالمية ; وتسلط عليها أبشع ألوان الحرب وأنكدها ; ثم تدق الطبول وتنصب الرايات لمن يحاربونها هذه الحرب ومن يطاردونها هذه المطاردة . . .

ما أحوج هذه الطلائع إلى تدبر هذه الآية بكل فقرة فيها , وبكل إشارة , وبكل لمحة فيها وكل إيماءة ! ما أحوجها إلى اليقين الذي يحمله التوكيد الرباني الحكيم:

(فلا تك في مرية منه , إنه الحق من ربك , ولكن أكثر الناس لا يؤمنون). .

وما أحوجها إلى أن تجد في نفوسها ظلالا لما كان يجده الرسل الكرام صلوات الله عليهم وسلامه من بينة من ربهم , ومن رحمة لا يخطئونها ولا يشكون فيها لحظة ; ومن التزام بالمضي في الطريق مهما تكن عقبات الطريق:

قال:يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته ? فما تزيدونني غير تخسير . .

إن هذه الطلائع تتصدى لمثل ما كان يتصدى له ذلك الرهط الكريم من الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم جميعا - وتجد من الجاهلية مثلما كانوا يجدون . . لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء رسول الله [ ص ] إلى البشرية كلها بهذا الدين ; فواجهته بجاهليتها التي صارت إليها بعد الإسلام الذي جاءها به من قبل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان ويحيى وعيسى , وسائر النبيين !

إنها الجاهلية التي تعترف بوجود الله - سبحانه - أولا تعترف . ولكنها تقيم الناس أربابا في الأرض يحكمونهم بغير ما أنزل الله ; ويشرعون لهم من القيم والتقاليد والأوضاع ما يجعل دينونتهم لهذه الأرباب لا لله . . ثم هي الدعوة الإسلامية للناس كافة أن ينحوا هذه الأرباب الأرضية عن حياتهم وأوضاعهم ومجتمعاتهم وقيمهم وشرائعهم , وأن يعودوا إلى الله وحده يتخذونه ربا لا أرباب معه ; ويدينون له وحده . فلا يتبعون إلا شرعه ونهجه , ولا يطيعون إلا أمره ونهيه . . ثم هي بعد هذه وتلك المعركة القاسية بين الشرك والتوحيد , وبين الجاهلية والإسلام . وبين طلائع البعث الإسلامي وهذه الطواغيت في أرجاء الأرض والأصنام !

ومن ثم لا بد لهذه الطلائع من أن تجد نفسها وموقفها كله في هذا القرآن في مثل هذا الأوان . . وهذا بعض ما نعنيه حين نقولSadإن هذا القرآن لا يتذوقه إلا من يخوض مثل هذه المعركة . ويواجه مثل تلك المواقف التي تنزل فيها ليواجهها ويوجهها , وإن الذين يتلمسون معاني القرآن ودلالاته وهم قاعدون يدرسونه دراسة بيانية أو فنية لا يملكون أن يجدوا من حقيقته شيئا في هذه القعدة الباردة الساكنة , بعيدا عن المعركة , وبعيدا عن الحركة . . .).

الدرس التاسع:18 - 24 مشهد خسارة وخزي الكفار في الآخرة في مقابل فوز المؤمنين

ثم يمضي السياق يواجه الذين يكفرون به ; ويزعمون أنه مفترى من دون الله , ويكذبون على الله سبحانه وعلى رسوله [ ص ] وذلك في مشهد من مشاهد القيامة يعرض فيه الذين يفترون على الله الكذب . سواء بقولهم:إن الله لم ينزل هذا الكتاب , أو بادعائهم شركاء لله . أو بدعواهم في الربوبية الأرضية وهي من خصائص الألوهية . . يجمل النص هنا الإشارة لتشمل كل ما يوصف بأنه كذب على الله .

هؤلاء يعرضون في مشهد يوم القيامة للتشهير بهم وفضيحتهم على رؤوس الأشهاد . وفي الجانب الآخر المؤمنون المطمئنون إلى ربهم وما ينتظرهم من نعيم . ويضرب للفريقين مثلا:الأعمى والأصم والبصير والسميع:

(ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ? أولئك يعرضون على ربهم , ويقول الأشهاد:هؤلاء الذين كذبوا على ربهم . ألا لعنة الله على الظالمين . الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا , وهم بالآخرة هم كافرون . أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض , وما كان لهم من دون الله من أولياء , يضاعف لهم العذاب , ما كانوا
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى