منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة يونس ايه 94 الى اخر السوره الشيخ سيد قطب

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة يونس ايه 94 الى اخر السوره الشيخ سيد قطب Empty تفسير سورة يونس ايه 94 الى اخر السوره الشيخ سيد قطب

مُساهمة  كمال العطار الأربعاء مايو 09, 2012 9:51 pm

من الاية 94 الى الاية 98

فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (97) فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)

التي مر ذكرها . ولكن القرى لم تؤمن . إنما آمنت منها قلة , فكانت الصفة الغالبة هي صفة عدم الإيمان . . ذلك فيما عدا قرية واحدة - والقرية:القوم , والتسمية هكذا إيذان بأن الرسالات كانت في قرى الحضر ولم تكن في محلات البدو - ولا يفصل السياق هنا قصة يونس وقومه , إنما يشير إلى خاتمتها هذه الإشارة ; لأن الخاتمة وحدها هي المقصودة هنا . فلا نزيدها نحن تفصيلاً . وحسبنا أن ندرك أن قوم يونس كان عذاب مخز يتهددهم , فلما آمنوا في اللحظة الأخيرة قبل وقوعه كشف عنهم العذاب , وتركوا يتمتعون بالحياة إلى أجل . ولو لم يؤمنوا لحل العذاب بهم وفاقاً لسنة الله المترتبة آثارها على تصرفات خلقه . . حسبنا هذا لندرك أمرين هامين:

أولهما:الإهابة بالمكذبين أن يتعلقوا بخيوط النجاة الأخيرة , فلعلهم ناجون كما نجا قوم يونس من عذاب الخزي في الحياة الدنيا . وهو الغرض المباشر من سياقة القصة هذا المساق . .

وثانيهما:أن سنة الله لم تتعطل ولم تقف بكشف هذا العذاب , وترك قوم يونس يتمتعون فترة أخرى . بل مضت ونفذت . لأن مقتضى سنة الله كان أن يحل العذاب بهم لو أصروا على تكذيبهم حتى يجيء . فلما عدلوا قبل مجيئه جرت السنة بإنجائهم نتيجة لهذا العدول . فلا جبرية إذن في تصرفات الناس , ولكن الجبرية في ترتيب آثارها عليها .

ومن ثم ترد القاعدة الكلية في الكفر والإيمان:

(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً . أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ? وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله , ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون). .

ولو شاء ربك لخلق هذا الجنس البشري خلقة أخرى , فجعله لا يعرف إلا طريقاً واحداً هو طريق الإيمان كالملائكة مثلاً . أو لجعل له استعداداً واحداً يقود جميع أفراده إلى الإيمان .

ولو شاء كذلك لأجبر الناس جميعاً وقهرهم عليه , حتى لا تكون لهم إرادة في اختياره .

ولكن حكمة الخالق التي قد ندرك بعض مراميها وقد لا ندرك , دون أن ينفي عدم إدراكنا لها وجودها . هذه الحكمة اقتضت خلقة هذا الكائن البشري باستعداد للخير وللشر وللهدى والضلال . ومنحته القدرة على اختيار هذا الطريق أو ذاك . وقدرت أنه إذا أحسن استخدام مواهبه اللدنية من حواس ومشاعر ومدارك , ووجهها إلى إدراك دلائل الهدى في الكون والنفس وما يجيء به الرسل من آيات وبينات , فإنه يؤمن ويهتدي بهذا الإيمان إلى طريق الخلاص . وعلى العكس حين يعطل مواهبه ويغلق مداركه ويسترها عن دلائل الإيمان يقسو قلبه , ويستغلق عقله , وينتهي بذلك إلى التكذيب أو الجحود , فإلى ما قدره الله للمكذبين الجاحدين من جزاء . .

فالإيمان إذن متروك للاختيار . لا يكره الرسول عليه أحداً . لأنه لا مجال للإكراه في مشاعر القلب وتوجهات الضمير:

(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ?). .

وهو سؤال للإنكار , فإن هذا الإكراه لا يكون:

(وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله):
من الاية 99 الى الاية 99

وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99)

وفق سنته الماضية التي بيناها . فلا تصل إلى الإيمان وقد سارت في الطريق الآخر الذي لا يؤدي إليه . لا أنها تريد الإيمان وتسلك طريقه ثم تمنع عنه , فهذا ليس المقصود بالنص . بل المقصود انها لا تصل إلى الإيمان إلا إذا سارت وفق إذن الله وسنته في الوصول إليه من طريقه المرسوم بالسنة العامة . وعندئذ يهديها الله ويقع لها الإيمان بإذنه . فلا شيء يتم وقوعه إلا بقدر خاص به . إنما الناس يسيرون في الطريق . فيقدر الله لهم عاقبة الطريق , ويوقعها بالفعل جزاء ما جاهدوا في الله ليهتدوا . .

ويدل على هذا عقب الآية:

(ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون). .

فالذين عطلوا عقولهم عن التدبر , يجعل الرجس عليهم . والرجس أبشع الدنس الروحي , فهؤلاء ينالهم ذلك الرجس بسبب تعطيلهم لمداركهم عن التعقل والتدبر , وانتهاؤهم بهذا إلى التكذيب والكفران .

ويزيد الأمر إيضاحاً بأن الآيات والنذر لا تغني عن الذين لا يؤمنون ; لأنهم لا يتدبرونها وهي معروضة أمامهم في السماوات والأرض:

(قل:انظروا ماذا في السماوات والأرض . وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون). .

وسواء كان عقب الآية استفهاماً أو تقريراً . فمؤداه واحد . فإن ما في السماوات والأرض حافل بالآيات ; ولكن الآيات والنذر لا تفيد الذين لا يؤمنون , لأنهم من قبل لم يلقوا بالا إليها , ولم يتدبروها . .

وقبل أن نمضي إلى نهاية الشوط نقف لحظة أمام قوله تعالى:

(قل:انظروا ماذا في السماوات والأرض . وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون). .

إن المخاطبين بهذا القرآن أول مرة , لم يكن لديهم من المعرفة العلمية بما في السماوات والأرض إلا القليل . ولكن الحقيقة الواقعة التي أشرنا إليها مراراً , هي أن بين الفطرة البشرية وبين هذا الكون الذي نعيش فيه لغة خفية غنية ! وأن هذه الفطرة تسمع لهذا الكون - حين تتفتح وتستيقظ - وتسمع منه الكثير !

والمنهج القرآني في تكوين التصور الإسلامي في الإدراك البشري يتكئ على ما في السماوات والأرض , ويستلهم هذا الكون ; ويوجه إليه النظر والسمع والقلب والعقل . . وذلك دون أن يخل بطبيعة التناسق والتوازن فيه ; ودون أن يجعل من هذا الكون إلهاً يؤثر في الإنسان أثر الله ! كما يجدف بذلك الماديون المطموسون , ويسمون ذلك التجديف مذهبا "علميا" يقيمون عليه نظاماً اجتماعياً يسمونه:"الاشتراكية العلمية " والعلم الصحيح من ذلك التجديف كله بريء !

والنظر إلى ما في السماوات والأرض يمد القلب والعقل بزاد من المشاعر والتأملات ; وزاد من الاستجابات والتأثرات ; وزاد من سعة الشعور بالوجود ; وزاد من التعاطف مع هذا الوجود . . وذلك كله في الطريق إلى امتلاء الكينونة البشرية بالإيقاعات الكونية الموحية بوجود الله , وبجلال الله , وبتدبير الله , وبسلطان الله , وبحكمة الله , وعلم الله . . .

ويمضي الزمن , وتنمو معارف الإنسان العلمية عن هذا الكون , فإن كان هذا الإنسان مهتدياً بنور الله إلى جوار هذه المعارف العلمية , زادته هذه المعارف من الزاد الذي تحصله الكينونة البشرية من التأمل في هذا الكون , والأنس به , والتعرف عليه , والتجاوب معه , والاشتراك معه في تسبيحه بحمد الله: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده , ولكن لا تفقهون تسبيحهم). . ولا يفقه تسبيح كل شيء بحمد الله إلا الموصول قلبه
من الاية 100 الى الاية 100

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (100)

باللّه . . وأما إن كانت هذه المعارف العلمية غير مصحوبة ببشاشة الإيمان ونوره , فإنها تقود الأشقياء إلى مزيد من الشقوة , حين تقودهم إلى مزيد من البعد عن الله ; والحرمان من بشاشة الإيمان ونوره ورفرفته وريّاه !

(وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون)!

وماذا تجدي الآيات والنذر إذا استغلقت القلوب , وتجمدت العقول , وتعطلت أجهزة الاستقبال والتلقي في الفطرة ; واحتجب الكائن الإنساني بجملته عن هذا الوجود , فلم يسمع إيقاعات حمده وتسبيحه ?!

"إن المنهج القرآني في التعريف بحقيقة الألوهية يجعل الكون والحياة معرضاً رائعاً تتجلى فيه هذه الحقيقة . . تتجلى فيه بآثارها الفاعلة , وتملأ بوجودها وحضورها جوانب الكينونة الإنسانية المدركة . . إن هذا المنهج لا يجعل "وجود الله" سبحانه قضية يجادل عنها . فالوجود الإلهي يفعم القلب البشري - من خلال الرؤية القرآنية والمشاهدة الواقعية على السواء - بحيث لا يبقى هنالك مجال للجدل حوله . إنما يتجه المنهج القرآني مباشرة إلى الحديث عن آثار هذا الوجود في الكون كله ; وإلى الحديث عن مقتضياته كذلك في الضمير البشري والحياة البشرية .

"والمنهج القرآني في اتباعه لهذه الخطة إنما يعتمد على حقيقة أساسية في التكوين البشري . فالله هو الذي خلق وهو أعلم بمن خلق: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه). . والفطرة البشرية بها حاجة ذاتية إلى التدين , وإلى الاعتقاد بإله . بل إنها حين تصح وتستقيم تجد في أعماقها اتجاهاً إلى إله واحد , وإحساساً قوياً بوجود هذا الإله الواحد . ووظيفة العقيدة الصحيحة ليست هي إنشاء هذا الشعور بالحاجة إلى إله والتوجه إليه , فهذا مركوز في الفطرة . ولكن وظيفتها هي تصحيح تصور الإنسان لإلهه , وتعريفه بالإله الحق الذي لا إله غيره . تعريفه بحقيقته وصفاته , لا تعريفه بوجوده وإثباته . ثم تعريفه بمقتضيات الألوهية في حياته - وهي الربوبية والقوامة والحاكمية - والشك في حقيقة الوجود الإلهي أو إنكاره هو بذاته دليل قاطع على اختلال بين في الكينونة البشرية , وعلى تعطل أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية فيها . وهذا التعطل لا يعالج - إذن - بالجدل . وليس هذا هو طريق العلاج !

"إن هذا الكون , كون مؤمن مسلم , يعرف بارئه ويخضع له , ويسبح بحمده كل شيء فيه وكل حي - عدا بعض الأناسي ! - و "الإنسان" يعيش في هذا الكون الذي تتجاوب جنباته بأصداء الإيمان والإسلام , وأصداء التسبيح والسجود . وذرات كيانه ذاته وخلاياه تشارك في هذه الأصداء ; وتخضع في حركتها الطبيعية الفطرية للنواميس التي قدرها الله . فالكائن الذي لا تستشعر فطرته هذه الأصداء كلها ; ولا تحس إيقاع النواميس الإلهية فيها هي ذاتها , ولا تلتقط أجهزته الفطرية تلك الموجات الكونية , كائن معطلة فيه أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية . ومن ثم لا يكون هنالك سبيل إلى قلبه وعقله بالجدل , إنما يكون السبيل إلى علاجه هو محاولة تنبيه أجهزة الاستقبال والاستجابة فيه , واستجاشة كوامن الفطرة في كيانه , لعلها تتحرك , وتأخذ في العمل من جديد" .

ولفت الحس والقلب والعقل للنظر إلى ما في السماوات والأرض , وسيلة من وسائل المنهج القرآني لاستحياء القلب الإنساني ; لعله ينبض ويتحرك , ويتلقى ويستجيب .

ولكن أولئك المكذبين من الجاهليين العرب - وأمثالهم - لا يتدبرون ولا يستجيبون . . فماذا ينتظرون ?
من الاية 101 الى الاية 101

قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ (101)

إن سنة الله لا تتخلف , وعاقبة المكذبين معروفة , وليس لهم أن يتوقعوا من سنة الله أن تتخلف . وقد يُنظرهم الله فلا يأخذهم بعذاب الاستئصال , ولكن الذين يصرون على التكذيب لا بد لهم من النكال:

(فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ?). . (قل:فانتظروا إني معكم من المنتظرين). .

وهو التهديد الذي ينهي الجدل , ولكنه يخلع القلوب .

ويختم هذا المقطع من السياق بالنتيجة الأخيرة لكل رسالة ولكل تكذيب , وبالعبرة الأخيرة من ذلك القصص وذلك التعقيب:

(ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا . كذلك حقاً علينا ننج المؤمنين). .

إنها الكلمة التي كتبها الله على نفسه:أن تبقى البذرة المؤمنة وتنبت وتنجو بعد كل إيذاء وكل خطر , وبعد كل تكذيب وكل تعذيب . .

هكذا كان - والقصص المروي في السورة شاهد - وهكذا يكون . . فليطمئن المؤمنون . . .

الوحدة الرابعة:104 - 109 الموضوع:تلخيص حقائق السورة الإعتقادية هذه الخاتمة كلها درس واحد مقدمة الوحدة

هذه خاتمة السورة , وخاتمة المطاف لتلك الجولات في شتى الآفاق , تلك الجولات التي نحس أننا عائدون منها بعد سياحات طويلة في آفاق الكون , وجوانب النفس , وعوالم الفكر والشعور والتأملات . عائدون منها في مثل الإجهاد من طول التطواف , وضخامة الجني , وامتلاء الوطاب !

هذه خاتمة السورة التي تضمنت تلك الجولات حول العقيدة في مسائلها الرئيسية الكبيرة:توحيد الربوبية والقوامة والحاكمية , ونفي الشركاء والشفعاء , ورجعة الأمر كله إلى الله , وسننه المقدرة التي لا يملك أحد
من الاية 102 الى الاية 103

فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)

تحوليها ولا تبديلها . والوحي وصدقه , والحق الخالص الذي جاء به . والبعث واليوم الآخر والقسط في الجزاء . . .

هذه القواعد الرئيسية للعقيدة التي دار حولها سياق السورة كله , وسيقت القصص لإيضاحها , وضربت الأمثال لبيانها . .

ها هي ذي كلها تلخص في هذه الخاتمة , ويكلف الرسول [ ص ] أن يعلنها للناس إعلاناً عاماً , وأن يلقي إليهم بالكلمة الأخيرة الحاسمة:أنه ماض في خطته , مستقيم على طريقته , حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين .

(قل:يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله , ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم , وأمرت أن أكون من المؤمنين). .

قل:يا أيها الناس جميعاً , وإن كان الذين يتلقون الخطاب إذ ذاك هم مشركي قريش , إن كنتم في شك من أن ديني الذي أدعوكم إليه هو الحق , فإن هذا لا يحولني عن يقيني , ولا يجعلني أعبد آلهتكم التي تعبدونها من دون الله . .

(ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم). .

أعبد الله الذي يملك آجالكم وأعماركم . وإبراز هذه الصفة لله هنا له قيمته وله دلالته , فهو تذكير لهم بقهر الله فوقهم , وانتهاء آجالهم إليه , فهو أولى بالعبادة من تلك الآلهة التي لا تحيي ولا تميت . .

(وأمرت أن أكون من المؤمنين). .

فأنا عند الأمر لا أتعداه .

(وأن أقم وجهك للدين حنيفاً ولا تكونن من المشركين). .

وهنا يتحول السياق من الحكاية إلى الأمر المباشر , كأن الرسول [ ص ] يتلقاه في مشهد حاضر للجميع . وهذا أقوى وأعمق تأثيراً . (أقم وجهك للدين حنيفاً)متوجهاً إليه خالصاً له , موقوفاً عليه (ولا تكونن من المشركين)زيادة في توكيد معنى الاستقامة للدين , ولمعنى أن يكون من المؤمنين , عن طريق النهي المباشر عن الشرك بعد الأمر المباشر بالإيمان .

ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك . فإن فعلت فإنك إذن من الظالمين . .

لا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك من هؤلاء الشركاء والشفعاء , الذين يدعوهم المشركون لجلب النفع ودفع الضر . فإن فعلت فإنك إذن من هؤلاء المشركين ! فميزان الله لا يحابي وعدله لا يلين . .

وأن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو , وإن يردك بخير فلا راد لفضله , يصيب به من يشاء من عباده , وهو الغفور الرحيم . .

فالضر نتيجة لازمة لسنة الله الجارية حين يتعرض الإنسان لأسبابه , والخير كذلك . .

فإن مسك الله بضر عن طريق جريان سنته فلن يكشفه عنك إنسان , إنما يكشف باتباع سنته , وترك الأسباب المؤدية إلى الضر إن كانت معلومة , أو الالتجاء إلى الله ليهديك إلى تركها إن كانت مجهولة . وإن أراد بك الخير ثمرة لعملك وفق سنته فلن يرد هذا الفضل عنك أحد من خلقه . فهذا الفضل يصيب من عباده من
من الاية 104 الى الاية 106

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ (106)

يتصلون بأسبابه وفق مشيئته العامة وسنته الماضية . (وهو الغفور الرحيم)الذي يغفر ما مضى متى وقعت التوبة , ويرحم عباده فيكفر عنهم سيئاتهم بتوبتهم وعملهم الصالح وعودتهم إلى الصراط المستقيم .

هذه خلاصة العقيدة كلها , مما تضمنته السورة , يكلف الرسول [ ص ] أن يعلنهما للناس , ويوجه إليه الخطاب بها كأنما على مشهد منهم . وهم هم المقصودون بها . إنما هو أسلوب من التوجيه الموحي المؤثر في النفوس . ويقف رسول الله [ ص ] بها في وجه القوة والكثرة ; ووجه الرواسب الجاهلية , ووجه التاريخ الموغل بالمشركين في الشرك . . يعلنها في قوة وفي صراحة وهو في عدد قليل من المؤمنين في مكة , والقوة الظاهرة كلها للمشركين . .

ولكنها الدعوة وتكاليفها , والحق وما ينبغي له من قوة ومن يقين .

ومن ثم يكون الإعلان الأخير للناس:

(قل:يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم , فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه , ومن ضل فإنما يضل عليها , وما أنا عليكم بوكيل).

فهو الإعلان الأخير , والكلمة الفاصلة , والمفاصلة الكاملة , ولكل أن يختار لنفسه . فهذا هو الحق قد جاءهم من ربهم .

(فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه , ومن ضل فإنما يضل عليها). .

وليس الرسول موكلا بالناس يسوقهم إلى الهدى سوقاً , إنما هو مبلغ , وهم موكولون إلى إرادتهم وإلى اختيارهم وإلى تبعاتهم , وإلى قدر الله بهم في النهاية .

والختام خطاب إلى الرسول [ ص ] باتباع ما أمر به , والصبر على ما يلقاه حتى يحكم الله بما قدره وقضاه:

(واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين). .

وهو الختام المناسب الذي يلتقي مع مطلع السورة , ويتناسق مع محتوياتها بجملتها على طريقة القرآن في التصوير والتنسيق
من الاية 107 الى آخر السورة

وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)

انتهى الجزء الحادي عشر

ويليه الجزء الثاني عشر مبدوءاً بسورة هود .

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة هود و قسم من سورة يوسف

الجزء الثاني عشر

هود

بسم الله الرحمن الرحيم

تعريف سورة هود

هذه السورة مكية بجملتها . خلافا لما ورد في المصحف الأميري من أن الآيات [ 12 , 17 , 114 ] فيها مدنيه . ذلك أن مراجعة هذه الآيات في سياق السورة تلهم أنها تجيء في موضعها من السياق , بحيث لا يكاد يتصور خلو السياق منها بادئ ذي بدء . فضلا على أن موضوعاتها التي تقررها هي من صميم الموضوعات المكية المتعلقة بالعقيدة , وموقف مشركي قريش منها , وآثار هذا الموقف في نفس رسول الله [ ص ] والقلة المسلمة معه , والعلاج القرآني الرباني لهذه الآثار . .

فالآية 12 مثلا هذا نصهاSadفلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا:لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك ! إنما أنت نذير , والله على كل شيء وكيل). . وواضح أن هذا التحدي وهذا العناد من قريش إلى الحد الذي يضيق به صدر رسول الله [ ص ] بحيث يحتاج إلى التسرية عنه , والتثبيت على ما يوحى إليه ; إنما كان في مكة ; وبالذات في الفترة التي تلت وفاة أبي طالب وخديجة , وحادث الإسراء , وجرأة المشركين على رسول الله [ ص ] وتوقف حركة الدعوة تقريبا ; وهي من أقسى الفترات التي مرت بها الدعوة في مكة . .

والآية 17 هذا نصهاSadأفمن كان على بينة من ربه , ويتلوه شاهد منه , ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ? أولئك يؤمنون به , ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده , فلا تك في مرية منه , إنه الحق من ربك , ولكن أكثر الناس لا يؤمنون). . وواضح كذلك أنها من نوع القرآن المكي واتجاهه في مواجهة مشركي قريش بشهادة القرآن للنبي [ ص ] بأنه إنما يوحى إليه من ربه ; وبشهادة الكتب السابقة وبخاصة كتاب موسى ; وبتصديق بعض أهل الكتاب به - وهذا ما كان في مكة من أفراد من أهل الكتاب - واتخاذ هذا قاعدة للتنديد بموقف المشركين . وتهديد الأحزاب منهم بالنار . مع تثبيت رسول الله [ ص ] على الحق الذي هو معه , في وجه توقف الدعوة , وعناد الأكثرية الغالبة في مكة وما حولها من القبائل . . وليس ذكر كتاب موسى بشبهة على مدنية الآية . فهي ليست خطابا لبني إسرائيل ولا تحديا لهم - كما هو العهد في القرآن المدني - ولكنها استشهاد بموقف تصديق من بعضهم ; وبتصديق كتاب موسى - عليه السلام - لما جاء به محمد [ ص ] وهذا أشبه بالموقف في مكة في هذه الفترة الحرجة , ومقتضياتها الواضحة .
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى