منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي رياض الصالحين
اهلا وسهلا بكل السادة الزوار ونرحب بكم بمنتديات رياض الصالحين ويشرفنا ويسعدنا انضمامكم لاسرة المنتدي
منتدي رياض الصالحين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة لقمان ايه 12\\\\\20

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة لقمان ايه 12\\\\\20 Empty تفسير سورة لقمان ايه 12\\20

مُساهمة  كمال العطار السبت يناير 28, 2012 8:39 pm

وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) .

اختلف السلف في لقمان، عليه السلام: هل كان نبيًا، أو عبدًا صالحا من غير نبوة؟ على قولين، الأكثرون على الثاني.

وقال سفيان الثوري، عن الأشعث، عن عِكْرِمَة، عن ابن عباس قال: كان لقمان عبدًا حبشيًا نجارًا.

وقال قتادة، عن عبد الله بن الزبير، قلت لجابر بن عبد الله: ما انتهى إليكم من شأن لقمان؟ قال: كان قصيرًا أفطس من النوبة.

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب قال: كان لقمان من سودان مصر، ذا مشافر، أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة.

وقال الأوزاعي: رحمه الله، حدثني عبد الرحمن بن حَرْمَلة قال: جاء رجل أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله، فقال له سعيد بن المسيب: لا تحزن من أجل أنك أسود، فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان: بلال، ومهْجَع مولى عمر بن الخطاب، ولقمان الحكيم، كان أسود نوبيًا ذا مشافر .

وقال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا أبي، عن أبي الأشهب ، عن خالد الرَّبَعِيّ قال: كان لقمان عبدًا حبشيا نجارا، فقال له مولاه: اذبح لنا هذه الشاة. فذبحها، فقال: أخْرجْ أطيب مُضغتين فيها. فأخرج اللسان والقلب، فمكث ما شاء الله ثم قال: اذبح لنا هذه الشاة. فذبحها، فقال: أخرج أخبث مضغتين فيها. فأخرج اللسان والقلب، فقال له مولاه: أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجتهما، وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها فأخرجتهما. فقال لقمان: إنه ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خَبُثا .

وقال شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: كان لقمان عبدًا صالحًا، ولم يكن نبيا.

وقال الأعمش: قال مجاهد: كان لقمان عبدا أسود عظيم الشفتين، مشقق القدمين.

وقال حَكَّام بن سَلْم، عن سعيد الزبيدي، عن مجاهد: كان لقمان الحكيم عبدا حبشيا غليظ الشفتين، مُصَفح القدمين، قاضيا على بني إسرائيل.

وذكر غيره: أنه كان قاضيا على بني إسرائيل في زمن داود، عليه السلام.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن حُمَيد، حدثنا الحكم، حدثنا عمرو بن قيس قال: كان لقمان، عليه السلام، عبدًا أسود غليظ الشفتين، مُصَفَّح القدمين، فأتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدثهم، فقال له: ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا، قال: نعم. فقال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث، والصمت عما لا يعنيني .

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد عن جابر قال: إن الله رفع لقمان الحكيم بحكمته، فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك، فقال له: ألست عبد بني فلان الذي كنت ترعى بالأمس؟ قال: بلى. قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: قَدَرُ الله، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وتركي ما لا يعنيني.

فهذه الآثار منها ما هو مُصرَّح فيه بنفي كونه نبيا، ومنها ما هو مشعر بذلك؛ لأن كونه عبدًا قد مَسَّه الرق ينافي كونه نبيا؛ لأن الرسل كانت تبعث في أحساب قومها؛ ولهذا كان جمهور السلف على أنه لم يكن نبيا، وإنما ينقل كونه نبيا عن عكرمة -إن صح السند إليه، فإنه رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من حديث وَكِيع عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة فقال: كان لقمان نبيًا. وجابر هذا هو ابن يزيد الجعفي، وهو ضعيف، والله أعلم.

وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عبد الله بن عياش القتْبَاني، عن عُمَر مولى غُفرَة قال: وقف رجل على لقمان الحكيم فقال: أنت لقمان، أنت عبد بني الحسحاس؟ قال: نعم. قال: أنت راعي الغنم؟ قال: نعم. قال: أنت الأسود؟ قال: أما سوادي فظاهر، فما الذي يعجبك من أمري؟ قال: وَطءْ الناس بسَاطك، وغَشْيُهم بابك، ورضاهم بقولك. قال: يا بن أخي إن صَغَيتَ إلى ما أقول لك كنت كذلك. قال لقمان: غضي بصري، وكفي لساني، وعفة طعمتي، وحفظي فرجي، وقولي بصدق، ووفائي بعهدي، وتكرمتي ضيفي، وحفظي جاري، وتركي ما لا يعنيني، فذاك الذي صيرني إلى ما ترى.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن نُفَيل، حدثنا عمرو بن واقد، عن عَبْدَةَ بن رَبَاح، عن ربيعة، عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، أنه قال يومًا -وذُكرَ لقمان الحكيم -فقال: ما أوتي ما أوتي عن أهل ولا مال، ولا حسب ولا خصال، ولكنه كان رجلا صَمْصَامة سكيتا، طويل التفكر، عميق النظر، لم ينم نهارًا قط، ولم يره أحد قط يبزق ولا يتنخَّع، ولا يبول ولا يتغوط، ولا يغتسل، ولا يعبث ولا يضحك، وكان لا يعيد منطقًا نطقه إلا أن يقول حكمة يستعيدها إياه أحد، وكان قد تزوج وولد له أولاد، فماتوا فلم يبك عليهم. وكان يغشى السلطان، ويأتي الحكام، لينظر ويتفكر ويعتبر ،فبذلك أوتي ما أوتي.

وقد ورد أثر غريب عن قتادة، رواه ابن أبي حاتم، فقال:

حدثنا أبي، حدثنا العباس بن الوليد، حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة قال: خَيّر الله لقمان الحكيم بين النبوة والحكمة، فاختار الحكمة على النبوة. قال: فأتاه جبريل وهو نائم فَذرَّ عليه الحكمة -أو: رش عليه الحكمة -قال: فأصبح ينطق بها.

قال سعيد: فسمعت عن قتادة يقول: قيل للقمان: كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خَيَّرك ربك؟ فقال: إنه لو أرسل إليَّ بالنبوة عَزْمَة لرجوت فيه الفوز منه، ولكنت أرجو أن أقوم بها، ولكنه خَيّرني فخفت أن أضعف عن النبوة، فكانت الحكمة أحب إليَّ.

فهذا من رواية سعيد بن بشير، وفيه ضعف قد تكلموا فيه بسببه، فالله أعلم.

والذي رواه سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، في قوله تعالى: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ) أي: الفقه في الإسلام، ولم يكن نبيًا، ولم يوح إليه.

وقوله: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ) أي: الفهم والعلم والتعبير، ( أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) أي: أمرناه أن يشكر الله، عز وجل، على ما أتاه الله ومنحه ووهبه من الفضل، الذي خصَّه به عمن سواه من أبناء جنسه وأهل زمانه.

ثم قال تعالى: ( وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ) أي: إنما يعود نفع ذلك وثوابه على الشاكرين لقوله تعالى: وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ [الروم: 44].

وقوله: ( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) أي: غني عن العباد، لا يتضرر بذلك، ولو كفر أهل الأرض كلهم جميعًا، فإنه الغني عمن سواه؛ فلا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه.

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) .

يقول تعالى مخبرًا عن وصية لقمان لولده -وهو: لقمان بن عنقاء بن سدون. واسم ابنه: ثاران في قول حكاه السهيلي. وقد ذكره [الله] تعالى بأحسن الذكر، فإنه آتاه الحكمة، وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف؛ ولهذا أوصاه أولا بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا، ثم قال محذرًا له: ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) أي: هو أعظم الظلم.

قال البخاري حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة ،عن عبد الله، رضي الله عنه، قال: لما نـزلت: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام: 82]، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يَلْبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس بذاك، ألا تسمع إلى قول لقمان: ( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .

ورواه مسلم من حديث الأعمش، به .

ثم قَرَنَ بوصيته إياه بعبادة الله وحده البر بالوالدين. كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء: 23]. وكثيرا ما يقرن تعالى بين ذلك في القرآن.

وقال هاهنا ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ) . قال مجاهد: مشقة وَهْن الولد.

وقال قتادة: جهدًا على جهد.

وقال عطاء الخراساني: ضعفا على ضعف.

وقوله: ( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) أي: تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين، كما قال تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة: 233].

ومن هاهنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لأنه قال تعالى في الآية الأخرى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف: 15].

وإنما يذكر تعالى تربيةَ الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلا ونهارًا، ليُذكّر الولد بإحسانها المتقدم إليه، كما قال تعالى: وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 24]؛ ولهذا قال: ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) أي: فإني سأجزيك على ذلك أوفر الجزاء.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا عبد الله بن أبي شيبة، ومحمود بن غَيْلان قالا حدثنا عبيد الله، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال: قدم علينا معاذ بن جبل، وكان بعثه النبي صلى الله عليه وسلم، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني [رسول] رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تطيعوني لا آلوكم خيرًا، وأن المصير إلى الله، وإلى الجنة أو إلى النار، إقامة فلا ظعن، وخلود فلا موت.

وقوله: ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ) أي: إن حَرَصَا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما، فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا، أي: محسنًا إليهما، ( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) يعني: المؤمنين، ( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) .

قال الطبراني في كتاب العشرة: حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أحمد بن أيوب بن راشد، حدثنا مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند [عن أبي عثمان النهدي] :أن سعد بن مالك قال: أنـزلت فيَّ هذه الآية: ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ) الآية، وقال: كنت رجلا برًا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد، ما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لَتَدَعَنّ دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فَتُعَيَّر بي، فيقال: "يا قاتل أمه". فقلت: لا تفعلي يا أمَه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء. فمكثتْ يومًا وليلة لم تأكل فأصبحت قد جهدت، فمكثتْ يومًا [آخر] وليلة أخرى لا تأكل، فأصبحتْ قد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك قلت: يا أمه، تعلمين والله لو كانت لكِ مائة نفس فخَرجت نَفْسا نَفْسًا، ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي، وإن شئت لا تأكلي. فأكلتْ .

يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) .

هذه وصايا نافعة قد حكاها الله تعالى عن لقمان الحكيم؛ ليمتثلها الناس ويقتدوا بها، فقال: ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ) أي: إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة [من] خردل. وجوز بعضهم أن يكون الضمير في قوله: ( إِنَّهَا ) ضمير الشأن والقصة. وجوز على هذا رفع ( مِثْقَالَ ) والأول أولى.

وقوله: ( يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ) أي: أحضرها الله يوم القيامة حين يضع الموازين القسط، وجازى عليها إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر. كما قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7 ، 8 ] ، ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صَمَّاء، أو غائبة ذاهبة في أرجاء السماوات أو الأرض فإن الله يأتي بها؛ لأنه لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض؛ ولهذا قال: ( إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) أي: لطيف العلم، فلا تخفى عليه الأشياء وإن دَقت ولطفت وتضاءلت ( خَبِيرٌ ) بدبيب النمل في الليل البهيم.

وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله: ( فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ ) أنها صخرة تحت الأرضين السبع، ذكره السُّدِّي بإسناده ذلك المطروق عن ابن عباس وابن مسعود وجماعة من الصحابة إن صح ذلك، ويروى هذا عن عطية العوفي، وأبي مالك، والثوري، والمِنهال بن عمرو، وغيرهم. وهذا والله أعلم، كأنه متلقى من الإسرائيليات التي لا تصدق، ولا تكذب، والظاهر -والله أعلم -أن المراد: أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة، فإن الله سيبديها ويظهرها بلطيف علمه، كما قال الإمام أحمد:

حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا دَراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن أحدكم يعمل في صخرة صَمَّاء، ليس لها باب ولا كوَّة، لخرج عمله للناس كائنًا ما كان" .

ثم قال: ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ ) أي: بحدودها وفروضها وأوقاتها، ( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) أي: بحسب طاقتك وجهدك، ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ) ،علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى، فأمره بالصبر.

وقوله: ( إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ ) أي: إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور.

وقوله: ( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) يقول: لا تُعرِضْ بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك، احتقارًا منك لهم، واستكبارًا عليهم ولكن ألِنْ جانبك، وابسط وجهك إليهم، كما جاء في الحديث: "ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه مُنْبَسِط، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المِخيلَة، والمخيلة لا يحبها الله".

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) يقول: لا تتكبر فتحقِرَ عبادَ الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. وكذا روى العوفي وعكرمة عنه.

وقال مالك، عن زيد بن أسلم: ( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) : لا تكَلَّم وأنت معرض. وكذا رُوي عن مجاهد، وعِكْرِمة، ويزيد بن الأصم، وأبي الجوزاء، وسعيد بن جُبَيْر، والضحاك، وابن يزيد، وغيرهم.

وقال إبراهيم النَّخعِي: يعني بذلك: التشديق في الكلام.

والصواب القول الأول.

قال ابن جرير: وأصل الصَّعَر: داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها، حتى تُلفَتَ أعناقُها عن رؤوسها، فشبه به الرجل المتكبر، ومنه قول عمرو بن حُني التَّغْلبي:

وَكُنَّــا إذَا الجَبَّــارُ صَعّــر خَـدّه





أقَمْنَــا لَــه مِــنْ مَيْلِـه فَتَقَوّمَـا

وقال أبو طالب في شعره:

وَكُنَّــا قَديمًــا لا نقــرُّ ظُلامَــة





إذا مـا ثَنـوا صُعْـر الرؤوس نُقِيمها

وقوله: ( وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا ) أي: جذلا متكبرًا جبارًا عنيدًا، لا تفعل ذلك يبغضك الله؛ ولهذا قال: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) أي: مختال معجب في نفسه، فخور: أي على غيره، وقال تعالى: وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا [الإسراء: 37]، وقد تقدم الكلام على ذلك في موضعه.

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى، حدثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ثابت بن قيس بن شَمَّاس قال: ذكر الكبر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدد فيه، فقال: "إن الله لا يحب كل مختال فخور". فقال رجل من القوم: والله يا رسول الله إني لأغسل ثيابي فيعجبني بياضها، ويعجبني شِراك نعلي، وعِلاقة سَوْطي، فقال: "ليس ذلك الكبر، إنما الكبر أن تَسْفه الحق وتَغْمِط الناس" .

ورواه من طريق أخرى بمثله، وفيه قصة طويلة، ومقتل ثابت ووصيته بعد موته اضغط هنا .

وقوله: ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ) أي: امش مشيًا مقتصدا ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط، بل عدلا وسطًا بين بين.

وقوله: ( وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ) أي: لا تبالغ في الكلام، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه؛ ولهذا قال تعالى: ( إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) قال مجاهد وغير واحد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير، أي: غاية مَنْ رفع صوته أنه يُشَبه بالحمير في علوه ورفعه، ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى. وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه".

وقال النسائي عند تفسير هذه الآية: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم [أنه] قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا".

وقد أخرجه بقية الجماعة سوى ابن ماجه، من طرق، عن جعفر بن ربيعة به، اضغط هنا وفي بعض الألفاظ: "بالليل"، فالله أعلم.

فهذه وصايا نافعة جدًا، وهي من قَصص القرآن العظيم عن لقمان الحكيم. وقد روي عنه من الحكم والمواعظ أشياء كثيرة، فلنذكر منها أنموذجًا ودستورًا إلى ذلك.

قال الإمام أحمد: حدثنا ابن إسحاق، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، أخبرني نَهْشَل بن مُجَمِّع الضبي عن قزعة، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لقمان الحكيم كان يقول: إن الله إذا استودع شيئا حفظه" .

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن موسى بن سليمان، عن القاسم [بن مُخَيْمِرة يحدث عن أبي موسى الأشعري] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني، إياك والتقنع فإنه مخوفة بالليل، مذمة بالنهار" .

وقال: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن عثمان، عن ضَمْرَة، حدثنا السَّريّ بن يحيى قال: قال لقمان لابنه: يا بني، إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك.

وقال: حدثنا أبي، حدثنا عبدة بن سليمان، أخبرنا ابن المبارك، حدثنا عبد الرحمن المسعودي ، عن عَوْن بن عبد الله قال: قال لقمان لابنه: يا بني، إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم الإسلام -يعني السلام -ثم اجلس في ناحيتهم، فلا تنطق حتى تراهم قد نطقوا، فإن أفاضوا في ذكر الله فَأجِلْ سهمك معهم، وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم إلى غيرهم.

وحدثنا أبي، حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، حدثنا ضمرة ، عن حفص بن عمر، رضي الله عنه، قال: وضع لقمان جرابًا من خردل إلى جانبه، وجعل يعظ ابنه وعظة ويخرج خردلة، حتى نفذ الخردل، فقال: يا بني، لقد وعظتك موعظة لو وُعِظَها جبل لتفطر. قال: فتفطر ابنه.

وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا يحيى بن عبد الباقي المِصِّيصي، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الحراني، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي، حدثنا أبين بن سفيان المقدسي، عن خليفة بن سلام، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتخذوا السودان فإن ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة: لقمان الحكيم، والنجاشي، وبلال المؤذن" .

قال أبو القاسم الطبراني: أراد الحبش.

فصل في الخمول والتواضع : وذلك متعلق بوصية لقمان، عليه السلام، لابنه، وقد جمع في ذلك الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا كتابًا مفردًا [و] نحن، نذكر منه مقاصده، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا عبد الله بن موسى المدني، عن أسامة بن زيد، عن حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رُبَّ أشعثَ ذي طِمْرَين يُصْفَح عن أبواب الناس، إذا أقسم على الله لأبره" اضغط هنا .

ثم رواه من حديث جعفر بن سليمان، عن ثابت وعلي بن زيد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وزاد، منهم البراء بن مالك اضغط هنا .

[وروي أيضا عن أنس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبى للأتقياء الأثرياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، أولئك مصابيح مجردون من كل فتنة غبراء مشينة"] . وقال أبو بكر بن سهل التميمي: حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا نافع بن يزيد، عن عياش بن عباس، عن عيسى بن عبد الرحمن، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، رضي الله عنه، أنه دخل المسجد فإذا هو بمعاذ بن جبل يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ما يبكيك يا معاذ؟ قال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: "إن اليسير من الرياء شرك، وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء الأثرياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، ينجون من كل غبراء مظلمة" .

حدثنا الوليد بن شجاع، حدثنا عَثَّام بن علي، عن حميد بن عطاء الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رُبَّ ذي طمرين لا يُؤبَه له، لو أقسم على الله لأبره، لو قال: اللهم إني أسألك الجنة لأعطاه الجنة، ولم يعطه من الدنيا شيئا" .

وقال أيضا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أمتي مَنْ لو أتى باب أحدكم يسأله دينارًا أو درهما أو فلسًا لم يعطه، ولو سأل الله الجنة لأعطاه إياها، ولو سأله الدنيا لم يعطه إياها، ولم يمنعها إياه لهوانه عليه، ذو طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره" .

وهذا مرسل من هذا الوجه.

وقال أيضا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جعفر بن سليمان، حدثنا عَوْف قال: قال أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من ملوك الجنة كُل أشعث أغبر ذو طمرين لا يُؤبَه له، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإذا خطبوا النساء لم ينكحوا، وإذا قالوا لم يُنصَت لهم، حوائج أحدهم تتجلجل في صدره، لو قسم نوره يوم القيامة بين الناس لوسعهم" اضغط هنا . قال: وأنشدني عمر بن شَبَّةَ، عن ابن عائشة قال: قال عبد الله بن المبارك:

ألا رُبّ ذي طمْـرَين فـي مَنـزل غَدًا





زَرَابِيـــه مَبْثُـوثــةً ونَمَارقُــه

قَـد اطَّـرَدَتْ أنهـاره حَـْوَل قَصْـره





وَأشــرَقَ والتفَّــتْ عَلَيـه حَدَائقُـه

وروي -أيضا -من حديث عُبَيد الله بن زَحْر، عن علي بن زيد، عن القاسم، عن أبي أمامة مرفوعا: "قال الله: من أغبط أوليائي عندي: مؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه، وأطاعه في السر، وكان غامضا في الناس، لا يشار إليه بالأصابع. إن صبر على ذلك". قال: ثم نَقَد رسول الله بيده وقال: "عُجّلت منيته، وقل تراثه، وقلت بواكيه" اضغط هنا .

وعن عبد الله بن عمرو قال: أحب عباد الله إلى الله الغرباء. قيل: ومَنْ الغرباء؟ قال: الفرارون بدينهم، يجمعون يوم القيامة إلى عيسى بن مريم .

وقال الفضيل بن عياض: بلغني أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ألم أنعم عليك؟ ألم أعطك؟ ألم أسترك؟ ألم ..؟ ألم ..؟ ألم أخمل ذكرك؟ ثم قال الفضيل: إن استطعت ألا تُعرَف فافعل، وما عليك ألا يُثنى عليك، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس محمودًا عند الله.

وكان ابن مُحَيْرِيز يقول: اللهم إني أسألك ذكرا خاملا.

وكان الخليل بن أحمد يقول: اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك، واجعلني في نفسي من أوضع خلقك، وعند الناس من أوسط خلقك.

ثم قال :

باب ما جاء في الشهرة

حدثنا أحمد بن عيسى المصري، حدثنا ابن وهب، عن عمر بن الحارث وابن لَهِيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سِنَان بن سعد، عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حسب امرئ من الشر -إلا من عصم الله -أن يشير الناس إليه بالأصابع في دينه ودنياه، وإن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم" .

وروي مثله عن إسحاق بن البهلول، عن ابن أبي فُدَيْك، عن محمد بن عبد الواحد الأخْنَسِيّ، عن عبد الواحد بن أبي كثير، عن جابر بن عبد الله مرفوعا، مثله .

وروي عن الحسن مرسلا نحوه ، فقيل للحسن: فإنه يشار إليك بالأصابع؟ فقال: إنما المراد من يشار إليه في دينه بالبدعة وفي دنياه بالفسق .

وعن علي، رضي الله عنه، قال: لا تبدأ لأن تشتهر، ولا ترفع شخصك لتذكر، وتعلم واكتم،

واصمت تسلم، تَسُر الأبرار، وتغيظ الفجار.

وقال إبراهيم بن أدهم، رحمه الله: ما صدق الله من أحب الشهرة.

وقال أيوب: ما صدق الله عبده إلا سره ألا يشعر بمكانه.

وقال محمد بن العلاء: من أحب الله أحب ألا يعرفه الناس.

وقال سِمَاك بن سلمة: إياك وكثرة الأخلاء.

وقال أبَان بن عثمان: إن أحببت أن يسلم لك دينك فأقل من المعارف؛ كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة نهض وتركهم.

وقال: حدثنا علي بن الجَعْد، أخبرنا شعبة، عن عَوْف، عن أبي رَجَاء قال: رأى طلحة قوما يمشون معه، فقال: ذباب طمع، وفراش النار.

وقال ابن إدريس، عن هارون بن عنترة ، عن سليم بن حنظلة قال: بينا نحن حول أبي إذ علاه عمر بن الخطاب بالدرة وقال: إنها مذلة للتابع، وفتنة للمتبوع.

وقال ابن عون، عن الحسن: خرج ابن مسعود فاتبعه أناس، فقال: والله لو تعلمون ما أغلِقُ عليه بابي، ما اتبعني منكم رجلان.

وقال حماد بن زيد: كنا إذا مررنا على المجلس، ومعنا أيوب، فسلم، ردوا ردا شديدا، فكان ذلك يَغُمه.

وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر: كان أيوب يطيل قميصه، فقيل له في ذلك، فقال: إن الشهرة فيما مضى كانت في طول القميص، واليوم في تشميره. واصطنع مرة نعلين على حذو نعلي النبي صلى الله عليه وسلم، فلبسهما أياما ثم خلعهما، وقال: لم أر الناس يلبسونهما.

وقال إبراهيم النَّخَعي: لا تلبس من الثياب ما يُشهر في الفقهاء، ولا ما يزدريك السفهاء.

وقال الثوري: كانوا يكرهون من الثياب الجياد، التي يُشتَهر بها، ويرفع الناس إليه فيها أبصارهم. والثياب الرديئة التي يحتقر فيها، ويستذل دينه.

وحدثنا خالد بن خِدَاش: حدثنا حماد، عن أبي حسنة -صاحب الزيادي -قال: كنا عند أبي قِلابة إذ دخل عليه رجل عليه أكسية، فقال: إياكم وهذا الحمار النهاق.

وقال الحسن، رحمه الله: إن قوما جعلوا الكبر في قلوبهم، والتواضع في ثيابهم، فصاحب الكساء بكسائه أعظم من صاحب المطرف بمطرفه ، ما لهم تفاقدوا.

وفي بعض الأخبار أن موسى، عليه السلام، قال لبني إسرائيل: ما لكم تأتوني عليكم ثياب الرهبان، وقلوبكم قلوب الذئاب، البسوا ثياب الملوك، وألينوا قلوبكم بالخشية.

فصل في حسن الخلق

قال أبو التياح: عن أنس، رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا .

وعن عطاء، عن ابن عمر: قيل: يا رسول الله، أيّ المؤمنين أفضل؟ قال: "أحسنهم خلقا" .

وعن نوح بن عباد، عن ثابت، عن أنس مرفوعا: "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنه لضعيف العبادة. وإنه ليبلغ بسوء خلقه دَرَك جهنم وهو عابد" . وعن سِنَان بن هارون، عن حميد، عن أنس مرفوعا: "ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة" . وعن عائشة مرفوعا: "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار" .

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، حدثنا عبد الله بن إدريس، أخبرني أبي وعمي، عن جدي، عن أبي هريرة، رضي الله عنه: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخلُ الناسَ الجنة، فقال: "تقوى الله وحسن الخلق". وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: "الأجوفان: الفم والفرج" .

وقال أسامة بن شَرِيك: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءته الأعراب من كل مكان، فقالوا: يا رسول الله، ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: "حسن الخلق" .

وقال يعلى بن مملك : عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء -يبلغ به -قال: "ما [من] شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق" ، وكذا رواه عطاء، عن أم الدرداء، به .

وعن مسروق، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: "إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا" .

حدثنا عبد الله بن أبي بدر، حدثنا محمد بن عبيد ، عن محمد بن أبي سارة، عن الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق، كما يعطي المجاهد في سبيل الله، يغدو عليه الأجر ويروح" .

وعن مكحول، عن أبي ثعلبة مرفوعا: "إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا، أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني منـزلا في الجنة مساويكم أخلاقا، الثرثارون المتشدقون المتفيهقون" .

وعن أبي أويس، عن محمد بن المنْكَدِر، عن جابر مرفوعا: "ألا أخبركم بأكملكم إيمانا، أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، الذين يُؤْلفون ويَأْلفون" .

وقال الليث، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة، عن بكر بن أبي الفرات قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حَسَّن الله خَلْق رجل وخُلُقه فَتَطْعَمَه النار" .

وعن عبد الله بن غالب الحُدَّاني، عن أبي سعيد مرفوعا: "خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل، وسوء الخلق" ، وقال ميمون بن مِهْرَان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أعظم عند الله من سوء الخلق؛ وذلك أن صاحبه لا يخرج من ذنب إلا وقع في آخر" .

حدثنا علي بن الجعد، حدثنا أبو المغيرة الأحْمَسِيّ، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن رجل من قريش قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أعظم عند الله من سوء الخلق؛ إن الخلق الحسن ليذيب الذنوب كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيئ ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل" .

وقال عبد الله بن إدريس، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة مرفوعا: " إنكم لا تَسَعُون الناس بأموالكم، ولكن يَسَعُهم منكم بسط وجوه وحسن خلق" .

وقال محمد بن سيرين: حسن الخلق عون على الدين.

فصل في ذم الكبر

قال علقمة، عن ابن مسعود -رفعه -: "لا يدخل الجنة مَنْ كان في قلبه مثقال حبة من كِبْر، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان" .

وقال إبراهيم بن أبي عَبْلَة، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: "من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، أكبه الله على وجهه في النار" .

حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا أبو معاوية، عن عمر بن راشد، عن إياس بن سلمة، عن أبيه مرفوعا: "لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب عند الله من الجبارين، فيصيبه ما أصابهم من العذاب" .

وقال مالك بن دينار: ركب سليمان بن داود، عليهما السلام، ذات يوم البساط في مائتي ألف من الإنس، ومائتي ألف من الجن، فَرُفع حتى سمع تسبيح الملائكة في السماء، ثم خفضوه حتى مست قدمه ماء البحر، فسمعوا صوتا لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر لخسف به أبعد مما رفع.

حدثنا أبو خَيثَمة، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: كان أبو بكر يخطبنا فيذكر بدء خلق الإنسان، حتى إن أحدنا ليُقذر نفسه، يقول: خرج من مجرى البول مرتين .

وقال الشعبي: من قتل اثنين فهو جبار، ثم تلا أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ [القصص: 19] وقال الحسن: عجبا لابن آدم، يغسل الخرء بيده في اليوم مرتين ثم يتكبر! يعارض جبار السماوات، قال: حدثنا خالد بن خِدَاش، حدثنا حماد بن زيد، عن علي بن الحسن، عن الضحاك بن سفيان، فذكر الحديث. ضرب مثل الدنيَا بما يخرج من ابن آدم .

وقال الحسن، عن يحيى، عن أبي قال: إن مطعم بن آدم ضرب مثل للدنيا وإن قَزّحَه ومَلَّحه.

وقال محمد بن الحسين بن علي -من ولد علي رضي الله عنه -: ما دخل قلبَ رجل شيء من كبر إلا نقص من عقله بقدر ذلك.

وقال يونس بن عبيد: ليس مع السجود كبر، ولا مع التوحيد نفاق.

ونظر طاوس إلى عمر بن عبد العزيز وهو يختال في مشيته، وذلك قبل أن يستخلف، فطعنه طاوس في جنبه بأصبعه، وقال: ليس هذا شأن من في بطنه خرء؟ فقال له كالمعتذر إليه: يا عم، لقد ضرب كل عضو مني على هذه المشية حتى تعلمتها.

قال أبو بكر بن أبي الدنيا: كانت بنو أمية يضربون أولادهم حتى يتعلموا هذه المشية.

فصل في الاختيال

عن أبي ليلى، عن ابن بُرَيْدة، عن أبيه مرفوعا: "مَنْ جَرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه" .

ورواه عن إسحاق بن إسماعيل، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر مرفوعا مثله . وحدثنا محمد بن بَكَّار، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى مَنْ جر إزاره" . و"بينما رجل يتبختر في برديه، أعجبته نفسه، خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" .

وروى الزهري عن سالم، عن أبيه: "بينما رجل ..." إلى آخره .
كمال العطار
كمال العطار
مدير المنتدي
مدير المنتدي

عدد المساهمات : 5682
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

https://reydalsalhen.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى